نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 2– 4 – 2015
السنة الثامنة
العدد: 2771
ص 195 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
كان بلا شك أعظمهم طاقة
فهو الذى بنى الاهرامات وزرع الحديقة
المعلقة واقام منارة الاسكندرية
واخترع مصنفات؟((1)) فى كافة نظريات العلم
وتطبيقاته وهو الذى يحتل قمة
الفعل التى يتدفق من عيونها الخير
والشر وهو الذى ننظر من شمالنا
فلا نرى إلا اليأس وننظر من يميننا
فلا نرى إلا الأمل
24/8/ نجيب محفوظ
القراءة:
فاجأنى شيخى اليوم بما لم أستطع أن أصنفه، فلا هو تداعيات طليقة جدا بما يتصادف أن يطفو على وعيه وينساب إلى قلمه،ولا هو جنين مشروع أقصوصة لشيخنا تسخينا لولادة الأحلام، ولا أنا استطعت أن أتبين من “هو” هذا الذى بدأ تداعياته بأنه “كان بلا شك أعظمهم طاقة”!! ثم راح يعدد ماذا فعل بطاقته هذه عبر التاريخ وعبر العالم، يا ترى هل يشير إلى أعظم الأحياء قاطبة؟ أم أنه يشير إلى “الإنسان” عموما على قمة الهرم الحيوى؟ أم إلى أعظم أهل الحضارة؟ أم أعظم المبدعين؟
أنا مشغول هذه الأيام كما كنت دائما وكم حكيت لك بعض ذلك يا شيخى الجليل: بالمخ البشرى وكيف أنه مفاعل للطاقة والمعلومات، وفى نشرة قريبة بينت كيف أن الصحة النفسية تتوقف على قدرة المخ البشرى على تنظيم وتوجيه هذه الطاقة الإيقاعية الحيوية((2)) إلى الوجهة التى خلقها الله لها: أعنى المعنى والإبداع (نشرة:30-3-2015، 1-3-2015)، ونظرا لهذا الانشغال الشخصى فضلت أن أقرأ هذا النص وأنا أتصور أنه يتكلم عن الإنسان الحقيقى، أعجب ما فى الدنيا كما أكرمه ربه بحمل الأمانة ليصنع الحضارة وهو يؤكد ويعمق طبيعته المكرمة التى خلقها الله بها،
هيا نقرأ النص من هذا المنطلق لعله يصلح لذلك:
كان بلا شك أعظمهم طاقة
فهو الذى بنى الاهرامات وزرع الحديقة المعلقة
واقام منارة الاسكندرية
واخترع مصنفات؟؟((3)) فى كافة نظريات العلم
وتطبيقاته وهو الذى يحتل قمة
الفعل التى يتدفق من عيونها الخير
والشر وهو الذى ننظر من شمالنا
فلا نرى إلا اليأس وننظر من يميننا
فلا نرى إلا الأمل
قررت هذه المرة ألا أستشير عمنا جوجل كما أفعل عادة لأعِّرف الناس بما شغل وعى شيخى وهو يسمح لقلمه أن يتجول عبر تجليات وإبداعات الإنسان هكذا وقد فعل كل ذلك، فلم أقتطف شيئا عن “الأهرامات”((4)) ولا عن “الحديقة المعلقة” ولا عن “منارة الإسكندرية”،((5)) وقررت أن أكتفى بأن أحيى اهتمام شيخى بما يسمى “عجائب الدنيا السبع“، مع أنى شخصيا غير مهتم بها، فمن قديم وأنا لا أرى فى الأهرام إلا رمزا لخلود لا أنتمى إليه، وإعلانا لعبقرية هندسية لا تغنينى كثيرا، أما “الحديقة المعلقة” فلا أعرف عنها شيئا (أنظر الملحق) وكذلك منارة الإسكندرية.
أنا هذه الأيام أغوص فى البيولوجيا العصبية والعلم المعرفى العصبى فأجد طريقا ودعما لنظريتى التطورية الإيقاعحيوية ولو بالنسبة لخطوطها العريضة، وقد هدانى هذا إلى ما أعرف وهو أن الإنسان “بمخه أولا” و”جسده دائما” هو أهم عجائب الدنيا، فأنا يا شيخنا إذ أتجول فى المخ البشرى وأصاحبه وأحاوره وأتعرف عليه أفرح أننى بشر، أى والله، وأشعر تماما أن الله فعلا أكرمنى ببشريتى، وقد تأكدت من ذلك من خلال هذه الفرصة الرائعة وأنا أتجول فى رحاب وعيك الطليق هنا مع تداعياتك، وانت خير من يمثل هذا الإنسان المكرم بمخه هذا العجيب، فأتأكد يا سيدى أن الإنسان يمثل فعلا عجيبة الدنيا والآخرة الرائعة، بما يحمل من تاريخ وما يعد من امتداد.
إذن فهذا الذى “هو كان بلا شك أعظمهم طاقة“، وهو العجيبة الأوْلى بالعجب، هو الإنسان – بعد إذن العجائب الثلاثة الأخرى – وهو الذى “اخترع مصنفات فى كافة نظريات العلم وتطبيقاته“، وأتوقف هنا لأذكرك بمناقشاتنا حول تقديسك للعلم الحديث(نشرة:24-2-2011)، وإذا بك الآن تذكرنى بالأمام الشافعى القائل: أنه “ليس العلم ما حُفِظَ العلم ما نفع“، وبمولانا النفرى (نشرة 21-3-2015 حوار مع مولانا النفّرى “124”)، وهو ينهبنا على علاقة العلم بالعمل، وها هو شيخنا ينبهنا إلى العلم الذى تحققه “تطبيقاته”، ثم نقرأ ما يتحقق أوضح حين يصبح العلم عملا وهو يرتبط بتطبيقاته فإذا بنا على “قمة الفعل”.
إذن فالعلم حين يلتحم بتطبيقاته القادرة يقع على قمة الفعل وهذا ما انساب إلى وعى شيخنا فورا قائلا: “وهو الذى يحتل قمة الفعل”.
يذكرنى ذلك بمولانا النفرى مرة أخرى حين يتكلم عن “الوقفة” فى مقابل المعرفة والعلم والحرف.
فيصلنى أن “احتلال قمة الفعل” هو “وقفة” شيخنا التى تعلمناها من مواقف النفرى، هذه الوقفة التى تحوى المعرفة العلم الحرف معاً.
ثم إنى توقفت قليلا قبل أن استطرد وأتصور كيف يتدفق من قمة الفعل كل من الخير والشر، هذا وارد ومفهوم من الأستاذ بالذات، وهو ما أعرفه عنه، لكننى فؤجئت بلمحات استقطاب لم أعهدها فى شيخنا، وقبل أن أتمادى فى تصوّر أنه استقطاب بين “الخير” و”الشر”، انتبهت إلى أنه استقطاب بين “اليأس” و”الأمل”، وهذا جائر فشيخنا من أقدر من عرفت على استيعاب الجدل بين الخير والشر، لكنه بالنسبة لليأس والأمل يضع الأمل على اليمين واليأس على شمال القمة التى يتدفق منها الخير والشر معاً، وكأن الخير والشر بمواصلة الجدل للإبداع يمكن أن يفرزان الأمل الذى هو وقود العلاقة الإيمانية بالحياة، كما أنهما هما أيضا مصدر اليأس إذا ما فشل الجدل فحل التفكيك والتفسخ محل التشكيل وإعادة البناء، وذلك دون المبالغة فى تقديس اليمين ضد الشمال كما يشيع بين المسطحين من المفسِّرين اللفظيين.
الملحق:
– الحديقة المعلقة
حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وحدائق بابل المعلقة نسبت إلى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني، الذي حكم بين العامين 562 و605 قبل الميلاد. وذكر بأن سبب بنائها هو إرضاء زوجته ملكة بابل والتي كانت ابنة أحد قادة الجيوش التي تحالفت مع أبيه والذي بذل الجهد الكبير في قهر الآشوريين.. لذلك قرر نبوخذنصر أن يسكنها في بناء فوق تلال مصنوعة بأيدي الرجال، وعلى شكل حدائق بها تراسات.
– منارة الإسكندرية
أقام بطليموس الثاني فنار الإسكندرية في عام 280 ق.م، حيث تعتبر أول منارة في العالم وبلغ ارتفاع الفنار حوالي 120 مترا ، وكان على جزيرة تبعد قليلا عن مدينة الإسكندرية، وكان المصريون يشعلون النار كل ليلة على قمة الفنار ليحذروا السفن المارة ، هدمها زلزال عام 1375م.
[1] – كتبت بالتقريب.
[2] – The brain is a processor of energy and information
[3] – كتبت بالتقريب.
[4] – الأرجح أنها أهرامات الجيزة لأن ذكرها جاء فى مقدمة بعض عجائب الدنيا السبع
[5] – وسوف ألحق ذلك فى ملحق للنشرة حالا.