نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 26-6- 2014
السنة السابعة
العدد: 2491
ص 159 من الكراسة الأولى
القراءة:
بدأ شيخنا اليوم بالشهادتين، (دون بسملة أو استعاذة) ولو تطاول أحد المدعين لتصور أنه قـَبـِلَ الاستتابة وتاب وأناب، سحقا لغبائهم، من منهم يصل إلى إيمانه؟!!! المهم:
ما سبق وروده سالفا فى تدريب اليوم كثير كثير يمكن الرجوع إليه (1)
أما الجديد فهو مفاجأة فعلا
المفاجأة الأصغر هو أن تطفو على سطح وعيه أغنيه شادية “آه يا اسمر اللون حبيبى الاسمرانى”، وهو لم يذكر أمامى شادية إلا نادرا (على قدر ما أتذكر طوال عشر سنوات) ولا أذكر أننى عبرت له عن حبى لها ولحضورها ولصوتها وأغانيها، لا أظن أن أم كلثوم قد احتلت مكان كل الأصوات الجميلة الأخرى، فهو يحب الجمال والرقة والعذوبة من كل من يملك أو تملك مقوماتها، وشادية تملك كل ذلك، حين ألتقيه هناك، سوف أسأله عن موقع شادية بين من يفضل الاستماع إليهن
هذه الأغنية بالذات شديدة الرقة رائعة الايقاع (بليغ حمدى) وكانت شادية حين تتسارع قائلة:
“تحت الرمش عتاب وحنين وعذاب وعيون ما تنام”.
كنت أشعر أنها تعزف حركة محسوبة سريعة الايقاع فى سيمفونيه كاملة المعالم.
إلى أن قالت بنفس الايقاع تعاتب الحبيب:
لسه وانت قايلى إنْ غِبتى يغيْب م الدّنيا أحْلى مكان.
ياه، يا عمنا
أكتفى بهذا القدر لأنتقل للمفاجأة الأكبر
يختم شيخنا يومية اليوم بما توقفت عنده فرحا مرحبا مستغربا، لأنه صاغ حكمته اليوم بهذا النصّ الموقظ المتعْتِع المفيد بشكل جديد تماما، وبيان ذلك:
أولا: حتى تصلك الرسالة لابد أن تقرأ الأسطر الأخيرة مع بعضها كتلة واحده، وليس كما اعتدنا سطرا سطرا، كل سطر على حده.
ثانيا: هو يقدم لنا هذه الهدية ليس على أنها نصيحة أو موعظة وإنما على أنها “صفقة”، وصفه تبدو لأول وهلة غير مألوفة، لكنه يقصدها، فيا لحسه، ويا لكرمه ويا ليقظته، وإليكم مرة أخرى ما خـَطـَّهُ خاتما به تدريباته
عندي صفقة تقول ان كل شي خال من المعنى
وصفقة أخرى تقول أن كل شئ حافل بالمعانى
وعليك ان تختار بين الحقيقتين.
صفقة فصفقة يعرضها علينا الواحدة تلو الأخرى بطيبة وكرم، والصفقة غير “الهدية”، فالصفقة عادة تكون بمقابل، لكنه يمنحنا إياها بدون مقابل، ويظل يسميها صفقة، وياليتها صفقة واحدة بل صفقتان: الصفقة الثانية تبدو لأول وهلة وكأنها تنسخ الصفقة الأولى، لكن واقع عمقها يقول: إنها تكملها، أو بتعبير أفضل تتكامل معها، ثم هو يطلب منك أن تختار بينهما، لكن بعد أن يغير الاسم من صفقة إلى حقيقة، أى من صفقتين إلى حقيقتين، وكأنه يختبر حدة انتباهنا، وهل سوف نلاحظ أن الصفقة لم تكن صفقة بل حقيقة؟ وأن عرض الاختيار هو امتحان آخر، يكون النجاح فيه برفض الاختيار مادمنا أصبحنا أمام “حقيقتين”، إذن فهو كان – بطريقته- يدعونا إلى رفض هذا الاستقطاب حين قلب كلمة “صفقة” إلى كلمة “حقيقه”.
الصفقة الأولى التى تقول “إن كل شئ خال من المعانى”، تدعونى إلى أن أفرغ كل شئ (وكل حرف (بلغة النفرى) وكل رمز وكل فعل بل وكل أيديولوجى، من معناه الجاثم الثابت لأتعامل معه من جديد بشكل طازج متجدد، أو كما يقول أولاد البلد “على ميه بيضا” وهنا تصبح الحياة بعثا، ويصبح الوجود إبداعا متجددا، ويصبح خلوّ كل شئ من المعنى هو دعوة إلى ملئه بالمعنى الذى هو غير المعنى الثابت الملتصق به بلا حراك، فيصلنى التلويح بأنه حتى المعنى الجديد سوف يأتى عليه الدور ما دامت حركية الابداع.
الصفقة الثانية تقول (لاحظ أن الصفقة هى التى تقول وليس هو) أن كل شئ حافل بالمعانى، ثم لاحظ الفرق بين استعمال كلمة “المعنى” (بصيغة المفرد) فى الصفقة الأولى ثم استعمال كلمة “المعانى” (بصيغة الجمع) فى الصفقة الثانية فتصلك – يا رب كما وصلتنى – أنه بمجرد أن يخلو كل شئ من المعنى الثابت الواحد حتى يصبح مستعداً للامتلاء بأى من المعانى المتاحة، أو بكل المعانى الممكنه، في هذا الاتساع الإبداعى النابض بزخم الحياة.
من كل هذا اعتبرت أن عرض الصفقتين لم يكن عرضا للاختيار بينهما كما تشير الألفاظ، وإنما كان استدراجا لننتبه أنهما حقيقتان متكاملتان، وليستا صفقتين متنافستين أو متبادلتين، وليس مطلوب منك – برغم صيغة الامتحان – أن تختار بينهما، ولكن المطلوب هو أن تحتويهما فى حركية جدلية مبدعة أبدا، فنكسب الصفقتين الحقيقتين معا “إليه”!
[1] – ما جاء فى نشرات سابقة:
* لا إله الا الله محمد رسول الرب الله: صفحة التدريب (21) نشرة 18-3-2010، وصفحة التدريب (33) نشرة 18-8-2011، وصفحة التدريب رقم (107) نشرة 7-2-2013، وصفحة التدريب (131) نشرة 31-10-2013، وصفحة التدريب (133) نشرة 14-11-2013، وصفحة التدريب (140) نشرة 30-1-2014، وصفحة التدريب (147) نشرة 27-3-2014.
* “قدك أمير الاغصان من غير مكابر” ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) ، نشرة 22-11-2012
* “بستان جمالك من حسنة” وردت مثلا فى صفحة التدريب رقم (76) بتاريخ: 17-5-2012، وفى صفحة التدريب رقم (94) بتاريخ: 13-9-2012، وفى صفحة التدريب رقم (104) بتاريخ: 15-11-2012، وفى صفحة التدريب رقم (126) بتاريخ: 26-9-2013.
* و”الله يديم دولة حسنك” ورد هذا النص فى صفحة التدريب (76) ، نشرة 17-5-2012، وصفحة التدريب (94) نشرة 13-9-2012، صفحة التدريب (104) ، نشرة 15-11-2012
* غيرى على السلوان قادر: وردت فى صفحة التدريب رقم (105) بتاريخ: 22-11-2012