الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل الحادى عشر: العوامل العلاجية والفروق الثقافية ورأى “يالوم” (1)

كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل الحادى عشر: العوامل العلاجية والفروق الثقافية ورأى “يالوم” (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 31-1-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 4901

   كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى  

 “من ذكاء الجماد إلى  رحاب المطلق” (1)

الفصل الحادى عشر

العوامل العلاجية والفروق الثقافية 

ورأى “يالوم” (1)

“تكاثرت الظباء على خراشٍ، فما يدرى خراش ما يصيد” (وخراش صياد غزلان)، سوف أبدأ اليوم بما نهانى ابنى محمد عن أن أعرج إليه، لكننى قلت أحاول اليوم مع شيخ العلاج الجمعى عمنا “يالوم”، وهو يعرض أول فصل فى كتابه “المختار” (2)  بعنوان جميل  يقول  بالانجليزية: The Therapeutic Factors What is that heals:  والذى قمت بترجمته كما وصل لى: العوامل العلاجية: ما هذا الذى يُشْفى؟

وهو يبدأ بمقدمة شديدة الأمانة وصلنى منها أنه يعترف فيها:

  • أن العامل الشافى هو أبعد ما يكون عن التحديد،

  • وأنه يكاد يستحيل فصل عامل واحد عن بقية العوامل،

  • وأن أية محاولة لتحديد عامل بذاته هى محاولة تقريبية، وناقصة غالبا،

لكنه يمضى بعد ذلك فى تحديد متواضع لبعض تلك العوامل، وأعترف أننى استلهمت من العناوين أكثر مما حاولت مناقشة تفاصيل المتن كما أورده، وكأنه يكتب لى شخصيا، وكأنه يسألنى وهل عندكم مثل هذا، فأجيبه من واقع خبرتنا وثقافتنا بما يلى هكذا:

وسوف أبدأ برصد ثبت بقائمة كل ما أورد من عوامل دون إلتزام بمناقشتها جميعاً بنفس الدرجة:

زرع الأمل (تم التعليق عليه)

Instillation of Hope 

1-

الشمولية

Universality

2-

توصيل المعلومات

Imparting Information  

3-

الإيثار (الغيرية)

Altruism

4-

الاستعادة التصحيحية لجماعة

 الأسرة الأولية

The Corrective Recapitulation  of the Primary Family Group  

5-

تنمية الأسلوب الاجتماعى

Developing of Social Technique

6-

السلوك المُحاكاتى

Imitating Behavior

7-

التفريغ

Catharsis

8-

العوامل الوجودية

Existential Factors

9-

تماسك المجموعة

Group Cohesiveness  

10-

التعليم البينشخصى

Interpersonal Learning

11-

المجموعة ممثله لكون اجتماعى مصغر

The Group as Social Microcosm

12

 يبدو أنه علىّ أن أحدد نوع العلاج الجمعى الذى أقدمه هنا حتى لا تبدو الفروق التى تظهر من خلال المقارنة مجرد فروق ثقافية، ذلك أننى لاحظت إشارة “يالوم” المتكررة إلى أنواع من العلاج الجمعى مختلفة عن هذا النوع المحدد الذى أمارسه وأصفه، هنا مع عرض الفروق التى تبدو بمثابة اعتراضات وقد لا تكون كذلك، فهو يتكلم عن مجموعات متجانسة من أول مجموعات الإدمان وحتى مجموعات المنحرفين، وعن مجموعات القسم الداخلى، وعن مجموعات اضطرابات الشخصية وعن مجموعات المواجهة، صحيح أنه يركز الكلام على خبرته الشاملة فى أساسيات العلاج الجمعى لكنه يشير بالتزام إلى هذه التنويعات الهامة فى كثير من الأحيان.

ما أعرضه -كما أشرت- هنا هو خلاصة خبرتى شخصياً فى قصر العينى بوجه خاص مع مجموعة من المرضى عبر نصف قرن 1971، 2020 بالإضافة إلى ممارسات مفتوحة فى مستشفى دار المقطم بالصحة النفسية، وممارسات محدودة فى عيادتى الخاصة، فضلا عن رسائل الماجستير والدكتوراه التى أشرفت عليها، والتى أشرت إليها سابقا فأتاحت لى فرصا للدراسة الأعمق، وأنا أحاول توصيل بعض ذلك كما بينت سابقاً.

لكننى وجدت الآن أنه علىّ قبل أن استطرد أن أعيد تحديد أهم ما يمكن أن يفسر الفروق بين خبرتى هذه، وما يقدمه “يالوم” بطريقة مدرسية شبه تقليدية من واقع الخبرة أيضا، ولو فيها بعض الإعادة كما يلى:

أولا: أكرر أن أغلب مرضانا فى هذه المجموعات يعالجون بالمجان (حتى دون دعم شركات تأمين) فى مستشفى حكومى جامعى وأغلبهم من الطبقة الوسطى الدنيا فأدنى.

ثانيا: إن المرضى فى تجربتنا غير متجانسين فى التشخيص (وفى غير ذلك).

ثالثا: إن عدم التجانس يمتد إلى المستوى التعليمى ففيهم الأمى حتى الجامعى وما بينهما.

رابعاً: إن عدم التجانس هذا يمتد أيضا إلى سنوات العمر وإن كنا لاحظنا أننا نعمل أكثر مع منتصف العمر غالبا (20-60).

خامسا: إن المجموعة قد تشمل أحيانا – ولو فى بعض مراحلها- ذهانين فى حالة نشاط، أو إفاقة نسبية، أو بقايا أعراض، كما تشمل غير ذلك من تشخيصات، لذلك فإننا نستعمل العقاقير بطريقة تناقصية مناسبة مساعدة معظم الوقت (الفصل السابق).

وعلى ذلك فإن كثيرا من الملاحظات التى تظهر اختلافات مهمة مع ما أورده “يالوم” قد ترجع إلى هذه الفروق، وليس فقط لاختلاف الثقافات أو لقصور هنا أو هناك.

ثم نبدأ فى مناقشة ما أورده “يالوم” تحت العوامل العلاجية.

(1) زرع الأمل Instillation of Hope

يبدو أن يالوم يعتبر مجرد حضور هذا العلاج دليلا على أن المريض يأمل منه شيئا طيبا، يصله عادة من مريض سابق أو من قراءة عابرة، أو من خبرة شخصية جعلته يبحث عن، أو يأمل فى: “شىء آخر”، و”يالوم” يقرّ أنه يقوم بدور مبدئى فى الحفاظ على هذا الأمل بشكل أو بآخر، وخاصة فى الفترة الأولى…الخ.

الحال عندنا يبدو مثل ذلك من حيث المبدأ، وأنا – مثله –  سوف أتكلم أساسا عن المجموعات التى مارست معها هذا العلاج فى قصر العينى  بوجه خاص، كما ذكرت سابقا.

فى حين أنه يشير أو حتى يوصى بنوع التحضير لدخول المجموعة، بما يشمل التلويح بالأمل، أو التأكيد عليه من معالج أصغر أو متدربٍ آمِل، أقول فى حين أنه يعطى اهتماما خاصا لمثل هذا التحضير فإننا لا نفعل ذلك تقريبا، فنكتفى بالتوصية بكتابة “ورقة مشاهده” Sheet كاملة لمن نعرض عليه الدخول إلى هذا العلاج، وفيها نجمع المعلومات التقليدية الكافية اللازم رصدها فى أية ورقة مشاهدة عن أى مريض لأى علاج آخر، وعلى الرغم من أن هذا الشرط لا يستوفى دائما بشكل كاف، فإن الافتقار إلى اكتماله لم يعوق مسيرة أى فرد فى المجموعة بشكل خاص،  وكان هذا دليلا ضمنيا على كيف يتركز هذا العلاج أساسا فى “هنا والآن” وما يتولّد حالا لينمو!!  ومع ذلك فإنى كنت آسف دائما لعدم استكماله، وإن كانت الفرصة كانت تتاح لاستيفاء ما نحتاج إليه من بيانات أثناء مسيرة العلاج (3).

بمجرد أن تبدأ المجموعة لا يجرى الحديث عن “الأمل” فيما يسمى الشفاء بأى قدر من المباشرة أو التشجيع الحماسى، بل إن الرد على من يسأل عن نسبة الأمل فى الشفاء، أو احتمال عودة المرض إذا تم الشفاء، يؤجَّل إلى آخر خمس دقائق (4) “المخصصة للأسئلة والأدوية”، وحتى فى هذه الخمس دقائق لا يُجاب على مثل هذه الأسئلة بشكل مباشر، وكثيرا ما تكون الإجابات مفتوحة مثل:

–   إحنا وشطارتنا.

–    آدى احنا حانشوف.

–   ربنا يسهل.

–    طبعا فيه أمل، بس ده مش وعد، دا حسب نتيجة إللى بنعمله سوّا.

–    الأمل موجود مادام ربنا موجود (ليس بالمعنى التقليدى أو الاغترابى).

–   ده مش العلاج الوحيد على كل حال، وانت حر (خاصة ونحن نعمل فى مؤسسة علاجيه تعليمية بها كل أنواع العلاج دون استثناء).

–    أديك حاتشوف بنفسك.

–    واحدة واحدة على قد ما نشوف، وأدى احنا بنكمّـل.

ولا أعرف تحديدا ما فائدة ذلك، لكننى لاحظت أن هذه الإجابات ومثلها ترسل رسالة للمرضى أن ما يفعله معنا، وما نفعله “معا“: هو الذى يجيب على مثل هذا السؤال وليس التلويح بالأمل بالألفاظ، ثم إننا لا نقيس الأمل بإقراره من جانب المريض أو بتأكيده من جانب المعالج (أو المعالجين) وإنما بالانتظام فى الحضور، والالتزام بالقواعد، ومدى التحمل، ونوع قفزات أو لمحات التغيير.

ويختلف تناول موضوع الأمل “كعامل فاعل فى العلاج” باختلاف نوع المجموعة طبعا، فمجموعات الإدمان، أو مجموعات اضطرابات الشخصية، غير المجموعات غير المتجانسة من المرضى التى هى مجال ممارستى واختيارى الأول، وهى التى سوف يقتصر حديثى عنها كما أشرت سابقا، وهى مجموعات تمثل شريحة اجتماعية متوسطة أو متوسطة دنيا أو دون المتوسطة تعالج بالمجان (5).

ومع تقدم عمر المجموعة، فإنها لا تعود إلى هذا السؤال عن الأمل المتوقع عادة، وقد لاحظنا أن المرضى يعزفون عن طرح هذا السؤال تلقائيا، وأن المعالج يصبح أقل استعدادا للتطرق إلى الإجابة عليه، ويرجع ذلك عادة إلى أن أغلب أفراد المجموعة يكونون قد تلقوا إجابات عملية ضمنية كافية من واقع مسيرة العلاج، كما أنهم يكونون قد ألفوا بشكل واضح التعامل من خلال مبدأ “هنا والآن“، وهذا المبدأ يستبعد الحديث عن الأمل بشكل مباشر تلقائيا، لأن الأمل – مهما لاح- هو أمر يتعلق بالمستقبل الذى لا يحضر “هنا والآن” بشكل مباشر محدد.

وقد نعود إلى الحديث عن الأمل بالنسبة لأفراد معينين فى أوقات بذاتها أورد بعضها فيما يلى:

(أ)  حين يبدو وكأن حالة المريض تسوء (ظاهريا على الأقل)، فتظهر أعراض جديدة ضد الشائع عن العلاج النفسى عموما، ويتردد مباشرة، أو ضمناً، أن المفروض فى العلاج أنه “يريّح العيان”، أقول إنه من الطبيعى أنه حين يجد المريض نفسه يتألم أكثر، وهو يتحرك أصعب، فإن السؤال عن الأمل يكون طبيعيا، والرد ينبغى أن يكون موضوعيا مُطَمْئِنًا نسبيا.

(ب) فى أوقات “المرور فى المأزق” (المشى على الصراط) (6) “المرور فى النار” Passing into Fire، وهى أوقات سنرجع إليها فى حينها بالتفصيل يحتاج المريض فى هذه الأوقات أن يطمئن إلى أنه يمشى فى الطريق الصحيح حتى يتحمل آلام المأزق ولا يتعجّل فى الحكم على الموقف بالسلبية أو يسارع بالهرب إلى مايشبه الصحة Flight into health ، فيرتد إلى ما قبل المأزق.

(جـ) فى أوقات التحسن المرحلى سواء بعد المأزق، أو بدونه، فإن المريض قد يفرح بهذه النقلة النوعية وبالتالى يقفز إليه السؤال، هل هناك أمل فى أن يستمر فى نوعية هذه النقلة الجديدة أم أنها خدعة مؤقتة، ويتوجه الحوار أيضا فى اتجاه تدعيم الاستمرار والسعى إلى الأحسن (بعد استبعاد آلية (ميكانزم) الهرب فى الصحة Flight into health.

وفى جميع هذه الأحوال يلتزم المعالج بنفس الالتزامات السابق التوصية بها، ولا يجيب عن التساؤلات بشكل مباشر، بل إنه يكون قد حصل على نتائج ودلائل عملية من واقع الممارسة الجارية سواء عن المريض المتسائل أو مع غيره، أو فى المجموعة ككل، تجيب نيابة عنه بشكل عملى، “وهنا والآن”.

ثم إن هذا التحريك للتساؤل عن الأمل، والحاجة إلى تدعيمه – كعامل علاجى كما يرى “يالوم” –  قد يقفز فى مستوى ما من الوعى عند أى فرد من أفراد المجموعة حتى لو لم يمر بهذه الاحتمالات أو مثلها، لأنه يتصور نفسه فى موقع زميله المريض الذى زادت آلامه، أو ظهرت أعراض جديدة عليه أو وهو يمر بمأزق علاجىّ صعب، وبالتالى قد يقفز داخله متسائلا وماذا لو جاء علىّ الدور؟ إلى أى مدى سوف احتمل مثل ذلك إن لم يصلنى أمل فى نتيجة مؤكدة تبرر كل هذا أو تخففه:

كل هذا عن الأمل وكيفية تناول إثارته فى المجموعة، وكل تحفظاتنا هذه هى نتيجة التخوف من التأكيد على الأمل “عاملا علاجيا” ضروريا (بنص تعبير يالوم) حتى لا يصبح عاملا معطـِّلا إذا أبـْعـَـدَنـَا عن “هنا والآن” حتى لو كان الحوار يجرى بلغة مثالية أو قيمية  مثل أن يتكلم البعض ولو بدون قصد ظاهر عن قيم مثل “النمو” و”التطور” و”الحرية” و”الإيثار” ومثل هذا الكلام الذى يبعدنا عادة – ككلام وليس كموقف – عن “هنا والآن” وقد يوقعنا فى أوهام مثالية تجعل الإحباط أقرب والبعد عن الواقع أكثر احتمالا.

فى خبرتنا كم لاحظت أن الحديث عن الأمل يمكن تناوله بشكل غير مباشر باختباره فى “هنا والآن” وذلك مقارنة بإدراك (وليس بفهم أو اقتناع) ما يحدث مثلا فى الأجزاء شديدة القصر من الموقف أثناء المسيرة .

ثم إن “يالوم” لم يذكر بشكل محدد التفرقة الواجبة بين “الأمل الجاهز” أو “الأمل المنطقى المعقلن” أو “الأمل المصنوع” من خلال الممارسة والتفاعل و”الأمل الواقعى” و”الأمل القاصر على الفرد” و”الأمل الممتد للجماعة” و”الأمل الممتد خارج الجماعة” (ناهيك عن الأمل الممتد إلى كل الناس ومابعد الناس) مع أن كل ذلك بدا لى كأنواع وتجليات فى تبادل ومراحل تساهم فى تحديد موقع ومرحلة الأفراد (أيضا موقع المجموعة وقد أعود إليها) وهى أنواع وتجليات تساعد فى معايشة معنى الأمل واقعا فى التكوين وليس أمنية فى الانتظار.

……………

ونكمل الأسبوع القادم بتقديم (2) الشمولية  Universality 

[1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط.

[2] – The Yalom   Reader “Selections from the work therapist and storyteller”  Edited by: Irvin D. Yalom Copyright: 1998

[3]-، هذا الاستيفاء لا يتم خلال الجلسة طبعا، وهذا كله استثناء تصحيحىّ لا ينبغى اللجوء إليه ما أمكن ذلك.

[4]-(من التسعين دقيقة)، فكل جلسة مدتها 85 دقيقة+ هذه الخمس دقائق للأسئلة والأدوية!! = 90 دقيقة.

[5]- ومن البديهى أن “العلاج الخاص بمقابل” يعتبر عاملا مهما فى قياس الأمل، فلا أحد يدفع عادة إلا لأنه يأمل فى نتيجة إيجابية حسب تصوره.

[6]- هذه هى ترجمة مصطلح بيرلز Passirg into fire  وهم الاسم الذى أطلقته على ثلاثيتى الروائية باسم “المشى على الصراط” وخصصت فيها الجزء الثانى باسم “مدرسة العراة” لوصف خبرة العلاج الجمعى على لسان حضورها دون أية وصاية علمية مباشرة.

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *