الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (53): بين “الموقف” و”الموقع”: والفروق الثقافية (1 من 4)

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (53): بين “الموقف” و”الموقع”: والفروق الثقافية (1 من 4)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 11-8-2013

السنة السادسة

 العدد: 2172     

 كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (53)

مؤتمر: العلاج الجمعى والعمليات الجماعية: الأمل فى أوقات عصيبة

(القاهرة 25 – 27  سبتمبر 2013)

بين “الموقف” و”الموقع”:  والفروق الثقافية (1 من  4)

الشوفان <=> حمل الهم معا  < => الحركة

هل هناك فرق بين “الموقف” و”الموقع”؟؟!!

وبعد

فى هذا المؤتمر إشارة إلى الفروق الثقافية، وهى ليست مجرد إشارة، وإنما هى حتمية علمية إبداعية لا مفر من تحمل مسؤوليتها. تساءلت من قبل وأنا أقدم لعبة “أنا لو حاقول كلام من غير كلام …..إلخ” أو مينى دراما “أعمل حلم هنا ودلوقتى ..” تساءلت: كيف يمكن أن أوصل للمؤتمرين طبيعة ونبض ما حدث بلغتنا هكذا بكل ما حملت من إبداع متحدٍّ، طلبت من إبنى، وهو أعلم منى بالإنجليزية أن يترجم لى كلمات اللعبة إلى الإنجليزية، ولم أحظ بإجابة شافية منه حتى الآن، حاولت أن أترجم بعض ما أبدع مرضى المجموعة من أحلام، وهم على المستوى المتواضع من التعليم والوضع الاجتماعى، فلم أجد ما يطمئننى إلا أننى يمكن أن أنقل إلى هؤلاء  “الخواجات الضيوف الطيبين” ما ينبغى، راجعت ما قدمته بالصوت والصورة فى ندوة جمعيتنا (الطب النفسى التطورى) فى المقطم يوم الجمعة قبل الماضى 2 أغسطس الجارى، فلم أتصور أنه يمكن أن يصل إلى هؤلاء الضيوف الكرام بما أرجوا كما أرجو، تركت كل هذا جانبا وأنا على يقين أنه إذا كان عملا صادقا مفيدا للنوع البشرى، فهو لن يحتاج إلى ترجمة أكثر مما هو (لا تقل لى كيف، واسأل الشاعر الأمريكى البديع “بالمر”)، واسأل أيضا مولانا النفّرى.

عودة إلى المقتطف من “جماعة المواجهة”

فى هذا المقتطف يتجسد الموقع (الموقف) البارنوى بشكل يبدو ليس له حل، وقبل أن اعرض ما هو التصرف فى مثل هذا الموقف فى العلاج الجمعى، أود أن أبدأ بملاحظة هامة (استنفدت كل النشرة لأهميتها، لأنها تتعلق بنفس القضية !!!) وهذه الملاحظة  تقول:

لاحظت أننى أستعمل الآن ، ربما لأول مرة (فيما عدا أن يكون قد فقز منى دون قصد محدد)، كلمة “موقف” بدلا من كلمة “موقع”، يا ترى هل هى مصادفة: أن لغتى صححت علمى بالرغم منى؟.

حين وصفتْ ميلانى كلاين (ومن بعدها فيربيرن، فجانترب، فآخرون) المراحل المتتالية للعلاقة بالموضوع أسمتها الموقع الشيزيدى schizoid position ثم الموقع الاكتئابى Depressive Position  ثم الموقع البارنوى، ولم تسمها الموقف، ثم جاء جانترب وعدل الترتيب فقدم الموقع البارنوى على الموقع الاكتئابى، واعترضت ميلانى كلاين على ذلك، إلا أن إريك بيرن عرض رأيه على أستاذه ومحلله “قيربيرن” (مع أن ميلانى كلاين بدورها كانت أستاذة  ومحللة “فيربيرن”) فوافقه “فيربرن” على رأيه، بل وأضاف أنه لو كان يكتب (وكان قد أصيب بمرض باركنسون فى كهولته) لكان كتب عن ذلك وأقره، ومن الطريف أننى حين حكيت لأستاذنا المرحوم مصطفى زيور عن هذا الرأى  أثناء إعدادنا لدليل التشخيص المصرى/العربى DMP I ، واستشهدت بهذه المعلومات، رفضه أستاذنا الدكتور زيور بشدة، وقال ربما يرجع  إقرار فيربيرن لهذا الرأى لمرضه الذى ذكرتـَه، فكتمت فى نفسى وسكت احتراما للجميع ساعتها، المهم هذا استطراد ثانوى، فما يهمنى الآن هو هذه التفرقة التى وصلتنى من لغتى، وبفضلها بين ما هو “موقف” وما هو “موقع”.

يبدو أن اللغة العربية، والاختراقات الشعرية لمولانا النفرى، جعلتنى أفضل لفظ “الموقف” عن “الموضع”،  لا أظن أن هناك ما يقابل ما يسعفنى فى اللغة الإنجليزية يؤيد حماسى لهذه التفرقة، وهذا مهم احتراما للاختلافات الثقافية ، فـ”الموقف” (الجمع مواقف)  كما وصلنى من مواقف النفرى فيه حركة دون إلزام بحركة ظاهرة، وفيه حدّة انتباه للاستعداد للتوجه  (لاحظ مثلا تعبير”موقف بين يديه”) ، فيه ما يقترب من التعبير بالإنجليزية stand by !..إلخ.

رحت أستشير المعاجم بحذر، وأعتقد أن المعاجم، برغم عدم تقديسى لها، جاءت تؤيد ما خطر لى،  ومن هذا:

1- موقف : محل الوقوف  استعدادا للقيام (مثل موقف السيارات)

 2- موقف: إستعداد أو رأى يتخذه المرء إزاء شخص أو قضية : « موقف صريح ».

 3- ويقال: رجلٌ موقَّفٌ على الحقِّ : ذلولٌ به إلخ، كذلك: عَبَّرَ عَنْ مَوْقِفَهِ بِشَجَاعَةٍ “

4- وهو  اِسْتَعْدَادٌ نَفْسِيٌّ أوْ رَأْيٌ إِزَاءَ شَخْصٍ أو قَضيَّةٍ مَا، يُعَبِّرُ فِيهِ صَاحِبُهُ عَمَّا يَشْعُرُ بِهِ،

ثم خذ عنك أيضا: …

أوقفَ الشَّخصَ على أمرٍ : وقفَه ، أطلعه عليه  – أوقفه على حقيقة ما جرى “. وأوقف اهتمامَه على الأمرِ: ركَّزه عليه إلخ،

لأختم بأن “عرفة” كلها موقف‏:  كل مكان في “عرفة” (جبل عرفة)  يصح الوقوف بها (فى الحج)  فكلها موقف 

والآن: أنظر إلى كم الحركة وتوقد الانتباه وحدة الاستعداد برغم ظاهر “الوقفة”

أما الموقع : فهو “المكان” و”الموضع”، هو مكان الوقوع، أو مكان الرأى:

المَوْقِعُ : وَقَعَ الشيءُ موقِعَه .. ومواقعُ القتال: مواضعُه .  مَوْقِعُ الرَّجُلِ: “الْمَكَانُ الَّذِي يَشْغَلُهُ فِي العَمَلِ أَوِ الْمُجْتَمَعِ . وَقَعَ حَدِيثُهُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعاً حَسَناً “: كَانَ مَحَلَّ إِعْجَابٍ . و أوقعَ الشَّيءَ أَسقطه ، جَعَله يقع “أوقع الإناءَ فانكسر”. ثم فيه معنى الموافقة والختام: وقَّع الشّخصُ الوثيقةَ .. كتب اسمَه في أسفلها إمضاءً لها أو إقرارًا بها

والآن: أنظر إلى صلابة التحديد، وثبات المكان، وجمود الرأى (تقريبا)  

بالله عليكم، ما أجمل هذه اللغة وأثراها، فهل يا ترى يا سيدتى ميلانى كلاين كنت تقصدين “الموقف” أو “الموقع”؟  وهل عندكم، ولا مؤاخذة، تفرقة بهذه الدقة بين ما هو Position وما هو Attitude وما هو Situation ناهيك عن ما هو Place مكان

أنا لا أفضل لغة على لغة، فلكل لغة إيحاءتها، ولكل لفظ رنينه، ولكل وقفة ما لها !!

شكرا يا مولانا النفرى حين علمتنا – بشعر مواقفك- كيف نخترق لغتنا لنحبها أكثر، ونحييها أنشط، لو أننا أهل لها، فلا نكتفى بأن  نتباهى أننا أهلها !!.

وسامح الله كل مفسر حبس نفسه فى سجن الألفاظ ليقول بها ما لا تقوله الألفاظ، بما فى ذلك النص الإلهى (أستغفر الله العظيم)

وأكتفى بهذه المداخلة الجادة الخفيفة، لأؤجل الحديث عن “موقف الكر والفر” (الموقع !! البارنوى paranoid position  !!) بعد الإشارة إلى كيف تغير العنوان الفرعى من

الشوفان <=  حمل الهم <=   الحركة

إلى:

الشوفان <=>  حمل الهم معا < => الحركة

هل لاحظتَ إضافة “معا” ؟

ثم هل لاحظت تغير شكل الأسهم واتجاهاتها؟

حين نصحتُ ذلك الصديق فى العلاج الجمعى – كما أبنت فى الأسبوع الماضى- أن يبدأ،  مسيرته – ولو بوعى جزئى- لعمل علاقة مع “آخر”  بـ”الشوفان” الموضوعى، قبل ان يجزم أنه يحبه وكلام من هذا، فإذا اطمأن هو أنه “يرى هذا الذى يحبه” واستطاع من خلال صدقه أن يوصل ذلك إلى المتلقى، فإن هذا سوف يستتبعه ما أسميته “حمل الهم“، وقد أكدت أن العلاقة لا يمكن أن تكون كذلك إذا توقفت عند هذه المرحلة، فهى لا تكون علاقة إلا إذا نتج عن حمل الحمل “حركة”  مناسبة للمشاركة فى مسؤولية الحياة أى مسؤولية العلاقة، وقد نبهت على ما أعنى بكل من الحركة وحمل الهم.

ثم إننى وأنا أراجع نشرة الأسبوع الماضى، وأتأمل الأسهم والتوصيل الخطى، تذكرت كم نهيت عن الاستسلام إلى هذا الاستهال الخطى الخادع، فالمسألة ليست واحد اتنين تلاتة،  1-2- 3، بل هى عملية حيوية نشطة طول الوقت ذهابا وجيئة، صحيح أن الحالة التى أقتطفتها لشرح هذا الموقف انتهت نهاية سلبية (ليس فى الواقع، ولكن فى الشعر على الأقل)، لكننا لاحظنا، وسوف نلاحظ كم التقدم والتراجع، ومدى تنشيط “برنامج الدخول والخروج”، وحدة إلحاح المحاولة مع الرعب من ألم الفشل، حتى كان ما كان

وهذا ما سوف نفصله غدا

دعونا نعيّد الآن،

 كل عام وأنتم بخير، ونحن أقدر على حمل مسؤولية هذه اللغة الحضارة، ليست كألفاظ مرصوصة، وإنما كنبض موحى

يا شعراء العرب العلماء المبدعين، استيقظوا، بارك الله فيكم،

 ولنحترم جميعا من تخلـَّقت هذه اللغة فى وعيهم هكذا، فهى معمار حضارى لا يخرج إلا من حضارة سامقة

المسألة ليست بالصدفة، ولا هى ثانوية .

****

ثم نعود غدا إلى المقتطف و”الموقف البارنوى النشط” فى العلاج الجمعى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *