نشرة “الإنسان والتطور”
24-11-2011
السنة الخامسة
العدد: 1546
ص 45 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
Naguib Mahfouz
قل هو الله أحد
الله الصمد
لم يلد
ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
نجيب محفوظ
14/3/1995
“الله الصمد
لم يلد
ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد”
****
القراءة
أمس (الصفحة “44” 3/3/1995) تدرب شيخنا بسورة الفاتحة، كاملة، وحدها، واليوم (14/3/1995) ثانى يوم مباشرة، قرأ سورة الصمد، أعنى كتب سورة الصمد، أقصد تدرّب بسورة الصمد، تماما كما نفعل فى الركعتين الأوليين من كل صلاة، ما وصلنى منه دائما هو فكرة ظلت تراودنى وأنا معه، وأنا أقرأه، وأنا أتذكره، وهى أن الحياة ليست إلا صلاة، وما الصلاة إلا حياة، ثم إننى انتبهت أنه لما حضرته الفاتحة أمس أكملها دون أن يضيف إليها، ولا أن يتوقف دون تمامها، هذا نفس ما حدث اليوم مع سورة الصمد، وكأن هذا الحضور القرآنى المباشر – دون أن ينقص من غيره- يسحبه بكل ما هو إلى كل ما هو، فهو يمتلئ به بالقدر الذى يملؤه!
بحثت فيما سبق من تدريبات حتى الآن، فوجدت أن الآية الأولى من هذه السورة (قل هو الله أحد) قد وردت فى صفحة التدريب رقم 17 قبل ذلك بتاريخ 12/2/1995، لكنه لم يكمل السورة بعدها، كما أنها وردت متوسطة بشكل هندسى جميل (أنظر آخر النشرة) أما هنا فقد وردت سورة الصمد كلها بعد كتابة اسمه بالانجليزية، ربما توقيعه، الذى جاء بعد البسملة، فاكتفيت هناك وأنا أختم بأن أعد بالعودة متى أتيحت الفرصة، حيث قلت بالحرف الواحد “أما حضور آية التوحيد هنا مضيئة متوسطة هكذا وما يتفرع من ذلك من احتمالات، وما تحمله هذه الآية وتداعياتها من معانى التوحيد كما ناقشته معه مرارا، فقد أعود إليه فى فرص أخرى غالبا”، ويبدو أن الفرصة قد سنحت اليوم بعد 28 صفحة
المعنى الذى يصلنى من هذه السورة هو رسالة متكاملة لا تكون هى هى لو أننى بحثت عن معنى كل لفظ على حدة، أو كل آية على حدة، هذا المعنى هو أقرب إلى التوحيد، حتى أننى كنت أحسب أن اسمها سورة التوحيد كما جاء فى قراءتى صفحة 17، بل إننى أخطأت هناك وأنا أسميها “آية” وليست سورة، ربما لأنها وصلتنى متناغمة فى مقطع واحد معا، لا أعرف لماذا ما يصلنى من هذه السورة هو التوحيد أساسا، أعنى نفى الشرك، قبل، وربما بعد، الإخلاص. أنا لا أنسى أن اسمها الإخلاص، ولكن ما يصلنى من الذاكرة هو غير ما يحضرنى من نبض الوعى، بحثت عن من الذى سمّى سور القرآن الكريم فاختلفت الآراء حتى قيل أن بعض الصحابة شاركوا فى ذلك.
قبل أن استطرد فى ما أحاول أن أتجنبه أرجع إلى محاولة فهم النقلة بين اسمه بالإنجليزية وبين تدريبه الموجز اليوم بهذه السورة، فأتصور، دون حماس أو اقتناع كاف، أنه ربما انتبه إلى بُعد أصحاب هذه اللغة الأوربية الأولى عن المعنى المحورى الذى يمثل ثقافتنا التى ينتمى إليها شيخى أساسا، والتى تجعل هذا الحضور المحورى لله سبحانه وتعالى هو المبتدأ والخبر، دون الانفصال عن الواقع والتفاصيل، أقول ربما، فأنا مشغول هذه الأيام بهذه الفكرة الأساسية التى أريد بها أن أبين كيف يمكن أن يكون فى الإسلام الذى أشار إليه شيخى فى رسالته إلى ندوة الأهرام بعنوان: “نحو مشروع قومى حضارى” (نشرة 20/5/2010 العدد: 993 “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”) أن تكون فيه إضافة حضارية جديدة يحتاجها كافة الناس الآن. وقد بلغنى أنه جاء فى هذا الرأى الذى أرسله للندوة قوله ما معناه: “… إن السبيل إلى نهضتا هو الإسلام” فسألته عن صحة ذلك بعد أن استنكره بعض أعضاء لجنة الثقافة العلمية الذين كانوا حاضرى الندوة، فقال لى إنه قال ذلك رابطا إياه بأن يتم ”هذا فى حوار مع معطيات العلم والآراء الأخرى”، وتناقشنا حول كيف أن استعمال كلمة الاسلام تعنى عند كل واحد معنى مختلفا عن ما تعنيه عند الآخر…الخ.
ما أقدمه هذه الأيام (نوفمبر2011) والساحة السياسية “تضرب تقلب” هو محاولة عرض كيف يكون الحل هو الإسلام حين لا يقتصر اسهام الإسلام طريقا للإيمان على الإسلام بالمعنى المغلق، وإنما بالمعنى المطلق، إذا سألنى سائل عن ماذا كان يشغل وعى شيخى محفوظ محوريا وجوهريا، لأجبت على الفور إنه الله عز وجل، وقد رجعت فى عجالة الآن إلى بعض ما كتبه جورج طرابيشى، ود.محمد حسن عبدالله، وغالى شكرى، ثم خالد عاشور، كعينات سريعة، فوجدت بعض ما يؤيدنى بشكل خفيف خفيف، وبعض ما يسخر من تعسفى، وتذكرت اتهام بعض أصدقائه لى بأنى أفرض على شيخى، أو أفترض فيه، ما يتفق مع رؤيتى له أو مع رؤيتى أنا، وليس ما هو حقيقته.
بمجرد أن أقرأ “ولم يكن له كفوا أحد” تحضرنى الآية “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ”، فيحضرنى رفض كل من يتعامل مع الوجود الإلهى بفكر مختزل، أو بلفظ لغوى مختنق فى معنى جاء فى معجم أو غيره. أشعر من هذه الآية، كما كان يصلنى من شيخى دائما بهذا الانفتاح الواعد بكل شىء، الرافض لكل قيد، الذى حل فى وعى مولاى النفرى، فسمح له بهذا التلقى، دون ادعاء هبوط الوحى.
“الله الصمد”، انتبهت إلى أننى جعلت سنين طويلة طويلة أردد “الله الصمد” دون أن أحاول أن أرجع إلى معنى كلمة الصمد لا فى أحد المعاجم، ولا فى أى تفسير، حتى ولا فى هامش مصحف به معانى الألفاظ ، يا ترى لماذا؟ لن أجيب لأنى لا أعرف الإجابة، وحين راجعت نفسى الآن جاءتنى بعض الإجابة وهى أن لفظ “الصمد” يفيدنى بما وصلنى منه دون حاجة إلى البحث عن معناه فى غيره، من حيث أنه يصلنى منه تضفر معانى الكمال والاستغناء والتكامل والتناغم فى ذاته بذاته، وكذا معنى الفيض علينا دون الحاجة إلينا، فتحضرنى مباشرة أنه “ليس كمثله شىء”، وأنه سبحانه “لا تأخذه سنة ولا نوم”، فأرجع إلى تعدد الذوات فى التركيب البشرى، وهو الأساس الذى أمارس به مهنتى معظم الوقت، فأعرف معنى الوحدة الغاية، فى مقابل السعى التعدد، فهو الغاية القائمة بذاتها التى تملأ الوعى إلى المطلق دون أن نتعرف إلا على الحركة إليها سعيا، عرفت أن الطريق إليه إنما يكشف عن بعض الطريق التالى إليه، وهكذا، وهكذا، فأتذكر شغل محفوظ الشاغل وبالذات من رواية “الطريق” حتى المعلم عبد الدايم فى أصداء السيرة (فقرة 27) مرورا بزعبلاوى، وأرجح أن هذه السورة (الصمد) حين حضرت هكذا بكلها هى هدية يمكن أن نتعلم منها فى هذا السياق بهذا الجمال من هو نجيب محفوظ الذى اتهم بما اتهم به، غفر الله لمن رحل، وأنار بصيرة من بقى، وجزى شيخنا عنا خيرا.
حضور ربنا فى وعينا بهذه التلقائية كما وصلتنى من هذه الصفحة هو حضور لا يعرفنا بربنا بما نعرفه عن خبره أو عن ما يحكون عنه، حتى أسمائه الحسنى هى أسماء وليست هو. أحضر محفوظ هذه السورة فتجلت لى سورة الكمال فى أقدر وأجمل تجلياته، الآن يحق لى أن استعين بالمصادر: الصمد هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته، إلى آخر ما ذكر في الأثر. وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته.
حين حضرتْ أول أية فى هذه السورة “قل هو الله أحد” فى تدريب صفحة 17 يناير فى 12/2/1995 حضرت دون بقية السورة، حضرت وحدها، بتشكيل خاص، يسبقها اسمه أربع مرات، ويلحقها اسمه ثلاث مرات، مما يستحق أن نرصده ثانية هكذا:
نجيب محفوظ (تدريب ص 17)
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
قل هو الله أحد
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
12-2-1995
فوصلتنى الصورة ، وليس فقط الألفاظ بما يؤيد – وليس بالضرورة يؤكد- ما وصلت إليه فى قراءتى اللاحقة هذه بعد 28 صفحة.
****
ملحوظة: الصفحة التالية، أى صفحة( صفحة “46”) من صفحات التدريب كانت هى هى صورة الصمد إلا أنه لم يكتب اسمه بالانجليزية ولا بالعربية قبلها، ودخل مباشرة إلى كتابة السورة بأكملها كما لم يكتب بعدها اسمه إلا مرة واحدة.
كأنى به مازال يعيش فى رحاب هذه السورة ليومين متتاليين بما ذكرنا وبما لم نذكر.
أما تلك الفروق فقد تعنى شيئا وقد لا تعنى، لكنها أفادتنى بأنها تعنى مما لا أحتاج أن أذكره وأكتفى بذكر إحاطة هذه الصورة الموحدة بوعى شيخى يومين متتالين هكذا.
****
ص 46 من الكراسة الأولى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
———
قل هو الله أحد
الله الصمد
لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
16/3/1995
وهكذا ننتقل الأسبوع المقبل إلى صفحة التدريب رقم 47 مباشرة.