الرئيسية / الأعمال العلمية / كتب علمية / كتاب: الفصام (3) فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم

كتاب: الفصام (3) فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم

Slide1

الفصام (3)

فصامى يعلمنا الفصام،

 دون أن ينفصم

أ.د. يحيى الرخاوى

2020

الأهداء

الأهداء

الإهـداء

أ.د. رفعت محفوظ

المقدمة

المقدمة

المقدمة:

هذا هو الكتاب الأول عن حالات الفصام بعد تحديث الكتاب النظرى الأم الذى لست متأكدا إن كان سوف يكون فى المتناول قبل صدور هذا الكتاب الحالى أم لا.

أخيرا، آن الأوان أن أوفى بدينى وأكتب عن الفصام من واقع خبرتنا المحلية وثقافتنا الخاصة، وأذكر أننى وعدت مرارا بذلك، بل وهممت فعلا بأن أجعله فى مقدمة ما ينبغى أن أوفى من خلاله ببعض ديونى لأساتذتى المرضى و طلبتى وزميلاتى وزملائى الدارسين والمتدربين قبل وبعد ومع أساتذتى الكرام الذين أخذوا بيدى وأناروا وعيى من أول الطريق وحتى تاريخه.

رجعت إلى ما كتبته عن الفصام، وما قمت فيه بما يسمى أبحاثا عن الفصام سواء قمت بها شخصيا أم من خلال إشرافى على رسائل الماجستير والدكتوراه فوجدت أنها تعد بالعشرات، رجعت إلى الفصل الخاص بدراسة الفصام فى كتابى الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”([1]) فوجدتها قاربت المائة صفحة، ثم مؤخرا وجدت أننى نشرت كتبا بأكملها كل كتاب يحوى حالة فصام واحدة، ثم توقفت.

الأصعب من ذلك، وهو الذى ألزمنى بالمبادرة بالإقدام على الخطوة الحالية هو أننى طلبت من سكرتيريتى أن تجمع الحالات الكلينيكية التى قمت بالتدريس عليها فى الأربعين سنة الأخيرة فى قصر العينى ودار المقطم مكتفيا بالحالات التى تم تسجيلها بالصوت والصورة مع المناقشات التالية فإذا بها تربو على مئات، فتوفقت، واستغفرت، وأسفت، واعتذرت.

لا أريد أن اعترف بتقصيرى، فوقتى لم يشغله دراسة طول هذه السنين إلا حمل الأمانة لأصحابها، لكن يبدو أن الأمانة كانت – ومازالت – أكبر من قدرتى، وأثقل من وقتى، فيحضرنى قول الصوفى الذى كان يدعو الله أن يعينه أن “يملأ الوقت بما هو أحق بالوقت”، فأتساءل دون شعور بالذنب، ومن أين لى أن أميز مطمئنا أى أمانة أوْلى من غيرها بملء الوقت، وأنظر فى رقمى القومى الذى لا أحب النظر فيه. فيحضرنى قول عمنا أبو قراط وهو رمز موقعى الإلكترونى:

“الحياة قصيرة، والمعرفة ممتدة، والفن طويل، والفرصة هرابة، والتجربة تحتمل الصواب والخطأ والحكم على الأمور من أصعب الأشياء”

وبعد

كنت أنوى أن أبدا كتابتى عن الفصام “مرض الأمراض” كما اعتدت أن أطلق عليه، بتحديث ما أثبته فى كتابى الأم المشار إليه حالا، ثم بعد ذلك أجمع ما استطيع من حالات تحدد ما أعنيه بما وصلنى من إنارة خاصة بخبرتنا وثقافتنا الخاصة من حالات بالإشارة فى الكتاب النظرى إليها فى موقع نشرها أولا بأول، لكنى رجعت أنظر فى أوراق هويتى فوجدت أن عمرى لم يعد يسمح بمثل هذا الاختيار حتى أكمل ما أنوى واستغفرت ربى وحمدته.

هكذا بدأت بما عندى من حالات جاهزة، وقد سبق أن نشرت بضعا منها وهى متاحة مع ما نشرت مؤخرا ([2]) ثم بدأت فى تجهيز ما هو جاهز تقريبا للنشر فظهر هذا الكتاب كأول حالة فى هذا التعهد الجديد، وفى نفس الوقت فإنى أواصل إكمال الكتاب النظرى عن الفصام بنفس حسن النية والمثابرة، وإذا بهذه الحالة الواحدة الحالية تصل إلى مئتا صفحة وأنا أشعر كلما تمادريت لإكمالها أنها تستأهل فلا أتراجع، بل إن ما ورد بها أعاننى كثيرا فى الكتابة النظرية المواكبة فى نفس الوقت.

وهكذا خرج هذا العمل هكذا:

هى حالة لها معالمها الخاصة التى تكاد تبعدها عن كونها كذلك، ومع ذلك فهى كذلك، حين تأكدت وأنا أعيد كتابتها تمهيدا للنشر أنها تفيد مدخلى إلى هذه المهمة من حيث أننا لا نعرف ما هو الفصام: سمحت لرشاد أن يعلمنا فكان العنوان:

“فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم!”

قيل: وكيف كان ذلك؟

قلت: “هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ”!!

ملاحظة: بعد انتهائى من تقسيم الكتاب إلى فصول لكل فصل عنوانه المستقل، فضلت أن أحذف كل العناوين وأن أستبدل بها أرقاما مسلسلة مكتفيا ببعض العناوين الجانبية إذا لزم الأمر.

وبالتالى أنصح قارئى الفاضل ألا يعتبر التقسيم الذى ورد فصولا يمكن أن تستقل، ولم أعرف السبب الذى دعانى لذلك، لعله أمل أن يُقرأ هذا العمل فى “نفسٍ واحد”،

فأنا أعتقد أنه كتِبَ كذلك!

[1] – يحيى الرخاوى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”  سنة 1979

[2] –  مثلا: يحيى الرخاوى:“دروس من قعـر الحياة!! الفهد الأعرج  والكهلٌ النـَّمـِرْ” (حالة عبد الغفار “الكهل”)، (حالة ياسر”الفهد”) الطبعة الأولى 2018 منشورات جمعية الطب النفسى التطورى.

– يحيى الرخاوى: من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مروراً بالعلاج الجمعى) (حالة محمد طربقها) الطبعة الأولى 2019 منشورات جمعية الطب النفسى التطورى

(1) استهلال

(1) استهلال

(1)

استهلال:

رشاد عاين رأى العين عملية الفصام (..الداخلية)، ومن البداية، ووصفها كما نعرفه وكما لم نعرفه، ثم  هو الذى حال دون تمادى التفسخ، أى دون أن ينفصم، حتى اختفت الأعراض تقريبا حين تراجعت نظرات الناس أن تخرق مخه (إلا أحيانا)، كما ذكر فى نهاية الحلقة الأخيرة.

فى الرد على سؤال إحدى الزميلات استرسلتُ فى الرد عليها لأقدم شرح كيف أنه لملم نفسه قبل أن يتفسخ بعدد من الميكانزمات المناسبة مثل العقلنة والكبت، ولكن بدرجة غير معيقة فقد قلت لها: إن ثمة عين داخلية (آلة “حس” داخلية لها علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع محوّر من الإدراك القديم، عبر تاريخ التطور، تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى التى  تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة  REM”ريم”)، كما تنشط فى بداية الفصام خاصة، وفى أطواره النشطة، وليست بالضرورة أطواره الحادة، ونشاطها – من حيث المبدأ – غير قاصر على الفصام بل هى تنشط فى معظم الذهانات النشطة، وهى ترصد الداخل “بما هو”، إلا أن صعوبة التعبير عن حركية الإدراك كما تمارسها هذه العين يخلق مشاكل حين يقتصر فهمنا للألفاظ على ما اعتدنا عليه.

المآل الذى خرج به رشاد من نوبة ذهان سابقة يختلف من أقصى العمى، إلى الناحية الأخرى: أى احتمال شحذ البصيرة، سواء كان ذلك بمعنى البصيرة الوقائية، وهى التى تتفهم الخبرة المرضية من حيث غايتها ولغتها، فتحول دون تكرارها أم البصيرة المعقلنة التى تتقن رصد ما كان على مستوى معقلن مغترب، قد يكون جزءًا مما نسميه اندمالا نسبيا بوقف تمادى التفسخ فحسب، وقد تتوقف عند هذه المرحلة توقفا كاملا، وقد تتدهور ببطء بعد ذلك.

وهنا يبدأ التأكيد على أن هذا الرصد يبدأ بنشاط ما يمكن أن نسميه الآن “الإدراك الحسى الداخلى”، الذى يلحقه عادة غموض على مستوى التفكير التفسيرى المفاهيمى (وهو ما حدث لرشاد معظم الوقت)، إن هذه النقلة من الإدراك المباشر للواقع الداخلى، إلى العجز عن تفسيره (الغموض الذى اشتكى منه رشاد مرارا) إلى المسارعة بتحويره، فى صورة هلاوس مسقطة أو ضلالات مبـَـرَّرَة: هو مواز للنقلة التى أشرت إليها سابقا فى تشكيل الحلم المحكى مما تبقى من مفردات (معلومات من الصور أساسا) تحركت أثناء نشاط الحلم  البيولوجى (إن صح التعبير)([1])

من خلال حالة رشاد لاحظنا أن ما نسميه “الواقع الداخلى”، هو واقع فعلا من حيث أنه كيانات ومعلومات وخبرات موجودة ومتحركة بنظام نوابىّ دورىّ (الإيقاع الحيوى)، لكن لا يمكن مواجهة واستقبال  هذا الواقع بشكل مباشر إلا أثناء عملية الإبداع أو عملية الجنون.

لم تتح لنا فى حالة رشاد أن نرصد ما نسميه إبداعا، اللهم إلا فى النظر إلى محاولات إعادة التشكيل “معا” لما تفكك من وحدات ثم رصدها، ثم محاولات منعها من التمادى إلى التفسخ. إنّ ما حدث بهذه الطريقة قد سمح لنا أن نواصل افتراض أن هذا الاستقبال للعالم الداخلى هو إضافة معرفية بالمواجهة بصفة مبدئية.

تم التعامل مع رشاد – مثلما ننصح أن يحدث مع معظم المرضى خاصة في مثل هذه المرحلة – على أن المسألة لم تعد أن ما يقوله هو “حقيقته” بمعنى خصوصية تخيله، وإنما هو الحقيقة الماثلة بداخله، أى الواقع الداخلى، الذى يشارك فى الاعتراف به المعالج بأكبر قدر من الصدق الممكن وهنا يظهر دور المعالج “كناقد للنص البشرى” على الناحيتين: حالة كونه مشاركا للمريض كناقد أصلى لنصه ونص المعالج معاً، وتختلف نسب الأدوار مع التقدم فى العلاج.

حين تنشَّطَ المخ القديم – عند رشاد –  ونتج عن ذلك انسحابه من الواقع الخارجى، وأيضا كان ذلك من أسباب تذبذب القرار لدرجة إشلال الإرادة الفاعلة من الناحية العملية، لم يقم المخ القديم بإزاحة نشاط  المخ الحديث تماما،  بل إن الأخير (المخ الحديث) تنَشطَ فى نفس الوقت، غير منافِسٍ للنشاط المرضى، وإنما اكتفى بأن يزاح وراح يتفرغ لرصد هذا الفصم الجارى، ربما بين المخين، كما ذكر رشاد وهو يحكى عن كيف أن مخه انشق إلى نصفين، بل راح يرصد ويحكى عن ما جرى لكل الأمخاخ (الأدمغة.. تنظيمات الوعى …الخ)

احْتَدَّ نشاط المخ الحديث وقام بدور الرصد والوصف بدقة متناهية، مع تخليه (تخلى المخ الأحدث) عن القيام بنشاط يخدم الواقع الذى يترتب عليه القرار المناسب، وإنما توجه نشاطه إلى رصد الجارى، عقلنةً سواء مرضيا (تكوين الهلاوس والضلالات الثانوية)، أو عاديا (فعلنة المعلومات)، لكن حين التقى المعالج المصدِّق المواكب، بدأ نشاط المخ الأحدث يقود من ناحية ويسهم فى تنفيذ خطة العلاج من ناحية أخرى.

إن الاستعانة بعقاقير مضادة للذهان هو أمر مهم بشكل خاص، ويـُـتبع فى ذلك وصف الأدوية حسب هيراركية دقيقة، تتغير مع تغير حركية العلاج مـُـقاسة بمحكات نمائية شاملة، وواقعية يومية محددة، وليس فقط باختفاء الأعراض

إن التفرقة بين استعمال العقل (الموضوعى)، والعقلنة (الدفاعية) أمر صعب، وهو لا يقاس إلا من خلال تقييم أبعاد التفعيل الذى يبدو سليما إذا نجح فى دفع عملية النمو على أرض الواقع.

يمكن مقارنة هذه العملية، خصوصا فى بدايتها، بما يحدث فى نشاط الحلم، إلا أنه فى الحلم تنتهى العملية التفكيكة بإعادة الترتيب Repatterning ، وبالتالى هى عملية بنائية تعليمية بغض النظر عن محتوى الحلم المحكى. (بل لعلها هى هى مع اختلاف المآل).

بنفس القياس والمقارنة فإننا نتبنى فرضا يقول: إن بداية هذه العملية (التحريك بالتفكيك) هى تـُـقابل وتـُـماثل بداية الإبداع الذى يتم فى الإبداع بدرجة من الوعى المشتمل، فيكون نتاجه تشكيلا جديدا، ليس مجرد تنظيم مفيد (الحلم)، ولا مآل متفسخ (الفصام)، وهذا ما لم تتح الفرصة لرشاد أن يكمله، اللهم إلا بمرحلة التصوير الداخلى إن صح التعبير.

ربما أفاد – مؤقتا –  انسحاب رشاد من العمل (والناس) فى منع أو تأجيل التفسخ، وذلك باستعمال الميكانزمات المناسبة، وبالذات ميكانزمّىْ التفكيك والعقلنة، ثم الإسقاط، وقد قامت العقلنة والإسقاط بتوقيف الحالة عند مرحلة الوصف، وكذلك بتبرير وتسويغ متطلبات الواقع، ثم قامت “العقلنة” (فالعقل لاحقا) برصد عملية التفكك كما سيظهر طوال عرض الحالة.

حالت هذه الميكانزمات الثلاثة  (التفكيك فالعقلنة والاسقاط) – حتى رصد المسار – دون التمادى فى التفسخ الفعلى.

تبينا بعد ذلك كيف ورث رشاد برنامجا يعلن جاهزية تنشيط التاريخ العائلى المرضى عنده، كما أنه يشير أيضا إلى أن كلَّ مَنْ مَرِضَ فى هذه العائلة قد تحسن أو شفى، والأرجح أن الشفاء فى معظم الحالات أو كلها قد تَمّ باختفاء الأعراض أكثر من اضطراد النمو: الخال مرض فى سن 18 سنة ودخل مسشفى العباسية، وشفى، والعم أصيب بنوبة اكتئاب شفيت أيضا بعلاج جلسات تنظيم الإيقاع ولم يعاوده المرض بعد ذلك.

هكذا يمكن استنتاج – كما ذكرنا حالا –  أن رشاد يحمل برنامج زخم التفكيك، بقدر ما يحمل برنامج القدرة على ضبطه واستعادة توازنه، بعلاج أو بدون علاج أحيانا).

من خلال تتبع الحالة طوليا تبين لنا كيف نرصد، أو نتوقع، أن أية وقفة فى مرحلة معينة من مراحل التفكيك نحو التفسخ، أو اللم بالدفاعات القديمة أو الجديدة التى تدعمت بعد الخبرة المرضية، يمكن أن ينتج عنها وقفة تستأهل تشخيصا آخر، وهذا هو ما يسمى “نقلة الزّملة” Syndrome Shift بمعنى أن رشاد يمكن أن يتوقف عند (أو يمر بـ) مرحلة وسواسية صريحة، أو اكتئابية جسيمة، أو حتى هوسية مؤقته، وهذا يتوقف على الظروف المحيطة الجديدة ، وطريقة تكيفه الإمراضى لها.

كذلك يجدر بنا أن ننتبه إلى بعض دلالات وآليات الحوار على مدىٍ عرض الحالة، ولنأخذ على سبيل المثال قيمة ما يسمى “احترام تجربة المرض”، بدأً بأخذ شكوى رشاد مأخذ الجد تماما، باعتبار أنها واقع آخر. إن هذه القيمة ليس لها أدنى علاقة بالشفقة عليه، أو “أخذه على قدر عقله: كما يشاع.

تأكدت أيضا ضرورة التوليف بين الاستعمال الانتقائى للعقاقير، ونمو العلاقة العلاجية ، بديلا عن الاستقطاب (إما…أو)، مع تطويع الجرعة من كلٍّ (العقاقير والعلاقة) أثناء خطة التأهيل والعلاج باستمرار.

[1] –  يحيى الرخاوى: فصل”الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” فى كتابى:“حركية الوجود وتجليات الإبداع” (جدلية الحلم والشعر والجنون)  المجلس الأعلى للثقافة 2007

(2) كلمة أساسية عن الإدراك

(2) كلمة أساسية عن الإدراك

(2)

كلمة أساسية عن الإدراك” لفهم الحالة:

 الإدراك‏ هو ‏الخطوة‏ ‏الأساسية‏ ‏فى ‏العمليات ‏المعرفية‏ برمتها، ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الدراية‏ )[1]): فهو بمثابة ‏البوابة‏ ‏المعرفية‏ ‏الأولية Cognitive Gate‏ ‏التى ‏توصل‏ ‏مستويات‏ ‏الوجود‏ فى الداخل والخارج ‏بعضها‏ ‏ببعض‏ ‏بدرجات‏ ‏متفاوتة‏ ‏من‏ ‏الدراية‏.

وفى حين ‏أن‏ ‏الإدراك‏ ‏يتضمن‏ ‏بصورة‏ ‏شبه‏ ‏دائمة‏ ‏قدرا‏ ‏وافرا‏ ‏من‏ ‏الشعور‏ ‏بواقع‏ ‏ماثل‏ (‏سواء‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏البيئة‏ ‏الداخلية‏ ‏أو‏ ‏الخارجية‏) ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏التخيل‏ ‏كما يشاع عنه يتجاوزالواقع‏ المعروف ‏عادة‏، فهو تشكيل مصنوع بآلية أقرب إلى التفكير منها إلى الإدراك، وبالتالى فهو يتجاوز الواقع الآنى داخلا وخارجا دون أن ينفصل تماما عنه،.

 التخيل هو فعلا بعيد عن الإدراك ، فهو تشغيل آليات التفكير (وليس الإدراك) فى صنع واقع جديد، مستمد من كل أبجديات المعرفة الظاهرة والباطنة

ثم ننتقل إلى ما ينبغى توضيحه عن “العين الداخلية” و”البوابة المعرفية”: يبدو أن ثمة علاقة وثيقة بين “العين الداخلية”، و”البوابة المعرفية”.

البوابة المعرفية هى أقرب إلى نشاط الإدراك باعتباره الخطوة الأولى الأساسية ‏‏فى ‏السلوك‏ ‏المرتبط‏ ‏بعمليات‏ ‏اعتمال المعلومات([2])‏   Information Processing بصفة عامة (على كل المستويات: التفكير والعواطف والجسد)، أما تحديد الاسم هكذا “البوابة المعرفية”، فلا أعرف من أين جاءنى، ربما من مريض.

تنبيه مبدئى:

لا أتردد فى أن أكرر أن ما يسمى ‏الاستبطان‏ ‏أو‏ ‏التأمل‏ ‏الداخلى‏، ‏ليس مرادفا لنشاط ما يسمى العين الداخلية، ذلك لأن ما يسمى التأمل الذاتى‏ ‏يغلب‏ ‏عليه ‏النشاط‏ ‏المعقلن‏ ‏المترجـم‏ ‏إلى ‏رموز‏ ‏كلامية فى العادة فى محاولة وصف ما بالداخل، أما‏ ‏إدراك‏ ‏البيئة‏ ‏الداخلية‏، فهو يعتبر‏ ‏أول‏ ‏خطوة‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏العمليات‏ ‏النفسية‏ (‏المعرفية‏ ‏والوجدانية‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏)، وفى ظروف خاصة قد يستطيع بعض الأفراد أن يرصدوا نشاطه وخطواته، بل وأن يصفوها مثلما يحدث فى بداية الذهان وفى أطوار نشاطه قبل إزمانه وتشويهه أو ترميزه، وأيضا فى حالات الإبداع والحدس مما سنعود إليه لاحقا.

بلغ اليقين ببعض الإكلينيكيين فيما يتعلق بإمكانية  إدراك الداخل مباشرة أنه نشاط جوهرى عند المبدعين والتشكيليين والمرضى فصكوا لذلك مصطلح “العين الداخلية“، ليس على سبيل المجاز، كما سنرى بعد. وقد استعمل هذا المصطلح بشكل مباشر ودقيق فى وصف نوع من الهلوسة ممارس إكلينيكى نابه هو سمز Sims ([3])  حيث تحدث تحديدا عن “العين الداخلية” مما سنعود إليه مع مناقشة الهلوسة، وجدير بالذكر أن اسم المصطلح هو الجديد فحسب أما الظاهرة فقد وصفت أيضا بواسطة كل من كارل يونج وياسبرز وبنز فاجنر وكاتب هذه السطور.

هذا، ويمكن اعتبار جهاز تشغيل العين الداخلية شديد الارتباط بجهاز تشغيل ما يسمى بالمعرفة المتجاوزة للحواس الخمس وهو ما يربط الفرضين ببعضهما البعض بشكل ما.

[1] ‏- ‏سوف‏ ‏نستعمل‏ ‏كلمة‏ “الدراية‏” ‏ترجمة‏ ‏للفظ‏ awareness ‏حتى ‏نقصر‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏الوعى ‏لتخص‏ ‏لفظ ‏consciousness ‏وتظل‏ ‏كلمة‏ ‏الإدراك‏ ‏لما‏ ‏هو‏ perception، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏لايحل‏ ‏الإشكال‏ ‏تماما‏ ‏إذ‏ ‏تظل‏ ‏ألفاظ‏ ‏مثل‏ ‏الشعور‏ ‏واللاشعور تشير‏ ‏إلى ‏الوعى ‏وما‏ ‏تحت‏ ‏الوعى‏، ‏ونأمل‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏ ‏أن‏ ‏يختص‏ ‏كل‏ ‏لفظ بمعنى جامع مانع باستمرار‏.‏

[2]  اعتمال المعلومات هو الترجمة التى انتهيت إلى اختيارها لمصطلح Information Processing   بعد أن كنت أستعمل تعبير فعلنة المعلمات، وكان آخرون يستعملون نتعبير “طبخ” المعلومات، أما الأكثر تداولا فهو “معالجة المعلومات”.

[3] – Sims, A. (2002) Symptoms in the Mind: An Introduction to Descriptive Psychopathology (3rd ed).. Elsevier. ISBN 0-7020-2627-1

(3) ملاحظات مبدئية

(3) ملاحظات مبدئية

(3)

ملاحظات مبدئية:

أود أن أنبه إلى التأكيد على ضرورة ملاحظة عدة نقاط تساعد على التواصل، من أهمها:

(1) طبيعة المقابلة الإكلينكية والتأكيد على أخذ كل كلمة وخبرة يذكرها رشاد مأخذ الجد باعتبارها ليست فقط حقيقته، وإنما الحقيقة التى رآها فحكاها (ما لم يثبت العكس)

(2) عدم الإسراع بالربط بين خبرة رشاد الأولى فى علاقته بالحاسوب، بما يحكى من أعراض بمعنى ألا نستسهل أن نفسر عمق ودقة ما يحكيه من أعراض وشكاوى بأنها نتيجة لإيحاءات ذاتية مرتبطة من مهاراته فى هذا المجال، علما بأنه لم يتعدّ مرحلة التدريب، ومن ثم النصح بعدم استسهال تفسير لغته وأعراضه بالاستسلام لما يسمى الإيحاء الذاتى ..إلخ.

(3) عدم الاكتفاء بما نقتطف هنا فيما يتعلق بالعين الداخلية فحسب.

أما أن “رشاد”([1]) فصامى، فهو كذلك فقد اكتملت فيه كل محكات تشخيص الفصام فى الدليل الأمريكى الرابع DSM IV، وإلى درجة أقل، فى التصنيف العالمى العاشر ICD 10، وبشكل أو بآخر: فى التقسيم المصرى (العربى) الأول DMP I.

أما أنه رَصَد حركية الانفصام فقد وصفها بكل ما عُرفت به (وما لم تعرف به!) نفسمراضية)[2]) الفصام: وهذا ما سوف نراه سويا من واقع شكواه، وفحصه والحوار معه

أما أنه لم ينفصم، فهذا ما حدث إذ ظل محتفظا بتماسكه، واحدا صحيحا، لم يتفسخ، ولم يتبلد، ولم ينسحب تماما، ولم يفقد إرادته الخاصة التى فَرَضَ بها قرار سفره للخارج (لأكل العيش) أثناء العلاج، فرضه بمخاطرة متحدية محسوبة، ثم قرار عودته، ثم ما لا نعلم بعد.

أظن أن الأمر ازداد غموضا برغم هذه المقدمة المتسحبة.

المهم: سواء صح أم لم يصح : أنه فصامى، سواء صحّ أم لم يصح أنه رأى حركية الانفصام (وهى تحاول تفكيكه) ووصفها، بداخله و أيضا مٌسقطة خارجه، سواء صح أم لم يصح أنه – برغم ذلك – لم ينفصم، بما حاور وقرر وفعل، سواء صح أى من ذلك أم لم يصح، أتصور أنه يصعب جدا أن تصل – عزيزى القارئ – إلى ما أريدُ توصيله:

(1) إلا إذا:  نسيتَ تماما هذا العنوان: “فصامى” يعلمنا: “كيف” الفصام، “دون أن ينفصم”!!

(2) إلا إذا: نحـَّـيـْـتَ جانبا كل ما سمعته عن الفصام خاصة من العامة والهواة (وأغلب الأطباء النفسيين أيضا)

(3) إلا إذا:  تذكرت أن التقسيمات الأحدث (حتى الامريكى الخامس، والعالمى العاشر) تُوفر الاتفاق reliability (ثبات استعمال نفس اللفظ لوصف مجموعة من السلوك المرضى: الأعراض أو تسمية مرٍض بذاته) فى حين أنها تفتقر تماما إلى المصداقية validity (إذْ لا يتضمن اللفظ المستعمل للتشخيص نفس المضمون أو نفس المحتوى أو نفس المعنى عند من يستعملونه([3])

(4) إلا إذا:  صدَّقـْتَ كل (أو أغلب) ما يقوله رشاد، دون الإسراع بتكذيبه، أو اتهامه بالغموض على الأقل لمجرد أنك لم تفهمه بالقدر الكافى.

(5) إلا إذا:  صبرتَ علينا حتى  تقرأ الفروض واحتمالات التطبيق وتتبع الحالة

((6) إلا إذا:  تذكرتَ أننا لا نبحث عن اسم آخر (تشخيص آخر) أكثر تلاؤما مع الحالة أو أوفق صلاحية لفهمها، وإنما نبحث: أولا: فى التعرف على ما هو ماثل أمامنا، كما هو، ثانيا:  أنفع الطرق للقيام بما نحن مكلفون به (العلاج هنا)،

 ثالثا: إلا إذا تذكرت أننا نحاول أن نفهم الإدراك من خلال فشل عملياته وتماسكها وتناسقها   وبالذات من التعمق فى طبيعة عملية اعتمال (معالجة) المعلومات Information Processing ([4])

[1]  – (ليس هو الأسم الحقيقى)

[2]– Psychopathology

[3] – يحيى الرخاوى: “تشخيص الفصام دون تحديد ماهيته!” نشرة الإنسان التطور اليومية  بتاريخ (2/12/2007) بموقعى www.rakhawy.net

[4] – يلاحظ الصديق القارئ أننى خلال أكثر من خمس سنوات أحاول تجنب أن أحشر الكلمة الانجليزية فى النص العربى، تعلمت ذلك من المرحوم د. أحمد مستجير افتخارا بلغتى، لكننى مضطر فى هذا المقام رشوة للزملاء الأطباء حتى أشجعهم أن يتابعونى.

(4) ملخص الحالة

(4) ملخص الحالة

(4)

ملخص الحالة:

رشاد مرِضَ، جاءنا مريضا يشكو، بعد أن توقف عن العمل، وكاد يتوقف عن الحياة، جاء مريضا، وها نحن نفحصه ليس أساسا للوصول إلى تعليق لافتة التشخيص، ونحاوره، لنتعلم منه معالم آليات الصحة والمرض، حتى بدا الحوار أحيانا وكأنه تحقيق!! وهو من أسرة متوسطة، فيها تاريخ إيجابى للمرض النفسى.

هو رجل فى منتصف العمر، (33 سنة)، أعزب، كان يعمل سائقا لحافلة ركاب (أتوبيس)، توقف عن العمل لمدة عامين، إلا شهر واحد، عمله فى السعودية ثم عاد للانقطاع، يعيش فى حى متوسط فى القاهرة، وبلده الأصلى قريب أيضا من القاهرة. وقد حضر بنفسه للاستشارة، وأدخل فى نفس اليوم القسم الداخلى (قسم الأمراض النفسية قصر العينى) مختارا، وكان قد أصيب بنوبة طارئة قبل ثلاث سنوات عولجت على مستوى العيادة الخارجية، ثم نوبة أخرى منذ ستة أشهر أدخل على إثرها القسم الداخلى وعولج وتحسن لكنه لم يعد لعمله.

وبالنسبة للتاريخ العائلى فقد أظهر أن خاله قد أصيب بمرض عقلى وهو فى سن 18 سنة، وأدخل مستشفى العباسية لفترة قصيرة وتعافى، ولم ينتكس بعدها، كما أن عمه قد عانى من نوبة اكتئاب وعولج بجلسات تنظيم الإيقاع (الصدمات الكهربية) وشفى أيضا.

حصل رشاد على الثانوية التجارية، ولم يكن مجتهدا دراسيا، (مع أن أختيه قد نالتا درجة جامعية)، فحول مساره إلى تعليم فنى متوسط، ثم حصل على دبلوم أعلى قليلا: (مدة الدراسة عامان بعد الثانوية التجارية)

عمل رشاد أعمالا متعددة منذ صغره (عشر سنوات): مبيض محارة، بائع فى محل، سباك، عامل طباعة، جرسون، ثم سائق فى هيئة النقل العام، لمدة تسع سنوات.

 (قبل المرض!! كان شابا نشطا اجتماعيا حاضرا) يصفه أبوه بما يلى:.

 رشاد كان عنده جروب اصحاب كان بيخرج ويسافر معهم، بس ماكانش ليه فى البنات قوى، انا كنت عايزه يتجوز من زمان بس هو عايز يكوّن مستقبله الأول، رشاد عنده طموح جامد إللى تعبه هو الطموح، عيبه انه عايز يطلع السلم مرة واحدة. وإللى بيطلع مرة واحدة ممكن بسهولة يقع مرة واحدة. هو لازم يأخذ الأمور بالتدريج بس هو مش فاهم كده. يعنى هو مثلا ساب الشغل فى الهيئة علشان يشتغل فى السعودية بس فى الأخر ولا حصل الهيئة ولا السعودية. وكان بيقولِّى انا مش عايز أطلع زيك أنا عايز أطلع أحسن منك

نكتفى الآن بهذا المقتطف الموجز من شكواه لتعلقه بما نريد تقديمه:

  • ” مخى عامل زى ورقتين مقفولين على بعض
  • انا حاسس ان عقلى مقفول
  • مخى صندوق مليان مش قادر أقفله مهما اتكيت على غطاه …الخ”

*****

من المناقشة مع مقدمة الحالة الدكتورة: (مريم)

د.يحيى: المهم: إنتِ مقدمة الحالة دى النهارده ليه؟ إيه اللى شاغلك فى الحالة دى؟ إيه اللى انتى عايزة إننا نتناقش فيه؟

(د. مريم): بصراحة أنا اتخضيت من الطريقة بتاعته اللى قعد يوصف لى بيها الحاجات، وهوّا بيحكى عن اللى حصل

د.يحيى: طريقة إيه؟ اللى هى إيه يا بنتى؟ كتر خيرك

(د.م): اللى هى قعد كذا مرة يشرح لى فى جمل مؤكدة عن إيه  اللى هو بيحس بيه فى مخه ، وفى نفس الوقت ، بيقول إنه مش قادر يشرح لى، وإن الأمور غامضة بالنسبة له. 

د.يحيى: يعنى هوه بيقول لك أنا ماعرفش أوصف، ويحكى عن نوع من الغموض، وفى نفس الوقت يقول كلام ميّة مية؟ طب ما هو كده عندك حق تستغربى.

(د.م): آه ، طول الوقت عمال يوصف اللى جاله، واللى عنده بشكل كويس جدا، وهوا متأكد من اللى بيوصفه، وانا مصدقاه، ومش فاهمة إيه اللى جواه ده، وهوه عمال بيوصفه، ومش عارفه عرف اللى جوا كده إزاى.

د.يحيى: جواه إيه بقى؟ الظاهر انت شاطرة ومصحصحة عشان لسه صغيّرة، لو كنت حضرتى حالات كتير من نوع التشخيص بتاعك للحالة دى كان مخك اتلخبط، ويمكن كنت فهمتى أكتر وبـَـوَّظتى كل حاجة،  ده حاجه جميله جداً اللى انت بتعمليه ده إنك قلتى إنك مش فاهمة وتحاولى تفهمى، نفهم سوا.

(د.م): فأنا كنت قاعده باحاول أسمعه، عماله أحاول أفهم هو يعنى هو عاوز يوصف إيه،  يعنى ده اللى شدنى ليه بصراحة

د.يحيى: الله يفتح عليكى ، عندك حق

(د.م): وبرضه اللى شدنى له إنى لقيته جدع، عمّال يشتغل طول الوقت تقريبا، بيشتغل أى حاجة، وكل حاجة، ما بطلشى إلا الآخر

د.يحيى: إستغربتى إن واحد عنده مرض شديد إللى انت سمتيه (فصام) من غير تردد، ولا تشخيص فارقى ([1]) (بديل) يعنى ما فيش احتمال تشخيص تانى، وفى نفس الوقت بتوصفية بالشطارة دى، والجدعنة فى شغله، وبيحكى (هوا) بالوضوح ده ، مش كده؟

(د.م): آه

د.يحيى: ثم هو فى نفس الوقت برضه باين عليه إنه حاضر، وجاهز، وعامل معاكى علاقة جامدة، علاقة من اللى بنغلَبْ نحاول نعملها مع العيانين وما فيش فايدة

(د.م): آه بالظبط

د.يحيى: ………………

…………….. ([2])

أنا متشكر جداً

حالة كويسة ومفيدة إن شاء الله

(يلتفت إلى بقية الحضور)

……… العيانيين دول ساعات بيحددوا بداية المرض، مش من ساعة ما ظهر  فى السلوك، لأه، ده من ساعة  بداية العملية الإمراضية (السيكو باثولوجى)، عادة بعد ما يتكسروا، يكتشفوا إنهم اتكسروا من جوه قبل كده بمدة، يعنى هوّا بيقدر يحدد (بأثر رجعى) بعد ما يعيا: بيفتكر هى الحكاية “حوّدت امتى“، حودت جوه جوه، حودت عن السكة الطبيعية بتاعة النمو، …….. ولما تظهر آثار التحويدة دى، فى شكل مرض، أو أى حاجة تانية، يقول أنا عيان من مدة كذا، مدة بعيدة تمام عن البداية القريّبة، أو يقول أنا عيان من ساعة ما كذا حصل.

…………….

……………

د. يحيى : حالة العيان بتاع النهارده ده برضه فكرتنى بحالات تانية أنا اتعلمت منها حاجة لها علاقة بطريقة الحكى دى، زى ما يكون هوّه بيشوف العمليات العقلية المعرفية، كأنها بتحصل قدام عينيه، وبتتعرض بالسرعة البطيئة، كان أول مرة ألاحظ الحكاية دى، أظن كانت سنة 1971، كان دكهه عيان فصامى برضه، كان بيحكى عن صعوبة التفكير، كان بيقول إن السطر لما بيقراه بيخش بحاله ماسك فى بعضه زى سطور “اللينوتيب”([3]) قوالب الرصاص اللى كانوا ايامها بيطبعوا بيها الكتب بدال ما يجمعوا الكلمات حرف حرف، المهم العيان ده كان بيحكى ازاى بيبذل جهد، عشان الكلام يمتزج بمخه، يقوم يفهمه، بصراحة أنا أيامها أعجبت بالوصف جدا، وماكنتش مهتم قوى بتفسير إزاى السطر لما يخش حته واحدة يقوم هو يضطر يبذل جهد عشان يدخّله جوا مخّه، كنت لسه ما فتحتش ملف عملية شاغلانى اليومين دول ، قصدى عملية فعلنة (اعتمال – معالجة) المعلومات Information processing، إنما لما ابتديت اشتغل فى الحكاية دى، فهمت ازاى العيان ده كان بيوصف الجزء الأول من العملية دى، وازاى إنه كان عنده حاجز أو عملية إبطاء سرعة من أول الخطوة الأولى فى العملية دى، يعنى خطوة الإدخال Input ، قبل كده بمدة طويلة، وانا نايب سنة 58 زيّكوا كده، كنت باقرأ فى كتب الطب النفسى الوصفية الجميلة ، أعتقد كتاب هندرسون وجليبسى، قريت إن من أعراض الفصام صداعات بالرأس غريبة أو شاذة، Bizarre cephalic encephalopathy اللى خلانى أنتبه للحكاية دى، إن كان فيه عيان عندى ساعتها فى القسم مش عايز يخف، مابيتحسنشى، وكان بيشتكى من إن دماغه ناشفة، وإن فيها حاجة بتلقّ، وساعتها ماكنتش فاهم، إنما بعدين (من سنة 58 إلى سنة 71) ربطت ده بده، أظن ده اللى خلانى وانا باقدم تطوير للنموذج الطبى الأشمل للطب النفسى([4])، أأكد على إنى أشرح وابيّن بنوع من القياس إن عملية “فعلنة المعلوماتهى زيها زى وظيفة الجهاز الهضمى والتمثيل الغذائى، وعشان كده استعملت تعبير “التغذية البيولويجية بالمعنى ده” فى كتاب السيكوباثولوجى بتاعى ([5])، وبرضه كان النموذج الهضمى التمثيلى موجود فى ذهنى وانا باحط نظريتى عن الأحلام، بس مديت فكرتى للقياس بعملية الهضم عند الحيوانات المجترة، يعنى زى الحيوان ما بيخزن الأكل اللى دخل معدته بسرعة فى مخزن يرجع له ويرجّعه لما يلاقى فرصة للمضغ الأكثر فاعلية وبهدوء أنجح بحيث الغداء يبقى جاهز وأسهل للامتصاص والتمثيل الغذائى، الظاهر إن الأحلام – بالقياس –  بتقوم بنفس الوظيفة، يعنى أثناء نشاط الحلم الدورى (غير اللى بنحكيه) إننا بنرجّع المعلومات الزحمة، عشان عقلنا يمضغها تانى ويرتبها عشان، تسهل تمثليها وهضمها وترتيبها فى المخ.

أنا حاسس إنى طولت شوية، بس المدخل ده ضرورى عشان نعرف نفهم العيان ده بيقول إيه، وبيوصف إيه، المفروض إننا كل ما نسمع حاجة ما نفهمهاش من عيان، نركنها على جنب، يمكن ييجى لها يوم تلاقى مطرحها الصحيح فى اللى جارى، يعنى دلوقتى إحنا سنة 2009، وانا باحكى لكم على عيان سنة 1958، وواحد تانى سنة 1971، وأديكو شايفين المسائل بتتربط فى بعضها لوحدها، ما دام نتعلم ازاى ما نستعجلشى لازم نأخد بالنا ونتعلم الصبر والتأجيل، بدال ما بنحشر إللى احنا مش فاهمينه، فى اللى احنا عارفينه وخلاص، كده إحنا بنظلم المعرفة، عارفين أنا بافهم فكرة الإيمان بالغيب ازاى، حاجة زى كده، الإيمان بالغيب مش تسليم للخرافة، ده احترام لفاعلية وأهمية وضرورة اليقين باللى احنا مش عارفينه، مع فتح الباب بصبر معرفى ما لوش حدود، يمكن نعرفه فى يوم من الأيام.

 نرجع يا مـَـلـَـك للعيان بتاعك بقى، إنتِ شايفة فيه أى علاقة بين اللى انا باقوله، وبين استغرابك لوصف العيان حالته، واللى كان دافع إنك تقدميهولنا النهاردة.

(د.ملك): حاسة إن فيه علاقة، بس مش قادرة أحددها قوى.

 

[1] – Differential Diagnosis

[2] –  النقط تشير إلى المحذوف الذى قد يبلغ بضع صفحات أما الأقواس فهى إضافات محدودة تعوض النقل من الأصل (صوت وصورة) إلى نص مكتوب يحتاج إلى توضيح وتحدد لتوعيض النقص واختلاف الأداة.

[3] – تطورت طرق الجمع (فالطباعة) من جمع الحروف حرفا حرفا من صندوق الحروف، إلى صب السائل الرصاص المنصهر فى ألة كبيرة تـُـخرج سطورًا بأكملها من الرصاص المتجمد سطرا سطرا ترصً تحت بعضها لتشكل الصفحة وهذا ما يسمى “اللينوتيب” وبعدين الحكاية اتطورت إلى ما يسمى المونوتيب يعنى الحروف واحد واحد.

[4]” –  Expansion of the Concept of  Medical Model in Psychiatry Editorial”  Egypt. J. Psychiat. (1980a) 3: 159-161.‏

[5] – يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (1979)

(5) مزيد عن الفروض ومقتطفات من مناقشة أوراقه

(5) مزيد عن الفروض ومقتطفات من مناقشة أوراقه

 (5)

مزيد عن الفروض ومقتطفات من مناقشة أوراقه:

إن ثمة عين داخلية (عضو حسٍّ له علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم جنبا إلى جنب مع الحديث، وهو نتاج مما جرى عبر التطور، وهذه العين تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة  REM“ريم”)، كما تنشط بإفراط فى بداية الذهان خاصة، وهى تستطيع أن ترصد الداخل “بما هو كما هو” فى البداية، كما قد تتعامل معه بآليات الذهن الأحدث من خيال، ولغة، وتفكير، وذاكرة، ولكن هذا ليس ضرورة للاعتراف بها، وإن كان هو من أهم السبل إلى توضيح آثار فاعليتها ونشاطها.

 الفروض الفرعية من واقع الحالة المقدمة:

(أ) إن ما بداخل البشر هو حقيقة موضوعية (واقع موضوعى) وليس مجرد ذكريات أو “نفى” ما هو ظاهر: (“لاشعور!!”).

(ب)إن رصد التفكك بواسطة رشاد لا يترتب عليه تلقائيا حدوث التفكيك سلوكيا وأعراضاً.

(جـ) إن تصديق رشاد فى مثل هذه الحالات حتى قبل ترجمة خبرته إلى أعراض تسمى باسم مرض بذاته هو مفيد علميا وعلاجيا.

(د) إن هذا المنهج قد يحل محل التفسيرات العشوائية للممارسات التى تمارسها العلاجات الشعبية، وأيضا قد يساعد فى الإستفادة من الفهم “الإمراضى” ([1]) لصالح إعادة التشكيل الصحى للمريض(التعافى فإطلاق النمو).

(هـ) إنه يمكن التحاور مع رشاد الذهانى (الذى أطلقنا عليه: الفصامى) على مستوى عال من التماسك والتفاهم.

وصل ما انقطع:

فى هذه الحالة، تَمَّ رصد عملية الانشقاق (الفصم)، وأيضا عملية الخلل الذى لحق آلية “فعلنة المعلومات” حتى أصبحت وكأن ما جرى ويجرى من اضطراب، كأنه يُرى ويُرْصَدُ بالعرض البطىء

تكملة مقتطفات من المناقشة مع الطبيبة مقدمة الحالة (د.م.)

د.يحيى: أعيد الفكرة اللى انا قلتها فى الأول، إن العيان بتاعك بيرصد العمليات العقلية، والمعرفية بالذات، خصوصا بعد ما عيِى، وكأنها بتجرى قدام عينيه بالسرعة البطيئة، ولما حانقابله، يمكن تبقى فيه فرصة نتناقش معاه جملة جملة فى كل اللى قاله ونعرف أكتر، العيان ده شايف مخه، شايفه بيشتغل إزاى، بعد ما عيى، يعنى هو شايف الباثولوجى اللى جارى، وببيشرحه زى ما  بيحصل بالضبط تقريبا.

(د.مريم): ده شَرَح لى كمان حاجات بس ماعرفتش أقولها إزاى

د.يحيى: طبعاً، دا عايز مترجم فورى ناصح، ما كتبتيش اللى قاله كله ليه؟

(د.مريم): أصله قال لى كلام يعنى ما كنتش حاسة بأهميته،  بس دلوقتى شايفه إنه يمكن كان مهم، يعنى مثلاً  قال لى: “إن مخه ده أكن كوافير بيعمل لواحده شعرها ، فبيشد،  فلما بيشد الشعر هى بتتوجع”،يعنى بيقولى كلام أنا مش عارفه حتى أعيده

د.يحيى: الله يسامحك يا شيخه، طب ليه ما كتبتيهوش، مش ده أهم من  الهبل اللى عمالين يدوشونا بيه عن فتافيت الكيميا عشان يكسبوا فلوس والسلام ، ويقولوا علم، والله العظيم ربنا حايحاسبنا إذا احنا استسملنا للى بيعملوه فينا وهما بيمنعوا الدكاترة الصغيّرين بالذات من أنهم يشوفوا العيانين ويسمعوهم بحق وحقيق، أنا شايف إن شوية شوية حاتلاقى الدكاترة اتقلبوا أدوات تسويق عاجزة عن التفكير من أصله، كل ما يبصوا لعيان يقلبوه شوية كيميا زيادة، وكيميا ناقصة، يا شيخة!!! الدكتور منا حايبقى بعد كده “مندوب مبيعات” هما بيبرمجونا بالبوفيه المفتوح واللوكاندات والسفريات عشان ما نسمعشى العيانين بيقولوا إيه، ولاّ بيعيشوا خبراتهم ازاى، أول ما  العيان ينطق نروح مترجمينه للى إحنا عارفينه، أو حافظينه،  ونروح مدَيينه اللى هوّا مكتوب وجاهز، ده مش علم،  العيان بتاع النهارده مثلا بيقول لك اللى حصل له، يبقى هوا اللى حصل له، لا أكثر ولا أقل، والعيان بتاعنا ده نفسه بيعترف بإنه مش قادر يوصف اللى جارى، نروح احنا ناطين ومادين إيدنا على أقرب كلمة على الرف، ونلزقها على قفاه، اللغة يا بنتى أعجز من إنها تستوعب الخبرة اللى زى دى، فما بالك إنها توصَّلْها،

ولازم كل عيان ناخده بشكل يختلف عن التانى، أنا بقالى 38 سنة ما بين ما شفت العيان بتاع صف الرصاص اللينوتيب اللى حكيت لكم عنه، وهو بيحزق عشان يزق سطر الرصاص عشان يمتزج بمخه،  وما بين عيانك ده، أديكى شايفه، يا دوب بعد 38 سنة باحاول أربّط، ده بدَه لأنى الظاهر اتعلمت أحط المعلومة الغريبة بين قوسين واستنى عليها لحد ما تلاقيلها حتة أحطها فيها، وأعتقد إن اللى  خلاكى تنبهرى بالعيان ده هو الجهل المندهش بتاع الصغيرين، يعنى الجهل ده ميزة جميلة جداً، بسبب جهلك الحلو ده روحتى منبهرة ومصدقه وسامعه وكاتبه، ولو انك ماكتبتيش كل حاجة، عموما، اللى كتبتيه كفاية، بس احنا نشتغل فيه، ثم انتِ ما لاحظتيش إنك لما قلبتى الكلام انجليزى فى المشاهده (الشيت) باظ ، اتبهدل، بقى قبيح جداً ، وحتى لو قلبناه لغة عربية فصحى مش حايأدى نفس الوظيفة.

أنا شايف إن اللى انا سمعته من العيان ده، قصدى اللى انت كتبتيه يعنى، كل كلمة حايثبت إن لها دلالاتها غالبا، أنا مش عايز أبالغ، إنما أنا حاسس إن كل جملة قولتيها فى الصفحتين الأولانيين من كلام العيان لها دلالتها، دا بيوصف الشق اللى حصل فى مخّه من تلاتاشر سنة كإنه بيوصف عملية قطع الجسم المندمل Corpus Callosotomy ، إنتو عارفين إن فيه نظرية لتفسير الفصام إنها نوع من الفصل الوظيفى بين النصفين الكرويين، زى  العملية الجراحية دى بالظبط بس من غير عملية، إنتو خدتوا بالكم من الخواجة كرو Crow اللى جابه الأستاذ الدكتور عماد فى مؤتمرنا الأخير هنا، الراجل ده راجل عظيم، ولو انه مخنوق يا عينى بالمنهج الخوجاتى، إنما قال كلام مهم جدا، مش عارف إنتو فهمتوه ولا لأه، وفهمتوا تعليقى على اللى قاله ولا لأه، المهم الراجل ده ربط الفصام بتطور المخ البشرى، وخصوصا تمييز عمل النصفين الكرويين عن بعضهم، وقال إن النقلة دى، لما المخ الشمال (أو الطاغى والسلام) ابتدأ يختص باللغة  والرموز، واليمين يختص بالأشكال والخبرات الكلية والكلام ده، حصل تباين وتباعد، لأن اللغة فى شكلها الرمزى السائد أعجز من إنها تستوعب الخبرة الكلية، فأصبح البنى آدم العاقل Homo-sapiens معرض للانشقاق ما بين اللغة، وما بين الخبرة، فلو زاد الانشقاق حبتين، تبقى المسألة بتقرب من الفصام، ده اللى انا فهمته على قد ما قدرت، وأنا رأيى إن الأحلام بتعوض الحكاية دى شوية، زى ما يكون النصف المتنحى بتاع الصور والألحان والكلام ده بياخد حقه شوية أثناء نشاط الحلم اللى هو أغلبه “تصويرى”، يقوم يحصل تقارب ولو بالتناوب، يعنى كل نصف كروى ياخد فرصته، عشان يبقى فيه إمكانية للتكامل بأى درجة، أو على الأقل السكة تمشى فى اتجاه القرب مش الفصم.

أنا متأسف الحالة بتاعتك دى كويسة جداً فاعشان كده المقدمة اللى انا بامهد بيها لمقابلته كانت طويلة شوية، يمكن من خلالها نقدر نفهمه أكتر حبتين.

(د.ملك): هو فعلاً يادكتور هوا كان بيحاول يشرح لى، وأنا اللى ماكنتش فاهمه وماكنتش عارفه أكتب اللى بيقوله  حتى …

د.يحيى:  إنتى عندك حق، بس برضه عملتى شغل كويس أوى أوى، أنتى عندك حق.

****

 والآن ننتقل إلى المقابلة مع رشاد

أول مقابلة، فى نفس اليوم بعد تقديم المشاهدة مباشرة:

يدخل رشاد مترددا ، يلتفت إليه د. يحيى منتبها:

د.يحيى: رشاد؟ لا مؤاخذه يابنى، صباح الخير يا رشاد

رشاد: صباح الخير يادكتور

د.يحيى: صباح النور، إنت عارفنى؟

رشاد: دكتور يحيى

د.يحيى: عارف إسمى يعنى؟

رشاد: عارف إسمك، آه

د.يحيى: إسمى يحيى إيه؟

رشاد: لأه، انا ماعرفشى، انا عارف أسمك الدكتور يحيى وبس

د.يحيى: أحسن، عموما: أنا باشتغل هنا، ودكتور كبير شوية، وزملائى وبناتى هنا بنتقابل كل يوم خميس علشان نناقش حالات مهمة مع بعض، حالات زى حالتك كده، أنا اسمى يحيى الرخاوى إذا حبيت تعرف أسمى التانى ولا كفاية يحيى

رشاد: كفاية يحيى

د.يحيى: إنت جدع، كده المِعْرفة على مَيّة بيضا، وأنا برضه كفاية رشاد، هما بيندهو عليك بإيه، بيقولولك: فى البيت ولا فى الشغل إيه، يا بو الرشد، ولا يابو فلان، ولا يا رشدى.

رشاد: هو إسم رشاد أفضل يعنى

د.يحيى: انت كل جملة قلتها أو حانقولها حانحاول أنا وانت نعيشها، بما إن أنا كبير شوية، إنت بتقول “أنا شايف الحقيقة بس لما آجى أطلبها بلاقيها مش حقيقة”، مش كده؟

رشاد: لأ يعنى، أنا باقول أنا شايف اللى أنا فيه ده حقيقة

د.يحيى: الحقيقة يعنى اللى أنت فيه دلوقتى، أيوه كده، ما توسعهاش قوى.

(*)([2])….. استيضاحه هكذا يبين أنه إنما كان يعنى بالحقيقة “ما هو فيه” وليس الحقيقة التى خطرت لى لأول وهلة، أعنى الحقيقة المطلقة، وأيضا تعبير “أطلبها” كان يعنى “أطلبها” من الطبيب، أى يسأل الطبيب عما إذا كانت خبرته التى يعايشها واقعية (حقيقية = هى الحقيقة) أم لا.

رشاد: ولما باجى أطلبها من أى دكتور يقول لى إنت حاسس كده، ولكن هى مش حقيقة

د.يحيى: الدكتور اللى بيقول لك هى مش حقيقة، ولا أنت اللى بتكتشف إنها مش حقيقة

رشاد: لأ، قعدتى مع الدكتور هى اللى بتبلغنى إنها مش حقيقة

د.يحيى: وهوّا الدكتور إيش عرفه ؟ حاجة غريبة!!

رشاد: مش دكتور بقى !؟

د.يحيى: إيش عرفه الحقيقة من اللى مش حقيقة، هوّا ولى أمر الحقيقة؟ إنت شايف الحقيقة زى ما أنا شايف الكوباية دى، مش كده ؟

رشاد: آه

د.يحيى: بأمارة إيه بقى الدكتور يقول لك إنها مش حقيقة؟ هو ربنا سلم الحقيقة لشوية ناس وأخذها من ناس تانيين

رشاد: بس معروف إنه دكتور متخصص فى حاجة زى كده

د.يحيى: يعنى هوّا متخصص فى الحقيقة؟ هوه متخصص فى أكل عيشه، وتصليح المايل، والترييح، والدوا والحاجات دى

 رشاد: يعنى هى حقيقة؟

د.يحيى: ليه لأه؟

رشاد: يعنى هى حقيقة

د.يحيى: مش إنت شايفها؟

رشاد: آه

د.يحيى: تبقى حقيقة 100%، ما دام ما تفرضها ش على حد، مين يعرف؟ سواء اللى قلته للدكتورة (د.مريم)، سواء اللى انت حاتقوله دلوقتى، سواء اللى أنت مش حاتقوله، تبقى حقيقة 100%، فـَتْح كلام على الأقل  بالذات بالنسبة لك، مش لكل العيانين ولا لكل الناس، ده على حد ما وصلنى من كلامك مع الدكتورة (د.مريم)، وحتى لو ما وصلنيش أنا باعتبر إن الحقيقة  بتاعتك هى اللى انت شايفها، نعمل إيه بقى فى البداية بتاعتى الغريبة دى؟ قصدى بداية مش معتاد عليها العيانين مع الدكاترة، مش كده؟

 رشاد: تمام.

د.يحيى: نعمل إيه فى الدكاترة بقى ؟

رشاد: لأ الدكاترة بصراحه ممتازين، حرام

 (*) هذا الأسلوب الذى ظهر فى هذا الحوار هكذا مع رشاد، لا يجوز تعميمه، وهو يصلح أكثر لحالة الذهان النشطة، وفى البداية عادة، عبر عشرات السنين أصبحتُ لا أعتبر حقيقة رشاد مثل التى يتكلم عنها رشاد أنها مجرد “حقيقته” الخاصة جدا، بل رحت أتبنى أنها “الحقيقة الأخرى”، من حيث أنه يدركها بأدوات حسه الداخلية، فى حين أننى – الطبيب – لا أملك نفس هذه الأدوات نشطة هكذا من ناحية، وحتى إن ملكتها فلا أملك إلا أن أرى داخلى أنا وليس داخله هو، طبعا هذه ليست قاعدة ولا تنطبق إلا على الهلوسات والضلالات النشطة الحقيقية التى ترصد، أى تُدْرك، بالعين الداخلية، وأقول تدرك من “الإدراك” من Perception، ولا تنسج فكرا أو خيالا نسبة إلى التفكير أو التخيل Thinking أو Imagination

د.يحيى: ماشى، بس الظاهر هما مضطرين إنهم ينكروا عليك الحقيقة لمصلحتك؟ همّا ممتازين، صحيح كتر خيرهم، ثم همَّ بيعملوا اللى هما عارفينه وخلاص، هوه حد يقدر يعمل أكتر من اللى هوه عارفه!!

(*) طبعا لا أنصح بأن يمارس هذا الأسلوب إلا من يدرك يقينا احتمال صحته جدا، وإلا أصبح تطبيقا لأخطر وأغلط مبدأ يقول “ناخد المجنون على قد عقله” هذا المثل هو عكس ما يجرى فى مثل هذا الحوار المنطلق من الاحترام المطلق لاحتمال أن خبرة رشاد هى “حقيقة” وأحيانا هى “الحقيقة”، ليس معنى ذلك أننا نقر الجنون أو ندافع عنه، وإنما هو ينبهنا أن علينا أن نبدا من احترام الخبرة. مع اختلاف أدوات الإدراك بيننا وبين رشاد، وأيضا بين إدراك الواقع الخارجى وإدراك الواقع الداخلى.

رشاد: تمام

د.يحيى: عارف الدكتورة (د.مريم) قاعدة عاملة كده ليه؟ (تبدو عليها الدهشة)، عشان مش شايفة الحقيقة

رشاد: ليه ؟

د.يحيى: أصل الجماعة بتوع الدوا والفلوس يا رشاد حاطين حاجز بين الدكاترة والحقيقة، ييجى عيان غلبان زيك يقول لهم الحقيقة يقولوا له لأه، إنت مش شايف، بس عشان الدكتورة (د.مريم)  يمكن صغنتوطة قامت صدقتك شوية، وراحت مخضوضة، وقالت مش فاهمة ، مش فاهمة، وعرضت علينا حالتك يمكن نفهم سوا.

رشاد: وبعدين؟

د.يحيى: بداية صعبة، معلش

رشاد: لأ لأ، مافيش حاجة، بس نخليها واحدة واحدة؟ يعنى نتكلم على إنها الحقيقة؟

د.يحيى: أنا رأيى اللى ربنا حايحاسبنى عليه إن: “أيوه” ولو كبداية.

رشاد: هى دى الحقيقة ؟

د.يحيى: ليه لأه؟ تعرف يا رشاد: أنا كل أمنيتى قبل ما أموت، أنا كبير فى السن شوية كتار، إنى يعنى أوصَّل للناس (وبالذات لزملائى الصغيرين) اللى انت قلته ده، الناس يعنى اللى لسه ماتشوهوش، لسّـه ما تْلاعَبشى فى مخهم.

رشاد: تمام

د.يحيى: إحنا نبدأ نشوف اللى احنا شايفينه حقيقة، إحنا والناس اللى زينا كده، وبعدين نشوف إيه الحكاية، يعنى بقى يمكن تُفرج، تطلع إنها حقيقة لوحدها وخلاص، أو تطلع إنها جزء من الحقيقة، أو يطلع إن فيه كذا حقيقة، المهم تكون البداية كده.

 (*) برغم ما يبدو فى هذا المنطق من صعوبة، وكأنه درس فى الفلسفة، إلا أنى لاحظت أن المرضى يلتقطونه أسهل بكثير من الأسوياء العاديين. (ومن أغلب الزملاء الأكبر).

رشاد: ياه !!

د.يحيى: لما ساعات عيانين يجولى من كتر الدكاترة ما قالوا لهم زى ما قالولك كده، إنهم غلطانين وكلام من ده، يصدقوا الدكاترة ويكدبوا نفسهم، يقول لك أصل الدكتور قال إن اللى أنا شايفه غلط، قال إنه غلط يبقى غلط، من غير ما يفسروا يعنى إيه غلط ويعنى إيه صح     

رشاد: ما هو ده عشان دكتور متخصص

د.يحيى: متخصص فى إيه؟ هوا متخصص فى التخصص بتاعه، مش متخصص فى الحقيقة، مش احنا قلنا إن مفيش دكتور إسمه أخصائى الحقيقة ؟

رشاد: لأ لأ ، لأ طبعا

د.يحيى: طيب يا أخى كفاية كده النهاردة ؟ أنا لخبطتك

رشاد: لأ لأ إزاى إتفضل

د.يحيى: نعم ؟

رشاد: اتفضل إتكلم

د.يحيى: لأ بقى ده إنت تقعد تهضم فى اللى احنا قلناه دلوقتى ييجى 6 شهور على ما نبتدى نتكلم تانى، لو انت مصدقنى، عشان يبقى تصديق بحق وحقيق، مش دهشة وتفويت، أصل صعب يا ابنى إنك تصدقنى، أنا ساعات ما باصدقشى نفسى.

(*) هذا التوقف، وعرض إنهاء المقابلة له أهمية خاصة، لاختبار استقبال رشاد جرعة القبول، مع اختلاف نوع الحوار، ومن ثمَّ  اختبار رغبته فى مواصلة الحوار، فى مقابل الخوف من التمادى، ثم إن إعلان الطبيب لحيرته هكذا مبكرا، قد يشجع رشاد أن يأخذ دورا إيجابيا غير دور انتظار التفسير الجاهز الدامغ من سلطة علوية.

رشاد: لأ، لأ، مصدق مصدق إنشاء الله

د.يحيى: نعم؟

رشاد: مصدقك بس كل اللى أنا عايز أعرفه يادكتور يعنى أنا اتحطيت ليه فى المكان ده

د.يحيى: هه؟؟ أنهو مكان؟

رشاد: يعنى الحقيقة دى جاية منين؟ حد قاصدها ولا هى جاية لوحديها؟

د.يحيى: طبعا حد قاصدها، بس الحد ده جواك

 (*) ابتداء من هنا يبدأ تفسير مباشر لما اعتبره الطبيب حقيقة “داخلية” وليس حقيقة “خاصة”، وهذا ما أسميه “الواقع الداخلى” باعتباره واقعا فعلا يمكن أن يُرى (بالعين الداخلية) أو يسمع (بالأذن الداخلية) …. إلخ.

رشاد: يعنى حد قاصدها.

د.يحيى: بس من جواك، من كتر ما أنت مش عارف إنه جواك، والدكاترة برضه مش مصدقين الاحتمال ده، بتروح الحاجات طالعه بره، وترجع لك كإنها جاية من بره، مع إنها مقصودة من جواك

رشاد: مين يعنى

د. يحيى: أظن اسمه رشاد برضه، فى الغالب يعنى.

رشاد:  طب إزاى يادكتور ؟

[1] – Psychopathological

[2]ملحوظة: تعقيب د. يحيى الحالى على المقابلة هو تعقيب للنشرة ولم يطرح أصلا فى الدرس.

وهو ببنط أسود أصغر وهامش كبير دون ذكر اسم الأستاذ، ويبدأ بعلامة النجمة (*).

(6) نقلة إلى الواقع الداخلى

(6) نقلة إلى الواقع الداخلى

(6)

نقلة إلى الواقع الداخلى:

د.يحيى: مش حاقول لك، قصدى مش عارف، مش متأكد، ما هو لازم نقبل إن فيه حاجات كتير حا نشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها، بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه، ونركن الباقى على جنب، مثلا لما نقول إن حد قاصدها، يبقى حد قاصدها،  (مش مهم نعرفه دلوقتى) ما هو يا رشاد ما فيش حاجة بتحصل بالصدفه كده قوى.

(*) هكذا تتواصل خطوات محاولة إرجاع الواقع الخارجى إلى أصله فى الواقع الداخلى، وينبغى طرح التفسير باعتباره “احتمالا” يساعد رشاد أن يقبله، (مش عارف، مش متأكد) بمعنى عرضه على أنه احتمال فعلا (فرض) وهذا ليس مجاملة للمريض ولا استدراج، لأن الفرض يظل فرضا، ولا ينتقص من فاعليته أنه فرض، وعادة ما يصل رشاد هذا الموقف شريطة أن يكون الطبيب صادقا فعلا وليس مجرد أنه يأخذه “على قدر عقله” كما سبق أن أشرنا، وهنا أيضا تتجلى مظاهر المنهج الفينومينولوجى([1]) من حيث “تعليق،الحكم” (حانشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه ونركن الباقى)

رشاد: لأ طبعاً، يعنى هو القاصد “نفسى”، تقصد تقول كده؟

د.يحيى: يعنى إيه نفسى، تقصد سبب نفسى يعنى إيه؟ أنا مش فاهم، يا عم سيبك دلوقتى من كلام الدكاترة، “نفسى” و”مش نفسى”، هو النفسى يعنى مش حقيقة؟ نفسى يعنى بيتهيأ لك قصدك؟ طبعا لأ، حايتهيأ لك ليه يعنى؟

(*) يستعمل معظم الأطباء تعبير “نفسى” مرادفا لتعبير مـُتوهَّم، وخاصة حين يستبعدون الأعراض والأمراض الجسدية، لانتفاء سبب عضوى لها، وقد استعمل رشاد كلمة نفسى هنا نفس استعمال الأطباء (غير النفسيين خاصة) الذين يكررون القول: “..إنت ما عندكش حاجة، ده نفسى”.

وهذا تعبير خاطىء، ومعطِّل غالبا، وكثيرا ما أقول للمريض الذى ينقل رأى الزميل المحِّول هكذا:

إن تعبير الزميل الباطنى “إنت ماعندكش حاجة، روح لدكتور نفسى”، إنما يعنى أننى أخصائى “المافيش حاجة”.

 (*) المقصود بـ “بيتهيألك” أن ما يحكيه رشاد هو من صنع الخيال، وهو ليس كذلك حسب الفرض الذى يستعمله الحوار هنا، وهذا من أهم ما يميز “الإدرك الداخلى” عن التخيل الذى هو نوع من التفكير.

رشاد: طيب، إمال مين طيب اللى عمل كده

د.يحيى: اللى جواك

رشاد: اللى جوايا؟!

د.يحيى: آه، واحد زيك بالظبط، ما هو فيه كتير زيك جواك، إيه المانع

رشاد: ما تبتدى معايا بقى يادكتور

د.يحيى: هه ؟!!

رشاد: باقول ما تبتدى بقى

د.يحيى: ما احنا أبتدينا وخلـّصنا.

(*) من هنا يبدأ استعمال فرض مساعد وهو “تعدد الذوات” الذى هو حقيقة داخلية أيضا (وخارجية أحيانا) ومن الطبيعى أن ندهش أنه بعد كل ذلك يقول رشاد: “ما تبتدى معايا بقى با دكتور” فيجرنا ذلك إلى مسألة أخرى وهى معايشة الزمن عموما وفى العلاج خصوصا، فهذا التعبير إنما يشير إلى وصول الرسالة التمهيدية ببدء الحوار على المستوى الأعمق، كما يمكن أن يشير إلى تقريب المسافة بين الطبيب ورشاد وتصديق الأخير للأول، استكمالا لتصديق الأول للأخير.

(*) أما تعبير “ما احنا ابتدينا وخلـّـصنا” الذى رد به الطبيب فهو إشارة إلى الاطمئنان إلى وصول الرسالة، رسالةٍ ما، مما يعتبر هدف المرحلة الأولى حتى لو لم تستغرق سوى لحظات، حيث تصبح البداية هى النهاية حين تكون بداية نوعية حاسمة بمعنى أنها دليل بدء توجيه المعرفة إلى وجهتها بشكل غير مباشر، لكن بيقين علاجى، يغرى بالاستمرار فى هذا الاتجاه، وهذا ما نعنيه بأن البداية هى النهاية، “ما احنا ابتدينا وخلصنا”، وكأنها إشارة إلى تعاقد الوعى البينشخصى الموازى للحوار اللفظى.

رشاد: خلـّـصنا ازاى؟!!!

د.يحيى: آه،.. إمال ايه؟ مش كل حاجة بانت اهه؟

رشاد: بالسرعة دى ؟

د.يحيى: مش انت اللى قلت فيه خْرام، وشقوق، ومش عارف إيه، إنت قلت للدكتورة (د.مريم) كل حاجة

رشاد: مظبوط

د.يحيى: تبقى الحاجات اللى انت قلتها موجودة، ليه مش موجودة؟ فاضل نعرف أصلها وفصلها هوا عشان أنا دكتور ومش شايف الخرم، يبقى ما فيش خرم.

رشاد: هو بصراحة الموضوع ده شاغلنى جامد

د.يحيى: ياجدع انت ما هو لازم يشغلك، إذا كنت إنت شايف حاجة كل الناس بينكروها عليك، يبقى لازم تنشغل يا ابنى، ولاّ إيه! كل الناس بما فيهم الدكاترة،: كلهم عمالين يأكدوا لك: ده بيتهيأ لك، ده بيتهيأ لك!! ليه يعنى، ما دام حصل، يبقى حصل.

رشاد: حصل، بس مع نفسى انا برضه باعتبر برضه إنه بيتهيأ لى، مع إنه حصل مع نفسى

د.يحيى: ما هو انت بتسمع كلامهم، تقوم بتبقى وصى على نفسك، وانا باقول لك دلوقتى ماينفعش كده على طول الخط، خلينا نبتدى بداية تانية ياشيخ، بداية فيها احترام، واحتمالات كتير، مش احتمال واحد يفرضوه علينا.

رشاد: ماشى

د.يحيى: إنت بتقول للدكتورة (د.مريم) “مخى اتخرم كذا خرم”، طبعاً اتخرم، بس يا ترى هوّا اتخرم من نظرات الناس، أو هوه لما اتخرم حسيت بنظرات الناس

رشاد: تمام

د.يحيى: وبتقول برضه “مخى انفتح وانشق نصّين

رشاد: مظبوط

(*) لا داعى لإعادة التأكيد وباستمرار أن الناس يمكن أن يوجدوا فى الواقع الداخلى تماما مثل وجودهم فى الواقع الخارجى، كما أن إثارة التساؤل حول العلاقة المتبادلة بين السبب والنتيجة ( اتخرم من نظرات الناس، ولا لما حسيت بنظرات الناس) هو مهم فى محاولة تبصير رشاد بمختلف الاحتمالات، دون الحرص على الحصول على إجابة محددة منه.

د.يحيى: طيب نمسك بقى واحده واحده، …… عايز أقف على الحتة بتاعت مش عارف أوصف، أصل أنا يا رشاد ساعات أهتم باللى مش عارفه أكتر من اللى أنا عارفة؟

رشاد: تهتم باللى مش عارفه إزاى؟

د.يحيى: قصدى باهتم بقلة المعرفة، هى الدكتورة مريم عملت حاجة جيدة جداً، عشان هى صغنطوطة ومابتفهمش، الحمد لله، فهى عملت حاجة كويسة جداً، اللى مافهمتهوش مافهمتهوش، مااستعجلتشى وترجمته للى قالوا لها عليه، .. إنت برضه عملت كده، اللى قدرت تعبّر عنه عبرت عنه بكلام سواء بكلامك، أو بالكلام إللى سمعته من الدكاترة، وبعد ده كله قلت إنك برضه مش فاهم، زى ما يكون إنت مش فاهم شوية حاجات كتير، برغم إنها موجودة

رشاد: فعلا برغم إنها موجودة

د.يحيى: الدكتورة مافهمتش شوية حاجات برضه، برغم إنها سمعتها منك بوضوح، أنا راخر ما فهمتش شوية حاجات برغم خبرتى، إيه رأيك نخلى اللى احنا مش فاهمينه على جنب، ونشتغل فى اللى بيتهيأ لنا إن احنا فاهمينه ولو نص نص …..

(*) مرة أخرى هذا المنطلق هو أقرب ما يكون إلى فكرة “تعليق الحكم” فى المنهج الفينومينولوجى([2]).

رشاد: تمام

د.يحيى: فيه حاجة أبسط من كده!!؟

رشاد: لأ

د.يحيى: الحمد لله رب العالمين، بس خلاص (يلتفت إلى الدكتورة (د.م) عايزة حاجة تانية يا دكتورة؟ أظن تعرفى قد إيه بنتعطل لما نستعجل ونحط اليافطة إياها، التشخيص مثلا، ولا إسم العرَض، يقوم يتهيأ لنا إن بالشكل ده فهمنا كل حاجة، مش كده يا رشاد ؟

رشاد: مش فاهم

د.يحيى: ما انت عارف، بيسمو حالتك “فصام”، مش هما قالو لك كده برضه

رشاد: آه

د.يحيى: … يجى واحد فى السرير اللى جنبك تلاقيهم معلقين عليه نفس اليافطة، وهوه فين وانت فين، مش يبقى فيه غلط فى الموضوع ده برضه؟

رشاد: مش عارف

د.يحيى: ياجدع خليك شجاع وقول

رشاد: ماقدرش أنا أتهم دكتور

د.يحيى: ما هو مش اتهام، ما هو الدكتور غلبان زيى وزيك، بس الفرق إنه هو مكسل يدوّر من أول وجديد

رشاد: آه

د.يحيى: إنت أول كلمة قلتها النهاردة “عايز أعرف الحقيقة”، أنا تصورت فى البداية إنك عايز الحقيقة الكلية، زى ما يكون حانخش فى ماتش فلسفة، يعنى حقيقة الحياة، حقيقة الوجود، وكلام من ده، لكن بصيت لقيتك بتتكلم عن الحقيقة بتاعة مخك، الحقيقة إللى انت حاسس بيها إنها حصلت فى مخك

رشاد: تمام

د.يحيى: حد من الدكاترة يقدر ينكر إنك اتغيرت، وإنك حاسس إنك اتغيرت

رشاد: لأ طبعاً

د.يحيى: بصراحة، ساعات بينكروها، أى والله

رشاد: بينكروها؟!!

د.يحيى: اى والله العظيم بس بينهم وبين نفسهم، يقول لك ما هو قدامى أهوه زى ما هو، إتغير فين بقى؟ دا “نفسى”، دا بيتهيأ له.

رشاد: ما هما ماشافوش من البداية أصلاً

د.يحيى: انا مش فاهم قوى إحنا وصلنا لحد فين، أنا خايف تكون بتفهم كلامى غلط، أو بتوافقنى وخلاص

رشاد: لأ بس الواحد بيبقى عارف

د.يحيى: أهو انا كبير قوى أهه، وخبره وسن وبتاع، يعنى عمال باجتهد معاك بجد وباحترم كل كلمة قلتها وبتقولها، أقول لك شوية علم وتشاركنا: كان عندنا واحد خواجة ضيف علينا هنا فى القصر العينى قريب، هو أكبر منى فى السن،  فسر الحالات اللى زيك كده على إن فيه مخ على ناحية بيعرف كله على بعضه، والناحية التانية فيه مخ تانى بيوصف الحاجات دى بالألفاظ والمنطق، قام الخواجة، هو اسمه “كْروه”[3] افترض إن المرض بتاعك ده عبارة عن إن المخ اللى بيوصف مش عارف يوصف اللى عرفه المخ التانى بالظبط، يقوم تحصل الربكة دى، أهو ده اللى وصلنى وانت بتوصف حالتك تمام التمام، وبعدين انت لمّا تلقط ده تلحق تقول أنا مش عارف اللى جارى، مش قادر أوصفه، شفت العلم الصعب ده أنا لخصتهولك فى سطر واحد، بدل ما اقول إيه اللخبطة دى، وإنك بتقول كلام متناقض وكده، يعنى قصدى إن فيه حاجات غريبه فعلا حاصلة، ومادام جديده عليك تبقى غريبه عليك زى ما هى غريبه عليّا، زى ما هى غريبه على الدكتورة (د.مريم)، نقوم نخليها (نخلى الحاجات دى) على جنب وما نستعجلشى، إنت لما قلت عايز اعرف الحقيقة، انا افتكرتك حا تتفلسف، وبعدين رجعت قلت لنفسى ما يمكن راجع من الأول زى العيال الصغيرين ما بيدوروا على ربنا او على الحقيقه، لكن لما كملنا وصلنى إن الحقيقة اللى انت كنت تقصدها هى اللى انت حاسس بيها وهمّ بينكروها عليك، وفى نفس الوقت ما اقدرناش نلم الموضوع أو نوصفه فى وصفة كويسة، خلينى أسألك من أول جديد هوا انت كنت تقصد إيه بالحقيقة اللى عايز تعرفها؟

(*) أحيانا أجد أنه أسهل علىّ أن أشرح الفروض والنظريات العلمية للمرضى أيا كان تعليمهم أو ثقافتهم من أن أشرحها أو أقدمها للأطباء الأكبر، ناهيك عن الجهابذة العلماء جدا، وكثيرا ما أُتهم بأننى استسهل الإيحاء لمرضاى لأنهم اضعف وأقل حجة، وأقبل هذا الاتهام عن طيب خاطر، لكننى أظل مصدقا لتصديقهم منتظرا التقييم بناتج العلاج، وليس بالبراهين المنهجية التقليدية، أو المنطق الخطـِّـى المفاهيمى الظاهر.

(ثم نرجع إلى رد رشاد على آخر سؤال للطبيب “خلينى أسألك إنت كنت تقصد إيه بالحقيقة اللى عايز تعرفها؟”)

رشاد: اللى هو اذا كان فيه حد أذانى ولا لأ

د.يحيى: يا خبر ابيض، دا احنا كنا رحنا بعيد قوى ، معلشى نرجع، ما يجراش حاجة.

رشاد: ما هو انا شكّيت لما كذا واحد قال ما فيش أذية ولا حاجة

د.يحيى: كذا واحد؟؟

رشاد: كذا واحد قالى “اللى انت شايفها حقيقه هى فى نفس الوقت مش حقيقه”

د.يحيى: طب هما قالولك لأ مافيش حد بيأذى، انا لو قلت لك آه فيه حد بيأذيك، حانعمل إيه؟

رشاد: بس رجعت بعد كده فكرت وقلت دا “نفسي”

د.يحيى: “نفسى” من بتاع الدكاترة يعنى “بيتهيأ لك”؟ يعنى انت اللى قلت فى الآخر زى ما هما بيقولوا مش انا

رشاد: آه، بس انت قلت لى فيه حد بداخلك

د.يحيى: آه يبقى مش “نفسي”، دى حقيقه بقى بداخلك

رشاد: دى حقيقه .. انا كنت اقصد حد تانى مش انا؟

د.يحيى: ما هو انت بتبقى مش انت، ما هو عشان تأذى نفسك وكلام من ده، لازم تبقى حد تانى، ما انا يمكن أقول لك بعد شوية ازاى ده بيحصل

رشاد: مش انا؟ إمال مين؟ واحد تانى يعنى؟ وجوايا؟!!

د.يحيى: يبقى “انت” اللى هو “مش انت”، إستحملنى حبه، إشمعنى يعنى انت بتقول كلام ملخبط، أنا من حقى انا كمان ان انا اقول كلام ملخبط، (رشاد يضحك)، جميل انت، جميل والله العظيم يا رشاد

رشاد: الله يكرمك

د.يحيى: اسمى ايه

رشاد: اسم حضرتك ؟

د.يحيى: آه

رشاد: الدكتور يحيى

د.يحيى: يحيى ايه

رشاد: لأ صعب شويه (كنت قد قلت له مكررا اسمى كاملا فى البداية)

د.يحيى: أحسن، نبقى لسه حبايب، هوه ابويا ماله انا ولا عيلتى عشان نحشر أساميهم فى علاقتنا

رشاد: هو الواحد بيهمه نـَـفسه الاول بيهمه نفسه طبعا الأول .

[1]– طبعا لم يكن فى ذهنى ساعتها ولا فى أى وقت أننى أمارس المنهج الفينومينولوجى ولا كنت أعرف تفاصيله .

[2]– وله علاقة تكاد تكون مباشرة بما كشفته اللعبة العلاجية التى سبق نشرها قديما ثم فى ملف الإدراك “ياخبر!! دانا لما مابفهمشى يمكن….” نشرات الإنسان والتطور اليومية بتاريخ (3-4-2012)، (4-4-2012)، برجاء الرجوع إليها لمن شاء، خاصة فيما يتعلق بموضوع الإدراك فى موقعى www.rakhawy.net

[3] – Crow TJ. A Darwinian approach to the origins of psychosis. Br J Psychiatry 1995;167:12–25.

– Crow TJ. Aetiology of schizophrenia: an evolutionary theory. Int Clin Psychopharmacol International Clinical Psychopharmacology, 01 Sep 1995, 10 Suppl 3:49-56 PMID: 8866765

(7) رصد اضطرابات عمليات فعلنة المعلومات

(7) رصد اضطرابات عمليات فعلنة المعلومات

(7)

رصد اضطرابات عمليات فعلنة المعلومات:

د.يحيى: بتقول بالحرف الواحد إنك (يقرأ): “كل ما أتعلم حاجة، فيه مَجْرى بتتفتح، العلم بيصب فى المجرى وبتتملى”

رشاد: مظبوط

د.يحيى: طب ياريت تقول لنا كده ايه العيب اللى يخليها تعمل كده ؟

(*) نلاحظ تعبيره “كل ما اتعلم حاجة، ولم يقل كل ما أشوف أو أعرف، فعملية “اعتمال المعلومات” هى تعلم تلقائى متكرر ومستمر، أما رصده لمداخل المعلومات، وقنواتها، والمجارى التى تجرى فيها، فهذا هو ما نربطه بما يحدث تقريبا فى مُدْخلات المعلومات فالتعامل معها، وإن كنا لا نشعر به فى الأحوال العادية لا بهذا الوصف ولا بغير هذا الوصف.

رشاد: العيب ان هو بيجى عند نقطه معينه وخلاص

د.يحيى: خلاص إيه وهوه مين، وهى بقى بتتملى ولا بتتسرب

رشاد: لأ بتتملى، وبتتحول بعد كده لمجرى تانيه، الزياده بتخش فى مجرى تانيه

د.يحيى: مجرى تانية؟

رشاد: بتتفتح مجرى جديده

د.يحيى: وبعد ما تتفتح مجرى جديده بتروح فين؟

رشاد: تصب برضه فيها

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: لحد ما المجارى اللى عندى كلها اتسدت

د.يحيى: اتقفلت؟

رشاد: آه

(*) يسمى هذا العرض عادة “عرقلة التفكير” Block of Thoughts وإن كان يمكن أن تكون إمراضية هذا العرض لأسباب أخرى بآليات أخرى، أما رصد رشاد لهذه الخطوات فإنها إشارة إلى هذه الخلخلة فى تنظيم العملية حتى الازدحام وربما الاصطدام فالإنغلاق والذى شبهتـُـهُ فى مكان آخر بقفلة مرور السيارات فى غياب شرطة المرور عن ميدان كبير.

د.يحيى: خلاص كده يبقى إزاى دى تمشى مع الجملة اللى هى قبلها كنت بتقول “انا حسيت ان مخى انفتح وانشق نصّينَ، حاجة غريبه عقلى مقفول، رجعت دلوقتى تقول” فدلوقتى بييجى على المجرى وتتملى بتتملى لحد ما تتقفل وتتحول لمجرى تانيه

رشاد: بتتفتح مجرى تانيه

د.يحيى: يعنى إيه بتتفتح مجرى تانيه، ويعنى إيه وتتملى لحد ما تتقفل؟ قصدك إيه؟

رشاد: بس الكلام ده فى البدايه يا دكتور

د.يحيى: ماهى البدايات دى هى المهمه، المصيبه اللى وصلنا لها إنهم بيخلونا ننسى نفحَّر فى البداية، نقوم نهمل الكلام اللى بنسمعه من العيان، ونستسهل ونختم أى عيان بالختم اللى ينفع له، وخلاص، بس لو احنا بنعالج يبقى لازم نسمع ونصدق عشان نشوف، يمكن نقدر نبتدى من القفله الأولانية، ونسلّكها زى ما بيسلكوا أى حاجة ملانة أو مقفولة، ونشوفها اتملت ليه، وبتحود فين، ونرجع ناخد المعلومات اللى كانت بتتحشر زى ما بتقول، ونشوف إزاى يبقى لها معنى تانى، بدل ما تزحم تزحم وتحود فى أيها حتة والسلام

رشاد: كده وصّلت لِى إن ازاى هى حقيقة

(*) موافقة رشاد هنا بدت لى مهمة ودالة، وأرجو ألا يعتبرها القارئ موافقة سطحية، أو نتيجة للإيحاء!.

والشرح هنا للحاضرين له علاقة بعملية اعتمال المعلومات وإن كان أخذ شكلا تقريبيا وعاما ويمكن أن يتصف بأنه غير علمى، فهو تقريب حتى لو كان رؤية بصيرية وكأننا نسلـّـك أنابيب مسدودة، لكن الممارسة الإكلينيكية يمكن أن تقوم بهذه العملية من خلال العلاقة العلاجية التى تشمل كلا من الرؤية، والإحاطة، والسماح، وتأجيل الحكم، وتقريب المسافة حتى دون ألفاظ.

د.يحيى: ايوه

رشاد: بس فى نفس الوقت:هوا انا اللى عامل كده ؟

د.يحيى: ايوه

رشاد: صح كده

د.يحيى: بس مش انت عاملها بمعنى إنك انت عايز كده وخلاص، صحيح إنت مسئول دلوقتى معانا إنك تساعدنا، بس لا انت غلطان ولا قاصدها، إنت لا بتتصنع ولا حتقدر تصححها لوحدك، اللى حصل حصل، كنت لوحدك وحصل، يا للا بقى نشوف لها حل سوا سوا

(*) لا أريد أن أفتح الآن من جديد قضية: أن المرض النفسى (بما فى ذلك الجنون) هو اختيار فى مستوى معين من مستويات الوعى([1])، ونحن نعرض هذه الفكرة على رشاد الآن ينبغى ألا تكون فى شكل اتهام، بل بمعنى إشراكه فى مسئولية العودة، إلى السواء أو الإبداع، مادام هو الذى ذهب إلى الحل المرضى كما ظهر فى نص كلام الطبيب هنا.

رشاد: إزاى؟

د.يحيى: حا نشوف سوا، وحانحلها سوا، بس مش بالكلام والشرح، لا ، الحكاية أكبر من كده، حانشوف ايه اللى يخلى المجرى ما تتقفلش، ايه اللى يخليها ماتتملاش بالشكل ده، إيه اللى يخلى المخ يستوعب اللى بيوصل له يحطه فى مكانه عشان ماتزحمشى، حانعمل ده كله سوا مع شوية شغل مع ربنا، مع شوية دوا طبعا وحاجات كده، ولاَ عايزين اسامى أمراض، ولا عايزين نحقق ونختم بختم الحكومة المتستتة، ولا حاجة.

(*) الكلام هنا أيضا لا يعنى حرفيته، لكنه من واقع كلام رشاد([2]) فعلا، وأيضا هو قريب تماما من لغة عملية “اعتمال المعلومات” لاحظ مثلا تعبير “إيه اللى يخلى المخ يستوعب اللى بيوصل له ويحطه فى مكانه عشان ما تتزحمش” أما تعبير “شوية شغل مع ربنا” فهو ليس تعبيرا دينيا مغتربا بقدر ما هو متفق مع الفرض الذى يتبناه المعالج من حيث أن العلاقة البينشخصية خصوصا العلاقة العلاجية تتم من خلال الوعى المشترك الذى يتكون بينهما تناسقا مع الوعى الأكبر فالأكبر حتى الوعى الكونى إلى وجه الله، من منطلق بيولوجى أساسا([3]).

رشاد: يعنى نعمل إيه

د. يحيى: إستنى بس واحدة واحدة ، نكمل الأول نشوف إنت قلت إيه للدكتورة ملك

د. يحيى: ….. بتقول (يقرأ)

” … من 3 سنوات ونص اما خدت كورس كمبيوتر مخى انشق نصين”،

هوا مخك انشق نصين كام مرة؟ مش انت قلت قبل كده إنه انشق وانت عندك عشرين سنة

رشاد: دى تانى مرة دى

د.يحيى: تانى مرة ؟

رشاد: أيوه: تانى مرة

د.يحيى: إمال أول مره دى إيه؟ وانت عندك 20 سنة.

رشاد: صح كده 19 – 20 يعنى

د.يحيى: أول مرة دى قعدت قد ايه

رشاد: خدت 5 سنين متهيأ لى

(*) ليس بالضرورة أن يكون تحديد الوقت هكذا هو ما يريده رشاد تماما، لأن ظاهرة “سبق التوقيت Antedating قد تسمح لهذه البصيرة الحادة (بالعين الداخلية) أن ترصد الماضى إلى أى مدة ربما كنموذج لما يسمى فلاش باك، ولكن ليس على مستوى الذاكرة بقدر ما هو على مستوى رصد بداية العملية الإمراضية.

د.يحيى: يا نهار ابيض!! خمس سنين والمجرى تودى للمجرى وتتملا، وتتقفل وعايش ورايح وجاى وبتشتغل

رشاد: انا رحت مره لدكتور حسيت ان هو مش فاهم حاجه

د.يحيى: يا أخى ، يا أخى!! قصدك إيه، انت مش لسه قايل الدكاترة ممتازين

رشاد: آه

د.يحيى: أصل بيزعلوا مننا لما نقول كلمة زى دى، ولهم حق، همّ ذنبهم إيه! بيزعلوا مننا بصحيح، والله باكلمك جد

رشاد: بس مش كل الدكاتره يعنى

د.يحيى: .. طيب قعدتْ 5 سنين والحكاية راحت مش كده؟ راحت ازاى يعنى؟

رشاد: ما اعرفشى، بصيت لقيتها راحت لدرجة ان انا نسيتها

د.يحيى: لدرجة انك نسيتها بعد قد إيه من بدايتها

رشاد: هو من اول ما رحت للدكتور

د.يحيى: ما انت قلت لاقيته مش فاهم حاجه

رشاد: آه نسيتها خالص

د.يحيى: الله ينور، طب ما هو كويس ان هو مش فاهم حاجه وخلاك تنساها، إمال إيش عرفك انها قعدت 5 سنين، مع إنك نسيها

رشاد: لما اتفتحت تانى مره ، عرفت إنها قعدت المدة دى

(*) تأكيدا لما ذهبنا إليه حالا فى التعقيب السابق، فتقدير خمس سنين هو تقريبى وبأثر رجعى، وحسابات وقت داخلى غالبا وهو له علاقة بما أسميناه “سبق التوقيت”.

د.يحيى: يا نهار ابيض لأ انت لخبطتنى دلوقتى، طيب من ساعة ما اتفتحت لحد ما نسيتها، فات قد ايه؟ ؟ أسبوعين لحد ما رحت للدكتور يعنى؟

رشاد: يعنى ممكن تدى سنه، سنتين

(*) مرة أخرى نلاحظ المدد المختلفة التى تتغير فى حكى رشاد، بالنسبة للأحداث، هنا مثلا من خمس سنين إلى سنة، حتى أن الطبيب حاول أن يستدرجه إلى احتمالات أخرى: مرة اسبوعين، ومرة سنتين، ليحقق فرضا يتعلق بهذا “التباين فى علاقته بالزمن دون خلل فى الذاكرة”.، وامتدادا لهذا الفرض، نعتقد أنه مع بداية التفكيك ينقلب “الزمن” إلى “مكان” يقبل التجوال فيه، فتختلف تقديرات “الوقت” باختلاف لحظة الوعى وأسلوب التعبير وفحوى الألفاظ.

د.يحيى: يا نهار ابيض

رشاد: هى ما راحتشى على طول

د.يحيى: يعنى قعدت معاك سنتين

رشاد: آه

د.يحيى: كنت بتشتغل إيه فى السنتين دول

رشاد: كنت باجرى ورا لعب الكورة.. كان فيه مسابقة كورة، قدمت فيها، كان اللى يعدى منها يخش دورى ممتاز اللى هو بيتلعب ده، بس ما حصلش نصيب يعنى

د.يحيى: إن ايه؟

رشاد: ان انا دخلت فى الدورى

د.يحيى: يا رشاد، يا رشاد، الأمور عايزه تترتب بطريقه هاديه لحسن نتلخبط زى ما مخَّك ما اتلخبط، وزى ما انا كمان متلخبط دلوقتى، عايزين نعرف اللى حصل الأول وبعدين التانى وكده. من 13 سنه يعنى كان سنك عشرين سنه مش كده؟

رشاد: تمام

د.يحيى: عايزين نعرف الحكاية حصلت إمتى، واتنست إمتى، ومباراة كرة القدم بعدها بكام اسبوع أو كام شهر ورحت للدكتور امتى واتنستْ بعد ما رحت له ازاى، بتقول قعدت ييجى سنة، وقعدتْ منسيه 4 سنين ولا 4 سنين ونص، وظهرت تانى امتى؟ واكتشفت انت إنها كانت موجوده طول الخمس سنين دول؟ كل كلمه قلتها لها قيمه، بتعرّفنا ايه اللى جرى وازاى ولمدة قد إيه، وبعدين نرجع نعرف اللى جرى ده اختفى ازاى، واتـْـزَقّ لجوه ازاى، وعشت بيه ازاى، وبعدين نرجع تانى نشوف إيه اللى جرى من تلات سنين ونص، وهل هو بنفس الشكل الأولانى ولا بشكل تانى، ونقعد كده لحد ما نوصل، لحاجة تساعدنا، أنا متأكد إن الزمن اتلخبط عندك، وإن صعب نفتكر الحاجات بالتحديد، ما لكشى دعوة، قول اللى تقدر عليه، وأنا حاحاول أرتبها، نرتبها سوا سوا انا وانت والدكتورة، وربنا معانا، ماشى؟

(*) يبدو أن هذا التلخيص كان المقصود به نوع من التذكرة، لكن لا يستبعد أن يكون هناك دافع آخر هو شرح وتوصيل الموقف كما يجرى للزملاء الدارسين، حيث علينا أن نتذكر أن المقابلة هى “تعليمية” “تدريبية” “علمية” “علاجية” معا.

رشاد: ماشى

د.يحيى: الظاهر حا نحتاج قعدة تانية نرتب فيها الحاجات دى من غير تحقيق زى الشوية الأخرانيين دول، ما هو أصل انا واخد كلامك كله صح (على انه حقيقة) مهما اتعارض بعضه مع بعضه، حتى لو قلت حاجه مره كده ومره كده يبقو الاتنين صح، فهمت، ومش حانستعمل أى لفظ من اللى بيستعملوه الدكاتره مثلا مش حانسمىِّ أيها حاجة ما نفهمهاش تهيؤات، حا نخليها على جنب وبعدين نفسرها سوا سوا ولاّ ان شالله ما اتفسرت، يعنى خلينا نبتدى من الأول: التعب ابتدى، بلاش نسميه مرض دلوقتى، التعب ابتدا بإن حاجه غريبه حصلت، وقعدت سنتين على ما رحت للدكتور ولاقيته مش فاهم مش كده؟

رشاد: عقبال ما روحت للدكتور كان سنه واحده

د.يحيى: سنة سنتين، يمكن أنا نسيت

رشاد: انا قلت سنه

د.يحيى: يبقى انا نسيت، المهم: وبعدين بتقول لقيته مش فاهم حاجه رحت ناسى اللى حصل، قعدت اربع سنين ولا 3 سنين ناسى، وبعدين حصل بقى حاجه تانيه اللى هى من 3 سنين ونص تقريبا، راح حصل شق تانى بعد كورس الكمبيوتر، أنا آسف ، مضطر أستفسر وأدقق قوى كده، هى دى الطريقه اللى نقدر نتعرف بيها على اللى جرى واللى جارى يابنى ولا ايه رأيك.

(*) تعبير رشاد أن “الدكتور مش فاهم حاجة” أحيانا يطمئن رشاد إلى صدق الطبيب وجدية اجتهاده، أكثر من أنه يشكك رشاد فى مهارة طبيبه، وعلينا أن نتذكر دائما أن رشاد يحكم علينا، كما نحكم عليه، سواء، كان حكمه صوابا أم خطأ.

رشاد: تمام

د.يحيى: لما مخك انشق نصين، بتقول “البرامج على هيئة كلام “، أنا شايف إن الجملة دى علمية شوية، إنت سالفها من الكمبيوتر ولا إيه، أنا باستعمل كلمة برنامج اليومين دول وأنا باوصف الغرائز، والوراثة ساعات، أصل كنت اقول زمان الغرائز ومش عارف ايه، دلوقتى باسمح لنفسى أسميها البرامج، وباسمى اللى بيحصل لنا ويتثبت ويحركنا بعد كده زى خبرتك دى، باسميها برضه البرامج، إنت بتقول: ” البرامج على هيئة كلام كانت تدخل فى المجرى اللى فى مخي”، يا ترى هى كانت المجارى لسه مفتوحه؟ انت قلت انها اتسدت واتقفلت ، إنت عارف يا رشاد لما حاجى أقول لزملائى وتلامذتى كلامك ده، ولاّ اكتبه، حايقولولى إنت محفّظه الكلام ده، أى والله، ما حدش حايصدق إنك قلته لوحدك، وإننى اتعلمته بالوضوح ده منك، مش العكس، المهم .. كفايه النهارده ونكمل الجمعه الجايه

رشاد: لأ ياريت نكمل دلوقتى

د.يحيى: نكمل ايه، هوا فيه حاجة بتكمل؟

رشاد: لأ نكمل دلوقتى، أصل انا عايز بصراحه ما اكدبش عليك انا عايز اخلص من الموضوع ده دلوقتى

د.يحيى: وانا كمان عايزك تخلص

رشاد: عايز الاقى له حل معين

د.يحيى: وانا والله، بس ساعات اسأل نفسى يا رشاد سؤال غريب جدا هو الأحسن عند ربنا يعنى إن انا اركز على انك تخلص، ولا الأحسن إن احنا زى ما بنعمل كده نوصل للى جارى عشان نتعلم ويمكن نقدر نخليه ما يحصلش تانى وبرضه يمكن ينفع ناس كتير؟

(*) المقصود هنا هو بيان تداخل تعدد أهداف هذا اللقاء التدريبى، حيث يتحقق من خلاله كل من (1) “العلم” (2)”والتدريب” (3)”والعلاج”(4)، واحتمال منع النكسة، وعادة ما ترجح كفة إحداها على كفة الأخرى لفترة محدودة، ثم يحدث التبادل تلقائيا، وهو أمر لايمكن تجنبه، وفى نفس الوقت هو موقف يصعب حله، وإعلان ذلك للمريض هو ضمن محاولة إشراكه بأمانة فى الإلمام بالمأزق.

رشاد: هو كله احسن من بعضه

د.يحيى: الله يخليك، هى دى بتخدم دى، ودى بتخدم دى ، أنا شايف كده برضه، ربنا يبارك فيك!

[1]– يحيى الرخاوى: “زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون” نشرة الإنسان والتطور اليومية (9/6/2019) ” لمن أراد الرجوع إليها بموقعى  www.rakhawy.net

[2] – يوجد مثل عامى مصرى  يقول: خد من دقنه وافَتّلْ له” وهو ينطبق على هذا الاسلوب تقريبا.

[3]– أصل هذا الجزء كتب فى نشرة الإنسان والتطور اليومية بعنوان “الوعى الجماعى من أصل الحياة إلى غيب المُطلق”  بتاريخ 3/11/2013 قبل أن تفتح علىّ منارات النيوروبيولوجى الأحدث. www.rakhawy.net

(8) سبق توقيت الاضطراب

(8) سبق توقيت الاضطراب

 (8)

سبـّق توقيت الاضطراب:

مازلنا مع “رشاد” الذى نتعلم منه بدايات الانشقاق والتسارع والعرقلة فى “عملية “اعتمال” المعلومات، وهو يرصدها بالعين الداخلية ليس فقط بعد إعلان مرضه وإنما بأثر رجعى يعلن “سبق التوقيت”، ولن نطيل فى هذه الحلقة حيث أفضل أن أترك النص بأقل قدر من التعليق والتفسير، فى انتظار الاستعانة بمن يعرف أكثر عن طبيعة وفروض عملية “اعتمال المعلومات Information Processing التى لا أظن أن أحدا ألم بها بالقدر الجازم، لأن فروضى عنها تقترح أنها:

 أولا: تتم على مستويات عدة فى نفس الوقت.

 ثانيا: أن ما يعرف منها تحت عنوان التفكير والتذكر هو مجرد السطح الظاهر.

 ثالثا: أن المستويات المختلفة تشمل مستويات الوعى الهيراركية وأيضا مستويات العواطف بل ومستوى الجسد كمشارك وليس فقط كوساد أو أرضية،

 وكل هذا (أو أغلبه) هو بعيد عن تناول المنهج المتاح لدراستها حتى الآن.

*****

ثم نكمل مع “رشاد” (بعد التوصية بمراجعة ما سبق إذا لزم الأمر).

د. يحيى: أيوه، ياللا نكمّل زى ما طلبت،  نكمل يا رشاد، وده من حقك، بس والله، أنا خايف تتصور إن المسألة كلام فى كلام، وإن الكلام حايوصلنا لحاجة دلوقتى، الكلام ده مجرد تعرّف ومحاولة بحث عن طريق يخفف عنك ويساعدنى.

(*) تصورت فى البداية أن هذا الحرص على ” أن نكمل” هو دليل على أن العلاقة توثقت بينى وبينه وأنه حريص على مواصلة ما لاح من خـُطـّة العلاج، لكن تبين لى من تصرفاته اللاحقة أن هذا الحرص على أن “يكمل” كان بغرض الاسراع فى الحصول على موافقتى على قرار سفره للعمل فى السعودية الأمر الذى كان فى مرحلة الإنهاء الكامل كما سيظهر بعد.

د. يحيى: أنا متأكد فيه حاجة ربنا حا يهدينا ليها حاجة تطلع مننا واحنا بنتكلم، أحسن من الكلام

رشاد: آه

د.يحيى: آه، إيه؟

رشاد: مش عارف

(*)  يحتاج الأمر إلى وقفة طويلة  عند الذى حدث منذ أيام فى جلسة العلاج الجمعى يوم الأربعاء الماضى، وأنا غارق فى ملف الإدراك:

 تطورت تلك الجلسة إلى فحص هذا التواصل بدون ألفاظ، وبدون إشارة، حين طرحتُ على المجموعة أن نتكلم بأصوات لا معنى لها أصلا، لكن بمجرد تبادل أصوات مختلفة كأننا نعنى بها شيئا، وعجز الجميع ما عدا شخصى عن المشاركة ربما لأننى كنت أمارس هذه اللعبة مع أحفادى بنجاح.

وأنا لا أستطيع أن أنقل هذه اللعبة بالكتابة مع أنها شديدة الوضوح والدلالة بالصوت والصورة:  وبرغم أن أحدا من المرضى لم يلعبها، فإن بعضهم أعلن أنه حاولها صامتا، وأنه خاف من ذلك وحين سألته خاف. من ماذا؟ قال: “خفت مارجعشى للكلام العادى”، ثم أعلن أكثر من واحد خوفه أيضا من مجرد التفكير فى المحاولة، ومن هنا اقترحت لعبة للتعبير عن هذا الخوف وتحديدا: الخوف من “الكلام بدون الكلام” وهذا نص اللعبة:

“أنا خايف أقول كلام من غير كلام لـَـحـْـسـَـنْ…” (ونكمل)

وجاءت نتائج اللعبة شديدة الارتباط بهذا الفرض الذى نحاول هنا أن نطرحه ونحن نبين الفرق بين الإدراك كنشاط معرفى مستقلا عن التفكير برموزه المحددة ومنطقه الخطى المسلسل غالبا، فنجد أنفسنا فى منطقة الإدراك المتجاوز للحواس Extrasensory Perception والتفكير المتجاوز للألفاظ.

إن ما قاله رشاد، أو بالأحرى ما قاله الطبيب هنا يعنى أنه يجرى تواصل له معنى ليس فقط فى التلقى بالألفاظ، وإنما أيضا فى إرسال واستقبال رسائل التواصل، بالألفاظ وبدون ألفاظ كما حدث فى اللعبة، أما هنا فالتواصل الذى وصفه الطبيب ظهر فى قوله تلقائيا: “..حاجة تطلع مننا واحنا بنتكلم أحسن من الكلام” وما وصلنى الآن هى أنه كان يشير إلى “قناة للتواصل “بجوار” الكلام([1]).

وأكتفى الآن بنشر عينتين من الاستجابات التى جرت فى جلسة العلاج الأربعاء الماضى.

– حليمة (45 سنة منقبة إلأ فى الجلسة): يا “فلان” أنا خايفة أقول كلام من غير كلام لحسن يطلع له معنى

– شهيرة (17سنة): يا “فلانة” أنا خايفة أقول كلام من غير كلام لحسن تفهمى

حضرنى الآن أن أغلب ديوانى “أغوار النفس” لم يكن إلا تطويرا لهذه الفكرة ليس فقط فى لعبة السكات([2]) (الفصل الثانى)، وإنما ايضا فى الفصل الأول (لعبة الكلام)([3])، حيث كان الشعر يركز على التواصل على هذه القناة الموازية للكلام كما جاء ذكرها حالا، هذا بالنسبة للفصل الأول. أما شرح هذا وذاك فقد استغرق كتابين كاملين.

دعونا نكمل مع رشاد

د.يحيى: مافيش حاجه وصلت لك من كل الى فات غير شوية الكلام؟

رشاد: لأ مافيش

د.يحيى: ما اتصاحبناش مثلا

رشاد: آه طبعا

د.يحيى: طبعا ايه؟ عشان انا دكتور؟

رشاد: لأ لأ

د.يحيى: امال عشان ايه

رشاد: عشان احنا متواضعين يعنى

د.يحيى: كويس إنك ما قلتش انتَ متواضع، أنا انبسطت إنك قلت إحنا متواضعين

رشاد: آه

د.يحيى: طيب يبقى إحنا بنعمل وعملنا حاجة بالكلام، ومن غير الكلام، الحاجة دى هى اللى بيتهيألى قربتنا لبعض، وباين إن هى دى اللى فيها البركه.

(*) تبدو هنا محاولة مباشرة لإظهار ما يجرى حول، وبجوار الكلام، حيث أن كثيرا من العلاقات تتم على مستوى الكلام وكأنه غاية فى ذاته، أو أنه يكفى محتواه لعمل اللازم، مع أن تعدد مستويات العلاقة (خصوصا مع المرضى) هو أكثر فائدة، وهذا ما نحاول توضيحه فى هذه الفقرة.

رشاد: ان شاء الله

د.يحيى: الكلام كويس بيصالحنا على بعضنا إنما الحاجه اللى بتحصل دى جنب الكلام ومع الكلام باين إن هى اللى فيها البركه، ومين اللى بيبارك؟

رشاد: ربنا

د.يحيى: الله نوّرْ، طيب ننَّظم بقى الحكايه ونقول: ان اللى حصل ده غير الكلام مع إن أغلبه حصل بالكلام، هوّه اللى انت عايز تكمله، ده يا رشاد ما بيتكمّلشْى، حاجة كده قريبة من اللى قلناه إننا نسمح لنفسنا انا وانت ان احنا ما نفهموش

رشاد: ما نفهموش؟ إزاى؟

(*) قارن بعد ذلك لعبة: “ياخبر!! دانا لما بافهمشى يمكن….” أيضا ما جاء من قبل عن فكرة “تعليق الحكم” فى المنهج الفينومينولوجى.

د.يحيى: آه، إنت نسيت؟

رشاد: نسيت إيه؟

د.يحيى: مش احنا قلنا ما نستعجلش الفهم، يعنى نخلى الفهم ييجى وقت ما ييجى، يعنى هو يختار الوقت المناسب اللى نتنَوّر فيه بيه، أنا مش قصدى إن احنا نتعمد ما نفهمش، يعنى مثلا وانت بتقول إن اللى حصل هوا حاجه فيها تواضع، مش انت قلت كده؟

رشاد: آه

د.يحيى: أهى دى علاقة، يعنى إحنا لما ما نفهمش، وما نستعجلش حا يفضل التواضع اللى حصل ده بينى وبينك مثلا مستمر ، حتى لو ما شفناش بعض، وربنا يبارك وتقعد العلاقه دى مستمره يمكن مدى الحياة

رشاد: مدى الحياة؟

د.يحيى: أهو شوف مثلا الكلمة دى، “مدى الحياة”، هى الحياة لها مدى؟ مدى حياتك، ولا حياتى؟ ولا الحياة كلها؟ مين ضامن؟ أنا قصدى إننا ما دام ابتدينا صح، يبقى فى الغالب كل حاجة حاتستمر صح، وتكْمَلْ ولاّ انشالله ماكملت، يعنى احنا لو وقفنا دلوقتى يابنى يبقى مش خلّصنا، يبقى ابتدينا، وربنا يعمل اللى فيه الخير، بس انا مستعد اقعد لحد ما انت تقول كفايه ، بس خلى بالك احنا لو قعدنا 100 سنه بالطريقه دى مش حا نشطبها زى ما انت عايز، أى حاجه فى الدنيا عايزه وقت، الكبران عايز وقت، العباده عايزه وقت، العلم عايز وقت، وإلا العلاقة اللى بنحاولها مع بعض دلوقتى بقى دى عايزة وقت ووقت ووقت، ده لو قعدنا بالاستعجال بتاعك ده مش بس يمكن ما نخلصشى، دا يمكن الكلام اللى جى يبعدنا عن بعض، يمكن نفتح مواضيع ما نلحقشى نلمها، ويبقى كل حرصنا ان احنا نلمها ونخلص، إحنا نخلص، وهى ما بتخلصشى، لكن لما نفتحها ونسيبها تاخد راحتها، ونصبر، وادى احنا موجودين، ربنا حايوصلنا ببعضينا وهوا عارف قد إيه بنجتهد

رشاد: بس فيه نقطه هنا صعبه قوى، أصل انا باجرى ورا عقد سفر

د.يحيى: هى الدكتورة (د.مريم) قالت لى حاجة زى كده

رشاد: آه، وأنا ما صدقت جت الفرصة يعنى بصراحه

د.يحيى: (مقاطعا) انت وصل لك ان انا بافهم ولا لأ فى شغلتى يعنى

رشاد: آه

د.يحيى: شايف انى انا بفهم فى صنعتى ولا لأ

رشاد: ايوه طبعا

د.يحيى: طبعا ايه ، إنت بتحكم بسرعة كده ليه؟

رشاد: لأ مش باحكم

د.يحيى: امال ايه؟ اشمعنى انا اللى بافهم يعنى

رشاد: يعنى، إنت قدّرت على الاقل الكلام اللى انا قلته

د.يحيى: تبقى تسمع رأيى ما دام قلت إنى بافهم : ما تسافرش يابنى دلوقتى، مهما كانت الفرصة، وربنا حا يبعت لك رزقك، يا اما هنا يا إما هناك فى الوقت المناسب، ما تسافرشى يا ابنى، اللى عندك مش سهل، وهناك حا تبقى لوحدك يا ابنى، وحاترجع تانى زى ما رجعت قبل كده، ما تسافرشى دلوقتى إعمل معروف، إنت قدامك فرصة علاج شكل تانى، دكهه فرصة عمل، ودى فرصة حياة، فرص الشغل جاية كتير، وانت عندك كام صنعة

(*) الحسم فى التوصية هنا يبدو وكأنه تدخل فى إرادة رشاد وتشكيك فى قدرته على الاختيار، الأمر الذى يـُتـَحفظ عليه فى ثقافات أخرى مثل أغلب ثقافة الغرب ، لكن بالنسبة لثقافتنا من ناحية، وأيضا اعتبارا لحقيقة وجسامة الأزمة المرضية التى يعانى منها رشاد، بدا أنه يتوجب على الطبيب ألا يتردد فى إعلان رأيه الحاسم، دون إلزام مطلق بتنفيذه كما سنرى.

رشاد: السن اصله بيكبر

د.يحيى: … ما تسافرش دلوقتى يا رشاد إعمل معروف، مش حاتلاقى حد هناك، استنى شوية حتى لحد ما نبتدى السكة ونتأكد من سلامتها، وبعدين تكمل زى ما انت عايز.

رشاد: أصل هى السفرية بتيجى مرة فى السنة

د.يحيى: مافيش حاجه بتخلص، ربنا موجود بيجدد الفرص، انا خايف عليك يا ابنى، ما تياللا نأجل الكلام فى الحكايه دى للمره الجاية، الاسبوع الجاى

رشاد: اصل انا مَعَادى النهارده أستلم شهادة الصحه

د.يحيى: تستلم ايه؟

رشاد: الشهادة بتاعت الفيرس C

د.يحيى: يا رب يطلع عندك فيرس C ونخلص

رشاد: لا والنبى

د.يحيى: إنت فاهم طبعا إنى ما احبش اقف فى طريقك، انما انا باعمل اللى عليا ما تسافرش المره دى، لو سمحت ما تسافرشى دلوقتى، يمكن بعد 6 شهور ممكن بعد 3 شهور ، تكون عملت علاقة مع الدكتورة (د.مريم)، ومعايا، وكده، يمكن لو سافرت نقدر ننظم اتصالاتنا يا شيخ.

رشاد: الحكاية صعب صعب

د.يحيى: وهناك أصعب، هناك علاقات شديدة الجفاف يا شيخ، والوحدة، والغربة

رشاد: هو صح هى معاملتهم كده اصلا

د.يحيى: ما انت عارف أهه يا أخى

رشاد: يعنى حاقعد أعمل إيه انا

د.يحيى: يا أخى يمكن بالدوا والمقابلات وإننا نصدّق بعض، يمكن ده يخليك متطمن شوية يا أخى، خلينا نكبّر الصحوبية اللى ابتدت النهاردة ولو حبة صغيرين يا شيخ، ….اصلك يا رشاد عندك عيا صعب جدا، بس انت عييته بطريقه فيها جدعنه فظيعه ، إنت عييت وماسك العيا فى ايدك، كأنك بتقول أهه وانا قد المرض ده، ما حدش قده لوحده يا شيخ، إحنا مش عايزين نرهق جدعنتك لوحدك أكتر من كده، ثم إنت سبق سافرت وجيت مكسور، وما كانشى لسه فيه عيا، أنا مش عايز ده يتكرر، دا انت وانت هنا موجود عايش لوحدك تماما، ولما بتتعب، بتروح للدكتور الفلانى ويقولك ده مش حقيقه، وتروح للدكتور التانى يقولك ده مش حقيقه، وأهلك هنا يقولولك مش حقيقه، تلاقى نفسك لوحدك أكتر، فما بالك هناك!! يا نهار اسود ومنيل، خد الفرصه دى يابنى هى جت بالصدفه، انا مش بقولك ما تسافرش خالص، أنا باقول لك ما تستعجلشى، أنا باقول لك اللى ممكن أقوله لابنى، ربنا حايسألنى: لو ابنك ترميه الرميه دى؟ مش انت عارف كيت وكيت وكيت؟ أقول له إيه ساعتها يعنى؟ وبرضه عارف إنه ممكن يقول لى برضه: لو ابنك تقدر تحرمه من فرصة إنه يبنى نفسه بالطريقه الفلانيه؟ أقول له ايه؟ شفت الزنقة اللى انا فيها، مش انت بس.

رشاد: يعنى اعمل إيه؟

(*) لاحظ تعبير “انت عيييت، وماسك العيا فى إيدك”

وهو المقصود بتقديم هذه الحالة.

د.يحيى: أنا مش باطلب منك إنك ما تسافرشى خالص، أنا باطلب منك حاجه أبسط من كده، بلاش يكون ده انشغالك لمده سبع أيام خلينا ننشغل سوا بالموضوع ده احنا التلاتة، أنا وانت والدكتورة (د.مريم).

رشاد: يعنى أأجلها سبع أيام بس

د.يحيى: لأه، دا التقاط أنفاس، أنا حا قابلك يوم الخميس الجاى إذا كنت أنا عايش، وحانشوف.

رشاد: هو الحل دلوقتى إنى ألغى السفر؟

د.يحيى: علشان مابقاش كذاب: الأرجح إن أيوه، بس عايزها تيجى منك ، والأسبوع اللى جى حا نتقابل ، وحانحترم اللى حصل ده ونقرر سوا ، قلت إيه؟

رشاد: مش عارف

(*) تحفـُّـظ رشاد على الموافقة أو الوعد، دليل آخر على يقظة إدراكه، ومتانة إصراره، وأمانة موقفه.

د.يحيى: ماعلش ماعلش حانعرف سوا، بلاش تعرف لوحدك دلوقتى، ماهو زى ما ربنا حايسألنى لو ابنك كنت حاتقول له إيه، ومش عارف إيه، ما هو حايسألك برضه ما هى فرصة العلاج دى جت لحد عندك، ماختهاش ليه؟

رشاد: طب هو أنا لقيت حل؟

د.يحيى: الله!! إمال احنا بنعمل إيه . مش ده علم ده اللى انا بقولهو لك

رشاد: طب لو سمحت، أنا لقيت حل دلوقتى هو أنا ممكن ألغى موضوع السفر بس أرجع تانى لوظيفتى

د.يحيى: أه طبعاً 100 %

رشاد: مافيش حل غير كده

د.يحيى: مافيش حل تانى ترجع واحنا معاك، ده الفرق، بس ما تزهقشى بسرعة وتسيبها تانى

رشاد: ما هو أنا لو دخلت الوظيفه مش حاقدر أسافر

د.يحيى: يا حبيبى يا ابنى مش قوى كده، بلاش استعجال ما احنا سوا سوا!! الله!! على البركة: مع السلامه حاشوفك الخميس الجاى تانى فى نفس الوقت

رشاد: خلاص ماشى

د.يحيى: يا رب يبارك فيك، عايز حاجه تانى؟ مع السلامه، مش عايز تسلم عليا

رشاد: آه طبعاً السلام عليكم

(يصافح باليد ويخرج)

………………

……………..

مناقشة قصيرة مع (د. م) بعد المقابلة

د.يحيى: (للدكتورة د.مريم): قولى أى حاجه، كل اللى شفتيه ده، واحنا بناقش ست سطور من اللى انتى كاتباهم، إمال حا نخلّص إمتى العشرين صفحة بتوعك.

(د.مريم): ده كمان فيه كلام كتير مش فاهماه برضه وما كتبتوش

د.يحيى: يا شيخة خلينا نتناقش فى الست سطور دول، قولى يا بنتى، الحالة حالتك، قولى أى حاجه إدعى لنا حتى …

(د.ش) (زميل حاضر): أنا عاوزه اقول حاجه لحضرتك ، هوه شكله فى القسم، غير اللى بيقوله هنا خالص، يعنى هنا بيوصف المرض كأنه شايفه بعنيه، هنا بيتصرف مظبوط100%

(*) هذا هو سر تقديم هذه الحالة، من خلال وصف الطبيبة لحالة رشاد بهذه التلقائية.

(فصامى لم ينفصم!!)

د.(…): (إحدى الحاضرات من الزميلات) هو ده بالظبط كان الانطباع بتاعى برضك: إن هو شكله غير اللى بيقوله خالص

د.يحيى: عندكم حق، إمال إحنا حا نتعلم ازاى، عايزينّا نحل المشكلة دى إزاى؟ بلاش نصدقه؟ مش ناقص غير إنكم تقولوا إنى أنا مـَحَفـَّظـُه الكلام ده عشان تصدقوا العلم اللى باقولهولكم عن ازاى بيحصل الفصام؟ دا واحد باشوفه لأول مرة، ومش عارف غير إسمى الأولانى، أعمل إيه، أقول له يتصرف تصرفات مفركشة عشان تمشى مع اللى هوه بيقوله؟ أعمل إيه؟ أظن عشان نتعلم، لازم نستحمل، إحنا ما فوّتناش ولا كلمة فى الأربع سطور الأولانيين، ما بالكم لما نكمل؟! أنا بس حا شاور على حاجة صغيرة حصلت فى المقابلة، أنا أستعملت كلمة “صحوبية” هو استعمل كلمة “تواضع” وقال “اتواضعنا”، ماقالش “أتواضعت”، أنا دكتور كبير وبتاع، ويمكن يليق على إنى أتوصف بالتواضع، أو حتى إنى أتصنع التواضع، والحمد لله إنه هو مش عارف إسمى بالكامل علشان ما يبقاش متأثر بالهالة اللى حوالىّ، أنا شايف إن الكلمة اللى استعملها بتعلن موقفه من نوع المقابلة، وإنه اتطمن لدرجة النّدية اللى غلبت فى كلامى معاه، واللى هوا سماها تواضع.

وبعدين أنا عملت حاجات يعنى مش صح قوى بس كان علشان أشرح لكم ازاى نقدر نفهم التركيبة، والتعدد، وبقية الكلام اللى سمعتوه ده، ما هى مسألة صعبة قوى، وبرضه ما هياش حكر على الأكاديميين (المنظرين)، يعنى أنا ما كنتش باتناقش معاه فى التركيبة بأى لغة غريبة، صحيح كنت باشك ساعات إنه بيوافقنى والسلام، إنما مش على طول على كل حال، كنت باشرح أصعب النظريات بالألفاظ العاديه إنما باحاول إنها تحتوى كل خبرتى وطريقتى فى العلاج.

 أظن الناس المشايخ اللى بتسموهم دجالين عارفين حاجة شبه الحدوته ديه، بالسليقة، مش كلهم طبعا، فيه منهم ناس سفلة وحرامية، ولكن فيهم ناس طيبين وحدْسيين، هما برضه بيستعملوا لغة التعدد، بس بيتمادوا فيها ويأكدوا الاغتراب والسلبية، بس أظن أغلب الطيبين منهم بيستعينوا بربنا برضه، بس بالمعنى اللى بيلم الواحد مننا على بعضه، وبرضه بيلمنا على بعضنا([4])، فيه حاجة أخيرة: لما كنت باشاور له على إن العلاقة ممتدة حتى لو ما شفناش بعض، دى برضه فيها فكرة الوصلة الحقيقية عبر المعنى اللى بيجمّع الناس مع بعض، يعنى مع ربنا، أنا لما أقول له مدى الحياه أظن من ضمن التنظير بتاعى إن العلاقة العلاجية حتى لو انتهت زى ما بنقول فى “الجروب” (العلاج الجمعى) بيفضل اللى حصل جوانا بقية عمرنا (ويمكن بعد كده حتى!).

(د.م): هو حا يجى الأسبوع الجاى يا دكتور؟

د.يحيى: طبعا حا يجى اللى جاى، واللى بعده، واللى بعده، لو ما سافرشى.

[1]– ربما تكون ترجمتها إلى Paraverbal  مناسبة

[2]– يحيى الرخاوى: ديوان “أغوار النفس” الفصل‏ ‏الثانى: “لعبة‏ ‏السكات” (ص 58) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى 2017

[3]– يحيى الرخاوى: قراءة فى عيون الناس” فقه العلاقات البشرية (3) – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى 2017

[4] – أنظر: يحيى الرخاوى: “محاولة لفهم العلاجات الشعبية للمرض النفسى” شرائح Power Point  ، www.rakhawy.net

(9) استعادة الفرض وإضافة محدودة إليه

(9) استعادة الفرض وإضافة محدودة إليه

(9)

استعادة “الفرض” وإضافة محدودة إليه:

مقابلة رشاد 26-3-2009

وحضر رشاد فعلا الأسبوع التالى للمتابعة فكانت هذه المقابلة القصيرة الهامة التى سمحت بأن نكمل فحص ما جرى (كما رصدته العين الداخلية)  قبل (أو دون) الإسراع بترجمتها إلى أعراض محددة، أو أسماء أمراض.

نبدأ بأن نعيد التذكرة، بالفرض الأساسى، لأنه هو الذى قد يفسر أقوال رشاد أولا بأول، ثم قد نـُلحقها بجزء من المقابلة التالية، (هذا، وسوف نكمل هذه المقابلة القصيرة غداًـ الأربعاء)

رشاد: السلامو عليكوا

د.يحيى: أهلاً وحشتنا، أُقعُـد أنا موافق  

رشاد: على إيه؟

د.يحيى: مش على السفر على إنك تخفّ الأول

رشاد: البدايه جديده شويه

د.يحيى: احتياطى، مش أنا صنايعى يا بنى!

رشاد: صنايعى ازاى؟

د.يحيى: صنايعى فى شغلتى زيك يا أخى، مش انت صنايعى برضه؟

رشاد: أه

(*) البداية تبدو هنا نوعاً من الاسراع بالمواجهة لما تصوره الطبيب الدافع الذى يلحّ على رشاد للمقابلة، فقد رجح الطبيب أن رشاد لم يأت للمتابعة والعلاج، وإنما لأخذ الموافقة على السفر وفى هذا الأسلوب نوع  من المخاطرة، فقد يصيب وقد يخيب مثل هذا الحدْس، لكنها مخاطرة إن صحّت فإنها تقرب المسافة بين الطبيب ورشاد وتسرع بالمواجهة المطلوبة، وفيها مفاجأة للمريض حين يحسب أن الطبيب وافق على سفره، وإذا بموافقته اعتراض صريح، وتمسك بنصيحتـِه الحاسمة ألا يسافر.

د.يحيى: أهو أنا صنايعى زيك

(*) أكرر ذكر اعتزازى بهذه الصفة “صنايعى” وهو ما أكرره للمرضى عادة، وقد يدهش منه زملائى المتدربين الأصغر مع درجة من الرفض، على اعتبار أنهم ما صدقوا أن صاروا أطباء، وكل واحد منهم دفع من عمره ووقته ما دفع لينادونه فى النهاية بيا “دُكـْتـُر”، فكيف يجد فجأة أن غاية المطاف (متمثلا فى أستاذه) أن يكون “صنايعى” بهذه البساطة، وأتصور أنه لا توجد كلمة يمكن أن  تحمل رسالة ما أمارسه من “فن اللأمْ” وفن “المداواة” ومؤخرا “إبداع نقد النص البشرى”  مثل هذه الكلمة “صنايعى”، ولا حتى كلمة فنان، ولا كلمة مبدع، ولا كلمة ناقد ([1])، وقد استعرت عنوان هذه السلسلة الفصام من عنوان كتاب “د.سليمان أفندى نجاتى “أسلوب الطبيب فى فن المجاذيب” الذى يدرس فى قصر العينى منذ قرنين تقريباً.

رشاد: مظبوط

د.يحيى: بس..!!  صنعتى بتقول كده، إنك مش مشغول إلا بالسفر، إنما أنا مشغول بإنك تخف

رشاد: هو انا لازم أخف من إيه؟

د.يحيى: من إيه ؟؟؟!!!!!

رشاد: هو اللى عندى ده مرض؟

د.يحيى: (ساخرا) لأ والله، دلع!!

رشاد: أنا شاكك انه مش مرض

د.يحيى: يعنى دلع يعنى؟

رشاد: لأه مش دلع

د.يحيى: ما هو المرض ممكن يبقى لعبة كده، شبه الدلع

(*)  كثيرا ما تأتى حالة مثل رشاد فى بداية الذهان وبعد أن يشكو شكواه التى قد يتعجب هو منها قبل الطبيب، أو مثل الطبيب، ثم يلحق ذلك بقوله “الظاهر يا دكتور أنا بتدلع” ويكون صادقاً فى نقده لذاته، لأنه فى هذه المرحلة  يشعر أن ما تحرك بداخله هو “ذات اخرى” تحررت ولو جزئيا من وصاية الذات القائدة مايسترو لحن الإيقاع الحيوى طول الوقت، لكن رشاد مازال يستقبلها على أنها “أنا”، وهى فعلا هو، وبما أنه يرى ببصيرته (التى إحدى تجلياتها عينه الداخلية، وليست مجرد الاستبطان كما ذكرنا) أنها ذات طفلة، أو ذات غير ناضجة تستسهل وتهم بالانسحاب من الواقع، بواسطة ما يسمى “الحل المرضى” وهو يلتقط كل ذلك، وهكذا فإن رشاد فى بداية الذهان خاصة كثيرا ما كان يصرح بهذا التعبير “الظاهر يا دكتور أنا باتدلع” لكنه سرعان ما ينفيه فى نهاية النهاية “لأ مش دلع”، وعموما فالمرض لا يسمى مرضا إلا بعد تماديه إلى الحل السلبى، لكن شبهة اختياره كلغة لها هدف تشير إلى أنه اختيار على مستوى ما من مستويات الوعى كما ذكرنا مرارا، رشاد، أكثر من الشخص العادى، يقبل فى داخل داخله هذا الاحتمال، احتمال أن يكون هذا الحل هو استسهال اقرب إلى “الدلع”، على شرط ألا يصله مثل هذا الاحتمال على أنه اتهام، وإنما تتم عرض الفكرة من خلال اقتراب للإنارة، فتكون البداية (بداية العلاقة، فالعلاج) أكثر قربا وموضوعية.

رشاد: أنا ماعرفش إيه هو الدلع

د.يحيى: إيه؟!!

رشاد: يعنى إيه دلع؟

د.يحيى: ماتسمعشى عن “الدلع المِرِق اللى كل ما يمشى يدّلق”

رشاد: ده شاى ده ولا إيه اللى يدّلق؟

(*) تعجبت لعجز رشاد عن تجريد “المثل العامى”، واستبعدت جهله به مع أنه وارد، ومع ذلك فإن هذا الإنكار يجعلنا نتناول حالة رشاد باحترام أكثر، باعتبار أنه يصف فعلا تغيرا تركيبيا طرأ على داخله، وبالذات فيما يتعلق بعملية “اعتمال المعلومات”، فأين الدلع إذن، ويكون رده “ ده شاى ده ولا إيه اللى يدّلق”، هو أقرب إلى رفض ضمنى لهذا التفكه السخيف نوعا، ورغبة فى التركيز الجاد على ما أصابه. (لم أعتبره تفكيرا عيانيا طبعا!)

د.يحيى: ……(يعنى) بعد الهيصه دى كلها تسأل هو اللى عندى مرض؟ أصوات وكلام واضطهاد وقلة شغل وتقول مش مرض، الله يخرب بيتك، إمال حايكون إيه يا شيخ؟

رشاد: هو انا شاكك بصراحة

د.يحيى: أنا مش شاكك بقى، دى شغلتى وأنا باقول لك من خلالها إنه مرض.

رشاد: إزاى يعنى ؟

د.يحيى: مش انت سواق وحاجات كتير تانية، خلينا فى السواقة إنت لما تروح لواحد ميكانيكى وتقوله أنا مسافر مرسى مطروح بالعربية دى، والعربية فيها حاجة مش كويسة، مش بيقول لك لأ ما تسافرش؟

رشاد: هو لو عنده ضمير حا يقول لأه

د.يحيى: وأنا ماعنديش ضمير يعنى؟

رشاد: لأ ما اقصدش حاجة والله

د.يحيى: طب خلاص ما أنا باقول لك أهه: ما تسافرشى

رشاد: ما هو مستقبلى برضك

د.يحيى: ما أنا عارف، بس نحسبها سوا

رشاد: نحسبها

د.يحيى: كل شئ وله أوان، وكل وقت وله أدان

رشاد: بس السفر بقى ضرورى ضرورى

د.يحيى: يمكن فعلا ضرورى، بس ده مش وقته خصوصاً بعد ما قلت النهاردة “هو أنا عندى مرض”؟ أنا اتخضيت إنك ما تشوفش خطورة اللى عندك، خفت من العَمَى ده، وبعدين تقول عايز تسافر وانت بالعمى ده كله؟ وانت لوحدك!؟! صعب يا ابنى، لو مفتـّح كفاية كنت أقول لك روح واستحمل، واحنا مع بعضينا حتى وانت بعيد، تقدر تكلم الدكتوره “ملك”  مثلا، إنما بالشكل ده تقول لى “هو اللى عندى ده مرض”، واسيبك لوحدك؟ دى مسئولية، لو هو مش مرض إمال هو اللى عندك إيه؟!

(*) إنكار “رشاد” للمرض لا يعنى عمى بمعنى فقد البصيرة بالمعنى الشائع، وإنما هو يأتى من منطلق الهدف الذى نقدم به هذه الدراسة وهو تأكيد أن ما يعيشه رشاد هو “حقيقة أخرى” ، لا أكثر ولا اقل، ويبدو أن قبول الطبيب بهذه الفكرة بأنها “حقيقة أخرى” من بداية المقابلة هو الذى شجع رشاد أن ينكر تسميته مرضا، لكنه لا ينكر غرابته، وأثره المعطـِّل عموما، وقد أصبح تركيزه على السفر هنا دافعا جديدا لرفض تسمية ما به مرضا، حتى لا يحول ذلك دون سفره، مع أن السفر مهما بدت أسبابه وجيهة موضوعيا، إلا أنه يمكن أن يكون تحديا واردا، ذا احتمالين: أن يكون تجنبا للاعتمادية فالتمادى فى الحل المرضى، أو أن يكون هربا من العلاج، ومن ثم حرمانه من هذا الاختيار الذى لاح له من داخله أنه الحل، مهما بدا خطرا على تماسكه وواحديته وصحته ومستقبله، ومن ثم “الفصام”

د. يحيى (تكرار المقطع الأخير) ….. لو هو مش مرض إمال هو اللى عندك ده إيه؟!

رشاد: مرض

د.يحيى: حاترجع فى كلامك عشان أقول لك سافر، لأه ما تستعجلش، رزقك حايجيلك لحد عندك إنشاء الله، وحاتسافر وكله فى الوقت المناسب

رشاد: أصله مستقبلى برضك

د.يحيى: يا حبيبى يا ابنى أنا فاهم، ما ينفعش دلوقتى، أنا صنايعى زى الميكانيكى باقول لك العربيه لسه مش مضمونة، العربية فى التليين لسه، إنت لما بتسوق وتكون العربية بتتليّن لسّه ، مش بتكتب يافطة على العربية مكتوب عليها: “العربة فى التليين”، عشان العربيات التانية تاخد بالها؟!

رشاد: آه بتمشى براحتها

د.يحيى: أيوااه، بتمشى براحتها، فا إنت دلوقتى لسه لازم نحاسب عليك، وبعدين إنت كنت بتقول عاوز أقابل الدكتور يحيى عشان كده، ولا عشان حاجة تانية؟!

رشاد: لأه عشان السفر يعنى

د.يحيى: أه شفت بقى أنا عرفت إزاى من غير ما تقول

رشاد: لأ طبعاً مش كده وبس، قصدى عشان السفر، وبرضه عشان حاجة تانية

د.يحيى: إيه هى الحاجة التانية دى بقى؟

رشاد: يعنى عشان أشوف إيه اللى عندى

د.يحيى: طيب، ولما تشوف إيه اللى عندك ونقول لك إسمه كذا، حا تعمل إيه؟ مش الأحسن تشوف حانعمل إيه فى اللى عندك ده، حانتصرف إزاى؟ هو احنا حندوّر على نمرة العربية ولاّ على إنها تنفع تسافر مرسى مطروح، يعنى هو أنهو الأهم؟ نسأل المرض ده اسمه إيه، ولا نشوف حانعمل فيه إيه، انت اللى عندك مش شوية يا رشاد يا ابنى.

رشاد: أروح العباسيه بقى؟

د.يحيى: إنت تطول!! يا راجل حمد الله على السلامة 

رشاد: الله يسلمك

د.يحيى: يعنى باختصار مافيش سفر

رشاد: لأه صعب دلوقتى

(*)  قول الطبيب: “انت تطول“!! ربما يشير إلى تنبيه رشاد – ضمنا- أنه لم يستطع أن يتمادى فى أن يتفسخ ويتدهور حتى يصل إلى درجة خطيرة تجعله من نزلاء العباسية، وهو المعنى الذى يعنيه العامة عادة بـ “تروح العباسية” وهذا التعبير “انت تطول” يشير أيضا إلى أن هذا المرض حين يتمادى يصبح أقل إرهاقا للمريض لأنه يكون قد نجح فى ممارسة سلبيته بديلا عن ما هرب منه فى الحياة العادية (المغتربة).

أما إلحاق ذلك بتعبير “حمد الله على السلامة” فهو أسلوب أتبعُه عادة لأسارع ضمنا فى التأكيد على أن رشاد قد تحسن بدليل أنه قد وافق ولو جزئيا على العلاج لإيقاف  مسار المرض أولا، بالتعاون على طريق الشفاء.

د.يحيى: أيوه مافيش سفر دلوقتى، بس يعنى ممكن بعد جُمعه تختلف الأمور، ولاّ بعد جمعتين، إنت خليك على اتصال بالدكتوره “م” وحا نشتغل هنا لحد ما تشوف الفرص، ونشوف الفيزة ونشوف الكفيل ونشوف الكلام ده، واحنا اللى نقرر سوا، أنا وانت والدكتورة “ملك”.

رشاد: بعد كل الخطوات دى كلها ممكن يبقى فيه قرار تانى؟

د.يحيى: أيوه، هى مش مسئولية ولا إيه؟

رشاد: يعنى حاتوافق حضرتك على السفر؟

د.يحيى: ما أنا ماعرفش إيه اللى حايِجدّ

رشاد: لأه، إنت تدلنى على الطريق الصح

د.يحيى: الطريق الصح دلوقتى إنك ما تسافرشى، لكن بعد جمعه يمكن يبقى فيه فى الأمور أمور 

رشاد: خلاص ماشى

د.يحيى: خلى بالك أنا عارف  أكل العيش يعنى إيه اليومين دول، بس صنعتى بتقول لى لأه مافيش سفر دلوقتى، لما يخلص التليين، تبقى تعمل اللى انت عاوزه، خلينا دلوقتى ماشييين على ستين وثمانين لما يخلص التليين تمشى على 140 إنت حر، وبرضه يبقى فيه خطر، يمكن تعمل حادثة تموت فيها

رشاد: ما حدش حا يعيش يا دكتور

د.يحيى: طيب ومستعجل ليه بقى

رشاد: خلاص كده؟

د.يحيى: آه طبعاً

رشاد: لأ بجد؟

د.يحيى: أه والله ايه عاوز حاجة تانية؟

رشاد: لأ يعنى، قصدى بس كفاية القعدة جنب حضرتك يعنى

د.يحيى: متشكرين، إحنا نشوفك الجمعة الجاية، ويمكن نخصص المقابلة كلها لك، عشان نعرف أكتر، ونقرر أحسن.

() .. وفعلا، حدثت فى الأمور أمور سوف يعرفها القارئ مع تتبّع الحالة، لكننا نذكر هنا أن تدخل الطبيب المباشر هكذا ظاهرا  فى قـرارات رشاد – وهو ما سبق أن شرحنا تفسيره وتبريراته – هو أمر متعلق بثقافتنا، أى بدور الطبيب ومسئوليته  (والدا “صنايعيا”، “ناقدا” عنده معلومات طبيه) كل ذلك لا يعنى فرض آرائه قهرا، فهو لا يمنع مريضه من اتخاذ القرار ولا من التصرف ضد ما يشير به (مثلما فعل رشاد لاحقا، أنظر بعد) ولكنه يعلن موقفه بوضوح حاسم  دون ادعاء أن “مريضه حر”، فى حين أنه يعلم أنه لا هو ولا مريضه يستطيع أن يكون حرا، ولا هو يرضى أن يكون حرا إذا تضمنت الحرية أن يتخلى بعضنا عن بعض !! فما بالك بتخلى القادر عن المحتاج تحت زعم الحرية !!

[1] – ‏‏المطبعة‏ ‏الطبية‏ ‏الدرية‏ ‏ ‏1891‏م‏ – 1309‏هـ

(10) الاستمرار برغم الغموض ومزيد من الفروض:

(10) الاستمرار برغم الغموض ومزيد من الفروض:

(10)

الاستمرار برغم الغموض ومزيد من الفروض:

وحضر الأسبوع التالى 2/4/2009 فكانت هذه هى بداية اللقاء كما يلى: 

دخول رشاد (2-4-2009)

د.يحيى: أقعد يا رشاد، يا رشاد أنا محتاج منك ساعة بحالها النهارده، ولاّ يمكن أكثر يا ابنى عشان نفسر الكلام اللى انت قلته للدكتورة “م”، إنت سلمت عليَّا إمبارح وأنا بامرّ، وأنا سألت عليك الأسبوع اللى فات بس ماكانش فيه فرصة نقعد كفاية

رشاد: تمام، أنا مع حضرتك

(*)  من هنا، وحتى نهاية اللقاء، لاحظ تماسك حديثه أثناء الحوار بدرجة تكاد تفوق الشخص السليم جدا !!، مع التذكرة أن التشخيص الرسمى ما زال : فصام بارنوى !!.

د.يحيى: حاناخد وندى النهاردة فى الكلام اللى قلته للدكتورة “مريم”

رشاد: ماشى بس كان عندى سؤالين بصراحة

د.يحيى: نعم؟

رشاد: عندى سؤالين محيّرنى شوية

د.يحيى: حاضر عنيّا الاتنين، أسألهم الأول عشان نخلص منهم، السؤال لازم يكون أوله اداة استفهام وآخره علامة أستفهام،  فاكر؟  أدوات الاستفهام زى ما علمونا زمان هي: “هل” “لماذا؟” و”كم” و”كيف” وكده، لو قلت السؤالين من غير “هل” أو”كم” أو”لماذا” ما يبقاش سؤال، أنا تحت أمرك

(*) هذا الأسلوب أتبعه مؤخرا مع كثير من مرضاى، وأهلهم أيضا، كوسيلة لتحديد الحوار منعا للاسترسال المغترب الذى غلب على معظم المرضى، والأهل، نتيجة سوء فهمهم لفكرة التحليل النفسى والعلاج النفسى، هذا الأسلوب هو أيضا جزء من أسلوب التركيز فى “هنا – والآن” مع تحديد “المهمة المعنية”، سواء فى العلاج الفردى أم العلاج الجمعى، ويطرح السماح بالأسئلة المحددة، بعد التعرف الكافى أو قرب نهاية اللقاء، وتكون إجاباتى قصيرة عادة.

رشاد: طب بلاش سؤال انا طالب من حضرتك طلب

د.يحيى: لأ مفيش طلب دلوقتى، السؤال الأول؟ فين السؤال؟

رشاد: هوا اللى أنا فيه ده انا مش حاسس إنه مرض بصراحه، هوّه مرض صحيح؟

د.يحيى: مع أننا اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده أنا مقابلك النهاردة عشان أجاوب تانى، على السؤال ده، عشان نعرف سوا سوا  يعنى إيه مرض ويعنى إيه مش مرض، إنت بتقول كلام كله مرض، بتوصف المرض 100%، وشكلك إن مافيش مرض، علشان كده عمالين نقلّب، ونقول ونعيد، ونزيد، عشان نشوف سوا سوا

رشاد: ما هو لازم أعرف الأول، هل ينفع إن أنا أمشى فى طريق مش عارفه؟

د.يحيى: ساعات ينفع، بس لما الدنيا تكون ملخبطة، لازم نتأنى شوية، مش كفاية نعرف اسم الشارع، بس لازم نشوف إحنا رايحين فين، رايحين أنهى ناحية، يعنى ساعات ينفع تمشى فى طريق مانتش عارفه أو عارفه نص نص بس الناحية الصح، ودا بدال ما تقف خالص تستهجى فى يافطة اسم الشارع لحد ما عربية تصدمك.

رشاد: يعنى أمشى فى طريق شاكك فيه؟

د.يحيى: أيوه، بس متونس باللى معاك، وبيقولوا إنهم عارفينه اكتر شوية، الدكاترة الصغيرين دول علّموهم بطريقة تانية، قالو لهم لازم يعرفوا كل حاجة الأول وبعدين يمشوا، طب وافرض ما عرفناش، نسيب العيان يمشى لوحده لحد ما نعرف أو يروح فى داهية؟، إحنا نمشى ونعرف، ونعرف ونمشى، واحنا بنشوف النتيجة أول بأول، وبعدين نكمل واحنا بنصْحَّحْ أول بأول برضه.

(*) برغم أن الحوار يدور بكلام عادى ومألوف إلا أنه يكاد يشرح اساسيات “المنهج الفينومينولوجى الإمبريقى”، دون أن يزعم الطبيب أو يعلن أنه ينتمى إليه، المهم أنه يعلن أن الخبرة هى التى توجّه المحتوى، دون يقين بتحديد المحتوى مسبقا، أى دون  وصاية من أحكام أو عناوين أو ألفاظ (بما فى ذلك تسمية الأعراض وتشخيص المرض)، وفى هذا الحوار أيضا نلاحظ ممارسة فكرة “تعليق الحكم”، وأخيرا الالتزام بالممارسة الإمبريقية باعتبار أن النتيجة هى التى تقيّم التوجه الصحيح، والمنهج الأنسب، وأن النتيجة هى دائما طرْحٌ قابل للاختبار والتعديل فاستكمال الخبرة، وهكذا.

رشاد: عايز أريح بالى بس يادكتور يحيى

د.يحيى: أنا مش مريّحاتى، انا طبيب باعالج، وانت جاى تتعالج، مش كده؟

رشاد: اتفضل يادكتور

د.يحيى: تعيش، إنت قلت كلام للدكتورة “م” ماتناقشناش فيه كفاية، أصل أنا زى ما انت شايف باصدق العيانين، وبعد ما أصدقهم نختلف فى التفسير بقى زى ما احنا عايزين، يعنى نقعد نفحص سوَا: يا ترى ده معناه ايه، وده معناه إيه، إنت لما قلت مثلاً من الأول خالص (يقرأ)  “انا حاسس إنى متغير، أنا مش فاهم أنا إيه فيّا دلوقتى” وبتقول “إزاى أمشى فى طريق ماعرفوش”، وبرضه إنت بتقول “إن فيه حاجات غريبة فى عقلى، وإن عقلى مقفول، وإنى انا عايز أعرف الحقيقة”، كل ده نحترمه، فاكر؟

رشاد: فاكر

د.يحيى: الحمد لله، حتى كلمة أنا عايز أعرف الحقيقة كنا شاورنا عليها فى أول مقابلة، وقلنا أنهـْى حقيقة؟ حقيقتك ولا حقيقة الحياة ولا حقيقة ربنا ولا حقيقة الموت أنهى حقيقة، ولاّ لما قلت “عقلى مقفول“، أنا بقى حقول لك على كام حاجة كده قبل ما تمشى النهارده، يعنى حانتكلم فى جملة جملة، قل لى بقى: يعنى إيه عقلى مقفول؟  أنا مش عايز موضوع إنشا، إنت تقول اللى انت حاسس بيه، وبس، يعنى إيه عقلى مقفول مثلا؟

(*) نوقشت بعض هذه الأقوال معه فى اللقاءات السابقة.

رشاد: يعنى باحس إن عقلى مثلاً فيه زى ما تقول أُوَضْ معينة مفتوحة؟

د.يحيى: أُوَضْ معينة؟ مقفولة ولا مفتوحة ؟

رشاد: مفتوحة

د.يحيى: بس انت بتقول عقلى مقفول، ودلوقتى بتقول أوض مفتوحة

رشاد: باحس إن قبل القفل، إنها مفتوحة

د.يحيى: ما انت برضه قلت للدكتوره بعد كده وهى بتسألك، قلت “مخى صندوق مليان مش قادر أقفله”

(*) من هنا بوجه خاص : أرجو من المتتبع أن يأخذ كل ما يقوله رشاد (والطبيب) “كما هُوَ” باعتبار أنه يحكى ما “يرى”، وذلك فى سعينا إلى فحص الفرض الذى يفترض أن “ثمة حاسَّة داخلية”، هى “العين الداخلية”  تستطيع أن ترصد الخلل التركيبى، وباللغة المتاحة، الحسية غالبا وغير الحسية أحيانا، وأن يراعى أن هذا الوصف لا ينبغى أن يترجم إلى أعراض معينة قبل الأوان ولا أن يوصف بالغموض النسبى أو المطلق لمجرد أننا عجزنا عن فهمه فى إطار ما لدينا من معلومات، وكذلك ربما توجد علاقة ما بما لحق عملية فعلنة المعلومات من خلل.

رشاد: أيوه

د.يحيى: وبعدين صورتها إنه زى ما يكون بتحاول تقفل شنطة سفر بعد ما كبستها هدوم، فما بتتقفلش؟

رشاد: حاجة كده

د.يحيى: يعنى إيه بقى؟ قصدك إيه؟

رشاد: أنا باحس إنه مقفول، زى ما تقول إنه شىء متمسك فى بعضه

د.يحيى: متمسك فى بعضه؟ آه!! هى وصلتنى كده تقريبا.

(*) هذه النتيجة التى يعبر عنها رشاد بقوله “باحس إنه مقفول، زى شىء متمسك ببعضه” تتفق مع الغرض الأساسى لرصد ما يحدث فى بدايات وتطور عملية التفكك، فالازدحام ، فالعرقلة ، وقد سبق أن أشار رشاد إلى فتح حجرات مخه على بعضها، الذى انتهى إلى هذه القفلة التى عبر عنها بأنها: “شىء متمسك فى بعضه”، وأظن أنه قد سبق أن شبهنا ما يحدث بغياب إشارات المرور فى ميدانٍ ما، وكذا غياب جندى المرور، فتفتح المسارات على بعضهأ، ومن ثم تحدث قفلة  المرور Trafic Jam

مزيد من الفروض الفرعية

تطويرا للفرض الأساسى بعد ما عرضنا من هذه الحالة حتى الآن، نقدم فروضا فرعية أكثر اتصالا بإشكالة الفصام:

(1) فى الفصام تختل عملية “فعلنة المعلومات” Information Processing فى مراحلها المختلفة، الإدخال، والفعلنة، والإخراج Input  Processing – Output.

(2) فى الفصام ينقطع (بدرجات مختلفة) التواصل التكاملى الجدلى فى حالة الإبداع، والتبادلى التكافلى فى حالة السواء:  بين النصفين الكرويين، بما عبروا عنه أحيانا بأنه “قطع الجسم المندمل وظيفيا Functional Callosotomy.

(3) مع تمادى الانشقاق (الوظيفى) بين النصفين الكرويين تصبح عملية فعلنة المعلومات منقسمة أو بطيئة أو معطلة أو عشوائية، أو كل ذلك كما تختلف غلبة وحدة كل عملية من هذه العمليات حسب درجة الفصام (وأيضا حسب نوعه).

(4) فى الفصام البادئ Incipient وأحيانا فى الفصام المتماسك، وأحيانا أيضا ليست نادرة، فى أنواع تبدو متدهورة من الفصام، يمكن للمريض أن يصف هذا الخلل الذى حدث كأنه يراه رأى العين، وبالسرعة البطيئة. (مثل بعض الوضوح فى شكوى ووصف رشاد لما يجرى).

(5) يختلف الوصف باختلاف ثقافة رشاد، ولغته، وطلاقته، وأيضا باختلاف درجة سماح المتلقى (الطبيب المعالج أساسا)، وصبره ومحاولة استيعابه.

(6) هذا الخلل كله أو أغلبه ليس خللا أوليا، وإنما هو مترتب على إمراضية أساسية، تتمثل فى تنشيط غائى لمستويات أقدم من مستويات الوعى (المقابلة لمستويات المخ المرتبة هيراركيا تطوريا، وغائيا)،

(7) هذه المستويات الأقدم التى استعادت نشاطها حتى التنافس، والعرقلة نتيجة للسيطرة النسبية، إنما تحفز إلى  الانسحاب من الواقع والنكوص إلى مراحل سابقة للفرد أو للنوع، وبالتالى هى تحتاج إلى قدر من الطاقة الحيوية، ويبدو أنها بذلك تسحب من رصيد الطاقة اللازمة لكفاءة ونجاح عملية “اعتمال المعلومات”.

(8) يترتب على سحب الطاقة هكذا أن يفتقر المخ الأحدث، (قائد حركة Pace Maker معظم المستويات أثناء الصحو) إلى “مرونة التماسك” و”جدلية الفعلنة”.

(9) يترتب على ذلك أيضا أن تنشق “واحدية Oneness” المريض إلى اثنين فأكثر، يتنافسان على الاستحواذ على الطاقة، (وربما هذا ما عبر عنه رشاد من أن “الأُوَض” فتحت على بعضها، بعد أن عبر عن شعوره المبدئى بالانشقاق إلى نصفين، وهذا ما يقابل فرض “الشق الوظيفى للجسم المندمل Functional Callosotomy وما يتبعه كما أشرنا حالا.

(10) تنفصل بالتالى وحدات وظائف الدماغ عن بعضها البعض، (وهذه المرحلة لم يصل إليها رشاد بعد) ، وقد يحدث ذلك دون المرور بمرحلة الشق إلى نصفين التى سماها وعبر عنها رشاد هنا بتعبيرات متنوعة وألفاظ متبادلة مثل “المـِـجـْـرى”، “والأُوَض” وتصبح الحركة فيما بين الوحدتين أو الوحدات  دفْقية (من الدفقة) متقطعة، وأيضا مشتتة بشكل أو بآخر، بدلا من سريانها بنعومة وتناغم وواحدية فى حالة الصحة ، خصوصا الصحة الفائقة، ومن ثم يحدث التصادم، والعرقلة، والتدفق العشوائى.

(11)  هكذا يفقد المخ البشرى (الدماغ الكلى)  واحديته، وكذلك يفقد تمحوره حول فكرة غائية أساسية، ليس بمعنى الفكرة التى تستعمل فى التفكير، وإنما بمعنى التوجه الغائى التوحدى الضام لكل وحدات الوعى والدماغ والوجدان على كل المستويات.

(12) يترتب على ذلك أن تدخل المعلومات إلى هذه القطاعات مجزأة أو متدفقة، وبدلا من “الفعلنة” (الاعتمال/المعالجة) للتمثـّل والامتزاج قد تسلك مسارات مستقلة أو متعارضة، أو عشوائية متصادمة فى كثير من الأحيان، ومن ثم الشعور بالازدحام، أو التجمد، أو القفلة.

(13) فى أطوار معينة من المرض، فى كثير من الذهانات، وليس فقط فى الفصام، خاصة فى البداية، يمكن للمريض أن يرصد بعض ذلك أو أغلب ذلك، بدرجة أو بأخرى، باللغة المتاحة له حسب تركيبه وثقافته وحسب درجة تماسكه، وحدة رؤيته (بما فى ذلك تنشيط العين الداخلية)

وهذا هو ما نحاول أن نقدمه من خلال هذه الحالة

(وحالة (وحالات) أخرى بمشيئة الله!!).

وبعد

حتى الآن يمكن مقابلة كلام رشاد السابق إلى ما يوازى هذه الفروض، وذلك علما بأن هذه الفروض نابعة من الخبرة الإكلينيكية، دون الرجوع طبعا إلى الأصول الأكاديمية العلمية عن معالجة (اعتمال) المعلومات، وأيضا دون المقارنة أو الرجوع إلى كيفية عمل الحاسوب، وما زالت الدعوة مفتوحة لأى إسهام توضيحى  فى هذا أو ذاك.

هذا علما بأن ما بلغنى هو أن الحاسوب ليس هو النموذج الذى ينبغى أن نقيس عليه عمل المخ البشرى، بل لعل العكس هو الصحيح، فإن علماءه يحاولون أن يطوروا أعمال الحاسوب وآلياته وقدراته من خلال ما يصلهم من معلومات وفروض حول كيفية عمل المخ البشرى.

(11) خبرة إحباط باكرة، والوعى بتشتت الفكر

(11) خبرة إحباط باكرة، والوعى بتشتت الفكر

 (11)

خبرة إحباط باكرة، والوعى بتشتت الفكر:

بعد أن تناولنا فى الجزأين الأولين من هذه المقابلة وناقشنا فيهما بعض وصف رشاد لما أصابه، كما أوضحنا وأكملنا الفروض السابقة أضفنا إليه فرضا يقول:

“إن أداة الحس الداخلية تستطيع أن ترصد تفكك وإبطاء عملية فعلنة المعلومات، مع ما يصاحب ذلك من انشقاق”

بعد ذلك نكمل نفس المقابلة اليوم لتحديد بداية الإمراضية، وما رصدته العين الداخلية، ثم نكمل ما أشرنا إليه عن موقف الطبيب الوالدى الذى تتصف به ثقافتنا خاصة، وذلك حول موضوع سفر”رشاد”: إلى السعودية للعمل.

نكمل معا:

…..

 د.يحيى:.. طيب وبعدين؟ نمسك حاجة تانية: لما سألتك الدكتورة عن اللى عندك رحت مرجّعها لسن 20 سنه قلت لها التعب إبتدا بحاجة غريبة وانا عندى 20 سنه بعد ما رفضونى فى فريق الكورة

رشاد: آه

د.يحيى: مظبوط؟

رشاد: آه

د.يحيى: إحكى لنا بقى، ده حايفيد فى فهم حالتك شوية كتار، إنت بعد ماتـّاخدتش فى الفريق، يعنى بعد ماعشّموك، بتقول (يقرأ: (“حسيت إن مخى اتفتح وانشق نصين”، يعنى إيه؟

رشاد: هو ده نفس الإحساس فعلا

د.يحيى: لأ قول لنا بالتفصيل إحكى لى إزاى بلغوك الرفض وازاى طمّعوك، وكنت ساعتها واقف مع مين وإزاى حسيت إن مخك انشق نصين

رشاد: انا رجعت من الماتش بعد اللى حصل ده، كنت فى حالة مش كويسة كان عندى تفكير شديد أوى

د.يحيى: أيوه؟

رشاد: تفكير مُـشتت

د.يحيى: هه ؟

رشاد: مشتت، يعنى مشتت بصحيح قوى

 (*)  تعبير “تفكير شديد قوى” لا يشير عادة إلى التفكير فى عدد كبير من الأفكار بقدر ما يشير إلى السرعة، والكمية، دون تحديد أفكار معينة، وهذا يفسر ما لحقه وصفه بأنه “مشتت”، “مشتت بصحيح قوى”، وحين تضغط الأفكار من كل اتجاه، المــُدخل والمستثار معا، تضطرب عملية معالجة المعلومات ، يكون أقرب تعبير عنها هو هذا “التشتت”

د.يحيى: كل ده فاكره من تلاتاشر سنة؟!!

رشاد: أيوه لقيت نفسى إنى مش قادر آكل ولا قادر أعمل أى حاجة خالص

(*) مش قادر آكل ” هو تعبير لا يفيد” فقد الشهية” بقدر مايفيد “التوقف”، و”العجز عن مواصلة ما اعتاد ومن ذلك الأكل وغير الأكل، ألامر  الذى تؤكده الجملة اللاحقة “مش قادر أعمل أى حاجة خالص”

رشاد: فاضطريت إنى أروح الجامع أصلى وقلت بدل ما يحصل أى مشاكل

  (*)  هذه الإرهاصات بأن شيئا ما، غريبا عادة، على وشك الحدوث “بدل ما يحصل أى مشاكل”، هو إشارة إلى ربكة غامضة تحدث عادة فيما قبل البداية، وهو تعبير –هنا على الأقل- لا يشير إلى مشاكل بذاتها، وإنما هو يشير أكثر إلى تغير نوعى غريب، يحمل احتمالات سلبية، سماها رشاد “مشاكل”، واللجوء إلى المسجد والصلاة هنا ليس له دلالة دينية فحسب ، وإنما قد يكون له دلالة بيولوجية شرحناها فى موقع آخر، ونحن نفسر كيف تَحُول قراءة قل أعوذ برب الفلق دون فعل الحسد باعتباره القدرة على “إنشاز” (إحداث نشاز) هارمونية الصحة أي تناسق مستويات الوعى بشكل أو بآخر، وهذه عملية وضعتُ لها فرضا بيولوجيا  له علاقة بترابط الإيقاع الحيوى الفردى الإنسانى، بالإيقاع الحيوى الكونى البيولوجى([1]).

رشاد: …خليتنى ماسك فى كتاب ربنا سبحانه وتعالى

(*)   كذلك فإنى أقرأ اللجوء إلى الله فى مثل هذه الحالة، بهذه الجدية وهذا اليقين، باعتبار انه  قد يشير إلى محاولة الانتماء إلىّ والاستنقاذ بالقوة الواحدية الضامة المركزية بأنه “لا إله إلا الله”، إلى وجه الله مما قد يفيد فى إفشال النشاز، وإجهاض المرض بالتوجه إلى التناسق على مستوى أعلى: باتساع غير محدود

رشاد: …بعد كده رجعت حسيت إن أنا قاعد مع نفسى لوحدى خالص  

(*)  تعبير “قاعد مع نفسى لوحدى” لا يعنى بالضرورة أنه كان وحيدا لايوجد أحد بجواره، نتذكر أنه كان بالمسجد وسط الناس، فى رحاب الله، ومع ذلك فقد وجد نفسه وحيدا، الأرجح أنه انفصل عن ما هو حوله من ناس وأشياء “فرأى” وحدته بهذه الحدة.

د.يحيى: إنت فاكر كان يوم إيه؟

رشاد: قصدك إيه؟

د.يحيى: يعنى كان سبت؟ حدّ؟ اتنين؟ تلات؟

رشاد: لأ مش فاكر

د.يحيى: طيب: فاكر كان الصبح، ولا الظهر ولا بالليل

رشاد: كان العصرية

د.يحيى: العصرية؟ همَّ بلغوك إمتى إنك ماتّاخدتش فى الفرقة

(*)  أتبع هذا الأسلوب فى تحديد البداية ليس بالتركيز على السؤال عن الوقت التتبعى المؤرخ بالساعة وإنما بالتركيز على “الحال Setting لحظة البداية” قد يساعد فى ذلك تحديد الوقت فى النهار مثلا أو عصرا أو ليلا، وليس تحديد يوم بذاته، ثم قد أسأل عن تحديد درجة الضوء ليلا أو نهاراً والجلسة والمعية، وهكذا: وبذلك أساعد رشاد أن يستعيد الموقف، التهيؤ، المحيط، المتعلق بالبداية أكثر من أن يكتفى بتحديد التاريخ الساعة اليوم، الأحد، الأثنين، الثلاثاء، وعادة ما أنجح فى استحضار حالة الوعى، أكثر من استدعاء توقيت الذاكرة، وقد لاحظت أن هذا الأسلوب يسمح للفاحص أن يعايش مع مريضه نوعية الوعى عند البداية خاصة.

رشاد: فى نفس الوقت

د.يحيى: لأ يعنى بلغوك الظهر وبعدين الحاجات دى حصلت العصر

رشاد: لأ ده أنا كنت فى فريق غزل المحلة وكان فيه ماتش بنلعبه كان فيه واحد بيلعب فى نفس المكان بتاعى

د.يحيى: انت بتقف إيه

رشاد: خط وسط؟

د.يحيى: خط وسط يعنى إيه؟

رشاد: صانع ألعاب يعنى

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: فأنا قلت لهم فقالوا لى لأ، ورجعونى ورا دفاع خط دفاع

د.يحيى: وانت مالكش فى الدفاع ؟

رشاد: لأ صانع الألعاب له فى كل حاجة بس لما بيمسك مكانه بيبقى أفضل، فقلت لهم ماشى، بس لقيت نفسى مش مبسوط طبعاً لأنى عايز أظهـِر نفسى

د.يحيى: ده مين اللى عمل كده؟ المدرب؟

رشاد: اللى تحت المدرب

د.يحيى: اللى تحت المدرب، يعنى  مساعد المدرب؟

رشاد: أيوه، بعد كده اضطريت أنى ألعب دفاع ولعبت ماتش كويس، وقالوا لى إنت حاتتاخد وحناخد منك الطقم هدية

د.يحيى: طقم إيه؟

رشاد: الطقم اللى أنت لابسه هدية، قلت لهم أنا ماعنديش مانع بس أنزل فى الفرقة يعنى، وبعد ما خلاص خلص الماتش لقيت نفسى ماتّاخدتش

د.يحيى: عرفت إزاى

رشاد: آه بعد الماتش يعنى ماحدش وجّه لى أى سؤال، فعرفت إنى اترفضت يعنى  

(*)  كثيرا ما يهتم المتعجلون، والاجتماعيون، والمسَلسِلون (مؤلفو المسلسلات) بالتأكيد على أن مثل هذا الإحباط هو سبب المرض، وهذا وارد، لكن عادة ما يكون به من الاختزال ما نحذّر منه، خشية المبالغة فى تعليل مرض خطير بسبب مرسِّب عابر.

 لكن إذا تصادف أن جرعة الإحباط جاءت إثر فرط جرعة الطموح بعد التلويح بالوصول: فإن الأثر يكون أشد فعلا، لكنه بدا فى هذه الحالة: أنه  لا يكفى لإحداث كل ما حدث، ومن الأفضل اعتباره عاملا “مرسِّبا”Precipitating ، لا “مسبَبّا”Causative  خاصة مع وضع التهيؤ الوراثى فى الاعتبار.

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: تانى يوم رجعت البيت مافيش نِفْس طبعاً لأى حاجة

د.يحيى: التشتت حصل الأول، ولا اللى “مافيش نفس” لأى حاجة الأول قبل التشتت؟

رشاد: آه من كتر التفكير ماقدرتش إنى أنا ألمّ فكرى فى مكان معين أنا حسيت إن العقل بينفتح نصيّن

د.يحيى: يعنى إيه العقل بينفتح نصيّن

رشاد: أنا نـَفسى ماعرفشى أنا إحساسى كان كده

(*)  برجاء الانتباه إلى لغة رشاد الخاصة، وأيضا إلى لغة العلم الخاصة، فحين استعمل سيمز تعبير “العين الداخلية”  Internal Eye لم يكن يقصد عينا مثل التى ننظر بها، وهذا ما ترجمته أنا إلى “آلة الحس البدائية التطورية الداخلية”، وهى تسمية مؤقتة فى الأغلب قد أجد أفضل منها مع تطور الفرض.

أما تعبير رشاد هنا ” ألمّ فكرى” فقد يكون له علاقة برصده لخلل التجميع فى عملية “معالجة المعلومات” ثم تعبير “فى مكان معين”، هو تعبير جديد، لأن الفكر لا “يتلم” فى مكان، وإنما فى موضوع، أو حول موضوع، وأخيرا فإن تعبير “العقل بينفتح، غير “العقل انفتح”، وكأنه يرصد خلل العملية، وليس فقط نتيجتها.

د.يحيى: ما هو الإحساس يابنى لما الواحد بيقول أنا حسيت إن إيدى بتشكشك، يعنى زى دبابيس بتشكها مثلا، يقدر يوصفها، فأنا باسأل ازاى حسيت إن العقل بينفتح نصين يعنى إيه ؟

رشاد: هو انا شبهته بلبانة  

(*)   التشبيه باللبانة هنا جاء أبعد من تصورى (أو حتى عكس تصورى) لأننى أفترض أن الشق إلى نصفين فأكثر يحدث من انسحاب الطاقة الضامة لمستويات الدماغ (الوعى) إلى الداخل أو إلى الوراء، نتيجة تنشيط المستوى الأقدم الذى استحوذ على جزء منها، ومن ثم يحدث نوع من الجفاف المهيِّىء للانشقاق، لكن اللبانة بالذات فيها ليونة أكثر من الجفاف، فاجتهدتُ معه لأتصور أن اللبانة هنا لا تمثل “المرونة” بقدر ما تدل على التداخل الرخو، ومن ثم يأتى تنافس المخين على الطاقة ليشير إلى ميوعة الحَسم وغياب التحديد حتى الانشقاق إلى نصفين”.

د.يحيى: شبهته ليه؟ بلبانة؟!

رشاد: اللبانة بتتشد

د.يحيى: تقوم اللبانة بتعمل إيه بقى؟

رشاد: بتتشد نصين، بتنفتح نصفين، واحد يشدها من هنا وواحد من هناك

د.يحيى: إشمعنى لبانه بالذات يابْنى

رشاد: علشان فيها شد وبعدين قطع

د.يحيى: على فكرة ما هو ده اللى حصل فعلاً، بس انت حسيته إزاى؟

(*)  إقرار الطبيب أن “ده اللى حصل” ليس من باب “أخذ رشاد على قد عقله” كما ذكرنا سابقا، ولكن لأن تعبير رشاد اتفق مع تطوّر فروض الطبيب، حتى قبل أن تثبت، وهذا يفيد فى توثيق العلاقة بشكل ما.

رشاد: باقول لك، ما هو مخى لما انفتح وانشق بقى انفتح زى اللبانة بالضبط.

د.يحيى: مش فاهم قوى، طب نشوف حاجة تانية: انت برضه قلت للدكتورة “ملك” إنك “كل ما تتعلم حاجة فى مجرى بتنفتح، والعلم بيصب فى المجرى لحد ما تتملى”

(*)   اعتراف الطبيب أنه “مش فاهم” هو اعتراف حقيقى، وهو يطمئن رشاد أن يواصل شرح خبرته دون خشية من الترجمة الفورية لمرجعية الطبيب الجاهزة،

تعبير مِجرى (بكسر الميم) ([2]) إشارة إلى آلة الحس الداخلية وهى ترصد حركية التفكك وكسر “الواحدية” فالتراجع التى أشرنا إليها قبلاً.

د. يحيى: وبعد كام سنه نسيت الموضوع، بس يعنى إيه بقى معنى قولتك: كل ما تتعلم حاجة تتفتح فى مِجرَى هو ده حصل بعد ما العقل انفتح نصفين

(*)   النسيان هنا، لا يعنى بالضرورة نفس النسيان العادى، وإنما نرجح أنه إشارة إلى إغفال النظر إليه أو التركيز عليه بالعين الداخلية، لأن الفرض المقدم يستبعد استمرار الرصد بالعين الداخلية مددا أطول من التنشيط البدئى إلا نادرا.

رشاد: آه بعد ما العقل انفتح نصفين

د.يحيى: حصل إيه؟

رشاد: كنت بادور على عمل، أشتغل يعنى وكده، فلقيت حسيت بمجرى بتنفتح والتدريب اللى أنا بأخذه….

د.يحيى: (مقاطعا) التدريب مش بتاع الكوره؟

رشاد: خلاص الكوره حكايتها خلصت، أنا باتكلم عن التدريب اللى أنا بأخذه فى الكورسات بتاعة الكمبيوتر، التدريب بيصب فى المِجْرى دى

(*)  رجوعا إلى فرض إمكانية رصد عملية “فعلنة المعلومات” بالعين الداخلية فى مرحلة الإدخال (بالعرْض البطىء) وأن المعلومات (العلم والعمل من ضمن  المعلومات كما سيشير رشاد لاحقا) لم تَعُدْ  تستوعبها واحدية المخ هضما وتمثيلا كما هو المفروض، فإن الإدخال عند رشاد أصبح يصب فى مجرى منفصل، وفيما بعد راح يصب فى حجرة (أوضة) منفصلة أيضا، ومن ثم فهى تمتلىء، فتفتح مجرى آخر، وهكذا،

وقد فسرنا ذلك على أنه رصد نوع من تقطـّع انسياب وتكامل عملية الفعلنة بعد الادخال.

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: بعد كده أحس إنها اتملت بعد فتره

د.يحيى: أيوه؟

رشاد: وبعدين تفتح مجرى تانية

د.يحيى:  أتحولت لمجرى تانية؟ ولا زادت عليها مِجْرى تانية؟

رشاد: آه، هى بدل ما كانت مجرى واحده بقيت أتنين

د.يحيى: وبعدين

رشاد: بتصب فيها برضه بنفس الطريق اللى أنا ماشى فيه

د.يحيى: وبعدين

رشاد: وهكذا

د.يحيى: إستنّى إستنّى “وهكذا” إيه؟ هو اللى بيحصل ده، أو كان بيحصل بتعتبره كويس؟ هوه ده كويس ولا وحش؟

رشاد: مااعرفش بصراحة

د.يحيى: مش اتملـِت، والتدريب دخل فى مجرى لحد ما أتملت، فاحتاجت مجرى تانية

رشاد: إحتاجت مجرى تانية

د.يحيى: فبقوا اتنين

رشاد: دخلتْ بقى فى تانى “كورس” تانى، مثلا

د.يحيى: آه دخلت فى تدريب تانى

رشاد: آه

د.يحيى: حصل نفس الحكاية؟

رشاد: آه، هى نفس الحكاية

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: وهكذا بقى

د.يحيى: المرض فين بقى فى ده كله

رشاد: هه؟

د.يحيى: يعنى إيه اللى تَعَبك فى ده، كل المسألة إنها الظاهر مشيت عندك على مهلها شويتين، وإنك انت شفت العملية اللى بتحصل بالسرعة البطيئة ووصفتها حته بحتة، أهو ده هوّا كل الفرق

رشاد: حاسس بيها

د.يحيى: طيب حاسس بيها، وبعدين؟

رشاد: بس لحد ما انقفلت مرة واحده

(*)   لا يوجد تناقض بين تعبير رشاد حين وصف امتلاء مخه بقوله “مخى مليان بس مش قادر أقفله” والذى وصلنا أشبه بحقيبه ملابس انحشرت فيها كوم من الملابس كيفما اتفق فعجز صاحبها عن اغلاقها، وبين تعبيره عن قفل المجرى وراء المجرى، فلعله يشير إلى أكوام المعلومات المتزاحمة فى كتل متراصة (“بُجَأْ” بالتعبير العامى) وأن كل “بـُجأة” تقف منتفخة، ثم حين تتجمع فى (الحقيبة) فى المخ كيفما اتفق، تملأ المخ حتى تفيض عن قدرة استيعابه وتمثله، فتظل فائضة على أطراف الحقيبة (المخ)!!.

د.يحيى: إيه هو اللى اتقفل بقى؟

رشاد: المجرى نفسيها

د.يحيى: نفس المجرى

رشاد: ومابقاش فيه مكان لحاجة

د.يحيى: طب الساعة تسعة وربع ياللاّه كفاية كده، كل مرّه 3 أسطر بـ3 أسطر

رشاد: وبعدين؟، والسفر حانعمل فيه إيه؟ هى التقشيرة جت.

د.يحيى: ما انا عارف من المرة اللى فاتت يابنى، بصراحة لو قعدت معانا أسبوعين تلاتة وقابلتك شوية أيام الأربعاء والخميس، وقدرت أظبّط معاك علاقة بالتليفون مع الدكتوره “مريم”،  يعنى ممكن تسافر بعد ما نتفق على معنى الحاجات دى ازاى حصلت، وإنها لو جت لك هناك حاتعمل إيه، وازاى لو المجرى أتملت حانعمل إيه، يا رشاد إنت إبن حلال وفاهم حاجات جامدة أوى، وده يمكن يفيدنا فى حالتك، وغيرها، مع السلامة.

رشاد: بس معلش يادكتور

د.يحيى: نعم؟ ما أنا قلت اللى عندى

رشاد: أصل أنا مستنى إجراءات قرّبت تخلص خلاص

د.يحيى: والله عارف يا ابنى، والله عارف يا رشاد؟ حاجى لك مخصوص حتى أثناء الأسبوع، والله عارف

رشاد: يعنى أروح أدفع يعنى الفلوس، ولا أستنى؟ صعب إن أنا أقول للى حايسفـّرنى إستنى تانى

د.يحيى: قلت لك حاجى لك مخصوص يوم الأتنين، حاجى لك مخصوص هنا يوم الاتنين

(*) هذا النوع من الاصرار هو أحد سمات النصّ “السكريبت” الذى يتكرر مع رشاد مثل: طموح لعب الكرة وغيره.

رشاد: طب ينفع إن أنا أطلع من القسم وآجى لك يوم الأتنين

د.يحيى: مش متأكد أصلك عفريت وحاتطلع ماتجيش

رشاد: لأ والله حاجى، إزاى يادكتور ماجيش

د.يحيى: ده النهارده الخميس يا أخى، الإتنين ده بعد بكره، الله!! أنا حاجى لك مخصوص،.. حاجى لك يوم الأتنين، حانخلص العملية مرة واحده

رشاد: أنا عايز التحديد، حاتقول لى أروح ولا مروّحش، أسافر ولاّ لأ؟

د.يحيى: فى الغالب فى الغالب ما تروحشى، أنا عارف مش  حاتسمع كلامى، إنما أنا باحاول أحسبها صح وأقول لك اللى وصلت له.

رشاد: ماشى

د.يحيى: حاقول لك مبدئيا دلوقتى عشان ما اعشمكش: اصل اللى حصل ده خطير شوية، هوا كويس بس يمكن ينتهى وحش، يعنى لو اتفقنا إزاى حانتعامل معاه إنشاالله بالتليفون، ويمكن بشوية دوا، ممكن نغامر وتسافر، لو لقينا إنك انت راكب راسك ومش عايز يوصل لك إن إحنا معاك حاقول لك لأه، أجـِّلها ولو سنه، واللى فيه الخير يقدمه ربنا، والرزق عند الله وحسب بقى شطارتك، أهو ده اللى عندى وبس، مع السلامة

(*) تعبير “هوا كويس، بس يمكن ينتهى وحش” يتفق مع فروضى الخاصة بما أسميته: “الأزمة المفترقة”   Cross Raods-crisis حيث أفترض أن هذا التفكك هو مرحلة وارده (بل ضرورية) فى بدايات كل من الجنون، والابداع، وأزمات النمو  Growth Crises ، وهو موازٍ لما يحدث فى الحلم، إلا أن الحلم ليس ضمن الأزمات المفترقية لأنه منتظم ومكرر وعملياته فى وعى آخر، علما بأن له نفس الفائدة التشكيلية إذا قام بوظيفته التنظيمية بكفاء مناسبة.

رشاد: ماشى مع السلامة عايز حاجة يادكتور (مصافحة د.يحيى)

د.يحيى: مع السلامة

(خروج رشاد)

……

 (ثم دخول رشاد دون استئذان بعد خروجه بقليل)

رشاد: دكتور

د. يحيى: أيوه يا رشاد تعالى

رشاد: صاحب التأشيرة إتصل بيا دلوقتى عالموبايل، بيقول التأشيرة جت.

د. يحيى: إمتى

رشاد: هى جات من يوم الإثنين

د. يحيى: طيب عاوز إيه منى دلوقتى

رشاد: أعمل إيه يعنى؟

د. يحيى: طيب ما أنا قلت لك أنا حاجى يوم الإثنين، يعنى من هنا ليوم الإثنين حايحصل إيه انا حاجى مخصوص يابنى، والله علشانك، من هنا ليوم الإثنين حاتكون الدنيا اتهدت؟ طيب أقعد أقولك الكلمتين اللى عندى وخلاص أنا قلتهم للدكاترة: إنت تعبان يابنى وتعبك حقيقى لا هوّا تصورات ولا مُبَالغ فيه، بس فى نفس الوقت إنت صلب وجدع بأمارة إنك من ساعة لما جات لك حكاية الكورة قدرت تعيش عشر سنين معقول، مش كده؟ دى صلابه برضه، مش ده حصل

(*)  عودة إلى التأكيد على تصديق ما يقوله رشاد “بما هو” كحقائق محتملة، ثم إن   تقدير صلابة ونجاحات رشاد قبل المرض مهم ، وإبلاغه بها عامل مساعد فى دعوته للتعاون فى مسيرة العلاج، وليس مجرد تشجيع سطحى، ثم إن نفى أن ما يعايشه رشاد هو “تصورات” هو أمر شديد الأهمية بالنسبة للفرض المطروح وأيضا بالنسبة للتفرقة بين “إدراك الداخل” وبين “إعمال الخيال المرضى” الإدراك هنا نشط وواضح، والتخيل عامل ثانوى أو إضافى أو منعدم.

رشاد: تمام

د. يحيى: وبعدين من ثلاث سنين حصلت حاجه تانيه

رشاد: عقلى إتفتح  تانى

(*)  يستعمل رشاد هنا “انفتح” غير لفظ “انشق” (نصين) الذى استعمله فى البداية، وهذا جيد حتى لا نختزل المسألة تحديدا إلى نصفين، ثم إن حدوث هذا الفصم من أكثر من عشر سنوات، ثم تكراره منذ ثلاث سنوات ونصف قد يشير إلى أن الانفتاح (الفصم) الأول كان مرضيا أيضا، لكن بدرجة ملحوقة، لكنه تجاوز مرحلة التعتعة بكثير، وهذا يهيىء لأن يكون الفصم الثانى مرضيا أكثر وهو لم يأخذ منذ البداية فرصة أن تنقلب التعتعة إلى إعادة تشكيل فنمو إو إبداع.

د. يحيى: إتفتح تانى؟ انت متأكد؟

رشاد: آه

د. يحيى: اللى بيلم الشق ده بأمانه شديده أنا كنت لسه باقول للدكاترة، اللى بيلم الشق ده جدعنتك أولاً، وبركة ربنا إن هو ساعدك، ربنا هوّا اللى بيلم الناس على بعضيها وبيلم الشقوق على بعضيها، ربنا بصحيح مش بس الصلاه والصوم، الصلاه والصوم بتنظم العلاقه دى، بتساعدنا إن إحنا نعمل الحاجات الكويسة دى لبعضنا، هىّ دى بقى اللى فيها البركه، أخذت بالك؟

رشاد: آه

د. يحيى: فلو أنا ضامن إنك إنت لما تروح حايبقى ربنا معاك بالمعنى ده يمكن أوافق، ألاّ قل لى إنت بتصلى؟

رشاد: الحمد لله

د. يحيى: بإنتظام

رشاد: آه

د. يحيى: آه تتنيك تصلى وتبقى عارف إن ربنا هو اللى بيلم الشق ده عن طريقنا برضه (إحنا وسائل)، أنا معاك أنا والدكتورة “مريم” وحاديك تليفونها وأنا تحت أمر الدكتورة حاتبلغنى إذا كنت عاوز حاجة ونديك شوية حاجات إسمها مؤشرات، زى لمبات حمراء كده، لو حصل كذا تعمل كيت، حاديك دوا لمدة سنة، لو مانمتش تعمل كذا، لو ماروحتش شغلك، كذا لو قعدت تلغّ فى الشك والشق ده كذا، فى الحاله دى أقدر أقولك سافر يعنى حانديك حاجات زى الترمومتر كده تقيس بيها، وبناء عليه تزود الدواء أو تنقصه زى ما حانشوف، وحانأجل الكلام لحد ماتيجى، تجيلنا فى الأجازه نشوفك، أما حكاية إنك عيان أو مش عيان مالكش دعوه بالموضوع ده، نقفل الصفحة لحد مانشوف يبقى هما الحاجات اللى أقدر أوافق على السفر بيهم (*) همّا: “ربنا” و”جدعنتك” وشوية دواء، وماتجيبش سيرة للى حصل ده نهائى إلا لما ترجع.

(*) هذا الاستعمال ليقين المعالج بهذا الفهم للفطرة والقوة الضامة المركزية (البيولوجية) هو مبنى على فرض المعالج عن “الأسس البيولوجية للإيمان” ، وبالتالى هو ليس استعمالا دينيا تقليديا كنصيحة نظرية للاعتماد على الله  بقدر ما هو تفعيل لفرض يعامل هذه القوة معاملة موضوعية بيولوجية ماثلة مما لا مجال لتفصيله هنا، فأكتفى بالتذكرة بأن الفكرة الأساسية فى هذا الفرض هو أن التواصل البشرى (والتواصل عموما) إنما يتم من خلال وسيط حيوى يسرى بين الفرد والآخر، أو بين الفرد والمجموع، وأقرب ما يحقق هذه الوصلة الحيوية هو فعل الإيمان التلقائى، (وليس الفكرى فقط) بين المجال الحيوى لكل منهما، والمجال الحيوى الذى يتخلق بينهما، مما يتصعّد، حسب الفرض المشار إليه، إلى مجال أعلى فأعلى، وأوسع فأوسع يتواصل مع مجالات الطبيعة، إلى مجهول يسمى بعد ذلك بحسب المرجعية النظرية (الدينية وغير الدينية) للفرد أو للجماعة، وفى ثقافتنا ومن واقعنا وواقع تاريخنا، يمثل الحس الدينى المتصل بالإيمان القلبى، فالكلّى، نموذجا طيبا لمثل ذلك بعيداً عن التنظير والأدلجة ([3])  برغم ذكر هذه التفاصيل التى تبدو وكأن الطبيب وافق على سفر رشاد، إلا أنه فى النهاية قرر عكس ذلك كما سنرى لاحقا.

د. يحيى: (إعادة):….. وماتجيبش سيرة للى حصل ده نهائى إلا لما ترجع

رشاد: ما أحكيهوش تانى؟

د. يحيى: لأى مخلوق، كل الحكايه تنام وتأخذ الدواء وتروح شغلك ييجى فى مخك الكلام  اياه تقول لما أروّح للدكتورة “مريم”، أو للدكتور يحيى، وبس

رشاد: مظبوط

د. يحيى: لأه فاضل حاجه علشان أنا باغامر دلوقتى، لو ولع منك النور الأحمر، إنك مانمتش ليلتين ورا بعض مثلا، مارحتش شغلك، بطلت تاخد الدوا، لقيت نفسك بترغى فى الكلام ده،  تشيل شنطتك وتيجى  زى ما اتقفنا

رشاد: آجى منين؟ من السفر؟

د. يحيى: آه أمال حاتقد تعمل إيه؟ حاتبقى بهدله ؟

رشاد: لو فيه تعب تانى يعنى؟

د. يحيى: الدكتورة “مريم”  حاخليها تكتب لك الكلام ده واحد إثنين ثلاثه، ومش حاتيجى على مزاجك، أه يعنى مش حا ترجع إلا بناء عن موافقة مننا، يعنى ممنوع تيجى نهائى إلا فى أجازتك الاعتيادى حتى لو مت، وما تعملشى حاجة إلا اللى حانكتبهولك ونتفق عليه، يبقى من ناحيه سافرت ومن ناحيه خليتك جدع واستغليت جدعنتك لصالحك معانا، ومن ناحية العلم واحنا معاك: وشوية حبوب وقبل ده وبعد ده ربنا معانا كلنا وتبقى أخذت فرصتك يابنى.

(*) هذا الموقف له اتصال شديد بثقافة الإيمان التى تعتبِر أن المجال الحيوى الذى يربط بين الناس وبعضهم ممتد فى كل مكان، وبالتالى يصبح البعد الجسدى، أو الجغرافى ليس له نفس قيمة الفصل مقارنة بالثقافة التى تركز أو تقتصر على التواصل بالأفكار والألفاظ والأجساد بين الناس وبعضها، بمعنى أن كل فرد فى “ثقافة الإيمان” يعيش وهو ينتمى إلى نفس المجال الحيوى المشترك الممتد آلاف وملايين الكيلومترات، ومن ثم يصبح البعد الجسدى نسبى بشكل أو بآخر. كل هذا يرتبط أيضا بشكل أو بآخر بنوعية استعمال اللغة الدينية أو الإيمانية ، وما إذا كان الحديث يشير إلى حقائق بسيطة يعايشها الإنسان تلقائيا بفطرته هنا والآن، أم أنه حديث بالألفاظ والتجريد والرموز المغتربة والمجازية. وفى خبرتى، كلما اقتربنا من الطبقات الشعبية، والدين الشعبى، وأيضا من الطفولة وحس العجائز، كان استعمالنا للألفاظ الدينية بما فى ذلك اسم الجلالة أقرب إلى هذا المجال الحيوى الذى يشير إليه هذا الفرض.

رشاد: ماشى

د. يحيى: لو جبت سيرة وقلت خايف ومش عارف إيه، أديك قاعد معانا لحد ما ربنا يسهلها.

رشاد: لأه، عادى أنا مستمر معاك مهما كنت في أي حتة، بس مش عاوزين نضيع حاجه، ده مستقبلى، بس ….

د. يحيى: مش عاوزين بقى الكلام الصغير ده، إذا كنت واثق فى ربنا مافيش حاجه حاتضيع، إذا سافرت مافيش حاجه حاتضيع، انت تبطل زن وإنها فرصه وحاتروح والكلام ده، الكلام ده مش تبعنا، أنا بقول العلم اللى عندى، واهى دى خبرتى وخلاص.

(*) نلاحظ أيضا الجمع بين تلك اللغة الإيمانية التلقائية، وبين تعبير “أنا باقول العلم اللى عندى واهى دى خبرتى وخلاص”، وقد صدرت هذه العبارة فى نفس السياق وبنفس الروح التى قيلت بها عبارات الاعتماد على ربنا، والوصل المشترك من خلال ذلك

رشاد : ماشى وأنا موافق

د. يحيى: خلاص يبقى أشوفك يوم الخميس الجاى تكون فكرت، وتكتبى له يا دكتورة الحاجات دى بالتفصيل يعنى، الكونتراتوا (العقد) يشمل إنه ما يرجعش إلا بموافقه منى ومنك علشان يقدر يستحمل،

 (*) “التعاقد”، العلاجى عملية مستمرة لا تقتصر على بداية العلاقة برشاد، وهو مثل أى تعاقد يتم بين اثنين أو أكثر (الأسرة أو أى ممن يهمه أمر رشاد)، ويحدَّد فيه الهدف النهائى منه وهو العلاج أولا وأخيرا مع تجنب الصيغ المطلقة والمثالية مثل النمو أو تغيير الشخصية الذى قد يأتى ناتجا جانبيا للعلاج الصحيح، لكن يتم التعاقد حول أهداف متوسطة، Intermediate Goals  تختلف مددها من يوم إلى أكثر (حتى سنة أو أكثر أحيانا) ، وبمجرد تحقيق أى هدف متوسط، يتم إعادة التعاقد  Recontracting ، للهدف التالى، دون المساس عادة بالهدف النهائى وهو العلاج. هذا ، وفى ثقافتنا بوجه خاص، قد لا يكون التعاقد كتابة، ولا حتى بالألفاظ كلاما، كما قد يتم التعاقد بدون كلام، وكذلك إعادة التعاقد، وهذا أصعب وأقل إلزاما عادة، لكن ينبغى أن يوضع فى الاعتبار.

د.يحيى (يكمل موجها كلامه للطبيبة) :………وإلا حايروح وييجى جرى ويبقى خسر اللى وراه واللى قدامه ( ثم يوجه كلامه لرشاد: )…يعنى إذا كان عندك أى إحتمال إنك ترجع علشان شفت عفاريت، علشان عملتها على روحك، علشان بتكلم نفسك يبقى ماتروحش من أصله.

(*) تعلمت هذا الأسلوب، بما فيه من مواجهة صادمة محذرة،  منذ فترة ليست قصيرة حين كنت أتعامل مع العاملين المرضى العائدين من العراق بوجه خاص أيام صدام حسين، وبمجرد عودتهم أو بعد قليل من عودتهم تظهر الأعراض، ثم تختفى نسبيا أثناء الاجازة وبمجرد أن يقترب موعد عودتهم إلى العراق تظهر الأعراض، فتصلنى على أنها إعلان للرفض، وتذكرة بالإهانات والآلام التى تنتظرهم هناك …الخ ، فكنت أتبع هذا الأسلوب: إما أن يمزق الواحد منهم جواز السفر وهو فى العيادة عندى، أو يسافر ولا يرجع إلا فى إجازته اللاحقة، وفى الحالتين كانت تختفى الأعراض، وكنت اسمى هذا الأسلوب “سد ثقوب التراجع” برغم الآلام  الحقيقية والواقع المر.

رشاد: أنا ما عملتش على روحى

د. يحيى: ما أنا بقولك يعنى “… إياك تستعْيِل أو تستعْجِل…” أنا بكبّرْهالك عشان أوصّل لك الرسالة يعنى، إوعى ترجع علشان زهقان، أو علشان حسيت بضيقه، أو بوجع فى ضهرك أو أى كلام من ده..

رشاد: ما تخافشى مش حايبقى فيه حاجه

د. يحيى: ما أنا بقولك أهه، لو يحصل ده كله برضه ماترجعش، تصبح الصبح تروح شغلك، وبالليل تأخذ كام قرص وتنام عشان تشتغل تانى يوم، يا إما ترجع على نقاله فى تابوت لحد ما ترجع فى أجازاتك الإعتياديه، لو عملت كده حاتخف

 (*) فى شخص ما زال متماسكا، وفى نفس الوقت يحتفظ بطموحه واعيا بحاجته للغربة والتحمل مثل رشاد وكثيرين ممن يتغربون لأكل العيش، يكون وضعه فى مثل هذا المأزق حافزا لاستخراج كل قوى مقاومته ليس فقط للمرض، وإنما ضد أى حل سلبى يخطر بباله، هذا الحل لا ينجح إذا كان المرض قد تمادى، وهو ما نسميه أصبح على المحور الهابط لقانون “ستارلنج”([4]) الذى يعنى أن الضغط يضعف المقاومة إذا كانت الحالة تدهورت، بعكس إذا كان الضغط ورشاد على المحور الصاعد لمنحنى المقاومة، فإننا نجد أن الضغط يزيد المقاومة ويحفز الفعل (مما قد يحتاج لشرح لاحقا.

رشاد: إن شاء الله حارجع عادى

د. يحيى: وطول الوقت يبقى عندك فكرة إنك راجع للدكتورة “مريم” وللدكتورة “د” وحاجات كده فمن هنا للخميس اللى جاى الدكتورة “د” حاتكتب لك المنافستو ده، وهى حاتمضى عليه والدكتورة “مريم”  لما تيجى من الامتحانات حاتمضى عليه وأنا حامضى عليه.

(*) ليس المقصود هنا التوقيع الفعلى كتابة، ولكن المشاركة فى حمل المسئولية

رشاد: موافق

د. يحيى: واهو ربنا بيلمنا على بعض من كل ملة ودين علشان نحلها سوا سوا، وهو بيخليها لمّة أكثر فى أكثر هناك بقى وانت لوحدك، إنت عارف ربنا بيلمنا على بعضينا ليه

رشاد: ليه

د. يحيى: علشان خاطرك، أى والله، ما هو كل واحد له رب بيتوجه له (وهُبْ يلاقيه هوه هوه اللى بيتوجه له التانى)، وانت برضه هناك حاتلاقيه أقرب واقرب، وحايفكرك بينا واحنا مستنيينك.

رشاد: طيب السلام عليكم، الخميس ولا الإثنين؟

(*) مرة أخرى نذكر بأن إحضار هذا البعد الحيوى فى العلاقة الضامة بين البشر، بوصلة حيوية حقيقية، تربط بين الناس، وتتصاعد إلى دوائر الوعى الأوسع فالأوسع إلى وجه المطلق نحو الله (حسب ثقافتنا وأيضا ديننا) هو تابع لفرض عامل من واقع الممارسة، وله ارتباط وثيق بالوعى الإيمانى ذى الأصول البيولوجية، أما ارتباطه بالنص الدينى والوعظ والإرشاد فهذا أمر وارد، لكنه ليس فى المقام الأول، ولا هو يحقق نفس الغرض بهذا العمق الذى يجعل الوصلة ممتدة وفاعلة طول الوقت كما لاحت فى هذا التعاقد، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات علمى، بقدر ما يحتاج إلى تعمق فى ثقافتنا، حيث لا يتم تعاقد أصيل وصادق، إلا والله سبحانه شريك فيه وشاهد عليه، وعادة ما يبدأ التعاقد فى ثقافتنا الشعبية بقول أحد الطرفين “العهد عهد مين”؟، فيرد الطرف الآخر “عهد الله”، ويتم التعاقد عادة بتعبير”والله على ما نقول  شهيد”، وهى ليست شهادة تكميلية فى وعى الطيبين من ناسنا العارفين حقوق الله وحقوق الناس، وإنما هى جزء لا يتجزأ من التعاقد فى ثقافتنا ، له مردود علاجى فاعل من واقع الخبرة.

كل هذا يرتبط بشكل أو بآخر بنوعية استعمال اللغة الدينية أو الإيمانية، وما إذا كان الحديث بها يشير إلى حقائق بسيطة يعايشها الإنسان تلقائيا بفطرته، أم أنه حديث بالألفاظ والتجريد والتأجيل والرموز المغتربة والمجازية. وفى خبرتى: كلما اقتربنا من الطبقات الشعبية، والدين الشعبى، وأيضا من تلقائية الطفولة وحس العجائز، كان استعمالنا للألفاظ الدينية بما فى ذلك اسم الجلالة أقرب إلى هذا المجال الحيوى الذى يشير إليه هذا الفرض، منه إلى مجال الاغتراب والترهيب والوعيد والتعيين الإبعادى.

د. يحيى: الخميس بقى، ماتدوخنيش معاك

خليها الخميس.

[1] – أنظر هامش رقم (3)

[2] – مِجْرى بكسر الميم (عامّية) هو النطق الذى نطقه رشاد، وهو أدق وصفا لاستعمال كلمة مَجْرى بفتح الميم (فصحى)

[3] – أدلجة: “كلمة منحوته، استعملها لتفيد قلب الرأى أو الفكر أو حتى الدين إلى ايدولوجيا” أنظر  كتابى“الطب النفسى والأيديولوجيا والتطور” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى 2019.

[4]– قانون فرانك-ستارلينغ للقلب (يعرف كذلك باسم قانون ستارلينغ) ينصّ أن حجم الضربة في القلب يرتفع عندما يرتفع حجم الدم الذي يملأ القلب (حجم نهاية الانبساط) عند ثبوت باقي المعايير. ارتفاع حجم الدم يمدّ الجدار البطيني، مما يجعل عضلة القلب تتقلص بقوّة أكبر (المشهور باسم آلية فرانك ستارلينغ)، أُطلق اسم هذا القانون نسبة لعالمي الفيزيولوجيا، الألماني أوتو فرانك والإنجليزي إرنست ستارلينج، اللذان وصفاه للمرة الأولى سنة 1912.

(12) برامج الدماغ وزحام المعلومات:

(12) برامج الدماغ وزحام المعلومات:

 (12)

برامج الدماغ وزحام المعلومات:

.. الاستمرار مع مقابلة رشاد 9-4-2009)

 (يستحسن مراجعة الحلقتين السابقتين على الأقل قبل قراءة هذه الحلقة)

د.يحيى: نرجع بقى لحكاية البرامج، كلمة البرامج ديه جيبتها منين، يا رشاد؟ من كورسات الكمبيوتر؟

رشاد: هى كانت برامج فعلا، يعنى أنا دلوقتى قاعد على الكمبيوتر و”باسـطـّـب”Set Up برنامج معين، باحس إن البرنامج ده بيأثر فيّا، فيه حاجات بتحصل لى، هى إيه؟ مش عارف!! لكن أقدر أقول لحضرتك من فتره قريبه كنت قاعد عند أختى

(*)  كان عندى طول الوقت تخوف من تأثير “كورسات” الكمبيوتر على طريقة عرض أعراض رشاد بالذات، وقد أثار هذا الاحتمال بعض الزملاء الحاضرين، وأفهمونى أن تعبير “باسطـّب” ( من Set Up ) هو بعض لغة الحاسوب، وهو يعنى تنزيل البرنامج فى الكمبيوتر والتعرف عليه، أو شىء من هذا القبيل.

د.يحيى: فترة قريبة قد إيه؟

رشاد: يعنى من أسبوع من أسبوعين، اليوم اللى أنا جيت فيه هنا اتحجزت فيه، لقيتنى “باسـطـّـب برنامج، لقيت جسمى حاسس إن أنا مستعجل، دى مش أول مره، هو الاستعجال ده مش أول مره

د.يحيى: جسمك ولا مخك؟

رشاد: لأ جسمى كله

د.يحيى: جسمك وانت قاعد؟ مستعجل، وانت قاعد؟

رشاد: وأنا قاعد آه

(*)  من أهم ما وصلنى من المرضى، وأكمل فروضى هو دور الجسم فى التفكير والإبداع، وبالتالى فى “معالجة المعلومات” ولشرح ذلك يحتاج الأمر إلى تفاصيل لا يسمح المجال بها هنا الآن([1]).

د.يحيى: على فكره الأولاد دول (مشيرا إلى الأطباء الحضور) ينوبك ثواب فيهم ما يعرفوش الحاجات دى، يعنى أول ما يسمعو كلمة مستعجل، يتصوروا إن واحد مثلا مزنوق رايح جرى دورة المية، أو واحد بيجرى عشان يلحق أتوبيس، إنما واحد قاعد وجسمه مستعجل، دى كتير عليهم شوية

(…………………….

…………………….)

(*) من أول هنا يزداد الحذف ووضع نقط مكان المحذوف، تجنبا للتكرار ومنعا للإملال، لكنه حذف نأمل ألا يفسد محاولة إثبات الفرض المقدم.

رشاد: كنت قاعد عند أختى …، كنت قاعد جالس كده (يشير إلى جلسته).

د.يحيى: راح جسمك مستعجل ولا مخك؟

رشاد يعنى زى موضوع السفر

د.يحيى: برضه نأجل موضوع السفر ده دلوقتى عشان أنا مش عاوز أوعدك

رشاد: أصلى اللى حصل حصل فى نفس الوقت بتاع السفر يعنى

د.يحيى: هو الكلام ده من أسبوعين بتقول وأنت عند أختك

رشاد: ما أنا بقالى أسبوعين باجرى فى موضوع السفر

د.يحيى: خلينا الأول وانت بتاخد كورس الكمبيوتر، ومخك انشق نصين، وحكاية البرامج تانى، …. وإنها بتجيلك مش على هيئة كلام ومش عارف إيه، (ينظر للدكتورة) معانا يا دكتورة “مريم”، إيه رأيك يا رشاد، الدكتورة “مريم” معانا؟

رشاد: هى تستاهل كل خير أصلاً

د.يحيى: طب ما نوديها الجنة وخلاص

(*) الدكتورة “مريم” مسيحية، وكان قد جرى نقاش بين د. يحيى وبين رشاد حول ما إذا كان ذلك يصعّب العلاقة بينه وبينها أم يسهلها، ولم أحاول أن أثبت ما دار بالتفصيل كله خشية سوء الفهم من قارىء لم يحضر المقابلة كلها

 (وقد تم حذف جزء آخر هنا من مناقشة سابقة أكد فيها رشاد أن هذا أمر بيد الله سبحانه وحده… الخ)

 د.يحيى:  نرجع مرجوعنا وانت بتقول قاعد عند أختك: إيه اللى جرى، أصل الحكاية دى حصلت وانت فى عز المرض الحالى بقى، مش كده؟

رشاد: الحالى؟ أه طبعا

د.يحيى: حسيت إن جسمك – مش انت- مستعجل؟

رشاد: آه، بعد ما “صطبت” البرنامج

د.يحيى: إنت كنت قاعد على الجهاز ساعتها؟

رشاد: لأه، هو كل الموضوع إن أنا شفت ده بس

(*)   يستعمل رشاد هنا تعبير “باصطب” البرامج فى مخه وكأنه أصبح يمارس عملية معالجة (اعتمال المعلومات إراديا)، وهو ما يتفق مع ما افترضناه فى  دور العين الداخلية حين ترصد الذراع الفاعل  Effectiveفى هذه العملية

د.يحيى: البرامج دى اللى بتتكلم عنها، والكلام ده، دى برامج الكمبيوتر ولا كلام الكمبيوتر ولا وثيقه الكمبيوتر ولا برامج مخك

رشاد: هوّا كله كان بيصب فى مكان واحد  

د.يحيى: يعنى إيه يا رشاد يا ابنى؟ وفين المكان الواحد ده

رشاد: فى المِجرى نفسيها

د.يحيى: والمِجْرى دى فين، والله ما انا عارف إنت قصدك إيه، لو سمحت: واحده واحده اللى نوصل له نوصل له، واللى ما نوصلوش نركنه على جنب

رشاد: إنت طالب منى السؤال إيه بقى؟

د.يحيى: بتقول كل البرامج بتصب فى المجرى، قلت لك المجرى دى فين، قلت كله بيصب فى مكان واحد.

رشاد: ما المِجْرَى دى فى عقلى

د.يحيى: فى عقلك؟ ماشى، والله أنا خايف أوافقك، كلمة بكلمة، تصعّب علىّ الحكاية أكتر من كده بكتير، كفاية كده؟

رشاد: لأه

د.يحيى: يا رشاد أنا حاسس إنى تعبتك، فى أى وقت عايز نقف نقف

رشاد: ماشى يا دكتور

د.يحيى: طيب البرامج كانت تدخل فى المجرى اللى فى مخك، سميته عقلك دلوقتى، ماعليشى، بتقول (يقرأ)

“… إبتديت أحس بتعب من كل اللى حواليّا..”

إيه علاقة إن المجرى تتملى وإنك تتعب من كل اللى حواليك

رشاد: مافيش علاقة

د.يحيى: مافيش علاقة؟! إوعى تسرح منى

رشاد: لأ لأ ، بس زى ما تقول التعب ده جه بعد الدوره بتاعة الكمبيوتر

د.يحيى: بعدها حصل إيه ؟

رشاد: بعدها هو صحيح كنت بالاقى بعض الناس اللى كانوا بيتكلموا معايا، كنت بالاقى نفس الكلام اللى كانوا بيكلمونى بيه بيتكرر، كان يتعبنى

د.يحيى: إيه قصدك بالكلام اللى بيتكلموا بيه، هوّا فيه حاجة اسمها اللى بيتكلموا بيه، ولا اللى بيتكلموه؟

رشاد: الكلام نفسه تكرار الشئ

د.يحيى: تكرار الشئ ولاّ الكلام ؟

(*)  رجّحت فافترضتُ أن رشاد بدأ “يرى” الكلام كيانا عيانيا منفصلا، إما على أنه “شىء”، أو على أنه للاستعمال من جانب قوة أخرى أو منطقة أخرى (بيتكلموا بيه)، وهذه –غالبا- ليست مبالغة أو تعسفا سعيا إلى قبول الفروض المطروحة، لكنها من جماع الخبرة التى تعلن احتمال انفصال الكلمة كيانا مستقلة تقود الوجود، أكثر منها  ناتجا ووسيلة لتشكيل الوجود

رشاد: كان يسبب لى تعب

د.يحيى: طيب بتقول (يقرأ):

” … الكلام كان بيتعب مخى ويجيب لى صداع، بعد ما خلصت الكورس الناس كانوا بيتكلموا عليا، وموقفّين لى شغلى”، النقلة ديه جت ازاى بقى؟

رشاد: النقله دى نقلة سفر، موقفّين لى شغلى، دى لها علاقة بالسفر

د.يحيى: نقلة إيه؟ وسفر إيه؟ ما يمكن هما موقفين لك شغلة السفر دى زى ما أنا موقفها لك دلوقتى عشان مصلحتك؟، أنا كنت عايز أدور على ربطة ما بين مخك اللى انشق وبين المِجرى وبين مضايقتك من الناس وكلامهم

رشاد: الحكاية دى كانت صعبه قوى يا دكتور

د.يحيى: أنهى حكاية؟ هى كانت أصعب من الشق وأصعب من المِجرى

رشاد: مظبوط لأنها كانت…، أقول ولا لأ

د.يحيى: قول كل حاجة، قول اللى انت عايزه، استنى الأول لما اقرا لك اللى قلته قبل كده، بتقول (يقرأ):

“… فى الوقت ده كنت استقلت من الشغل، وحصل لى حاجه غريبه، إن مخى اتخرم كذا خرم”

عايزك تفهمنا الحكايه دى، بتقول إنه كان بيتخرم من نظرات الناس، إزاى بقى؟

رشاد: مظبوط كده

د.يحيى: قول لنا إزاى مخك يتخرم من نظرات الناس؟

رشاد: أنا شفت كذا واحد، كنت لما آجى أحس إن فيه خرم بابص، أشوف إذا كان حد باصص فيه ولا لأه، ده كان شك فى البداية

د.يحيى: لأ أنا عايز أعرف حكاية الاخرام دى بالتفصيل، زى ما عرفنا الشق وعرفنا المجرى، ولو اننا ما عرفناهمشى قوى، عرفناهم على قد ما قدرنا ويمكن نرجع لهم، عايز أعرف أزاى المخ يتخرم من نظرات الناس يا ابنى

رشاد: أنا نـَفْسِى يا دكتور مش عارف بس كنت أحس إن فيه أخرام

(*)  توجد دراسات عن تأثير مثل هذه “البحلقة”([2]) بالعينين فيزيقيا، وهو أمر ربطته أنا شخصيا بفروضى عن الحسد كقوة فيزيقية بعيدة عن الإيحاء ومثل هذاالكلام ، مما قد أعيد الإشارة إليه فى موقع آخر.

ثم إنى صورت هذا الموقف شعرا استلهمته من واقع معايشتى مرضاى فى قصيدتى: “ملهى العرى”، بديوان “من باريس للطائف (وبالعكس)”

‏[‏من وحى عـَرَض عند الفصامى يقال له “فقد حدود الذات”

حين قلت:

‏- 1 -‏

حين‏ ‏يشفُّ‏ ‏جدارُ‏ ‏النفسِ‏ ‏يصيرُ‏ ‏النظرُ‏ ‏إلى ‏المرآةِ ‏جريمهْ

فلماذا‏ ‏نظروا‏ ‏هم‏ ‏من‏ ‏ثقب‏ ‏الباب ؟؟!!!

‏- 2 -‏

كان‏ ‏الداخلُ‏ ‏ملكـِى ‏رغمـًا‏ ‏عني

لم‏ ‏أستلــم‏ ‏الســـَّـنـَد ‏من‏ ‏الوالـِـدِ‏ ‏بعد،

أوصــَى ‏قبل‏ ‏وفاتــهْ

أن‏ ‏أبحثَ‏ ‏عنهُ ‏فى ‏صـُندوق‏ ‏الجــَدّ

سلــــَّمَ‏ ‏مفتاحَ‏ ‏خزائــنـِهِ‏ ‏لامرأته،

                                    ماتتْ.‏

وأشيعَ ‏بوسـْط‏ ‏الجمْع‏ ‏الحاشــدْ

‏- ‏القادم‏ ‏للمعزى ‏والفــــُرجه‏ -‏

أن‏ ‏الداخلَ‏ ‏ملكـِى ‏دون‏ ‏مــُنازع

                  وبوضع‏ ‏اليد !

يـَدُ‏ . . ‏مـَنْ؟

-3-

أبنى ‏حولَ ‏المِلـــْكِ‏ ‏السائـــِبِ أسوارَ‏ ‏الستر

أضع‏ ‏بأعـْلـى ‏السور‏ ‏شظايا‏ ‏الصـَّـد

‏. . . ‏

فلماذا‏ ‏رقـــَّتْ‏ ‏جدرانــُـهْ؟

ولماذا‏ ‏نحـــلــتْ‏ ‏شطـــآنـُهْ؟

                      من‏ ‏أكل‏ ‏البحر؟؟!!

‏- 4 -‏

يقفز‏ ‏مـنِّي،………يتحفز،‏

يطلب‏ ‏حقَّ‏ ‏النـــِّصــف

غير‏ ‏النصفِ‏ ‏الموقوفِ ‏علــَى ‏حــفــظِ‏ ‏الســِّرّ

‏. . .  

الموروثُ‏ ‏يطالب‏ ‏بالإرث؟‏!‏!!

وأنا‏ ‏لم‏ ‏أملـكُ‏ ‏سند‏ ‏الملكــيـَّة‏ ‏قــطّ

‏- 5 -‏

لم‏ ‏يخجلْ‏ ‏أىٌّ ‏منهمْ‏ ‏من‏ ‏لـُعبةِ‏ ‏خلـــع‏ ‏الفكرة‏ ‏تلو‏ ‏الفكرهْ

ملهــَى ‏العرْى ‏المشبـوه

ماذا‏ ‏يـــبـْـقى ‏إن‏ ‏عرفوا‏ ‏مكنونَ‏ ‏الســِّر

                                 وتجاهَ‏ ‏الســَّهـْم

                            وفراغَ‏ ‏القفصِ‏ ‏من‏ ‏الطائر‏ ‏

رغم‏ ‏تناثر‏ ‏حـَبِّ‏ ‏البـرْغـُل؟؟

ماذا‏ ‏يبقى ‏إن‏ ‏كشف‏ ‏تبصُّصُهـُم :

أن‏ ‏الباب‏ ‏المقفولَ:

ليس‏ ‏وراءهْ:

إلا‏ ‏عجـــزُ‏ ‏الفعل؟

الا‏ ‏حسنُ‏ ‏القصد؟

 – ‏أو‏ ‏سوؤه‏-‏

فالأمر‏ ‏سواءْ…. ‏!‏؟‏!!‏

‏-6-‏

ماذا‏ ‏وجــَــدُوا‏ ‏فى ‏الداخل‏ ‏بعــْدَ‏ ‏تـَـمَام‏ ‏الجرْدْ؟‏

‏الطفلــةُ‏ ‏تحبو‏ ‏؟؟

جثـــةُ‏ ‏أم‏ ‏تتكـــــلـــّم‏. ؟؟؟‏

وعصـًا‏ ‏عمياءْ

ومضاربَ‏ ‏مكسورهْ

وبقايا‏ ‏عــُلبة‏ ‏سردين‏ ‏مفتوحــهْ

فيها‏ ‏قولٌ‏ ‏مأثورٌ يـُرْجـِعُ‏ ‏أصْـلِ‏ ‏الإنسانْ

              للسـَّـمأك‏ ‏المحفوظ‏ ‏بعـُـلبةِ ‏ ‏ليل !!!!!

‏-7-‏

ماذا‏ ‏فى ‏الداخل‏ ‏يستأهلُ‏ ‏دسَّ‏ ‏الأنف؟

رجلٌ‏ ‏عـنــِّيـنٌ‏ ‏يتدلــَّى ‏منهُ‏ ‏العجــْز!

حبلٌ‏ ‏شنـــق‏ ‏الأخـــر‏ ‏بالحكـــمِ‏ ‏الفوقىّ!

آثارُ‏ ‏الخـُضرهْ

ورياحُ‏ ‏خماسين‏ ‏الفكرهْ

وجــــهٌ‏ ‏متآكــــلْ؟…. ، وبقايا‏ ‏عين؟

وشطائرُ‏ ‏مــخٍّ،  ‏وحوايـــَا‏ ‏قلــبْ؟

‏-8- ‏

هتكـــــوا‏ ‏عــِرض‏ ‏الفكرهْ،‏

لم‏ ‏تولـــــــدْ‏ ‏

رصدُوا‏ ‏الرغبـــــَةَ، ‏أجهـــِــضَـتِ  الطــِّـفـلة

وتراجعت‏ ‏الدائرةُ‏ ‏الدورهْ

‏-9-‏

حين‏ ‏همــمــتُ‏ ‏أقول‏ …..، ‏

قالوها‏ ‏بدلا‏ ‏منــِّى ‏،

                         بلـِسانى

 

فتسرَّبَ‏ ‏خـــِدْرٌ‏ ‏كشماتــَـــهْ

وتبســَّمَ‏ ‏طفلٌ‏ ‏فى ‏خُـبــْثٍ‏ ‏أصفــَرْ

-10-

كنتُ‏ ‏سعيدا‏ ‏بالسلبِ‏ ‏النهبْ

بشيوع‏ ‏الأمـــــرْ،…..بــذيـــوع‏ ‏الســـــرّ

لم‏ ‏يكن‏ ‏الداخل‏ ‏ملـــكى ‏يومــًا

والمفـْـتاحُ‏ ‏المزعوم‏ ‏خــُرَافــَهْ

         والباب‏ ‏بلا‏ ‏مزلاجْ

والمتــَّهــم‏ ‏برئ‏ٌ ٌ ‏مجهولُ‏ ‏الإســـم

قيــــل‏ ‏لــه‏ُ ‏”ذاتي”،……..،: إسمٌ ‏ ‏للشهرهْ، ‏: مفعولٌ‏ ‏بهْ‏ ‏

لم‏ ‏يحفظْ‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يـــَمْــلـِك

ما‏ ‏دافعَ‏ ‏عنــــْهُ‏ ‏

ما‏ ‏كانْ

***

 د.يحيى: اخرام يعنى إيه؟

رشاد:… يعنى كنت ألقى الإنسان اللى هو بيتسبب فى حاجه زى كده كان بيركز بالنظر، ماكانش بيبص كده، ازاى يعمل خرم، وخلاص، كان بيركز فى النظرة نفسيها

د.يحيى: تقوم النظرة تعمل إيه؟  تخرم؟ طيب هى الاخرام دى مش زى المجرى لما تاخد كل العلم والعمل   زى ما بتقول مش تتملى الأخرام دى، ولا هى بتتعمل تنفـــِّـد الحاجات، مش لما أى حاجه بتتخرم مش بينفد منها الحاجات

(*)  هو الذى عبر عن المعلومات بـ “العلم والعمل”، وكأن العمل يدخل أيضا كمعلومات، وحين أعود، أو يساعدنى بعض المختصين إلى تفاصيل عملية “معالجة المعلومات” فى الحاسوب قد نجد أن الخلل الذى يحدث فيها يمتد إلى الذراع الفاعل فى العملية: تكوين الفكرة/المعلومة/القرار/الفعل، لكننى أكتفى هنا بما استلهمته من رشاد حين جمع العلم مع العمل وهو يصف حركية العملية.

رشاد: ممكن

د.يحيى: هوا انت سميته “خرم” ليه؟ هوه كان بينفد حاجات؟

رشاد: لأه

د.يحيى: إمال سميته “خرم” ليه

رشاد: هو كان إحساسى بيه إنه هوه خرم

د.يحيى: ماشى، يا ترى الوقت ده  هوه اللى ابتديت فيه تسمع أصوات بتقول كيت وكيت، يعنى إمتى ابتديت تسمع أصوات؟

رشاد: هى الأصوات من قبل الخرم

د.يحيى: الأصوات من قبل الخرم؟ أنا كان بيتهيأ لى غير كده، طب كمـّل  

(*)  تتابع ظهور الأعراض، وتسلسل الوصف مهم، ولا توجد قاعدة ثابتة لتطور ظهور أعراض الذهان بما فى ذلك الفصام بكل تصانيفه، لكن المألوف ان نقابل تنشيط العين الداخلية فى البداية ، أى قبل ظهور الهلاوس ، وأحيانا الضلالات، لأن رصد الداخل بهذه الصحوة عند رشاد قد يغنيه عن إسقاطه إلى الخارج ثم إعادة تلقيه باعتباره من الواقع الخارجى، أى هلوسة.

وفى العلاج الذى أمارسه مؤخرا، تكون أول خطوة هى الإقرار مثلما مع رشاد، من واقع الخبرة الجارية، أن المسألة كلها، أو أغلبها هى حركية فى الداخل، يجرى إنكارها من رشاد والطبيب (الذى لا يتبع هذا الأسلوب) على حد سواء، لكننا هنا نقبل فى جميع الأحوال كلام رشاد ومنطقه فى ترتيب ظهور الأعراض دون أن نفرض عليه ما اعتدنا ملاحظته فى آخرين.

رشاد: بقيت أحس إن فيه اثنين بيتكلموا مع بعض

د.يحيى: جواك ؟

رشاد: آه

د.يحيى: جوه فين

رشاد: مافيش غير عقلى يا دكتور، يبقى فى العقل نفسه

د.يحيى: فى العقل!! إتنين بيتكلموا مع بعض فى العقل نفسه؟  

(*)   على الرغم من إقرار رشاد أن هذا الكلام عليه هو بداخله “ما فيش غير عقلى يا دكتور، يبقى فى العقل نفسه” إلا أن الأصوات تصله كأصوات من الخارج، وليست أفكارا  مسموعة  Audible Thoughts فضلا عن أنها تتكلم عنه، وليس معه ، وتتكلم مع بعضها البعض بنص كلامه، حتى تكاد تقترب من أعراض الصف الأول لـ شنايدر([3])

رشاد: … (اثنين بيتكلموا مع بعض) بس على إيه مش عارف

د.يحيى: يعنى ما بيفسروش الكلام ؟

رشاد: لأه، خالص

د.يحيى: بس بيتكلموا،

(*) حين يعجز رشاد أن يحدد مضمون الكلام، يذهب كثير من الأطباء إلى الشك فى الخبرة، أو إنكارها، مع أنها يمكن أن تكون أهم، وأكثر دلالة من الكلام المحدد المميز تفصيلا، لأنها تنبع من اضطراب أنظمة الداخل، وفوضى الترتيب نتيجة لخلل عملية اعتمال “معالجة” المعلومات كما ذكرنا.

[1] – يحيى الرخاوى:  نشرات الإنسان والتطور اليومية  “تهميش الجسد على الناحيتين” بتاريخ(24/12/2007)، ونشرة عن الفطرة والجسد وتَصْنيم الألفاظ” بتاريخ (6/11/2007)، ومقال: “هل تعرف ان لك جسد” روزاليوسف بتاريخ (16/9/2005)، وكتاب (“مراجعات فى لغات المعرفة” فصل: “المعرفة..والجسد”)-  دار المعارف (1992).  بموقع المؤلف   www.rakhawy.net

[2] – روبرت شلدرايك  “سبع تجارب قد تحول وجه العالم” مؤسسة الانتشار العربى – بيروت (2001).

[3] – هذا الوصف النفسمراضى إنما‏ ‏يفسر‏ ‏مجموعة‏ ‏أخرى ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏الصف‏ ‏الأول‏ ‏لشنايدرSchneider’s First Rank Symptoms” ‏ ‏وهى ‏المجموعة‏ ‏التى ‏تشمل‏ ‏انسحاب‏ ‏الأفكار‏ Thought withdrawal ‏‏ ‏وإقحام‏ ‏الأفكار‏ Thought insertion ‏وإذاعة‏ ‏الأفكار ‏Thought broadcasting ‏وكلها‏ ‏تعنى ‏أن‏ ‏آخراً‏ (‏الكيان‏ ‏الآخر‏‏) ‏أصبح‏ ‏يستطيع‏ ‏الدخول‏ ‏والخروج‏ ‏إلى ‏المحتوى ‏الخاص‏ (‏للكيان‏ ‏الأول‏) ‏دون‏ ‏استئذان.

(13) خلخلة امتلاك ناصية التفكير:

(13) خلخلة امتلاك ناصية التفكير:

(13)

خلخلة امتلاك ناصية التفكير:

(تعيد المقطع الأخير:)

رشاد:  بقيت أحس إن فيه اتنين بيتكلموا مع بعض

د . يحيى: جواك؟

رشاد: آه

د. يحيى : جواك فين

رشاد: ما فيش غير عقلى يا د كتور، يبقى فى العقل نفسه

د. يحيى : فى العقل!! اتنين بيتكلموا مع بعض فى العقل نفسه؟

رشاد: بس على إيه مش عارف

د. يحيحى: يعنى ما يفسروش الكلام

رشاد: لأه ، خالص

د. يحيى: بس بيتكلموا، ماشى بعد حكاية الأصوات دى، بتقول (يقرأ) :

“وبعد كده كنت باحس إن الناس ممكن تسحب أفكارى”

تسحب أفكارك بقى من المِجرى؟ ولاّ من الاخرام؟ ولا من الشق ده؟ ولا من الشق القديم؟ إيه الحكايه بالظبط؟

رشاد: هو أنا يا دكتور لحد ساعةْ لما أخدت دورة الكمبيوتر المِجْرَى ماكانتش موجودة، الأصوات كانت موجوده من بَرّه

(*) بدءا من هنا يمكن أن نتابع حركية تنشيط العين الداخلية، وعلاقتها العكسية بالإدراك، بمعنى: إنه كلما نشطت العين الداخلية كانت الشكوى من تحركات، وحضور موضوعات، وسماع أفكار فى داخل الدماغ، أو فى العقل كما يقول رشاد أو فى المخ، لكن التأكيد على أن الاصوات تأتى من الخارج من أفراد معينين، أو بشكل عام، يعلن أن دور العين الداخلية أصبح ثانويا أكثر، ليحل محله “الإسقاط”، وفى العلاج تجرى محاولة الانتقال بالأعراض مع رشاد – كما ذكرنا – بعد الاعتراف بمصداقية خبرته، من خلال الاتفاق على اعتبار، ثُمَّ معايشة كل الأعراض، على أنها فى الداخل، وتعتبر هذه الخطوة من أهم خطوات التفاهم حول الاعتراف بالواقع الداخلى بما يتيح الفرصة للتعامل معه حتى يتراجع وينتظم (غالبا يقتصر على الحلم، ونادرا يظهر فى الإبداع) وهنا يقر رشاد تلقائيا أن الأصوات جاءته كأنها من الخارج أولا، وأنه بظهور نشاط العين الداخلية لم تعد كذلك تماما، وكأن الاسقاط تراجع أو فشل فنشطت العين الداخلية وعادت تقوم بالدور مباشرة.

د.يحيى: كانت المجرى انسدت بقى؟ ولاّ إيه ؟

رشاد: تمام، لحدّ لما جت اتفتحت تانى فى دورة الكمبيوتر

د.يحيى: هى المجرى اللى اتفتحت تانى؟، ولاّ الاخرام؟ ولا الاثنين

رشاد: لأه، هو فى الفتره بتاعة الدوره ماكنش فيه اخرام، ساعة دورة الكمبيوتر نفسها ماكانش فيه اخرام، الاخرام حصلت بعد ما خلصت الدورة

د.يحيى: طب والمِجْرَى؟

رشاد: ساعتها ماكنش فيه مِجرى، إزاى!!؟ مش عارف

د.يحيى: ماشى، (….)

(*) نلاحظ هنا كيف أن رشاد يستطيع أن يحدد نقلات الأعراض بدقة بالغة، وهو يتحدث عن الفرق بين ما أسماه أخرام (ثقوب) وبين “المِجرى” (الشق) فى البداية، ولوأننا ترجمنا كل مايقوله إلى ما اعتدنا من معانى هذه الألفاظ، إذن لحكمنا عليه بالتخريف فورا، لمجرد أننا سنحاول أن نتصور الموقف فى حدود المفاهميم المعتادة، وهو أمر صعب، إذن سوف نحكم عليه أنه يهرف بما لا يدرى، مع أنه يقول تحديدا ما جرى بأقرب لغة متاحة.

والحل فى هذه الحال هو أن نحتفظ له بحق اختراع أبجديته الجديدة دون الإسراع فى الترجمة، حتى نلتقى فى رحاب الفرض إن أمكن، ها هو يحدد هنا بوضوح أن الأصوات من الخارج كانت قبل دورة الكمبيوتر، وأنه ساعة الدورة لم يكن فيه اخرام أو مجرى (لم تكن العين الداخلية قد نشطت حتى ترصدها)، وحين يتساءل مثلنا أنه لا يعرف لماذا لم تكن هناك فى هذه الفترة لا مجرى ولا اخرام ، “ماكنش فيه مِجرى، إزاى!!؟ مش عارف”  يجعلنا نصدقه أكثر، ونصدق توقيته وخبرته – كما هى بالتفصيل دون الإسراع إلى ترجمتها إلى ما نعرف أو إلى ما اعتدنا – وحين يقول أن الاخرام ظهرت بعد الدورة إنما يعلن دقة توقيت بداية حدة وعيه بنشاط العين الداخلية غالبا.

(…………………….

…………………….)

د.يحيى: انت برضه بتقول (يقرأ):

“أى موقف كنت باعمله كان بيتذاع فى التليفزيون”، تيجى ازاى بقى دى فى وسط الهيصة دى؟

رشاد: يعنى أنا مثلاً أبقى قاعد باحكى لحد على شئ معين، أبص ألاقيه جى فى التليفزيون

د.يحيى: تيجى إزاى بقى دى؟

رشاد: هو ده كل اللى عندى، مافيش دليل معين.

د.يحيى: انت بتقول بالنص ” لو كنت باتكلم مع أختى ألقى ان المذيعه تذيعها على طول” الظاهر إنها مذيعه لئيمه، هىّ بتطقس عليكم ولا إيه؟

رشاد: هى فين أصلاً؟ شافتنى ازاى؟ وعرِفتْنى ازاى؟

د.يحيى: ما هو ده اللى باسألك عليه، إيش أدخل المذيعة، بينك وبين اختك تيجى أزاى دى بقى؟

(*) تساؤل رشاد معنا (معى) عن غرابة الخبرة مهم، يزيدنا التزاما بتصديق كلامه بما هو كما هو، “هى فين أصلاً؟ شافتنى ازاى؟” وتساؤل الطبيب هو استفهام واستيضاح وليس رفضا أو استبعادا؟

ثم نلاحظ حركته “فى” الزمن بعد ذلك :

(…………………….

د.يحيى: طب قول لنا حاجه تانية

رشاد: زى مثلاً فيه فيلم نزل إسمه “عمر وسلمى”

د.يحيى: (ينظر للحضور) هوّا فيه فيلم اسمه كده؟ أصلى أنا يا ابنى من أيام “سى عمر” و”شباب أمرأه” بطلت سينما

رشاد: الحمد لله يا دكتور إنك انت بطلت تشوف سينما

د.يحيى: …… هو أنا كنت باعمل حاجه عيب ولا إيه يالَهْ

رشاد: أصل حضرتك كنت حا تغطّى علينا

د.يحيى: دمك خفيف والله، نرجع بقى: كنت بتتكلم عن الفيلم

رشاد: أه كان الفيلم تحس فيه بعض الشخصيه منى

د.يحيى: منك؟

رشاد: ما هو نفس الكلام برضك، كنت دايماً باقول الكلام اللى بيتقال، اللى بيقولوه

د.يحيى: لأه بقى، يعنى إيه كنت بتقول اللى بيقولوه، ولا هما اللى كانوا بيقولوا الكلام بتاعك؟

رشاد: لأه كنت أنا،.. كنت باقول الأول

(*) نقترب الآن من بعض معالم ظاهرة سبْق الرؤية Déjà vu  وسبق الاستماع  Déjà  entendu  فيمكن بالقياس أن نعتبر هذا من نوع “سبق القول” أو سبق التأليف   Déjà dite & Déjà composé ـ وربما يسرى على هذه الظاهرة من تفسير فسيولوجى يقول بفرض اختلاف التزامن بين عمل نصفى المخ الكرويين، بمعنى أن عمل نصف منهما يسبق الآخر فى كل هذه الظواهر، حتى إذا قام النصف المتأخر بنفس الوظيفة التى أداها النصف الأسبق، كان عنده خبر بأنه سبق القيام بها (الرؤية أو الاستماع، “التأليف”)، وفى هذا مايؤكد الفرض الذى أوردناه سابقا، والمتعلق بتفسير الذهان الانشقاقى (أو الفَصْم فى الفصام) بالقطع الوظيفى للجسم المندمل Functional callosotomy  ، وهو ما أشرنا إليه سابقا أيضا.

د.يحيى: “بتقول” أزاى الأول، قبلهم، ازاى تيجى دى قول لنا كده، والله يا رشاد الوقت سرقنا، وانا خايف أنهكك والله وانت عمال تقول كلام بسيط لكن مهم، إحنا بنحاول نتعلم منه، أنا خايف يمكن من الإنهاك تفتعل إجابات من كتر أسئلتى

رشاد: لأ لأ، أبدا، أنا معاك

د.يحيى: طيب، قل لنا إزاى أنت بتقول الكلام الأول يقوم الفيلم قايله

رشاد: هو مابيبقاش طبعاً فى نفس الوقت، الفيلم مش بييجى على طول، لأّه، ده بياخد فتره يعنى، على ما يتصور وكده  

(*)  الذى وصفناه فى التعليق السابق، (سبق أحد النصفين الكرويين) مفروض أنه لا يستغرق أكثر من جزء من الثانية، لكن رشاد يعتبر أنه ” بياخد فترة” (على ما يتصور وكده: يعنى شهور مثلا) وعند الرجوع إلى سابق اقواله نلاحظ أنه لم يشر إلى تحديد هذه الفترة قبل ذلك، لأنه بمجرد مشاهدة الفيلم أو سماع المذيعة،  يشعر أنه هو الذى قد قال ذلك قبلها، فأين “الفترة” التى يحكى عنها، لكنها حرية التحرك “فى” الزمن (وهى من بعض خصائص الإبداع الفائق – أو بعض الذهانات-)، وهى تتجلى هنا جنبا إلى جنب مع حرية تقدير الزمن ليصبح الجزء من الثانية فترة، ويصبح سبق التأليف (الذى قدّرناه بجزء من الثانية) أياما وأسابيع، وعلينا فى هذه الحالة ألا نحاول التركيز على أن ننبهه إلى أخطائه التى نحسبها نحن بحسابات زمننا التتبعى الراتب الذى لا يُلزمه وهو فى حالته تلك، بأى حال.

د.يحيى: معلشى ماعلشى، هى أسئلتى بايخه، أنا عارف، اللى أنت قولته، إنتَ قلته أحسن منى والله، أنا باكلمك جد، إوعى تسرح منـّى،…، إنت بتقول (يقرأ) :

“….. باحس إن الناس عارفه حقيقه مشكلتى”

وترجع تقول:

 “….أنا مش عارف حقيقة مشكلتى”

تيجى ازاى دى؟ الناس عارفين حقيقه مشكلتك، وانت مش عارفها !!!؟ تيجى ازاى؟

رشاد: يعنى ممكن من نظرات معينه

د.يحيى: يعنى هما بنظراتهم عندهم القدره يعرفوا حقيقه مشكلتك، وأنت لأه؟

رشاد: انا شاكك.

(*)  هنا يمكن أن نتصور البداية حين نرجع إلى فرض واقعية العالم الداخلى ، ونعتبر الناس الذين يعرفون مشكلته هم ناس الداخل، بدءا بالنصف الآخر، أو لعلها “العين الداخلية”، وفى هذه الحالة نعتبر أن العين الداخلية أحدّ بصرا من الأحاسيس الخارجية، ونفهم وصفه هذا على أن ناس الداخل الممثِّلِين لعينه الداخلية يعرفون مشكلته أكثر منه، لأن العين الداخلية تابعة للإدراك الأعمق والأشمل من الفهم، وتعبيره “يعنى ممكن من نظرات معينة” يمكن أن يشير إلى نظرات العين الداخلية، قبل وبعد الإسقاط على ناس الخارج، هذا علما بأن تعبير”عارفين مشكلتى” لا يشير بالضرورة إلى مشكلة معينة، حتى لو حددها هو عند السؤال، مع تذكرنا باعترافه أنه شخصيا لا يعرفها، فهو تعبير يشير إلى كشف طبقات (“مستويات”، “ذوات”، “عيون”) الداخل لبعضها البعض بلغتها الخاصة دون تفصيل مفاهيمى اعتدناه نحن بلغتنا المرموزة أغلبها. وأخيرا نتابع ما يؤكد مصداقيته حين يقول: أنا شاكك” فيبعدنا عن الإسراع باستسهال اعتبارها ضلالات وأفكار خاطئة يقينا.

 (…………………….

…………………….) 

د.يحيى: (يكمل) ننتقل لحاجه تانيه مهمه خالص (يقرأ) بتقول:

“… طول عمر أبويه مش قادر يفهمنى، كل واحد منا فى طريق”

هو فيه حد فهمك غيره يا ابنى

رشاد: هو صحيح كنا مختلفين دايماً أنا ووالدى

د.يحيى: معظم الأبّهات كده، الله يسامحهم بيعملوا اللى عليهم، حسب رؤيتهم

نكرر ما سبق إثباته من رأى الأب فيه وجاء فى أوراق المشاهدة عن علاقتهما كالتالى:

“رشاد كان عنده جروب اصحاب كان بيخرج ويسافر معهم، بس ماكنش ليه فى البنات قوى، انا كنت عايزه يتجوز من زمان بس هو عايز يكون مستقبله الأول.

رشاد عنده طموح جامد اللى تعبه هو الطموح، عيبه انه عايز يطلع السلم مرة واحدة. واللى بيطلع مرة واحدة ممكن بسهولة يقع مرة واحدة. هو لازم يأخذ الأمور بالتدريج بس هو مش فاهم كده”.

د.يحيى: هوه فيه حد غير أبوك فهمك فى تاريخ حياتك دى كلها 33 سنة

رشاد: أه فيه حد

د.يحيى: مين؟

رشاد: أختى الكبيره

د.يحيى: فهمتك؟

رشاد: أه كنا فاهمين بعض يعنى

د.يحيى: وانت فهمتها

رشاد: أه

د.يحيى: حتى فى الأزمة

رشاد: حتى فى الأزمة  

(*) تعبير “يفهمنى” هنا لا يقتصر على الفهم ، ولكنه يمتد إلى “الرؤية”، و”الاعتراف” و”القرب”.

ويبدوا أن شقيقته قد قامت بكل هذه الأدوار بنسب معقولة ولعلها كانت بعض السبب فى وقايته من التمادى فى الانشقاق، وأيضا لا بد أن نقر أن والده كان يفهمه بدرجة ما، ولكن بمعنى أنه كان يصفه بما هو، ولكن بدعمٍ أقل من شقيقته بشكل ما،

د.يحيى: الحمد لله

 (…………………….

   …………………..)

(14) تراوُح وتكرار الانقسام:

(14) تراوُح وتكرار الانقسام:

 (14)

تراوُح وتكرار الانقسام:

د.يحيى: فيه حاجات غريبه إنت قلتها فى الأول ما تكلمناش فيها يا رشاد يا ابنى، زى حكاية: “الأوَضْ (الغرف) اللى بتفضى وبتتملى ديه”

رشاد: ما هـِيـَّـا المِجْرَى

د.يحيى: لأ ده فيه حاجات تبع الأوَضْ (الغرف) كانت فى الورقة الأوّلانية، مش مهم، يمكن نرجع لها، إنت بتقول برضه (يقرأ) “…مخى بيتقسم”  مش بتقول: اتقسم وخلاص، لأ  “بيتقسم نصين” هوه لسه بيتقسم لحد دلوقتى، ولا اتقسم مرتين وخلاص؟

رشاد: هو لو فى البدايه: لسه بيتقسم

د.يحيى: ودلوقتى؟

رشاد: دلوقتى لأه

د.يحيى: دلوقتى بقى نصين ولا تلات تنصاص، ما هو اتقسم مرتين

رشاد: لأ دلوقتى مافيش خالص

(*)  مراحل التفكك ليس لها قاعدة، لكن يبدو أن رشاد يرصد (بعينه الداخلية غالبا) المراحل بدقة، وبرغم حرية حركته فى الزمن، إلا أنه يبدو أنه يستطيع فى نفس الوقت أن يحدد المراحل أيها قبل الأخرى، ويصفها الواحدة تلو الأخرى بدقة مناسبة، على أن نفى الانشقاق أو بداية التفكيك حاليادلوقتى مافيش خالص” لا يعنى بالضرورة أنه استعاد واحديـَّتـُه، أى شُفِىَ وانضمت أبعاضه أو وحداته إلى بعضها، وإنما قد يعنى همود أو توقف حركية التفكيك مرحليا، وكذلك همود أو توقف نشاط “العين الداخلية”، ويمكن أن تعتبر هذه الخطوة مرحلة نحو الشفاء أو نحو التدهور حسب المسار اللاحق. ويواصل الطبيب التساؤل للتأكد والبحث:

د.يحيى: مافيش ازاى؟! طب نشوف المحادثه الاخيره مع د.”ملك”  انت قلت للدكتورة (يقرأ)

“…. عشان اوصف التعب لازم أقول لك يا دكتوره حاجه بتحسسنى بيه، يعنى إنت لو شديتى شعرك على غفله حاتحسى بإيه “؟

د. يحيى (يكمل): مش انت قلت لها كده ؟

رشاد: أيوه

د.يحيى: كنت بتعاكسها ولا إيه ؟

(*)   محاولة للتخفيف من جفاف الأسئلة حتى لا تبدوا مثل تحقيق النيابة.

رشاد: لأه، انا ما كنتش عارف اوصف التعب، معنى التعب اللى عندى ما كنتش عارف اوصفه، فاضطريت إنى أشرح على قد ما اقدر

 (*)   كما ذكرنا : التأكيد على صعوبة الوصف تعطى مصداقية أكثر لما يحكيه رشاد، وبالذات حين يقول “ما كنتش عارف أوصفه”، ذلك لأن العين الداخلية لا تستعمِل اللغة الرمزية للكلام كما تعودنا فى الظاهر، ثم إن النقلة من مرحلة الرصد إلى محاولة توصيل هذا الذى ترصده تصبح ترجمة عسيرة بالضرورة، بحيث لو وصفها مريض (أو أى مبدع) وصفا سهلا مباشرا لكانت أقرب إلى التخيل وليس إلى الإدراك، وقوْل رشاد “اضطريت أشرح” ، دليل أكثر على الصعوبة ومحاولة التوصيل فى نفس الوقت.

د.يحيى: إنت قلت للدكتورة بالنص (يقرأ):

“… يعنى لو شديتى شعرك على غفلهْ بتحسى بإيه، تقدرى توصفى الوجع ده؟”

قالت لك:  “الوجع يعنى حاجه بتشد كده”

قمت انت قلت لها:

“…. شوفتى يا دكتوره انت مش عارفه تشرحى،  هو نفس الوجع اللى عندى أكن حد بيشد عقلى، ازاى ما أعرفش”

(يكمل د.يحيى): إنت من الاول عملت حاجه لطيفه خالص: انك قلت ده “ما يتوصفش”، مش بس انت اللى مش قادر توصفه، لأه ، دا هو طبيعته إنه ما يتوصفشى،  بدليل إن الدكتورة مش قادره توصف الشعور ده، وانت راخر مش قادر توصف نفس الشعور ، وده الأصعب، يعنى هى مش قادرة توصف شد الشعر، والأصعب إنك ما تقدرشى توصف شد عقلك، طب دلوقتى اقدر اساعدك أنا إزاى أنك توصف شعورك بإن حد بيشد عقلك

رشاد: هو الحوار كله بصراحه يعنى غريب

د.يحيى: حوار مهم جدا، وصادق جدا، وبسيط جدا

رشاد: هو حقيقى بيحصل كل الحاجات دى؟

د.يحيى: كل إيه؟ انت بتسألنى؟ ولا أنا اللى أسألك؟

رشاد: كل الشد ده يعنى؟

د.يحيى: أناإيش عرفنى: إنت اللى بتقول، وانا مصدقك.

 (*)  هذه الفقرة بوجه خاص تجعلنا نصدق رشاد أكثر، لأنه يشير إلى خبرة عصية على الوصف لدرجة أنه يريد من الطبيب أن يشرح له ما يجرى، وما جرى، ويبدو أنه فوجىء بتصديق الطبيب له، ولو أن الطبيب أسرع ووصف مثل هذه الصعوبة باسم عرض، معيّن مثل “الربكة” perplexity ، أو حتى “اللاترابط”  Incoherence إذن لانقطع التواصل، وانتفى الفرض قبل أن يطرح رشاد سؤاله: “هو حقيقى بيحصل كل الحاجات دى” “كل الشد ده؟”، فى حين أن ما اعتدناه من المرضى الفصامين بالذات بعد تمام تكوين الهلاوس أو الضلالات هو أن يجزموا بأن ما يقولونه أو يسمعونه هو حقيقة مطلقة، وأيضا المتوقع أن يقف المحيطون والأطباء من ذلك موقف من يحاول أن ينفى أنه حقيقة باللغة السائدة، الموقف البحثى العلاجى الجديد هنا يمكن أن يوجَز فى تعبير الطبيب: “أنا إيش عرفنى: إنت اللى بتقول، وانا مصدّقك”.

رشاد: هو ده بيجى من الكلام يا دكتور، بييجى من إنى أنا لما اكلم حد فابيحصل بقى اللى هو الشد ده.

د.يحيى: يعنى انت وانت بتكلم حد فيه حاجه بتشد عقلك كده

رشاد: لأ الكلام نفسه مع شخص معين يقوم بيحصل حاجه زى كده

د.يحيى: يحصل إيه ؟

رشاد: يحصل شد بقى

د.يحيى: شد فى ايه؟ انت وانت بتتكلم مع واحد يحصل شد فى العقل إزاى؟

رشاد: مش عارف! بيتبع علم معين ده؟؟ ممكن بيتبع علم!!؟؟

(*)   رشاد هو الذى يسأل، أو يتساءل عن تفسير لخبرته، بـ “علم معين”، ولو أننا اقتصرنا على العلم المتاح بالمناهج الجاهزة دون وضع الفروض اللازمة، لكان الرد ببساطة ” أن هذا مجرد مرض، وأن هذا الذى يحدث مستحيل أن يحدث، وأنه: “لا علم ولا يحزنون” و”إنت بس بيتهيأ لك” وربما نضيف “ده تخريف رسمى” وكلام من هذا،

أما محتوى الفقرة – بناء على “الفرض” “المعين” الذى نقدمه- ، وليس بالضرورة “العلم” “المعين” الذى يتساءل عنه رشاد، فهو شديد الأهمية لنا الآن، فهو يشير إلى نشاط أكثر من مستوى من مستويات الوعى (الذوات) ، وإلى رصد هذا التعدد الدال على بداية فقد “الواحدية” نتيجة عجز الذات القائدة (المايسترو) عن نظم سائر المستويات العازفة فى نسق متوحد هادف فى لحظة بذاتها، كل هذا ترصده العين الداخلية بشكل مباشر، قبل ان يوصف فيما يمكن أن يترجم إلى أعراض بذاتها، كما أن نفس محتوى هذه الفقرة بوجه خاص تجعلنا نأخذ رشاد أكثر جدا، لأنه يشير إلى خبرة عصية على الوصف لدرجة أنه يسأل الطبيب، بعد استتباب الثقة بينهما، عن طبيعتها، وعما إذا كان ذلك ممكن أم لا..إلخ،

ثم خذ عندك كيف ترى العين الداخلية “عملية” الكلام، وأنها أصبحت غير منسابة ، فيبدو أن وعيا أخرا راح يركّز على تشكيل الكلمات وسَلْسَلَتها حتى كادت تتعرقل مثلما يتعرقل المشى لو ركزنا على حركة الساقين (بس انت لو بصيت لرجليك تقع: جاهين)([1])، يترتب على هذا التعدد فالجذب (وليس بالضرورة الصراع) ما وصفه رشاد أنه “شد” أو “ألم”

وأخيرا ، فإن تعبير الشد،  وتشبيهه بشد شعر الدكتورة فجأة، قد يشير إلى ما افترضناه من قبل: من أن العين الداخلية ليست عينا متعلقة بما هو بصر وإبصار بالضرورة، وإنما هى تشمل رصد أى إحساس غير ما اعتدنا من الحواس الخمسة ، ولكن غالبا بلغة الحواس الخمسة لأنها هى المتاحة([2]

وهذا الإدراك القديم هو مبرمج وينشط فى حالتى “المرض” (الذهان) مستقبَلًا نسبيا، وفى حالة “الإبداع” متضفرا مع المستويات الأحدث من الإدراك (الفكر والتشكيل).

ثم يواصل الطبيب بحثه عن مزيد من الإيضاح بكل وسيلة :

د.يحيى: يعنى الكلام وهو طالع..، يُعتبر الكلام نفسه هوه اللى بيشد العقل مثلا، ولا إيه؟ ماتاخدنيش على قد فهمى يا رشاد، أنا عايز اعرف وانت بتكلم واحد زيى دلوقتى، بتقول: زى ما يكون الكلام بيشد العقل، يعنى إيه؟ انا عايز افهم ولو شوية

رشاد: انا أولا لو اعرف اللى انا فيه ده ايه كنت اقدر انى انا احدد لك كل حاجه

د.يحيى: ما احنا بنعرف سَوَا بالتقريب يابنى، هو احنا حانقعد نستنى ونأجل حياتنا، لحد ما نعرف كل حاجة مرة واحدة؟

(*) مرة أخرى نذكّر ببعض مبادئ المنهج  الفينومينولوجى، وخاصة مبدأ: “تأجيل الحكم”، “ووضع المسألة بين قوسين”، وهذا قريب من تعبير الطبيب عن “المعرفة بالتقريب” مع “القدرة على التأجيل”، كما جاء فى نص الحوار.

د.يحيى: (يكمل) والبنت العفريته الدكتورة دى، جرجرتك لحدّ ما قلت لها (يقرأ):

“.. بقى عندى أكن حد بيشد عقلى ….. زى سلك عريان لو كان كل واحد منا معاه طرف سلك، لو حطيتى إيِدِكْ فى النَّص حايحصل إيه لإيِدك، حاتنجرح حا تنخدش، مش كده صح؟” فهى دكتورة لئيمة وناصحة عايزة تعرف منك ، ما رديتش، رحت انت مكمل قلت لها :

 ” .. يعنى مخى هو الإيد اللى حاتنجرح والسلك بيجرحها”،

 (*)  يصف رشاد هنا هذه الجزئية من الخبرة بدقة متناهية، والأهم –بالنسبة للفرض الحالى-  هو أنه يصفها باعتبارها واقعا ماثلا أمامه فعلا ليس به مسحة خيال، وهو يستعمل تشبيهات كلها حسية واضحة، مما يؤكد أن العين الداخلية ليست عينا فقط، بل حسا متعدد التلقى والقدرة على الرصد، كما أشرنا ثم ياتى الوصف كما يمكن، وهو يتماس فقط مع اللغة المفاهيمية الظاهرة، والحمد لله أن رشاد متوسط التعليم، قليل الاطلاع ، بل منعدمه بالنسبة للثقافة النفسية، والثقافة عموما، فهو سائق، يحاول فى مجالات مساعدة مثل الكرة والكمبيوتر، لا أكثر، وهذا يجعلنا نحترم وصفه الجارى بهذه الدقة باعتباره الرصد الأمين للواقع الداخلى. وهو يعدد التشبيه وينوّعُه بكل ما يستطيع، أملا فى أن يوصل خبرته الدقيقة جدا بأقرب صورة يعيشها، والباحث الطبيب يريد أن يستقصى أكثر فيعلن حيرته وهو يسأل:

د.يحيى: (يكمل) : جرى إيه يا رشاد؟ مره تقول لى لبانه ومره تقول لى سلك، انا اتلخبطّ

رشاد: لأ اللبانة حاجه وده حاجه

د.يحيى: طيب قول لى بقى: اللبانه كانت فى الأول خالص فى أول مخك ما انشق، مش كده؟

رشاد: مظبوط

د.يحيى: ساعة ما رفضوك فى فريق الكورة

رشاد: آه

د.يحيى: ماشى وانت فى الجامع أو وانت طالع من الجامع؟

رشاد: مظبوط

د.يحيى: مضبوط إيه؟ أنا باسألك: كنت فى الجامع؟ ولا طالع من الجامع؟

رشاد: متهيألى كنت فى الجامع لسه، فى الغالب هو يا دكتور لو انا  جيبت سلك زى ما هو مكتوب، بس سلك عريان، وجيت حركت بيه يعنى شديته على إيد حضرتك مش حيحصل جرح؟

(*)  ما زال رشاد قادر على وصف مراحل تفككه، وتصنيفها الواحدة تلو الأخرى، وهو هنا يعيد ما قاله للدكتورة للطبيب الأكبر، بشكل أكثر تفصيلا،

د.يحيى: بصراحه قل لى الأول: السلك يعنى متكهرب ولا مش متكهرب

رشاد: لأ مش متكهرب

د.يحيى: تخين ولا رفيع

رشاد: كان رفيعّ ساعتها

د.يحيى: إذا كان رفيعّ، ومش متكهرب حايحصل جرح، ما هو يبقى زى السكينة يعني

(*)  هذه الأسئلة التفصيلية هكذا تحاول كشف مدى حدة ووضوح خبرة رشاد، وكيف أنه شديد الاجتهاد فى محاولة توصيل خبرته، والطبيب حين يسأل عن كهربة السلك، وينفى رشاد ذلك، يقربنا أكثر من الخبرة الحسية العادية، لأنه إذا كان السلك مكهربا فإن الصعق المحتمل يسحق تفاصيل الخبرة الحسية بشكل أو بآخر، لكن رشاد يرد، وفورا، على أسئلة الطبيب، بشكل جاهز ومباشر، وبما أننى أنا هو هذا الطبيب فأحب أن أجزم أننى كنت أسال بجدية مطلقة، بحيث أستطيع أن أنفى – مرة أخرى- أى احتمال قد يخطر للقارىء أن هذا من قبيل ” تاخد العيان على قد عقله”، فقد كنت أسأله باعتبار أنه يحكى فعلا ما عاشه ويعيشه حسِّيا بأكبر ما يستطيع من شرح يحاوله، بالأمثلة التى يضربها الواحد تلو الآخر مع الطبيبة ثم معى، كما أننى كنت استعمل نفس أبجدية رشاد، قبل أو بدون تعريف مسبق لها، أو اختزالها إلى مضمونها المعتاد، وهى آلية خاصة جدا بمثل هذا الحوار.

د.يحيى: (نعيد) : إذا كان رفيّع، ومش متكهرب حايحصل جرح، ما هو يبقى زى السكينة يعني

رشاد: آه

د.يحيى: هو السلك الرفيع يجرح فعلا اشمعنى من الوسط؟ ما هو لو مسكته من هنا حايجرح، ولو مسكته من هنا حايجرح،  ولو مسكته فى الوسط حايجرح اشمعنى انت نشّنْت على النص، وقلت للدكتورة كلام عن شد من الناحيتين، وحاجات كده

رشاد: آه، بحيث واحد من طرف يمسك ناحيه وواحد من الطرف التانى فيه واحد تانى يمسك ناحيه

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: ويبتدى يشدوا

(………….)

د.يحيى: طيب وبعدين؟

رشاد: التانى بقى تحطه على الشئ اللى هو حايجرح اللى انت عايز تخليه يجرح وتشده منه

(*)  انتقل رشاد هنا إلى وصف تعدد القيادات لمستويات الوعى (نقاط الانبعاث، منظمات القيادة، المايستروهات Mayestros، وهو ما يقابل Pace Makers  بالإنجليزية) وهذا أمر يحدث فى الحياة العادية فى الحلم خاصة، لكن حين يجرى ذلك فى اليقظة تتمادى المسألة نحو التفسخ فالهمود: فهو المرض، وقد يتم رصد هذا التنافس –كما فى حالتنا هذه- التى عبر  عنها رشاد “بالشد”، وقد يصاحب ذلك هذا الإحساس الذى نصفه عادة بالمُراق الرأسى Cephalic  Hypochondriasis  ([3]) أى توهم الأوجاع فى منطقة الرأس، وهو الذى يحكيه  رشاد بهذه الدقة كما يصله مما يرصده الحس الداخلى (العين الداخلية).

د.يحيى: يتهيأ لى فهمت شويه، يعنى تتقلب الحكاية زى المنشار كده

رشاد: مظبوط

د.يحيى: .. الشئ اللى هو حاينجرح ده، هوّه إنت بقى ولاّ مين

رشاد: هو انا صاحب القضية

د.يحيى: يعنى انت اللى حاتنجرح من الشد ده

رشاد: آه

د.يحيى: طب مين اللى بيشد هنا ومين اللى بيشد هنا

رشاد: أى اتنين، انا كنت باوصف بس الحاله

د.يحيى: وده كله جواك كده، وشايفه

رشاد: آه

د.يحيى: ياه!! يمكن مخك هو الإيد اللى حاتتجرح بالسلك اللى بيجرحها، امال مين بقى اللى بيشد اذا كان مخك هو اللى حايتجرح، مين اللى بيشد من الناحيه دى ومين الناحيه التانية

رشاد: اى طرفين تانيين

(*)   نلاحظ أن رشاد لا يختزل الجارى إلى كلام يمكن أن يترجمه الطبيب التقليدى (أو التحليلى) الفاحص إلى “صراع”، و”لا شعور” فى مواجهة الشعور وكلام من هذا، وهو لا ينساق وراء أسئلة الطبيب فيجيب إجابات حاسمة لا باللغة الشائعة، ولا حتى بلغته الخاصة أو المختصين، بل يكتفى بأنه “أى اتنين، “أىّ طرفين تانيين“، وهذا صحيح علميا حسب هذا الفرض ذى المنهج الأكثر اتساعا، والذى تعجز أن تحتويه حتى نظرية التحليل التفاعلاتى([4]) حيث اختزلها مستعملوها إلى حالات الذات: “الوالد”  و”الطفل” و”اليافع”، فى حين أن التعدد ليس له عدد أو حدود، وقد أصبح الاسم الأقرب فى لغة علم المعرفة العصبى([5])  هو “حالات العقل”([6])، ويستحسن –علميا- ترك العدد والأسماء مفتوحا لكل الاحتمالات تطوريا ونمائيا وإمراضيا وإبداعيا، ورشاد يدرك هذا الاحتمال دون لغة علمية، لكنه يعلن نتيجته بأنه “كنت باوصف بس الحالة”، ثم هو  يسرع بتحديد الثمن الذى يدفعه لهذا الذى يحدث لأنه:  هو الذى يدفع الثمن فى النهاية لأنه صاحب القضية ، وهذا يُعلى من أهمية عدم  اختزالنا خبرته باستعمال أسماء أكثر شيوعا لوصف أى صراع، مثل: “الشعور فى مقابل اللاشعور”، أو “الطفل فى مقابل الوالد”، المهم هنا هو ما وصله من عدم الاتساق نتيجة لفقد الواحدية، ومن ثم “الشدّ“.. وما تيسر له من وصف مهما كانت الصعوبة، ومع ذلك يواصل الطبيب المحاولة للتأكد:

د.يحيى: مين يعنى؟

رشاد: احنا بنوصف بس الحاله

د.يحيى: رجعت تانى قلت للدكتورة (يقرأ) :  “…. عقلى هو أوضه (حجرة) فيها باب واحد، لو حد عايز يسحب فكرة ولو معاه المفتاح وما يفتحش، أو لو مش معاه المفتاح، يكسر الباب فيقوم الباب يبقى حتت، ومش حايعرف يلحمه ويرجعه زى ما كان”

(*)  هكذا ينتقل رشاد إلى مرحلة أصعب ، لكنه ما زال يصف ما يصله من الجارى بداخل دماغه، ما رآه يجرى أمام حسه الداخلى، رؤيته، وعيه بالجارى، وهنا فى فقرة واحدة تتجمع نتائج شديدة الترابط مع خلل عملية “معالجة المعلومات”، وكأنه يعلن الخلل فى فتح مخزون المعلومات اللازمة للتناغم مع المعلومات المُدخلة وبالتالى العجز عن معالجة المعلومات، لدرجة التشتت (التفتت)، ثم العجز عن ضمها (لحامها) لهضمها من جديد؟

د. يحيى (يكمل): مش انت اللى قايل الكلام ده كله، يعنى إيه بقى؟

رشاد: عايز معناه؟ ولاّ شرْح؟

(*)  تفرقة رشاد بين المعنى والشرح تفرقة مهمة أيضا، وأعتقد أن لها أكثر من احتمال تفسير، فرشاد متمكن (ولو نسبيا) من رصد ما يجرى، ثم من وصفه، ومحاولة ضرب أمثلة تشبهه، لكن إذا انتقلنا إلى مرحلة التفسير فإنه يسأل الطبيب ويتساءل معه، وربما هذا ما يعنيه بكلمة “شرح” ، أما ما يقصده بكلمة “معنى” فلست متأكدا إن كان يعنى ترجمته إلى مفهوم متعارف عليه أو غير ذلك.

د.يحيى: بس قل لى الأول  هو ده حصل لك فعلا؟

رشاد: أيوه ده حصل

د.يحيى: يعنى الباب كان مقفول، وما حدش عارف يفتحه ما معهوش مفتاح، فكسره؟ 

رشاد: اتكسر

د.يحيى: وبعدين هوه عايز يقفله تانى ولاّ إيه؟ هو ده حصل لك ازاى؟ واثره إيه عليك يابنى؟

رشاد: هى الفتره اللى فاتت يا دكتور كان فيه (يسكت ويطأطئ رأسه..)

د.يحيى: الظاهر انا انهكتك، والله أنا آسف

رشاد: لأ لأ عادى بس انا بحاول أركز بس 

 (*)  قد يكون الطبيب قد استدرجته فروضه النشطة إلى التمادى فى الأسئلة بما يحتمل ان يكون على حساب العلاج، وهذا وارد فى أى بحث علمى، لكن يبدوا ان لهذه الأسئلة مع ذلك وظيفة علاجية، فهى تؤكد للمريض أن الطبيب يصدّقه، وأنه يأخذ كل حرف من كلامه مأخذ الجد، وأنه يحاول أن يستزيد من معرفة تفاصيل ما جرى ربما تفيده فى رأب الصدع، وأن كل ذلك يوثق العلاقة بين رشاد وبينه، ومع ذلك وجب الانتباه والاعتذار ومعاودة الاستئذان.

د.يحيى: ولا تركـِّز ولا حاجة، حاتركز حتبوظ المسألة وحا تبص تلاقيك بتقول كلام زى اللى الناس دول بيقولوه (يشير إلى الجالسين للدرس)، خليك كده بلا تركيز بلا بتاع، اللى يتركز يتركز واللى ما يتركزش انشالله ما اتركز، هوا بوّظ الناس دول (يشير إلى الأطباء الحضور) غير إنهم بيركزوا زيادة عن اللزوم، فتلاقيهم بيركزوا غلط، أو بيركزوا الناحية التانية

رشاد: بس على فكره الكلام ده دقيق جدا

د.يحيى: هو انا اللى قلته ما انت اللى قلته يا ابنى الله يفتح عليك، فعلا هوّا دقيق، ودقيق جدا بس على الله يصدَّقوا (يشير إلى الحضور) .

 (*) يبدو أن ما جاء يهذه الفقرة له علاقة ما باللعبة التى لعبناها فى العلاج الجمعى (وغير العلاج الجمعى) والتى لم نعرضها بعد بالتفصيل  ونصها: ” يا خبر!! دانا لما ما بافهمشى يمكن….(أكمل)” ([7])، وأيضا باللعبة الأخرى التى سنعرضها لا حقا وهى ” ..أنا أخاف أقول كلام من غير كلام لحسن ….(أكمل(([8])،  ومع أن رشاد قرر أن الكلام أحيانا ما يعايشه بأكثر من تشبيه بما يتيسر له من كلماته، إلا أن إعلانه هنا أنه “… بس على فكره الكلام ده دقيق جدا” هو شديد الصدق لأن محاولاته للشرح والتوصيل فيها اجتهاد بالغ ومثابرة جادة، ثم يتواصل الحوار:

رشاد: هى المسألة دى يا دكتور يعنى… (يسكت….)

د.يحيى: عارف انا صعبان عليا ايه دلوقتى يا رشاد؟! إن الكلام ده اللى انت بتقول عليه دقيق جدا، واللى هوه فعلا محدد جدا، الدكاتره دول يختزلوه فى كلمايه تبعدهم عنى وعنك وعن ربنا، ويحطوا صباعهم على حاجات خايبه كده، تبص تلاقيهم اختزلوا البنى ادم، وهما مش واخدين بالهم، مع إن ربنا حايحاسبهم، زى ما حايحاسبنا، مش برضه يا رشاد ما يصحش ربنا يخلق خَلْقُه صح، يقوم ييجى ناس تجار يلعبوا فى خلقة ربنا  من غير ما يجتهدوا باللى يستحقه، بس الصغيرين دول مالهمشى ذنب، دول لسه غلابة، فابيصدقوا اللى هما شايفينه جارى على الوش فى السوق دلوقتى بينى وبينك، وبعدين بينسوه، ده اللى بيحصل معايا جيل ورا جيل

رشاد: الصغيرين مين؟

د.يحيى: الجماعة الطيبين دول اللى انت شايفهم قاعدين معانا ومستحملينا

رشاد: دا بالنسبه لحضرتك صح ..، صغيرين بس همّا…

د.يحيى: آه طبعا صغيرين صغيرين، ودى ميزتهم

رشاد: بس هم كبار فى العقل يعنى

د.يحيى: تانى؟! يا عم كبار إيه وعقل إيه؟ العقل مفروض ما يكبرشى، مفروض يوسع ويساعى، خليهم صغيرين كده أحسن، دول كل ما حايكبروا حاتصغر فرصتهم إنهم يفهموا زى ما بيحاولوا دلوقتى، الواحد بيكبر من هنا يا رشاد، تبص تلاقيه ما بيفهمش بشااااكل

(*)  يبدو أن العلاقة قد توثقت بين رشاد وبين الطبيب لدرجة جعلت الطبيب يشركه فى حيرته المعرفية، ومأزقه التعليمى معا، فتحول الحديث إلى ما يعانى منه الطبيب فيما يخص حالة رشاد وما يشابهها، وقد اتخذ رشاد موقف المدافع عن الحضور طالبى العلم والمعرفة بطيبة ورقة واحترام، لا يتصف بها أى فصامى عادة، ولا معظم الناس العاديين حتى، وفى نفس الوقت يبدوا أنه التقط مأزق الطبيب الأستاذ ضمنا دون أن ينحاز تماما إليه، ثم أخيرا فإن منطق الطبيب الخاص بدا شخصياً أكثر مما ينبغى، برغم أنه نابع من واقع مأزقه وخبرته الشخصية حين يزعم أنهم “دول كل ما حايكبروا حاتصغر فرصتهم إنهم يفهموا زى ما بيحاولوا دلوقتى، الواحد بيكبر من هنا يا رشاد، تبص تلاقيه ما بيفهمش بشااااكل

هنا بدا على رشاد أنه يندهش ثم ينبرى للدفاع :

رشاد: مش معقول يا دكتور

د.يحيى: آه والله، دا المصيبة إن الواحد كل ما يكبر بيبذل جهد عشان ما يفهمش، ييجى يفهم يتخض ويرجع، يكمل قلة فهم، انت مش مصدق؟

رشاد: صعبه شويه دى

د.يحيى: ان شاء الله لما تخف حا تبقى كويس خالص زيهم، حاتروح فاهم وتتجمد زيهم لما تخف، والاخرام دى بقى تتسد، والشقوق ترجع تتلحم، مش حا تعرف تقول جملة واحده على بعضها من اللى احنا بندشه ده؟

(*)   هذه الفقرة – بما فيها من سخرية – تحمل نوعا من التحذير من الاستسلام لعلاج تسكينى سطحى، ولها علاقة أيضا باللعبتين السالفتىْ الذكر، وخاصة لعبة ” يا خبر دانا لما ما بافهمشى يمكن…..”، بكرة أنت لما تخف مش حاتعرف تقول اللى بتقوله دلوقتى.

رشاد: إيه؟ مش حاعرف إيه؟

د.يحيى: مش حاتعرف تقول اللى بتقوله دلوقتى، لكن بقى ان كان ربنا حايفتح عليك يمكن تقولها فى الحلم، بشكل تانى، لكن برضه ساعة ما تصحى فى الغالب حاتبوظها وتحكى حاجة تانية، إحنا كنا بنقول على الأوضه (الغرفة) والباب اللى اتكسر والمش عارف ايه وإننا مش حا نعرف نلحمه، ولا مش عايزين نلحمه، دا انت بعد كده اتكلمت كلام مهم بشاكل، قلت للدكتورة إن الدكتور  يحيى قال لى مش عارف ايه، وحانعمل “إعداد”، مع إنى ما باستعملشى الكلمة دى من أصله، قصدى كلمة “إعداد”، انا ما قولتش إعداد ولا حاجه، بس انت طلعتها صح ميه ميه

(*)   لفهم ما جاء عن الحلم فى هذه الفقرة يمكن الرجوع إلى وظيفة الحلم كصمام أمن ضد ما حدث لرشاد، وأيضا إلى فرض احتمال قلب الحلم الأصلى إلى حلم مَحْكى (“الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع”) ([9])، ويبدو أن فعلنة المعلومات تكتمل بما يجرى أثناء الحلم من إعادة تشكيلها وترتيبها ” Repatterning” الأمر الذى ينظم نشاط مستويات الدماغ والوجود بالتبادل لتجنب التصادم والتمهيد للتكامل فجدل النمو

أما الإشارة إلى ما أسماه رشاد  “إعداد”، وهو ما تحفظ عليه الطبيب فسوف نناقشها تفصيلا فى الفصول اللاحقة.

[1] – إشارة إلى رباعية صلاح جاهين :

غمض عينيك وارقص بخفة ودلع

الدنيا هي الشابة وانت الــــــــجدع

تشوف رشاقة خطوتك تعبــــــــدك

لكن انت لو بصيت لرجليك…. تـقع

[2]– وهو ما عبرنا عنه كما يلى: إن ثمة عين داخلية (عضو حسٍّ له علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم جنبا إلى جنب مع استعمال الوصف بالألفاظ بالقدر المتاح، 

[3] – يحيى الرخاوى: (“العين الداخلية” وعملية اعتمال (معالجة) المعلومات)  نشرة الإنسان والتطور اليومية (27/6/2012)  بموقعى  www.rakhawy.net

[4]– Transactional Analysis  

[5]– Cognitive neuroscierice

[6]– Mental states

[7] – سبق ذكرها  (ص 46)

[8] – سبق ذكرها  (ص  45)

[9] – يحيى الرخاوى “حركية الوجود وتجليات الإبداع” المجلس الأعلى للثقافة،  2007

(15) الإعداد

(15) الإعداد

(15)

…. الإعـدادْ!!

(هل هو:”خريطة الطريق”لاستعادة التربيط التكاملى؟”)

9-4-2009

رشاد: إعداد …؟؟!!

د.يحيى: …، ايوه يا رشاد دلوقتى احنا لسه فى حكاية الباب اللى اتفتح ومش حايعرف يرجع تانى زى ما كان بسهولة، وانت قلت الكلمة دى من عندك عايزين نشتغل فيها، إنت بتقول للدكتورة:  هو لازم نعملَ حاجة زى  إعداد“، فانا عايز افهم تقصد إعداد إيه؟ إعداد عشان نرجّع الباب اللى اتكسر زى ما كان أو أحسن؟ ولا قصدك إعداد  يعنى إيه؟ 

 (*) لاحظ البدء من لفظ رشاد دون الالتزام بالمعنى الشائع، أو المُعجمى، ودون التمادى أصلا فى سؤال رشاد عن ما يعنى تحديدا، فكثيرا، خاصة فى هذه المراحل النشطة من المرض، وهى المتصفة بحدة الدراية وشحذ البصيرة ما يستعمل رشاد ألفاظا عامة، ولكن بقصد خاص، غير الشائع بين الناس، أو حتى فى المعاجم، وقد يجوز أن هذه الكلمة لها علاقة بتدريباته على الكمبيوتر، وأيضا من يعرف أكثر منى فى تفاصيل عملية “معالجة المعلومات” قد يجد لها موقعا أقرب إلى ما يقصد رشاد ويجهله الطبيب (الباحث أو الفاحص)، إلا أن الجهل بكل تفاصيل أى من هذا لم يمنع أن يتواصل الحوار الاستكشافى بأى قدر من الوضوح الممكن.

رشاد: تمام

د.يحيى: تمام إيه يا جدع انت، هوّ إيه اللى تمام؟ هى  الحياة اللى احنا عايشنها ديه فيها “إعداد” من أصله؟ قصدك إيه يعنى؟ انت دلوقتى وصفت غرفة ولها باب، والواحد ما معاهوش مفتاحه، كويس؟ فاضطر يكسره، ييجى يعدله ما يعرفشى، فيضطر يعمل إعداد، يعنى إيه بقى إعداد

رشاد: هو انا كنت شاكك إن فيه كذا واحد، ده سبب السؤال

د.يحيى: نعم؟ نعم؟ كذا إيه؟ كذا واحد إيه؟ هوا احنا جبنا سيرة ولا واحد، لما بتنقلنا لكذا واحد كده مرة واحدة؟

رشاد: كذا واحد هما اللى عملوا معايا كده التعب

د.يحيى: براك ولا جواك

 رشاد: بره

 (*) خيل إلىّ لأول وهلة أنه يتكلم عن “تعدد ذوات” داخليا لكننى تبينت خطئى بعد ذلك مباشرة، حين أجاب بحسم “برّه” مؤكدا أن هؤلاء “الـ كذا واحد” كانوا فى العالم الخارجى تحديدا، وقد سرنى أنه لم يُستدرج إلى ما دار بذهنى، ومع ذلك فقد استمرت المحاولة لربط هذا الخارج بالداخل بشكل ما.

د.يحيى: سيبك من اللى بره دلوقتى خلينا فى اللى جوه مين اللى حايعمل “الإعداد” ده عشان بقى الباب يتقفل

رشاد: مافيش غيرى أنا،  غيرى انا أو دكتور معايا 

د.يحيى: إنت أو دكتور معاك!؟ ماشى، الله نوّر،..  ياريت.

 (*) يلاحظ أنه هو الذى أشار إلى المشاركة بقوله  “أو دكتور معايا” دون إعفاء نفسه من المشاركة فى خطة العلاج كما اعتاد أغلب المرضى، وحين نتذكر أن هذه هى المقابلة الثالثة تقريبا لشخص ليس عنده أدنى ثقافة نفسية، ناهيك عن أية فكرة عن طريقة العلاج فى هذه المدرسة التى ينتمى إليها هذا الطبيب، فإن كلامه يصبح مهما بقدر ما هو تلقائى، فمن أصول هذه المدرسة أن المعالج يحاول أن يوصل للمريض دوره فى اختيار الحل المرضى، وهذه الطريقة – ضمنا – تشركه فى القيام بدور أساسى فى التنازل عن هذا الحل إذا نجحنا فى إثبات فشله، وذلك بمساعدة الطبيب، ويبلغ مدى التلاقى بين كلام رشاد وبين فكرة هذا العلاج حدا مدهشا حين نتذكر أن الاسم الذى أطلقناه على هذا العلاج “هو: المواجهة، المواكبة، المسئولية:م.م.م”، يتضمن تحديدا “المواكبة، التى هى أقرب ما تكون إلى تعبير رشاد المهذب “أو دكتور معايا”، فيبادر الطبيب فرحا بالتقاط فكرة “المعيّة” هذه التى هى المواكبة، ويكمل رشاد:

رشاد: بس ماحدش يدخل فى الإعداد ولا حد يلعب تانى خلاص

 (*) لم أستطع أن افهم شرطه هذا، خصوصا وأنه لا يتفق مع ما أمارسه فى العلاج الجمعى حين يشترك الجميع فى تصورى فى شىء أشبه بما أسماه رشاد “الإعداد”  (ربما)، وهو ما لم أستقر على معناه تحديدا حتى هذه اللحظة، ومع ذلك، وحسب المنهج المتبع، أمكن مواصلة الحوار دون تحديد حاسم كالتالى:

د.يحيى: برضه موافق، إنت بعد المقابلة اللى فاتت، قلت للدكتورة (يقرأ) “… الدكتور يحيى قال لى كلمتين حسيت بيهم “بإعداد”، إيه هما الكلمتين دول، أنا شخصيا قلت كلام كتير، قعدت أفتكر قصدك أنهو كلمتين، ما افتكرتش  

رشاد: أى كلمتين؟

د.يحيى: إنت اللى بتقول للدكتورة إن فيه كلمتين وصلوك  منى حسيت فيهم “بإعداد”

رشاد: مظبوط

د.يحيى: الله يفتح عليك يا رب أكون صح، انت قلت للدكتورة عن مقابلتك معايا: “… بعد لما خلصت المقابلة حسيت إن الدم بيجرى فى عروقى”

رشاد: المقابلة؟ آه أنا قصدى أول مقابلة

د.يحيى: المقابله اللى كانت طويله شوية

رشاد: آه أول مقابلة

د.يحيى: طيب أول مقابلة بتقول حسيت أن الدم بيجرى فى عروقك، ده ما لوش دعوة بالكلمتين بتوع “الإعداد” دول؟ ولاّ إيه؟

رشاد: لأه همّ وصلوا، من غير ما افتكرهم

 (*) هنا احتمال عرض ظاهرة لا أعرف مدى مشروعية أن اركز عليها الآن، ولكن قبل ذلك، دعونا نشير إلى دلالة أول مقابلة، وكيف أنه لو تم التواصل من خلال ما اسميه “المجال الحيوى”  الذى يشمل المعالج ورشاد فى وحدة بيولوجية ذات قنوات تواصل متعددة، فإنه ينتج عن ذلك تغيرا بيولوجيا له آثار ملموسة، بغض النظر عن محتوى الكلمات، وربما كانت هذه الآثار هى التى وصفها رشاد بـ “حسيت إن الدم بيجرى فى عروقى”، وحين عاد الطبيب يسأل عن علاقة ذلك بالكلمتين اللتين ترجمهما رشاد إلى “إعداد”، أو استوحى منهما كلمة إعداد، قالها بصريح العبارة “هما وصلوا من غير ما افتكرهم”

وهكذا يبدو أن رشاد يحدد الظاهرة بشكل دقيق حين يقول ” هما وصلوا من غير ما افتكرهم”، وهو ما يمكن أن أشير إليه باسم “حوار بجوار الكلماتPara-verbal Discourse  وهو التواصل الذى يمكن أن يصل “بجوار” الكلمات، دون ارتباط محدد بالكلمات، وربما يكون لكل ذلك علاقة بكل ما جاء فى الكتاب الثانى من سلسلة “فقه العلاقات البشرية” الذى نزل مسلسلا فى هذه النشرات وكان شرحا لديوانى “أغوار النفس”([1]) وهو ما استوحيته من جلسات التدريب الجمعى الخبراتية.

د.يحيى: على فكرة دا نَصّ كلامك انت قلته للدكتورة من غير ما هى تطلبه، فالدكتوره زى حالاتى كده قالت لك يعنى أيه “إعداد؟” رحت قايل لها: “المفروض تكونى عارفة يا دكتورة، بصراحة يعنى هى تشكر، ما رضيتشى تدعى المعرفة، دانا لقطت كلمة “إعداد” دى منك بالعافية، ومش عارف قصدك إيه، أنا زى الدكتورة بالظبط، بصراحة الكلمة مش واضحه قوى ليّأ، يا ترى هى واضحه لك؟

(*) هكذا نرى ونحن نواصل أنه من الممكن استعمال  كلمةٍ مَا، بشكل مفيد مع أنه لم يُتفق على معناها أو مضمونها تحديدا بين المتحاورين ، خاصة إذا جرى الحوار على هذا المستوى من السماح والتأجيل ، كما يبدو أن هذا ينجح أكثر فى الحوار مع مرضى فى هذه المرحلة من المرض الذهانى خاصة، ومع اعتراف الطبيب (الفاحص/الباحث) أن الكلمة (وربما المسألة) ليست واضحة تماما بالنسبة له، عاد يسأل رشاد إن كانت واضحة بالنسبة له، فكانت المفاجأة أن رشاد أجاب بحسم:

رشاد: أه واضحه جداً!!!

 (*) علينا هنا ألا ننكر هذا الوضوح على رشاد لمجرد أن الأمور غير واضحة للـ “الفاحص/الباحث/المعالج”،  برغم عجز رشاد عن شرح ما يريد بألفاظ أخرى، ويتمادى الطبيب فى المحاولة وهو يتساءل بلهجة أقرب إلى الدهشة والرغبة فى التعلم.

د.يحيى: طب ما توضحها لنا ينوبك ثواب

رشاد: يعنى أنا دلوقتى يا دكتور عاوز أروح مكان واحد، باذكر المكان ده قبل ما أمشى من هنا أو باتخيله

د.يحيى: إفرض ماتعرفوش، مكان جديد

رشاد: باتخيله برضه

د.يحيى: بتتخيل مكان ما تعرفوش؟!! طيب وبعدين؟

رشاد: تمام،  لكن الإسم مش حاتخيل الإسم، فا بعمل “الإعداد” ده وأنا قاعد فى البيت قبل ما بامشى.

 (*) الأرجح عندى أن هذه الخطوة موجودة بشكل ما فى عملية “معالجة المعلومات”، على الأقل بالنسبة “للتهيئة” (مما أحتاج فيه لعون من يعرفها أفضل)، لكننى لا أظن أن الدراسات تمكنت من التحقق مما يقوله رشاد من حيث أن هناك “تهيئة” لأى عملية هادفة، حتى بدون معرفة اسمها، قبل الشروع فيها، وفى رأيى أنها ليست مرادفة لما يسمى عقد النية، أو اتخاذ القرار، أو التخطيط المنظم، كما أعتقد، رجوعا إلى موضوعنا الأصلى، أن هذه الخطوة التى أسماها رشاد “إعداد” هى ضمن عملية الإدراك المبرمج الذى تقوم به الأحياء قبل الإنسان، قبل أن يتعلم آدم رضى الله عنه “الأسماء كلها”، أى قبل نشأة اللغة والكلام واستعمالهما لإزاحة (أو تغطية) العمليات الأصل. ونظرا لمدى غموض الطرح الذى يطرحه رشاد، فيبدو أن الطبيب يحاول أن يجد تفسيرا خصوصيا لخبرته الذاتية جدا فى هذه المعايشة المرتبطة بالعملية المرضية أو الإمراضية، فيسأل:

د.يحيى: هوا كل واحد بيعمل كده ، ولا أنت بس؟

رشاد: أنا باعمل كده،  حياتى كلها كده

د.يحيى: حياتك كلها  كده؟ حتى قبل العيا ؟

رشاد:  مش عارف

د.يحيى: يعنى الإعداد ده بيتعمل تموتيكى يا ابنى؟ أنا مصدقك شوية، الدكاتره أحرار، اللى يصدق يصدق، واللى ما يصدقشى ما يصدقشى، أنا متصور إنك بتشاور على إن احنا بنتصور فى أى حاجة  الخطوه الجايه ولو قبلها بثانية أو أقل، ده بيحصل من غير ما ندرى قوى، إنما لما نشوف التصور ده زيك كده بالوضوح ده، بيبقى حاجة تانية.

رشاد: إزاى؟

د. يحيى: فى خبرتى الحاجات دى بتحصل بالوضوح ده قبل العيا مباشرة، هى عند الشخص العادى بتحصل من غير ما يعرف إنها بتحصل، بتحصل  تموتيكى، أنا متصور إنك انت  لما عييت بقيت تشوفها بالاحساس الداخلى بالتصوير البطئ حاجة زى كده، بنشوفها وهى بتحصل واحدة واحدة، لكن الباب أتكسر والحكاية اتفركشت، ومش عارفين نصلح الباب، عشان كده محتاجين “إعداد” تانى عشان الأمور ترجع تانى، حاجه زى كده؟ يا ترى أنا صح ولاّ إيه

رشاد: مظبوط

 (*) لا يجوز المبالغة فى تقدير موافقة رشاد هنا (وفى مواقع أخرى أيضا)، لكن هذا الجزء من الحوار جدير بأن نربطه بموضوعنا الأصلى عن فرض العين الداخلية، وربما هو قريب من الظاهرة التى  أسميتها باكرا “فرط الدراية” Hyper-awareness،([2]) وتجرى تطبيقات واختبار هذه الفروض أثناء استعمالها فى العلاج حتى قبل تحققها من منطلق التزاوج بين المنهج الفينومينولوجى، والتفعيل الإمبريقى، بمعنى أن استعمال هذه الفروض لمنع تمادى الظاهرة إلى المآل السلبى، بل ومحاولة تحويلها إلى مسار إيجابى بمساعدة رشاد (مستعملين كل ادوات المساعدة الأخرى بما فى ذلك العقاقير وغيرها) هو الذى يسهم فى تنامى هذه الفروض مع تحقيقها نسبيا بتصعيد تدريجى، وهذا ما يحاول الطبيب توصيله إلى رشاد كدعوة للمشاركة، أكثر مما يحاول توصيله للزملاء المشاركين فى حضورالمقابلة، واستباقا لاحظ التعبير الذى يبدو متناقضا فى بداية الفقرة التالية حين يقول الطبيب “والأمور بقت واضحة خالص لدرجة مربكة “.

د.يحيى: طيب نرجّعه ازاى وهى الأمور بقت واضحه خالص لدرجة مربكة،  الظاهر إن فى الأحوال العادية  كانت الحاجات دى بتحصل تموتيكى، فما بناخدش بالنا منها نقوم ما نتعطلشى، فكان ربنا بيسهلها وأدى أحنا رايحين جايين، والباب يفتح ويقفل براحته، دلوقتى لما اتكسر الباب عندك يا رشاد، واتفركش اللى جوه الأوضه بعد ما اتملت زحمة، إحنا مضطرين نعمل “إعداد”  بنفسنا زى ما انت بتقول، نعمل إيه؟ واحنا مش فاهمين كفاية؟ وأهو انت مش قادر تشرح لنا قصدك إيه بشكل يساعد إننا نحدد دورنا، أنا مش باطلب منك تدينا درس، بس باسأل يعنى إيه  اللى بيخلى الإنسان يشوف ده كله، وفى نفس الوقت ييجى يحكيه ما يعرفشى، إنت نفسك قلت للدكتورة إن الكلام مش حاتفهميه

 (*) يوجد هنا احتمال تزاوج بين فرض “العين الداخلية” وفرض “إبطاء عملية معالجة  المعلومات” وخلخلتها دون فشلها، أو قبل فشلها تماما، بحيث تستطيع هذه العين الداخلية أن ترصد عملية معالجة المعلومات سواء بطريقة ناجحة سلسة، أو بطريقة متعثرة متصادمة، بشكل يسمح بوصفها، مع التذكرة بعجز الألفاظ العادية عن وصفها ، وبالذات عن توصيل طبيعة، أو شكل، الخبرة الجارية: للآخرين بحجمها وتفاصيلها كما يعيشها رشاد، وهذا ما قاله رشاد للدكتورة ” إن الكلام مش حاتفهميه”، وهو ما أكد إدراكه أن عجزه عن التعبير، وليس عجز الطبيبة (فالطبيب) عن الفهم هو السبب حين يضيف: 

رشاد: هو الكلام مش حاعرف أطلعه صح

د.يحيى: نعم؟ نعم؟

رشاد: الكلام مش حاعرف أبيــّـنه أكتر من كده

 (*) قبول العجز عن التعبير الدقيق مهم حتى لا نتعسف أو نختزل، مع الإقرار بالدلالة الواضحة، برغم هذا العجز، والاقرار بالغموض العام مع الاستمرار.

د.يحيى: أنا مش عايزك ترهق نفسك، كفاية يا ابنى اللى شاورت عليه، أنا باقول نجتهد سوا

د.”م”: (متداخلة) هوه كرر الحكاية دى كتير إنه مش عارف يوصف، وانا قلت له إنى مش فاهمة حاجات كتير، مع العلم إنه بيتكلم بشكل أكيد عن حاجات واضحه له تمام

 (*) إسهام توضيحى أمين من الطبيبة الصغيرة، ربما أعلنته حين اطمأنت إلى اعتراف كل من الأستاذ ورشاد بدرجة ما من “عدم الفهم” ومع ذلك لاحظت استمرار الحوار.

د.يحيى: أه ، أنا فاهم شوية ومصدق، بس احنا لو دققنا شويتين، حاتلاقى فيه كلام كتير مش ماسك فى بعضه،(وده يفسر جزئيا عدم الفهم) ولو بالطريقة العادية اللى بنفهم بيها

د.”م”: لا لأ هو بيقول مش عارف أوصف لك

د.يحيى: هو بصراحة بيعمل اللى عليه، بيحاول يوصف وإنتى كاتبه كلامه بالحرف، دا ما كانشى ناقص إلا إنك تعملى زى ميكى تكتبى جرْرْرْرْررر، عشان توصفى المشاعر اللى وصلتك، (يلتفت إلى رشاد فجأة شاكا أنه غير متابع)

د. يحيى: إزيك  يا بو الرشد؟

رشاد: الحمد لله

د.يحيى: تعبتـَك أنا بالأسئلة، ماعلش

رشاد:  أنا قلت اللى قدرت عليه

……..

……..

[1] – يحيى الرخاوى: “قراءة فى عيون الناس” (فقه العلاقات البشرية (3)، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، 2018.

[2] – يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (ص 387) سنة 1979.

(16) مزيد عن الإعـدادْ

(16) مزيد عن الإعـدادْ

(16)

مزيد عن “الإعـدادْ”..!:

د.يحيى: إنت كلامك يا رشاد بيوصلنى منه معانى أعمق بصحيح، حتى لو مش واضح، كلمة “الإعداد” دى رنّت عندى كده زى ما هى، وبعدين إنت لاحظت الصعوبة اللى عند الدكتورة، وقلت لها فى وسط الكلام (يقرأ)  “…..إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمّعى”، هى ماكانتش بتجمع ولاّ إيه ؟

رشاد: معقول؟ ماحصلش إنى  أنا أقول كده

د.يحيى: الكلام ده متسجل يا رشاد، بإذنك، ما هو التجميع برضه مسئولية، ما هو لو اتجمع الكلام مع بعضه كده تروح عارف معناه قوى، تلاقيك شلت مسؤليته، تبقى مصيبه تقيلة، إنشالله ما حد جمّع،  إنت بتجمع ولا لأه يا رشاد؟

 (*) هذا تفسير آخر (فرض عامل من قديم) يفسر ما نسميه عدم الترابط incoherence بأنه ليس مجرد فشل فى ترابط مسلسل هادف، وإنما هو قد يحدث عند الفصامى (وربما غيره!) نتيجة أن الكلمات تصبح أقل اغترابا وبالتالى أكثر ثقلا، بمعنى أن الكلمة تحمل معناها جدا (جدًّ!!)، وفى هذه الحالة يصبح “لضمها” (= ربطها) فى ما يليها أصعب، تماما مثلما تحاول أن تلضم حبات عقد من حبّات رصاص مصقول، مقارنة بنفس المحاولة حين تكون الحبات من خرز خفيف مثقوب، يحدث ذلك ربما لأنه فى بداية الفصام يمر رشاد بمرحلة رفض الاغتراب العادى، فيدب المعنى الأعمق والأشمل فى كل لفظ بلا استثناء، فتثقل كل كلمة فى ذاتها نتيجة لعودة المعنى كله إلى كل كلمة على حدة، أى: كلمة كلمة، وبالتالى تزيد صعوبة الترابط معا لتشكيل سلوك كلامىّ غائىّ محدد، ومن هنا يحدث التفكيك (عدم الترابط) نتيجة خلخلة المسار الغائى، وهربا من مسئولية الفعل الملزِم المبالغ فى إلزامه بعد إحياء المعنى لكل كلمة هكذا، كما يتجسد للفصامى (أو الذهانى عموما)، فيكون الكلام العادى أقرب إلى وقفة بحث أمام هذه الصعوبة، أقرب إلى قول صلاح جاهين “هوه الكلام  يتقاس بالمسطرة“؟ وقد ورد هذا فى وعى رشاد حين نبه الدكتورة – (ربما باعتبارها نموذجا للعادى قائلا)  “…..إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمّعى، وبدلا من أن نعتبر هذا نوعا من التطاول على الطبيبة، قبلناه باعتباره محاولة من رشاد أن يؤكد موقفه بالنسبة للخطوة الأولى للتفكيك: أن الكلام العادى امتلأ بالمعنى حتى أصبح أثقل وبالتالى أكثراغترابا بالنسبة له، فامتلاء الكلمات، كلمة كلمة، بمعانيها الأصيلة من جديد يجعلها أكثر ثقلا، فهو يطلب من الطبيبة أن “تركز معه” حتى يصلها ما يريد توصيله، مع الاعتراف بثقل وجدية الرسالة التى تحتاج من الطبيبة “..أن تجمّع بشكل خاص” ، وفى نفلس الوقت هو يعترف أنه شخصيا لا يستطيع أن يجمّع كما ينبغى، وها هو يرد على سؤال الأستاذ “إنت بتجمّع يا رشاد”؟

رشاد: أنا؟ شويه وشويه

د.يحيى: صح، بس الجماعة العاديين دول يقولو لك احنا بنجمع مية مية، إنما الطيبين اللى زيك وزى الدكتورة يمكن يقولوا  شويه كده وشويه كده، إنت رجعت تحدد كلامك بتقول للدكتورة “م” (يقرأ):  “… إسمعينى يا دكتوره الأول علشان تعرفى تجمعى، حاكـلـِّمِك من ناحية الشغل، أنا دخلت الشغل وأنا قاصد أنى آخد منه خبره “إعداد” يعنى، وأتنقل لمكان تانى” أنا يا رشاد قعدت أعيد وازيد فى استعمالك كلمة “إعداد” ما وصلتش لحاجة واحدة تلم استعمالاتك المختلفة ليها، شوف بقى انا اشتغلت كام سنة، وسمعت كام عيان، ولسه مش عارف معنى الكلام قوى

رشاد: هو عند حضرتك كام سنه؟

د.يحيى: أنا قربت على التمانين، ما بطلتش أشتغل فى بلدنا دى- إلا سنة واحدة – طول السنين اللى فاتوا من يوم ما بقيت دكتور، ما سمعتش حد  استعمل كلمة “إعداد” أبداً بالمنظر ده، والله يا رشاد باكلِّمك جد، كتر خيرك يا ابنى، ما هو من عيوبى إنى باقبل كل حاجة، خصوصا الجديدة عليا، أنا احترمت الكلمة مع إنى لسه مش فاهمها لحد دلوقتى،  وانت حاولت تشرحها للدكتورة وليَّا دلوقتى برضه ما رسيناش على بر….، على فكرة أنا استنتجت دلوقتى، يمكن صح، إن “الإعداد” عندك أصناف:  فيه إعداد اللى بيقولوا عليه واحد زائد واحد يساوى أثنين: أقعد خمس سنين أكسب، أوفر، أحوِّش، أسافر، أجيب فلوس أكتر، أرجع أعمل مشروع، وأكرر اللى حصل، أهو ده نوع من “الإعداد” وده أبسط  “إعداد”. الإعداد التانى هو اللى أحنا بنعمله  سوا دلوقتى، وانت برضه شاورت عليه، وده أصعب إعداد لأنه مالهوش معالم واضحة زى دكهه.

 (*) هذه المحاولة المثابرة لاستعمال نفس الكلمة استعمالات متنوعة فى سياقات متعددة لا بد أن تكون جادة تماما من ناحية الطبيب، وإلا سوف نجد أنفسنا فى الموقع الذى نهينا عنه بحزم مطلق، موقع “اخذ رشاد على قد عقله” المحاولة هنا هى للاقتراب معا من مفهوم تقريبى مشترك لخبرة جديدة يعيشها رشاد، ويعجز عن وصفها وبالتالى عن توصيلها كما يريد، فيعترف الطبيب بعجزه هو أيضا عن الإلمام بالمراد، وفى نفس الوقت يواصل قبول الاستمرار مع الغموض، وهذا المنهج من أهم ما يـُطـَمـْئـِنُ رشاد على جدية التناول، واحترام الخبرة، حتى يبدو أنه قد تبادل الموقع مع الطبيب، فراح يسأله:

رشاد: يعنى احنا كده نُعتبر بنعمل إعداد؟

د.يحيى: ما انت اللى قلت

رشاد: يبقى هو صح يعنى اللى انا قلته؟

د.يحيى: مش أنت قلت سمعت الدكتور يحيى قال لى كلمتين حسيت بعدهم ان الدم عاد يجرى فى عروقى، حتى أنا مش عارف أنهى كلمتين دول اللى أنت لقطتهم.

رشاد: بس هو حقيقى، إن الدم جرى، حسيت “بإعداد” بجد

(*) يبدو أن رشاد قد اطمأن أن هناك من يحاول أن يفهمه، ولو جزئيا، وبرغم أن الطبيب أرجع له المسألة إلا أن رشاد اطمأن نتيجة محاولة الطبيب الجادة واعتبرها إقرارا لحقه فى الخبرة التى يعايشها فيرصدها هكذا بكل هذا الصدق، وبكل هذا العجز فى نفس الوقت، وحتى الآن هو لم يحدد “الكلمتين” اللتين وصلتاه من الطبيب فوثقت العلاقة هكذا ، وقد تصورت أن تعبير “الدم عاد يجرى فى عروقى” هو إشارة إلى نوع من التواصل من خلال المجال الحيوى الذى يحتوى أى اثنين يمارسان محاولة تواصلٍ حيوى أعمق، وهو الذى أشرنا إليه سابقا([1])، والغريب أنه ربط بين هاتين الكلمتين المجهولتين، وبين الإحياء الذى يشير إليه تعبير “الدم بيجرى فى عروقى” ثم بين هذا وذاك وبين كلمة “إعداد” التى أصبحت إحساسا “حسيت بإعداد بجد”، فامتد معنى الإعداد ليتضمن هذا النوع من التواصل بشكل ما، الذى هو فى نفس الوقت نوع من “الإدراك”، وصفه بثلاثة طرق مختلفة ، فيستوضحه الطبيب:

د.يحيى: بتقول الدم إيه ؟     

رشاد: أنا حسيت بدمى حاضر

د.يحيى: الدم بيجرى من الكلمتين اللى أنت فاكرهم نص نص دول؟ طب إيه همّا؟

رشاد: أه

د.يحيى: ولاّ من المقابله، كلها على بعضها؟

رشاد: يمكن من المقابلة كلها، الظاهر كده، بس حضرتك ليه ما قعدش معايا يوميها أكتر؟

(*) هكذا وصلنا إلى بُعدٍ آخر وهو كلية الإدراك  المتبادل (إن صحّ التعبير) التى تسبق وتلحق التواصل بالكلمات، وربما يطلق عليها حوار الوعى البينشخصى، Interpersonal Consciousness إذن فالمقابلة “كلها” كانت لها هذه الأثار التى ذكرها رشاد، لكن وسيلتها الظاهرة هى الكلام الذى أوجزه رشاد فى تعبير “كلمتين”، ثم إنه لما وافق رشاد أن المقابلة كلها على بعضها هى التى كان لها هذا التأثير الذى اعتبره إيجابيا بشكل ما (الدم بيجرى فى عروقى) ، وقام بالإعلان عن سابق رغبته فى أنه كان يتمنى أن يطول وقت المقابلة ربما تأكيداً لهذا الأثر الإيجابى، أكثر منه رغبة فى التنفيث والحكى، فيعتذر الطبيب قائلا :

د.يحيى: صح، أظن يوميها كنت مستعجل، ولاّ يمكن حسيت إن كفاية كده، الجرعة كانت كبيرة حبتين، يمكن، ما هو احنا اتقابلنا تانى بعدها، وادينى باقابلك النهارده أهه، يا ابنى انت عفريت، آه والله، الله يفتح عليك، والله انا خايف بعد ما تعبتك كده أقصّر فى حقك

رشاد: يعنى بعد كل ده يا دكتور!!؟؟

د.يحيى: آه، يعنى خايف ما نبذلشى جهد كفاية، يا ابنى انا مسئول زى ما انت مسئول، انت عارف الدكاترة الخواجات ممكن يعملوا إيه؟ هما دكاترة طيبين، بس يقولولك “هو حر يعمل اللى هوّا عاوزه”، ويخلعوا ، حقوق الإنسان بقى!!! بقى دا كلام؟ الحرية مشاركة ومسئولية، الله !!! فيه ناس عندهم فاكرين إن مافيش حد حر غير اللى بيبيع الحرية المغشوشة بتاعتهم، مع إنه فيه كتير منهم ما بيستعملهاش بالعدل، حريته بتسمح له إنه يقتل الناس بالجملة، ولاد ستين فى سبعين يسقفوا للقتلة ويقولوا لك تعالى خد لك شوية “صبر” من “سوبر ماركت” الحرية

رشاد: هما فاكرين أنهم بيحلوا القضية كده

د.يحيى: قضيه إيه ونيلة إيه، دى حتى كلمة “قضية” دى أنا ما عنتش باحبها،  …..

(*) نلاحظ هنا كيف سمح الطبيب لنفسه أن يتكلم عن مأزقه المهنى (والشخصى غالبا) مع الإشارة إلى الفروق الثقافية التى تؤرقه، ثم استطرد – ربما بغير وجه حق إلى نوع من التنفيث عن نفسه لرشاد (فى حضور الدارسين) ويحتمل أنه أراد أن يوصل رسالة ضمنية حول هذه القضية للدارسين، وربما هو قد وثق فى مريضه بنفس الدرجة التى وثق فيها مريضه به، فراح يتحدث عن آرائه بعيدا عن المحور الأساسى للمقابلة وهو العلاج أساسا، مرورا بالفهم التركيبى، وقد تجاوب رشاد مع الطبيب بجدية حين علّق “هما فاكرين إنهم بيحلو القضية”، ثم يبدوا أن الطبيب انتبه إلى هذا الاستطراد فعاد بسرعة إلى استكمال المقابلة فيما يهم رشاد ويهمه قائلا :

د. يحيى: (يكمل): نرجع تانى بقى ندوّر على الكلمتين اللى جرّوا الدم فى عروقك، وعلى “الإعداد” اللى انت بتقول عليه، إحنا كده بنجيب شوية علم، ونقلبهم عمل، مش انت اللى قلت إن  العمل والعلم بيخشوا وبيملوا “الأوَض” بتاعة العقل، وكلام من ده، أهو أنا أهه عمال أزوّد فى جرعة العلم اللى يزقنا للعمل عشان يمكن يساعدنا نوصل لقرار.

(*) اعتراف الطبيب أنه يتعلم من “رشاد” ومن خبرته التى يمر بها، يؤكد من جديد لرشاد مشاركته فى “البحث” إن صح التعبير، وفى هذه الفقرة ارتباط ما بجزئية من فرض  تمثّل المعلومات بالمعنى الأشمل، الذى يُضَمِّن ما نعمله مع ما نتعلمه، باعتبار مانعمله هو أيضا  “معلومات” قابلة للهضم والتمثل كذلك، مما قد تتاح له فرصة لتفصيل لاحق، بعد الاستعانة بمن هم أكثر علما منى فى كل من العلوم الحاسوبية ، وعملية “معالجة المعلومات”.

رشاد: (………..) أنا عندى شوية أسئلة، ممكن؟

د. يحيى: إسأل زى ما انت عايز

 رشاد: بس هى حاجه ممكن أطلعها الأول، عشان أنا كتبتها، بس هى يعنى أنا قلتها تقريباً قبل كده        

د.يحيى: ماعلش ده حقك ، خد راحتك

(………..)

رشاد: هى أول حاجه عن تصطيب البرنامج ( (Set up

د.يحيى: أنهى برنامج  

رشاد: أى برنامج، عادة بيحصل بتتغير حاجات كتير أوى عندى

د.يحيى: إستنى بس، هوّا أنت بتتكلم عن الكمبيوتر اللى أنت أخدت دورات فيه؟

رشاد: الكمبيوتر اللى هو الكمبيوتر العادى

د.يحيى: ماله؟ ماله الكمبيوتر العادى

رشاد: لما باجى “أصطب” برنامج معين باحس بحاجات غريبه عندى

د.يحيى: طب ده علاقته إيه بحالتك؟ (…………….)

رشاد: مش عارف ما هو برضه الكلام نفس الحكاية،  أنا لما باجى أتكلم مع حد بيحصل برضه باحس إن اللى بيكلمنى ده بيتعبنى، بيقصد حاجه معينه أوى

د.يحيى: اللى هى شد العقل ديه زى شد شعر الست عند الكوافير اللى قلتها للدكتورة “م”؟

رشاد: مظبوط

(*) وصلنا إلى ما يذكرنا بالتحذير والحذر من أن تكون قدرة رشاد على الوصف بهذه الطريقة مرتبطة بشكل أو بآخر بتدريباته على الكمبيوتر، وليست فقط نتيجة لنشاط العين الداخلية، وهو هنا يعترف بأنه يستعمل لغة التدريب فى محاولة فهم ما ترصده العين الداخلية لدرجة أنه حين يتكلم، فيكلمه أحد ، يشعر بتعب (ألم/شد) كما سبق وصفه، وهذا أيضا مرتبط بفرض أن نشاط العين الداخلية لا يرصد فقط الخلل والتداخل والتصادم ومحاولات التصحيح، وإنما يرصد أيضا ما يترتب عن ذلك من أحاسيس، (شدَ، ألم، وجع)، ومن صعوبات فى نفس الوقت. ثم يواصل الطبيب:

د.يحيى: طيب السؤال التانى؟

رشاد: أنا لما ظنيت إن فيه حد يقصد حاجه معينه قعدت أسأل هوه  ماحدش ليه بيعترف لى إذا كان فيه حاجه؟ لو فيه حاجة ..يقول لى

د.يحيى: طيب وانا حاجاوبك على السؤال ده ازاى؟

رشاد: يعنى أنا فيّا حاجه؟  فيّا يعنى؟

 (…………….)

د.يحيى: باقول لك أنا إيش عرفنى، احنا بنبتدى من “هنا ودلوقتى”،  مش احنا بنعمل “إعداد” اللى انت قلت عليه دلوقتى

رشاد: مظبوط

د.يحيى: طيب ما انا باحترم  يا أخى اللى انت قلته وباستعمل لغتك أهه حتى من غير ما أفهم قصدك قوى

رشاد: يعنى احنا دلوقتى بنعمل “إعداد”؟

د.يحيى: ما أنت اللى قلت

رشاد: لأه، إذا كان صح قول لى صح

(*) ما زال رشاد يلح ، مثلما كان الحال فى بداية اللقاء، وهو يسأل عن حقيقة مشاعره وخبرته وأفكاره، وما إذا كانت إحساساته هذه – بما يترتب عليها – هى واقع فعلا، أم أنها وهم كما يصفه مَنْ حوله، وهو هنا يتمادى فى تساؤله فى نفس الاتجاه ليس مكتفيا بمجرد الإقرار بحقه فى معايشة ما يشعر به ويعلن عنه، ولكن ربما يمتد تساؤله عن ما إذا كانت لغته الخاصة (مثلا فى استعماله للفظ “إعداد” بهذا الوضوح والإلحاح) وخبرته فى كل ما وصفه، وأيضا ما يترتب عن هذا وذاك، أو يصاحبه من آلام الشد مثلا، وهل يمكن أن يكون كل ذلك صحيحا أم لا، ويبدو أن ثقته فى الطبيب تضطرد بحيث يتقدم خطوة خطوة نحو قبوله كمرجعية تطمئنه بشكل ما “إذا كان صح قول لى صح”، وهنا على الطبيب أن يحذر أن يفرح بهذه الخطوة أو أن يتمادى فى قبول هذا الدور، حتى لا تزيد الاعتمادية، أو يضطر للموافقة الاستسهالية بديلا عن الاجتهاد المشترك، وها هو الطبيب ينتبه إلى ذلك:

د.يحيى: لأه، أنا ماليش دعوة، أنا مااعرفشى، إنت بتستعمل كلمات جديدة علىّ، أو على الأقل بتسعملها بطريقة جديدة، ما يمكن تبقى لها عندى معنى تانى، إنت سميت اللى بيحصل بينـّـا  “إعداد”، وانا موافق، مع إنى مش فاهم قوى يعنى، لكن واحنا بنشتغل يمكن أكتشف إن له اسم تانى عندى، أو يعنى افهمه بمعنى تانى

رشاد: أيوه بس أنا ناقص عندى التأكيد بس

د.يحيى: أأكد إزاى أكتر من اللى أنا قلته لك بكل صراحة

رشاد: لأه تأكيد يعنى أنا أقول لحضرتك ده “إعداد” ما تسيبنيش بقى كده تايه قل لى

د.يحيى: أقول لك إيه؟ ما هو أنا يا أبنى لو قلت لك آه من غير ما افهم كفاية،  أبقى كذاب

رشاد: إزاى يا دكتور؟

د.يحيى: كلمة “إعداد” عندك بتعنى حاجات بتوصلنى بالتقريب للى انت بتشاور عليه، وبامشى معاك واحدة واحدة،  بس يمكن أنا أسميها إسم تانى لما الأمور توضح، إنت عايزنى أوافقك وخلاص؟

رشاد: بس أهم حاجه يبقى المفهوم واحد

د.يحيى: ما هو مادام إحنا أثنين ما يبقاش المفهوم واحد كده على طول،  المهم نعمل حاجه سوا عشان نوصل لمفهوم واحد ، أو يمكن نوصل لمفهوم قريب من بعضه، مش هوه هوه، على قد ما نقدر، هى دى الحياة، غير كده يبقى اختزال واستعجال واحتمال ضرر، أنا باحاول أستحمل وانت برضه تستحمل إنك انت تقول كلمة، وأنا أقول كلمه تانيه وهما يمكن ليهم نفس المعنى ويمكن لأه، ونجتهد مع بعض، إمال نختلف إزاى يا رشاد، ونستحمل بعض إزاى، ما هى كده الأمانه الحقيقية، الطبيب ساعات بيبقى مهمته الترجمة للى بيقوله العيان حسب مصطلحات المرض، بس اللى احنا بنعمله ده حاجة تانية، زى ما يكون بنتعرف على حاجة مشتركة، مش واضحة قوى، لنا احنا الاثنين، يعنى أنا مش أترجم لك أول بأول، لأه، بنتعرف عليها واحنا بنطبقها يعنى، واحنا بنستعملها، حتى ولو كل واحد إداها اسم مختلف ما يجراش حاجة، ولو حتى نغيرها بعدين، برضه مايجراش حاجة.

رشاد: هو انا أطبقها ازاى عندى

د.يحيى: أولا انت اللى اقترحت، كلمة “إعداد” وبرضه حكاية “الدم بيجرى” وانا وافقت، وبنطبقها يا أخى بالعمل، يعنى نتفق إن فيه منطقه مشتركه هىّ اللى احنا بنشتغل فيها دلوقتى، والباقى نسيبه ونشتغل برضه، وكل مانفهم أكتر نرجع نشتغل اكتر ونقرب أكتر، فالأمور تقرب من بعضها أكثر وأكثر، كده تستمر الحكاية.

 (*) تركت هذا النص الطويل نسبيا دون أن أقطعه بتعليق، لأننى أعتقد أنه يحمل تنظيرا كافيا لما أريد بيانه، لكن السؤال يقفز ليقول هل كل هذا التنظير يفيد رشاد علاجيا؟ أم أنه تمادٍ من قبل الطبيب (الباحث) فى شرح فروضه بغض النظر عن حاجة رشاد لذلك؟ الإجابة من خبرتى أنه مفيد علاجيا أيضا خاصة بالنسبة لحالة “رشاد”، ومثلها ثم إننى كثيرا ما أجد أنه أسهل علىّ أن أشرح فروضى ونظرياتى للمرضى من أن أشرحها للزملاء، خاصة الأكبر سنـًّـا.

رشاد: (…………) يعنى اللى بيقولوه ده هوه الحقيقة ولا لأ، هوّه حصل ولاّ ما حصلشى؟

د.يحيى: (…….) إذا أنا جاوبتك وقلت لك إنه لأ ما حصلشى، وانت بيتهيأ لك، يبقى زيى زى غيرى، ما فيه ألف واحد قال لك كده، ما ينفعشى، واحنا اتكلمنا فى الحكاية دى من الأول خالص، خلينا  “هنا ودلوقتى”.

 (…………….)

رشاد: وإيه العمل يعنى؟  الماضى بلاش منه، ما هو فى البيت برضه كان..

د.يحيى: لأه ، ما هو الماضى موجود جوانا، …..خلينا دلوقتى فى الباب اللى اتكسر، واهو لسه مكسور لحد دلوقتى، وَلاّ انت مش ملاحظ، وعندك المِجرى اللى بتتملى وتحوّد، والاخْرام ، …….، إحنا فى دلوقتى واحنا بنعمل “الإعداد” مانقعدش بقى نكرر فى الكلام اللى فات، اللى فات مش حايتصلح إلا لو كان “الإعداد” دلوقتى صح ونفع، أنا باستعمل كلمتك على فكرة، وسايبها ترن زى ما ترن عندك وعندى، أنا ما ليش دعوة.

رشاد: بس أنا خايف حد ييجى يضيّع “الإعداد” اللى أحنا بنعمله

د.يحيى: ما ييجى، ما احنا سوا، إحنا قدها وقدود      

رشاد: مش حاييجى هنا طبعاً، حايستفرد بيا فى أى حته

د.يحيى: ما أحنا مع بعض حتى لو أنت فى السعوديه إحنا مع بعض إنت فاهم أيه! ما هو ربنا معانا هنا وهناك، وهو هو اللى بيلمنا على بعض مهما بعدت المسافة

(…………….)

رشاد: هو فيه سؤال تانى بس هو اللى حضرتك جاوبت عليه

د.يحيى: اللى هو أيه  

رشاد: باقول فيه هو ده عمل يعنى انا باقوم بيه أسعد بيه ناس أخرين أو أعالج بعض الناس يا ترى النهايه فين

(*) لم يتكلم رشاد قبل ذلك عن مساعدة الناس، وقد رجحت أن هذا ربما يتعلق بالاستئذان المبدئى لتسجيل هذه المقابلات لأنها لصالح العلم والتعليم، ومن ثم لصالح المرضى الذين هم مثله، وهذا التوضيح نقدمه لكل مريض، ونحن نأخذ إذنه، قبل بداية التسجيل من أول لحظة.

د.يحيى: ما أنا رديت عليه فى الأول زى ما انت شاورت حالا، مش أنت لوحدك اللى حاتقوم بيه، إحنا سوا سوا، دى وظيفتنا، ثم إنك انت لو خفيت صح، طبعا ده حاينفع الناس، بمعنى إنك انت لما تخف يبقى لك شكل وحضور حلو يوصل للناس، يقوم الخير يزيد والمجرى ما يتملاش قوى كده بالشكل الملخبط ده، والباب ما يتكسرشى وحاجات من دى

رشاد: إزاى ده يوصل للناس

د.يحيى: حايوصل عادى للشخص الطيب الجدع،  الشخص الجدع بيلقطه لوحده،  وأنت جدعنتك اللى حاكلمك  فيها واحنا بناخذ القرار، حاتبان، بس  يعنى بعد كل الهيصه اللى عملتها فى حياتك دى، لسه جدعنتك عايزة شغل، الظاهر هى كانت جدعنة من بره بره، كانت جدعنة بتتنطط، وبرضه كانت عمرها قصير بعد كل نطة، وحاكـِم العيوب دى بتخـَلـّى الجدعنه مش جدعنه، أول حاجة فى “الإعداد” اللى احنا بنعمله دلوقتى إن نـَفـَسْـنا يبقى طويل كفاية، والمسألة عايزة صحبة بحق وحقيق،  عشان تستمر.

 (*) يلاحظ هنا مواصلة استعمال كلمة “إعداد” دون الوصول إلى ما يقصده رشاد بها، ودون اعتراف الطبيب بأنه فهمها، وهذا وارد ومفيد، وأعتقد أن هذا له علاقة بنشأة اللغة عموما، وأيضا ، بمناسبة أننا ما زلنا فى محيط “الإدراك” أعتقد أن له علاقة بالإدراك غير التفكير بالرموز المصقولة المتفق عليها.

ثم إن ثَمَّ فرض آخر خطر لى الآن برغم أنه بعيد نسبيا حتى عن الطب النفسى، لكنه يمثل حقيقة مهمة فى حياتى، وايضا فى جانب من ممارستى مهنتى، وهو أن أى إنجاز بيولوجى حقيقى يتم ولو عند شخص واحد، ويكون فى اتجاه الفطرة السليمة بالمعنى العلمى أساسا، هو قادر على أن يسهم فى حفظ سلامة الفرد امتدادا إلى صالح النوع بشكل غير مباشر، (وقد تأتى مناسبة لتفصيل ذلك فى وقت لاحق) ، هذا الفرض مهما كان ضعيفا يساعدنى على بذل الجهد مع كل حالة، وكأننى أصحح التشويهات التى حدثت لكل البشر، وأنا أعالج مريضا واحدا، وأفهم منه معنى الآية الكريمة: “….  وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”!!!!([2])

[1] – يحىى الرخاوى:  ملف الإدراك – العين الداخلية  “اللجوء إلى دوائر الوعى الأوسع لاستعادة الواحدية”  نشرة الإنسان والتطور اليومية، (22-5-2012) www.rakhawy.net

[2]– سنعيد هنا قول جتكر: “هل تعلم أن ما تقوله أو تفكر فيه أو تفعله الآن سوف يؤثر في الملايين غداً…..الخ”

(17) رصد عملية اعتمال المعلومات بالسرعة البطيئة:

(17) رصد عملية اعتمال المعلومات بالسرعة البطيئة:

 (17)

رصد عملية اعتمال المعلومات بالسرعة البطيئة:

د.يحيى: (…) نرجع للى أنت قلته للدكتورة “م”، نفس الكلام تقريبا، بس بألفاظ تانية (يقرأ): بتقول:

 “…يا دكتوره لما باعيد الكلام باحس إن  فكرى إتاخد منه حاجه”

 أنا بيتهيألى إن دى حاجة قريبة من إن  حد بيشد دماغك ، ومن التعب اللى بيجيلك وانت بتتكلم، والحاجات دى، تعالى نشوف الأحاسيس دى كلها إيه اللى يربطها ببعضها.

 (*) إشارة جديدة إلى الفرض الأساسى عن إبطاء عملية فعلنة المعلومات مع احتمال رصدها بالسرعة البطيئة بالحاسة الداخلية، وهذا له علاقة بدوره فيما ذهبنا إليه من فرض أن رشاد اصبح قادرا على أن يرصد حركية “معالجة اعتمال المعلومات”([1]) بالسرعة البطيئة سواء فى سيرها السوى أو فى انحرافاتها وتصادماتها الجديدة بعد إبطائها أو تعثرها.

رشاد: لأ هى الفترة اللى فاتت ديه كان أى حد يقول لى أى حاجة باحس أن أنا باعيد الكلام،  المفروض يكون عادى أنى أعيد الكلام عادى،  بس كنت أحس أن ده بيسيب أثر عندى، فيه  تعب غريب فى الحكاية دى.

د.يحيى: أيه اللى يتعب فى إنك تعيد ، بيحصل إيه؟ 

رشاد: ده شئ طبيعى،  المفروض إنى أعيد الكلام مافيش أى حاجه خالص

د.يحيى: يعنى إيه نعيد الكلام اللى بيحصل؟  حاول تشرح عشان أفهم

رشاد: باحس زى ما يكون فيه شق بسيط

د.يحيى: “شق” فين تانى؟!!    

رشاد: فى العقل برضه ما هو كله فى العقل 

د.يحيى: حانرجع تانى للشق والخرم والحاجات دى

(*) ما زال رشاد قادرا على أن يصف ما يقرّبنا من جديد إلى فرض انفصال عمل نصفىْ المخ الكرويين، وعدم تناغمهما معا، بحيث يمكن أن نقرأ هذه الشكوى الجديدة باعتبارها إشارة إلى “فرق التوقيت” بين عمل النصفين ولو بجزء من ثانية، ونلاحظ هنا كذلك تعبيره أن هذا امر طبيعى، (ده شىء طبيعى) وكأن كل ما زاد عنده مع بداية المرض هو أنه اصبح يرصد ما يجرى.

 وهكذا يمكن أن نطور الفرض لنتصور أن النصفين الكرويين فى الأحوال العادية لا يقومان بنفس العمل، دع جانبا الآن الاختلاف النوعى فى الوظائف، وإنما نحن نشير إلى معالجة المعلومات والإدراك فى نفس الجزء من الثانية، لكن الشخص العادى لا يرصد ذلك أصلا، أما فى حالة الشق الوظيفى للجسم المندمل ([2]) وهو ما يفصل تزامن عمل النصفين الكرويين عن بعضهما وهو أحد فروض إمراضية الفصام، أو ما يوازيه، مع إبطاء العملية ، فإن وصف رشاد ينطبق على هذا الاحتمال برغم إقرار رشاد – مرة أخرى–  أن ده أمر مفروغ  منه “ده شئ طبيعى،  المفروض إنى أعيد الكلام مافيش أى حاجه خالص” إذن فمم الشكوى؟ يضيف ما يشير إلى أنها متعلقة بهذا التباين بين عمل النصفين بما يعبر عنه بأنه “شق بسيط”، وحين يضغط عليه الطبيب ليزيد الأمر وضوحا يكتفى بأن يعلن أن هذا يجعله يشعر أنه “ليس طبيعيا”،

(*) وبرغم تكرار هذه الشكوى من رشاد بصور مختلفة، إلا أن المتابع معنا لا بد أن يلاحظ أنه فيما عدا الوصف الدقيق للصعوبة والأحاسيس المصاحبة لكل الجارى، وبتفاصيل التفاصيل، إلا أننا نلاحظ أنه لا يوجد شىء غير طبيعى يمكن أخذه على تسلسل تفكيره ووصفه لحالته، فهى خبرة ذاتية صرف، لكنها شديدة الموضوعية (التعبير مقصود لو سمحتم)

رشاد: هو ما باحسش إن أنا باقول الكلام طبيعى

 (*) لا يقتصر شعور رشاد بغرابة الوظائف المعرفية برغم سلامة الأداء، على التلقى والإدراك، وإنما يمتد إلى ما أسميناه ذراع الإخراج  Afferent  بعد الهضم والتمثل فى عملية فعلنة (معالجة) المعلومات، مع ملاحظة قدرة رصد هذه المرحلة أيضا بالحاسـَّة الداخلية في حالة المرض (والإبداع!!).

د.يحيى: أنا حكيت للدكاترة أظن بعد ما مشيت المرة الأولانية عن واحد عيان كان بيبذل جهد إرادى كإنه بيزق السطر وهو بيقرأ عشان يخش مخه، أنا شايفك يا رشاد بتعمل العكس بالظبط، إنت بتبذل جهد عشان الكلام يتقال، خصوصا لو كان متَعادْ؟ هل ده صحيح

رشاد: لأه

د.يحيى: طب قوللى إيه الصحيح

رشاد: زى مثلاً يا دكتور وانت بترتب أى مجموعه ورق،… تمام!؟ تيجى تسحب الورقه اللى هى فى النص، تسحب منها مثلاً ورقه من النص، تقع منك، عشان ترجعها تانى تاخد وقت، وما ترجعشى غالبا.

(*) رفْضُ رشاد موافقة الطبيب على القياس بالمثل الذى طرحه نقلا عن المريض السابق الذى جاء ذكره فى (ص 18)، له دلالة مهمة فى نفى احتمال “الإيحاء” الذى يقفز إلى أى متابع لنا لا يستطيع أن يتابع ما لا يفهمه كما اعتاد، فيضع باستسهال احتمال الإيحاء ، ثم يكمل رشاد ما هو أهم فيما يتعلق “بذراع الإخراج” ويشرح صعوبة أو خطأ انتقاء الوحدة المعرفية/المعلومة المناسبة لإتمام هذه الخطوة من عملية المعالجة، بقوله “أنه يريد أن يرجع الورقة”، فقد يكون ذلك ضمن تفاصيل عملية الانتقاء والمراجعة، وهو يعلن هنا أنه يفشل أن يعيد تنظيم الأوراق (المعلومات) لتكوين الفعل أو الأداء أو التشكيل الهادف فى لحظة معينة

د.يحيى: كده؟ الظاهر أنا فهمت حاجه تانيه مهمة برضه، طيب ،ننتقل لحاجة من اللى انت قلتها برضه، بتقول (يقرأ):

“التليفزيون كانت ذبذباته بتسبب لى حاجات معينة، مش قادر أشرحها..، صداع”

  أنهو برنامج كان بيسبب لك صداع

رشاد: التليفزيون كان بيعمل زى الإريال لما تيجى تظبط التليفزيون،  باحس إن فيه وشوشه شويه،  فالوشوشه ديه كانت بتجيب عندى أنا صداع

 (*) برجاء مراعاة عدم اختزال كلمة صداع هنا إلى الاستعمال الشائع (أنظر ص 18)

ثم دعنا نذكر مرة أخرى بأن العين الداخلية ليست عينا ، وإنما هى عضو “حسى شامل”، وكلمة وشوشة هنا أقرب إلى حس السمع، لكنى أفضل ألا أسميها الأذن الداخلية، لأن الحس الداخلى ليس مقسما – على حد فروضى – حسب الحواس الخمس خصوصا فى مرحلة البداية النشطة المستمرة مثل حالتنا هذه المليئة بالأحاسيس الكلية المتنوعة كما يصفها رشاد.

د.يحيى: ماشى، بس بتقول برضه (يقرأ): “باحس إن فيه حاجه بتتغير فى فكرى، إن فيه حاجه بتتشد”، إيه هى ديه بقى؟

رشاد: أه، ده اللى بيحصل

(*) نلاحظ أن موافقة رشاد تكون جاهزة أكثر حين يكون المقتطف من كلامه هو أكثر من فروض وشروح الطبيب.

د.يحيى: (للحضور) طيب أنا كده خلصت تقريباً، حد عايز حاجه قبل ما أقول لرشاد كلمتين على السفر ومش السفر.

رشاد: هو أنت زعلت الأول من الورقه اللى انا طلعتها، وكنت محضرها، وفيها الأسئلة ؟

د.يحيى: بالعكس دى  كانت واضحه جداً، وضّحت بعض الأمور،  حازعل ليه

رشاد: بس حاسس كده إنك اتغيرت

د.يحيى: بس إحساسك ده جالك ازاى

رشاد: حسيت إنك اتشديت شوية، الابتسامه بتاعتك راحت

د.يحيى: ما أظنش، إنت من حقك تسألنى زى ما انت عايز، إنت سألت وانا جاوبت، و أنا سألت وانت جاوبت، إنت تسأل اللى انت عاوزه حتى غير الأسئله اللى كانت فى الورقة،  تسأل فى  حالتك،  فى السفر،  فى العلاج،  فى ربنا، فى قلة الأدب،  فى الأباحه، فى البنات،  اللى احنا زوغنا ما أتكلمناش عنها.

(*) نلاحظ هنا كيف يلاحظ رشاد الطبيبَ، وكيف يرصد تغيرات انفعالاته من تعبيرات وجهه، وكيف أن العلاقة توثقت حتى سمحت بهذه التلقائية المهمة، وهذه المراجعة الصريحة، الدالة على نمو المواكبة.

(……………..)

(…………….)

رشاد: طيب هو أنا ليه يا دكتور حصل لى كده ؟

د.يحيى: أولاً أهوه امتحان، وقضاء وقدر، ولازم كان فيه تحويدة صغيرة كده وكْبِرت

رشاد: حصل، بس يعنى ازاى

(*) تعبير “تحويده صغيرة كده وكبرت” يشير إلى أنه بالرغم من ظاهر إزمان المرض إلا أنه مازال فى مرحلة نشطة، وأن الانحراف عن السواء وتفكك الواحدية يبدأ صغيرا (وهو يتكرر فى الأحلام) فإذا تمادى بغير رجعة أو إعادة تشكيل، فإنه يكبر إلى مزيد من الإعاقة والمعاناة (المرض) ثم يكمل الطبيب الشرح ردا على سؤال رشاد: “بس يعنى إزاى؟”

د.يحيى: أنا باتكلم عن كفاحك اللى من بره بره، جدعنة وطموح، جدعنة وطموع، وما كانشى ده بيصب فيك، ما كانشى بيملاك، والحاجات ما كانتشى بتتوصل ببعضها، فعملتْ  قشره كبيرة جامدة حواليك، جامدة صحيح، شكلها حلو، بس ناشفه خالص، جيت حوِّدت انت على الكورة، وهات يا طموح برضه، بس كان الطموح ده شديد  قوى المرة دى،  وباين كان له معانى كتيرة عندك، رحت متقرطس بعد ثوانى من تصورك إنك حاتقطف التفاحة، راحت القشرة الجامدة الناشفة مطأطأة، رحت متمزع من جوه، حصل الشق، والخروم، واللى جوه نط برة، الدنيا اتقلبت عاليها فى واطيها بعد ما الباب اتكسر، كل ده وانت لامم الأمور على قد ما تقدر، وشايف وشايف وشايف ولوحدك، أظن إن ده اللى حصل يا ابنى واللى انت بتعمله دلوقتى، واللى احنا بنعمله معاك، هوه مش  تصليح، ولحام، هوه إعادة تنظيم وسماح، زى ما أنت قلت على حكايه ورقة من النص تقع منك، مش انت قلت كده؟ وبعدين قلت عشان ترجّعها تانى تاخد وقت، أهوّ احنا بنعمل كده دلوقتى بنحاول إن كل حاجه تتحط فى مكانها على الله ربنا يسهل، ويلضموا فى بعضيهم  لضمه زى اللبانه ما كانت ماسكه فى بعضيها قبل ما نشدها ساعة الشق نصين، زى ما قلت إنت. ما هو الواحد عايش أزاى،  السليم يعنى مش الشخص العادى، ما هو فيه فرق،

رشاد: يعنى إيه؟ أنا فاهم شوية، بس يعنى إيه؟

(*) مرة أخرى نلاحظ اجتهاد رشاد فى محاولة التتبع والفهم دون التسليم بالموافقة الجاهزة.

د. يحيى: أنا باتكلم عن السليم السليم خلقة ربنا، السليم مرن  زى اللبانه كده كل حاجه متماسكة ومتحركة فى نفس الوقت،  كل حاجه محطوطه مطرحها وفى نفس الوقت داخلة فى بعضيها وبتلف وتطرى وتتفرد زى ما انت قلت عن اللبانة، بس ما فيش حد بيشدها من طرفها ده قصاد حد تانى بيشدها من الطرف التانى، اللبانة ما بتتشقش نصين  بسهولة يا رشاد  إلا لما بتنشف،  وبعدين بقى لما الحكاية تتفندق، تَبقى سنة سوده،  لكن انت ما اتفندقتش على الواسع، انت لقطـّها وهى بتتشقق، قعدت تشوف وتحكى، وتشوف وتحكى، ولا حد واخد باله، والمِجرى تتملا وتُطفّ ورا المِجرى، والأوَض تفضى وتتملا، والباب ما يفتحشى بعد ما مُفتاحه ضاع، ييجى مجهول يكسره، وكل ده يا ابنى إنت قلته وشايفه، وانا باستعمل ألفاظك زى ما انت شايف،  التركيبة دى لما باظت خربت النظام اللى كان بيتعامل مع الحاجات اللى بتخش المخ اللى انت سميتها العلم والعمل باين، مفروض إن اللى بيخش ده يقعد يتنظم طول العمر، مرة فى الحلم، ومره فى العلم (اليقظة) ، مره فى قله الأدب، ومرة فى الأدب،  فاتلاقيه عمال يتعاد ترتيبه ، حتى لو رتبناه غلط، يتبقى فيه فرصة وفرصة وفرصة نصحح الترتيب بانتظام، تبدأ فى الحلم توموتيكى يا ابنى، انت معايا؟

(*) هذا الشرح ربما يوازى عملية “معالجة المعلومات” مع اعتراف الطبيب بجهله بتفاصيلها وخطواتها ونظرياتها، لكنه يحاول أن يوصلها لرشاد، وربما الذى شجعه على ذلك هو رشاد نفسه ونوع تلقيه.

رشاد: بأحاول

د. يحيى: أغلب الناس العاديين ، بتتغطى بالقشرة وتلمّعها ، وتبعد اللى جوه جوه قوى، وسلامتك وتعيش، وده مش عيب ما دام  مستوره و القشره جامده وقايمة بالواجب، أما لو القشرة تنشف، والاوض تتملا وتطف، والباب يتكسر، فخد عندك خصوصا لو حصلت خبطة جامدة زى حكاية عدم اختيارك فى فريق الكوره، تروح  القشره الجامده قوى قوى دى، تروح مشروخه، يبان بقى الغلط اللى كان موجود، ما نستسلمش بقى، والورق يتلخبط على بعضه، وتقفز مننا الحاجات تتنطط زى ما تكون ما صدّقت،  الغلط بيبان بقى بس مش بسهوله لأه، دا مره يسحبنا على قلة الشغل، ومره يسحبنا على كثرة النوم، ومره يسحبنا على الشك، نيجى نكتشف الحكاية زى ما بنعمل دلوقتى، نقبل ده كله،  ونبتدى نلمها واحده واحده، إيشى بالدواء وايشى “بالإعداد” اللى بتقول عليه، واللى لسه ما فهمناهوش قوى، يعنى، أهو ده جوابى عن سؤالك عن اللى حصل، ومش ضرورى يكون صح قوى، بس ده هوا اللى وصلنى من اللى احنا شفناه سـَوَا كلنا.

 (*) لم أستطع أن أتأكد أى قدر من هذا التفسير وصل للمريض، وأيضا لست متأكدا إن كنت أقصد آنذاك بتقديم هذا الشرح المطول الذى يمكن أن يعتبر أقرب إلى  “التحليل التركيبى”، لأبيّن فروض النفسمراضية التركيبة (السيكوباثولوجى) للمريض أم للحضور من المتدربين، إلا أننى الآن وأنا أعيد قراءة النص رجحت أن خطابى كان أساسا لرشاد، وأنه محاولة مبسطة لشرح الفرق بين “العادية”، و”السواء” وأيضا محاولة شرح أساسيات آليات عملية “معالجة المعلومات” واحتمالات خللها وخطوات العلاج، كما بدا لى الآن أن رشاد كان يتابعنى بشكل سمح لى بالتمادى فى وصف النفسمراضية (السيكوباثوجى) بالطول والعرض بهذا الشكل، والملاحظ هنا أيضا أن رشاد لم يدّع الفهم الكامل، ولم يبادر بالموافقة  بشكل تلقائى على ما قدمه الطبيب من شرح مفصل، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه حالا من أنه شخص ليس سهل الاستهواء أو جاهز للتبعية أو حتى المجاملة ، ثم إنه بعد رضا الطبيب بتحفظه فى الإجابة “باحاول”، سأل سؤالا بدا كأنه يريد أن يترجم ما سمعه إلى لغة أبسط يستطيع أن يفهمها، فسأل: 

رشاد: يعنى هو ممكن نقول تفكير زيادة؟

د.يحيى: جرى إيه يا رشاد؟!! إنت حاتعمل زى الدكاترة وتختصر الحدوتة اللى انا باحكى فيها بقالى نص ساعة فى كلمتين وانت عشتها 33 سنة، وتقول لى “تفكير زيادة؟” جرى إيه يا راجل وانت بتعلّمنا كل العلام ده،  تفكير إيه وزيادة إيه؟!! ،  اللى حصل ان الحاجه اللى كانت ماشيه مع بعضيها ما بقيتش ماشيه مع بعضيها، وادى احنا بنحاول نرجعها تمشى مع بعضيها بالدواء وبالعلاقه وبالعلاج وبربنا اللى هوا بيلم كله على بعضه بحق وحقيق، بيلمنا على بعضينا من ناحية بعضينا عشان نتلم ناحيته، إحنا وشطارتنا، هو مش بيلمنا زى جيش الشطرنج أو ورق الدومينو، لأه، هو بيهيأ لنا الوسائل اللى احنا نجتهد مع بعض عشان نتلم بيها،

(*) تبدو الجمل الأخيرة وقد غلب فيها استعمال أبجدية دينية بشكل مباشر، تبدو لأول وهلة جرعة دينية تقليدية، يمكن أن تسطِّح العمق الذى وصلت إليه العلاقة ومحاولة التفاهم، لكن واقع الحال من نوع ما ظهر من الشرح والتفاهم والتقارب، ومما سبق التنبيه إليه، أن هذه اللغة والأبجدية تستعمل فى هذا السياق من منطلق موضوعى أقرب إلى البيولوجى حسب ما ذكرنا من أن المجال الحيوى هو الوسيلة البيولوجية التى نتواصل من خلالها نحن البشر على مستويات عدة ننطلق منها إلى الوعى المطلق، لكن لا يوجد ضمان لتلقى المرضى هذه اللغة بجرعة مناسبة غير مغتربة، وخاصة فى ثقافتنا، مهما بلغت تجربة بعضهم مثل رشاد، لا يوجد ضمان أن يَتَلقى الشخص العادى، وكثير من المرضى، هذه اللغة على مستوى آخر غير المستوى التقليدى، ومع ذلك فلا يوجد مبرر لنفى احتمال أن يتم التلقى على المستويين معا، وكل  ذلك له علاقة أعمق بفروض عن غريزة التوازن المتصاعد لمستويات الوعى إلى المطلق نحو وجه الحق تعالى عبر شبكة العلاقات البشرية([3])

(……………)

 د. يحيى: نرجع لحكاية السعودية: انا خايف تروح هناك تلاقى نفسك لوحدك تركز فى الطموح تانى، وبعدين طموحك ما يتحققش زى الكوره وزى المشاريع ترجع لنا مبهدل ياابنى انت لوحدك مش حاتقدر تعمل حاجة، وربنا معاك صحيح لكن إحنا هنا مع بعض، تقدر تعتبر وجودنا جنبك من  الوسائل الضرورية فى المرحلة دى، يعنى إحنا والدوا، وسائل، اللى انا بقولهولك  ده طب وعلم ودين وربنا وكل حاجه مع بعض، بس خلّى بالك: وانت بتتلم حايظهر حزن حقيقى، مش ندم، ولا هم وغم، لأحزن نضيف بس بيوجع، ………..  مش زعل وزهقان وخنقة،  لأه،  حزن خلقة ربنا،  حزن مسئولية، (ينظر فى وجهه يحاول أن يرى )

رشاد: بس صعب صعب

(*) أعترف أننى تماديت فى الشرح ليس فقط بلغة التحليل التركيبى الإمراضى، وإنما تماديت فى عرض التخطيط العلاجى بما فى ذلك توقع المراحل الأصعب أثناء محاولة “الضمّ” لإعادة التآلف بين الاجزاء المتباعدة، والمعلومات المتنافرة، ومستويات الوعى المتعتعة، وهى عملية تتم بالتدريج وعلى مدى طويل إذا كان لها أن تتم بنجاح دون الاستسلام للإسراع باستسهال الإحاطة بجدار الكبت من الخارج فحسب، أو أساسا، وهنا أود أن أشير إلى أن أى علاج حقيقى يكون هذا هدفه (الضم والتآلف واستعادة الهارمونى لإطلاق النمو) يمر بمرحة حزن حيوى خاص هو الذى وصفه الطبيب هنا بأنه حزن حقيقى، مش ندم، ولا هم وغم، لأ حزن نضيف بس بيوجع، … مش زعل وزهقان وخنقة،  لأه،  حزن خلقة ربنا،  حزن مسئولية، وتعتبر هذه المرحلة التى وصفها الطبيب بـ :الحزن الحقيقى: خلقة ربنا..”  مرحلة هامة برغم صعوبة رصدها، وصعوبة تمييز نوع هذا الحزن من الأنواع السلبية، والوصول إلى هذه المرحلة ثم عبورها هو دليل على سلامة مسار العلاج على طريق استعادة إطلاق مسيرة النمو بمواكبة المعالج مع استعمال كل الوسائل المساعدة كما أشرنا. وبرغم أن الخطاب مازال موجه إلى رشاد أساسا، إلا أنه لا يمكن استبعاد جرعة تعليمية للحاضرين فى نفس الوقت، وقد تصور الطبيب أن الفكرة ، برغم صعوبتها وتفاصيلها قد وصلت إلى رشاد، برغم ما يحيطها من صعوبات، يبدو أننى فى تلك اللحظة حاولت قراءة وجهه الجاد ، وتصورت أن الفكرة وصلت، وأن رشاد تألم لصعوبتها فانبرى يقول “ بس صعب صعب” ، ولا أنكر أننى فرحتُ متألـّما أنا أيضا بهذا التعقيب، لكننى استبعدت ولو قليلا أن تكون الصعوبة قد وصلته بهذا الحجم فسارعتُ أتأكد:  

د. يحيى: إيه هوه اللى صعب ؟ ما انا عارف إنه صعب

رشاد: صعب اقول لحضرتك دلوقتى ما اقدرش اسافر

د.يحيى: يا خبر!! أنا كنت فاهم إن تعبير وشك ده دليل على إن الكلام وصل لك، الشرح يعنى والحزن اللى مستنيك، الكلام بتاع الحزن النضيف، والحاجات دى، لا لا لا ، خلينى أقولها لك على بلاطة، انا بعد ما قريت الكلام الجديد اللى انت قلته، وبعد اللى حصل ده، بقيت مشغول عليك ياابنى أكتر من الأول، أنا بابلّغك أهه: ان “الدم اللى جرى فيك” بعد ما سمعت الكلمتين اللى شاورت عليهم للدكتورة “م” أو بعد المقابلة الأولانية بالذات كلها على بعضها، بيطمـّنى شوية صغيرين، لدرجة إنى باحط احتمال إنك تنجح هناك رغم توصيتى بعدم السفر، بس احتمال بسيط، أنا  ابتديت أفكر فى “الإعداد” حتى من غير ما افهمه قوى، وابتديت اتطمن شوية، ومعانا ربنا، بس لسه برضه رأيى إنك ما تسافرشى إلا لما يبقى احتمال أكثر من كده بكتير، ما تفكرشى إنها حداقة، إنت وحيد، وحيد هنا ووحيد هناك، ومحتاج ناس ومحتاجين ربنا طول الوقت، صحيح  ربنا موجود فى كل حته، بس الأدوات اللى هى احنا أو اللى زينا مش موجودة فى كل حتة

 (*) يبدو أن حماس الطبيب لعرض منظومة فروضه قد أبعدته عن واقع أولويات هموم واهتمام رشاد الواقعية اللحوح، وأنه حين تمادى فى وصف مسار العلاج ومراحله وصعوباته، نسى أو أزاح نسبيا أولويات اهتمامات وهموم رشاد الواقعية كما ذكرنا، فتراجع بوضوح دون التخلى عن ربط مغامرة السفر باحتياج رشاد للدعم والمواكبة مع التأكيد مرة ثانية على الوصلة الحيوية التى تجمع الفريق إلى بعضه البعض وهى “ربنا” بالمعنى السابق ذكره.

رشاد: انا وصلت لحاجه دلوقتى وانا قاعد معاك

د.يحيى: ايوه؟ خير؟

رشاد: هم بيعملوا نظام عقد وبعد شهرين بالظبط عايز ترجع ترجع، ممكن نجرب دى لو انا تعبت حانزل بعد شهرين

د.يحيى: بعد الشر بعد الشر،  انا ما باحبش ده خالص انا باحب احرق المراكب ورايا عشان انجح،  لو الخرم ده موجود ورايح وانت فى مخك الاحتمال ده حاترجع متنيل ومهزوم، وما عدش ينفع حتى أى إعداد تانى، إنت تسافر يعنى تقعد هناك لحد ما تموت أوتخف، وترجع طبيعى إنما تقول لى شهرين وان ما نفعتش ارجع، يبقى مش حاتنفع من دلوقتى، أهو ده خرم فى “الإعداد” فى حالتك ما حدش يقدر يسده،  أنا قلت للدكاترة أنا عندى عيانين باخليهم يقطعوا الباسبور فى العيادة، أو يطلعوا من العيادة على المطار، يا كده يا كده، أنا مش بتاع الكلام النص نص  ده.

 (*) لاحظ استمرار الطبيب  فى استعمال كلمة “إعداد” لأكثر من غرض، برغم إعلانه المرة تلو الأخرى أنه لم يفهم المقصود بها تحديدا، ولا رشاد عاد يشرحها أصلا، وهذه الطريقة كما أشرنا سابقا تتعلق بنشأة اللغة من جهة، كما أنها تُقَرِّب بين المعالج ورشاد من جهة أخرى دون التوقف عند مرحلة التعريف والتحقـًّق.

 أما ما جاء عن هذا المأزق على طريق العلاج وهو الذى أسميه الآن بـ “حرق المراكب” بمعنى نـَفـْىُ أية  فرصة للسماح باختيار المرض كحل هروبى أو استسهالى فى ظروف ضاغطة، فإنه يقوم بنوع من الوقاية النسبية أو على الأقل تأجيل النكسة حتى يتم الاستعداد لها، وبقدر الثقة المتبادلة ومصداقية التعاقد، يقل تعرض رشاد إلى نكسة أسرع، ومضاعفات أكبر (سبق أن شرحنا ذلك بالنسبة للعمال العائدين من العراق (ص 81) وتتوقف النتيجة على كيف يلتقط رشاد (وأهله) الضغط ويعترف بالصعوبة من جديد، ليس فقط صعوبة أن يلتزم بعدم الرجوع إلا فى الأجازة الاعتيادية، بمعنى أن يرفض النكسة كسبب للرجوع، ولكن أيضا – كما يعلن حالا-  صعوبة التخلى عن السفر من حيث المبدأ.

رشاد: صعب عليا

د.يحيى: انا عارف، طبعا إنه صعب

رشاد: ما اقدرش ألغى السفر

د.يحيى: انا عارف ومصدقك ومحترم ده، لكن لما قريت التفاصيل بتاعة مشاريعك وفشلك وتكرار الحكاية دى خفت عليك أكثر، على فكره كل مشروع دخلت فيه كان عندك نفس الحكاية،  حسبه صح، وطموح، وفرص، وخيبه، وفشل واقـْـلـِــبْ 

رشاد: أنا مش حاقدر أكمّل هنا فى مصر يا دكتور

د.يحيى: وأنا مش حقدر أمنعك، بس أنا حاقول رأيى بالظبط، ربنا هو اللى حايحاسبنى عليه، ويمكن أكون غلطان، إنما ده رأيى.

رشاد: مش حاقدر

د.يحيى: أنا ماقولتلكش لحد دلوقتى ماتسافرشى، أنا  قلت لك عن الخطر وحجمه يبقى نعمل برنامج عملى بالورقة والقلم، ده برنامج تنفيذى فيه ساعات نوم معينه وساعات اتصالات مع الدكتورة “م” إذا سمحت، أنا  معايا صعب الإتصال بس أهو ممكن ترتيب حاجة مع الدكتورة والسلام.

رشاد: ماشى يادكتور

د.يحيى: بس أنا لسه مش موافق على السفر، باعمل ده كله غصب عنى (………..) أنا مش شايف إن ده وقت مناسب للسفر، ومع ذلك أنا أقدر أعمل إيه؟ 

رشاد: مش عارف

(*) إعلان مسئولية الطبيب هكذا مهم بالنسبة لما يريد توصيله من رسالة والدية ترتبط بثقافتنا أكثر، ومن الواضح أن القرار صعب ، وأن تكرار النص المرضى (الاسكريبت) وارد أكثر من أى شىء آخر، ومع ذلك فى النهاية يسلّم الطبيب لاختيار رشاد مع إصراره على إعلان رأيه مؤكدا مرة ومرات.

[1]-Information Processing

[2] –  Functional Callosotomy

[3]– يحيى الرخاوى: “الأسس البيولوجية للدين والإيمان” نشرة الإنسان والتطور اليومية (14-5-2008).

(18) خلل معالجة المعلومات

(18) خلل معالجة المعلومات

(18)

خلل معالجة المعلومات

إن خلل معالجة المعلومات قد يترتب عليه مظاهر سلوكية فى مناطق كل من:

(1) اتخاذ القرار

(2) تذبذب السلوك بتكرار النص حتى التوقف فى نقطة الصفر “الظاهرة الصفرية”

(3) مواصلة الفعل دون تخطيط أو نقد

(4) الشعور بالعجز

وكل هذا يعرض رشاد مهما بلغ لمعان بصيرته، وحدة رصده للعملية الإمراضية النشطة، إلى التمادى فى مسار سلبى نحو التدهور إن لم يوقف كل هذا بحسم شديد

أما جدوى هذا الاستطراد فى تقديمنا لعلاقة العين الداخلية ، بـ عملية معالجة المعلومات، بـ الإدراك، فهو التنبيه على الإقلال من الانبهار بهذا الرصد الفائق الحدّة (بالعين الداخلية) على أنه دليل على سلامة رشاد النسبية، لأن النتيجة لا تتحسن بمجرد الرصد، بل قد تتمادى إلى نفس مآل الفصام الصريح المتفسخ بشكل أو بآخر، ونحن منبهرون برصد ما يجرى!!

……….

ثم نكمل:  (بعد دخول وخروج مريض آخر للمتابعة لمدة خمس دقائق)

د: يحيى: (للدكتورة “ملك”): إنتِ عايزاه يسافر؟

د.”م”: أنا شايفه إنه حايتعب لو سافر

د.يحيى: بس إنتى عارفه هو بقاله سنة ونصف مابيشتغلش، ده مش قليل.

د.مى: (إحدى الحاضرات) بالعكس أنا شايفه إنه لو قعد حايريّح زى السنة ونصف دول لكن لو سافر زى مايكون حيتزنق

د.يحيى: هو يابنتى الحل العملى – ولو نسبيا-  إننا نطلب سنــْدة من حد من أهله، حد بيحبه، يشارك فى الاتفاق

د.”م”: أخته الكبيرة

د.يحيى: أخته؟  طب كويس، ويبقى عندنا شرط إنه لو قعد هنا ما سافرشى: لازم يشتغل بكره مش بعد  بكره، بكره يعنى بكره، أنا خايف من ضمور عدم الاستعمالDisuse Atrophy من القعدة، من غير شغل، يعنى يقعد وما يشتغلشى، يبقى الأحسن يسافر، حتى لو انكسر، ييجيى ونعالجه من أول وجديد.

(*) تعتبر ألأسرة فى ثقافتنا طرفا هاما عاملا يستحسن إشراكه فى التعاقد العلاجى بشكل ملزم واضح، خاصة فى الحالات الحرجة المعرضة لعدم الامتثال للتعليمات، وبالذات لتعاطى العقاقير، وكلما كانت العلاقة داعمة أكثر منها اعتمادية كان العقد مضمونا أكثر،  وأجْهَز للتنفيذ، ولو أنه فى حالة رشاد وظروف إصراره على السفر لم أكن واثقا ما هو الدور الذى يمكن أن تقوم به شقيقته مهما كانت علاقته بها وثيقة كما قالت الدكتورة “ملك” وهى متأكدة من ذلك، ونلاحظ أيضا موقف الطبيبة الواضح من خوفها عليه، وفى نفس الوقت حرصها ألا يتمادى فى التوقف عن العمل، وفى العزوف عن التعامل مع الواقع، حيث يعتبر العمل فى هذه الحالة من أهم ضمانات استمرار لأم التصدع.

 ( يدخل رشاد بعد استدعائه من جديد)

د.يحيى:  فكرت فى إيه بقى فى التلت ساعه ديه يا رشاد؟ على فكرة يا رشاد انت لما جيت الصبح أنا قلت لك انت جاى علشان تأخذ موافقتى على السفر مش جاى علشان فيه علاقه بينى وبينك، ولا علشان فيه ربنا، ولا علشان فيه خير بيتكون بينـّا كلنا، أدينى باقولهالك تانى أهه

رشاد: آه .. أنا مش طايق أقعد فى البلد دى

د.يحيى: إن شالله ماطقت، انت مش حاتفرض رأيك عليّا، إنت عيّان بتسمع أصوات، إنت حاتجيب لى أهلك وحاقول لهم ده إبنى وحايسافر بس بعد ما يشتغل هنا مدة كذا، ومافيش حل تانى

رشاد: طيب كويسة دى يادكتور

د.يحيى: لأه مش كويسة دى ولا حاجة، ده اضطرار بقى،  أنا مضطر له، إنما ده واجب، وده واجب

(*)  مرة أخرى قد يكون هذا النوع من الحوار خاص بثقافتنا، رشاد يعبر عن نفسه بوضوح وصراحة، والطبيب لا يتردد فى التأكيد على موقفه المسئول من قرارات رشاد، وهو يوافق رشاد من حيث المبدأ، ويؤكد على حقه فى الاختيار، لكنه يحمله مسئولية الاختيار، بل ويشاركه فى العمل على نجاح اختياره برغم موقفه المعارض، وكل هذا لا يوجد، أو هو يوجد بحذر شديد، فى ثقافات أكثر تقدما تتعامل مع الأوراق، والحقوق المكتوبة، أكثر مما تتعامل مع مستويات الوعى، والمسئولية الإنسانية والأخلاقية وحسابات الذات أمام قوة مطلقة لكنها حاضرة طول الوقت، هى “ربنا”، وتعبير “ده اضطرار وده اضطرار”، يؤكد أن الاختيار ليس سهلا في جميع الأحوال.

رشاد: بس الفرصة حاتضيع

د.يحيى: فى ستين داهيه، مافيش فرص بتضيع، الفرصة هى اللحظه دلوقتى اللى ربنا حايحاسبنا عليها، إنت طول عمرك بتقول إن الفرصة حاتضيع، الفرص بتضيع من التأجيل المستمر، ومن الرجوع فى كلامك بعد كل محاولة قبل ما تتم، إنت من  بكره تروح تشتغل، بكره يعنى بكره،  بكره الجمعة، أنا عارف، إنما برضه تبتدى تحضّر نفسك، إذا إشتغلت الأسبوع ده وجيبتلى أبوك وأختك حابتدى أوزن كلامى تانى، ويمكن أوافق

رشاد: شكراً يادكتور

د.يحيى:  خلاص مالكش حاجة عندى، بكره تروح تشتغل أى شغله من الشغلات اللى إشتغلتها طول عمرك،إنت  إشتغلت على تاكسى، إنت معاك رخصه، إشتغل على ميكروباص، إشتغل أى شغله تانيه، إشتغل فى الكمبيوتر، إشتغل أى حاجه بكره، بكره يعنى بكره، ربنا حايحاسبك على اللحظه ديه  أهى الفرصه أتيحت لك إنك تتلمّ وتروح رابط اللى اتشق على بعضه ، يا إما كده، يا إما حاتروح فى داهية.

 (*) امتداداً لفرض أن المرض اختيار من بعـدٍ معين، فإن هذه المباشرة فى العلاج تبدو محاولة لاستعادة المبادرة لاجهاض مسيرة التفكك نحو التفسخ، واقع الممارسة فى ثقافتنا، هو الذى يسمح بهذا النوع من الحوار من خلال ما تم توثيقه بين الطبيب ورشاد من علاقة عميقة، برغم أنه تم فى لقاءين اثنين فقط، الحوار يبدو أقرب إلى الأوامر منه إلى النصح والإرشاد، ولا ننسى أننا أمام حالة ذهانية معاقة عن العمل على أرض الواقع منذ حوالى سنة ونصف، وأننا فى بلد فقير ليس فيه تأمينات، ولا تعويضات، فلا بد أن يكون التخطيط العلاجى مرتبط بمقاييس عملية، فى  واقع محدد، وممارسة يومية، ومثل هذه الإجراءات برغم أنها تبدو سلوكية محض، إلا أنها  تعتبر  من أهم الخطوات اللازمة  لإجهاض التمادى فى مسيرة الإمراضية نحو مزيد من  التفسخ الصريح، فالتدهور المحتمل، وكل هذا لا ينكر اختيارات رشاد الظاهرة، بقدر ما يحفز إرادته على مستوى آخر.

رشاد: ماشى يادكتور

د.يحيى: إيه رايح فين

رشاد: حامشى

د.يحيى: تروح فين؟ وبعد ماتمشى تقعد كمان سنة ونص مبطل الدوا، ومبطل شغل وتقول أنا مش فاهم

رشاد: لأه يا دكتور

د.يحيى: أنا بقول لك شكلك مش ناوى

رشاد: حاشوف يادكتور

د.يحيى: مافيش حاشوف، احنا شفنا واتفقنا

رشاد: ماينفعش يادكتور

د.يحيى: لأ ينفع ونص

رشاد: … طيب أستأذن أنا

د.يحيى: تستأذن تروح فين

رشاد: حاخرج

د.يحيى: حاتعمل إيه؟ حاتفكر؟ مش كده؟

رشاد: آه طبعاً

د.يحيى: تفكر بتاع إيه؟

رشاد: ما هو أنا لازم أفكر

د.يحيى: ما انت فكرت سنة ونصف وضعت، وفكرت 33 سنة وضعت وانكسرت، واتشقيت نصين، واخرْام وأوض، ويا دوب لحقت نفسك، جىْ تقول لى حافكر تانى؟

رشاد: طيب حاشوف

د.يحيى: مفيش اشوف

رشاد: مش حاينفع يادكتور

د.يحيى: لأه حاينفع

رشاد: لأ مش حاينفع

د.يحيى: أنا كل اللى عايزه منك سبع أيام شغل، والدوا، واقابل والدك واختك

رشاد: وبعد كده أسافر؟

د. يحيى: مش متأكد، لكن إن شاء الله، يمكن يكون الوقت مناسب ويكون ربنا كاتب لك لقمة نظيفة بطريقة فيها علم وفيها مسئولية، وفيها صحة، مع السلامة

رشاد: الله يسلمك.

(*) واضح أن الطبيب التقط أن استئذان رشاد للانصراف هكذا دون إعلان رأيه صراحة كان يعنى – ربما بما بدا على وجهه – عدم الاقتناع، ورفض الطبيب أن يسمح لرشاد حتى بأن “يفكر” هو ليس حرمانا له من حق التفكير لنفسه، بقدر ما هو تحذير من تكرار “النص” ذى العواقب السلبية، كما يبدو فى هذه الفقرة قوة رشاد فى التمسك بموقفه فى مواجهة  قوة الطبيب فى الإصرار  على موقفه مما أدّى إلى اقتراح الالتجاء إلى الدعم الأسرى (“واقابل والدك واختك”) كشاهد للاتفاق ، ومراقب للتنفيذ، كل هذا يؤكد خصوصية ثقافتنا التى تسمح بهذه المساحة من التدخل والحسم من خلال المسئولية التى أوضحنا طبيعتها واضطرارنا لها فى التعقيب السابق مباشرة، وأيضا يؤكد هذا المقطع مدى صلابة عناد رشاد واعتزازه برأيه مما يساعد على التأكيد على نفى احتمال سهولة استهوائه، أو أنه كان يردد سلبيا أفكار الطبيب وفروضه، خاصة حين عرض الطبيب فروضه الصعبة أولا بأول، وهو الموضوع الأساسى لعرض الحالة.

(19) استمرار الموافقة الاضطرارية، وسرعة التذبذب

(19) استمرار الموافقة الاضطرارية، وسرعة التذبذب

(19)

استمرار الموافقة الاضطرارية، وسرعة التذبذب:

بعد هذه المقابلة، وأنا فى طريق عودتى بعد اللقاء فى قصر العينى، كانت الساعة 9.45 صباحا، هاتفتنى د. “مريم” وأخبرتنى أن رشاد مصر على السفر، وأن متعهد التشغيل اتصل به، وقلت لها أن تخبره اننى غير موافق.

وفى يوم الأحد التالى هاتفتنى د. “مريم” ثانية، وأخبرتنى أن رشاد قد حدد موعد سفره يوم الثلاثاء، وقطع التذكرة وأنه يريد مقابلتى قبل أن يسافر، وأنه يصر على ذلك، فطلبت منها أن تعطيه عنوان عيادتى استثناءً، فمر علىّ مساء يوم الإثنين وودعنى، وتأكد من موافقتى الاضطرارية، (وأظن أنه لم يربطها بشروطها)، وسافر فى اليوم التالى مباشرة.

فى يوم المرور (الخميس) فى الأسبوع التالى 16/4/2009 أخبرتنى د. “مريم” أن رشاد قد سافر ورجع وهو يقول (أو يزعم) أنه تبين صحة رأيى، وأنه قرر أن يكمل علاجه أولا، فانقبضت، كما أخبرتنى أنه سوف يحضر الأسبوع التالى، وحضر فعلا وكانت هذه المقابلة التى سوف نبدأ بعرضها اليوم:

مقابلة رشاد بعد سفره ورجوعه الفورى

 23-4-2009

  (دخول رشاد)

د.يحيى: (مكفهرا) أهلا، حمد الله على السلامة

رشاد: الله يسلمك، هو بالنسبة للسفر..

د.يحيى: (مقاطعا) إستنّى أنا ماباتكلمش فى السفر دلوقتى (…….) أنا جايب أوراقك كلها اللى سجلنا فيها كلامنا ومناقشاتنا، انت عارف إن احنا بنسجل زى ما قلت لك، وخدت إذنك، وكان موقفى من السفر شديد الوضوح؟ أنا ممكن أعيد لك التسجيل وتشوف، والمفروض بقى إن أنا لما أقول ماتسافرش يبقى باعلن رأيى وخبرتى اللى انا مسئول عنهم، وإذا سافرت يبقى بشروط كذا كذا، أديك سافرت ورجعت، تفتكر بقى أنا حافرح واقول هيه أهو رأيى طلع صح، انا بقى بالعكس انا زعلان إنك رجعت.

 (*) هكذا تبدو العلاقة علاقة ندّية، لا يراعى الطبيب (حتى بدا وكأنه لا يكاد يتذكر) أنه يكلم مريضا – وبالذات بالنسبة لتحميله مسئولية تصرفاته – أولا بأول، علما بأنه فصامى (هكذا التشخيص فى الأوراق ..، تصور؟!!)، وهذا يظهر كيف أن اختلاف الرأى بين رشاد والطبيب ينبغى ألا يأخذ شكل التحدى الشخصى، وبالتالى لا مجال للشماتة أو الفرحة أن رأى رشاد ثبت أنه الرأى الخاطئ، بل إن على الطبيب طول الوقت أن يشارك فى تحمل مسئولية فشل رشاد حتى لو كان ذلك بسبب مخالفته نصيحته أو أوامره، وهذا الموقف لا بد أن يكون صادقا وعميقا دون أى استعلاء أو شفقة، وإلا اختلف نوع العلاقة وتعثر المسار العلاجى.

رشاد: وأنا برضه زعلان

د.يحيى: بصراحة:  انت مش من حقك تزعل، ما انت اللى رجعت

رشاد: هوه انت كنت عايز عكس كده يعنى؟ كنت عايزنى أقعد هناك؟

د.يحيى: يا خبر!! مش انا قلت لك حتى لما فتّ عليا فى العيادة بناء على الاتفاق مع الدكتورة “مريم”، قلت لك روح ماترجعش يا إما تقعد ماتروحش، إنت بالشكل ده ممكن تكمل حياتك كلها بالشكل ده، رايح جَىْ..، هى دى بالظبط مصيبة مرضك

رشاد: لأ، أنا مش لاقى حياتى أصلا

د.يحيى: لأ بقى، كفاية زنّ، الله يخليك!!! حانبتدى تانى !! لاقى، ومش لاقى          

رشاد:(ينظر فى وجه الطبيب صامتا ثم يسأل): إيه؟ إنت زعلت ليه يادكتور؟

د.يحيى: زعلت عشانك، انا من حقى أزعل معاك، إنما انت مش من حقك تزنّ، لأنك أنت اللى رحت وجيت، أنا قلت لك تتحمل المسئولية وإن احنا جنبك حتى هناك، وإن ربنا حايوصلنا ببعضينا مهما بعدت المسافة، وإنك ما دام قررت غصبن عنى يبقى لازم تتحمل، لكن إنت لا اتحملت ولا زفت، وممكن تفضل تروح وترجع/ وتروح وترجع، وتقعد كده طول عمرك، سواء عيان  أو مش عيان هوه ده موضوعنا دلوقتى، إنت تاريخ حياتك كله كده، وأبوك عارف إنك كده، وهو قال للدكتورة “مريم” إن كل مشاريعك كده، هوه ده موضوعنا دلوقتى.

رشاد: مشاريعى كده إزاى يعنى؟

 (*) الإشارة إلى تكرار النص Script كأسلوب حياة منذ ما قبل بداية المرض الصريح  الذى ضاعفت أثاره السلبية  هذا الأسلوب حتى الإعاقة، هو ربط بين بعض سمات الحالة السلبية قبل المرض، وهى التى كانت تصف بعض تصرفات رشاد (كما ذكر والده)، ثم تضخمت مع حدة المرض، حتى توقفت الحياة ، ثم حين هم أن يعاودها ظهرت بهذا الشكل الواضح خلال أيام فى صورة عَرَض “التذبذب”  وهو ما أسميته أيضا الظاهرة “الصفرية” (من صفر)، وهو من أخفى الأعراض، برغم أنه قد يكون العرض الأخطر فى بعض حالات الفصام التى لا تظهر فيها أعراض صريحة أخرى، لكن محصلته تكون صفرا حقيقيا فى كل مجالات الحياة تقريبا، وأحيانا أسميه “المشى فى المحل”، (محلّك سِرْ) أو “برنامج الذهاب والعودة المتساوى الاضلاع” “أو “الدائرة المغلقة”، وكل هذه الأسماء تشير إلى التوقف برغم ظاهر الحركة،

هذا هو ما حاول الطبيب هنا أن ينبه  رشاد إليه عند  اختلافهما على قرار السفر، دعونا نكرر سؤال رشاد قبل أن نواصل:

رشاد: مشاريعى كده إزاى يعنى؟

د.يحيى: يعنى انت دايما مصمم 100 % وأنت رايح مصمم 100% وانت راجع تبقى مصمم 100% ترجع تروح مصمم 100% وبعدين ترجع مصمم 100% والناس يفتكروا إن دى حاجة كويسة، وإنك قادر تقرر وتتنقل من شغلة لشغلة، ومن فرصة لفرصة، لكن فى الآخر إنت اللى بتدفع الثمن، أولا بالفشل والخيبة، وبعدين دلوقتى زى ما انت شايف، مخك أهه اتقسم أخرام وأوَضْ تتملى، وشنط ما تتقفلشى وبلاوى، وباب يتكسر وخسارة، بالذمة قل لى: إنت خسرت قد إيه فى الأسبوع ده؟

(*) هذا الموقف الصفرى (الذى أشرنا إليه حالا وصككنا له كل هذه الأسماء) هو موقف قد يصف الحياة العادية المغتربة فى كثير من الأحيان، لكن التمادى فيه لدرجة شلل الإنجاز الفعلى، ثم شلل الأداء من حيث المبدا، قد يتمادى إلى ما أسماه رشاد “شلل العقل”، وهو ما نتناوله باعتباره خلل عملية معالجة المعلومات، كما جاء فى نص كلام الطبيب “ لكن فى الآخر إنت اللى بتدفع الثمن، أولا بالفشل والخيبة، وبعدين دلوقتى زى ما انت شايف، مخك أهه اتقسم أخرام وأوَضْ تتملى، وشنط ما تتقفلشى وبلاوى، وباب يتكسر وخسارة” ثم يكمل الطبيب بإشارة إلى الخسارة المادية الأكثر تحديدا ووضوحا، ليس فى ذاتها، وإنما كواجهة للخسائر الأخطر “…. بالذمة قل لى: إنت خسرت قد إيه فى الأسبوع ده؟

رشاد: حوالى 2000 جنيه

د.يحيى: لا لا ،… أظن اكتر

رشاد: يعنى داخل فى 2500

د.يحيى: …. خسارة بصحيح وانت عارف ظروفك، ومع ذلك الفلوس ملحوقة، إنما انت خسرت حاجات تانية    

رشاد: هو انا مش عارف ايه اللى حصل لى أصلاً

د.يحيى: لأه، لأه بقى، مش أنت يا ابنى،  مش أنت اللى تقول الكلام ده، عيب، انت قابلتنى والأمور وضحت، والدكتورة “مريم” كانت معانا والدكاترة دول كانوا مشاركين وشهود، حانرجع نقول مش عارف بقى زى الأول!!، ماينفعش، إنت راجع من غير إذنى برضه، وفاهم إنى حافرح، وجى وانت عايز تيجى تقابلنى إنهارده عشان تكرر نفس الحكاية معايا          

رشاد: الحكاية اللى هى إيه؟

د.يحيى: اللى هى انت عارفها

رشاد: سفر برضه؟

د.يحيى: طبعا، أنا عارف إنك زعلان إنك رجعت، لكن أنا شايف جواك السفر هوّه هوه، لأه يارشاد لازم يبقى فيه حاجة مختلفة، يا ابنى انا لو ما عنديش خبرة أقول “هِيهْ”! أهو رجع وسِمِعْ كلامى، وحانكمل زى ما كان نِفْسى الأول،

رشاد: مش انت وافقت على السفر حتى لما جيت لحضرتك فى العيادة؟

د.يحيى: إنت جيت لى وانت كنت قررت خلاص، كنت أخذت القرار، كان لازم أقول لك مع السلامة عشان تعرف إنك مسئول، مش كده ولا إيه؟                                        

رشاد: مظبوط

د.يحيى: هوّا إيه اللى مضبوط!! ما أديك رجعت أهه

رشاد: يعنى أعمل إيه أنا دلوقتى؟

 د. يحيى: تشتغل بكره، حاتقول لى أحاول، وحاضر، ترجع بعد أسبوع تقول لى أنا مش عايز اشتغل فى البلد دى وكلام من ده، تقعد لك كمان كام “سنة ونص” لحدّ لما مخك ينشـلّ،  يا سلام!! لمّا مش عايز تشتغل فى البلد دى (صمت …) إمّال راجع ليه؟ راجع تعيا فى البلد دى؟  رُدّ عليّا: راجع تعيا فى البلد دى؟  (يصمت أيضا ويطأطئ رأسه) (كلام الدكتور يحيى بغضب شديد جداً فى هذا المقطع)

 (*) التأكيد هنا على العمل فورا هو للحرص على “إعادة تشغيل المخ بشكل آخر، بتوظيف ارتباط وظائفله بفعل سلوكى خارجى ملموس فى عالم الواقع، هو لتحقيق الفكرة التى تربط التأهيل بتصحيح الإمراضية، فهو ليس لمجرد الحرص على العودة إلى الحياة العادية، ذلك لأن العملية الإمراضية حتى لو توجتها  وجاهة  حدة البصيرة الباهرة مثلما حدث فى هذه الحالة، فإن علينا ألا نتوقف عند مرحلة  حب الاستطلاع إلا  لأغراض علمية مؤقتة، فالإمراضية  لا تنصلح بكشفها، أوفهمها،أوتفسيرها، وإنما تنصلح بتوجيه مسارها إلى غاية عملية بذاتها (أى هدف واقعى) من خلال أداء راتب يومى مُلزم .

 يتأكد هذا بوجه خاص بالنسبة لثقافتنا التى تفتقد إلى مثل هذا الربط المحددة بالساعة المُقاس بالأداء: إن هذا الربط بين تصحيح الإمراضية (السيكوباثولوجيا) وبين التأهيل النشط المنتظم، هو مسئولية علاجية علمية فى آن، لكن ينبغى أن يكون التركيز أساسا على التأهيل حتى لو لم يرتبط مباشرة بالتفاصيل الإمراضية وتصحيحها

فى هذا المقطع أيضا إشارة ضمنية إلى فرض أن المرض النفسى “بما فى ذلك الفصام” هو قرار واختيارعلى مستوى ما من مستويات وعى رشاد، وهو يطرح على رشاد، كما جاء فى السؤال الاستنكارى الذى طرحه الطبيب “راجع تعيا فى البلد دى؟” ليس على سبيل الاتهام – كما ذكرنا– وإنما من قبيل حث رشاد على  المشاركة فى التراجع عن قرار المرض، أى المشاركة فى قرار العودة إلى الصحة فى ظروف مختلفة،  للتأكيد على هذه النقطة نكرر آخر مقطع من أسئلة الطبيب الاستنكارية:

رشاد: لأ راجع أشتغل

د.يحيى: كنت اشتغلت امبارح كانت  د.”مريم” تكلمك ولا د.”شادن” تقول لك تعالى قابل الدكتور يحيى، تقول لها لأ أنا عندى شغل

 (*) فى هذا المقطع أيضا واضح أن الطبيب يحاول أن يوصل لرشاد موقفه من أن  الاستمرار فى العمل، هو الأهم حتى من حرصه  على لقائه شخصيا مهما بلغت متانة العلاقة وضرورتها للعلاج.

(……………….)

(………………) 

رشاد: يادكتور حصل “خنقة” أول ما وصلت هناك

د.يحيى: ياعم رشاد إعمل معروف احنا بنعمل حاجة جديدة، ما هو حاتحصل الخنقة الناحية دى وبعدين حاتحصل الناحية التانية، وهات يا رايح جىْ، يا شيخ حرام عليك!!

 (*)  ظهور الأعراض الجسدية فى هذا التوقيت له دلالة مهمّة كما أشرنا سابقا فى حديثنا عن العمال المصريين العائدين مهانين مرهقين من العمل فى العراق، حين يصابون بالصداع قرب انتهاء إجازاتهم فى مصر، والخنقة هنا هى علامة الفشل المبكر جدا وإعلان فساد اختيار السفر، وهكذ يسارع الطبيب بالتنبيه على دلالة هذه اللغة الجسدية لعل وعسى ..، ثم لاحظ تعبير ” وهات يا رايح جىْ” ودلالته لمشروعية استعمال “برنامج الذهاب والعودة متساوى الأضلاع” وتكرار النصّScript  للتأكيد على إمراضية هذه الوقفة المـُشِلة.

رشاد: ماشى

د.يحيى: باقول لك إحنا فى حاجة جديدة، بنتعلم طريقة جديدة للمواجهة تماما، غير الـ33 سنة اللى فاتوا، بدأناها من تلات أربع أسابيع، وبنكملها دلوقتى سوا يا ابنى، وأديك دفعت التمن 2500 جنيه فتح كلام، هما دول شوية فى الظروف دى؟

رشاد: لأ

رشاد: (سكون لمدة أكثر من دقيقة ثم تتغير اللهجة) هو انا بس عايز أسأل حضرتك سؤال…

د.يحيى: لأه، ياما سألت وأنا رديت، انا عايز نبص فى الخطوات والأخطاء اللى عملناها سوا، على فكرة أنا لما د.”مريم” كلمتنى فى التليفون وأنا مروّح، وقالت لى رشاد متهيج وبيقول لازم أسافر، قلت لها قولى له أنا باقول “لأه” ما يسافرشى، بعد كده انت اخترقت “اللأه” دى وقررت تسافر، ودفعت الفلوس، وجيت لى العيادة، ووافقت أنا غصبن عنى، وودعتك باحترام شديد، ورحت، ورجعت، مش كده؟

 (*) .. رفض الأسئلة فى هذه المرحلة، هو محاولة لإنهاء مرحلة حب الاستطلاع الكلامى حتى لو كان لأسباب بحثعلمية ، لأن أى تمادى فى شرح الخلل الداخلى ، حتى لتوضيح فساد عملية “معالجة المعلومات” أو “لا جدوى حدة العين الداخلية”، يصبح على حساب العلاج مما لا يجوز مهنيا أو أخلاقيا أو إنسانيا، وفى هذا إشارة فنية مهنية فى مواجهة الشائع عند العامة، وعند بعض سوء فهم التحليل النفسى، والتفريغ النفسى، أن الطلاقة فى شرح الشكوى، بما فى ذلك التداعى الحر أحيانا، هو وسيلة علاجية ناجحة على طول الخط، حيث الملاحظ، خصوصا فى مجتمعنا، أن ذلك قد يدعم ميكانزم العقلنة، حتى لو بدا أنه يشحذ البصيرة، وقد يصبح عادة معوقة لأية مسيرة علاجية، وعلى الطبيب أو المعالج ضبط الجرعة وضبط التوقيت بحرفية مناسبة تناسب كل حالة، وأيضا كل مرحلة من مراحل العلاج فى نفس الحالة.

رشاد: هو ماكنش فيه غير الرجوع

د.يحيى: وبعدين!!؟ وبعدين!!! حانرجع لحكاية ماكنش فى إيدى غير كدا، إعمل معروف يا رشاد، الله يخليك

رشاد: بس يادكتور انا اتخنقت هناك

د.يحيى: تانى!!!؟؟                

رشاد: والله العظيم أتخنقت هناك…، “ليه”؟

د.يحيى: مش انت اللى اتخنقت، يبقى انت اللى تجاوب، عن “ليه” بتاعتك دى، مش كده؟     

رشاد: أيوه

د.يحيى: خلاص، هوه أنا اللى جبت لك الخنقة؟؟

رشاد: هى جت لوحديها

د.يحيى: ما هىّ هيه ، انت عارف إن ما فيش حاجة بتيجى لوحديها يا رشاد، انت أتعلمت خلاص

رشاد: اتعلمت إيه؟

د.يحيى: اتعلمت إن مافيش حاجة بتيجى لوحديها، ممكن لمدة 50 سنة جايين كل قراراتك تبقى تحت أمر وإذن الخنقة دى، وتقول غصبن عنى                  

رشاد: دى أول مرة تحصل

د.يحيى: لا يا شيخ،!!؟ ما هى مرة خنقة ومرة هرش، ومرة ما اعرفش إيه، يا شيخ حرام عليك.

رشاد: هو ده اللى حصل

د.يحيى: وبعدين يارشاد ؟! وبعدين؟ إنت معدّى المنطقة دى خلاص 

 (*) الحديث مع رشاد بهذه الطريقة بعد الكسرة، استرشادا بيصيرته ودرايته الحادة، يمكن أن يعرّى الميكانزمات مباشرة برغم ظاهر لهجة الاتهام، الأمر الذى يصعب مع الشخص العادى أو الفصامى المتمادى، ثم إن هذا النوع من التحوّل إلى اللغة الجسدية مألوف عند الأشخاص العاديين، والعصابيين، لكنه غير متواتر عند الذهانى الذى يعيش – مثل رشاد- مرحلة “فرط الدراية” Hyperawareness  وهذا هو المقصود غالبا، بقول الطبيب: “إنت معدّى المنطقة دى خلاص”، وسواء كان قد تجاوزها أم لم يتجاوزها، فإن مواجهته هكذا يقصد بها أن يواصل تجاوزها، وبالتالى ينبغى تجنب تصور أنه موقف اتهام، حسب ما توحى به اللهجة للوهلة الأولى، ثم إن ثمة دلالة أخرى من هذا الحوار وهى أنه ليس معنى حدة البصيرة عند رشاد لدرجة رصد العملية الإمراضية بالعين الداخلية، أنه أصبح على دراية بكل الحيل الإمراضية بشكل شامل، وأيضا ثمة إشارة إلى ان الدراية بالإمراضية ليست وسيلة مباشرة للتخلص منها ، بما فى ذلك الإقرار بالمشاركة فى اختيار المرض.

(20) .. البحث عن السبب أم عن معنى ما أصابه؟

(20) .. البحث عن السبب أم عن معنى ما أصابه؟

(20)

.. البحث عن السبب أم عن معنى ما أصابه؟

رشاد: هوّا انا رجعت ليه؟

د.يحيى: تانى؟!! رجعت ليه؟!!! إسأل نفسك يا أخى

رشاد: أنا رجعت ليه يعنى؟

د.يحيى: مش عايز أقول لك كلام مش كويس، أديك رجعت

رشاد: مش فاهم، مش فاهم حاجة

د.يحيى: لا يا شيخ! أديك رجعت عشان تقول مش فاهم ومحتار، علما بأن انا كل اللى طلبته منك إنك تشتغل لمدة 7 أيام قبل ما تسافر، حتى دى رفضتها، 7 أيام يا راجل من الخميس للخميس قبل ما تسافر مش حاجة كبيرة (……….) المهم الله يسامحك إنت جاى ليه النهارده؟

رشاد: عاوز أعرف بس يادكتور

د.يحيى:  تعرف إيه تانى؟

رشاد: اللى بيحصل لى ده إيه؟

د.يحيى: (ساخرا) لا يا شيخ؟

رشاد: آه والله

د.يحيى:  أنا اللى حاعرفهولك بعد ده كله؟

رشاد: مش حضرتك دكتور

د.يحيى:  آه

رشاد: طيب

د.يحيى:  ما أنا عرّفتهولك قبل كده، وحذرتك منه

رشاد: حذرتنى إزاى

د.يحيى:  حذرتك منه (مكتوب أهه “ينظر فى الورق”)، ومتسجل، قلت لك حايحصل كذا كذا

رشاد: أيوه، عاوز أعرف منك يعنى

د.يحيى:  تعرف منى!!  إيه تانى؟

رشاد: إمال حاعرف من مين يعنى؟

د.يحيى:  تعرف منك انت طبعاً، دانا اللى باعرف منك يا رشاد يا ابنى، انت شايف كل حاجة، وبتعلـّمنا اللى حصل واللى حاصل،   ده مافيش أوضح من كده

 (*) …..الإشارة  هنا إلى أننا نتعلم من رشاد (سبب تقديم الحالة وعنوانها الأصلى “فصامى يعلمنا” ) وهى حقيقة علمية كما أنها خطوة علاجية برغم ما فيها من احترام واحتمال فائدة، ومع أنها حقيقة كما ظهرت حتى الآن من عرض الحالة، إلا أن فائدتها لرشاد،  فى هذه المرحلة، خصوصا بعد سفره وعودته فاشلا فى خلال أسبوع، تكاد تكون معدومة، أوحتى عكسية، وهو يكرر سؤاله بإصرار وصدق شديدين، ونلاحظ أنه يسأل “اللى بيحصل ده ليه؟”، وليس “اللى بيحصل ده إيه”، فهو كما لاحظنا يستطيع وصف الذى يحدث كما سبق وتعلمنا منه، أما “لماذا” فهذا هو مايسأل عنه، وهناك احتمال أنه لا يسأل فقط عن الأسباب بالمعنى التسلسلى التتبعى (العلّية) بقدر ما يسأل عن وظيفة ما يحدث أو معناه، وهو ما حاول الطبيب أن يشير إليه كلما سنحت الفرصة، لكن مقاومة رشاد لفهم آليات المرض، ومعنى الأعراض، وغاية الإمراضية، ودوره فيها: تجلّت فى هذه المقابلة كأوضح ما يكون.

رشاد: لو فاهم كنت قلت لحضرتك، لكن انا بأسأل عشان كده

د.يحيى:  باقول لك إيه!

رشاد: نعم

د.يحيى:  إنت عيان ولا مش عيان؟

رشاد: عيان

د.يحيى:  تبقى مسئول

 (*) نلاحظ التناقض الظاهر فى تركيب الجملة التى أجاب بها الطبيب سؤال رشاد، فهى تعبير يعلن ما هو ضد ما شاع عند العامة من أن المريض عادة “غير مسئول”، ويبدو أن السؤال والرد الحاسم هكذا كان تكملة تؤكد صحة الفرض الذى وراء هذا السلوك وهذا المرض بشكل أساسى، وهو طبيعة ومعنى ما يسمى “اختيار الحل المرضى”، وقد ناقشناها من قبل([1])، لكن الإضافة هنا كأنها وصف ضمنى للشخص العادى بأنه مسئول بدرجة أقل من رشاد (الذهانى مثل رشاد، وليس كل المرضى طبعا) وهذا ما انتبه إليه رشاد واعترض عليه متعجبا:

رشاد: العيّان مسئول؟!! إمال السليم يبقى إيه؟

د. يحيى: خلى دى على ناحية، إنت عارف أنا باقول كده ليه، إحنا يا دكاترة بنختلف حوالين المسألة دى، لكن انت عارف

رشاد: يعنى أنا مسئول؟

د. يحيى: طبعا، فاكر لما قلت لك عندك مرض جامد، رحت قايللى يعنى أروح العباسية؟، قلت لك: انت تطول؟ أنا قلت كده عشان باحترمك، باحملك المسئولية، وباتحملها معاك، ..

 (*) هكذا حاول الطبيب أن يوصل للمريض أنه يحمل مسئولية العودة إلى الصحة بمصاحبته، وهذا ما أشرنا إليه من فائدة توصيل فكرة اختيار رشاد للمرض دون اتهام، إلا بقدر ما يحفزه لتحمل مسئولية ما آل إليه خصوصا بعد فشل (بل إفشال) الحل المرضى، أما حكاية “إنت تطول تروح العباسية” فهى إشارة ضمنية أن رشاد برغم مسئوليته عن اختيار الحل المرضى، إلا أنه فشل فى التمادى فيه حتى الوصول إلى التفسخ والانسحاب الكامل، أو التفجر الخطر، مما يسمح له بالحجز للعلاج فى مستوى آخر. (وهذا ما أشرنا إليه سابقا)

رشاد: يعنى أعمل إيه دلوقتى؟

د.يحيى:  تروح تشتغل أى شغلة النهاردة، على فكرة أى شغلة من الشغلات اللى اشتغلتها هى علاج، بس ماتغيرهاش إلا بعد ما نتفق: تشتغل على تاكسى، إنت معاك رخصة، تشتغل سواق أتوبيس، تشتغل على ميكروباص، أى حاجة، بس تشتغل

رشاد: إن شاء الله

د.يحيى:  لأه “إن شاء الله”، السلبية ما عدتشى تنفع دلوقتى، ربنا ما بيشاءشى إلا الخير، إحنا نعمل وهو يبارك، انت بتاخد الدوا ولا لأه ؟

 (*) برغم قرب رشاد، وبصيرته، ونشاط عينه الداخلية، وتعلٌّمنا منه، إلا أنه – هكذا –  ما زال فى عداد الذهانيين، وكل هذا التنشيط الداخلى المرصود بهذا الوضوح وهو الذى نتعلم منه كل هذا، لا ينبغى أن ينسينا طبيبعة هذا المرض وأنه إعلان عن غلبة نشاط لمخ بدائى أصبح هو المايسترو فى هذه المرحلة من تطور الإمراضية، التى لا يحد من تماديها اكتساب مثل هذه البصيرة، ولذلك فإن الحرص على إعطاء جرعة كافية من النيورولبتات Neuroleptics هو شديد الأهمية وخاصة بأسلوب الزجزجةzigzag   لضبط هذا النشاط حتى لو كان نشاطا خفيا لا يظهر فى شكل انسحاب بدائى، وإنما يحقق أهدافه من خلال نشاطات معقلنة فائقة القدرة، ربما تكون بعض مظاهرها شحذ أدوات الإدراك الأقدم، التى إذا ما نشطت يمكن أن تختبئ فى صور الكشف والحدس وحدة الدراية، ولكن على مستوى العقلنة العاجزة، دون أن تقوم هذه التنشيطات بأى دور نمائى إيجابى، برغم أنها قد تبدأ ببعض الخطوات التى يبدأ بها الابداع، لكن سرعان ما يتبين أنه نوع من الإبداع المجهض الذى هو مكافئ للذهان.  لكل ذلك فإن  الامتثال لتعاطى الأدوية وبالذات المهدئات الجسيمة (النيورولبتات) هو شديد الأهمية فى هذه الحالات الملتبسة ، ومثل هذا الالتزام كان بالنسبة لى شديد الإفادة فى كشف الإمراضية عند مثل هؤلاء المرضى.

 ومهما بدا التماسك القشرى، وفرط الدراية، فإن نشاط المخ القديم الذى نثبطه (نسبيا ومؤقتا) بالنيورولبتات بدا واضحا ومسيطراً ومعطلا فى هذه الحالة، فهو يحتاج هذا الضبط الدوائى جنبا إلى جنب مع التأهيل لتعميق العلاقة بالموضوع وبالواقع، لترجيح كفة عودة المخ الحديث للقيادة، دون احتكارها، وهو ما يتم من خلال مثل هذه العلاقة العلاجية الملتزمة ببرامج تأهيل متصاعدة، تتناسب علاجيا مع تغيير جرعات الدواء بشكل متغير هادف.

د.يحيى:  ……….، انت بتاخد الدوا ولا لأه؟

رشاد: باخذه

د.يحيى:  كتر خيرك دى مسألة مهمه برضه، طيب، قلـّى بقى: حاتروح بكره لمين بالإسم عشان الشغل

رشاد: خلاص ماشى

د.يحيى:  اسمه إيه اللى حاتروح تشتغل معاه أو عنده

رشاد: أنا حانزل شغل مع والدى

د.يحيى:  مع والدك؟

رشاد: آه

 د.يحيى:  يارشاد يا ابنى، حاتعملها تانى، حا تروح، وبعدين تتخنق وتيجى

رشاد: لأه

د.يحيى:  يارشاد ياابنى!!! وحاتقول غصب عنى

رشاد: لأه

د.يحيى:  يابنى حاتروح تتخنق وتيجى وحاتقول غصب عنى، صدقنى

رشاد: بس الكلام ده لو مانزلتش الشغل

د.يحيى: بالعكس دا الكلام ده لو نزلت الشغل، أنا باحذرك، أنا ماليش دعوة، إحنا نتفق إنك حاتشتغل وانت مخنوق، بالذات وانت مخنوق، مش لما تتخنق تبطل شغل

رشاد: ماشى

د.يحيى: ربنا شاهد على كل حاجة، وعلى كلامنا ده، وخلى بالك إن السفر لسّه جواك

رشاد: فعلا، إيش عرفك؟

د. يحيى: صنعتى بقى

رشاد: هوا حضرتك جبتنى النهاردة عشان ده؟

د.يحيى: قالولى رشاد رجع، قلت يانهار إسود، طيب هاتوه لنا بكره يمكن نلحقه قبل ما يسافر، عارف ده ولاَّ مش عارف

رشاد: مش عارف

د.يحيى: … يا راجل!! يا راجل دى خامس مرة تشوفنى يابنى، ومش عارف أنا بعمل إيه

رشاد: لأه

د.يحيى: هو أنا شغلتى إيه

رشاد: العلاج

د.يحيى: أنا باعمل إيه دلوقتى

رشاد: بتعالجنى

د.يحيى: طيب بتقول مش عارف ليه

رشاد: لأه أنا فاكر إن ديه مقابله تانيه

د.يحيى: مش المقابلة علاج برضه، هوه انا ليا شغلة تانية غير إنى أعالج، وإنى أعلّم الناس دول إزاى يعالجوا، ولا أنا جاى هنا باتدلع

رشاد: لأه طبعاً

د.يحيى: يا رشاد خلينا نتعاون بقى ونخلص من الكلام ده

رشاد: يعنى أعمل إيه؟

د.يحيى: تشتغل كل يوم 8 ساعات زى زمان، وتطبّق إذا كنت عاوز، والدكتورة “ملك” والدكتورة “شادن” يأخدوا خبر يوم بيوم، مش كل إسبوع، فى التلفون، يوم بيوم، يمر 7 أيام نشوف الـ7 اللى بعدهم

 (*) المتابعة اليومية هى ملاحقة ضرورية فى هذه المرحلة: لإجهاض التمادى فى الانسحاب (بعد عدم العمل لأكثر من سنة ونصف) منعا للتفسخ.

رشاد: بس أنا ما معاييش تليفوناتهم

د.يحيى: نستأذنهم فى المرحلة دى يدُّوك تليفوناتهم، إنت تقدر تشتغل النهارده؟

رشاد: حاشوف

د.يحيى: لسه حاتشوف؟ إحنا لسه الساعة 9 الصبح

رشاد: كده كده انا رايح لشغل

د.يحيى: نعم؟ بجدّ؟ أشكرك، وحاصدّقك غصبن عنك ياه!! أخيرا!! بعد سنة ونص!               

 (*) شكر الطبيب للمريض هكذا، وقد تكرر قبل ذلك مرارا، هو خطوة علاجية مفيدة بشرط أن يكون شكرا جادا فعلا، المعتاد أن يشكر المريض الطبيب، لكن الأكثر دلالة فى هذا السياق هو أن يشكر الطبيب رشاد، وهذا الشكر يؤدى وظائف عدة (1) فمن ناحية  هو يبلغ رشاد أنه مشارك فى العملية العلاجية فهو يستأهل الشكر على الإسهام فى إنجاحها باعتبارها غاية الطبيب أساسا (2) ومن ناحية أخرى هو يؤكد للمريض احترام الطبيب للجهد الذى يبذله رشاد لتجاوز الوقفة، فالمسألة ليست سهلة، فهى تستأهل الشكر (3) وأخيرا فهو يبين ان ثـّمَّ هدفا مشتركا اصبح مقصودا من الطرفين معا، فهى “المواكبة”.

رشاد: أيوه رايح الشغل

د.يحيى: دلوقتى؟ طب خلاص حانبتدى من النهاردة مش من بكرة        

رشاد: هو ده يعنى إيه؟

د.يحيى: تانى؟ حارجع أفهمك تانى إنت هنا ليه، وده إسمه إيه      

رشاد: كنت عايز أعرف

د.يحيى: نعم نعم؟ ما انت عارف، عايز له اسم، ليه؟              

رشاد: يعنى هوه ده العلاج؟

د.يحيى: إمال العلاج هو إيه؟ إنك تعرف إنت عندك إيه وتاخد حبوب وما تشتغلشى؟

رشاد: هى المعرفة مش وحشه

د.يحيى: قلت لك لأه، مش دايما، ساعات تبقى وحشة، لما كنا فى مرحلة الوصف والكشف، خدنا راحتنا، إنما  فى حالتك دلوقتى فى الغالب، المعرفة اللى بتطلبها بتبقى زى يافطة تخليك تقول “غصبن عنى” على العمال على البطال، تبقى معرفة وحشه

رشاد: يعنى المفروض يعنى ماعرفش

د.يحيى: تعرف وانت بتشتغل          

رشاد: خلاص يبقى اكمل مع حضرتك، بس أعرف

 (*) ينبغى أن تتناسب “جرعة المعرفة”، خاصة إذا تحولت إلى عقلنة، مع جرعة التأهيل ، وخاصة بعد توقف رشاد عن العمل لمدة السنة والنصف الماضيتين، وهذا أيضا ضد الشائع عند العامة وبعض المختصين حين يصرون على ربط كل مسيرة العلاج باسم مرض بذاته، أو حين يتصور بعضهم أن معرفة السبب هى الوسيلة الأهم فى العلاج حتى لو كان السبب المزعوم قد مضت عليه سنين عددا.

د.يحيى: بصراحة المعرفة بتبقى وحشه لما بتحل محل الفعل، أنا بيتهيألى هى دى المعرفة اللى انت بتلح عليها وتقول “هو ده اسمه إيه”، “هوه ده يعنى إيه؟” انت مش ملاحظ برضه إنها بتحل محل الفعل، تبقى بالشكل ده تتقلب المعرفة حاجة وحشه

رشاد: طب هى مش حاتفيد يعنى؟

د.يحيى: المعرفة اللى إنت عايزها بطريقة سؤالك  دلوقتى، مش حاتفيد نهائى، بالعكس يجوز تضر، احنا شبعنا معرفة.

رشاد: خلاص أكمل مع حضرتك

د.يحيى: مش حانستعمل شوية كلمات وشعارات وتفسيرات نهائى، على الأقل فى المرحلة دى، ثم إنى حاقول لك على كلمات معينة، مش عايزها تيجى على لسانك، وياريت حتى على فكرك إذا قدرت.

رشاد: كلمات زى إيه؟

د.يحيى: يعنى الكلمات اللى بتدل على التأجيل، والتبرير، وتركز على الأسباب من غير حل، والحاجات اللى زى دى

رشاد: زى إيه؟

د.يحيى: زى كلمات “الخنقة”، “غصب عنى”، “مش قادر”، “مش عارف”، “اما أشوف”، “إنشاء الله” (السلبية)، أنا عارف إنك بالشكل ده حاتتعب، بس أعمل إيه، دا حايفيد جامد

رشاد: ماشى، أنا عارف أنا حاتعب جامد، تعب جامد

 (*) هذا نوع خاص من بعض خطوات “العلاج المعرفى” الذى نمارسه بما يتفق مع ثقافتنا بوجه خاص، وهو يصعب تفصيله هنا، الآن، لكن خبرتنا فى هذا المجال أثبتت أن تجنب ألفاظ معينة ربما يكون أكثر فائدة فى بعض الحالات من تكرار ألفاظ معينة،

ثم إن تبصرة رشاد بالصعوبة التى تنتظره لو أنه اتبع تعليمات بذاتها، غير مألوفة وضد ما شاع عن المرض النفسى، هو مفيد أيضا فى مساعدة رشاد للتغلب على المقاومة، كما أن به جرعة مناسبة من احترام مشاعر رشاد ومحاولته، مع الاعتراف الضمنى بغرابة مثل هذه التعليمات غير المألوفة،

ثم يواصل الطبيب بعض الشرح ربما كنوع من الاستجابة المؤجلة لطلب رشاد معرفة المزيد، لكن المعرفة التى يقدمها الطبيب هى أساسا عن طبيعة العلاج ، وهو يستعمل لغة رشاد، وليس لغة تصنيف الأعراض وأسماء الأمراض.

د.يحيى: إحنا بنسد خرام، حسب كلامك، كلمات التأجيل وحسن النية دى زى اللخرام بتخلى الطاقة اللى إحنا عايزنها للشغل تتسرب منها، لو نجحنا اننا نسدها يمكن الخنقة تزيد شوية وبعدين تلاقى ما فيش فايدة تقوم رايحة، أو تزقك لقدام وانت تكمل شغل.         

رشاد: ربنا يسهل، أمشى بقى؟

( خروج رشاد )

د. يحيى: لأه، إستنى بره شوية، حاقابل واحد صاحبى (مريض تجرى متابعته بنفس الطريقة) وبعدين اشوفك تانى

…………….

 (دخول رشاد مرة أخرى بعد حوالى ساعة):

د.يحيى: إزيك ؟

رشاد: الحمد لله

د.يحيى: ….. أنا عايز اعرف بقى، فى الساعة اللى قعدت فيها بره دلوقتى فكرت فى إيه تانى؟ هل وصل لك اللى إحنا قلناه أوضح، ولاّ لغوصت فيه ودقيت عليه بإيد الهون

رشاد: وصل

د.يحيى: حانراجع منه شوية، ده مش امتحان ولا حاجة، بس عشان نتأكد، عشان نكمل ، نقول من الأول: إنت جاى إنهارده ليه؟ كنت جاى ليه ولقيت إيه؟

رشاد: طبعاً جاى عشان أعرف

د.يحيى: لقيت إيه؟  

رشاد: لقيت العكس

د.يحيى: واتفقنا على إيه؟

رشاد: أتفقنا على إن جدول حايتعمل

د.يحيى: طيب انا ندهت لك إنهارده ليه؟ أنت كنت جاى عشان حاجة وانا ندهت لك عشان حاجة تانية، مش كده؟ عشان إيه بقى 

 (*) هذه الطريقة التى تبدو تلقينيه، مدرسية، هى ليست كذلك تماما، حيث تهدف لدعم التعاقد فى هذه المرحلة الحرجة من خلال العلاقة العلاجية الإيجابية التى بدأت بين رشاد والطبيب.           

رشاد:  عشان أكمّل

د.يحيى: إنت هنا عشان كده؟    

رشاد: مظبوط

د.يحيى: كتر خيرك فين الورقة يابنتى .. (تكتب الألفاظ الممنوعة والاتفاق بسرعة وتقرأها) .. موافق؟

رشاد: ماشى

د.يحيى: (يعطيه الورقة) اول لما تجيلك كلمة من دول تلغيها أول بأول لحد ما نتقابل، ماشى؟

رشاد: تمام

د.يحيى: مش قادر تلغيها مش عارف تلغيها فى فكرك ماشى، بس، ماتنطقهاش على لسانك حتى لوجت لك الخنقة، ماتنطقهاش إلا معانا هنا.

رشاد: تمام

د.يحيى: ده من ناحية الألفاظ، بعد كده أى قرار أيا كان ، لازم تأخذ إذنى أو إذن الدكاترة بعد ما نشوفه سوا سوا

…………………

………………….

د.يحيى:  حاتسافر إمتى بقى؟!!

 (*) واضح مغزى السؤال، أنه ليس سؤالا، بل أقرب إلى المداعبة الساخرة.

رشاد: مافيش سفر

د.يحيى:  أيوه، بس لازم تصدقنى، إن فيه سفر إن شاء الله فى وقت مناسب، ويكون ربنا كاتب لنا لقمه نظيفه بطريقه فيها علم وفيها مسئولية، وفيها صحة، واحنا مع بعض هنا وهناك، ماتحملش هم، مع السلامة

رشاد: الله يسلمك  

[1]  يحيى الرخاوى: “اختيار الجنون” نشرة الإنسان والتطور اليومية  بتاريخ 25/7/2008.

(21) مقابلة لاحقة بعد اسبوعين

(21) مقابلة لاحقة بعد اسبوعين

 (21)

مقابلة لاحقة بعد اسبوعين

(7-5-2009)

غاب رشاد اسبوعا (2/5/2009) واعتذر عن الحضور الأسبوع التالى حسب موعد سابق، اعتذر لأن عمله، وتدريبه الجديد حالا دون ذلك،

 ثم عاد بعد اسبوع آخر، فكانت هذه المقابلة.

دخول رشاد

رشاد: صباح الخير

د.يحيى: أهلاً  إزيك النهاردة يا رشاد، أنا متشكر خالص، يا خبر!! هوّا انا  كل ما أقابل واحد عيان صاحبى أقوله متشكر، حاجه غريبه أنا ساعات باتغاظ أوى من الحكايه دى لمـّـا مابتبقاش واضحة.

 (*) سبقت الإشارة إلى مغزى هذا الشكر من الطبيب للمريض، ورشاد يؤكد مشروعية هذا الاستغراب.

رشاد: حضرتك بتقول لى متشكر على إيه؟

 د.يحيى: لسه قايل لابنى سامح (المريض السابق) متشكر، ولقيت نفسى عاوز أقول لك متشكر برضه

رشاد: طب على إيه بس، مافيش حاجة عملتها انا عشان خاطر تقول لى متشكر

د.يحيى: بس أنا متشكر

رشاد: على إيه بس

د.يحيى: على غيابك الاسبوع اللى فات، غبت عشان كنت بتشتغل، مش كده، دلوقتى اللى باين على وشك، إن مافيش فيه سفر، إنت النهاردة مش زى المرة اللى فاتت

رشاد: مافيش إيه؟

د.يحيى: مافيش جواك سفر دلوقتى

رشاد: آه، فعلا، ما أنا رجعت للوظيفه بتاعتى، بس لسه حايدربونى تانى، لازم تدريب فترة، حاتدرب من جديد

د.يحيى: ما يجراش حاجة

رشاد: بس حا تاخد وقت

د.يحيى: إنت جدع وقدها وقدود، لكن قل لى: مش انت أشتغلت عندهم رسمى قبل كده حتدرب من جديدى ليه بقى

رشاد: مش عارف، النظام الجديد كده، أنا رضيت بيه عشان الوعد اللى وعدته لحضرتك.

د.يحيى: شوف يا رشاد  يا ابنى، أنا باتعلم منك، وعايز أعلمك إنك تتعلم من اللى حصل قبل كده، لا وعود نافعه ولا كلام نافع، ومافيش نافع غير ربنا والعلم والشغل والخبرة، عايزين نتعلم من أبوك ومن خبرتنا إن بلاش استعجال، مش أبوك هوّه قال لك كده  مرة واتنين، بس خلى بالك، الجديد دلوقتى هوه إنك مش لوحدك، هى ديه نقطة مهمه جدا، اهم حاجة، مش عشان حد يتخذ لك قرارات، لأه عشان نحسبها مع بعض

رشاد: تمام

د.يحيى: أنا مش بامنعك من التفكير، خلى التفكير ييجى حتى فى السفر،يجى التفكير زى ما هو عايز،حتى فى الكلمات الممنوعة إياها، مش برضه لسه التفكير بييجى فى السفر

رشاد: آه بييجى، آه

د.يحيى: طيب، ييجى زى ما هو عايز

رشاد: هو ما بيسبنيش أصلاً

د.يحيى: آه، بس مع وقف التنفيذ، لكن قل لى: همّا حايعتبروك مستجد فى الشغلة بتاعة النقل العام دى بعد التدريب

رشاد: يعنى، بس حيضموا الخدمه

د.يحيى: الحمد لله، معلشى، حافكرك بحاجات قديمة، أنا آسف، بس عايز أعرف

 (*) يستحسن فى الأحوال العلاجية العادية بعيدا عن البحث العلمى أو محاولة الكشف المعرفى أن نتجنب فى هذه المرحلة الباكرة التذكرة بمحتوى الحوارات السابقة، وخاصة بالنسبة للأعراض، وأيضا بالنسبة لوصف الجارى فى الواقع الداخلى ، لكن لظروف خدمة غرض التعليم هنا الآن، تطرق الأمر إلى هذه المنطقة بحذر كاف.

رشاد: خير؟

د.يحيى: أخبار مخك، أخبار النصين والتِّلِتْين، والحاجات دى، يعنى مخك اللى انشق نصين، أخبار ده كله إيه؟

رشاد: لأ مافيش

د.يحيى: ماعدش خالص؟!! طب والمِجْرَى ومش المجرى والمعلومات اللى بتخش فى المجرى وتتحول لمجرى تانية والكلام ده مافيش برضه؟

رشاد: هو ممكن الخرم بس هو اللى لسه فيه شويه

د.يحيى: من نظرات الناس ولاّ لوحده بقى

رشاد: لأه من نظرات الناس برضه

د.يحيى: ومخك اللى مليان اللى هو زى الشنطه مش عارف تقفلها، أخباره إيه؟

رشاد: لأ مافيش

د.يحيى: هو أنا مش فرحان أوى لاختفاء الحاجات دى يا رشاد كده بسرعة، إنما كويس نزقها على جنب دلوقتى عشان نقدر نمشّى العجله شوية، وبعدين نرجع نبص إيه معنى اختفاءها وازاى ظهرت وازاى راحت وازاى ممكن تظهر تانى، وحاجات كده يعنى

 (*) اختفاء الأعراض الأولى، وتراجع نشاط العين الداخلية التى تعلمنا منها، ليس دليلا قويا على الشفاء، وقد يرجع إلى تنشيط ميكانزمات مفيدة مرحليا، لكن فى العلاج الممتد يستحسن الرجوع إليها بحذر وبجرعات محدودة تتناسب مع إعادة التشكيل الجارى من خلال التأهيل ونمو العلاقة العلاجية معا، كل ذلك يجرى مع الإنقاص التدريجى لجرعات النيورولبتات، ما دام العمل مستمرا، والنوم كاف.

وهنا تجدرالإشارة إلى أنه باختفاء الأعراض هكذا، توارت معها تفاصيل ما كنا بصدد رصده لنتعلم منه طبيعة وربما خطوات وكيفية تعثر حركية عملية “معالجة المعلومات”، التى هى موضوعنا الأساسى، وطبعا ينبغى أن نفضل مصلحة رشاد عن مجرد البحث العلمى والتقصى المعرفى، ولندع الالمام بحركية نشاط المعلومات تتكامل من حالات أخرى وأخرى.

رشاد: هو اللى موجود دلوقتى إنى بالاقى جسمى طبعاً سايب

د.يحيى: أه!! عندك لو سمحت!!

رشاد: لدرجه إنه عايز ما يخلنيش أروح الشغل، بس أنا باروح، بس باروح غصب عنى

د.يحيى: إمسكْ، إياك يارشاد، إياك، احنا ماصدقنا فهمنا لغة “الخنقة”، أنا بقول لك أهه، تروح الشغل وجسمك سايب، وتسوق وجسمك سايب وتكمل التدريب وجسمك سايب، وكل حاجة وجسمك سايب، إعمل معروف

 (*) “لدرجه إنه عايز ما يخلنيش أروح الشغل” يقصد جسمه، وهذا وصف دقيق لوظيفة الأعراض فى سياق الإمراضية المعروضة.

رشاد: أنا ما باتكلمش على الهيئة والسواقة

د.يحيى: هو فيه شغل تانى غير التدريب اللى انت فيه؟

رشاد: أيوه فيه الشغل اللى أنا فيه دلوقتى مع التدريب

د.يحيى: اللى هو إيه بقى؟

رشاد: أدوات صحية؟!!!

د.يحيى: أدوات صحيه؟

رشاد: أه سباكه وكده

د.يحيى: طول عمرك جدع  يا رشاد وبتشتغل شغلتين، وثلاثة، طول عمرك إبن حلال، والله ابن حلال مصفى، بس عايزين نعملها المرة دى بشكل تانى

رشاد: شكراً، هو ده السبب اللى خلانى أروح لما حضرتك قلت لى لازم تنزل شغل، وده علاج

د.يحيى: متشكر جداً، عرفت بقى أنا كنت باشكرك على إيه، تتصور يا رشاد  لما واحد بيعمل حاجه زى كده باحس إنه عمل فيّا أنا جميل، فافرح…

رشاد: رغم إنه هو لمصلحته

د.يحيى: آه، بس هو بيساعدنى من غير ما يعرف، بيفتح نفسى لعيان تانى معصلج

رشاد: أكمّل يعنى؟

د.يحيى:  مش بس تكمل لنفسك، ده حتى إنت عارف إن اللى بتعمله ده حايوصل خيره لغيرك، لما يجيلى عيان مزرجن أقوم أفتكر إن رشاد  عملها، واستفاد، وراح اشتغل، وخفّ، شوف بقى جدعنتك بتصب فى اللى ما تعرفوش.

رشاد: الحمد لله

د. يحيى: عايز حاجة

رشاد: إنت عايز حاجة

د. يحيى: سلامتك، مع السلامة

رشاد: الله يسلمك.   

22) المقابلة التتبعية:

22) المقابلة التتبعية:

 (22)

المقابلة التتبعية:

 بتاريخ 21-5-2009

مقدمة :

فوجئت صباح الخميس 21 /5 / 2009 أن رشاد قد حضر حسب طلب د. “شادن” (زميلة د.”مريم” التى انشغلت بالامتحانات)، ودار حوار للمتابعة فأضاف ما احتاج أن نرصده لإكمال ما بدأنا

…………..

…………..

رشاد: السلام عليكم

د.يحيى: لا مؤاخذه أتأخرنا عليك، أنا آسف جدا، كنت باشوف إبننا ممدوح

 رشاد: ممدوح مين

د.يحيى: العيان اللى دخل قبلك للمتابعة، بصراحة يا رشاد أنا منزعج من حالة ممدوح خالص، مش عارف أعمل معاه إيه

(*)  نكرر هنا معنى وفائدة مناقشة مريض فى حالة (وحمل هم) مريض آخر، فى سياق مقابلات متتالية، وليس بالضرورة اقتصارا على مثل هذا فى العلاج الجمعى مثلا

رشاد: لأ مايهمكش، عادى

د.يحيى: مايهمنيش ممدوح، ولاّ مايهمنيش إيه؟

رشاد: مايهمكش

د.يحيى: مايهمنيش انشغالى على ممدوح ولاّ إيه؟ يعنى إيه مايهمنيش؟

رشاد: مايهمكشى انتظارى، إنى أنا أنتظرت يعنى

د.يحيى: وممدوح

رشاد: ماله

د.يحيى: باقول لك شاغلنى

رشاد: إنشاء الله يقوم بالسلامة

د.يحيى: مش عايز تشوف د. “مريم” يا رشاد، ماوحشتكشى

رشاد: آه، طبعا

د.يحيى: بتدعى لها ولا لأ، هى بتمتحن  

(*) لعل القارىء يذكر أن الزميلة، مقدمة الحالة هى د.”مريم” دوس، وأن الحديث الصريح عن اختلاف الدين، قرّب المسافة فيما بيننا، بما فى ذلك طلب أن كلا يدعو للآخر ربه من منظومة دينه.

رشاد: أنا بادعى لكله بصراحة

د.يحيى: هو إيه حكاية كلـُّـه دى، يا أخى حَـدّد،  خَلّى الدعوة تقبل

رشاد: ازاى ده؟ أهم حاجة إنك تدعى للخلق كلهم

د.يحيى: يا راجل نشّن، إنت لما تركز تنزل الدعوة متخصصة لصاحبها

رشاد: ياه !! بالذمة؟

د.يحيى: أنا رأيى كده

رشاد: هو صح كده

د.يحيى: طب نشّن وادعى لى بقى  

(*)  هنا إشارة إلى فكرة غامضة أعتقد شخصيا فى صحتها  ولو جزئيا، وهى ضمان الاستجابة المحددة مع قوة صدق الدعاء.

رشاد: ربنا يكرمك يارب

د.يحيى: شكلها دعوة عمومى برضه، أنا عايز اهمد يا رشاد، عايز أبطل اعرف شوية، قول ربنا يهدّى سرك،ربنا يرسّيك على بر

رشاد: إزاى يادكتور

د.يحيى:  بس بصراحة: أنا لو رسيت على بر حابقى رِخـِم قوى

رشاد: إزاى كده يا دكتور؟ بتقول إيه؟

د.يحيى: تصور يا رشاد لما ابقى عارف كل حاجة، يا ساتر يارب، أعالج الناس إزاى؟!!

(*)  مشاركة رشاد بعض الهم الشخصى للطبيب، ليست مسموح بها إلا فيما يتعلق بمثل إعلان هذه الحيرة المعرفية، التى قد تكون مشتركة مع خبرة رشاد المفترقية مثلا، وأيضا بعد توثيق العلاقة على المستوى الدال عليه هذا الحوار، وقد التقط رشاد بعض معالم هذه الحيرة المعرفية، خاصة وأنها لم يأت ذكرها بشكل مطلق، وإنما فى انشغال الطبيب على مرضاه بوجه خاص، ويبدو أن رشاد التقط البعد الخاص والبعد العام معا:

رشاد: هو الإنسان بيفضل يتعلم طول العمر

د.يحيى: والله مشغول على ممدوح قوى يا شيخ، معلشى، نرجع مرجوعنا لك: شكلك كده محترم، وبتعمل اللى اتفقنا عليه، والدكتورة “شادن” بتقول لى أول بأول، ومبسوطة انك بتشتغل، وشغلتين كمان مش شلغة واحدة.

رشاد: كنت شغال شغلتين الأول

د.يحيى: مش انت كنت شغال بتتدرب فى النقل العام وبتشتغل فى نفس الوقت فى السباكة

رشاد: هو مش تدريب، أنا لسه ماتدربتش لحد دلوقتى، معادى يوم عشرة يونيو

د.يحيى: أمّال بتعمل إيه دلوقتى؟

رشاد: بانزل المحل

د.يحيى: على شرط  كل يوم

رشاد: أيوه كل يوم، وساعات كده أروح أخد العربية من والدى

د.يحيى: ده نقل عام يابنى، هوه تاكسى

رشاد: أيوه ساعات بخدها

د.يحيى: ينفع واحد مطرح واحد فى النقل العام

رشاد: ماينفعش بس يعنى أهى بتمشى

(*)  الدخول فى مثل هذه التفاصيل من أساليب استمرار “إذابة الثلج”.

د.يحيى: أفرض واد أمين شرطة غـَتـِّت عليك

رشاد: أبويا بيبقى جانبى

د.يحيى: والدك دا راجل جدع بشاكل، وانت جدع برضه

رشاد: الله يكرمك

د.يحيى: طيب ياللا بقى نتخانق: أنا حاسس إنك عاوز تتكلم على السفر وأنا عايز اتكلم على النصين اللى انشقوا، والأوَض، والحاجات دى

رشاد: أنا عايز أعرف كل اللى أنا فيه ده، إيه السبب يعنى؟

د.يحيى: تانى؟ السبب؟ تانى؟!

رشاد: آه المرض يعنى! هوه بيجى لوحده ولا أنا اشتركت فيه وكده؟

د.يحيى: الاتنين، هو بيجى لوحده، وانت اشتركت فيه

رشاد: طب نهايته إمتى

د.يحيى: إحنا وشطارتنا، على قد ما نشتغل سوا سوا، ربنا حايكرمنا

رشاد: يعنى حافضل ماشى كده، وخلاص

د.يحيى: آه

رشاد: من غير ما أعرف حاجة

د.يحيى: آه

رشاد: ماشى..، بس كده؟

د.يحيى: بس كده، إيه؟، المهم اتجاه البوصلة يكون صح، نوصل صح

رشاد : يعنى إيه؟

د. يحيى: يعنى نتأكد إن العجلة بتاعة الحياة ماشية فى السليم، شغل وناس، وربنا، ونصلّح أول بأول سوا واحدة واحدة: اللى نقابله أو نتتعتر فيه نشتغل فيه

رشاد: فاهم، بس مش قوى

د.يحيى: طيب أشوفك الجمعة الجاية ولاّ اللى بعدها؟

رشاد: مش فاهم

د.يحيى: خلاص أنا خلصت اللى عندى، مش عايز أطوّل فى الكلام المرة دى.

رشاد: خُلُص الكلام؟!!

د.يحيى: آه

(*) الأرجح أننى كنت أرغب فى تجنب النقاش المعقلن فى هذه المرحلة.

رشاد: طيب أنا عايز بس أقول لحضرتك حاجة قبل ما امشى

د.يحيى: أنا تحت أمرك

رشاد: هى من فترة دورة الكمبيوتر اللى أنا خدتها

د.يحيى: (مقاطعا) تانى؟!!!

رشاد: معلش لازم، من ساعتها والتعب زاد فى الفترة دى، التعب زاد فعلا

د.يحيى: ما انا عارف، واحنا اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده كام مرة

رشاد: ياترى حد من الدورة دى هو اللى عمل كده

د.يحيى: تانى؟!!!

رشاد: معلش آسف

د.يحيى: آه

رشاد: هما عملوا كده؟

د.يحيى: أيوه، بس هما اللى همّا هما، مش ضرورى يكونوا همّـا اللى بـَـرَّه، فى الغالب زى ما شفنا همّا اللى فى مخك، مش احنا اتفقنا على كده يا ابنى؟

رشاد: يعنى هما قصَدُوا حاجة زى كده

د.يحيى: آه

(*) النقلة من نقل مصدر التأثير، أو الاضطهاد، أو قراءة الأفكار، من إسقاطات الخارج إلى ذوات الداخل، لا بد أن تتم بشكل تدريجى وبطريق غير مباشر ما أمكن ذلك. إن قبول حقائق رشاد على أنها حقائق لأنه هو الذى يـَخـْبـُرها، لا بد أن يصاحبها هذا الشرط التدريجى، الذى يتضمن الاختلاف على مصدر هذه الحقائق وأيضا على تسميتها، وهذا هو الفرق بين هذا المنهج العلاجى، وبين محاولة إقناع رشاد أن ما يعايشه ليس إلا خيالات هو ينسجها من الفراغ نتيجة لمرضه، فى المنهج الحالى كل المطلوب هو أن نعترف “بحقيقة خبرة رشاد”، ثم نواصل قبول احتمال مصدرها الداخلى الذى يجعلها فى المتناول ونحن نعاود تشكيل النص.

رشاد: الله يكرمك يادكتور

د.يحيى: مش أنت بتقول كده، وإن ده حصل، يبقى حصل

رشاد: آه

د.يحيى: أكدّبك انا بقى ليه؟ إحساسك حايكدب ليه؟  

(*)  نتذكر أنه من اللحظة الأولى كان رشاد يسأل عن “الحقيقة” ، وأن الطبيب ، عكس ما قيل لرشاد من قبل سواء من أطباء أو محيطين ، اقره على أن ما يعايشه هو الحقيقة، حقيقته، وأنه لا يؤلفها أو يخترعها، وبقى أن نقترب منها واحدة واحدة، دون تفسير نظرى معقلن جدا، ولعل هذا هو ما قرّب المسافة هكذا بينهما.

رشاد: طب ليه عملوا كده من غير ما يقولوا

د.يحيى: إحنا ما خلصنا الحكايات دى من زمان يا رشاد، ومش عايزين دلوقتى نخش فى تفاصيل

رشاد: لأ يعنى ريحنى، ربنا يريحك يعنى

د.يحيى: …. مش انا قلت لك من الأول  أنا مش مريحاتى، وادينى باقول لك أهه :   ولا انا هدفى استريّح أنا شخصيا، أنا باعمل اللى علىّ، والراحة تيجى وقت ما تيجى، لا باطبطب على نفسى، ولا على حد، ولا انت شايف إيه؟

رشاد: أنا شايف العطاء اللى أنت بتديه لنا يعنى

د.يحيى: مفيش راحة عندى غير بالموت يا ابنى، لما تقول ربنا يريحك، يبقى بتدعى علىّ بالموت،  ده حتى الموت فيه أسئلة وأجوبة وحاجات صعبة يا عم، وانا مش خايف منها عشان راضى عن ربنا، زى ما هو راضى عنى الحمد لله، خلينا فى اللى احنا فيه الله يخليك.

رشاد: ماحدش يعرف إيه اللى هناك

د.يحيى: ربنا يعرف، هوه عارف كل حاجة، عارف المعلومات اللى فى الخلية بتاعتى، عشان كده أنا متطمن إنه لا يمكن يظلمنى، وعايزك تصدق وتبقى معايا

(*) لا أريد أن أكرر أن هذه اللغة الدينية البسيطة تجرى فى سياق آخر غير سياق الترهيب والترغيب، وأيضا غير سياق أى اغتراب عن “هنا والآن”، وبالتالى فهى لا يمكن أن تفيد إلا إذا كانت صادرة من يقين شخصى حتى يمكن أن تصل إلى يقين الآخر (رشاد)، لكن يبدو أن الجرعة كانت دسمة أكثر من اللازم ، فغيّر رشاد الموضوع بسرعة:

رشاد: يادكتور أنا عارف إن الأسرة بتاعتى، يعنى حاسس إن هما عارفين كل حاجة ومع ذالك ماحدش جه يصارحنى بأى حاجة

د.يحيى: ما انا صارحتك أهه، بس بلغة تانية، لغرض تانى، هم إيش عرفهم، ومع ذلك انت عمال تعيد وتزيد، أنا عايزك تاخد كلامى ده وتربطه بالكلام الأوّلانى فى أول مقابلة بتاع الحقيقة ومش الحقيقة، اللى انا فهمته غلط فى الأول، وبعدين اتفقنا على إن كل اللى انت عايشه حقيقة، بس محتاج نشوفه من الناحية دى، ومن الناحية دى، لحد ما نتفاهم، مش كده ولا إيه؟ إنت من أول لحظة سألتنى ده حقيقة ولا مش حقيقة، وانا قلت لك ما دام عايشه، يبقى حقيقة، ونتفاهم.

(*)استعمال نفس الكلمة “الحقيقة” التى طرحها رشاد من أول لحظة، لها فائدة خاصة لأنها قد تفيد كلا المعنيين المراد التفاهم بهما، قد تفيد أنه يعيش خبرة حقيقية يراها رأى العين (بالعين الداخلية)، كما أنها تفيد أيضا فى تقريب المسافة مع احتمال اختلاف تفاصيل المضمون لنفس اللفظ. “الحقيقة”، ويبدو أن كل ذلك قد وصل إلى رشاد فقد أردف:

رشاد: يعنى حقيقة؟

د.يحيى: إستنى بس، ما هو الاختلاف بييجى بعد كده، أنا باقول لك هى حقيقة من جوه، وانت بتفاصل مرة جوة ومرة برة، حا نقعد نتكلم بقى جوا وبره ولا نعمل حاجة سوا سوا

رشاد: لأ نعمل حاجة

د.يحيى: بس خلاص

رشاد: بس فيه معرفة برضه يادكتور لازم الواحد يعرف

د.يحيى: قلت لك ماينفعش بالطريقة بتاعتك دى، المعرفة بالمناقشات والكلام وبس ماتنفعشى، إحنا إتكلمنا فى النقطة دى عشرة خمستاشر مرة، احنا بنعرف سوا من خلال الخبرة، احنا بنشتغل ونعرف، نشتغل ونعرف، نعرف ونشتغل طول العمر

(*) أظن أن المقصود بالمعرفة من خلال الخبرة هنا يمكن إيجازه فى نوع من “المعرفة بالممارسة والوقت والونسمعا”، وهى معرفة ضمنية غير محددة بتعريفات لفظية، ولا تحتاج أن تعلن ببصيرة معقلنة، ولكن تتراكم جرعاتها حتى تظهر فى فعل يقاس بمقاييس الصحة والأداء والعلاقات بدءا بالعلاقة العلاجية، وهى أمور كلها تبدو غامضة فى ذاتها فى حين أن آثارها شديدة الوضوح، الحيرة التى تصاحب الغموض لا تعنى صعوبة مطلقة، بقدر ما تشير إلى أن اللغة المستعملة غير مألوفة.

رشاد: بس عشان مافضلش حيران

د.يحيى: ليه يعنى؟ إذا كان خففانك فى الحيرة نحتار سوا

(*) تـَحـَمـُّل الحيرة يصاحب ما ذهبنا إليه فى البداية فيما يتعلق بـ “تعليق الحكم”، وكلية التناول، وهذا أيضا عكس الشائع عن العلاج النفسى، وما يصاحبه من تكرار “دع القلق” دع القلق”، لأن الحيرة هى نوع خاص من القلق، وعلينا أن نقبله حتى لا نسارع إلى اختزال الخبرة إلى ألفاظ الشرح والتعريف، وهذه المرحلة تعتبر من اصعب المراحل لأنها تغيير فى منهج الحوار، وطبيعة التواصل، وهذا ما أدى برشاد إلى القول وكأنه يحتج.

رشاد: يادكتور، صعب

د.يحيى: ما هو كله صعب، والسفر صعب، والـ2500 جنيه اللى انت ضيعتهم فى أسبوع رايح جى صعب، ، ونصين المخ اللى كل واحد راح فى ناحية بعد الشد صعب، والهَبَلْ صعب

رشاد: ما تعرفش حد يادكتور يجيب لنا الـ2500 جنيه دول

د.يحيى: نعم؟ نعم؟ مش انت اللى ضيعتهم ولاّ أنا، حا جيبهم لك منين

رشاد: أيوه، انا بس….

د.يحيى: خلينا نجيب قدهم وأكتر لما تشفى وتشتغل أحسن من زمان ان شاء الله، الأمور حاتاخد شكل تانى أحسن حتى من قبل العيا، بس انت تبطل تلف حوالين نفسك..

رشاد: إمال أنا جاى هنا من الساعة ستّة ليه؟

د.يحيى: ….، عشان تقول لى نفس الكلام القديم!!!!  ده يصح برضه؟

رشاد: لأه، أنا بادوّر على المعرفة مش أكتر

د.يحيى: معرفة؟ معرفة؟ هى هى نفس الكلمة اللى أنا باستعملها، بتروح انت مختزلها وهات يا أسئلة ، ولاَ انت عارف يعنى إيه معرفة، أهو كله رص كلام فى كلام، بصراحة المعرفة بالكلام مش حاتوصلنا لأى حاجة  فى المرحلة دى ، خلينا نرجع لخبرتك الصعبة نشوف وصلتْ لحد فين: يا ترى إيه أخبارالأُوَضْ، والمِجرى، واللانْصَاص، والحاجات دى

رشاد: انصاص إيه؟

د.يحيى: مخك اللى انشق نصين مرة زى مش عارف إيه، ومرة زى اللبانة المشدودة بين اتنين، والمِجرى اللى بتتملى وتحوّد، والأوض والشنطة اللى مش عايزة تنقفل المحشور فيها الكلام، والباب اللى قـِفْلُه اتكسر ومش عارفين نصلحه، والحاجات دى

رشاد: لأ مفيش

د.يحيى: بتقول إيه؟ !!!

رشاد: مافيش

د.يحيى: راح فين دا كله؟

رشاد: مش عارف، بس مافيش

د.يحيى: راح فين ده كله يعنى؟

رشاد: مش عارف

د.يحيى: الخبرة دى كلها راحت فين

رشاد: مش فاهم

د.يحيى: يا ابنى مش انت اللى قعدت توصف الحاجات دى كلها بالتفصيل

رشاد: مظبوط

د.يحيى: مش برضه يصح نسأل كل الحاجات دى راحت فين

رشاد: اختفت

د.يحيى: اختفت ولا اتصلحت

رشاد: ممكن اتصلحت برضه

د.يحيى: نعم؟ نعم؟ لأ ما تستسهلشى، اختفت ولا اتصلحت

رشاد: ممكن اتصلحت

د.يحيى: هوه ايه الفرق بين اختفت، وبين اتصلحت، يارب خليك؟

رشاد: لو اتصلحت يبقى هى حانستمر على الصحيح

د.يحيى: بصراحة برافوا عليك، أهو ده المختصر المفيد، فيه فرق بين اختفت وبين أتصلحت، لو اختفت يبقى الفركشة زى ما هى بس احنا غطيناها، لكن لو إنها اتصلحت يبقى يعنى اترتبت وبقت ماشية فى السليم.

 رشاد: مش فاهم

د.يحيى: مش انت اللى قلت “حانستمر على الصحيح” جرى إيه يا أخى : اختفت يعنى رحنا زقينها جُوَّا زى ما هى والدنيا مفكوكة وطلع بدالها اللماضة بتاع طق الحنك دى، واعرف، ولازم اعرف، ما هو ضرورى أعرف، بدون فايدة

رشاد: يبقى اتصلحت

د.يحيى: أنا مش متأكد، عموما خير وبركة والأيام حاتبيـّن

(*) هذا الشرح الطويل نسبيا ليس المقصود منه تفهيم رشاد وحده، لكن ربما دخل فيه عامل تعليمى نظرا لأن الموقف كله ومن البداية هو موقف تعليمى بقدر ما هو علاجى كما ذكرنا، ونلاحظ أيضا أن كلا من “العلاقة” وتوثيقها، ثم الالتزام بالعودة الراتبة للواقع، هما العمودان اللذان نتحرك فى رحابهما مستندين إليهما، وهذا الفرق بين العلاج بالقمع (الكيميائى الجسيم أو بتدعيم الميكانزمات)، وبين العلاج بإعادة التشكيل  (نقد النص البشرى) هو الذى يميز هذا العلاج الذى يبدأ الاتفاق عليه من أول لحظة فى المقابلة كما لاحظنا، وهو الذى نقل رشاد نسبيا من التساؤل المعرفى المعقلن، إلى ما أراده الطبيب من التركيز على دفع المسيرة فى ذاتها أكثر من تصنيف الجارى وشرح المراحل، ينتقل رشاد لكنه يظل يسأل

رشاد: طب يادكتور هى لو اتصلحت …؟(يسكت)

د.يحيى: أيوه؟

رشاد: مش لازم بِعِلم برضه

د.يحيى: ياحبيبى يا ابنى، إمال انا باعمل أيه، يعنى انت شايفنى عجلاتى، ما انا باشتغل بالعلم اللى عندى

رشاد: مش هوه علم حضرتك، إنك عندك علم تنفـّذه

د.يحيى: عندى علم آه، بس مش وظيفتى إنى أنفذه يعنى اسمّعه واطبقه واحد اتنين تلاتة، أنفذه يعنى أعيشه واشربه وامارسه، زى أى صنايعى برضه، أنا لسه قايل للدكاترا دلوقتى وقايل لك إن احنا بنحدد الهدف، ونمارس اللى نشوفه صح، نلاقى شوية العلم اللى عارفينه بيساعدنا ويفسر حاجات، ويطنش حاجات، ما هو ساعات كتير العلم الجاهز مايقدرش يفسر النتائج، النتائج هى اللى بتأكد العلم اللى عندنا، أو بتخلينا ندور على علم جديد، ونصحح نفسنا، واحنا بنعيد حساباتنا، العلم مش كتاب بنطبقه ولا محفوظات بنسمّعها، إيه الهبل ده؟ حاتعمل زى شركات الدوا يا شيخ؟

رشاد: مش عارف صراحة

د.يحيى: الله يسامحك ياشيخ، دا انا كنت فرحان إن باوصّل لك اللى مش عارف أوصله للناس، ولا لأولادى وبناتى دول، إن شالله ما عرفت يا شيخ، لأ آسف، إنت يمكن عارف، بس مش قادر تعبر، (ضحك من الجميع) بصراحة  إنت معذور، إذا كان الدكاترة مش عايزين يصدقوا، يبقى انت حاتصدق؟ بس انا باشوف ساعات إن العيانين أجدع، خصوصا لما يتحسنوا، بيصدقوا

رشاد: احنا مش عارفين دلوقتى الحاجات دى اختفت ولا راحت

د.يحيى: ما هى أختفت زى راحت، لكن إتصلحت حاجة تانية، واخد بالك، هوّا إيه بقى رأيك: اختفت ولا اتصلحت؟

رشاد: الظاهر إنها اتصلحت

د.يحيى: عارف “الإعداد” اللى انت كنت قلت عليه، أهى إذا كانت إتصلحت يبقى الإعداد كان صح، ولا انت نسيته راخر، ما هو مافيش ضمان للخففان يا رشاد لواحد زيك جدع إلا إنها تتصلح مش تختفى وترجع لنا تانى فى أى وقت.

رشاد: بس اللى أنا أعرفه غير كده

د.يحيى: هوا احنا حانقيس باللى انت تعرفه، ولا حتى باللى انا اعرفه، مش أنت بتقول علىّ إنت عالم، أهو ده علمى يا أخى، أعمل إيه؟ هو ده علمى، وبنقيس بالنتيجة يا أخى ، الله !!!

رشاد: أنا ماقصُدشى

د.يحيى: يعنى هوه لازم يبقى علمى بطريقتك أو بطريقة بتوع الدوا، هو أنا باشتغل عندهم؟ أنا بشتغل عندك وعند ربنا

رشاد: لازم معرفة يادكتور

د.يحيى: إنت عامل زى ناظر مدرسة أو مدرس أوّل عمال تفهمنى أذاكر ازاى عشان أنجح، وهو أنا ماباعرفش يا جدع انت؟

رشاد: لازم معرفة، أنا اللى أعرفه إن لازم معرفة..

د.يحيى: أنا عملت اللى علىّ، قلت لك إنك انت معلق على حكاية المعرفة والعلم بالطريقة اللى بتلح بيها دى، اللى أغلبها ألفاظ مرصوصة أنا خايف انت بالشكل ده تعطلنا عن السكة الصح، أنا مش رافض المعرفة، بس نشوف الأولويات، إنت بتقول لازم المعرفة بطريقتك، وأنا باقول لازم الشغل ونبقى مع بعض ومع ربنا والناس، أما نقعد نلف وندور كلام كلام كلام، واحنا قاعدين، ونسميه معرفة، أنا شايف إن دى عَطَلة بالنسبة لحالتك، ثم إن فيه حاجات برضه عملية فى الحياة ما اتكلمناش فيها، إحنا لازم نقيس بكل حاجة، مش بس الشغل اللى ابتدينا بيه الحمد لله، ما انت كنت بتشتغل ميت شغلة قبل كده، وناجح تماما التمام، واتكسرت، يبقى فيه حاجة ناقصة جنب الشغل، أو حاجات، إنت مش ملاحظ إن احنا ما اتكلمناش لا عن الحب ولا عن الجنس ولا عن اللى بتعوزك أو اللى انت بتعوزها، زى ما يكون المسألة اتقلبت مكنة باظت وعايزنها ترجع تشتغل زى زمان، وخلاص، بصراحة كده ما ينفعشى

رشاد: قصد حضرتك إيه ؟

د.يحيى: مش برضه انت شاب، وراجل، وبقى عندك 33 سنة، مش لازم نشوف مع بعض النيلة اللى أنت فيها دى، زى قلة الحب وقلة الجنس وقلة الونس

رشاد: اللى هى الجواز يعنى؟

د.يحيى: يعنى

(23) احترام الاحتياجات الأولية:

(23) احترام الاحتياجات الأولية:

(23)

احترام الاحتياجات الأولية:

رشاد: آه،عشان نتكلم فى الجواز ده لازم مال

د.يحيى: نعم ياخويا!!؟ ما انت بتضيعه أول بأول

رشاد: عشان نتكلم فى نقطة الجواز دى لازم يبقى فيه مال موجود

د.يحيى: يا إبنى، يا ابنى،  الله يطول عمرك، ماتحطش العربية قدام الحصان إعمل معروف، خلينا واحدة واحدة، هوّا انا يعنى مش عارف يعنى إيه مال، وإن الجواز محتاج مال، دا انا  صعبان عليا الـ2500 جنيه اللى ضاعوا فى السفرية المهببة دى أكتر منك، مش كانوا دول نفعوا شبكة للبنت صاحبة النصيب، إنت مش عارف إن سنك 33 يا أخى، صحيح ما تأخرتش قوى، لكن ما سمعتكشى فى كل الهيصة دى بتشاور على أيها بنت، أو ست، أو عاطفة، المفروض بنى آدم زى ما ربنا خلقه بيشتغل، برضه ربنا خلقه بيحب ويعوز نصه التانى، وحاجات كده، خدت بالك يا رشاد، إنت سايب الحتة دى خالص وعمال تزن على المعرفة والعلم، وكأنى لا عالم، ولا باعرف، مش نشوف احتياجاتك الإنسانية العادية، ونرتبها يا أخى هى رخرة، ولاّ إيه

رشاد: آه

د.يحيى: حكاية الكلام الكلام الكلام اللى بتسميه معرفة مرة، وعلم مرة، زى ما يكون بقى حاجز بينى وبينك، وبينك وبين الناس، وبينك وبين الشفاء، إن كان على الدوا بندى دوا، وآدى الشغل عمالين نضغط عليك عشان ترجع له وانت ربنا يخليك بتتجاوب، وبتشتغل، مش نكمل فحص النواحى التانية بقى عشان نعمل اللى علينا؟

رشاد: ما هو لازم اعرف برضه

د.يحيى: تعرف إيه؟ بالكلام واللت والعجن، تعرف فى الجنس والحريم والجواز، بالكلام اللى بتقول عليه معرفة؟ ليه بقى؟ طب والحمام واليمام والنوارس بيمارسو الحياة إزاى، وهما ما بيفكوش الخط.

رشاد: اصل انا رامى كل ده على جنب

د.يحيى: راميه على إيه؟!! دا دم بيجرى فى عروقنا، واحنا بنتشكل بيه بما يرضى الله، إزاى الحتة دى مش شاغلاك  خالص، ما بتجيبش سيرتها من أصله؟

رشاد: انا عارف  كويس إنها مش شغلانى ؟ أنا مش لاقيها نهائى

د.يحيى: يا نهار اسود راحت فين هى رخره،  اختفت مع اللى اختفى، ولا هى ما ظهرتشى من الأول حتى فى المرض؟ 

رشاد: لأ يعنى، مش مهمة عندى

د.يحيى: إمال ايه دقنك اللى طالعة ومتوضبة وجميلة دى، (رشاد مطلق لحيته بأناقة) مش هرمونات دى اللى مطلعاها، ولا يمكن شاريها بلاستك من كارفور، يا شيخ بلا خيبة، يابنى عايزين واحنا بنصحح الطريق، وبنفضى الأوض ونرتبها من جديد، عايزين نشوف إيه اللى ملاها غلط من ورانا

(*)  هذا المدخل للحديث عن الطبيعة البشرية التى يعتبر الجنس من أصولها العادية له أساليب مختلفة فى ثقافات مختلفة، ومن أبسط تلك الأساليب الحديث عن  أن الجنس هو “خلقة ربنا”، وأنه ما دام كذلك فنحن مدعوون أن نعترف به ونرعاه، تماما مثلما نرعى أية نعمة خلقها الله، وأيضا نلاحظ ما فى هذه الفقرة من منطلق بيولوجى فسيولوجى عادى، مثل الإشارة مثلا إلى ما يسمى العلامات المميزة للجنس عند الذكر والأنثى، مثل شعر الذقن والصدر عند الرجل، واختفاء هذا وذاك مع ظهور النهدين والطمث عند الأنثى، وطبعا لكل سن، ولكل ثقافة خصوصيتها ومداخلها.

رشاد: بس هو مافيش دلوقتى لا كسر ولا أُوَضْ

د.يحيى: إيه ده يا عم إوعى يا واد تكون ما اهتمتشى إلا بتصليح الباب اللى اتكسر، وجبت قفل متين، وقفلت على القديم والجديد مع بعض مرة واحدة

رشاد: ماشى بس هو مافيش حاجة دلوقتى

د.يحيى: الحمد لله، يا ترى راح فين؟

رشاد: المهم مفيش

د.يحيى: يبقى اختفت ولا اتصلحت

رشاد: أكيد اتصلحت

د.يحيى: هوه انت لما لقيتنى مصمم على التصليح قلت: إديها اتصلحت

رشاد: لأ لأ، هى أكيد اتصلحت

د.يحيى: يا ابنى دى بتتصلح فى 5 سنين ولا 10 سنين، وساعات فى خمسين ويمكن تقعد لحد سبعين  سنه على ما تتصلح

رشاد: ياه !!! مش معقول يا دكتور، هى إيه دى يا دكتور؟

د.يحيى: هى خلقة ربنا، يعنى ربنا هو خلقها متصلحه، بس احنا بنبوظها لدرجه تحتاج وقت على ما ترجع تاخد مسارها الطبيعى

(*)  يبدو هذا المقطع وكأنه رفض لاختفاء الأعراض الدالة على التحسن أو حتى الشفاء، خشية أن تكون قد اختفت بالإفراط فى الكبت، والتسكين القهرى (بالعقاقير وغيرها) لنشاط المخ البدائى الذى أعلنت بعض مظاهره حيوية العين الداخلية، لكن لا ينبغى أن يكون هذا هو نهاية المطاف، وليس هذا هو مسار “التصحيح” أو “التصليح” كما جاء فى الحوار، أو إعادة التشكيل كما يفيد ما أعنيه “بنقد النص البشرى”، والطبيب هنا لم يتردد فى إثناء رشاد عن الفرحة بالتحسن الظاهر، وفى نفس الوقت هو لا يهدف إلى تنشيط العملية الإمراضية افتعالا، ونلفت النظر إلى أننا تناولنا فكرة “الهرب إلى الصحة” ([1]) أو إلى ما يشبه الصحة من قبل.

د. يحيى (يكمل)  :……إنت ابن حلال، بلاش بقى تسحبنى للكلام طق الحنك بتاع معرفة ومش معرفة، أديك بتصدقنى شويه،  وانا باصدقك شويه، ونأجل اللت والعجن  ده لحد ما تلاقى واحده تحضنها وتحضنك بما يرضى الله، الحضن ساعات بيبقى احسن من حاجات تانية، عارف يعنى ايه حضن يا رشاد

رشاد: لأه

د.يحيى: حضن يا راجل!!

رشاد: جواز  يعنى ؟

د.يحيى: حضن بتاع ربنا، آه بورقة يبقى جواز، بس فيه جواز من غير أحضان، للأسف

رشاد: احضن مين يعنى

د.يحيى: اللى ربنا قاسمْها لك

رشاد: من غير جواز شرعى وكده؟

د.يحيى: ليه بقى؟!!!  هوّا الأحضان ممنوعة فى الجواز الشرعى

رشاد: مش عارف، حضرتك قصدك إيه؟

د.يحيى: قصدى إنه ما هو احنا برضه لازم نعرف خلقة ربنا ، ونعرف حضن بما يرضى الله يعنى إيه، ونتعلم منّه وكلام من ده، ونكمل وجودنا بنعمة ربنا.

(*)  حكاية أن الجسد يفكر ويبدع تشغلنى كـ “لغة” ليست بالضرورة إشارية، فهى عندى نوع من المعرفة، وأيضا نوع من الإبداع، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى فروض وأطروحات ظهرت لى أيضا، وحين استعمل هذه اللغة الخاصة أتعمد ألا أستدرج لمزيد من الشرح بالألفاظ،  ورشاد يستقبلها كما يشاء، وغالبا يكون الاستقبال إيجابيا بمعنى الإحاطة العامة بالمراد، نوع من الإدراك الذى هو موضوعنا الأساسى، وليس بالضرورة بمعنى الفهم الذى يستلزم الشرح بالألفاظ.

رشاد: يعنى حضرتك عايز نكمل فى إيه

 د.يحيى: فى كل حاجة طبيعية، ما هو كل اللى كنت بتشتكى منه وراح أو قرب يروح اختفى، إنت بتقول: الشق اختفى، والنصين اختفوا، واللى زى شد اللبانة اللى اتقطعت نصين، اختفت، والأُوض، اختفت، والاخرام اختفت

رشاد: لأ الاخرام متهيألى لسه

د.يحيى: لسه بتحصل من نظرات الناس برضه؟

رشاد: يعنى مش قوى زى زمان

د. يحيى: كتر خيرك

رشاد: كتر خيرك انت

د.يحيى فاضل بقى حكاية السفر، أنا قلت لك فى أول المقابلة إيه اللى انا عايز اتكلم فيه، وشاورت لك إن السفر لسه جواك زى ما هوه، مش كده؟ 

رشاد: يعنى أنا  كل خوفى إن هيئة النقل يقولو لى لسه قدامك شهرين تانى

د.يحيى: إوعى تكون عايز تسافر الشهرين دول يا جدع انت!! إيه حكايتك؟

رشاد: لأ ما اقصدش بس خوفى لحسن يتلغى الموضوع ده

د.يحيى: يتلغى موضوع الهيئه ولا موضوع السفر؟

رشاد: موضوع الهيئة، مش عارف إيه اللى حا يحصل فى 10/6 زى ما وعدونى، همّا اللى حددوا المعاد ده

د.يحيى: ما انت بتشتغل شغلة تانية، وانت قدها وقدود، تقدر تلاقى شغلة تالتة ورابعة، أنا عارف إن  السفر لسه مرعرع جواك، إنما خلاص قلبنا الصفحة مؤقتا

رشاد: مظبوط

د.يحيى: بلاش استعجال الله يخليك

رشاد: حاضر

د.يحيى: حاشوفك الجمعه اللى جايه ولاّ اللى بعدها؟ زى ما انت عايز

رشاد: انت بتيجى هنا يوم الجمعة؟

د.يحيى: لأ، قصدى  الأسبوع الجاى، الخميس  يعني

رشاد: يبقى الخميس اللى جاى، خلاص ماشى

د.يحيى: تحب تيجى الخميس اللى جاى ولا اللى بعده

رشاد: مش عارف بقى

د.يحيى: زى ما انت عايز حسب وقتك وحسب ظروفك وحسب علاقتك بينا

رشاد: خليها كل خميس

(*)  لاحظ تعبير “إنما خلاص قلبنا الصفحة مؤقتا”، وهو يشير إلى ما أسميناه “الأهداف المتوسطة”، بمعنى أن العلاج، خاصة الذى يشمل التأهيل، أملا فى إعادة التشكيل، يتكون من مراحل ويتوقف فى محطات، وهذا يساعد أن يتلقى رشاد الضغط من ناحية الطبيب باعتباره أمر مؤقت، وليس قهرا مطلقا، ونلاحظ أيضا أن تحديد المقابلات وتواتر انتظامها قد تركه الطبيب للمريض بشكل حقيقى، وقد استنتج منه الطبيب حرص رشاد على اللقاءات للمتابعة وإكمال المشوار، وهنا نشير مرة أخرى إلى معنى “المواكبة”، وأن العلاج النفسى ليس هو أساسا: العلاج بالكلام، وإنما هو بترسيخ العلاقة، وحمل الأمانة معا، والكلام أحد وسائل ذلك، ثم يمضى العلاج مرحلة فمرحلة لحين استعادة الحيوية وإعادة توجه النمو إلى مساره.

د.يحيى: مش تعب عليك؟

رشاد: لأ مش تعب

د.يحيى: خلاص انا مستنيك

…………

(ثم مداخلة أحدى الحضور)

د. مى: أنا مافهمتش قوى إزاى الحاجات اللى كانت العين الداخلية بتشوفها اختفت تقريبا وهو لسه ما خفش، وهل ده له علاقة بحكاية “فرط الكبت” اللى ممكن يكون حصل.

د. يحيى: عندك حق، الحذر واجب، يمكن لما هوَّا قال إنه  اتحسن وقال إن كل حاجة اختفت، يمكن ده حصل لأنه طفى النور، يبقى الحاجات دى اختفت عشان الدنيا بقت ضلمة “والعين الداخلية” ماعادتشى قادرة ترصد تفكك العازفين التانيين، ما فضلشى من الحدوتة كلها غيرالنظرات اياها اللى بتخرق المخ زى ما تكون جايّه إسقاط من عيون بعض أفراد الفرقة المتفككة اللى بتلمع فى الضلمة.

 على فكرة النشاط المعقلن عند رشاد هنا مش كله وحش، دا هوّه اللى ظهر بشكل  إيجابى، فى الشغل، وفى رجوعه من السفر، وفى علاقته بينا، وفى التزامه بالمواعيد، وهو النشاط ده نفسه اللى اتفقس من إلحاحه فى طلب المعرفة والتفسير والمناقشة بطريقته، وكان واضح إن طريقته دى كانت أغلبها إنه زى ما يكون بيدور على ميكانزمات جديدة، ميكانزمات شيك تساعده إنه يتلم بسرعة.

بس خلّى بالـِك برضه، يا مَىْ مش معنى إن الدنيا ضلمت قوى كده لحد ما كل حاجة تانية اختقت إن العقلنة بتاعته هى اللى كسبت الجولة للنهاية، لأ، الراجل ده اتحركت فيه مستويات تانية، من ساعة ما قال حاجة وصلتنى، فوّقتنى، وبرضه لما قال حسيت إن الدم بيجرى فى عروقى، لحد ما رجع من السفر يمكن عشان يكمل علاج، المستويات اللى اتحركت دى هيا اللى رجعته وخلته رِضِى إنه يقبل شروط العلاج، واحنا انتهزناها فرصة وبنستغل الجانب الإيجابى فى أى مستوى “استعاد نشاطه”، وبناخد منه المنطق السليم بتاع المخ المنظِّم، ونستعمله فى استعادة علاقته بالحياة الواقعية الملتزمة بعد توقف سنة ونص، وفى نفس الوقت بنهوّى على الحاجات المنسية والملغية، زى ما عملنا فى المقابلة دى اللى قعدنا نتكلم فيها عن العواطف، والطاقة الحيوية، ونشاور على الجنس وحقه فى الحضن، وفى الونس، والكلام ده، وياريت تكونى لاحظتى إننا واحنا بنرفض العقلنة ما حاولناش نلغى فضل العقل، احنا بنحاول إن المسألة تبقى “عقل”  mindمفيد مش ميكانزم “عقلنة” intellectualization ، وكده نضمن إن العقل يساعدنا، لازم ناخد المسألة كده واحدة واحده، نصالح ده، ونطبطب على ده، ونولف ده ونحترم الجميع، ونسمح بالفركشة فى الحلم، وما نبالغشى فى أى اتجاه ولازم نفضل نعمل كده بالتدريج لحد ما يتفقوا، مش بس إن مستويات الوعى يرجعوا يعزفوا مع بعض اللحن السليم اللى كان، لأ ده يمكن يألفوا لحن أجدع.

خلاصة الخلاصة

 يبدو أنه لا يوجد شىء اسمه الفصام، ولكن ثمة عملية تفكيكية تفسيخية تهدد واحدية تماسكنا، وتنذر بتراجع مسارنا، وهذه العملية هى أساس كل الأمراض النفسية/ العقلية، وهى تمثل النذير بقدر ما تحفز التحدى، والصعوبة أن بدايتها تكاد تكون هى هى بداية عمليات الإبداع ومراحل الحلم الأولى ونفترض بناء على ذلك:

  • إنه فى الحلم تنتهى العملية التفكيكة بإعادة الترتيب Repatterning ، وفى الإبداع تنتهى بإعادة التشكيل الفائق وبالتالى هى عملية بنائية تطورية من حيث المبدأ ولا تعرف آثارها إلا بناتج وظائفها.
  • إنه فى الإبداع تجرى هذه العملية فى رحاب الوعى المشتمل، فيكون نتاجه تشكيلا جديدا، ليس مجرد تنظيم مفيد (الحلم)، ولا مآل متفسخ (الفصام)، وهذا ما لم تتح الفرصة لرشاد أن يكمله، اللهم إلا بمرحلة التصوير الداخلى إن صح التعبير، هذا التصوير لا يعنى تشكيلا أو توليفا  إبداعيا كاملا بقدر ما هو يوازى “التقاط صورة حقيقية نادرة” غير كاملة.
  • عاش رشاد هذه العمليات المرة تلو المرة وظهرت فى شكل ذهان صريح ثم برأ منها (هذه هى ثالث مرة) ، وقد استطاع أن يلملم نفسه – بالعلاج- فى المرتين الأولى والثانية، ويبدو أنه حين شفى من كل نوبة عاودته الأزمة بنفس التركيب إلى نفس المسار، فتعرض للمرة الثالثة (الحالية) إلى ما تبين لنا فى هذا العرض.
  • ربما أفاد – مؤقتا– انسحاب رشاد من العمل (والناس) فى منع أو تأجيل التفسخ، وذلك باستعمال الميكانزمات المناسبة، وبالذات ميكانزمّىْ التفكيك والعقلنة، ثم الإسقاط، وقد قامت العقلنة والإسقاط بتوقيف الحالة عند مرحلة الوصف، وكذلك بتبرير وتسويغ متطلبات الواقع، ثم قامت “العقلنة” (فالعقل لاحقا) برصد عملية التفكك كما بيّنا طوال عرض الحالة.
  • حالت هذه الميكانزمات الثلاثة وغيرها – حتى نهاية الحلقات – دون التمادى فى التفسخ الفعلى.
  • تاريخ رشاد العائلى الإيجابى للمرض النفسى كان قابعا وراء كل من هذا التفكك المحدود (وهو الذى أسميناه: تفكك فى المحل)، وأيضا وراء القابلية للشفاء الواعد شبه الكامل (من حيث اختفاء الأعراض). هذا التاريخ العائلى (هنا فى حالة رشاد، وبصفة عامة) وجدنا أنه يشير أساسا إلى وراثة برامج ذات طبيعة حركية تفكيكية/تنظيمية معينة (أو تفسخية محتملة) بالإضافة إلى وراثة مسار للتعافى بالعلاج أو بدونه!.
  • رشاد لم يرث تهيُّئاً للفصام بالذات (أو لغيره، أنظر تاريخ الأسرة) وإنما ورث نشاط حركية معينة تشمل كلا من الحدّة والوفرة (زخم الحركة)، وأيضا ورث -ربما إلى درجة أقل- برنامجا يحدد توجه المسار (فالمآل)، بمعنى أن الذى ورثه ليس المرض وإنما جاهزية نشاط برامج التفكيك كما ورث أيضا برامج قدرة التشكيل بدرجات مختلفة لهذه وتلك.
  • تبينا كيف ورث رشاد برنامجا يعلن استهدافا لفرط تنشيط التاريخ العائلى عند رشاد كما يشير إلى أن كلَّ مَنْ مَرِضَ فى هذه العائلة قد تحسن أو شفى، والأرجح أن الشفاء فى معظم النوبات أو كلها قد تَمّ باختفاء الأعراض أكثر من اضطراد النمو: الخال مرض فى سن 18 سنة ودخل مسشفى العباسية، وشفى، والعم أصيب بنوبة اكتئاب شفيت أيضا بعلاج جلسات تنظيم الإيقاع ([2]) ولم يعاوده المرض بعد ذلك.
  • هكذا أمكن استنتاج كما ذكرنا حالا أن رشاد يحمل برنامج زخم التفكيك، بقدر ما يحمل برنامج القدرة على ضبطه واستعادة توازنه، بعلاج أو بدون علاج أحيانا).
  • يبدو أن الأخت التى أصيبت بعصاب لم يتماد إلى أكثر من ذلك، قد حالت ميكانزماتها القادرة دون أن تصل إلى درجة تعرية مباشرة، أو إعلان مظاهر هذه البرامج الجاهزة بحركية جسيمة، فتوقفت عند مرحلة العصاب (عصاب القهر الوسواسى)
  • إن الإصابة السابقة بمرض نفسى جسيم (ليس بالضرورة أن يسمى فصاما أو أن يكون فصاما) لا تُحدد بالضرورة طبيعة الإصابة اللاحقة تلقائيا، وإنما يتوقف ذلك على عوامل كثيرة من بينها: طبيعة إعادة تنظيم التركيب بعد النوبة السابقة، واضح هنا أن رشاد خرج متماسكا من كل نوبة، والأرجح أنه فعل ذلك باستعادة استعمال دفاعات (ميكانزمات) أكثر فاعلية سمحت له بمعاودة الكفاح والحياة (والتأجيل أيضا)
  • من خلال تتبع الحالة طوليا تبين لنا كيف أن علينا أن نرصد، أو نتوقع، أن أية وقفة فى مرحلة معينة من مراحل التفكيك نحو التفسخ، أو اللم بالدفاعات القديمة أو الجديدة التى تدعمت بعد الخبرة المرضية، يمكن أن ينتج عنها وقفة تستأهل تشخيصا آخر، بمعنى أن رشاد يمكن أن يتوقف عند (أو يمر بـ) مرحلة وسواسية صريحة، أو اكتئابية جسيمة، أو حتى هوسية مؤقته، وهذا يتوقف على الظروف المحيطة الجديدة ، وطريقة تكيفه الإمراضى لها، وطبيعة العلاج وقدرته على النقد التلقائى الفعلى والتشكيل.
  • ثم إن التعافى الذى تم فى أفراد الأسرة بهذا الوضوح ، هو أقرب إلى افتراض أن برامج اللأم الموروثة، جنبا إلى جنب مع برامج التفكك الجاهزة، يمكن تشغيلها- بالعلاج- لصالح رشاد – وبالتالى لأى مريض تسمح ظروفه بذلك- فى الاتجاه الإيجابى بحسب كفاءة الخطة العلاجية المرتبطة بمدى صحة الفرض الإمراضى التركيبى
  • كذلك يجدر بنا أن ننتبه إلى بعض دلالات وآليات الحوار الذى نشر على مدى المقابلات جميعا، ولنأخذ على سبيل المثال قيمة ما يسمى “احترام تجربة المرض”، بدأت بأخذ شكوى رشاد مأخذ الجد تماما، باعتبار أنها واقع آخر. إن هذه القيمة ليس لها أدنى علاقة بالشفقة عليه، أو “أخذه على قدر عقله: كما يشاع،

 ويمكن فيما يلى أن نعيد رصد بعض مظاهرهذه القيمة – الاحترام- كما وردت فى الحوار على سبيل المثال:

  • قبول كلامه من حيث المبدأ على أنه ليس فقط “حقيقته“، وإنما هو “الحقيقة الأخرى“.
  • رفع الكلفة بينه وبين المعالج الأكبر فى حدود ما يسمح به تطور العلاقة، هذا وقد لاحظنا كيف يمكن أن يحدث ذلك – رفع الكلفة – من أول مرة، وأن يضطرد بعد ذلك.
  • السماح بالحديث عن بعض الذكريات والمسائل الشخصية للمعالج – باختياره- بما يمكن أن يذيب الثلج بالتدريج، على ألا تُقحم هذه الذكريات أو التجارب كنموذج يُحتذى
  • عرض التفسير والفروض العلمية (خصوصا التفسيرات الإمراضية) على رشاد بشكل مبسط ومباشر، وكأنه زميل مشارك، أو طالب بحث، وذلك كلما سمحت الفرصة بذلك.
  • مناقشة رشاد فيما يعرض عليه من هذه الآراء، وأخذ رأيه بجدية فى مصداقية هذا التفسير بالنسبة له أحيانا، كمعايش للتجربة، وصاحب مصلحة، وذلك دون المبالغة فى قيمة رأيه – بالموافقة – بلا تحفظ، أى دون أخذ موافقته قضية مسلمة تصبح دليلا على صحة التفسير
  • المقارنة أحيانا بين رأيه، والآراء الأخرى بما فى ذلك آراء تبدو علمية وثقانية (دجماطيقية) لم تطرح بالضرورة من أحد الحاضرين
  • عرض تفاصيل خطة العلاج ومشاركته فى اتخاذ القرارات دون التنازل عن التوصية الحازمة وبالأصلح دون ادعاء منحه حرية زائفة، وأيضا دون فرض رأى نهائى
  • تجنب التطرق إلى أى منطقة لا يريد الحديث فيها أمام الأطباء الأصغر
  • السماح له بنقد موقف وأراء المعالج، سواء فى منهج الحوار، أو منهج التفسير أو محتوى أى منهما، دون ادعاء مساواة أو حرية زائفة، ومثلما حدث مرارا حين أصرّ رشاد على ضرورة “المعرفة” قبل “الفعل والممارسة”، وهو ما أخذه الطبيب على أنه مهرب بميكانزم العقلنة يبعدهما عن ممارسة العلاقة والتجربة دون وصاية الاسماء أو حتى الرموز
  • وصل الأمر مع رشاد إلى شرح منهج الحوار ومحكات القياس بما أوجز وأوضح بعض جوانب المنهج الفينومينولوجى من ناحية، والممارسة الإمبريقية من ناحية أخرى، وذلك بلغة عادية، وبأمثلة من الجارى فعلاً.
  • استعمال المعالج للغة السائدة فى “ثقافة رشاد الفرعية” ما أمكن ذلك (مثلا فى التحية، حتى فى وصف الإمراضية..إلخ)
  • السماح للمريض بتساؤلات موازية، واعتراضات مناسبة، كلما أتيحت الفرصة
  • شاهدنا من تطور الحوار، وتوالى الشرح، وبعض الهوامش، كيف يمكن تعديل الفرض الإمراضى الأساسى، نتيجة الحصول على معلومات جديدة، أو اكتشاف أبعاد جديدة فى التركيب أو تاريخ رشاد أو ظروفه المحيطة.
  • لاحظنا أيضا أهمية، بل ضرورة، عرض الخطة العلاجية على رشاد بصريح العبارة وفى نفس الوقت القبول بتعديل بعض التفاصيل، والتراجع عن بعض الخطوات حسب التقييم المستمر أولا بأول.
  • لعل الحوار، خاصة فى الحلقات الأخيرة، قد أوضح بعض الأثر السلبى الذى يمكن أن ينتج إذا استدُرجنا للبدء مع رشاد بتسمية المرض باسم شائع أو حتى باسم علمى، (أو شبه علمى) خاصة إذا كان هذا الاسم ليست له مصداقية كافية، حتى وإن كان الاتفاق قد تم عليه، وطالما أن مضمونه العلمى (على فرض أن لهذا الاسم مضمون علمى مفيد) ودلالاته العامة (عند الشخص العادى) هى مجال للمراجعة الدائمة، وكثيرا ما تكون المعلومات المتاحة بشأنها معلومات مضللة أو معطلة أو ملتبسة.
  • لعلنا لا حظنا أيضا أنه مهما كان السبب واضحا (فى حالة رشاد: مثل الإحباط نتيجة للرفض بعد التلويح له بالاختيار فى الفريق الأول لكرة القدم)، إلا أن مثل هذا السبب وحده ليس كافيا أن يحدث المرض بكل هذه التفاصيل

وبعد

فلعله يصل للزملاء، الأصغر خاصة، مدى أهمية، بل ضرورة عملية “التعلم المستمر” “من المرضى”، الأمر الذى لا يثرى المتدرب والممارس بدرجة كافية إلا إذا نجح المتعلم (المعالج أو المعلم المدرّب) من التخلص النسبى أو المؤقت أو كليهما من تقديس منظومات مسبقة محصنة ضد أى نقد نابع من الممارسة، مهما كانت صلبة أو شائعة أو تاريخية أو مستوردة.

[1]– Flight into health

الهرب إلى الصحة هو تعبير قديم، أصله بالانجليزية Flight into Health وقد ظللت أستعمله حتى أسيىء فهمه ممن يسمعه، لأن الصحة بمعناها الكامل لا يمكن أن تكون مهربا، لذلك أضفت “أو ما يشبه الصحة، وأعنى به مجرد اختفاء الأعراض وأيضا – أحيانا – الاستغناء عن الحاجة للعلاج رغم وجود الإمراضية Psychopathology   وليس المرض.

[2] – ما يسمى ECT ويسميها  RRT أو BST  وهى جلسات إعادة التشكيل واستعادة ضبط الإيقاع.

Slide2

 

3 تعليقات

  1. من فضلكم اريد شراء هذا الكتاب (فصامى يعلمنا الفصام) النسخة الورقية (لا احب قراءة الكتب الهامة الكترونيا) وكذا سلسلة كتب الفصام وكتاب الغرائز (العدوان) ولم اجد فى مكتبة الأنجلو الكتب التى اريدها فهل يمكنكم التفضل بإرشادى اين اجدها ولكم منى الشكر والتقدير

    • صباح الخير
      والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية، و مستشفى دار المقطم للصحة النفسية، العنوان: شارع 12 من شارع 10 – مدينة المقطم – القاهرة
      برجاء الاتصال للاستفسار عن وجود الكتب المراد شراؤها من دار المقطم ☏ 19369 202+ ☎ 1211113073 20+
      شكرا

  2. د. محمود الشنديدي المدير العام السابق لهيئة صندوق

    هل يمكن الاستاذ الدكتور بحي الرخاوي أن يحدثنا عن ما يعرف باسم الاضطراب الوجداني ثنائي القطب و كيف يمكن أن ينطلق المريض الي التبصر و إدراك المشكلة و القبول بالعلاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *