الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قصة قصيرة: “شيكات على بياض”

قصة قصيرة: “شيكات على بياض”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت 17-4-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 4977

 قصة قصيرة

شيكات على بياض (1) 

-1-

لم يكد يضع القلم بعد انتهائه من كتابة ذلك الخطاب إلى ابن أخيه فى الخارج حتى دق جرس الباب، ففزع كما تعوّد، ثم  تمنى أن يكون قد سمع صوتا كاذبا فهو لا يريد أن يقطع ما هو فيه، لكن صوت الجرس عاد يؤكد الواقع، إنه أحوج ما يكون الآن بالذات إلى أن يكمل  المراجعة، فابن أخيه هذا يمثل بعض شبابه بشكل ما، وهو الذى فاجأه بالمراسلة بعد سفره رغم أنه لم يصادقه أبدا مثل معظم شباب العائلة الذين يأتنس بهم فيأنسون له، عاد الجرس يدق دقة أقصر، وأكثر ترددا، خيراً..، لا مفر، بحث عن نعل يضعه فى قدميه فى تباطؤ واضح رغم أنه يمشى فى المنزل حافيا فى العادة، فخطر بباله أن الإيقاع السريع الذى عاش به حتى الآن هو السبب، ومع ذلك فلا شىء فى الدنيا يعدل العدل: بالذات العدل بين الداخل والخارج، بين الصغير والكبير، بين الذات والناس، ولكن من يفهم؟ ومن يقبل؟

لم يجد أحداً بالباب، يئس الطارق بسهولة.

 الحمد لله، قدّر ولطف، فليكمل ما هو فيه.

 تبين أنه أنهى لتوه كتابة الرد على ابن أخيه، واكتشف أنه كتب خطاباً لا ردّاً، وأنه كان على وشك أن يقول فيه كل ما أجّل البوح به حتى الآن، حتى كاد يخنقه، حتى كاد يـُغـْرقه، أن يعلن له بكل شرف الهزيمة أنه مستعد للتنازل، بل كاد أن يتقدم خطوة أخرى ليخبره أنه تنازل فعلا، أخيراً – عن قانونه الخاص، ما دام الجميع قد أجمعوا أنه يزودها حبات كثيرة، وعموما فلسوف يعترف له بكل بساطة أنه بعد كل هذه السنين – لم يعد يحتمل.

-2-

دق جرس التليفون فرفع السماعة بنفس الرفض المشوب برغبة فى النجاة، جاءه صوت غريب، فأوضح خطأ الرقم، تنهد ووضع السماعة وانتظر الشعور بالخلاص لكن القبضة أحكمت عصر القلب أكثر.

-3-

عاد القلم يجذبه إلى الورق عنوة، فتصور ما يمكن أن يقوله مما سبق أن أعاده حتى مـَلـُّوا وأُنـِهك، مازال القلم فى يده، فبحث عن دفتر الشيكات وراح يوقعها جميعا “على بياض” وبدون تاريخ، ودون أن يشطب على: “أو لأمر”، وضع الدفتر فى المكان الذى اتفقا عليه منذ حاولا أن يتجنبا محاولات الإقناع والاقتناع، أغلق الباب فى هدوء، وحين مر أمام المرآة التى فى مدخل العمارة اكتشف أنه نسى أن يحكم رباط عنقه فوقف يعدّله فى ثبات تام.

-4-

خرج إلى الشارع واتجه على غير عادته إلى جهة اليمين، فمحطة الأتوبيس والجمعية فى الاتجاه الآخر، أخذ ينظر إلى وجوه المارة فانتبه إلى أن عيونهم – جميعا – مغرورقة بنفس الدموع، فتذكر عينيه فى المرآة وهو يحكم رباط العنق، آنسه ذلك حتى شعر أنه ليس وحده، فما شقى كل هذا العمر إلا من أجلهم، حتى لو أنكروه جميعا.

 حتى لو لم يَرَوْه أصلا.

[1] – نشرت في نشرة الإنسان والتطور بتاريخ 3-9-2014

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *