الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل التاسع: “علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى” (3)

كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل التاسع: “علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى” (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 3-1-2021

السنة الرابعة عشر

العدد:   4873

   كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى  

 “من ذكاء الجماد إلى  رحاب المطلق” (1) 

الفصل التاسع

علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى (3)

………………..

العلاج الجشتالتى (2من2) “الألعاب النفسية”

تمثل الألعاب النفسية أداة أساسية فى العلاج الجمعى الذى نمارسه منذ أربعين عاما، ومما لا شك فيه أن البداية كانت من مدرسة الجشتالت، وأنا لم أتعرف منها إلا على بعض ألعاب أساسية وجدتها أكثر تلاؤما مع، وإفادة لثقافتنا الخاصة، كما أننى لم أصنفها كلها تحت ما يسمى الألعاب حيث أنى فضلت أن أدرج لعبة “الحوار” Dialogue بين مكونات الشخصية مع ما أسميته “المينى دراما”، حيث يلتقط المعالج (أو غيره) أى انشقاق أو انفصال فى تركيب الشخصية ويرتب حوارا بين الأجزاء المنشقة فتكون دراما وليست بالضرورة لعبة كما طبقناها نحن.

وفيما يلى مجرد عينات من ثلاث لعبات أخرى بحسب بيرلز:

 (1) لعبة “الإعكاس” (العكس): وفيها يطلب من الشخص أن يقول أو يمارس عكس ما يعلن تماما، وهذا وذاك سنرجع إليه أيضا -هنا أو فيما بعد- مع ما اسميناه “المينى دراما” كما ذكرنا.

(2) لعبة “المسؤولية”: وفيها يقول المشارك “أى كلام” سواء فيه “أنا” أو “أنت” أو حتى أية جملة عامة أو جملة بلا قصد محدد، ثم يعقبها مباشرة بـ “وأنا مسؤول عن كده” ويوجه كلامه مثل كل لعبة إلى شخص بذاته، مثلا:

يا فلان: أنا مش فاهم حاجة ……. وانا مسؤول عن كده

أو يا فلان: أنت بعيد عنى قوى …….  وانا مسؤول عن كده

أو يا فلانة: الدنيا اسودت قوى وما مفيش فايدة ……. وأنا مسؤول عن كده

وقد وجدنا أنه مهما كان ما يقال فِإن هذه اللعبة تحرك مسئولية وحضور المشارك بشكل مباشر بغض النظر عن محتوى ما قيل، حتى لو بدا أبعد ما يكون عن مسئوليته أو عن الإسهام فى حدوثه أو عن قدرته على تغييره، وهو ما يحقق ويعمق وظيفة “هنا والآن” من ناحية، كما أنه يمكن أن يعادل – بدرجة ما – ذلك الميل المتزايد فى ثقافتنا من حيث إلقاء اللوم على الآخر، والتبرير، الذى عادة ما يكون باللجوء إلى أسباب فى الماضى.

(3) لعبة “أنا عندى سر”: ونحن لم نكتف بأن تكون هذه اللعبة كشفاً للإسقاط كما قال بيرلز لكننا طورناها بأشكال مختلفة، فكنا نطلب من المشارك أن يكمل الجملة بأية طريقة من الطرق التالية (وغيرها) مثلا:

“أنا عندى سر لو عرفته حاتقول علىّ …….. (أكمل).

ثم:

“أنا عندى سر لا يمكن أقوله لحد لحسن …….. (أكمل).

وأيضا:

“أنا عندى سر لو قلته يمكن …….. (أكمل).

 (وسوف نرجع إلى كل ذلك فى سلسلة الكتب التالية عن الألعاب فى العلاج الجمعى).

وبعـد

نورد فيما يلى بعض الملاحظات من خبرتنا حول “الألعاب” وتطورها بصفة عامة فى العلاج الجمعى وغيره مما سنعود إليه فى الكتاب الخاص بذلك.

أولاً: بدأت ممارسة الألعاب كجزء أساسى فى هذا العلاج منذ بداية العلاج الجمعى سنة 1971 وحتى الآن.

ثانياً: قمت بتجربة لممارسة ألعاب موازية فى برنامج “سر اللعبة” فى قناة النيل الثقافية لمدة سنة وشهرين  (مرة أسبوعيا) مع متطوعين أسوياء لكشف وفحص بعض الظواهر والقيم فى الثقافية المصرية، وبالذات تعدد الذوات فى التركيب البشرى وساعدنى فى ذلك فهم طبيعة هذه الألعاب وتوظيفها فى العلاج أيضا.

ثالثا: قمت بمحاولة مماثلة محدودة فى برنامج “أقلب الصفحة” قناة MBC مع بعض المشاهير والفنانين والإعلاميين.

رابعاً: أجرينا محاولات تجريبية مع أسوياء من حضور ندوات جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى فى الندوات الشهرية فى دار المقطم للصحة النفسية.

خامساً: بدأت تجربة لممارسة الألعاب كتابةً وعن بعد من خلال “موقعى” الخاص، وبرغم أن ذلك كان أبعد ما يكون عن الممارسة فى العلاج الجمعى إلا أن الاستجابات والحوارات كانت مفيدة ولها دلادلتها قد نعود إليها فى تناولنا الأوسع للألعاب.

سادساً: جرت محاولات محدودة مع العامة فى برنامج “مع الرخاوى” فى قناة أنا (لمدة 5 شهور) (2):

 نبذة عن دور وتطور الألعاب فى العلاج الجمعى خاصة: (التفاصيل فى الكتب اللاحقة)

1) كانت البداية ونحن منبهرين بمدرسة التحليل التفاعلاتى Transactional Analysis فكانت معظم الألعاب أقرب إلى لعبة  الحوار التى أشار إليها بيرلز،  وهى التى نقلنـاها فيما بعـد إلى  “المينى دراما”، وقد كانت الانشقاقات المتاحة غالبا بين الذات الطفلية والذات الوالدية.

2) لم نستعمل من ألعاب العلاج الجشتالتى المسجلة التى وصلت إلينا إلا لعبتىْ:

 (1) “أنا عندى سر….”،  و(2) “أنا مسؤول عن كده”

3) فى السنوات الأولى بالغنا فى استعمال الألعاب خاصة كلما وجدنا صعوبة ولو نسبية فى تحريك المجموعة، فكانت وسيلة مهمة تساعد فى فك العرقلة.

4) تبينا بعد ذلك أن فرط اللجوء إلى لعبة ما لفك العرقلة فيه بعض الاستسهال ومن ثم اقتصرنا على تشجيع استعمالها فى الشهرين أو الثلاثة الأولى (من عمر المجموعة: 12 شهرا) ثم أوصينا بالإقلال منها تدريجيا حتى أمكن أن نستغنى عنها تقريبا فى النصف الأوسط من عمر المجموعة بعد أن يكون معظم أفراد المجموعة قد وصلهم الجزء الآخر من وجودهم ووجود الآخرين وبدأوا يتواصلون بكل مستويات تركيبهم أو أغلبها دون الحاجة إلى ألعاب.

5) اختلفت الألعاب التى مورست اختلافا شديدا حتى  أننا لم نلتزم بنص معين مهما كان ناجحا فى مجموعات سابقة.

6) كانت الألعاب الأهم هى التى نطلب فيها أن يكمل المشارك جملة ناقصة وهو يُعتبر بذلك مؤلفا مشاركا فى “نص” المينى دراما .

7) الذى يقترح مضمون اللعبة يكون قائد المجموعة أو أحد المتدربين أو المعالجين المشاركين أو المرضى بمعنى أنه يسمح لأى مشارك أن يقترح لعبة ما، ويترك تقدير السماح بممارستها  إلى المعالج الرئيسى أساسا أو المعالجين المساعدين أو المتدربين، فلا يوجد إلزام بلعبها.

8) اختلف ترتيب إدارة اللعبة اختلافا شديدا حسب الحاجة إليها والوقت المتاح وحماس المشاركين، ويتنوع الترتيب غالبا كما يلى:

أ) قد يلعب فردٌ واحد لعبة واحدة أثناء التفاعل مع المعالج أو مع زميل، ويكون ذلك أيضا أقرب إلى المينى دراما.

ب) يمكن أن يوجه المشارك كلام اللعبة لأى شخص فى المجموعة باسمه عادة بما فى ذلك المعالجين، ويكون الدور التالى على هذا الشخص المخاطب ليلعب بدوره، وهكذا.

ج) يمكن أن يترك الاختيار للذى لعب اللعبة ليحدد الذى يلعب بعده ونقول له ساعتها “تدى الكورة لمين”. (أى: من تختار ليلعب بعدك).

د) يمكن أن تكون اللعبة ذات دلالة وأهمية خاصة فيطلب من المشارك أن يلعبها مع كل أفراد المجموعة مع التوصية بإلزام نسبى ألا يكرر إكمال النص، أى أن تكون التكملة مختلفة مع كل فرد.

هـ) عادة ما يلعب المعالج الرئيسى أخر واحد فى الترتيب، إذا كانت اللعبة ملزمة للجميع، وقد توصلنا إلى ذلك خشية أن يتصور بعض أفراد المجموعة أن استجابته هى الاستجابة النموذجية المطلوبة التى تساعد فى العلاج فيحذون حذوه، ويقلدونه ويفقدون فرصة التلقائية.

سابعا: قد نعود إلى انتقاء ألعاب مكملة أكثر كشفاً وأعمق غورا قبيل انتهاء المجموعة فى الشهرين الأخيرين عادة.

ثالثا: إضافة من التحليل التفاعلاتى (3)

الواقع أننى بدأت هذه الخبرة فى العلاج الجمعى متأثرا بهذه المدرسة ، من الناحية النظرية على الأقل، بشكل مباشر، ولم أكن قد قرأت عن إسهاماتها  فى العلاج الجمعى (4) بوجه خاص، وإنما كنت مشدودا بشكل أكثر لنشأة هذه المدرسة من الحدس المباشر لصاحبها، ومن بساطة واستقامة لغتها، ثم من إمكانية تطبيق بُعدها التركيبى: التحليل التركيبى Structural Analysis بشكل مباشر دون الحاجة إلى كل ما يحتاجه التحليل النفسى التقليدى، وقد بلغ من فرط مباشرتها وبساطتها أن أسىء فهمها كما أسىء استعمالها فى العلاج وغير العلاج.

فكرة تعدد الذوات فكرة مباشرة وذكية ، يؤيدها التطور والتاريخ والتطبيق جميعا، ومن فرط حماسى للفكرة ، كان من السهل عمل انشقاقات بين ذوات الفرد فى كثير من المواقف فى خبرتنا الباكرة فى العلاج الجمعى منذ أوائل السبعينيات، إلا أن حماس الشباب الذين اشتركوا فى تجربة المتطوعين حول هذا التاريخ وكانوا طلبة من كلية الطب جعلت هذا الانشقاق أغلب ما يكون بين الذات الطفلية فى مواجهة الذات الوالدية، وكنا نفرح حين تنتصر الأخيرة على الأولى (الذات الطفل على الذات الوالد) فى كثير مما يجرى فى السيكودراما، أو المينى دراما التى تجرى وإلى درجة أقل فى الألعاب. انتقل هذا التحيز وهذا الحماس إلى خبرتنا فى علاج المرضى بشكل واضح، وإن كان أقل تصفيقا وأقل دعما للذات الطفل.

مع تعميق الخبرة فى مجال العلاج الجمعى تحديدا والنظر فى نتائجها بدءا من مجموعة الطلبة التجريبية، امتدادا إلى المرضى، ومع مرور الزمن والتتبع لكثير من الحالات التى شاركتنا هذه المحاولات البادئة، اكتشفت أن تجارب الانشقاق واللعب والدراما على أساس هذا التقسيم الثلاثى كانت لا تنتهى بولاف جديد كما نرجو، كما أننا لم نكن ندعو – الذات اليافع (Adult Ego State)، إلى المشاركة للتصالح والتوفيق ثم التناسب والإبدال، أو للولاف والنمو معا، ومن ثم كانت النتائج تسير فى اتجاه نوع خاص من التلوث التلفيقى الذى وصفناه وليس الذى وصفه إريك بيرن أو بيرلز، وكان الناتج نوعا من “اضطراب الشخصية” بها معالم كثيرة من النكوص والبعد النسبى عن الواقع، كل هذا جعلنا نتراجع ونقلل من هذا الاندفاع فى نفس الاتجاه، الذى كان يمثل درجة من “التلوث” بين الذوات (كحل وسط ساكن) وليس التكامل النامى المرجو.

 ثم إنه بتقدم الألعاب والمنيدراما تبينا كيف أن تعدد الذوات لا يقتصر على هذا الثالوث، بل يمتد إلى ما يقابل ما اسماه إريك بيرن “وحدات الذات” Ego Units ، ومع تقدمنا أكثر فى التعرف على ماهية تعدد مستويات الوعى (بما يقابل أحيانا تعدد العقول بلغة دانيال دنيت)  استطعنا أن نوسع قاعدة الانشقاق إلى ما تجاوز هذا التثليث التفاعلاتى، حتى وصلنا الآن (2018) إلى ندرة السماح بالأنا الطفلية أو الوالدية بالمثول فى المينى دراما إلا لضرورة ترتبط بإمكانية احتواء أى منهما فى الكل النامى بدءًا من الآن.

………..

ونكمل الأسبوع القادم بعرض: “لغة ومبادىء مدرسة التحليل التفاعلاتى”

 

[1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط.

[2] – وقد تم تسجيل الكثير من هذه الخبرات صوتا وصورة، ونأمل أن يكون بعضها متاح فى الوقت المناسب بعضها حاليا متاحة بموقعى الخاص.

[3] – Transactional Analysis

[4] – وإن كنت قد اكتشفت الآن أنه يوجد كتاب لرائدها إريك بيرن عن مبادئ العلاج الجمعى Principles of Group Treatment 1966  وهو صادر بعد كتابه التحليل التفاعلاتى والعلاج النفسى Transactional Analysis and Psychotherapy 1961  ، أتعشم أن أحصل عليه وأقرأه قبل إصدار الطبعة التالية من هذا العمل.

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *