الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قصة قصيرة : رشفة.. ورشفة

قصة قصيرة : رشفة.. ورشفة

نشرة “الإنسان والتطور”

 الأربعاء: 30-7-2014

السنة السابعة

العدد: 2525  

قصة قصيرة

رشفة.. ورشفة

-1-

قالتْها بحكمة رصينة وهى تهز رأسها بما يفيد الذكاء والتواضع معا، وكان هو يرتشف قهوة الصباح ـ السريعة الذوبان باللبن ـ قبل الانطلاق إلى الدورة اليومية المغلقة،  قالت وهى تنظر فى الصفحة قبل الأخيرة فى الأهرام وقد جللها السواد رغم الإعلانات المبروزة،

 قالت: لو أن الناس نظروا إلى هذه الصفحة بواقعية وفكروا، ما تعب  أحد منهم قط”.

فارتاح إلى اللهجة الوديعة، وأحس بالمسافة تتلاشى بينه وبينها، ودبت الحياة فى كل الخلايا، فبدت قريبة حبيبة.

نبضَ وتهدّج، وانتشى، وتحفـَّزَ، وترك نفسه وهمس بلا صوت:

“لستُ وحيداً”.

-2-

أزاحتْ الكوب جانبا بعد أن أكملتْ ما تبقى فيه، وتنهدت، ثم انطلقت  تصف إحدى القريبات: بالحقد، والخيانة والانتهازية، والطمع، والبله، وقصرالنظر.

وسوستْ له نفسه، لكنه ربط بين الأول والآخر من بـُعـْدٍ خاص، وُخـّيـل إليه أنه تخطى التناقض الظاهر إلى حل محتمل.

ومشى الحال.

-3-

طلبتْ منه بقية ثمن الصالون الذى جددته بغير مناسبة، فأطرق غير معترض، اجتهد ليعود إلىه الأمل، مع أنها مضت فجمعت حساب إصلاح السيارة، وتغيير الستائر، وطلبات المطبخ، وعيد الأم، أخذ يرصد تراكمات الغيظ المتصاعدة داخله، فقرر ألا يستسلم لتمام خيبة الأمل، كما قرر ألا ينفجر. دفع كل ما طلبته صامتا ولم يمنعها ذلك من أن تستمر فى نفس الاتجاه، فتذكـَّر بإرادة واضحة، وفائدة مؤكدة، أن رزقه يتزايد بسرعة أكثر من تزايد مطالبها، ومع ذلك لم تستمر الفائدة فى اتجاه يقلل من غيظه إلا قليلا، عاد الغيظ وقد أصبح شيئا آخر أقل تحديداً، عاد يهجم عليه من كل اتجاه.

تصاعد النقاش، واحتدّ حتى صاحت فيه:

” أنت لا تفهمنى، ولن تفهمنى، ويبدو أننا لن نلتقى أبداً.”

صدّقها كما لم يصدقها من قبل.

-4-

حلّ موعد خروجه “فجأة”، فتنهد كمنْ أُنقذ، واستأذن معتذراً.

-5-

ترك محرك السيارة دائراً حتى تسخن، وراح يدور حولها يمسح زجاجها، وحين رد عليه تحية الصباح خفير البناية المجاورة “تحت التأسيس” ودعاه “أن يتفضل” (مجاملة أو من قبيل العادة) قـَبـِلَ الدعوة دون تردد بما أدهش الخفير وأدهشه شخصياً.

-6-

جلس على الأرض بجوار الغفير مسندا ظهره للحجرة المقامة من الطوب المرصوص وألواح الصفيح، متجاهلاً وقع المفاجأة.

 أخذ ينقل نظره بين كوم الأطفال تحت السقف الصفيح، وبين ملامح زوجته التى تراءت له خلف نوافذ الفيللا المغلقة، فلم يكد يتعرف عليها فى خياله، ثم لفت نظره طول سيارته تحت التسخين فتعجب وكأنه يراها لأول مـّرة.

 ما لزوم  كل هذا الطول ؟

-7-

عاد يرتشف الفقاقيع المتجمعة على سطح الشاى الأسود اللزج مثل مربى التوت الأسود، فاختلط طعم المرارة بالسكر المعقود بالصدأ بالهباب، فاكتشف مذاقاً ونكهةً لهما مضمون جديد.

فرح أنه لم يجد لهذا المذاق اسماً فى قاموس العواطف الشائعة، والتجارة اللاهثة، والسياسة الخبيثة، والحكمة  الزائفة، والأشياء اللزجة.

 

1980

2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *