الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (38): محو مبادرات التغيّر أولا بأول!

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (38): محو مبادرات التغيّر أولا بأول!

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 17-6-201323-6-2013_1

السنة السادسة

 العدد: 2117  

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (38)

دروس من مجموعة المواجهة(1) Encounter Group

محو مبادرات التغيّر أولا بأول!

تمهيد:

فى مقدمة هذا العمل كنت قد وعدت أن أجعل فصلا أو فصولا مخصصة لمقتطفات من العمل الشامل “فقه العلاقات البشرية” وهو شرح متن ديوانى “أغوار النفس” وهو عبارة عن تقمص لاحق عشته خلال وبعد تجربة مجموعة علاجية من نوع “مجموعة المواجهة” Encounter Group، وقد حاولت حتى الآن وأنا اكتب هذا العمل أن أتجنب ذلك خوفا من التكرار إلا أننى أخيرا تغلبت على مقاومتى للأسباب الآتية:

أولاً: إن قارئ هذا الكتاب ليس بالضرورة هو قارئ الكتاب الأول ومن حقه أن يلم ببعض محاولاتى وأنا أتقمص بعض أفراد مجموعة المواجهة، علما بأنى لم أكتف بعرض نتيجة التقمص بل تماديت فى وصف الظاهرة تكبيرا كما وصلتنى بالنتيجة التى يسمح بها المنهج الفينومينولوجى لتحقيق غاية التشريح الإمراضى، وبالتالى بالغت فى وصف بعض جوانب ما لمحت من مفارقات ومقاومات وتراجعات ومخاطرات وتقدم.

ثانياً: إن فكرة “مجموعة المواجهة” هى من أهم ما ينبغى طرحه فى إطار كتاب يتكلم عن العلاج الجمعى، ومع أن هذه المقتطفات الحالية تعرض أكثر جدا جانب المقاومة والانسحاب والسلبية، وهو ما لم يحدث تماما فى هذه الخبرة إلا من خلال مبالغات تقمصى، لكننى وجدت أن عرضه هكذا يمكن أن ينبه إلى كشف الانخداع به بما يعطل العلاج أو يزيفه فى بعض من الأحيان.

ثالثاً: إن محاولة الاقتطاف مع الإيجاز والتوظيف لشرح العلاج الجمعى (والعلاج النفسى عامة) قد تبدو عاملا مساعدًا لتوصيل رسائل مركزة محددة الهدف لمن لا يصبر على قراءة الأصل خالصا، أو المتن مفصلا.

رابعاً: سوف أقوم بتعديل الشرح على المتن الذى أفاض فى الحديث عن المرضى والمريض، إلى مظاهر النمو وحركية “جماعة المواجهة” ما أمكن ذلك حيث المفروض أن أفراد هذه الجماعة هم من الأسوياء أساساً، أو على الأقل هم يندرجون تحت ما يسمى حالة اللا أعراض فى أكثر الأحوال.

خامساً: قد أحاول بين الحين والحين أن أعرض توصيات عامة تشير إلى كيف يمكن أن نتغلب فى العلاج الجمعى على مثل هذه السلبيات، وإن كنت أشعر منذ الآن أنها ستكون مكررة، لأنها جميعا لا يحلها إلا: “الاستمرار، والزمن، والاشراف، وإعادة تشكيل الوعى دون توقف”، فهل يا ترى سأعيد هذه الجملة فى كل مرة؟ لا أعرف!! دعونا نرى.

أبدأ اليوم بعرض بعض أشكال:

“الرعب من التغير حتى التراجع”

العلاج النفسى الجمعى هو مسيرة (معا) نحو تغيير طبيعى، ما أمكن ذلك.

 يحدث ذلك عادة بعد وقفة، أو قفلة، أو عرقلة، (تسمى مرضا)، حين يحول أى من ذلك دون استمرار مسيرة النمو الفردى،

أما تنشيط جدل النمو الطبيعى من خلال تخليق الوعى الجمعى فهو ما يجرى فى محاولة حث خطى النمو بدون مرض فيما يسمى “جماعة المواجهة” وأيضا فى “المجموعات التدريبية“.

أى “تغييير” حقيقى، هو مخاطرة من حيث المبدأ، ربما لهذا فإن التغيير يحدث عادة دون وعى كامل، بل هو عادة لا يحتاج إلى قرارٍ واعٍ أصلا، التغيير هو نتاج طبيعى لحياة صحيحة طبيعية، وهذه الممارسة الجماعية تهيىء الفرص لتحقيق هذا، ولكن هل توجد مواصفات محددة للتغيير الذى نعنيه فى العلاج وغير العلاج؟ وما هى المقاييس التى نقيس بها ما نسميه : “حياة طبيعية” ؟

لا شىء يستحق أن يوصف بصفة أنه “حياة” لو كان غير عرضة للتغيير، من البديهى أن نفترض أن التغيير لا بد أن يتم إلى أحسن، أما ما هو الأحسن وما هو الأسوأ فهذا أمر نختلف حوله للأسف بما لا يقاس. فى الأحوال التى نسميها “عادية” لا يحتاج الأمر للحديث عن التغيير باعتبار أنه يجرى ولو من وراء ظهورنا، أما فى حالات المرض، فالدعوة للتغيير تفرض نفسها من خلال ما يسمى “العلاج“، وذلك بهدف تحويل مسار التغيير السلبى الذى كان نتاجه المرض، إلى تغيير إيجابى، أما فى حالات السواء مع الرغبة فى تنشيط خطى النمو، فإنه يصعب الأمر أكثر كما يحدث بالنسبة “لمجموعة المواجهة”.

فى جميع الأحوال، ومهما صنفنا التغيير إلى سلبى أو إيجابى، وكذلك مهما بدت حتميته أو أُعلنت‏ ‏ضرورته‏ حتى ‏من خلال ظهور‏ ‏الأعراض‏ وتجسيد الإعاقة، فإنه يظل ‏مغامرة‏ ‏محفوفة‏ ‏بالمخاطر‏ حتى لو سمى علاجا، وهذا ما تصفه حكمة شعبية بالغة الدلالة تقول محذرة: “‏اللى ‏تعرفه‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏اللى ‏ما‏ ‏تعرفوش‏”،

نحن لا نقصد بالتغيير نقلة نوعية مثالية محددة المعالم إلى أحسن، إلا فى حالة المرض لإزالة الإعاقة وتخفيف المعاناة، أما فى حالة مجموعة المواجهة فهو تنشيط حركية إبداعية نقدية تسمح بإعادة تشكل الوعى. فى عملية جدلية إيقاعية مضطردة.

وبصفة عامة فإن أى تغيير هو مغامرة تحفها المخاطر، ولا يؤمنها نسبيا إلا ضبط الجرعة.

 والآن إلى تقمص بعض ما جرى:

(1)

الشط‏ ‏التانى ‏الـْمِشْ‏ ‏بايِــــنْ‏:‏

كل‏ ‏مااقَرّب‏ ‏لُهْ‏، ‏يتّاخِـرْ‏.‏

وِمراكبْ‏، ‏وقلوع‏، ‏وسفايــنْ‏،‏

والبحر‏ ‏الهــِوْ‏ ‏مالوش‏ ‏آخــــرْ‏.‏

الشائع أن تنشيط رحلة النمو تبدأ بطلب مباشر أو غير مباشر من المشارك أنه يريد أن “يتغير”، أو أنه “مستعد” أن يتغير، وهو يعنى بذلك صراحة أو ضمنا أن يخرج أحسن مما هو فيه، وهو لا يدرك عادة فى البداية أن أى تغيير هو نقلة إلى مجهولٍ ما،

الصورة هنا – من المتن- تبدوا وكأن الشخص واقف على شاطئ آمن، وإن كان خامدا، وبالتالى فهو يهم أن يعبره إلى الشاطئ الآخر (التغيير)، لكن هذا الشاطئ الآخر، (فى محاولة حث النمو فى مجموعة المواجهة) برغم التأكيد أنه موجود، إلا أنه غير ظاهر “الشط التانى المش باين“، ليس هذا فحسب، بل إنه شاطئ يبتعد كلما اتجهنا نحوه، وكأنه سراب بشكل أو بآخر، حتى نشك أنه موجود أصلا “والبحر الهِـِوّ ما لوش آخر“، هذا فضلا عما يكتنف رحلة العبور من أهوال الزحام وأخطار التصادم ” ومراكب، وقلوع، وسفاين“.

إنه كثيرا ما يحدث فى جماعات العلاج الجمعى أنه كلما لاحت معالم تغيير ما لشخص يحاول، سارع وعيه الكامن بنفى هذا الاحتمال تلقائيا، أو تم التراجع عنه بالمحو، بمعنى أن الشخص، من فرط تردده ورعبه من التغيير، وبرغم رغبته فيه فى نفس الوقت ولو من حيث المبدأ، يبادر بأن يمحوه أولا بأول،

 إذن ليس الشاطئ هو الذى يتباعد باستمرار، ولكن الشخص هو الذى يكتشف أن المراد بعيد، وصعب، وغير مضمون، ” كل ما اقربْ لهْ يتّأخر“، فيتخذ قرارا داخليا أنه لا داعى (الطيب أحسن!!)، ويتراجع (داخل داخله، حتى لو بدا متعاونا ظاهريا)، وتظهر تبريرات التأجيل بما يشاع عن العلاج والتفسير والتأويل فى الجزء التالى من المتن:

 (2)‏

لأ‏ ‏مِشْ‏ ‏لاعِبْ‏.‏

حاستنى ‏لمّا‏ ‏اعرف‏ ‏نفسى، ‏من‏ ‏جـوّه‏.‏

على ‏شرط‏ ‏ما‏ ‏شوفشِى ‏اللـِّى ‏جــوَّهْ‏.‏

واذَا‏ ‏شفته‏ ‏لقيتـُـه‏ ‏مشْ‏ ‏هـُوٍّه‏،‏

‏ ‏لازِمْ‏ ‏يفضَلْ‏ ‏زىْ ‏ما‏ ‏هُوَّهْ‏.‏

برغم أن التغيير هو محور النمو كما أشرنا، إلا أن مقاومته أيضا هى قضية التحدى التى لا يضطرد النمو إلا بحمل مسئولية التصدى لها، إعلان الشخص هنا (من مستوى أعمق، بعيدا عن ظاهر الوعى عادة) أنه لن يغامر بالتغيير الحقيقى “لأ مش لاعب“، هو التفاعل المبدئى الذى يجب أن ننتظره منه كاستجابة عميقة تعلن مخاوفه من مغامرة التغيير، وإلا فلماذا حضر إذن المجموعة؟

لا أحد يشارك فى المجموعة للعلاج أو المواجهة ليتغير بالمعنى الحرفى للكلمة، مهما أعلن ذلك وتحمس له ذلك أنه لا يوجد شىء اسمه “عايز واحد تغيير وصلّحه“، أى لا يوجد تغيير سهل مثل تغيير لون الشعر مثلا،  فى جميع الأحوال علينا أن نتوقع، ونحترم هذا الموقف الرافض للتغيير، الخائف منه، هذا حق أى شخص وهو من طبيعة الأشياء، بمجرد أن يدرك الواحد، ولو من بعيد، أن المسألة جِدا خالصا تحتاج جهدا حقيقيا، وليس مجرد تفريغ وترييح، تبدأ المقاومة، هذا الموقف المقاوِم هو موقف أصدق من زعم طلب التغيير دون دفع ثمنه.

أشرت مرارا قبل ذلك إلى رفض أن يتركز العلاج الجمعى فى فكرة التفريغ: “اطلّع اللى جوايا” وفى نقاش مع عوامل “يالوم” العلاجية أشرت إلى تواضع موقع “التفريغ” بين هذه العوامل، وأنه ليس له أهمية أولية، وهذا الرفض لفكرة “أطلع اللى جوايا” يتوازى مع تعبير المتن هنا: “حاستنى لما أعرف نفسى من جوه” وكأنه يقول: إنْ كان لا بد من التغيير فليكن بعد أن “يعرف نفسه“، وكأنه يقول أيضا: إنه يريد أن يقبل ما يقبل، وأن يغير ما يغير، بناء على هذه المعرفة، فربما لا يحتاج الأمر إلى تغيير أصلا بناء على زعم أنه “عرف نفسه، فوجدها تمام التمام !!.

 التحليل النفسى، أو الإشاعات التى دارت حوله، هو مسئول نسبيا عن الترويج لهذا المفهوم، صحيح أن العلاج عموما يسمح بشحذ البصيرة، ومن ثم معرفة النفس، وأنه كلما كان النور كافيا، كانت المسيرة أكثر أمانا، وأن المعرفة هى الخطوة الأولى نحو اتخاذ القرارات، لكن المسألة تتوقف على طبيعة المعرفة، وليست على مجرد المعرفة: فقد تكون المعرفة المعقلنة هى البداية وهى هى النهاية، وهذا تعطيل واضح، وقد يكون تعطيلا دائما لمسيرة العلاج. بل إن المعرفة، حتى من خلال التحليل النفسى قد تدور بعيدا عما ينبغى أن نعرفه، فكثير من تحليلات المحللين النفسيين تدور فى المساحة التى يسمحون بها لأنفسهم – من خلال إطارهم النظرى المحدود، أما باقى الأهوال البعيدة عن تنظيرهم، وأحيانا البعيدة عن تحملهم، فهى تزداد إظلاما وبُعدا، (يصدق هذا أيضا على كل منتمِ لنظرية نفسية أخرى ثابته محكمة، مهما كانت الأقرب إلى الحقيقة والصواب).

ثم إنه حتى لو رضينا بالتوقف عند معرفة الممكن أو المسموح برؤيته، فإن هناك آلية دفاعية جاهزة لتثبيت التوقف والاكتفاء بالمعرفة دون الفعل، أى دون تغير حقيقى، المتن ينبهنا هنا إلى أن الشخص لو اكتشف من خلال هذه المغامرة المعرفية (المعقلنة) أن هذا الذى رآه هو فعلا ليس كما ينبغى، أو كما يرجو، ” واذا شفته لقيته مش هوّه”، فإن تفاعله الأعمق، يمكن أن يكون عكس الظاهر، بمعنى أنه بدلا من أن تؤدى هذه المعرفة إلى التغيير كما بدأ التعاقد فإنه يتمسك “بما هو” حتى لو أعطاه اسما آخر، وبمزيد من التقمص قلت على لسان هذا الدائر فى نفس الحلقة:

 (3)‏

أنــا‏ ‏ماشى ‏”‏سريع‏”‏ حوالين‏ ‏نفسى،‏

وباصبّح‏ ‏زىْ ‏ما‏ ‏بامَسِّى،‏

وان‏ ‏كان‏ ‏لازم‏ ‏إنى ‏أَعدّى: ‏

رَاحَ‏ ‏اعدّى ‏مِنْ‏ ‏شَطّىْ ‏لـشَطِّىْ،

‏هوَّا‏ ‏دَا‏ ‏شَرْطى‏.‏

ثمة حركة قد تجرى بحماس شديد، وخاصة فى مجموعات المواجهة، لكنها تحمل مقومات إلغاء ناتجها بنفس الحماس كما ذكرنا، ذلك لأنه قد يثبت أنه حماس مشروط بوقف التنفيذ، وأحيانا يكون الأكثر حماسا للتفاعل فى المجموعة هو الأكثر ثباتا فى موقعه بناء عن ضمان سرى أنه فى النهاية يملك آلية محو كل ما تغير أولا بأول، ليبدأ من جديد نفس المحاولة وإن تغيرت تفاصيلها، وهو يتنتهى إلى نفس النقطة وهكذا، وقد يسمى هذا أحيانا “تكرار النص” Repetition of Script

هذا هو الشرط الذى يعلنه المتن هنا، وهو ينطلق من داخل داخل الشخص وليس من ظاهر حماسه، “وان كان لازم إنى أعدّى، راح اعدى من شطى لشطى، هوّا ده شرطى”

طبعا مثل هذا الشرط لا يعلن صراحة، وبالذات لا يعلنه الشخص لنفسه، فهو لا يصل إلى وعيه، ولكن على الطبيب أو المعالج أن ينتبه إلى احتمال أن يكون اطمئنان الشخص إلى أنه “مهما تحرك، لن يتغير”، هو الذى يدفعه لتجاوب كاذب مع المعالج، لأنه ضامن – فى النهاية – أنه فى موقعه لا يتزحزح، مهما نَشِطَ.

كل هذا يكاد يشير إلى عكس وظيفة مجموعة المواجهة، وما عقدت الجماعة من أجله، وكأن هدف مثل هذا الشخص هو أن يثبت لنفسه حسن النية فينال جزاء المحاولة بأن يبقى فى موقعه، فكيف ذلك؟

هذا كله محتمل أن يكون جانبا من الموقف أو الحقيقة، لكنه ليس كل الحقيقة، هو فقط ينبه إلى أنه ينبغى علينا ألا نـُـستدرج إلى تغير مؤقت نرضى به وهو ليس تغيرا أصلا، وأيضا هو ينبه من جانب آخر أن نفهم كيف أن النمو هو مطلب رائع ظاهر، ولكن وراءه فى العمق قرار أسبق هو ما نسميه “السلامة أولاً” وهو اختيار على مستوى آخر من مستويات الوعى، وبالتالى فهو فى هذا المستوى الأول غير مستعد أن يتنازل عن اختياره الأول بسهولة، فهو يقاوم كل الضمانات التى تغريه بالتغيير باعتبارها غير مضمونة، ومن ثم التمسك باللاتغيير هكذا، مهمة المجموعة، أو قائدها إن كان لها قائد هى استيعاب كل ذلك، واختراقه، فتجاوزه.

‏ ‏ “التغيير‏ ‏الكاذب‏” ‏وارد أيضا، وكثيرا، ونعنى به ‏أن‏ ‏نوع‏ ‏الوجود‏ ‏لايختلف، وحركية النمو لا تنطلق، ‏ ‏ولكن‏ ‏يتغير‏ ‏الشكل من الظاهر ‏ ‏فحسب‏، مثل أن‏ ‏تحل‏ ‏بصيرة‏ مزيفة ‏‏‏محل‏ ‏إنكار ما هو كذلك، ثم لا حراك فى الحالين، ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏مجرد‏ ‏إحلال‏ ‏وإبدال‏ ‏وليس‏ ‏تغييرا‏.

 ‏كثير من ‏الأشخاص ‏حين‏ ‏يمرون‏ ‏بهذا المأزق‏ ‏يصطنعون‏ (‏لأنفسهم‏ ‏وللمعالج‏ ‏وللآخرين‏) ‏موقفا‏ ‏كأنه‏ ‏التغيير‏ ‏ذاته‏، ‏ولكنه‏ ‏فى ‏الحقيقة‏ ‏خدعة‏ ‏تكشفها‏ ‏ضعف‏ ‏المعاناة‏، ‏وانتفاء الألم أو الخوف الذى يصاحب البصيرة الفاعلة الموضوعية، وقد يعلن ذلك بألفاظ رنانة، وفرحة تسكينية، وكأن ثم تغيير قد تم بفضل العلاج وحسن النية، لكن اختبار نوعية التحول تثبت أنه تغيير اللون الظاهرى كما ذكرنا، أو هو إعادة نفس النص للوصول إلى نقطة نهاية هى هى نقطة البداية.

فهى الدائرة المغلقة برغم كل صخب الحركة الخادعة.

مرة أخرى:

“راحَ اعدّى من شطى لشطى، هوا دا شرطى”.

يا ترى لماذا كل هذه المقاومة؟

‏كل‏ ‏هذه‏ الشروط، والمهارب‏ ‏والمناورات‏ ‏إنما‏ ‏تنبع‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏المشروع من النقلة النوعية التى هى علامة التطور الحقيقية، النقلة فى العلاج النفسى –وأثناء النمو- ليست بالضرورة قفزة فى الخلاء دون تدريب أو إعداد، لكن طالما أنها نوعية بالضرورة، فثم خوف يحيط بها، وثمة جسارة تحتاجها، مهما بلغ الإعداد والاستعداد:

o   ثمَّ خوف بدئىّ يقال إنه موجود من صدمة الميلاد، منذ الخروج من الرحم إلى الناس.

o   ثمَّ خوف من العودة إلى الرحم دون ناس (الموقف الشيزيدى)

o   ثمَّ خوف‏ من العلاقة بالآخر‏ ‏(الموضوع) باعتباره مصدر الخطر لأنه مصدر الاختلاف (الموقف البارنوى)

وحين نكبر أكبر، تتربص بنا مخاوف من هزّ مقدسات نسعى إليها حثيثا ونحن نخاف منها جدا:

  • ثمَّ خوف ‏ ‏من‏ ‏الحرية‏ (‏إريك‏ ‏فروم‏) ‏، حتى لا ندرك مدى مسئوليتنا عن كل ما يصيبنا.
  • ثمَّ خوف‏ ‏من‏ ‏الإيمان‏ (أن نذوب فى الكون دون رجعة)

الجماعة العلاجية للنمو تضع ذلك كله فى الاعتبار، لا تنكره، ولا تخضع لشروطه أو مبالغاته، وهذا يحتاج من القائد أن يمارس هو نفسه مواجهة مخاوفه الحقيقية ربما بنفس حجم مخاوف الأعضاء إن كان صادقا فى محاولة مواصلة نموه.

 (4)

ولحد‏ّّ ‏ما‏ ‏يهدَى ‏الموج‏،‏

واشترى ‏عوّامة‏ ‏واربطها‏ ‏على ‏سارى ‏الخوف‏،‏

ياللا‏ ‏نقول‏ “‏ليهْ‏ْ”‏؟‏

‏و‏”‏ازاىْ؟‏”‏

‏”‏كان‏ ‏إمتَى‏”‏؟‏

“‏يا‏ ‏سَلاْمْ‏”!

“‏يْبقَى ‏انَا‏ ‏مَظْلومْ‏”.‏!!!!

‏ ‏شكر‏ ‏الله‏ ‏سعيك‏!!‏

‏قد يكون من باب احترام الواقع الموضوعى، وضبط الجرعة أن نرضى لمن يريد أن يتوقف عند مرحلة الكلام أن يفعل ما شاء، لكن هذا يجعل المجموعة العلاجية إذا ساد هذا المبدأ عند أكثرهم تنقلب إلى مجموعة لقاء تسكينية ترويحية لا أكثر، ويظل التغيير مؤجلا، والمأزق بعيدا، حتى يهدأ موج التهديد بالغرق فى محيط المجهول، بل إن فعل هذه المجموعات قد ينقلب سلبا وهو يقدم ما يشبه النمو الزائف، أو التبرير للتوقف، (واشترى عوامة واربطها على سارى الخوف).

إذا ما استمر الحال على هذا المنوال فلابد أن نستنتج أن النمو سوف يتوقف عند هذه المرحلة، ليصبح التأجيل المتكرر هو نهاية المطاف، يتم ذلك حين يستدرجنا الكلام إلى الفرحة بالتفسير والتبرير، والرضا بالشفقة (دون التعاطف والمواجدة (1) وبالدعم الظاهرى، حتى يختفى الخوف، أو يقل، لكن فى نفس الوقت يتم تزييف الحركة أو تنغلق الدائرة.

وسط‏ ‏هذا‏ ‏الإعصار‏ ‏من‏ ‏التهديد‏ ‏بالتغيير‏، ‏بما يشمل من تضخيم – لا شعورى عادة- فى مخاطر المغامرة به، قد‏ ‏تمر الجلسات‏ ‏تلو‏ ‏الجلسات‏ بلا جدوى، إذ قد تمتلىء بالبحث‏ ‏عن‏ ‏الأسباب‏ ‏وكيفية‏ ‏حدوث‏ ‏ما‏ ‏حدث‏، ‏ خاصة فى فترة الطفولة!!!!، مع ما تيسر من علامات التعجب ومظاهر المشاركة،

ياللا‏ ‏نقول‏ “‏ليهْ‏ْ”‏؟‏

‏و‏”‏ازاىْ؟‏”‏،

“‏كان‏ ‏إمتَى‏”‏؟‏

“‏يا‏ ‏سَلاْمْ‏”!

.. ‏وقد تتوقف حركية الجماعة عند هذه المرحلة، فيستمر ‏ ‏تأجيل‏ ‏التغيير‏ ‏إلى ‏أجل‏ ‏غير‏ ‏مسمى. ليصبح هذا الأجل غاية الممكن الآن (مرة أخرى حركة نشطة، لكن فى المحل).

وقد يترتب على التوقف عند هذه المرحلة كنهاية للمطاف ألا يخرج الشخص إلا بمبرر لتوقفه، حتى لو سمى تفسيرا أو تأويلا.

وبعد

هذا ما قد يحدث فى مجموعة المواجهة (بعد التقمص والتكبير) فماذا يكون الحال إذا ما كان الأمر كذلك، وأكثر – فى حالات المرضى وخاصة من يسمون “اضطرابات الشخصية”، أو بقايا الأعراض بعد ذهانٍ ما، حين يكون الخوف من التغيير ليس فقط خوفا من الخطو إلى المجهول، وإنما رعب من التفكك والتفسخ أو من العودة إلى التناثر أو الضياع؟

إن الوعى بهذه الطبيعة البشرية إنما تلزمنا بما قد نكرره بعد كل مقتطف من هذا العمل السابق مما ذكرناه فى البداية بـ:

 “مزيد من الاستمرار والزمن والاشراف لإعادة تشكيل الوعى دون توقف أبداً، وأيضا قد تنبهنا إلى ضرورة الرضا بالتوقف عند ما يتوقف عنده الشخص (أو المريض) إذا كان هذا كافيا له ولو مرحليا فى هذه المرحلة من حياته

(ملحوظة: قد نكرر هذا التعقيب الختامى كل مرة بنفس الألفاظ بكل أسف).

 (1) – Empathy

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *