الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الكتاب الثانى: الحالة: (40) “عن ألم المعالج (والمشرف) إنسانا، وكيف يتعامل معه”

كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الكتاب الثانى: الحالة: (40) “عن ألم المعالج (والمشرف) إنسانا، وكيف يتعامل معه”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 29-12-2021

السنة الخامسة عشر  

العدد: 5233

الأربعاء الحر:

مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه  (1)

الكتاب الثانى الحالات: من (21) إلى (40)

تذكرة:

ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (40) من الكتاب الثانى من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجه!

****

الحالة: (40)

عن ألم المعالج (والمشرف) إنسانا، وكيف يتعامل معه   (2)

توضيح مبدئى:

عثرت على هذه النشرة كما هى فى موقعها التاريخى تسلسلا مع بقية الحالات، وبحثت فيها عن الحالة (33)، فلم أجد إلا “حالتى” شخصيا، فترددت، لكننى غامرت وأثبتها كما أثبت التعليقات والحوار الذى دار حولها فى بريد الجمعة.

الحالة (33) “حالة المشرف!!”

تكرر الحديث فى هذا الباب عن كيف يتعامل المعالج مع مشاعره الخاصة، وكيف يشارك مريضه آلامه وهو يواكبه، كما حذّرنا كثيرا من الفرحة بالمبالغة فى الشفقة من أعلى، ومن التعامل على مسافة، وأيضا كم  نبهنا إلى صعوبة ضبط جرعة هذه المشاعر، ما أمكن ذلك، وكان هذا من خلال الخبرة والإشراف وعرض الحالات.

ثم مررتُ مؤخرا جدا بخبرة شخصية، فتحت هذا الملف دون استئذان، وأنا أرد على خطاب خاص، جاءنى من صديق صدوق، طلب منى ألا يكون خطابه  للنشر العام،  فاحترمت ذلك فورا وتماما، إلا أننى لاحظت وأنا أراجع ردى عليه، أنه قد ورد فيه (فى الرد) ما لا يجوز أن أحجبه عن من يحتاج إليه، ذلك أننى تحدثت فيه عن ألمى شخصيا وكيف أتعامل معه. وجدت فى ذلك – فجأة – ما قد يفيد المتدربين هنا، ويكمل نقاشى معهم.

 ألستُ معالجا مثلهم عندى نفس الضعف، أعيش نفس المشاعر؟

ألا أزعم لهم أحيانا، تلميحا أو تصريحا، أننى أعتبر معايشتى ألمى هى ثروة مهنتى، وجوهر ممارستى؟

 وفى نفس الوقت: ألست أكرر – فى إشرافى هنا وفى الواقع- كيف أن علينا أن نتعلم أن الألم هو جزء لا يتجزأ من الحياة ونحن نحمل مسئوليتها؟ 

كما أنه علينا أكثر أن نتعلم كيف يمكن أن يكون الألم نفسه هو ورطة المريض حين يضنيه حتى العجز، أو وهو ينكره تماما، فيتشوه به، وبدونه.

تصورت أن المتدرب، وهو يشارك مريضه ألمه، يحتاج للاطلاع على حرفية نص هذا الحوار الذى جرى بين صديقى وبينى، مما قد يسمح له أن يتعرف على مشاعر الذى يقوم بتدريبه، فيتأكد أن ما يسرى عليه متدربا هو هو ما يسرى على مدربه إنسانا ومعلما معا،  لكننى لم آسف كثيرا على حجب النصين احتراما لتوصية صديقى، فرحت أتحايل حتى لا أحرم  أبنائى وبناتى من صدق بعض ما جاء بينى وبين صديقى:

قررت أن أنشر مقتطفا محدودا من “ردى” دون رسالته، آمِلا أن يؤدى ذلك إلى النفع الذى نأمل فيه معا

 فليسامحنى الصديق، فأنا أعرف كم هو حريص على نفع الناس بما ينفع الناس.

كان صديقى هذا قد نبهنى فى خطابه إلى ما لاحظه على شخصى أثناء ظهورى فى بعض البرامج، وهو أننى ما زلت أتألم وأندهش وأحتار، ولحبه لى، تمنى لى أن أكون أكثر تسامحا مع نفسى، حتى نصحنى بأن أستعين بما تيسر من تقنيات أحدث، لعلها  تخفف عنى بعض ذلك، تعجبت كيف التقط كل هذا عنى عن بعد هكذا، ونحن لم نلتق وجها لوجه منذ سنوات، ثم تصورت أن ما بيننا من علاقة صادقة لا تنقطع بالبعد الجسدى، هى التى أتاحت هذا النوع من التواصل، حتى “شخّص حالتى”، (وهو ليس طبيبا)،  بكل هذا الحب وهذه الطيبة.

لم أجد حرجا فى ألا أستأذنه، طالما أننى لم أذكره لا بالاسم ولا بالصفة، وليجزه الله عنا خيرا.

المقتطف (من ردّى عليه):

………………

……….. أنا – كما لابد أن تعلم يا صديقى – لا أشكو من ألمى هذا، ولا أرفض حيرتى أو دهشتى، أنا فخور بألمى ما تعلق برؤيتى، ودفعنى إلى الفعل، أما حيرتى ودهشتى فهى سر كشفى واستمرارى،

أنت تعرف كل هذا، دون أن نلتقى ونتبادل الحكى

  الألم الإنسانى – كما تعلم– أرقى بكثير جدا من أن يلجأ من شرُفَ بحلوله فى وعيه، إلى التخفيف عنه بأية أداة من خارجِه، مهما بلغت قدرات هذه الأداة وانبهارنا بها . 

فهى لا يمكن أن تخففه،

ولا أريد منها أن تخففه،

وهى أعجز من أن تحيط به

ولا تستطيع أن تتناغم معه

الألم الإنسانى لا يخففه إلا ألم إنسانىّ أرقى، فأرقى، “معا”،

ساعتها لن يكون هو هو

هو الفـَـرْحُ بعينه، شريطة ألا نسميه كذلك

أنت تعلم – يا صديقى – أن هذا الألم بوجه خاص هو المحور الجوهرى  الذى يعطى “لوجودنا معا” معنى نستحق به  أن نكون بشرا بحق

نحن نسميه أحيانا  الحب – هو هو الحب – لكنهم سرقوا اللفظ لاستعمالات استهلاكية سريعة

أنت تنكر علىّ أننى لم أتسامح مع نفسى، مع أننى فعلتها وأفعلها كل يوم وكل لحظة، وإلا كيف أستطيع أن أواصل حمل أمانة، وجودى، ومسئوية عيى بى وبهم.؟

لا أريد أن أراك

وسوف أدعو لك كما تدعو لى

أريد أن أراك

لا …!!!!

من البديهى أننى سوف ألتزم بتوصيتك ألا تكون هذه الرسالة للنشر العام

مع أنها يمكن أن تفيد من يحتاجها جدا

لكن من يحتاجها سوف يجدها فى داخِله حتما

(انتهى المقتطف)

وبعـد

أدعو الله أن يصل بعض ما يغفر لى تجاوزى المحدود هذا إلى من يتصدى للألم الإنسانى، مما قد ينفع الناس: مرضى ومعالجين، وغير ذلك.

ولك الفضل – يا صديقى – من قبل ومن بعد.

****

التعقيب والحوار:

د. مها وصفى

د. يحيى … أنا مها تلميذتك،  بل إسمح لى وأنت أبى الروحى أن أتشرف بادعانى أنى ابنتك كما أفعل فى كل محفل علمى أو غيرهُ تـُذكرفيه أو أذكرك…،

أما بعد فإنى أتابع النشرة بانتظام منذ حوالى ستة أشهر ومازلت أتعلم منها كما كنت أثناء سنوات النيابة بقصر العينى وإن كنت لم أشارك فى التعقيب من قبل.

 ولكن، موضوع اليوم إستثار مخزون ألمى كإنسانة ومعالجة لمدة تزيد عن العشرين عاما.

 فقد شرفت وأشرف بحلول هذا الألم بوعيى، بغتة وترقبا فى عملى وفى حياتى،  وقد تعلمت منك كيف أحترمه، بل وربما تركت له الحبل على الغارب فيهز اعماقى وكنت أنمو من خلاله، ولكنه يبدو الآن علىّ ثقيلا جدا فى فترات ربما لا تعطنى الحياه المهلة للتوقف حتى يهضم ويمتص ويدخل فى إعادة تشكيلى النفسى كما أعتدت.

وطبعا أنا أعلم جيدا حجم الألم الذى اعتدت استنباطه منك أنا وزملائى حين كنا نراك متألما  فيجثم على صدورناهم الوعى بمايلم بك و العجز عن مساعدتك.

 وقد هزنى تعليقك بأن الألم الإنسانى لا يخففه إلا ألم إنسانى أرقى وساعتها لن يكون هوهو، فلاح فى مخيلتى ما ذكرته عنك آنفا،  وعجز من كانوا حولك دونه وأظننى أشعر به حاليا فهذه المشاركة نادرا ما تتوفر لى الآن كذى قبل. ولكن أعلم أنى كنت أستعين على هذا الألم بالإبداع (تلقيا وإنتاجا) وهذا ماأحب أن أقترحه وأتواصل به مع قراء النشرة من المعالجين وهو طبعا لا يخفى على حضرتك.

د. يحيى:

يا خبر يا مها؟!! يا خبر!! يا حضرة الاستاذ الدكتور!! أخيرا اسمع منك أيتها الرقيقة التشكيلية المبدعة،

كل ما تلقيته من “سعاد” هو أربعة أسطر تحصيل حاصل وقد بلغ عدد النشرات اليوم 560، أهذا يصح؟

تتركونى هكذا وحدى مع تلاميذى الأصغر الذين أفرض عليهم فرضا أن يـُـعـَـقـِّـبـُـوا، وأنت تعرفين ماذا يعنى هذا لى: أن أفرض أى شىء على أى أحد، ومع ذلك أفرضه بعد أن تخليتم أنتم عن المشاركة،

لست أعرف بالضبط ما يخيفكم من كتابة سطر أو سطرين، هل تخشون أن يخرج منكم ما لا تريدون أن يخرج حتى لو كان حبّا مثلما كتبتِ اليوم.

ألا تذكرين صلاح جاهين:

“وفتحت قلبى عشان أبوح بالألم، ماخرجش منه غير محبة وسماح”،

 اكتبى يا شيخة ودعينا نتبادل الوعى ببعضنا البعض، حتى لو كنا على ثقة تامة من موقع كل منا فى وعى الآخر (يسمونه خطأ “قلب” الآخر)

طبعا الإبداع يخفف هذا الألم، لكنه أحيانا يجهضه،

أما “الوعى معاً” فهذا أمرُ آخر.

عشرون عاماً يا عفريتة وانت مازلت تمصّين إبهامك،  عيب هكذا!!،  أخرجيه من فمك حتى لا يـُفسد منظر اسنانك اللبنية.

أهلا.

د. محمد على

من فضلك، أرجو توضيح تعبيرك: “إلا ألم إنسانى أرقى”

 ما هو الألم الإنسانى الأرقى؟ وما هو مقصودك بـ “الحب”؟

د. يحيى:

برجاء قراءة تعقيب د. مها وصفى سابقا، وتعقيب د. أميمة رفعت لاحقا، وكذلك – إلى درجة أقل – تعقيب د. محمد الشاذلى حالا، ولن تحتاج إلى إيضاح منى.

د. محمد الشاذلى

…نعم، القيمة الحقيقية التى وصلتنى هنا، هى أن أعالج بكونى إنسانا يحتاجه إنسان آخر،  لرؤية أخرى دون الإندفاع الأعمى فى الدفاع أو الإنحياز لما يسمى حياداً، هذه القيمة بأن تكون أخاً وأباً وزوجاً وصديقاً مع نفس الإنسان هى من أرقى القيم الإنسانية التى جعلتنى أعتز بمهنتى.

د. يحيى:

يارب يا محمد تتحمل وتستمر، يا رب يا شيخ.

د. أسامة فيكتور

عندما أرى ألمك فى مواقف متعددة فأنا أفرح لأنى أشاركك إياه،  وأتالم لألمك،  وأخاف عليك وأدعو لك بدوام نعمة الألم وأن يقيك الله شرها فالألم نعمة لها شرها وخيرها. 

عندما أرى ألمك فهذا يدفعنى للتمسك بحقى فى هذا الألم على الرغم من أنه تأتى أوقات أزهق فيها من ألمى، وأود أن أتنازل عنه وأطرحه فى البحر وأعيش عبيط زى الكثيرين فهذا أسهل وأكثر راحة.

د. يحيى:

يارب تصل هذه المشاركة إلى كل من يسمعنا، ليعرف أن وضع الألم كله بكل أنواعه مرة واحدة  فى سلة واحدة  لمحاولة التخلص منه بالجملة، هو خطأ جسيم تروّج له شركات الدواء (غالبا)  وتسوقه النصائح الرخوة، و الدعوة إلى الطمأنينة الخامدة أو السعادة الملتبسة.

أ. عبد المجيد محمد

حضرتك ذكرت أنك فخور بألمك وأن الألم هو الذى يعطى لوجودنا معنى نستحق به أن نكون بشرا بحق لكن حضرتك إزاى نشوفه صح؟ وهل للألم أنواع؟

د. يحيى:

أظن أن الخمس ست تعقيبات السابقة فيها ما يكفى من  توضيح بعض تجلياته وأنواعه (دون رصّ: واحد – اثنين – تلاته…الخ).

أ. عبد المجيد محمد

رغم أن المقتطف قليل إلا أنه مفيد جدا.

د. يحيى:

الحمد لله

 د. نرمين عبد العزيز

المقتطف: “الألم الإنسانى لا يخففه إلا ألم إنسانى أرقى”.

التعليق:  تجاوزت بلاغة وصدق هذه الجملة كل الحدود.

د. يحيى:

ياه!!!! لم أكن أتصور وضوح هذه الرسالة الموجزة هكذا.

أ. محمود سعد

2 تعليقان

  1. طالما صاحبت ذاك الذي التقطه في كل حالة وكل قصيدة وكل لقاء وفي كل ترحال . اليس احترامك له فينا وفي مرضنا هو الذي يأتي بي الي هنا وان تباعدت المسافات … حتي انني في مره وجدتني اكتب عنه بعد لقاء انك وانت تقترب منه في مريض وفينا بأنه خيم علينا جمعيا فهرولنا جميعا الي دواخلنا صامتين وكأن علي رؤسنا الحزن تحيطه اجسامنا فيعتصر في جناباتها فيجعلنا دوما معا ..رفقا يا استاذي رفقا..

    • …. أشكرك يا فؤاد
      مع السماح لى أن أتحفظ على تعبيرك “وكأن على رؤسنا الحزن”،
      فبرغم احترامى لكلمة الحزن أكثر من كلمة “اكتئاب” فإننى حريص ألا يكون مرادفا “للألم” الذى نتحدث عنه،
      شكراً