الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (107) من الكراسة الأولى (2)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (107) من الكراسة الأولى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 14-2 – 2013

السنة السادسة

العدد:  1994

 17-1-2013_1

ص 107 من الكراسة الأولى (2)

7-2-2013_2الله – الكريم‏- ‏الصادق-‏ ‏الرحيم‏

 ‏ليك‏ (؟) ‏تحيتى-‏ ‏من‏ ‏هنا‏ ‏الباب‏ ‏المفتوح‏

‏ضربات‏ ‏القلب‏ – ‏والصبح‏ ‏اذا‏ ‏تنفس

‏ (ك.غ)  تأتى‏ ‏من‏ ‏يخلق‏ – ‏الفيوضات‏ ‏

التجليات‏ – ‏النصب‏ – ‏العمل‏ – ‏الجمال‏

اكرام‏ ‏الميت‏ ‏دفنه‏-  (ك.غ)‏ 

ماء‏ ‏الحسين -‏ ‏الجميل‏ ‏توأم‏ ‏الجليل، ‏ ‏حسن‏ ‏هدي‏ ‏نصله‏ ‏وحقيقة‏- ‏الوقت‏-

العلم‏ ‏- الادب -‏ ‏الاخلاق -‏ ‏الفوائد‏ –

‏الحلم -‏ ‏الواقع‏ ‏- نسيج‏ ‏الاحلام

‏ ‏يتنزل‏ ‏الرماة‏ – ‏الصبر‏ ‏طيب‏ – ‏كما انتم كنا وكما نحن تكونون – القبور ‏ ‏مساكن‏ ‏الاحياء‏

‏‏ ‏أشهد أن‏ ‏لا‏ ‏آله‏ ‏الا‏ ‏الله‏ ‏وان‏ ‏محمد‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏ورسوله‏ ‏

نجيب‏ ‏محفوظ

 القراءة:

ما زلنا فى صفحة 107، وأخشى ما أخشاه أن تفعل بى هذه الصفحة ما فعلته صفحة (106) فتأخذ منا خمس نشرات استغرقت شهرا كاملا، لكن تلك الصفحة السابقة كانت “مكتبة الذاكرة” محددة المعالم (تقريبا) ومع ذلك أخذت هذه المساحة، فكيف بهذه الصفحة التى لا أعرف كيف أضع لمحتوياتها عنوانا ولو بالتقريب كما ذكرت الأسبوع الماضى، ماذا أقول حين يضع شيخى هذه الكلمات بجوار بعضها هكذا: “العلم – الأدب – الأخلاق – الفوائد – الحلم – الواقع – نسيج الأحلام” ثم يقفز إلى: “الصبر طيب”، وهو يدعونا إلى زيارة القبور ربما لنتعظ من الذين رحلوا واستقروا بداخلها، وأيضا من ساكنيها من الأحياء، اللهم إلا إن كان قد تجاوز المعنى المباشر لينبهنا إلى أن من فى القبور هم ما زالوا أحياء أيضا، ثم هو يختم بشهادة مليئة بالنبض والجمال، لم يصلنى منها أية توبة أو استجابة للأغبياء الذين كفروه وطلبوا إسلامه من جديد، بل وصلنى منه حضور توحيد رب العالمين ضد كل شرك مهما خفى كدبيب النملة، وحبه الفائق لرسوله القادر الطيب الجميل عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

لقد قفزت يا سيدى على ثلاثة أسطر ما زالت تحتاج منى إلى بحث وصبر وإعادة النظر فى محاولة قراءة ما صعب على، فعلت ذلك متعمدا لأسباب سوف أذكرها لك معتذرا فى النهاية.

المهم، كنت قد توقفت الأسبوع الماضى عند بعض ما استلهمته من كلمة “الفيوضات” لأن ما تلاها مباشرة كانت كلمة “التجليات”، فخفت ألا أعطيها حقها ووعدت بالعودة إليها هذا الأسبوع ، وحين بدأت محاولة الوفاء بالوعد إذا بباب ينفتح على ربما لا أستطيع غلقه بما يلملنى ولو قليلا، ذلك أننى قد بدأت بتجليات الغيطانى، وأنا أعلم حبك له، وحبه لك، وتقديرك لهذا العمل بوجه خاص، وكنت شخصيا قد توقفت عند هذا العمل وشدنى حتى كتبت فيه مسودة نقد بعنوان “تكثيفات الوالدية ووصاية المعقد” ما زالت –للأسف- مسودة حتى الآن، ولكننى استشهدت بها فى أطروحتى عن “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” التى حكيت لك عنها مرارا وتكرارا، بل وجعلت نظريتى هذه مدخلا لنقد أحلام فترة النقاهة ، فقد حقق لى عملك هذا كثيرا مما خطر لى فى فروضى التى لم أكن أتصور أننى سأحظى به أبدا، ولكن دعنى أحكى لك عن سيجموند فرويد، وأنا أعلم أنك تحبه ، وسوف أقتطف مباشرة من كتابه تفسير الأحلام، وأذكر أننى سمعت منك أنك قرأته وتقدره أيضا:

يقول فرويد … ‏بالصدفة‏ ‏فى ‏رواية‏ “‏جراديفا‏. ‏ف‏. ‏يتزن‏”، ‏عثرت على ‏أحلام‏ ‏متعددة‏، ‏خلقها‏ ‏المؤلف‏ ‏خلقا‏، ‏ولكنها‏ ‏كانت‏ ‏مع‏ ‏ذلك‏ ‏صحيحة‏ ‏كل‏ ‏الصحة‏ ‏فى ‏بنائها‏، ‏وأمكن‏ ‏تفسيرها‏، ‏كما‏ ‏لو‏ ‏كانت‏ (‏أحلاما‏) ‏تصدر‏ ‏عن‏ ‏أشخاص‏ ‏حقيقيين‏، ‏ولم‏ ‏تكن‏ ‏من‏ ‏بدع‏ ‏الخيال‏. ‏وقد‏ ‏ذكر‏ ‏لى ‏المؤلف‏ ‏ردا‏ ‏على ‏سؤال‏ ‏من‏ ‏جانبى ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يعلم‏ ‏شيئا‏ ‏عن‏ ‏نظريتى ‏فى ‏الحلم‏. ‏ولقد‏ ‏اتخذت‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التطابق‏ ‏بين‏ ‏مباحثى ‏وخلق‏ ‏الكاتب‏ ‏شاهدا‏ ‏على ‏صحة‏ ‏تحليلى ‏للأحلام‏”(2).‏

وبالرغم من أنك نفيت لنا مرارا أن ما كتبت فى أحلام فترة النقاهة لم تكن أحلاما ترُصد، وإنما هى إبداع متصل بالحلم أو من وحيه، فتعلمت من ذلك المزيد عن الإبداع، وأيقنت فى نفس الوقت بفروضى الت تعتبر الشخص العادى مبدعا لأحلامه فى مستوى ما من الوعى، بالرغم من ذلك إلا أن ما فعلته وما فعله الغيطانى من قبل، ومن قبله فتحى غانم (فى الأفيال) طمأننى ليس فقط على موقفى النقدى بل على موقفى العلمى.

وإليك ما ما جاءنى من تداعيات من كلمة التجليات مقتطفا من أطروحتى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع.

“…ولمزيد‏ ‏من‏ ‏دعم‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏ ‏سوف‏ ‏أقدم‏ ‏بعض‏ ‏الاستشهادات‏ ‏التى ‏رأيتها‏ ‏مناسبة‏ ‏لتحقيق‏ ‏هذا‏ ‏الجزء‏ ‏من‏ ‏الدراسة‏. ‏وسأكتفى ‏فى ‏الانتقاء‏ ‏بالأعمال‏ ‏التى ‏قمت‏ ‏بقراءتها‏ ‏كتابة‏ (‏نقدا‏)، بدءً بالأفيال لفتحى غانم ثم تجليات الغيطانى وأخيرا هامش من مائة عام من العزلة لجارثيا ماركيز، وكلها تعلن تجليات الإبداع أكثر من تجليات الحلم، ولعل هذا ما يعنيه شيخى أيضا.

‏الرواية‏ “‏كنظام‏” ‏الحلم‏:‏

(‏أ‏) ‏نبدأ‏ ‏بأفيال‏ ‏فتحى ‏غانم‏، ‏بما‏ ‏هى ‏نموذج‏ ‏للرواية‏ ‏التى ‏وقعت‏ ‏على ‏الحدود‏ ‏الفاصلة‏ ‏بين‏ ‏حالتين‏ ‏أو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مستويات‏ ‏الوعى. فى ‏الدراسة‏ ‏التى ‏عنونتها‏: “‏الموت‏…‏الحلم‏..‏الرؤية‏، (‏القبر‏/‏الرحم‏) (2)، ‏بيّنتُ كيف أننى ‏رأيت‏ ‏فيها: “.. ‏عملا‏ ‏شديد‏ ‏التكثيف‏، ‏كثير‏ ‏التداخل‏، ‏مفرطا‏ ‏فى ‏الاستطراد‏” ‏وقدرت‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ “‏القبر‏/‏الرحم‏” ‏إنما‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏الطبقة‏ ‏الأعمق‏ ‏من‏ “‏الوعى ‏الفردى‏” ‏و‏ “‏الوعى ‏الجمعى‏” ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏، ‏حيث‏ ‏يسقط‏ ‏الزمان‏ (‏بمعنى ‏التتابع‏ ‏المسلسل‏)، ‏ويسقط‏ ‏المكان‏ (‏بمعنى ‏الحدود‏ ‏والمسافات‏)، ‏فلا‏ ‏تبقى ‏إلا‏ ‏كيانات‏ ‏متقابلة‏ ‏دائرية‏ ‏مغلقة‏، ‏تبحث‏ ‏فى ‏سرية‏ ‏عن‏ ‏نقطة‏ ‏تفجر‏ ‏جديدة‏. ‏وقد‏ ‏ردد‏ ‏الكاتب‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏موقع‏ ‏أن‏ ‏الأحداث‏ ‏تقع‏ ‏بين‏ ‏الصحو‏ ‏والنوم‏: ‏فالكاتب‏ ‏يعلن‏ ‏فى ‏مباشرة‏ ‏غير‏ ‏ضرورية‏ ‏نوع‏ ‏هذه‏ ‏الرواية‏، ‏وهو‏ “‏نوع‏ ‏من‏ ‏الرؤيا‏ ‏التى ‏تفتح‏ ‏أبواب‏ ‏الخبرة‏ ‏الفردية‏ ‏المختزنة‏، ‏وتعيد‏ ‏التأليف‏ ‏بينها‏ ‏فى ‏بنية‏ ‏جديدة‏.

‏ها‏ ‏هو‏ ‏يوسف‏ ‏فى ‏الأفيال‏ ‏يعلن‏ ‏مباشرة‏ ‏ما‏ ‏أوضحناه‏ ‏بشأن‏ ‏الحلم‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏وظيفة‏ ‏معرفية فهو يقول:‏ ‏”‏الخطر‏ ‏الحقيقى ‏أنى ‏مازلت‏ ‏أفكر‏. ‏لقد‏ ‏جئت‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏المكان‏ ‏لأتحرر‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الأفكار‏ ‏التى ‏تتربص‏ ‏بى‏”.‏ إنه‏ ‏هرب‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏العادى ‏إلى ‏تفكير‏ “‏آخر‏”. ‏غير‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الرواية‏ ‏التى ‏تواصلت‏ ‏بكل‏ ‏المقاييس‏ ‏المعروفة‏ ‏لـلحلم‏، ‏وبخاصة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ “‏التكثيف‏” ‏و‏”‏تجاوز‏ ‏الزمن‏ الراتب حتى تلاشيه” ‏و‏ “‏دائرية‏ ‏الحركة‏”، ‏كانت‏ ‏فائقة‏ ‏الحبكة‏. ‏حقيقة‏ ‏كانت‏ ‏خيوطها‏ ‏كثيرة‏ ‏ومتداخلة‏، ‏لكنها‏ ‏خيوط‏ ‏متينة‏ ‏ومتصلة‏، ‏بل‏ ‏شديدة‏ ‏الطول‏ ‏والتعقيد‏ ‏المنظم‏، ‏وهى ‏بهذا‏ ‏الوصف‏ ‏الأخير‏ ‏تبتعد‏ ‏قليلا‏ ‏بل‏ ‏كثيرا‏ ‏عن‏ ‏مستوى ‏الحلم‏ ‏الأعمق‏، ‏حيث‏ ‏إن‏ ‏الكاتب‏ ‏خفف‏ ‏جرعة‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏حلم‏ ‏بنسج‏ ‏روايته‏ ‏فى ‏نسج‏ ‏منمنم‏ ‏متين‏، ‏حبك‏ ‏به‏ ‏التناثر‏، ‏وسلسل‏ ‏الأحداث‏ ‏حتى ‏كادت‏ ‏معالم‏ ‏الحلم‏ ‏تختفى‏.‏

‏(‏ب‏) ‏فإذا‏ ‏انتقلنا‏ ‏إلى ‏تجليات‏ ‏الغيطانى (3) ‏نجد‏ ‏وصفها‏ ‏أنها‏ “.. ‏عمل‏ ‏بين‏ ‏الرواية‏ ‏والسيرة‏ ‏الذاتية‏ ‏والشعر‏”، ‏يضعنا‏ ‏مباشرة‏ ‏فى ‏جو‏ ‏الحلم‏، ‏حيث‏  ‏النائم‏ ‏يرى ‏مالا‏ ‏يراه‏ ‏اليقظان ‏وحيث‏ ‏التفكيك‏ ‏والانسلاخ‏ ‏يعلنان‏ ‏صراحة‏:‏

‏”…‏ففصل‏ ‏رأسى ‏عن‏ ‏جسدى‏” (4)‏…‏ فصرت‏ ‏أنظر‏ ‏إلى ‏جثة‏ ‏نفسى‏…”

‏”‏أصبح‏ ‏لى ‏ظلان‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏كان‏ ‏لى ‏ظل‏ ‏واحد‏…، ‏لكن‏ ‏بدت‏ ‏ذراعى ‏غريبة‏ ‏عنى، ‏خاصة‏ ‏يدى‏”

‏”‏وأنا‏ ‏رأسى ‏مقطوع‏ ‏بلا‏ ‏جسد‏، ‏لكننى ‏رأيت‏ ‏جسدى ‏يمضى ‏أمامى، ‏أمام‏ ‏أبى‏.. ‏يتصل‏ ‏برأس‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏رأسى‏… ‏وحن‏ ‏رأسى ‏إلى ‏جذعى، ‏ورقت‏ ‏هامتى ‏لجذرى‏..” 

هنا‏ ‏نرى ‏قدرة‏ ‏التحمل‏ ‏الإبداعى ‏لمواجهة‏ ‏تفكيك‏ ‏فعلى ‏لصورة‏ ‏الجسد‏ (‏بل‏ ‏للجسد‏ ‏إذ‏ ‏هو‏ ‏كيان‏ ‏داخلى‏)، ‏مما‏ ‏لا‏ ‏يحدث‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏المراحل‏ ‏الأولى ‏المقابلة‏ ‏لتنشيط‏ ‏الحلم‏. ‏لكن‏ ‏المبدع‏ ‏الذى ‏يتحمل‏ ‏مواجهة‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏المبكرة‏، ‏فيستطيع‏ ‏أن‏ ‏يحتويها‏ ‏فى ‏نسيج‏ ‏أكبر‏، ‏هو‏ ‏غير‏ ‏من‏ ‏يسارع‏ ‏بضمها‏، ‏أو‏ ‏رتقها‏ ‏بخيال‏ ‏مفكر‏ ‏أكثر‏ ‏منه‏ ‏مبدعا‏. ‏على ‏أن‏ ‏التجزئ ‏كان‏ ‏أحد‏ ‏صور‏ ‏التفكيك‏ ‏المكررة‏، ‏لكن‏ ‏ثمة‏ ‏إعلان‏ ‏لنوع‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏التفكيك‏ ‏حيث‏ ‏تتباعد‏ ‏الكيانات‏ ‏مستقلة‏:‏ “‏كأنى ‏قسمت‏ ‏إلى ‏عدة‏ ‏أشخاص‏ ‏يحركهم‏ ‏عقل‏ ‏واحد‏…”

وتبلغ‏ ‏درجة‏ ‏التكثيف‏ ‏أكثر‏ ‏ما‏ ‏تبلغ‏ ‏فى ‏تعدد‏ ‏الكيانات‏ ‏الوالدية‏، ‏التى ‏ظلت‏ ‏تحيط‏ ‏بالغيطانى ‏وتباركه‏ ‏طوال‏ ‏التجليات‏، ‏بل‏ ‏إنى وجدت أن ‏ ‏وثوقه‏ ‏من‏ ‏دعم‏ ‏هذه‏ ‏الكيانات‏ ‏الوالدية‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏سمح‏ ‏له‏ ‏بالتجلى ‏دون‏ ‏خوف – معوق‏-‏ من‏ ‏شدة‏ ‏التناثر‏، ‏وكانت‏ “‏الكيانات‏ ‏الوالدية‏” ‏جماعا‏ ‏من‏ ‏الأب‏ ‏الفعلى (‏والد‏ ‏بالدم‏) ‏و‏”‏عبد‏الناصر‏”، “‏وإبراهيم‏ ‏الرفاعى‏” ‏و‏”‏محيى ‏الدين‏ ‏بن‏ ‏عربى‏”، ‏ثم‏ “‏الحسين‏” ‏و‏”‏السيدة‏ ‏زينب‏”….‏وغيرهم‏.‏

وأخيرا‏ ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏الزمن‏، ‏طوال‏ ‏أغلب‏ ‏التجليات‏، ‏هو‏ ‏الزمن‏ ‏المتجاور‏، ‏الذى ‏أشرنا‏ ‏إليه‏، ‏وبالنص‏:‏

‏”‏فكيف‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏التجليات‏ ‏حيث‏ ‏تتجاور‏، ‏وتتضفر‏ ‏البدايات‏ ‏والنهايات‏…”.‏

‏”..‏عرفت‏ ‏وأنا‏ ‏أدنو‏ ‏من‏ ‏أبوابها‏ ‏أن‏ ‏الليل‏ ‏لايلج‏ ‏النهار‏ ‏هنا‏، ‏وأن‏ ‏الأوقات‏ ‏لاتتغير‏ ‏كما‏ ‏عهدت‏، ‏وإنما‏ ‏تتجاور‏ ‏متتالية‏…”

وأحيانا‏ ‏يعلن‏ ‏دوران‏ ‏الزمن‏ ‏مباشرة‏:‏

‏”‏تدور‏ ‏الأيام‏ ‏فى ‏الأسابيع‏، ‏والأسابيع‏ ‏فى ‏الشهور‏…”(‏لاحظ‏ ‏حرف‏ “‏فى‏”)‏

وتصبح‏ ‏الأماكن‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏المتجلى ‏معا‏:‏

‏”‏فرحلت‏ ‏إلى ‏عدة‏ ‏أماكن‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏واحد‏” .ويستمر‏ ‏التكثيف‏ ‏الحلمى. ‏وتستمر‏ ‏معالم‏ ‏الحلم‏ ‏وتشكيلاته‏ ‏طوال‏ ‏التجليات‏، ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏حين‏ ‏يقترب‏ ‏الكاتب‏ ‏فى ‏حماسة‏ ‏عالية‏ ‏الصوت‏ ‏من‏ ‏تحيزاته‏ ‏العقائدية‏، ‏فتغلب‏ ‏الخطابة‏، ‏ويتوارى ‏الحلم‏ ‏كثيرا‏ ‏أو‏ ‏قليلا‏.‏

(جـ‏) ‏تمثل‏ “‏مائة‏ ‏عام‏ ‏من‏ ‏العزلة‏” (‏جابرييل‏ ‏جارثيا‏ ‏ماركيز‏) (5) ‏مزيجا‏ ‏متوازنا‏ ‏من‏ ‏قوانين‏ ‏الحلم‏ ‏وقوانين‏ ‏اليقظة‏، ‏يتمثل‏ ‏ذلك‏ ‏مثلا‏ ‏فى ‏حضور‏ ‏الموتى، ‏وإحيائهم‏، ‏فى ‏مقابل‏ ‏وقائع‏ ‏الحرب‏ ‏والزواج‏ ‏المحددة‏، ‏كما‏ ‏يتمثل‏ ‏فيما‏ ‏أسماه‏ ‏س‏. ‏سيجر‏: ‏الزمن‏ ‏الحسابى ‏فى ‏مقابل‏: ‏زمن‏ ‏الذاكرة (6)، ‏وهذا‏ ‏مايقابل‏ ‏ماسبق‏ ‏أن‏ ‏أشرت‏ ‏إليه‏ ‏تحت‏ ‏اسمى “‏الزمن‏ ‏التتابعى‏” ‏فى ‏مقابل‏ “‏الزمن‏ ‏الترابطى (‏المتداخل‏)”.‏

من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى: ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏الرواية‏ ‏تؤكد‏ ‏معنى ‏الواقعية‏ ‏كما‏ ‏حددناه‏ ‏هنا‏، ‏مما‏ ‏أسميناه‏: ‏الواقعية‏ ‏البيولوجية‏، ‏يعلمنا ماركيز‏ ‏مثلا كيف: “‏أن‏ ‏الموتى (‏ملكيادس‏، ‏أو‏ ‏برودينسو‏ ‏أجويلار‏) يظلون ‏أحياء، ‏فوجودهم بوصفهم‏ ‏معلومات‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏هو‏ ‏كيان‏ ‏قابل‏ ‏للتنشيط‏، ‏فهو‏ “‏حقيقة‏ ‏بيولوجية‏ (‏ليس‏ ‏ذكرى ‏تجريدية‏) ‏تظهر‏ ‏فى ‏الحلم‏” ‏كما‏ ‏تظهر‏ ‏فى ‏الإبداع‏ ‏الروائى ‏بنفس‏ ‏الوضوح‏ ‏والمباشرة‏ (7). ‏كذلك‏ ‏فإن‏ ‏تعامل ماركيز مع‏ ‏الأشياء‏ ‏باعتبارها عوالم‏ ‏حية‏، ‏هو‏ ‏أيضا‏ ‏من‏ ‏القبيل‏ ‏نفسه‏. ‏لكنى ‏أقتطف‏ ‏هنا‏ ‏مقطعا‏ ‏هاما‏ ‏يعلن‏ ‏قدرة‏ ‏الكاتب‏ ‏على ‏التعرف‏ ‏على ‏المخ‏، ‏من‏ ‏الداخل‏، ‏بشكل‏ ‏عيانى ‏مباشر؛ ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏الحلم‏ ‏دون‏ ‏حكايته‏ ‏عادة‏. ‏وقد‏ ‏أسقطه‏ ‏جارثيا‏، ‏محتوى ‏ووظيفة‏، ‏إلى ‏الخارج‏، ‏مجسدا‏ ‏فى ‏الواقع‏، ‏وذلك‏ ‏حين‏ ‏أصاب‏ ‏القرية‏ ‏وباء‏ ‏الأرق‏، ‏وماترتب‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏مضاعفات‏ ‏فقدان‏ ‏الذاكرة‏، ‏وتعليق‏ ‏لا‏ ‏فتات‏ ‏للتعرف‏…‏ إلخ‏ ‏حتى ‏رأيت‏ ‏جارثيا‏ ‏وكأنه‏ ‏يتجول‏ ‏فى ‏كواليس‏ ‏المخ‏ ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏كيانات‏ ‏حية‏ ‏متحركة ‏ ‏فى ‏أنحاء‏ ‏البيت‏.، يقول:

‏”‏وأخذوا‏ ‏يرون‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الهلوسة‏، ‏وضوح‏ ‏الرؤية‏ ‏المخيف‏ ‏للصور‏ ‏التى ‏تكون‏ ‏أحلامهم‏… ‏بل‏ ‏أخذ‏ ‏كل‏ ‏منهم‏ ‏يرى ‏صور‏ ‏أحلام‏ ‏الآخرين‏ ‏حتى ‏لكأن‏ ‏البيت‏ ‏امتلأ‏ ‏بالزوار‏….”.

……….

شيخى الكريم

هل تغفر لى هذا الهرب  المشروع، لأننى لابد أن أتم الآن مقالا افتتاحيا سألقيه غدً فى “مؤتمر قسم الطب النفسى الدولى السادس” المنعقد بكلية الطب قصر العينى جامعة القاهرة “إلى أين يتجه الطب النفسى؟ التعليم والممارسة” فى الفترة من 14 إلى 16 فبراير 2013.

وأنت تعرف صعوبة موقفى من هذا الموضوع تجاه زملائى الأفاضل.

هل سامحتنى على كسلى؟

نعم؟

ربنا يخليك.

[1] – هامش‏ ‏أورده‏ ‏فرويد‏ ‏فى “‏تفسير‏ ‏الأحلام‏” ص 127 (‏الطبعة‏ ‏المترجمة‏ ‏نفسها‏). ترجمة مصطفى صفوان ومراجعة مصطفى زيور – دار المعارف.

[2] – يحيى ‏الرخاوى: قراءة‏ ‏فى ‏أفيال‏ ‏فتحى ‏غانم “‏الموت‏، ‏الحلم‏، ‏الرؤيا‏ (‏القبر‏/‏الرحم) من  ‏ ‏(‏ص‏108-136)- عدد‏ ‏يوليو‏ 1983 – مجلة الإنسان‏ ‏والتطور.‏

[3]- يحيى ‏الرخاوى: “‏تكثيفات‏ ‏الوالدية‏.. ‏ووصاية‏ ‏المعتقد‏ ‏فى ‏تجليات‏ ‏الغيطانى” (‏دراسة‏ ‏لم‏  ‏تنشر‏).‏

[4]- جمال‏ ‏الغيطانى “‏كتاب‏ ‏التجليات” ص21- ‏دار‏ ‏المستقبل‏ ‏العربى ‏القاهرة. (‏قراءة‏ ‏نقدية‏ ‏لم‏ ‏تنشر‏).‏

[5]- جابريل‏ ‏جارثيا‏ ‏مركيز “‏مائة‏ ‏عام‏ ‏من‏ ‏العزلة”‏  ‏ترجمة:‏ ‏سامى ‏الجندى، ‏إنعام‏ ‏الجندى. ‏دار الكلمة (1980) – بيروت. (‏دراسة‏ ‏نقدية‏ ‏لم‏ ‏تنشر‏).‏

[6]- سيزار‏ ‏سيجر‏: “‏استدارة‏ ‏الزمن‏ ‏عند‏ ‏جارثيا‏ ‏ماركيز‏” ‏ترجمة:‏ ‏اعتدال‏ ‏عثمان “ص82” (‏المجلد‏ ‏الأول‏- ‏العدد‏ ‏الثالث‏- ‏أبريل‏ 1981- مجلة فصول) ‏وهذا‏ ‏الاصطلاح‏ ‏ينبغى ‏مراجعته‏ ‏لأنى ‏متحفظ‏ ‏على ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏الذاكرة‏ ‏هنا‏. إن ‏مدرسة‏ “‏العلاقة‏ ‏بالموضوع‏” ‏تفرق‏ ‏بين‏ ‏الذاكرة‏ ‏والموضوع‏ ‏الداخلي‏، ‏وهى ‏تفرقة‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏علاقة‏ ‏بالبيولوجى، حيث أن هذه المدرسة تهاجم حتى بيولوجية فرويد الغرائزية المتواضعة، ‏ولكنى ‏أستفيد‏ ‏من هذه التفرقة ‏ ‏لأنبه‏ ‏على ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏ذكريات‏ ‏تتداخل‏، ‏بل‏ ‏هى ‏واقع‏  موضوعات، ثم أختلف مع ميلانى كلاين ولو فى التسميات، فالموضوعات عندى كيان بيولوجى حى  بالمعنى الأوسع لما هو بيولوجى.(أنظر هامش 4)

[7]- يحيى ‏الرخاوى: ‏العزلة‏ ‏والخلود‏ ‏ودورات‏ ‏الزمن‏ ‏فى “‏مائة‏ ‏عام‏ ‏من‏ ‏العزلة‏” ‏قراءة‏ ‏لم‏ ‏تنشر‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *