جريدة التحرير
8-12-2012
تعتعة التحرير
كلّ واحدْ همّه ناسُهْ: يبقى مصرى!
أنا أحيى هذا الرجل الموحد الشجاع، اسمه “مهدى عاكف”، صرح لصحيفة الوطن فى 30 نوفمبر 1912 التصريح التالى “… والله سبحانه وتعالى سينصر هذا الدين، وسيأخذ به للخير، أما هذه الغوغاء والضوضاء فمرحبا بها… “، ولن أقارن بين هذا الترحيب الساخر، وبين تصريح الرئيس مبارك “خليهم يتسلوا”، علما بأن ما يصلنى من الرئيس مرسى من استهانات، وإهانات، أكبر واخطر، غفر الله للجميع.
لماذا أحيى هذا الرجل؟ لأنه شجاع، لم يخش لومة لائم، ورفض أن ينافق مثل الآخرين الذين يتداولون فيما بينهم أن حب الوطن على أحسن الفروض هو نافلة أو مكروه، وعلى أسوأها “حرام”، الذى يعرف هذا الموقف المبدئى لابد وأن يحترم شجاعة هذا الرجل وهو يخاف من الشرك ولا يقتدى بالمنافقين الأخبث، فهو يخشى أن نقدس الوطن تقديسا شوفينيا أعمى حتى نكاد ننسى أنه “لا إله إلا الله”، وهذا يفسر تصريحه القديم في حديث مسجل له مع الصحفى سعيد شعيب روز اليوسف 13 ابريل 2006 يقول فيه ” طُظ في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر..الجنسية هي الإسلام وياريت مسلمو ماليزيا يحكمونا” ولن أناقش هذا التصريح الأشجع إلا بعد أن أحكى ما سوف أحكيه.
لماذا أحترم شجاعة هذا الرجل هكذا مع أننى أحب مصر حبا جما (إنتظر قليلا)!!؟ أنا أحترمه لأنه يقول ما يعتقد، وأنه بذلك لا يشرك بربنا شيئا، ولن تضار مصر من أن يقول هذا الشيخ الشجاع ما يبرئ به نفسه من شركٍ أخفى من دبيب النملة، أنا أعرف أصول هذا الفكر ومبرراته لأننى عاصرته إخوانيا صبيا فى منتصف الأربعينات، ذلك أننا حين كنا نذكر اسم مصر، أو نهتف به، أو ينسى أحدنا ويدندن ما كنا ننشده فى طابور الصباح فى مدرسة زفتا الابتدائية فمصر الجديدة الثانوية، كانوا يفهمونا فى الاخوان أن هذا حرام قطعا حتى نصدق أنه نوع من الشرك، وأن علينا ألا ننتمى إلا لهذا الدين الذى صوروه لنا فيما يعتقدون ويفعلون لا أكثر ولا أقل، ولم أكن أعرف أن دينى الحنيف أعظم من ذلك ألف مرة.
منذ هذا التاريخ القديم وأنا أتابع نفسى وحبى لمصر يزيد بإصرار، ومع هذا لم أتردد فى أن أتوقف أمام مقولة مصطفى كامل: “إننى لو أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا”، بل إننى رحت أختبرها فى “موقعى”، وطلبت من زواره أن يكملوا العبارة، “إننى لو أولد مصريا لوددت أن أكون ……(أكمل)، واختر أى جنسية أخرى”، وجاءتى إجابات ساخرة ، وطريفة، وصادقة، وحماسية.
الصراع الذى كان ومازال قائما “بينى” و”بينى” كان بين مدى تعلقى بطين هذا البلد الذى ولدت على أرضه، ونشأت فى رحابه، ورضعت من طيبته وكرمه، وبين حبى للإنسان فى كل مكان على أى أرض، ما دام هو هو زميلى فى البشرية – “خلقةْ ربنا”، ومادام كل هؤلاء البشر هم الذين يشاركونى المحنة المعاصرة بما يسهل طريق كدحى إلى ربى، لكننى حتى أصل إلى ذلك عانيت كثيرا، وظهر ذلك أول ما ظهر فى شعرى بالفصحى منذ ثلاثين عاما، وأنا أصارع نفسى الناقدة قلت:
– 2-
……..
لمَّا تمايلَ جمعُهم مكبِّرا، مهللا،
فى حب أرضنا الوطن،
أفرغتُ وعيى من خبايا حكمتى،
ورأيتُ نفسىَ هاتفا:
“يحيا الوطن“
(لستُ أنا!!)
فأطلَّ من بين الضلوعِ،
وقال لى مستهزئا أو ناقدًا:
“لكلِّ من ولدته أمُّه وطن،
مثل الوطنْ”
-3-
يـا أرض ربّى قد وسعْتِِ الناسَ والسباعَ والطيورَ والحجارةْ،
لكننى أرنو لشبْرٍ واحدٍ: أنَـا،
يضمُّ عظمِى يحتوينى رحِِمَا.
–4–
يا صاحبِى يا قدرى
رُدَّ الجهالةَ، مِقْوَدى.
هدَّمْتَ غارِى معبدى
وأنرتَ دربى: لم أعد أَرَى
إلا الحقيقة عارية
فقال واثقا وساخراً:
أنت الذى دعوتنى كيما أكونُكَ صادقا
…………
يا صاحبى!! هلاّ تركت لحيتى؟
أنا لستُ أنتَ، وأنت لستَ المستقرْ،
7/7/1982
ويزيد حبى لمصر!!، ولم يمنعنى ذلك من انتمائى إلى “لا إله إلا الله” طول الوقت.
ثم خيل إلىّ أننى وجدت الحل أخيرا حين تذكرت أن أى صاروخ مهما كانت وجهته فلابد له من قاعدة ثابتة ومتينة وجاهزة ومنضبطة، سواء كان صاروخا عابرا للقارات، أو عابرا للأزمنة، أو عابرا للأفلاك، أو عابرا لطبقات الوعى، من هنا أحسست أن مصر هى قاعدة صاروخى إلى وجه ربى، وأن حبى لمصر/الطين/ الناس/ الطيبة/ الخيبة/ التاريخ/ الوقفة، هو هو حبى للإنسان البشر/الغيب/ الكون/ الله. . فى رحلة التكامل. فكتبت شعرا بالعامية لصديق كان مهاجراً، قلت فيه:
“……
دانا لما بابص جوا عيون الناس،
الناس من أيها جنسْ،
بالاقيها فْ كل بلاد الله لخلق اللهْ.
وفْ كل كلام،. . وفْ كل سكاتْ.
وِذَا شفت الألم، الحب، الرفض، الحزن الفرحهْ فى عْيونهم..
يبقى باشوف مصر.
وباشوفها أكتر لما بابصّ جوايا.
والناس الحلوين اللى عملوا حاجات للناس،
كانوا مصريين:
”كل واحد همُّه ناسُهْ،
كل واحد ربـّه واحدْ،
كل واحد حُـرّ بينا،
حُر لينا
يبقى مصرى”
تبقى مصر بتاعتى هى الدنيا ديه كلها،
هى وعد الغيب، وكل الخـلـق، والحركة اللى تبني.
وبعد
يا أيها الشيخ الشجاع، أمريكا التى تسوق لنا الحرية الزائفة، والديمقراطية الملوثة، سوف تظل أمريكا هى هى بكل غطرستها وتفوقها وغرورها، سوف تظل فى عيون أبنائها فوق الجميع، وسوف يظل أوباما الأسمر والسيدة كلينتون اليضاء يمنون علينا بدين العولمة المالية وهم يلصِقون عليه لافتات الحرية والديمقراطية، وحين تقول طز فى مصر لن يقولوا معنا طز فى أمريكا أو فى العولمة، وستتكرر مأساة التحكيم بين على ومعاوية رضى الله عنهما وغفر لهما.
يا شيخنا الجليل: أنا احترم حذرك، وأرجو أن تقول معى: طز فى النفاق، والكذب، والاحتقار، والاستهتار، والتهميش، طز فى كل من احتكر دين الله دون سائر خلقه، طز فى كل من خدعنا ويخدعنا، واستعملنا، ويستعملنا، ليحقق أغراضه هو، لا أغراض ربنا، ولا حقوق ناسنا.
علينا أن نسعى إلى وجه الله شاكرين كل نعمه ومن أهمها الأرض التى نشأنا على ترابها، وشربنا من مائها، وتآلفنا مع أهلها، وأن نحمل الأمانة انطلاقا منها إلى كل بقاع الدنيا نحو وجهه سبحانه وتعالى، نحول دون شراستهم واجتياحهم، “قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ”.