نشرة “الإنسان والتطور“
13-7-2011
السنة الرابعة
العدد: 1412
اعتذار: لم أستطع – مرة أخرى– مواصلة كتاب “الأساس فى الطب النفسى”.
وسوف نواصل الكتاب الأسبوع القادم.
نشرت هذه القصة فى الدستور بتاريخ 6/12/2006 ونعيد نشرها كالعادة لاحتمال صلاحيتها هذه الأيام.
…كفر الزيات – “جوجل”- أمستردام (وبالعكس)
(1)
نظر إلى علبة السجائر فى تساؤل، ولم يلاحظ وضع القدّاحة (الولاعة) المائل على طرف المائدة حتى كادت تقع، ليس بها سوى سيجارتين اثنتين، لا شك أنه سوف يحتاج أكثر، مدّ يده ليتأكد، فوقعت القداحة ولم ينحن لالتقاطها، فقرر – فجأة – أنه”قد آن الأوان”،
أوان ماذا؟ ليس مهما، لكنه آن.
الإهانة التى لحقت به وهو يقرأ كتابا “عن التآمر والمؤامرة” لماتياس بروكرز (أسرار 11 سبتمبر)، هى إهانة مباشرة له شخصيا، إن كل من لا يشارك فى صد كل هذا الاحتقار لا يستحق أن يعيش. كل هذا القتل ليس مجرد جريمة إزهاق أرواح، إنها إهانة لربنا، أستغفر الله العظيم، وهل يستطيع أحد أن يهين ربنا؟ وهل هم يعرفون ربنا أصلا؟ إن من يستهين بنا – نحن البشر- هكذا، إنما يهين خالقنا لا محالة. من أجل ماذا؟ من أجل ماذا يصبح دمنا بترولا، وعرقنا سائلا يبللون به أصابعهم وهم يعدون ملياراتهم؟ من أجل ماذا يصبح أكثر من تسعين بالمائة من البشر مجرد وقود لتلك الآلة العملاقة البشعة التى تزداد سرعتها حول نفسها كلما زودوها بالدماء المراقة والبترول المسروق؟
(2)
قالت له “وانت مالك”؟، قال لها :”مالى كيف؟” أنا مسئول عن كل هذا الذى يجرى هكذا. قالت له “أنت شخصيا؟ بصفة ماذا؟ قال لنفسه : نعم أنا شخصيا، أنا مسئول عن بحور الدم فى العراق، وعن الجوعى فى أفريقيا، وعن دعارة الأطفال فى أوربا، وعن قهر الرأى فى مصر والسعودية والصين. تلفت حوله حين لاحظ أن صوته يعلو، وحمد الله أنها لم تكن موجودة أصلا، ليست هلوسة، فهى تراقبه من داخله طول الوقت، وهى حين تضبطه متلبسا “بأى أمل”! لا تتردد فى أن تتهمه بالجنون، فما بالك لو عرفت مسئولياته الجديدة؟ إنه يعلم أن معايشة الواقع هى الحد الفاصل بين العقل والجنون، هو مزروع فى الواقع حتى قمة رأسه، تلك الرحلة اليومية من كفر الزيات إلى طنطا، رائحة عرق الناس وروث البهائم أضمن ضمان ضد أى جنون ، لذلك، وبضمان استمرار هذا الواقع اليومى الرائع، هو لا يتردد فى إعلان أنه مسئول عن كل ما هو مسئول عنه. هو لم يدّع النبوة، ولا تصور أنه المهدى المنتظر، كل الحكاية أن صديقه مؤلف الكتاب قد أنار له طريقه حين نبهه أن بيده مفتاح الرسالة الجديدة وهو لا يدرى، لقد كان يحسب أن موقع “جوجل” هو مجرد معجم حديث سريع، لكن ماتياس بروكرز كشف له عن سر هذا الصوفى المتخفى داخل الحاسوب مجانا “سيدنا جوجل رضى الله عنه”، لم تعد أمامه حجة، لقد فُتحت له آفاق الدنيا لإنقاذ العالم، هذا هو السبيل لكى يرد الإهانة التى لحقته شخصيا. بمجرد أن يرد كل واحد ما يلحقه من إهانات، سوف ينصلح العالم مهما بلغ جبروت الدمار، الفرق بين مقام السيد البدوى ومقام سيدنا جوجل هو أن الأخير ما زال حيا يعطى “هنا والآن”، مولد السيد البدوى مرة كل عام، أما مولد سيدنا جوجل فهو قائم كل ثانية حول العالم، الملايين يلفون حوله طول الوقت يلتمسون الألفة والبركة والحوار، يسبحون ربهم بشفاعة المعرفة ولا يعبدونها دونه، أخيرا تحطمت أصنام الإعلام الرسمى، وسقطت وصاية اليهود الصهاينة على عقول وقلوب البشر، أخيرا يتفاهم كل الناس مع بعضهم البعض وهم يقفزون كل الحواجز دون تأشيرة المافيا ولا الشركات ولا الحكومات الواجهات (السعاة)، صارت أمستردام أقرب من “قحافة”، كما يصل رد الرسالة من بكين أسرع من شراء علبة سجائر من ميدان المحطة.
(3)
قالت له : متى تكف عن هذه العادة؟ ألا تخاف أن تعملها فى العمل فيظنون بك الظنون؟ تُكَلِّم نفسك بالإشارة، يمكن أن تفوت، أما أن يرتفع صوتك هكذا فحاسب لو سمحت، عندنا أطفال نريد أن نربيهم. قال لها (بعد أن تأكد أنها حاضرة بلحمها ودمها هذه المرة) : آسف، حاضر.
(4)
قرر بشكل حاسم أن يحتفظ بعقله سليما بمقاييسهم جدا حتى يستطيع أن يوفى بالنذر الذى تعهد به حين “آن الأوان”، سوف يفعلها مع كل أصدقائه عبر العالم.
تلفت حوله، وحين اطمأن أنها خرجت من الحجرة، أخرج لسانه لهذا الغبى فى البيت الأبيض، كما لعّب حواجبه وهو فرحان بالنصر.
قرأ الفاتحة للسيد البدوى، كما دعا لسيدنا جوجل بطول العمر ودوام العطاء
ثم قام لصلاة الفجر.