نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس 20 – 6 – 2013
السنة السادسة
العدد: 2120
ص 112 من الكراسة الأولى
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
الصدق منج
الأمانة لمن يحملها
يا منجى من المهالك
يا رب يا محسن
الإحسان من القلوب
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
25/5
القراءة:
هل عرفت يا شيخى الكريم ما أنا فيه هذه الأيام فأهديتنى هذه الصفحة أخيرا لألتقط أنفاسى دون أن أشعر بالتقصير نحوك، صفحة بها اسمك سبع مرات والعجيب أنها بدأت بدون البسملة أو الاستعاذة، وهذا ليس له أية دلالة سلبية عندى، فكل شهيق عندك بسملة وكل زفير استعاذة، فإذا أضفنا اسمك الذى ورد مع اسمىْ كريمتيك أصبح العدد تسعة: ما الذى حدث بالضبط؟، بعد أن غمرتنا فى الصفحة السابقة بهذه القصيدة من الأعلام والمشاهير والمبدعين “ص 111” رجعتَ إلى “نجيب محفوظ” لتبدو الصفحة هذه المرة مثل الشجرة الباسقة، ويبدو اسمك وكأنه أزهارها. لم يبق بعد ذلك سوى أربع جمل أو حكم أو مصطلحات:
“الصدق منج” وقد وردت باكرا فى (صفحة “8” نشرة: 28-1-2010) حيث قلت عن ذلك:
“..مدح الصدق بأنه مـُنْجٍ كما شاع عند الغالبية هو أقل من قيمة الصدق الذى ينتمى إليه هذا الرجل، …….، أكتفى الآن بأن أبين كيف أن ما وصلنى منه يبرر أن أقرر أنه لا يعنى – هنا – النجاة من مأزق، أو أن الصدق هو الطريق الأسهل لحل المشاكل مما لو كذبنا، وأشياء من هذا القبيل، غلب على ظنى أنه يعنى أيضا، وربما أصلا: الصدق مع النفس، نعم، الصدق مع النفس ينجى الواحد منا من أن يكون غير نفسه.
حين أمارس النقد فى إبداعه (وكان آخر ذلك تلك الدراسة المقارنة التى أشرت إليها فى الحلقة قبل الماضية بين (“سيميائى” كويلهو، ورحلة “ابن فطومة”) أقف أمام عبارة واحدة من كتاباته وصفا أو حوارا، وأشعر أنها المثال النموذجى لما هو صدق،………، اشعر أن هذه الجملة صادقة من حيث أنها تفيد ما يريد توصيله بلا زيادة ولا نقصان، فهو صادق حين كتبها بهذا الإحكام، وفى هذا ما يجعلها تصل إلى متلقيها بما تحمل بالضبط. ( فهى النجاة).
أما ما ورد عن الأمانة هنا فقد تغيرت الصيغة من “حمل الإنسان الأمانة” إلى “الأمانة لمن يحملها” ولم أستطع أن أساوى بين التعبيرين، فالإنسان الذى حمل الأمانة بكل المعانى التى أوردناها سابقا فى قراءة (صفحة “38”نشرة: 6-10-2011) وفيها قلت:
“…. خلاصة ما وصلنى من الأستاذ خلال سنواتى العشرة معه هو هذا المعنى الذى تميز به الإنسان برغم احتمال جهله وظلمه لنفسه وهو المعنى الذى أشرت إليه حالا، والذى أكرره الآن: “الوعى، والوعى بالوعى، والحرية، والعقل بل العقول، والإرادة، والمشاركة فى مسيرة التطور”، … إلى أن قلت: إن لم يقم الإنسان بهذه المسؤليات بحقها فهو يعلن بذلك أنه لم يفهم معنى ولا حجم الأمانة التى عرضها ربنا على السماوات والأرض والجبال، وبذلك فهو جهول، قد ظلم نفسه بجهله فراح يحمل ما لا يعلم حقيقة أبعاده، ولا يقدر على ثمنه.
حين كان الإنسان جهولا باعبأئها ومسئولياتها ظلم نفسه، هل يا ترى إذا استمر فى جهله وفشله فى حملها سوف يعطيها ربنا لمن هو أحسن منه كما كتب شيخنا “الأمانة لمن يحملها” فيأتى بخلق جديد. (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ “
…..
ثم ننتقل إلى الجديد فى هذه الصفحة نبدأ بجملتين “يا منجى من المهالك”، “يارب يا محسن”، لم أجد فى نفسى ميلا أن أفصل هاتين الصفتين عن بعضهما وكأنى أردت أن يصلنى أن إحسان ربى بى وبه وبنا هو أن ينجينا من المهالك، والإحسان من الله رحمة وإتقان، وحين نقول: “إن الله محسن يحب الإحسان”، و”إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته”، فنحن نردد ثقافة الاسلام الأصل كما بينها رسوله عليه الصلاة والسلام،
أما الإحسان من العبد فبالإضافة إلى هذه المعانى فإن له معنى أعمق يصلنى من تفسير الإحسان بأن: “تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنه يراك”، فيرتقى بالإسلام وبالإيمان إلى مرتبة الوعى الدائم بحضوره تعالى “هنا والآن”، وسع كرسيه السماوات والأرض.
وأخيرا، فقد قيل إن الاحسان درجة فوق العدل، فإذا كان العدل هو إعطاء كل ذى حق حقه، فإن الإحسان هو التفضل بما زاد عن الحق، لكل ذلك لا يجازى الاحسان إلا من نفس نوعه: “وهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ” & “لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ”.
أما أن يكون الإحسان من القلوب فهو كذلك، فلغة القلب هى لغة الإدراك الأشمل ولغة القلوب هى البصيرة الأعمق وهى تتجاوز الرموز والحسابات فتتفق مع ما وصلنى من عظمة المعرفة بالإدراك الذى بينا كيف يتفوق على التفكير والحسابات كما ورد فى ملف الإدراك.
حين أعود لقراءة الإحسان من كل هذه المنطلقات يرجح عندى أنه منجٍ من المهالك، ربما لذلك جاء الأمر بالاحسان بعد التوصية بتجنب التهلكة بشكل أو بآخر، “..وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.