نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 10-7- 2014
السنة السابعة
العدد: 2507
ص 161 من الكراسة الأولى
القراءة:
يستهل شيخنا صفحة تدريب اليوم بمفتتح سورة الرحمن “الرحمن علم القرآن”، ثم اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك أسمه واسمى كريمتيه، فأستقبل ذلك بترحيب خاص،
وبعد أن أكتفى بالأشارة لما سبق استلهامه وأضعه فى الهامش (1)
وبعد أن أعتذر عن عجزى عن فك شفرة ما جاء فى نهاية الصفحة قبل السطرين الأخيرين وجزء من السطر السابق لها، أنتقل إلى الجديد وهو كالتالى:
- رسائل تحمل أشواقى كما تحمل تحياتى فى نفس الوقت
هل يا ترى يعنى رسائله فعلا، وهل يا ترى حرص أحد محبيه أو أحد المؤرخين على بعض رسائله – عموما – وقام بدراستها بشكل خاص مثلا مثل رسالة ديستويفسكى لأخيه أو رسائل فان جوخ لأخيه أو الرسائل المتبادلة بين سيجموند فرويد وكارل يونج وغيره، أعتقد أن هذه الكتابات البعيدة عن الإبداع المقصود، وعن السيرة الذاتية المعنونة بهذا العنوان المحدد، تعرّفنا هؤلاء العظام من زاوية أخرى بشكل يكمل صورتهم لدينا
لم أعثر إلا على رسالة ديستويفسكى لأخيه بعد صدور أمر بتحويل الحكم عليه بالإعدام إلى السجن فى سيبيريا سجينا لأربع سنوات وفيها يقول:
” لا تظن أن الحكم قد هدّني أو غمّ علي.. فالحياة في كل مكان هي الحياة. هي بداخلنا وليست فيما هو خارج عنا……،….. ولن يهن قلبي أو تفشل عزيمتي أمام المصائب. وهذا في اعتقادي هو الحياة أو الواجب في الحياة. وقد حققت ذلك وصار هذا الخاطر جزءاً من لحمي ودمى….الخ”
أما عن رسائل فان جوخ فيعتبرها نقاد الفن واحدة من أهم وثائق الفن المكتوب في القرن التاسع عشر، مع “جورنال” أيوجين ديلاكروا، ويقارنها البعض مع كتابات دي. إتش لورانس،
…. أن الرسائل التى كتبها فان جوخ لأخية ثيو تضاهي كتابات لورانس، وبالتالي الكشف عن ثروة من الخواطر و التفاصيل الصغيرة، تمدنا بمعلومات متوالية غالبا ما تنطلق من نقطة معينة حول فكرة أو رأى، يتحدث من خلالها عن نفسه، وفي نفس الوقت، أيضا، نعلم العوامل المؤثرة التي كان فان جوخ يخضع لها في أوقات مختلفة، و نوعية الكتب التي قرأها، وما جذبه من أعمال الفنانين الآخرين، خاصة الأساتذة الأقدم.
………….
أما رسائل سيجموند فرويد فلن أتطرق إليها وسوف أكتفى بذكر أسماء أهم من فرحت بمراسلاته معهم فى الهامش(2)
ولكننى عثرت أيضا على تنويه عن رسالة لفرويد بقيت مخفية منذ 1930 عن “النوفيل أوبسرفاتور، تحت عنوان: “تحفظاتي على الصهيونية”، ولعل فيها رد على كتاب د. صبرى جرجس “التراث اليهودى الصيهونى والفكر والفرويدى أضواء على الأصول الصهيونية لفكر سيجموند فرويد” الناشر: عالم الكتب. 1969- القاهرة، ولست متأكدا إن كان الراحل د. صبرى جرجس قد أطلع عليها أم لا.
رجوعا إلى تدريبات شيخنا، خطر لى أن هذه التدريبات نفسها هى “رسائل عفوية”، كان يكتبها محفوظ وهو يوجهها لنفسه، وربما لنا، وربما لربه، بل وربما للتاريخ، أو لواحد مثلى يستهلم بها ما يفتح الله به عليه، هذه الرسائل تحمل أشواقه لكنها أيضا كما أضاف نصا: “تحمل تحياته فى نفس الوقت”، أى والله، لم أنتبه إلى هذا الترابط الجميل إلا الآن، لكن:
أشواقه لماذا وكيف؟
ما عرفته عن هذا الرجل فى حضوره الجميل وشغفه بالناس والحياة، وقدرته على الدهشة والتجديد والتجدد، يمكن أن يُتَرجَمُ إلى “الوجود فى شوق دائم لا يبلى ولا يهمد ولا ينتهى”، فهى ليست أشواق الجائع الملهوف، بل هى أشواق الذى لا يعيش إلا بالناس للحياة، فإذا أضاف إليها أنها كما تحمل فى نفس الوقت “تحياته” أضيف إلى هذا الشوق الراقى الذى يتذكر ولا يلح، يشتاق ولا يجوع، إذا أضيفت إليه باقة من الود والتحية، لا بد أن تتميز بنفس الروح والنبض.
الفقرة أو الجملة الثانية يقول فيها:
- “وما قدر كان وراحة النفس فى التسليم بالقدر”
ثم:
- نصيبك فى الحياة لازم يصيبك
كان يدرس لى أستاذ عبقرى فى سنة ثالثة طب علم الأمراض وقد أشيع عنه علاقة وسواسية بالغة الغرابة، كانت تظهر بعض معالمها فى المحاضرات، ولا أريد أن أتطرق إليها تفصيلا، لكننى أذكر أنه دخل علينا فى محاضرة باكرة ذات صباح سنة 1953، وبادرنا قبل المحاضرة بقوله: “إن سر قلق الإنسان المعاصر أنه لم يستمع (أو “لا يستمع”، لا أذكر) إلى محمود البولاقى كما ينبغى، لم يستمع له وهو يكرر عبر ساعات طوال أنه “لا تكثر لهمك ما قدر يكون الله المدبر، والدنيا شؤون”، ثم يقلبها إلى “ما قدر يكون لا تكثر لهمك….الخ” وظل الأستاذ يدندن الأغنية ونحن فرحون به لا ننتظر بدء المحاضرة، وكأنه أنار بهذا الاستطراد الطريف طريقة وقاية ضد القلق والاغتراب، وظل يدندن ويؤكد، ونحن نردد فى همس لا نستعجل حتى لو كرر ذلك طول الوقت بدلا من المحاضرة.
أما تعقيبى على علاقة شيخى بالقضاء والقدر فقد ورد مكررا صفحات فى التدريب السابقة، و(غالبا اللاحقة) بشكل مباشر وغير مباشر وذلك فى تداعياته عن “الصبر”، و”الهدى”، و”الإيمان”، و”التسليم الإيجابى”، و”الثقة بالله”، مما سيرد تجميعه غالبا فى الدراسة الشاملة إن قدر لها ان تظهر، والأرجح عندى بصفة عامة فى هذه النقطة أنه قد يسلم بالقدر الذى “حدث”، “قل كلٌّ من عند الله” لا أكثر ولا أقل، ثم أنه يقوم من أى قضاء مهما اشتد وبه ليواصل، وهل أدلّ على ذلك من هذه التدريبات ومواصلته الحياة هكذا وعودته إلى الكتابة بعد كل ما حدث مما لا يحتاج إلى إعادة ذكره؟.
يأتى تأكيد هذا المعنى أيضا فيما اختتم به شيخنا هذه الصفحة، حتى بعد أن عجزتُ عن قراءة السطر وبعض السطر كما سبقت الإشارة، فهو يقول: “نصيبك فى الحياة لازم يصيبك” ثم يختم ربما بعد أن أشار لم أقرأها حكمٍٍة، فألحقها بقوله: وهى: أن الإنسان لا يملك من مصيره أكثر من نسبة محدودة” ولا أظن أنه يعنى هنا “بالمصير”: النهاية، وإنما هو يعنى كل ما يصير له من رب العالمين، ثم لاحظ تعبير “نسبة محدودة”، فقد احتفظ له، وربما لنا، بنسبة مشاركة فى المصير والقضاء والقدر، بفضل الله، وربما من باب “من أقسم على الله لأبره“، وبهذا فنحن مشاركون فى صناعة القدر.
[1]- الرحمن علم القرآن: ورد هذا النص صفحة التدريب رقم (15) نشرة 18-2-2010 ، وأيضا فى صفحة التدريب رقم (47)، نشرة 1-12-2011، وصفحة التدريب رقم (54) نشرة 19-1-2012 ، صفحة التدريب رقم 55، نشرة 19-1-2012، وصفحة التدريب 55، نشرة 26-1-2012 ، صفحة التدريب 65، نشرة 15-3-2012.
– محمد رسول الله: ورد هذا النص فى صفحة (21) بتاريخ: 18-3-2010.
– نصيبك فى الحياة لازم يصيبك: ورد هذا النص فى صفحة (13) بتاريخ: 11-2-2010