نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 18-9-2014
السنة الثامنة
العدد: 2575
ص 169 من الكراسة الأولى
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
صداقة العباسية وصداقة الحرافيش
نحن فى سباق الرابح فيه هو الخسران
أنا ذهبت فى رحلة بانجلترا
نفسى أعيش فى جراند هوس
فى الدور الدائرى ذى الجناحين
الصبر جميل
الصبر طيب
نجيب محفوظ
28/7/1995
القراءة:
كالعادة نشير إلى ما ورد فى النشرات السابقة بالهامش (1) ، أما الجديد فى هذه الصفحة هو كالآتى:
1- صداقة العباسية وصداقة الحرافيش
أما عن صداقة العباسية فأنا لم أسمع منه عنها إلا القدر اليسير، وكان كل ما حكاه ينبض بحس تقديسه للصداقة وكأنها تأتى فى المقام الأول بين كل العلاقات، وأعتقد أن رواية قشتمر كانت تجسيدا بديعا لصداقة العباسية بوجه خاص.
وقشتمر هو ذلك المقهى الصغير في حي العباسية الذى اكتشفه أصدقاء الرواية الخمسة منذ حداثة سنهم، وكان هذا في العشرينات من القرن العشرين.
يقول محفوظ ص 28 “هكذا عرفنا قشتمر في أواخر عام 1923م أو أوائل 1924م “وظلوا يلتقون عليه بصفة شبه يومية إلى أن احتفلوا عام 1985م بعيد ميلاد صداقتهم السبعين في المقهى نفسه.
أن شخصية الراوي هي شخصية نجيب محفوظ نفسه، وهي شخصية لا دور لها سوى الحكي أو القص والتذكر والشهادة على سير الأحداث وتقدمها ووقوعها.
ورغم أن آراءهم افترقت واختلفت حول سعد زغلول وثورة 1919م تبعا لاختلاف آراء أسرهم، فإنهم ظلوا محافظين على صداقتهم ومودتهم، يقول محفوظ ص19:”وشهدنا الأحداث تباعا فطرأ الخلاف بين سعد وعدلي على وحدة الثورة، ووجدنا طاهر في جانب وبقيتنا في جانب آخر،
إن البطل الحقيقي في رواية قشتمر لنجيب محفوظ هو الزمن، فسبعون عاماً عمر الزمن بما يدور فيها من أحداث وتطورات وتغيرات في طبيعة البلد والبشر وحياتهم، هي البطل الرئيسي في هذه الرواية المضغوطة،
وفى رأيى ناقدا أن الزمن هو العمود الفقرى فى معظم إبداعات محفوظ، وقد كتبت عنه فى كل من نقدى لملحمة الحرافيش “دورات الحياة وضلال الخلود ملحمة الموت والتحلق “فى الحرافيش”، وفى مقال دورية محفوظ “حركية الزمن، “وإحياء اللحظة” فى إبداع (أحلام) نجيب محفوظ” (2)، ومقال “مصر فى “وعى محفوظ” عبر قرنين، تتجلى فى:”حديث الصباح والمساء” (3)
نحن أمام فعلين رئيسين في رواية قشتمر التى تكاد تؤرخ لصداقة العباسية إبداعا وتصويرا، الفعلان هما فعل الزمن مقابل فعل الحب والصداقة، وهما وجهان لعملة واحدة عند محفوظ بصفة أساسية”.
أما عن صداقة الحرافيش فقد كتبت عنها ما فيه الكفاية حتى الآن:
ومن ذلك (نشرة 4-3-2010 فى شرف صحبة محفوظ: الخميس: 12/1/1995)
هذه أول مرة أعايش فيها ما هو حرافيش، أو على الأقل ما هو من ريحة الحرافيش، أو ما تبقى من الحرافيش. لا أبدا، ليست بقايا الحرافيش، إذن ماذا؟ يبدو أن الحرافيش هؤلاء ليسوا بالعدد ولا بالأشخاص، يبدو أنها فكرة تجسدت فى واقع فراحت تتشكل وتـُـشكل شخوصها من خلال طقوس محددة، وأماكن لها شاعرية متجددة، تخلّق ناسها كما تشاء، بكل تلك الحيوية والطلاقة والحرية والطفولة والحكمة والأمل.
كما كتبت فى نشرة (نشرة 18- 3 – 2010 فى شرف صحبة محفوظ :الاثنين: 16/1/1995)
“….أننى بانتمائى مؤخرا إلى مجتمع صغير مختلف، بفضل دعوة نجيب محفوظ، هو جماعة الحرافيش أتعلم أشياء أخرى ما كانت تخطر على بالى، ………. حيث تبينت غربتى النسبية،……….”
وفى (نشرة 1-7-2010 فى شرف صحبة محفوظ الخميس: 9/2/1995)
كتبت “….أثناء عودتنا سألته دون تردد: إن هذا هو أول امتحان لى كحرفوش مستجد يقضى ليلة كاملة وحده مع شيخ الحرافيش فهل يا ترى نجحت؟
قال كلاما طيبا أخجل أن أعيده، صدقته كما هو حتى لو كان مجاملة
قلت له ألم يئن الآوان لفتح باب الإلتحاق لحرافيش جدد لتجديد الدم وضمان الاستمرار،
قال إنهم (الحرافيش) ملتزمون جدا فى هذا الشأن، فسكت، وكأنه مازال هناك شىء اسمه الحرافيش، وكأن الأمر يحتمل التزمت أو غير التزمت، لذلك اعتبرت نفسى دائما حرفوشاً احتياطياً يلعب فى الوقت بدل الضائع.
***
2- نحن فى سباق الرابح فيه هو الخسران
حضرتنى قصيدة كتبتها فى أول ديوان لى “سر اللعبة” سنة 1972 قلت فيه ما يصلح فى هذا المقام من التداعيات الطليقة، تحقيقا مفصلا لما جاء فى هذا السياق الذى وصفه محفوظ بأن “الرابح فيه هو الخسران”، وكانت القصيدة بعنوان “حسبة برما”:
حسبة برما
تكسبْ .. تخسرْ
هات العشـْرَهْ.. . هاكَ البصرهْ
خطـِّ العتبهْ.. تمضى اللعبهْ..،
دوراً آخرْ،
ومن الأوّلْ.
-2-
لفَّ الدورهْ .. .. أخفى العوْرَهْ
دارَى السَّرِقَهْ.. .. خدع الفرقهْ
ضرَبَ فأوجعْ.. .. هزَّ المضجَعْ
خسـِرَ الموقـَعْ
كسبَ اللُعبهْ.. .. خسِر الصحبهْ
طلبَ التوبـَهْ.
لمــَّا تـُقبـَلْ.
-3-
ألقـَى ورقهْ …
أبدل ورقهْ
مثلَ الأولَى .. .. مثل الأخرَى
أظهرَ بسمهْ .. .. أعلن إسمهْ
أخفى رسمهْ
رجلٌ أهبـَلْ.
-4-
قرص الزهرهْ .. دارت دورهْ
جاءت دُشـًّا .. فبدا هشـًّا
حبسَ غريمهْ … أكل وليمهْ
قالتْ همساً.. نهربُ يأسًا
ضربتْ لخمهْ
نامت وخـِمـَهْ
ماتتْ تـُخـمـهْ
دورٌ أفشل
-5-
سخـِرَ الهـُمـَزَهْ… ضحـِكَ اللـُّمـَزَهْ
كسـَرَ القـُلـَّه …خسـِرَ الثـُّلـَّهْ
نازَلَ ظـلـَّهْ
غيـَّر جلدَهْ، …ومَضَى وحـْدهْ
مثلَ الأوَّلْ.
-6-
حسبةْ بـِرْما
ساقتْ غنـَمَا
صنعتْ صنـَمَا
ذهبتْ عدماَ
****
3- أنا ذهبت فى رحلة بانجلترا
سبق أن أشرت إلى علاقة شيخنا بالسفر عدة مرات فى تداعياتى السابقة فى تدريباته حتى الآن، وقد فضلت هذه المرة بدلا من الاكتقاء بالإشارة إلى النشرات السابقة التى ذكرت فيها ذلك أن أقوم بالاقتطاف من بعضها ما أرى أنه يحتاج إلى إعادة الوعى به.
متقطف من (نشرة 21-10-2010 فى شرف صبحة محفوظ الأربعاء: 16/3/1995)
“… سأله د. صلاح فضل عن علاقته بالسفر (ربما بمناسبة ذكر سفرى) فحكى الأستاذ لنا بداية هذه العلاقة، وتطورها، وأنه فى صغره كان يتمنى السفر، وينتظره، ويستعد له، وربما تأكد ذلك أيام تلهفه على السفر فى بعثة ما، وأنه فى السفرتين الوحيدتين اللتين سافرهما (قبل السفر الاضطرارى لاجراء العملية): مرة إلى اليمن (أياما معدودة)، وأخرى إلى يوغسلافيا، أيام أن كانت يوغسلافيا يوغسلافيا، سـُرَّ أثناءهما سرورا شديدا، وأحب السفر حبا جما، وكانت الطبيعة فى كلتيهما رائعة مثيرة، لكن الحنين لم يعاوده تلقائيا لإعادة التجربة، وقلت له إنه قد خطر لى يوما تفسيرا لعزوفه عن السفر، لا أذكر أننى أثبته فيما كتبت عنه، وهو أن ذلك يرجع غالبا إلى استغنائه عنه، نتيجة ثراء خياله، وتجدد وجاهزية تفجر وعيه، فهو يسافر فى الداخل بما يغنيه عن سفر الخارج، وداخله ليس داخلا شخصيا ذاتيا مغلقا بقدر ما هو واقع آخر يحتوى كل ما وصله من ناحية، وما أعاد تشكيله من ناحية أخرى حتى لو لم يتجلّ فى إبداعه الظاهر، وأن كثيرين يسافرون ولا يسافرون، إذ يعودون بعد السفر مثلما كانوا: أكثر ثباتا، وألمع صقلا، ووافقنى - تقريبا- وأنا أودعه، وقال لى ترجع لنا بالسلامة أقل صقلا!!
وضحكنا، وفرحت، وقبلته وأستأذنت.”
ما وصلنى هو أنه لم يسافر للخارج إلا مضطرا، وحين يضطر يختار السفر حرا ممتلئا، فهل يا ترى يكون هذا مصداقا لمثلنا العامى “إن فات عليك الغصب اعمله جودة” وهذا المثل تحديدا يعنى أن أخْتَرْ ما اضْطُرِرْتَ إليه! وهل يا ترى كان شيخنا إذا اضطر إلى رحلة خارجية بهذا الحجم لهذا البعد كانت تتحرك فيه رحلاته الداخلية التى أفرزت إحداها – مثلا – أصداء السيرة الذاتية.
4- وأخيرا جاء فى هذه الصفحة: نفسى أعيش فى جراند هوس فى الدور الدائرى ذى الجناحين
وأنا لم يصلنى أبدا خلال عشر سنوات أنه يتمنى أن يعيش فى فندق ولو عشر نجوم، بل لعل العكس هو الصحيح، فهو مصرى طيب بيتـّى الطبع لا يهفو إلى أية رفاهية أو علاقات غير حميمة، ومن فرط استغرابى قرأتها مرة ثانية على أنها بصفة المخاطـَبْ أى:
نفسى تعيش فى جراند هوس فى الدور الدائرى ذى الجناحين
وكأنه يخاطبنى أو يخاطب أى صديق وأكملتها لتـَرى مدى الفخامة ورفاهية المدنية وفرص الأثرياء الخواجات، وكأنه يريد أن يكشف لنا أنه يرغب أن نرى ما رأى فى هذا الفندق فى لندن غالبا، وأن ننبهر مثلما انبهر، وقد وصفه وكأنه يصف قصراً من قصور ألف ليلة “الدور الدائرى ذى الجناحين”، وذلك فقط للفرجة، وربما للسخرية، لكنه لم يرغب أبدا – فى حدود علمى– أن يعيش فى فندق مهما بلغت فخامته، فهو رجل بيتىّ حتى النخاع كما قلت.
[1]- * الصبر جميل، *الصبر طيب
كلمة (الصبر) | صحفة | عددها |
الصبر طيب | 37- 92- 95- 99- 110- 144- 172 | 7 |
الصبر جميل | 2- 13-52- 92- 100- 144- 148-157- 172 | 9 |
[2] – دورية نجيب محفوظ (التاريخ والزمن “قراءات فى الزمن”) العدد الثالث – ديسمبر 2010 المجلس الأعلى للثقافة.
[3] – دورية نجيب محفوظ (نجيب محفوظ والسينما) العدد الرابع – ديسمبر 2011 المجلس الأعلى للثقافة