الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة(96) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة(96) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس :  27-9-2012

السنة السادسة

 العدد:  1854

 M_AFOUZ

 

ص 96 من الكراسة الأولى

بسم الله الرحمن27-9-2012 الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

الأرق‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏العصيان‏ ‏

لا‏ ‏تذهب‏ ‏الي‏ ‏الفراش‏ ‏قبل‏ ‏ان‏

 ‏تنفض‏ ‏عنك‏ ‏آثار‏ ‏النهار

ويل‏ ‏للشجى‏ ‏من‏ ‏الخلي

قصر‏ ‏عليه‏ ‏تحية‏ ‏وسلام

نشرت‏ ‏عليه‏ ‏جمالها ‏الأيام

نجيب‏ ‏محفوظ

7/5/1995

القراءة:

تصادف أن جاء دور هذه الصفحة لأقرأها بعد أن انتهيت مباشرة من كتابة المقال الثانى فى نقد رواية “حديث الصباح والمساء” وقد وددت يا شيخى الكريم أن أقرأه عليك، وهو عن تفاعل وجدل هذه العينة من المصريين تجاه ثوراتهم عبر قرنين من أول ثورتى القاهرة ضد الفرنسيين عامَىْ 1800، 1802، وحتى حركة/ثورة يوليو 1952، وقد جعلنى هذا المقال الثانى استعيد حوارنا حول هذه الرواية الذى ذكرت بعضه فى المقال الأول فى دوريتك الرائعة، وقد أصبح أ.د. حسين حمودة صديقنا رئيس تحريرها، وقد كنت معى يا شيخى طول الوقت، فرحت أشكرك، وأنا أتعلم منك، وأبهر بذاكرتك، وأنحنى لإبداعك، ما هذا؟ كيف جمعت هذه الخيوط جميعا فى كل هذه الإبر معا وأنت تقوم بتطريز هذا الإبداع هكذا؟ كان عمرك بين الخامسة والسبعين والسابعة والسبعين، (صدرت الرواية سنة 1987)، حفظك الله وبارك فيك، ثم يأتى الدكتور مصطفى عبد الغنى – سامحه الله – فى كتابه “نجيب محفوظ الثورة والتصوف” فى الفصل السادس بعنوان “ارحموا الشيخ” فيصفك حول هذا العمر، وهو يأخذ بتلابيب رجاء النقاش قائلا: “… لم يرع السن، سن المتحدث وقد جاوز الثمانين حيث تتلاحق عليه أخطاء السنين فتكاد تحولها (ذاكرتك سيدى) على حد تعبير جبرا إبراهيم جبرا إلى ما يشبه الذاكرة المثقوبة …الخ” ما هذا يا د. مصطفى؟ ما هذا؟ ولعلك شيخى تذكر تعليقى على ما كتبه عنك فى الأهرام ذات يوم، المهم د. مصطفى لم يكن معنا حتى آخر لحظة قبيل أن تغادرنا مؤقتا، ولم يعرف حدة ذاكرتك حتى آخر لحظة، وقد وصف لقاءك بيننا فى نفس السياق وأنك لا تسمعنا ولا تلتفت لما يدور حولك لكبر السن، بأى حق يكتب هذا الكلام وينشره ونحن شهود مازلنا نقرأ ونكتب، ثم انه لم يرك بيننا أبدا ونحن نستلهم ذاكرتك ونعجب بها، سامحه الله وغفر للجميع، ومع أننى اتفقت مع د. مصطفى فى بعض نقاط نقده لكتاب النقاش إلا أننى رفضت استشهاده بشهادتى التى لم تصله بما أردت، ولعله لم يقرأ لاحقا ما سجلته فى مقال النقد الأول لنفس الرواية فى دوريتك (العدد 4 لسنة 2011) عن روعة وتحدى ذاكرتك وأنت تكتب هذه الرواية هكذا يا شيخى الجليل، لقد كتبت كيف تعلمت من هذه الرواية معلومات جديدة عن قوة الذاكرة البشرية وطبيعتها بغض النظر عن السن أو عن الأمراض المتهمة بإضعافها قلت:

خيوط‏ ‏الذاكرة‏ ‏ونسيج‏ ‏الإبداع

“……… الشائع‏ (‏والثابت‏ ‏علميا‏ أيضا) ‏أن‏ ‏الذاكرة‏ ‏تتدهور‏ ‏مع‏ ‏التقدم‏ ‏فى ‏السن‏. ‏وثمة‏ ‏بحوث‏‏، ‏وقياسات‏،‏ ومعلومات كثيرة‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏ذلك‏، ‏بل‏ ‏تثبته‏، ‏وقد‏ ‏لاحظت‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏قد‏ ‏كتب‏ ‏والكاتب‏ ‏عمره‏ ‏حوالى سبع وسبعون ‏سنة‏، ‏وبالقياسات العادية فى هذه السن يحتاج الكاتب لكى ‏يكتب عملا روائيا‏ ‏خطيا‏ ‏مسلسلا‏ ‏طوليا‏ ‏كالعادة‏ ‏إلى ‏ذاكرة‏ ‏تفوق‏ ‏المستوى ‏العادى ‏لشخص‏ ‏فى ‏مقتبل‏ ‏العمر‏، فما بالك ‏إذا‏ ‏كُتِبَ‏ ‏العمل‏ ‏بكل‏ ‏هذا‏ ‏التكثيف‏، ‏والتوفيق‏، ‏والحبكة‏، ‏والتداخل‏، ‏والتبادل‏، والتدقيق؟ ‏لابد وأنه‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏حضور ذاكرة خاصة قادرة‏ ‏أكثر‏ ‏وأكثر‏ ‏مما يحتاجه الحكى الإبداعى الطولى‏، ‏فإذا‏ ‏أضيفت احتمالات‏ ‏تأثير‏ ‏مرض‏ ‏السكر‏ ‏وبعض‏ ‏ارتفاع‏ ‏متقطع‏ ‏فى ‏ضغط‏ ‏الدم‏، ‏فإن‏ ‏الأمر‏ ‏يصبح‏ ‏دعوة‏ ‏إلى ‏إعادة‏ ‏النظر‏ ‏-‏ ‏علميا‏‏-‏ ‏فى طبيعة‏ ‏الذاكرة‏ ونشاطها عند المبدعين خاصة، للتعرف على ما‏ ‏يحافظ‏ ‏عليها هكذا‏ بمرور السن، ‏إن هذا‏ ‏العمل‏، ‏بهذه‏ ‏الصورة‏، ‏فى ‏هذه‏ ‏السن مع‏ ‏هذه‏ ‏الظروف‏ ‏الصحية‏، ‏يقول:‏ ‏إننا‏ ‏نعرف‏ – عامة وعلميا – ‏القليل‏ ‏عن ماهية ما نسميه‏ “‏الذاكرة”، ‏إذ‏ ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تتوجه‏ ‏الذاكرة‏ ‏إلى ‏موضوع‏ ‏له‏ ‏دلالته‏ ‏وغايته المحورية الضامّة عند المبدع خاصة، يظل هذا‏ ‏الشخص‏ ‏محتفظا‏ ‏بما‏ ‏يجعل ‏هذه‏ ‏الوظيفة تقوم بدورها‏ ‏بكفاءة‏ ‏لا‏ ‏تختل‏ ‏لا‏ ‏بالسن‏ ‏ولا‏ ‏بالمرض‏، ‏وقد‏ ‏تأكدت‏ ‏من ‏ذلك‏ ‏وأنا‏ ‏أعاشر الكاتب‏ ‏وأقارن‏ ‏ذاكرته‏ ‏بذاكرتى مثلا، ‏وبذاكرة‏ ‏بقية‏ ‏الحرافيش‏ ‏الأكبر‏ ‏منى ‏سنا‏، ‏وبذاكرة‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏المريدين‏ ‏المحيطين‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏مختلف‏ ‏الأعمار‏، ‏ووجدت‏ أن ‏كاتب‏ ‏هذا‏ ‏النص‏، ‏وهو‏ ‏يقترب من التسعين‏ ‏بسلامة‏ ‏الله‏، ‏هو‏ ‏أقدرنا حفاظا على ذاكرة تفوقنا‏ ‏‏جميعا‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏ظروفه الصحية، ‏وتوقفه‏ ‏الاضطرارى ‏عن‏ ‏القراءة‏ ‏والمتابعة‏، ‏بل‏ ‏حتى ‏عن‏ ‏الاستماع‏ ‏للمذياع‏ ‏أو مشاهدة‏ ‏التلفاز‏ ‏مما‏ ‏كان‏ ‏خليقا ‏أن‏ ‏يخل‏ ‏أكثر‏ ‏بحدة‏ ‏الذاكرة‏، ‏نتيجة‏ ‏لفتور‏ ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏الاستعمال‏.‏

أعلنت مرار، وكتبت، أننى أتعلم معارفى النفسية من الإبداع أكثر مما أتعلمها من المراجع والدوريات النفسية والطبنفسية(1)وفيما يلى بعض ما تعلمته من إضافات وإبداع ما هو ذاكره وما هو “وعى” من هذا العمل بوجه خاص” (انتهى المقتطف)

ثم إنى وأنا أكتب الجزء الثانى من النقد الآن تأكدت – من جديد – من متانة هذه الذاكرة المعجزة حتى آخر لحظة، وتذكرت كم مرة سألت شيخى هذا عن اسم الشيخ الذى تصادم مع د. عبد الرحمن بدوى بالقرب من ميدان الأوبرا وهو الذى حكى لى هذه الحادثة وكنت دائما أنسى اسم الشيخ فيعود الاستاذ يذكرنى به وهو الشيخ كامل عجلان ثم أنساه فيذكرنى به من جديد،!!! الله يسامحك مرة أخرى يا دكتور مصطفى عبد الغنى، وشكرا يا شيخى لهذا العمل المعجزة مرة أخرى، وأرجو أن يعجبك الجزء الثانى من قراءتى النقدية له.

*****

نرجع مرجوعنا إلى صفحة اليوم فنجد أن ما ورد من قبل يشمل: قصر‏ ‏عليه‏ ‏تحية‏ ‏وسلام:  ورد هذا النص فى الصفحة رقم (12) نشرة: 11/2/2010، وفى صفحة التدريب رقم (53)  نشرة : 12-1-2012، وفى صفحة التدريب رقم (75)، نشرة: 10-5-2012، كما وردت العبارتان معاً هكذا: قصر‏ ‏عليه‏ ‏تحية‏ ‏وسلام، نشرت‏ ‏عليه‏ ‏جمالها‏ ‏الأيام فى صفحة التدريب رقم (39)، نشرة: 13-10-2011. فنحيل القارئ إليهما.

 أما ما لم يرد من قبل فهو جديد مثير، ولعل شيخى قد بلغه أنى انتهيت من نقد “حديث الصباح والمساء”، وأصبح فى مقدروى أن أرجع لتدريباته بوقت أرحب قليلا، فلم يبخل علىّ – علينا – بكل هذا الجديد.

أولا:

* الأرق‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏العصيان‏ ‏

* لا‏ ‏تذهب‏ ‏الي‏ ‏الفراش‏ ‏قبل‏ ‏ان‏ ‏تنفض‏ ‏عنك‏ ‏آثار‏ ‏النهار

أما القول السائر “لا تذهب إلى الفراش قبل أن تنفض عنك آثار النهار” فلم يشدنى كثيراً، فأنا عادة لا أنصح بمثل ذلك بهذا الشكل المباشر، وأعتقد أنها نصيحة صعبة التنفيذ فى هذا العصر، وإلا فلن يذهب أىَّ منا إلى الفراش، وفى نفس الوقت أعتقد أن شيخى لم يخطر له هذا المعنى المسطح، وإنما تصورته ينصحنا بأن نفض آثار النهار ليس كما نفض آثار طفية السيجارة فى الطفاية، وإنما بمعنى القدرة على تسليم نفوسنا لبارئها” كما نتعلم من هدى ديننا من دعاء النوم: باسمك ربى وضعت جنبى، وبك أرفعه اللهم إن قبضت نفس فاغفر لها….الخ” هكذا أقر وأعترف أننى أنفض عن نفسى آثار النهار، ولكن ليس باصطناع النسيان أو بقدر من الكبت أو التغافل، وإنما بالاستعداد للولادة الجديدة فالبعث الذى يتأكد بدعاء الاستيقاظ الحامد: “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور”.

أما الجملة الأولى فقد شدتنى فعلا “الأرق نوع من العصيان” إلى ماِ تستحق، وقد فكرت فى هذا القول ووضعت له عدة احتمالات:

فقد يمكن أن يكون عصيانا من النوع الذى أشار إليه الخيام:

 أفـق خفـيف الظل هذا السحر * نادى دع النوم وناغ الوتر

 فما أطال النوم عمرا ولا  *  قصر فى الأعمار طول السهر

  • وقد يكون عصيانا بمعنى رفض الاستسلام لوعى آخر (وعى النوم أو وعى الحلم) غير وعى اليقظة، وكأنه عصيان للإستسلام لدورة الإيقاع الحيوى بين النوم والحلم واليقظة، فيأتى الأرق يؤكد فعل الإرادة المغرورة فى مواجهة هذه الدورة بالتدخل لكسرها.
  • وقد يكون عصيانا بمعنى رفض النوم الهروبى، فيكون إعدادا للمواجهة فالمسئولية.

أذكر جيدا كيف كان شيخى يخشى الأرق بعد الحادث، ولمدة شهور فسنوات، وأننى حين كنت أتأخر عن تزويده بهذا المهدئ البسيط كان يقلق بشكل مبالغ فيه، حتى استطاع أن يستغنى عنه بفضل غيرى، وبقوة تحديه بشكل تلقائى سلسل، ولم أناقشه فى ذلك بل فرحت أنه لم يستشرنى فيه، لأننى كنت سأتردد فى حرمانه منه مع أنه لم يكن يزيد أبدا جرعته، يا ترى هل استطاع أن يروض عصيانه بمرور الأيام فاستغنى عنه؟ ربما! وتعلمت منه وعنه ذلك أيضا.

وأخيرا فإن المثل القائل: “ويل للشجى من الخلى” فقد استجلب عندى تلقائيا أقوالا موازية من تراثنا العامى مثل “خلّ الهم لأصحابه”، وأيضا “عوام ياللى على شط الهوا عوام” وبحره لو تنزله راح يكتر اللوامه”

والشجىّ بالهم هو الذى لم يجد منه مخرجا،(الوسيط)

 أما الخلىّ فهو “الفارغ البال من الهم، قيل “ومن لا زوجة له” (الوسيط)

 وأحسب أن كل هذه المعانى قد حضرت شيخى بشكل ما.

الذى استبعدت أن استشهد به هو تلك الرواية السخيفة التى ذكرت فى التراث عن إمرأة كانت فى زمن لقمان بن عاد وكان لها زوج يقال له الشجى، وخليل يقال له الخلىّ…الخ فقد شعرت أنها رواية مسطحة وبصراحة رجحت أن قد تكون موضوعة… فرفضت الاستشهاد بها واستبعدتها.

ولكنى لم أستبعد حضور شعر الصحابى الجليل الأسود بن أبى الأسود النهدى الذى يقول فيه:

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله . عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
إبدأ بنفسك وانهها عن غيها . فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى . بالعلم منك وينفع التعليم
ويل الخلي من الشجي فإنه . نصب الفؤاد بشجوه مغموم
 

[1] – يحيى الرخاوى “تبادل الأقنعة” دراسة في سيكولوجية النقد، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *