الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قصة جديدة المفتاح

قصة جديدة المفتاح

نشرة “الإنسان والتطور”

6-11-2010

السنة الرابعة

العدد: 1163

قصة جديدة

المفتاح

قام فجأة، وكان قد فتح التليفزيون فامتلأت الشاشة بنقاط بيضاء ووش كثير، لم يحاول أن يضغط على أى زر ليجلب أية قناة، لكنه خفض من مفتاح الصوت حتى صمت الوش نهائيا ولم تبق إلا النقاط البيضاء تملأ الشاشة وتتراقص فى تحد غامض،  قام مسرعا كأنه تذكر أمرا هاما  وتوجه إلى الباب، وأحكم إغلاقه بالمفتاح، ثم عاد  يتلفت حوله فى كل اتجاه يبحث عنها، ثم عاد إلى مقعده وقد زاد افتقاده لها، لم يكد يجلس حتى قام من جديد واتجه نحو الباب، تأكد من الغلق، نزع المفتاح من مكانه وقد وصله وقع أقدام فى الممر، نظر من الثقب فرأى ساقىْ سروال رجالى، لا، هم أربعة سيقان لا اثنتين، نعم رجالى، لكن الهمهمة كانت نسائية، أخذت الأصوات تبتعد فعاد يبحث عن المفتاح الذى نزعه حالا من الثقب فلم يجده، أضاء الأنوار وفتح الأدراج ونظر تحت الكراسى وبجوار السرير بلا طائل، يوجد مفتاح “رئيس” فى إدارة الفندق يفتح كل الحجرات، ما عليه إلا أن يطلب الاستقبال فيأتى ويفتح الباب، توجه إلى الهاتف، وبدلا من أن يطلب الاستقبال، أدار الرقم الذى يحضر له الخط الخارجى، دبت فيه الحرارة فورا، نقر رقما مألوفا له جدا حتى أنه يطلبه عادة دون النظر إلى لوحة الأرقام، انتظر طويلا حتى انقطع الرنين وجاءه صوت بالإنجليزية  يقول “نحن لسنا فى المتناول الآن، لو سمحت أترك رسالة، ورقم هاتفك إن شئت بعد سماع الصفارة”، نفخ، وسكت، وانتفخ، وسمع الصفارة فقال بصوت مرتفع: ” ملعون أبوك خواجه إبن كلب، من أنت حتى أترك لك رسالة”؟؟ “، قام فزعا وسماعة التليفون بيده وراح  ينفضها وكأنه يود أن يفرغ منها الرسالة التى خرجت منه غصبا، ماذا لو سمعتْ أوّلها دون أن تكملها؟

توجه إلى السرير وأنار المصباح المجاور لرأسه (الأباجورة) وأطفأ نور الحجرة، ووضع الوسادتين الصغيرتين فى وضع مائل شبه رأسى حتى يتمدد نصف امتداد ويقرأ كما اعتاد قبل النوم، كان قد خلع سرواله دون القميص وحين وقع نظره على صورته  فى مرآة الصيوان تعجب جدا ثم رفض جدا، همَّ أن يقول “له” شيئا لكنه تراجع، مد يده إلى الكتاب الذى كان ينتظره، وراح يتأمل العنوان وكأنه يقرأه لأول مرة، مع أنه انتهى من أكثر من نصفه ” التفسير الجنسى للتاريخ، وبيولوجية الغباء المكتسب” ، ابتسم، كانت ابتسامة قصيرة غبية، وحين لم تجد مبررا لظهورها اختفت ولم يحل محلها أى تعبير آخر، أزاح الوسادتين من خلف رأسه، وانزلق تحت الغطاء، وأغلق النور ونام على الفور، فـَعــلاَ  شخيره حتى قبل أن يستغرق.

يدٌ حانية تهدهد خده الأيسر، فتح عينيه، فتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ها هو نور السماء يقترب من ضلفة النافذة النصف مفتوحة، برغم أنها ليست نصف مغلقة، ضغط على زر كمثرى بجواره فملأ ضوءٌ أبيض مصنوع زائف كل الحجرة حتى اختفت صاحبة اليد الحانية، أزاح الضوء الفاقع البلاستيك نور قبيل الصبح الذى كان يستأذن فى دعة أن يخطو إلى الحجرة،  أطفأ الضوء الأبيض القبيح  بسرعة حتى يأذن للصبح  بالدخول، فلم يجد وراء النافذة إلا  سواد ليل شديد القسوة، متى نحن إذن؟ كم الساعة؟ ،

اندفس تحت الغطاء من جديد وسحبه على رأسه حتى غطى وجهه تماما، لم يطاوعه نوم جديد، قفز من السرير بعد أن اكتفى بإضاءة نور الأباجورة بجواره تجنبا لذلك الضوء الروبوت المجرم القاتل، لمح المفتاح بجوار الأباجورة بشكل يستحيل إغفاله، لم يتساءل كيف لم يعثر عليه أمس وهو بكل هذا الظهور.

وهو ينظفها فى مرآة الحمام اكتشف أن له أسنانا بيضاء ناصعة، لكنه لاحظ لأول مرة أن نابىْ فكه الأسفل  بارزين إلى أعلى عن بقية الأسنان أكثر مما اعتاد رؤيتهما، كشر عن أسنانه أكثر، ثم تمادى، فبرزت أنيابه أكثر، وإذا به يقهقه بصوت مرتفع جدا، سكت فجأة، تمضمص ثم ابتعد بسرعة.

ترك نفسه يسقط على كرسى كبير (فوتيه) مريح، أحاطه تماما، وإذا به ينخرط  فى بكاء طويل صادق بصوت خافت مكتوم،  أسكت نفسه بسرعة وهو خجلان وراح يتلفت حوله، هى لا تحب أن تراه وهو يبكى، هل يمكن أن تكون قد سمعته؟ وبدلا من أن يخفض الصوت أكثر، انفجر منه بكاء آخر طليق حر بدون وصاية، فراح ينشج بصوت مرتفع سمح له أن يعلو باضطراد، ثم سكت فجأة أيضا،

رفض أن تصعب عليه نفسه مثل زمان.

 قرر أن يذهب إلى الناحية الأخرى بإصرار واضح، وألا “يعود” مهما كان، حاول أن يصفر بفمه نغم أغنية يحبها، ففشل، وهو يعلم أنه لم يحذق ذلك أبدا، وكان –مراهقا-  يغار من ابن عمه ذى الشعر الأسود الناعم الفاحم، ومن أخيه الأوسط وهما يعزفان لحنا كاملا بصفير الفم، فيختفى منهما ويحاول أن يقلدهما فى دورة المياه، فيفشل ولا يعود،

 فات الأوان.

  لم يحلق ذقنه فهو قد حلقها ليلة أمس بمناسبة الاجتماع الختامى للمؤتمر، ارتدى حلته، نظر فى المرآة وهو يصفف شعره فلاحظ أن وجهه رائق بالرغم من كل شىء، فلم يفتح شفتيه، ولم ير أسنانه، وإنْ تذكرها، ولكن ظل وجهه رائقا.

 لم يكن باب الحجرة مغلقا جدا – ليس يدرى كيف- فلم يضطره ذلك أن يتذكر أنه لم يأخذ المفتاح معه، وغادر الحجرة دون أن يضع يده فى جيبه بحثا عنه.

الإسكندرية 30 أكتوبر 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *