الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل العاشر: “علاقة هذا العلاج بالعلاجات غير النفسية (العضوية) الأخرى” (2)

كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل العاشر: “علاقة هذا العلاج بالعلاجات غير النفسية (العضوية) الأخرى” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 24-1-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 4894

   كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى  

 “من ذكاء الجماد إلى  رحاب المطلق” (1)

الفصل العاشر

علاقة هذا العلاج بالعلاجات غير النفسية (العضوية) الأخرى (2)

……………..

خطوات التطبيق:

بناء على هذه الفروض جميعا يتدرج التعامل مع العقاقير فى هذا العلاج على الوجه التالى:

1- يسمح لكل مريض من أول جلسة دون استثناء أن يتناول العقاقير التى كان يتناولها قبل بداية هذا العلاج دون زيادة أو نقصان أو تغيير، على أن يعاد النظر فى الجرعة بعد ذلك أولا بأول اعتبارا من الجلسة التالية وعلى مدار السنة حسب المتغيرات التى ألمحنا إلى بعضهما وقد نفصلها أكثر فيما بعد.

2- لا يهمنا فى البداية عادة إن كانت النتائج الإيجابية قد حدثت نتيجة لهذه العقاقير أو للعلاج الجمعى، فالذى يحدد ذلك هو “نوع النتائج” و”استمرار فاعلية النتيجة”، وليس مجرد النظرة المسطحة للنتائج، واختفاء الأعراض ومجالات المقارنة الإكلينيكية العامة مفتوحة: فعندنا – وعند غيرنا – من يأخذ هذه العقاقير دون هذا العلاج، ونحن نتتبع يومياً طبيعة نتائجهم” ومداها، ونوعها، بخبرتنا الإكلينيكية، دون خدعة ومزاعم الضبط الأعمى والمقارنات السطحية.

3- نتفاهم مع المريض عادة ومنذ البداية عن فكرتنا عن طريقة عمل هذه العقاقير بما فى ذلك التفسير التركيبى التطورى البيولوجى دون استعمال مصطلحات علمية غريبة، لكن بالإشارة إلى عملها الانتقائى على مستويات المخ المتصاعده، وتـُفـَهـَّم أغلب المرضى ما نريد توصيله عادة وتدريجيا، كما يستطيع بعض المرضى أن يقوموا بربط التغيرات الذاتية الخاصة والسلوكية الجارية فى المجموعة وخارجها بجرعة العقاقير المناسبة ونوعها، ويناقشَ ذلك مع المعالج فى كثير من الأحيان.

4- بعد أن تصل هذه الرسائل بوضوح كاف، لا نعود للحديث النظرى عن طريقة عمل العقاقير من جانبنا وإنما نستجيب للتساؤلات حولها، علما بأن كل جلسة تنتهى (فجأة) بإعلان أنه: “آخر خمس دقائق للأسئلة والأدوية“، فإذا سأل أحدهم عن جرعته أو بعض الأعراض الجانبية تمت الإجابة وعمل اللازم.

5- يتعلم المريض حاجته للعقاقير وتناسبها مع طبيعة تفاعله بعد بضعة أسابيع من البداية، وعادة ما يصله أننا قد نستغنى عنها نهائيا إن آجلا أو عاجلا.

6- لاحظنا أن أغلب المرضى – حتى الفصاميين المزمنين – يمكنهم أن يستغنوا عن العقاقير تلقائياً مع تقدم العلاج وتطور مراحله.. دون أن يخل هذا بوظائفهم الفسيولوجية (النوم مثلا) أو النفسية (العلاقاتية مثلا)، وقد يرجع البعض إليها تلقائياً لأيام أو أسابيع وبجرعة أقل، ثم يوقفها ثانية، وقد يخطرنا بذلك أو لا يخطرنا، ولكننا نتتبع آثار كل هذا طول الوقت أولا بأول.

7- تعلمنا من هذه الطريقة التلقائية أنه إذا سمح للنشاط القديم والأعمق للمخ بالتعبير بلغة الواقع، وقوبل بالتقبل من حيث المبدأ دون تشتيت أو انحراف، وبدأت محاولات استيعاب هذا النشاط دوريا مع الإيقاع الجارى، فإن المريض لا يحتاج للعقار الذى يخمده بنفس الجرعة، والعكس صحيح، وهذا التناوب مباشر ويومى ولا يحتاج لما يسمى فترة الكمون حتى يظهر مفعول العقاقير كما تزعم معظم الأبحاث.

8- لا نلجأ أبداً إلى (بل وننهى عن) تعاطى المنومات والمهدئات الخفيفة التى تعمل تسكينا على المستويات الأعلى من المخ.

9- فى بعض الأحيان يقل تعاطى المخدرات والكحول تلقائياً لمن كانوا يتعاطونها، إذ يبدو أن الحاجة إليها هى الأخرى تقل حتى أن المريض قد ينقطع عنها تماماً مع ازدياد التفاعلات واكتشاف الداخل والاعتراف به وتقبله، وللعلم، فلم يكن فى هذه المجموعة ولا مريض واحد يمكن أن يطلق عليه صفة “مدمن”، وعموما فإن الاستغناء عن تعاطى أى عقاقير مساعدة غير الموصوفة فى المجموعة هو من أول خطوات التعاقد الذى يشمل تنظيم التداخل الكيميائى جنبا إلى جنب مع الجارى فى تشكيل الوعى.

10- مع استمرار المناقشات حول العقاقير (تحديدا فى الخمس دقائق الأخيرة المخصصة للأسئلة والأدوية)، يتم التواصل ونحن نحتكم إلى أبسط المحكات التى نحكم بها على الحاجة إلى العقاقير (وهى نفس المقاييس التى توصل إليها المرضى تلقائياً) وهى:

(أ) النوم (7 – 9 ساعات يومياً)، مع متابعة نوع النوم وتوقيته ليلا، وجدواه عن بعد، دون الدخول فى تفاصل الأحلام عادة، مع تجنب النوم نهارا أكثر من نصف ساعة “استثناءً”.

(ب) الانتظام فى العمل اليومى العادى.

(جـ) التواصل المتكافئ مع المحيطين بأية درجة من تبادل التحمل والقدرة على الاستمرار.

فاذا استمر “التمام” على هذه المحكات من جانبنا وجانب المرضى، تـُرِك الأمر لمقياس التناسب العكسى. بين نوع خاص من التفاعل فى المجموعة والجرعة، كما يلى:

11- لاحظنا أن مفعول العقاقير يتغير مع جلسات العلاج ومثال ذلك أن المريض الذى كان لا ينام إلا بجرعة 300 ملجرام لارجا كتيل أو ميليريل قد يكفيه بعد تفاعل ناجح مائة ملجرام أو أقل، ثم إنه مع التقدم فى العلاج قد لا يحتاج إلى هذه العقاقير أصلا، وهذا فى ذاته يؤخذ مؤشرا على نجاح إعادة التنظيم لمستويات الأمخاخ وتناوبها وتكافلها، ومع ذلك فلابد من الحذر من التوقف عن تعاطى العقاقير قبل الآوان، (المحكوم بمحكات استيعاب الطاقة فى العمل والعلاقات، وإيقاعية دورات النوم ونجاحها فى إستعادة الترتيب الطبيعى).

12- لاحظنا أيضاً أن نوع التفاعل فى المجموعة يساهم فى تحديد جرعة العقار، فالتفاعل الكامل المستوعب يتيح تناسقا داخلياً بين مستويات المخ، فلا يدع مجالا لعمل هذه المستويات مستقلا متنافراً فلا يحتاج المريض إلى جرعاته السابقة لتهدئته، وعلى النقيض من ذلك فإن التفاعل المبتور أو الناقص أو السطحى المزيف قد يحتاج لزيادة الجرعة لأن مثل هذه التفاعلات تضغط أكثر على النشاط الداخلى مما يثيره حتى يحتاج معه إلى تهدئة مناسبة، ولكن لفترة محدودة فى العادة.

13- أثناء إجراء هذا البحث بعد عدة أشهر، كان جميع المرضى قد توقفوا تماماً عن تعاطى العقاقير، تلقائياً وبالموافقة الضمنية من المعالج.

14- لم نلجأ فى هذه المجموعة عامة – وأثناء إجراء هذا البحث خاصة، إلى جلسات تنظيم إيقاع الدماغRhythm Restoring Therapy, RRT  (الجلسات الكهربائية)، رغم ثقتنا فى هذا العلاج وإيماننا بسلامته وفاعليته وضرورته فى حينه ولغرض محدود ولفترة محدودة، إذا استُعمل من منطلق الإيقاع الحيوى، لاستعادة التشكيل المنتظم (2)  ولكن فى هذه المجموعة، وبعد أن استتبت العلاقة العلاجية فضلنا معايشة الأعراض التى تظهر أولا بأول حتى ولو كانت ضلالات أو هلاوس فقد كنا نفضل أن نستوعبها فى المجموعة، باعتبار أنها نابعة من الجزء المتمم لوجود المريض، وأن هذا العلاج هو مواجهة هذا الجزء واستيعابه وليس تهميده وإخفائه.

ملاحظات ختامية أخرى

بعد هذه الملاحظات الكلينيكية العامة وانطلاقا من التنظير الموجز السابق حضرتنى هذه الملاحظات التالية وفضلت اثباتها:

1- إن مفعول العقاقير خاصة – والعلاجات العضوية عامة – هو عامل مساعد غالبا وضرورى أحياناً.. مع العلاج الجمعى وخاصة للذهانيين.

2- إن الحاجة إلى العقاقير تمثل مرحلة محدودة فى بداية العلاج ثم تتضاءل الحاجة إليها مع تقدم العلاج.

3- إن العقاقير لا تستعمل كمسكن بديل، ولكنها تستعمل كمنظـِّم لنشاط جزء معين ومستوى معين من مستويات المخ فى وقت يحتاج فيه هذا النشاط إلى التنظيم، حتى يأتى الوقت الذى يمكن استيعاب هذا النشاط الذى استقل استيعابه متناوبا ثم متكاملا في التنظيم الكلى المفيد.

4- إن هذه العقاقير وخاصة المهدئات العظيمة لا تحتاج لفترة كمون طويلة Latent Period كما أنها ليست ضرورية دائما لمدى طويل كما يوهمنا أصحاب شركات الأدوية، وكما جاء فى كثير من الأبحاث التقليدية.

5- إن مفعول جرعة العقار يتناسب مع درجة النشاط للمخ (المستوى) الذى يعمل عليه العقار انتقائيا، وبالتالى فالجرعة ترتبط مباشرة بتناسب، وتبادل، وتكافل عمل ونشاط، مستويات مخية معينة أو على العكس بتنافر وتنافس وتصارع هذه المستويات كل ذلك مُقاسٌ بالمتابعة الكلينيكية خاصة فى المجالات “العلاقاتية” مع تتبع إيقاع النوم ونوعية النشاط.

6- إن التوازن الذى يصل إليه المريض بعد فترة من المحاولة والخطأ، وبعد توضيح الأمر له ابتداء، له ميزان دقيق يمكن الاعتماد عليه فى هذا النوع من العلاج، وبالتالى فإن رأى المريض – بعد استتباب العلاقة مع المعالج أو المجموعة – يؤخذ فى الاعتبار بجدية كاملة.

7- إن مهمة الطبيب تشمل شرح وجهة نظره فى توقيت وجرعة العقار حتى ولو لم تمثل الحقيقة النهائية، والمريض – فى هذا العلاج – يساهم فى الحوار حول ضبط الجرعة من خلال ذلك، وهذا يؤكد اختياره الذى يشمل بذلك التدخل الكيميائى.

8- إن المستوى التطورى الذى يثبطه كل عقار (تلو الآخر) وكذلك المستوى التطورى الذى قد يطلق نشاطه كل عقار تلو الآخر، هو من أهم وأخطر المعلومات التى ينبغى أن يلم بها المعالج فى كل لحظة …، ولو على مستوى الفروض العاملة.

وبعد

 مع أن كل هذه المسائل والممارسات مازالت فى منطقة الفروض وبالذات من حيث “طريقة الفاعلية Mode of Action”، وهى فروض مبنية على احتمالات كيميائية ملتبسة لكن متناسبة مع الترتيب الهيراركى للأمخاخ، كما أن الفروض التى ننتمى إليها هى التى ترتبط بمفهوم النمو الذى تدور حوله حركية العلاج الجمعى فى إعادة تشكيل المخ، قد أثبتت صحتها جزئيا من واقع النتائج التى تضع فى الاعتبار حركية التشكيلات الجارية فى النفسمراضية التركيبية أثناء العلاج، ومتابعة تغيرها من واقع السلوك وحوارات الوعى الجارى على كل المستويات.

[1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط.

[2]- معنى ذلك أننا قد نلجأ إلى الصدمات (واحدة أو أثنتين فى العادة) إذا لم تكن علاقة المريض قد استتبت بالمجموعة، أو كان بعيداً عن علاج الوسط الحامى، وكان التفاعل الذى انبعث نشطاً أعنف من قدرته فى بداية المواجهة، ويمكن الرجوع إلى استعمال هذا العلاج باعتباره “إعادة تشغيل” للمخ فى ظروف ملائمة تسمح للمخ أن يصحح نفسه، تماما مثل الصدمة الكهربية للقلب أثناء جراحة القلب المفتوح أو مثل: إعادة تشغيل حاسوب   Re-start جيد ليعيد تصحيح نفسه مما أصابه من خلل مؤقت.

 أنظر يحيى الرخاوى: مقال “صدمة‏  ‏بالكهرباء‏..‏أم‏  ‏ضبط‏  ‏للإيقاع‏؟” عدد أبريل 1982 – مجلة الإنسان والتطور الفصلية  –   www.rakhawy.net

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *