جريدة التحرير
7-7-2012
تعتعة التحرير
لا يفل التآمر إلا التآمر
(المؤامرة الخفية، والمواجهة الوطنية)
منذ سنتين وأسبوع (30/6/2010) كتبت تعتعة فى الدستور الأصلى بعنوان: “عن الطب والسياسة والحرب والعلم والرأسمالية المالية!”، وكان المثال الأول الذى ضربته لأبين تأثير المنظومة العولمية المافياوية الأمريكية هو مافيا شركات الدواء وما تفعله من غسيل مخ الأطباء والاستعمال التشويهى للعلماء للإثراء على حساب موضوعية الأطباء وحقوق المرضى، وكنت أنوى أن أواصل السلسلة لأبين تكرار نفس النص فى مجالات العامة والحرب والبنوك والمخدرات إلا أننى لم أكمل سوى مقال واحد، لأن الاتهام بالتفكير التأمرى سوف يسلط على كل ما أكتب من ناحية ولأننى أقل خبرة وعلماً فى مجالات غير مجالى.
كان الأسهل علىّ أن أعرض مثالا مناسبا لهذا النص المعاد الذى حضرتنى خطوطه العريضة لتفسير أكثر من مؤامرة، وكان المثال الأقرب لى هو شركات الدواء العملاقة، ولكن دعونا نقرأ معا خطوات هذا النص التآمرى الخبيث: وهو ما نشرته فى ذاك التاريخ السابق منذ عامين بالتمام:
- تحريك معركة عرقية، أو إثارة فتنة بدائية، أو اختراع مرض..أو تهويل الأعراض الجانبية لعقار فعّال رخيص إلخ
- تشغيل آلات إعلام مغرض غامر عملاق لتهويل الأمور
- تكبير مشكلة ثانوية (جدا/ جدا)
- إرعابٌ، فإلهاءٌ، فإزاحة (إعلاميا: محليا وعولميا)
- عرض حلول هامشية فرعية
- إشتغال فى الهوامش، وتفتيت فى القضية الأساسية، للإبعاد عن المشكلة الجوهرية
- وصاية سلطوية شبه علمية أو رسمية مؤسساتية عالمية لفرض الرضا بحلول سطحية زائفة
- ترويج قيم ملتبسة براقة مضروبة، بإعلام متآمر أو بعلم زائف أو إحصاء أعمى
- غسيل مخ للمختص (المنفذ، الوسيط، الطبيب، المفاوض، إلخ)، وللعامة (جماهير الناس)
- استسلام أبله وسكون بليد وعبودية من التابعين المخدوعين العالة
ثم طرحت المثال التطبيقى فى مجال تخصصى فى الطب على الوجه التالى:
عن الطب والعقاقير والشركات:
لا بد من تحذير مبدئى أؤكد فيه أن الحديث هنا هو عن شركات الدواء وليس عن استعمال العقاقير بصفة عامة، إذ لا بد أن أقر وأعترف أننى أحترم العقاقير احتراما بالغا، وأننى أستعملها بكل ترحيب وتقدير، وأنه لولا العقاقير، خاصة فى فرع الطب النفسى الذى أمارسه، ما تعلمت ما هو العلاج النفسى (الذى يتصور الناس أنه بديل عن العقاقير، مع أنه تكاملىّ معها)، ولا جرؤت أن أبحر مع المجنون فى أعماقه، ولا عرفت من خلال ذلك : من هو الإنسان بإبداعه وتطوره ومحنه وتحدياته.
آمل أن تساعد هذه المقدمة القارئ على أن تصله حدود هجومى على شركات الدواء دون التقليل من جدوى استعمال العقاقير للتداوى، وأيضا أن تحميه من التمادى فى الذهاب إلى الجانب الآخر فيصدق ويتبع التيار المضاد للطب عامة والطب النفسى خاصة، لصالح عشوائية العلاج، وفوضى الممارسات البديلة.
الطب فن يستعمل معطيات العلم:
الطب هو ممارسة فن العلاج، مستعملا المتاح من العلم والمعلومات، بأدوات الخبرة النشطة فى علاقة بشرية هادفة. ما تصنعه شركات الدواء باسم العلم، وباسم الطب، وبالإرعاب من الأعراض الجانبية ، هو يقابل ما تفعله الدول الكبرى من خداع وتمويه من خلال المؤسسات العالمية، والاتفاقات التحتية، والتجارة الخفية، وتخليق غرائز استهلاك جديدة…الخ.
دع ذلك جانبا الآن ودعنا نركز على الطب، ما هو معروض على وعى الناس فى الدول الفقيرة والتابعة خاصة، وهو ما يمكن أن يُسَمَّى الطب المصنوع والمستورد؟ ليس بما يخص الإنجازات العلمية المفيدة، وإنما بمعنى تفعيل آليات إعلامية ميكانيكية شبه علمية للإرعاب من الأمراض المستحدثة ومن الأعراض الجانبية، لخدمة أغراض مالية تراكمية أساسا.
بالنسبة لنا: أغلب هذا الطب المستورد هو طب مضروب، نستورده بديلا عن ممارسة فن الطب تاريخا وحاضرا، وأيضا نحن نستورد أوهام أمراض خيالية لزوم أدوية جاهزة، انكشفت اللعبة بما جرى فى حكاية إنفلونزا الخنازير التى شاركت فيها مؤسسة الصحة العالمية والتى لها دلالتها السياسية الأخطر من دلالتها الطبية، المسار حاليا اصبح مقلوبا، بدلا من أن يوجد مرض نبحث له عن دواء يشفيه، يوجد دواء نبحث له عن مرض مضروب يبرر تسويقه بالشىء الفلانى، (سوف أؤجل الحديث عن فيروس الكبد المزعوم المسمى “س” حتى لا تفتح النار علىّ من كل جانب) .
وبعد
حين ثار مؤخرا إعصار الربيع العربى بعد حوالى سبعة أشهر من كتابة هذا النص، كان من حقنا أن نفرح به وننطلق منه إلى غايتنا النبيلة بكل حماس وشجاعة واختراق حتى لاحت معالم موجات ثورات شاملة تبقى على كل الخير فينا، ولا تذر أى شر بيننا، وتنتقل الموجة رائعة فتية من وطن إلى وطن وتصيب وتخطىء ونتقدم وتنتكس حتى تختلط الأوراق.
فى نفس الوقت ومنذ البداية سرى همس ينبهنا إلى احتمال أيد أجنبية جدا، قادرة جدا، خبيثة جدا، تحرك كل الأحداث منذ البداية، وحتى لو كانت قد فوجئت فقد سارعت بالعمل على أن تحولها إلى مصالحها الخبيثة المعلنة والخفية منذ البداية، ويظهر الوجه الأمريكى بالذات سراً وعلانية، ويتنامى فى مواجهته الحذر الوطنى، ومازالت المعركة مستمرة (ياليت!!!).
رجعت اليوم إلى النص (السكربيت القديم) الذى خطر لى منذ سنتين بالتمام وطابقته على الهمس الجارى، طول الوقت ووجدته يصلح صورة طبق الأصل لاحتمال تفسير الأحداث تفسيرا حذرا، تآمريا، وبنفس الترتيب، إلا أن أغلب المتحمسين قد تصوروا أن فى قبول هذا التفسير ما يحرم الشباب والشعب من فضل تخطيطه وتلقائيته وشجاعته وتضحياته، أو يسلب من الثورات ثوريتها، وهذا استسهال سخيف، وتمسك سطحى، لكنه وضع احتمالات التآمر فى بؤرة وعينا، إنما يدفعنا إلى الحذر والانتباه إلى أنه لا يفل التآمر إلا التآمر وأن الذى تقاس به مشروعات الثورة هو المصب الذى نَصب فيه ليكتمل مشروع الثورة إلى ثورة لصالح أهلها، ولا يتم ذلك إلا إذا استطعنا أن نكسر هذا النص “السكريبت” لنصب كل جهودنا وتضحياتنا ودم شهدائنا فى إفساد المؤامرة، ورفض التشرذم الدائم، وصد التعبية بالعمل على استقلال اقتصادنا الوطنى فى مواجهة الاقتصاد العولمى كما تحاول نفس المحاولة اقتصاديات أوربا بل وقوى رائعة فى أمريكا ذاتها، وأيضا إذا استطعنا أن نحوّل المسار إلى الاستقلال القومى الفعلى الذى به نمتلك حتى اتخاذ قرارات مصيرنا، وإبداع فكرنا من واقع ثقافتنا ليساهم فى إيقاف هذا الغول المالى الانقراضى المتوحش الذى يهدد بقاء الإنسان فى كل مكان.