نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 12-11-2014
السنة الثامنة
العدد: 2630
قصة قصيرة:
ومازال ينتظر
-1-
– السلام عليكم ورحمة الله.
– السلام عليكم ورحمة الله.
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام. أستغفر الله العظيم، الذى لا إله إلا هو الحى القيوم، وأتوب إليه… … …: ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم، وثلاثاً وثلاثين: “سبحان الله”، ومثلها “الحمد لله”، ومثلها “الله أكبر”، وكانت قطة تـُرضع صغارها غير بعيد من كوم القش الذى كان يصلى عليه، وهو لم يحب القطط أبداً، لا ليلاً ولا نهاراً، وهو يحـَتج مستغفراً، متسائلاً : لماذا الكلب هو النجس والقطط لا ؟. وذات مرة، قبل عشرين سنة، سمع عواءً على طرف النافذة، وهو يسميه عواءً تقريباً، فقد كان خليطا من النحيب والعويل، والمواء والبكاء، فظن أنه طفل يحتضر، وإذا به يتبين أن قطا ذكرا قد أنشب أسنانه فى رقبة قطة تحته وهى مستسلمه تئن فى لذة بشعة. كره بعدها مضاجعة امرأته وعزف عنها شهرا بالتمام ، حتى ظنت به الظنون.
-2-
مـّد يده إلى جيب صديريته، ذات الأزرار الصدف المتراصة فوق بعضها، فى تناسق جميل غير منتظم تماماً، وأخرج الرسالة التى أودعها فيه قبل الصلاة، والتى أجـّل فضها حتى ينتهى من صلاته، ويدعو له بما تيسر، ثم يفضها، وهى حتماً من عند “الغالى”، وهو مشغول عليه أكثر من أية مرة، ومتوكل على الله أكثر من كل مـّرة. أخذ يدير الرسالة إلى أعلى وإلى العكس، يحاول أن يجعل رأس الخطوط إلى فوق، لكنه، من فرط انفعاله، لا يكاد يميز للخطوط رأساً من ذيل. والورقة فيها حتماً كلام كثير عن الغائب الغالى، لكن لماذا عنه وليس منه؟ ربنا يجعله خيرا، لا بد أن فيها كلاماً عن كفيل لم يوافقْ، ومُحاكمة لم تُنْصفْ، وعمرة لم تتمْ، وسَفَر لم يتحددْ، ووجهة لم تتضحْ. كل هذا يهون ما دام الغالى قد حدد موعد عودته، لابد أنه حدد موعد عودته. وراح يقلب الرسالة من جديد رأسا على عقب وكأنه ينفضها ليسقط منها بعضاً من هذه “اللملمات”، فعلاً راح ينفضها، كما ينفض رغيف الخبز الطرى الساخن الخارج لتوه من الفرن من عوالق القش قبل أن يأكله.
لماذا العجلة ؟ ما عليه إلا أن ينتظر الشيخ مرسى أبو العينين ليقرأها له كلمة كلمة، وسوف يعرف منها موعد العودة ، ولو أجازة؟
ماذا لو أنه طاوع “سيدنا” وقرأ الآية “رُبـَمَا يود الذين كفروا…” قراءةً صحيحة لماذا أصر ثلاث أيام متتالية، فأسبوع، فأسبوعين أنها “ربـَّما” وليست “رُبـَما، لو كان قد صدّق سيدنا أن الله سبحانه أنزلها هكذا “رُبـَما” وليس “ربـّـما”، لكان الآن مدرساً ثانوياً، أو قاضياً شرعياً. إنه مازال يذكر سيدنا، وهو يقسم عليه ألا يعود إلى الكتّاب إلا إذا قرأها رُبَمَا وليس ربّما، وهو لم يقبل أبدا أن يقرأها كما طلب سيدنا، ولم يستطع أن يصدق وهو بعد صبىُّ أنها نزلت كما يقول سيدنا؟ فكان الطرد إلى غير رجعة.
مع الطرد ، طَرَدَ هو بدوره كل ما علق بعقله من بدايات القراءة والكتابة، حتى لم يتبق له إلا رسم اسمه الذى حماه من استعمال خاتم صدىء، قد يزيفه أولاد الحرام.
-3-
وحين حضر الشيخ مرسى أبو العينين، وناوله الرسالة. لم يكد الشيخ يبدأ القراءة، حتى صمت، ثم راح الشيخ مرسى يقرأ كلمتين، وينط أربعة. وصاحبنا يقرأ وجه الشيخ مرسى ناطقاً وصامتاً، ولم يقرأ فيه إلا أن الغالى سوف يعود قريبا.
سأل الشيخ مرسى فى النهاية: ألم يقل متى يعود تحديدا؟ ولمـّا لم يرد الشيخ مرسى، أكمل هو أنه يعرفه، وأنه قد استحلى جوار رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودعا أن يوعده الله بالزيارة.
وقال لنفسه إنه سوف يتعلّم القراءة من جديد، وإذا لزم الأمر أن يقرأها “رُبَمَـا” فسوف يقرأها ربَمَا، و سوف يرضَى عنه سيدنا أخيرا، وحين يصل الخطاب التالى من الغالى سوف يقرأه شخصيا دون حاجة للشيخ مرسى أبو العينين ، الذى لا بد أنه أخفى عنه موعد عودة الغالى خوفا عليه أن يموت من الفرحة.
وما زال ينتظر.