اليوم السابع
الأحد 22-9-2013
لا تهينوا مرضاىَ فتهينونى وأنفسكم، لو سمحتم
الإهانة التى تلحق بالمرضى النفسيين أغلبها بدون قصد، نتيجة لجهل من يقذف بها فى وجهى، أعنى وجوهنا: وجهى ووجه أصدقائى المرضى، تحملتُ إهانات غير المختصين بصعوبة، من أول “اسماعيل يس فى مستشفى المجاذيب”، حتى “طار فوق عش الوقواق”، ولم أضحك أبدا على “الشعرة التى “ساعة تروح وساعة تييجى”، لأننى أنتمى لنظرية أن هذا التناوب بين الاستيعاب والبسط ، بين النوم واليقظة، بين الليل والنهار هو أصل الحياة بفضل الله (الإيقاع الحيوى)، كما عذرت جهل العامة حين يتندرون قائلين “المجانين فى نعيم”، ودعوت لهم ألا يروا نعيم أصدقائى هؤلاء، الذين عصرهم الألم عصرا، وطحنتهم الرؤية الأعمق حتى اضطروا أن يغطوا كل ذلك بتلك الابتسامة التى تبدو سهلة facile smile والتى تسمى بالعربية عادة :”ابتسامة بلهاء لا معنى لها”، وهى تخفى كل مأساة الرؤية الأعمق والألم الساحق الدفين، حاولت أن أكشف عن حقيقة عمق ما وراء ما يبدوا للناس هكذا فيتندرون، أو على أحسن الأحوال يمصمصون شفاههم، فخرج منى شعرا فى البداية، أقتطف بعضه على لسان مريض يعلمنا معنى هذا الألم ومغزى تلك الابتسامة،
يا أسيادى:
“يا حفـّاظ السرِّ الأعظم،
يا حُمال سرِّ المنجم ،
يا كهنة محراب الفرعون،
يا أفخم من لاكَ الألفاظَ تموءُ كقططٍ جوعـَى فى كهفٍ مظلمْ،
يا أذكى من خلق الله وأعلم ، يا أصحاب الكلمة والرأى :
هل أطمعُ يوما أن يـُسمع لي؟ هل يـُسمح لي؟
هل يأذنُ حاجبـُكم أن أتقدّمْ :
لبلاطكمو التمسُ العفو، أنشر صفحتىَ البيضاءْ؟
أدفعُ عن نفسِى أتكلمْ؟
أحكى فى صمتٍ عن شىءٍ لا يُحكى،
عن إحساسٍ ليس لهُ إسمْ،
إحساسٍ ٍ يفقد معناه، إن سكنَ اللفظَ الميـَتْ ،
شىءٍ يتكور فى جوفـِى، يمشِى بين ضلوعِى، يصَّاعد حتى حـَلـْـقى،
فأكاد أحس به يقفز من شفتىّ،
وفتحت فمي: لم أسمعْ الا نفسا يتردد، إلا نبض عروقى.
وبحثتُ عن الألفِ الممدودهْ ، وعن الهاءْ،
وصرختُ بأعلى صمتى، لم يسمعـْـنى السادة،
وارتدّت تلك الألفُ الممدودة مهزومهْ، تطعنـُنِى فى قـَلبِى،
وتدحرجت الهاءُ العمياءُ ككرةِ الصُّلب..، داخلَ أعماقى،
ورسمتُ علـَى وجهى بسمهْ، تمثالٌ من شمع،
ورأيت حواجب بعضُهمو ترفع، فى دهشة،
وسمعتُ من الآخر مثل تحيهْ،
ظهرتْ أسنانى أكثر، وكأنى أضحك،
…………
هل بعد ذلك يصح أن نصفَ هذه الابتسامة بأنها “بلهاء لا معنى لها” ؟
هل يصح بعد ذلك أن نصف جمود الإخوان الفكرى، وانغلاقهم خاصة عن الإسلام وعن رحمة ربنا وعن الوطن، وعن كل من هو “لا إخوان”، بأنه “ضلال مرضى”؟
هل يصح بعد ذلك أن نصف من يقتل من يحمينا، ويدافع عن سلامتنا، وعن شرفنا، وعن كرامتنا، وعن حدودنا أنه بلغ درجة الجنون؟ هل هذا مديحٌ أم ذم ؟ يصلنى مثل ذلك أنه إهانة لمرضاى أساتذتى أكثر منه سبابا لهؤلاء القتلة المتبلدين الأبعد عن رحمة رب العالمين
لكن ثم سوء استعمال آخر لأبجدية الأعراض والامراض النفسية، سواء فى وصف الشعب، أم لتفسير القسوة والقتل والسحل والتشويه؟
إعملوا معرفا إبحثوا لكم عن لغة أخرى أكثر موضوعية، احتراما للعلم والمرضى، حتى تبعدوا عن تفسير كل هذه البشاعة بإهانة المريض، وفى نفس الوقت، احتمال إعفاء المجرم من مسؤولية إجرامه (مجنون بقى ولا مؤاخذة!!) .