نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 16-6-2013
السنة السادسة
العدد: 2116
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (37)
مشروع تقييم ذاتى للأطباء من اللعبتين
(1) “ياه!!!.. دى طلعت صعبة بشكل..(بِشـاااكْل)!!!! ولكن..”
(2) “لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت …….”
مقدمة:
كنت أحسب أن تقديمى للألعاب سوف يسهل علىّ مهمة نقل الخبرة كتابة نظرا لبساطة تشكيل الألعاب، وسهولة الاستجابة لها ، وقد لاح لى ذلك مؤكدا طوال ممارستنا لكل الألعاب تقريبا، حتى الألعاب التى تبدو مستحيلة أو غريبة أو غامضة، لعبناها بتلقائية سلسة غالبا، إلا أننى حين بدأت عرضها كتابة فى النشرات الأخيرة، وسألت بعض من لم يحضروا العلاج الجمعى ولومشاهدين عن ما وصلهم، أدركت أن المسألة شديدة الصعوبة، وبدت لى أنه لا سبيل إلى تسهيلها إلا على حساب اختزالها أو مسخها شرحا، وهكذا أثبتت التجربة أن “كتابة ما لا يُكتب” مسألة – على رأى اللعبة – “طلعت صعبة بشاااااكل، ولكن …” وكأنى ألعب من جديد “…ولكن حاكمّل”
قلت أواصل المحاولة تقليبا فى هذه اللعبة الحالية وأكملها انتقائيا لعلها تكون تجربة محدودة تمهيدا لكتاب الألعاب، وأيضا لعلها تكشف لى عن بعض أوجه الشبه بين فئات نحسب أنها لا تتقارب كثيرا، وهنا: بين المرضى والمعالجين بشكل ما.
بدأنا الأسبوع الماضى وقبل الماضى فى عرض مزيج مختلط من المرضى والأطباء معا، لكننا سوف نقتصر اليوم على عينة الأطباء المتدربين، وأيضا قائد المجموعة: المدرب نفسه، مع التركيز على مخاطبة كل طبيب لنفسه انتقائيا:
تعقيب عام على استجابة الأطباء كاملة (أنظر نشرة 28-6-2009)
- لاحظنا بصفة عامة مما نشرناه الأسبوع الماضى أن استجابة الأطباء أظهرت ما يلى:
- اختلاف استجابة الأطباء عن بعضهم البعض بما فى ذلك المتدربين
- بدا أن الأطباء على مختلف مستوياتهم لم يتحرجوا من الاعتراف “بالصعوبة” أمام المرضى، بمعنى أن أحدا منهم لم يبدُ أنه تصور أن ذلك يمكن أن يقلل من قيمة وتقدير المرضى لكفاءة الطبيب، فلم يظهر أى منهم أية مقاومة أو تردد أصلا
- ذكرنا سابقا كيف نحرص على أن يلعب قائد المجموعة آخر اللاعبين، لتجنب احتمال تصور أن ما يفعله هو المطلوب الحذو حذوه، فإن صح ذلك على المرضى فإنه يصح أكثر على المتدربين، لذلك فهو لعب فى الآخر أيضا
- المفروض أنه بعد أكثر من أربعين سنة تكون المسألة أصبحت سهلة بالنسبة لهذا الطبيب المدرِّب المصرّ على مواصلة نفس الممارسة بنفس الالتزام، لكن – بصفة أننى هذا الطبيب – أقر وأعترف ، على حد علمى، أننى حين لعبتها، وحتى الآن، أشعر أنها صعبة بمعنى: الجدة والمفاجأة، والمسؤولية، وخدمة المستويات الثلاث التى سبقت الإشارة إليها (1) فى نفس الوقت دون تفضيل سابق لآى منها فى أية لحظة أو مرحلة، فتظل صعبة بلا أدنى شك.
ثم ننتقل إلى التقييم الذاتى لنرى استجابة هؤلاء الأطباء، وغيرهم، حين يخاطب كل واحد نفسه، وهو يلعب نفس اللعبة، وكأنه يراجع قراره فى اختيار التدريب على هذا العلاج ، نعرض كأمثلة الاستجابات التالية:
استجابات الأطباء مع أنفسهم
د.دينا التابعي: يا دينا: ياه..!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن ربنا معاكي
د.ياسمين: يا ياسمين: ياه..!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن انتِ مش لوحدك
د.دينا طاهر: يا دينا(طاهر): ياااه دى طلعت صعبة بشكل… ولكن…. سيبيها على ربنا
د.محمد(1): يا محمد (لنفسه) ياه..!!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن..، إنت قدها
د.شادن: يا شادن (لنفسها) ياه ..!!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن ..، ربنا بيسهل
د.محمد(2): يا محمد (لنفسه) ياه ..!!! دى طلعت صعبة بشكل لكن…، أنا واثق فيك
د.منى: يا منى (لنفسها) ياه ..!!! دى طلعت صعبه بشكل ولكن ..، الحمد لله
د.عدلى: يا عدلى (لنفسه) ياه ..!!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن ..، إنت كده حاتنبسط
د.مى: يا مى (لنفسها) ياه ..!!! دى طلعت صعبة بشكل ولكن ..، أنتى دايماً بتعدّى
د.يحيي: يا يحيى: ياه دى طلعت صعبه بشكل لكن كتك ستين نيلة
تعقيب عام
نلاحظ أن الاستجابات كانت كلها إقدامية، بها ما يوحى بما يدل على نية الاستمرار فى ممارسة هذا العلاج بشكل ما، وقد تراوحت الاستجابات بين ما تتصف به ثقافتنا بوجه خاص من الاستعانة بربنا بشكل تلقائى، غالبا دون تحديد المعنى الشديد الخصوصية الذى ذكرناه فى العوامل العلاجية من قبل، فشمل ذلك د. دينا التابعى (ربنامعاكى)، د. دينا طاهر (سيبيها على ربنا) د. شادن (ربنا يسهل)، د. منى (الحمد لله، وإن كانت هذه الإجابة أقل وضوحا)،
أما المجموعة الثانية فقد استثارتها الصعوبة لتظهر تنويعات من الثقة بالنفس أو بالآخر: د.ياسمين (إنت مش لوحدك) ، د. محمد(1) (إنت قدها)، د. محمد(2) : (أنا واثق فيك) د.مى: (إنت دايما بتعدى)، مع مراعاة أن “تعبير إنت دايما بتعدى” قد يشير إلى المرور بموقف مأزقى خفيف دال دون استبعاد الثقة بالنفس التى أشرنا إليها حالا.
أما تعبير د. عدلى “إنت كده حاتنبسط” فهو يحتاج منى لمجهود لكى أصف هذا الإبن الذى درّس لى جده الأمراض الباطنية أ.د. عدلى الشيخ وأنا فى سنة رابعة طب، (منذ 65 عاما)، وأكن له احتراما فائقا خاصا، وكنت كثيرا ما أداعب حفيده مذكرا إياه بأنه ليس مثل جده أصلا، إذ كانت دفاعاته الابتسامية (دفاعات الحفيد المتدرب)، وبعض ميوله الدينية تغلب عليه معظم الوقت بثقة جاهزة لعلها أقرب إلى تفسير تعبيره وهو يخاطب نفسه: إنت كده حاتنبسط، ولا أخفى أننى لم أجد إيجابية فى هذا التعبير بالذات، فنحن فى موقف احتمال أنها “طلعت صعبة بشاااكل” فماذا فى ذلك، حتى بعد “لكن” مما “يبسط”؟ اللهم إلا إذا كان التحدى فى ذاته مصدر انبساط لهذا الإبن المرسوم المستسهل؟
رجعة إلى اللعبة السابقة:
وتكملة للفكرة سوف أكمل بأن أتبع نفس طريقة الانتقاء، فأعرض ماذا قال الأطباء (متدربين وقائدا) لأنفسهم فى لعبة “لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت..” التى عرضناها كاملة فى (نشرة 14 – 10 – 2008)، مع ما فى ذلك من تكرار، إلا أن جمعه إلى بعضه يكمل المراد من هذه النشرة.
د.مى: (تخاطب نفسها) يا “مى” أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كان يمكن غيرت حاجات كتير
استجابة د. “مى” هنا قد تشير إلى تبيّنها أن ما عرفته من خلال هذه الخبرة هو جوهرى بحيث أنه يترتب عليه أن تغير موقفها فى أمور كثيرة، أو لعلها تشير إلى أن هذه الخبرة، وليس الكلام المكتوب، أو مجرد حسن النية، هى القادرة على التغيير الحقيقى.
د.شريف: (مخاطبا نفسه) يا “شريف” أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت حاكمل برضه
تبدو مواجهة د. “شريف” لنفسه، فى نهاية اللعبة، أنها جمعت محصلة مراجعته، فجاءت فى نفس اتجاه ما ذكرته د.”مى”، لكنها هنا يمكن ربطها بلعبه مع الطبيب الكبير، المدرب، حين قالت له كنت “كملت الجروب الجاى“، عموما هى استجابة قريبة من قول د.مى له شخصيا “كان حا يحصل برضه“، وكأن كلا من الرغبة فى التكملة، والتسليم بأن العملية النمائية التى بدأت يصعب إيقافها تفيدان نفس المغزى، مع كلا من المتدربين.
د.يحيي: يا يحيى لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اديتك على خلقتك
يبدو لى الآن أن ذلك كان بمثابة العقاب لى على شكى فى ما أفعل.
أو على ما يساورنى أحيانا من أنه تكفى هذه السنوات التى جاوزت ثلث قرن، ما دامت الخبرة غير قابلة – بسهولة – للانتقال إلى أجيال لاحقة.
أو ربما كان ذلك لأسباب خاصة لا أعرفها أنا شخصيا حتى الآن .
****
وبعد:
تعقيبات عامة بعيدا عن اللعبتين
طبعا، لا يجوز أن يستدل من نشرة اليوم على نوع الخبرة، أو تغير الوعى الذى يمكن أن يحدث للمتدربين أو المعالجين فى هذا العلاج إلا أننى أردت مجرد الإشارة إلى ملاحظات هامة بهذا الشأن على الوجه التالى:
1 – إن تغير الوعى بمعنى إعادة تشكيل مستوياته وارد للمريض والمعالج على حد سواء.
2- فى خبرتى التدريبية الطويلة، لم يكن الدليل على تغير الوعى أو اضطراد النمو هو الاستمرار فى ممارسة العلاج الجمعى، وإنما كانت كفاءة المتدرب تزيد فى أى نوع من ممارسة التطبيب النفسى.
3- لا أذكر، أو لم تبلغنى، أية مضاعفات سلبية ترتبت على التعرض لهذه الخبرة سواء لمن أكمل ممارسة هذا العلاج أو لمن توقف عن ممارسته.
4- حدث من بعض المتحمسين المشاهدين الذين لم يشتركوا داخل دائرة التدريب أو توقفوا عن مواصلة المشاهدة، ولم يطلبوا فرصة ممنهجة للتدريب حدث أن مارسوا هذا العلاج معلنين أنهم يمارسون ما نمارسه وأنهم تدربوا معى شخصيا، وهذا لم يحدث، فالمشاهدة فقط ليست تدريباً، وبرغم ندرة ما بلغنى إلا أننى وجدتها فرصة أن أنبه على خطورة مثل ذلك.
5- ليس معنى هذا أننى أتصور أنه ينبغى أن يأخذ الممارس شهادة صلاحية لممارسة هذا العلاج من مؤسسة تدريب معينة مثلما يحدث فى بعض تنظيمات التحليل النفسى، لكننى أوصى باستمرار الإشراف باستمرار، بما فى ذلك إشراف الأصغر على الأكبر أنظر (نشرة 19-3-2013 مستويات وأنواع الإشراف).
[1] – المستويات (أو الأسياد) الثلاثة التى أعلن أننى أعمل (أخدمهم) على التحرك بينهم هى : التدريب، والبحث فى ماهية النفس البشرية فى الصحة والمرض: النفسِمْراضية Psychopathology ، وعلاج المرضى.