الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (107) من الكراسة الأولى (1)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (107) من الكراسة الأولى (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 7-2 – 2013

السنة السادسة

العدد: 1987

17-1-2013_1 

صفحة 107 من الكراسة الأولى

7-2-2013_2الله – الكريم‏- ‏الصادق-‏ ‏الرحيم‏

 ‏ليك‏ (؟) ‏تحيتى-‏ ‏من‏ ‏هنا‏ ‏الباب‏ ‏المفتوح‏ ‏ضربات‏ ‏القلب‏ – ‏والصبح‏ ‏اذا‏ ‏تنفس

‏ (ك.غ)  تأتى‏ ‏من‏ ‏يخلق‏ – ‏الفيوضات‏ ‏التجليات‏ – ‏النصب‏ – ‏العمل‏ – ‏الجمال‏

اكرام‏ ‏الميت‏ ‏دفنه‏-  (ك.غ)‏  (1) .

ماء‏ ‏الحسين -‏ ‏الجميل‏ ‏توأم‏ ‏الجليل، ‏ ‏حسن‏ ‏هدي‏ ‏نصله‏ ‏وحقيقة‏- ‏الوقت‏ – العلم‏ ‏- الادب -‏ ‏الاخلاق -‏ ‏الفوائد‏ –

‏الحلم -‏ ‏الواقع‏ ‏- نسيج‏ ‏الاحلام  ‏ ‏يتنزل‏ ‏الرماة‏ – ‏الصبر‏ ‏طيب‏ – ‏كما انتم كنا وكما نحن تكونون – القبور ‏ ‏مساكن‏ ‏الاحياء‏ ‏‏ ‏أشهد أن‏ ‏لا‏ ‏آله‏ ‏الا‏ ‏الله‏ ‏وان‏ ‏محمد‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏ورسوله‏ ‏….. نجيب‏ ‏محفوظ

 

 القراءة:

ألم أكد أنتهى من “الصفحة المكتبة” (106) بعد شهر كامل من الاجتهاد، حتى فوجئت بهذه الصفحة “الذكر/الوَجْد/الفعل/القيم/الحياة..!!” ما هذا الاسم المكثف الذى لم ينته فى مقابل الاسم الخفيف “الصفحة/المكتبة”؟؟ حاولت أن أجد كلمة واحدة بدلا من هذه الكلمات فلم أستطع!

 ما الذى جرى يا شيخى الجليل، لَمْ تبدأ هذه الصحفة مثلما عودتنا بالبسملة التى لم تغب إلا فى 17 صفحة طوال الـ 106 صفحة، ولا بكتابة اسم كريمتيك العزيزتين، ولا اسمك، بل بدأت  بحلقة ذكر: “الله” “الكريم” “الصادق” “الرحيم”، توقفت وأخذت أردد “الله” “الكريم” “الصادق” “الرحيم” “الله” “الكريم” “الصادق” “الرحيم”، بعد إصابتى فى العمود الفقرى مؤخرا، وقبلها بعد إصابة ركبتى بالخشونة رحت أمارس العلاج الطبيعى كما وصفه لى الأخصائيون لمدة ساعة وبعض ساعة و كذا وكذا فى اليوم، ولأنى لا أحب النظر فى الساعات رغم وسوستى بالنسبة للمواعيد، إلا أن التكليف بعمل ما فى مدة محددة يخنقنى، فتحايلت على الأمر واخترت من أسماء الله ما لم أعرف سر اختيارى لها، أكرر كل واحد منها مائة مرة وأنا أمشى المسافة المقررة، حتى ينقضى الوقت المقرر، الأسماء الحسنى التى حضرتنى لأكررها لم أعرف كيف جاءتنى دون غيرها، وهى: “الله”  “حى” “أحد” “صمد” “حكيم” “رحيم” “رازق” “شافى” “قيوم” “قادر” “لطيف” “خبير” “جميل” “بديع” “رحمن” “قريب” “جامع” “مانع” “قابض” “باسط”، هكذا فقط، رحت أتأمل بداية الذكر فى هذه الصفحة “الله” “الكريم” “الصادق” “الرحيم”، ولم أسترسل لأتساءل لماذا هذه الأسماء دون غيرها، لأن الاجابة جاءتنى كما أجبت على نفسى: “هكذا فقط”.

ثم ها هو شيخى يقدم التحية إلى شخصٍ ما، لا!!!، الأرجح أنها إلى رب العالمين، ألا نختم صلاتنا بـ “التحيات لله، والصلوات الطيبات” فينفتح الباب إلى القلب مباشرة، ثم هانحن نجد أنفسنا فى حضن الطبيعة فى هذا التصوير الشديد الجمال “والصبح إذا تنفس”

أتوقف هنا قليلا أمام ضربات القلب  ويحضرنى الإيقاع الحيوى الذى تكشف لى كأساس لكل الحياة من خلال دراستى الفسيولوجية لضربات القلب، ثم إيقاعات الحلم/النوم “نوم الريم” تناوباً مع النوم غير الحالم، ثم دورات الحياة كلها، وأتامل: فِحضرنى إيقاع ضربات القلب فى إشراقة الصبح وهو يتنفس، فلا أقف عند التنفس بالمعنى الحرفى، وإنما أنتقل مع شيخى وأنا أتذكر عَدْوِى فى الصباح الباكر مع مرضاى سنين عددا، وإصرارى على أن نبدأ قبل الشمس بكثير لتطلع علينا ونحن نعرق، وكنا أحيانا نبدأ  بُعيْد الفجر، فنعيش هذه الفترة الخاصة جدا فى حوارٍ مع الطبيعة حتى تبزغ الشمس ونسبّح ونحن نجرى، ونحن نمشى، مشيا قويا ثم نتمايل ونسبح رقصا وحمدًا، ونوثق علاقتنا بحبات الرمل وأسفلت الشارع وتشكيلات السحاب وعباءة السماء الزرقاء المتماوجة وطزاجة هواء هذه الفترة وهى تجدد خلايانا مباشرة، أتذكر كل هذا وأعيد التعرف على معنى “الصبح إذا تنفس” دون الحاجة إلى وصاية ممن “حدّثنا” ..شكر الله لهم وجزاهم بنواياهم خيرا”، فإذا جاءت آية “الصبح إذا تنفس” بعد “الليل إذا عسعس” وصلتك الرسالة دون حاجة بك حتى أن تنظر فى معجم لتسأله عن معنى كلمة “عسعس” أصلا.

ثم ينقلنا شيخنا إلى كلمة غير مقروءة (..ينك ) ثم نأتى (أو تأتى) “من يخلق” ثم “الفيوضات”، ولا أتوقف عند “من يخلق” ولا ما إذا كانت “نأتى” أو “تأتى” لأتصور أن هذه الخلفية الشاعرية فى هذا الوقت بالذات هى اكثر الأوقات والأجواء دعوة للخلق والإبداع، فأنتقل مباشرة إلى “الفيوضات”.

“الفيوضات” هى من “فيض” والفيض الكثير الغزير، ورجلٌ فيض كثير الخير، وأمطرت السماء فيضا: مطرا غزيرا ومنه فيضان النيل، فاض الماء أى كَتُر حتى سال على ضفة الوادى.

أما فيض الله فهو عطاؤه

والموسم الفيض الربيع الذى تتفتح فيه الأزهار وتتدفق العصارات

 لكن للفيض معنى مهم آخر بالنسبة لى هذه الأيام: “فالفيض الموت”، “وفاض الرجل مات”.

العلاقة بين كل هذه الأبعاد التى تتحفنا بها لغتنا العبقرية، وبين حضور هذه الكلمة “الفيوضات” بعد كل هذا المشوار، وقد وصلنا صفحة :107″، تقترب منى، يستحيل أن نزعم أن كلمة واحدة فى كل هذه الصفحات قد جاءت بالصدفة، فما بالك بكلمة “فيض” وقد وصلتنى بكل دلالاتها السالفة الذكر من هذا الرجل العابد الطيب المبدع الفريد؟ فقد وصلتنى من بُعد الإبداع، ومن بُعد “نظرية الفيض” ليحضرنى جمع من الفلاسفة أحبهم مع أننا لم نستفد من فضلهم بالقدر الكافى، كما وصلتنى بمعنى ما فاض به هذا الرجل علينا من إبداع غامر ليس أقل أهمية ولا دلالة من فيضان النيل.

وأخيرا وصلتنى لأربط بين الموت بالمعنى الجديد الذى أعيشه هذه الأيام وبين كل من فيض الإنارة وفيض الإبداع.

نظرية الفيض تقول بأن الموجودات نشأت من الواحد الثابت مثل الفيض كما يصدر النور عن الشمس تلقائيا.. ويكون الفيض بطريقة تسلسلية بحيث تتوالد عن بعضها الموجودات من بعضها البعض من العقل الأول (الله) فالعقول الثمانية تباعا تمثل المرتبة الثاتية أما المرتبة الثالثة فيوجد العقل الفعال فى الإنسان، والنفس فى المرحلة الرابعة، المرتبة الخامسة الصورة .. الخ … الفاعل الله هو الذى يفيض، يكون دائم الوجود ليفيض بجميع الموجودات عن مبدأ واحد، وهكذا الفيض يحمل معنى الصيرورة.

النظرية وصفها أصحاب الأفلاطونية المحدثة (أفلوطين) كما ظهرت ملامحها أو ملامح موازية لها عند الفارابى وابن سينا وإخوان الصفا، لكن نقدها ابن تيمة حتى شجبها، وقد جاء فضل شيخى الآن أن عرفنى بسرعة عليها حتى رفضتُها بكل وضوح، برغم فرحتى بما جاء بها عن الصيرورة وعن “تعدد العقول” الأمر الذى يهمنى شخصيا فى كل الممارسة المهنية كما فى كدحى إلى المعرفة القصوى نحو الذى ليس كمثله شىء مما لا يطال، نعم رفضت هذه التدريبات العقلية الصرفة مهما بلغ ممارسوها من ذكاء وحسن نية، فأنواع العقول التى قدمتها مرارا كما عرفنا لنا دانيال دينيت هى الأقرب لى، ولا أدعى أنها الأقرب لشيخى، لكننى أكاد أكون على يقين أن الفيوضات التى قفزت فى هذه الصفحة لا ترفض أنواع عقول قدمها “دينيت”، وهى أيضا تتحفظ معى على مراتب عقول هؤلاء الفلاسفة العظام، الأرجح عندى والأقرب أن يكون نجيب محفوظ الذى أحال الفلسفة إلى إبداع روائى، وقدّم الإيمان وتاريخ البشرية فى نفس الثوب الإبداعى دون أن يبعد عن عمق الفلسفة، ثم فاض علينا ومازال يفيض بكل هذه الإشراقات والأنوار، أقول الأقرب هو أن تكون هذه الكلمة هى إشارة إلى هذا التدفق الهائل من الوعى البشرى الفائق الذى يمثله إبداع شيخى بوجه خاص، متناغما مع فيض الكون تحت مظلة الرحمن “الوَسِعَ كرسيه السماوات والأرض”، فيجرى الإبداع الفيض سواء كان إبداعا قصصيا أو روائيا، أم إبداع من يحيط به من البشر كما أسميته “إبداع حى <==> حى” (فى صحبة نجيب محفوظ: حين يصبح الوجود إبداعاً حياً)، وكنت ومازلت أعنى به أنه ما من جلسة يحضرها مع شيخنا أحدنا وهو يحافظ على فتح ولو بعض مسام حسّه (وليس بالضرورة فكره) إلا ويخرج منها مختلفا بشكل أو بآخر، وهل الإبداع غير ذلك؟

أما احتمال أن يحمل هذا اللفظ (فيض) مضمون الموت أيضا، فقد ذكرنى كيف صرّح شيخى أنه “يحب الموت” كما يحب الحياة، لأنه يحب الله وقربه، فهو احتمال لا أستبعده، لكننى لا أرجحه فى هذا المقام بالذات مع أنه جاء وفى نفس الصفحة مما قد نناقشه فيما يتعلق بما جاء لاحقا: ونحن نقرأ “إكرام الميت دفنه”، ومع أننى أتعامل مع الموت حاليا من منطلق الوعى ونقلاته ومستوياته إلا أننى آمل ألا أحمِّل كلمة الفيوضات هنا أكثر من هذا لأنتقل إلى الكلمة التالية:

الكلمة التالية فى هذه الصفحة التى لا أدرى إلى متى تمتد هى “التجليات”، وهذا قد يدعم ما ذهبت إليه فى قراءتى لكلمة “الفيوضات”، ويسمح لى أن أؤجل الحديث عن “التجليات” إلى الأسبوع القادم، و”طول العمر يبلغ الأمل”، (طولة العمر تبلغ الأمل!).

شكرا يا شيخنا

ومازلتَ تعلمنا دائما أبدا.

ملحوظة: لم أشر ولن أشير اليوم إلى ما سبق وروده فى الصفحات السابقة مؤجلا ذلك مع استكمال الصفحة، وللدراسة الشاملة، حسب ما سنرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *