الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (178) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (178) من الكراسة الأولى

“نشرة” الإنسان والتطور

الخميس: 27-11-2014

السنة الثامنة

العدد: 2645

mahfouz 2

ص 178 من الكراسة الأولى

27-11-2014بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
تلاشى الخائفون وقال الرجل كلمته
ولم يكن فى الحانة إلا سكران واحد
وقد صدرت عنه جملة من الهذيان
وتناثر من الحكمة حتى اختلط الأمر
على سامعيه فقال البعض انه حكيم
لا ينطق عن الهوى وقال البعض أنه مجنون
لا يدقق ودارت من اجله معركة حامية
قتل فيها الحكيم والمجنون، والله ولى الصابرين
                نجيب محفوظ
                                    6/8/

 

  قبل القراءة:

هل هذا جنين آخر فى طور التكوين؟ لا أريد أن أسبق الأحداث، تصلنى تدريبات شيخنا صفحة فصفحة، فلا أعرف حرفا عن الصفحة التالية إلا الأسبوع التالى، هذه ثالث صفحة يكتب فيها الأستاذ كلاما متصلا، وليست فقرات مستقلة عن بعضها، مثلما حدث فى نشرتى الأسبوع الماضى وقبل الماضى.

هل سوف يستمر هكذا تحضيراً لإبداع أحلام فترة النقاهة؟

هل سيرجع إلى تلقائية السماح بما يطفو على سطح وعيه إلى قلمه دون التزام بترابط؟

هل سنقابل أجنة أخرى تتكون تمهيدا لأحلام فترة النقاهة؟

هل سنفاجأ بنمط ثالث لا نعرف طبيعته حتى الآن؟

دعونا لا نسبق الأحداث، ولننتظر لننظر اسبوعا بعد اسبوع.

من يدرى؟

  القراءة:

بعد البسملة واسمه واسم كريميته جاء “مشروع الجنين” “القصة” متماسكا كما يلى:

“تلاشى الخائفون وقال الرجل كلمته، ولم يكن فى الحانة إلا سكران واحد، وقد صدرت عنه جملة من الهذيان، وتناثر من الحكمة حتى اختلط الأمر على سامعيه، فقال البعض إنه حكيم، لا ينطق عن الهوى وقال البعض إنه مجنون، لا يدقق (؟؟) (1) ودارت من اجله معركة حامية، قتل فيها الحكيم والمجنون، والله ولى الصابرين”.

 نحن لم نتبين شخصية الرجل الذى قال كلمته، وما هى كلمته، لكن السكران هو الذى صدرت عنه جملة من الهذيان وتناثر من الحكمة حتى اختلط الأمر على سامعيه، ولو سمحتُ لتداعياتى أن تسترسل لكتبت فى ذلك كتابا، بل أنى كتبت فعلا كتابا بعنوان “حكمة المجانين”، وقبل سنوات دار بينى وبين المرحوم محمد جاب الرب حوارا متصلا فى مجلة “الإنسان والتطور” فى جزء خاص من حوار تلك المجلة الفصلية الذى كنا نختم به كل عدد، كان عنوان هذا الجزء “الحكمة الملقاة على قارعة الطريق” فلا عجب أن يجمع شيخنا بين تداخل الحكمة مع الجنون بهذه الحبكة، وهو الذى بدأ إبداعه – غالبا- بقصة “همس الجنون”.

 كررت مرارا أن ما شاع عن كلام المجانين ليس هو هو الحكمة التى يمكن أن نأخذها من أفواههم حسب القول السائر “خذوا الحكمة من أفواه المجانين” لأن ألعاب الحكمة المضيئة قد تصدر فعلا من المجنون وسط خليط هائل من دخان التناثر وشظايا الرُّطان، وعلى من يريد أن يأخذها أن يحسن الاستضاءة بها بعد انتقائها دون غيرها، وسوءا كان هذا الجنون مستثار من السكر البين للسكران الوحيد الذى كان فى الحانة، أو كان هو هو الرجل الذى قال كلمته، فإن النتيجة واحدة، أعنى خليط من الهذيان والحكمة المتناثرة.

هكذا اختلط الأمر على السامعين فقال البعض إنه حكيم لا ينطق عن الهوى فى حين قال آخرون إنه مجنون لا يدقق، إلى هنا ولم يظهر الإبداع المميز والقصة لا تزال جنينا إلا فى تجهيل العلاقة بين الرجل الذى قال كلمته وبين السكران الوحيد، لكن ها هى معالم جنين القصة تتشكل أكثر:

 فجأة نجد الحانة قد امتلأت بجمهور من السامعين (الذين لم يكونوا موجودين أصلا) اختلفوا حول ما قاله الرجل حتى اقتتلوا، وإذا بالمعركة تسْفر عن قتيلين هما الحكيم والمجنون، فنعود إلى الحيرة التى تفرضها علينا النقلة الإبداعية إذْ لا يتبين لنا إن كانا واحدا أو هما اثنين، المهم أنهما، أو أنه، قتلا معا، فتتميز ملامح الإبداع أكثر.

المعركة التى قامت لم نعرف من نتيجتها إلا أن موضوع القتال (الحكيم/المجنون) قد انتهى بالقتل، والخلاف الذى احتد حول الرجل كان خلافا متعصبا غبيا قاسيا قاتلا، وقد انتهى موضوع الخلاف نفسه وضياع أصل القضية برمتها.

يبدو أن قتل كل من المجنون والحكيم إنما يعلن التخلص من جسم موضوع النزاع جملة، وهو تقريبا – أو فعلا – ما يهددنا فى مصر الآن ونحن نعيش جنون التفكيك فمشروع الثورة، وحكمة البناء ومشروع الدولة، والمعركة الدائرة حول هذين النقيضين أبعد ما تكون عن حسمها بتنازل أى من أطرافها عن موقفه، مصر موضوع الخلاف هى الضحية إذا لم تتخلق من كل من الحكمة والتناثر جدلا قادراً على إبداع الجديد ثورة فدولة فحضارة يتلاشى أمامها الخائفون “إذْ وقال الرجل كلمته”.

 لكن حتى هذا الرجل الذى قال كلمته لا يمكن أن ننفى أن يكون هو هو السكران الذى لم يتحمل وحدته ومسئوليته نحو كلمته، فهرب فى السكر، لتتحول كلمته إما إلى إضاءات متفرقة من حكمة تظهره كأنه لا ينطق عن الهوى، وإما إلى تناثر يعلن جنونه، بل إلى الاثنين معا، فتقوم المعركة بين الخائفين من كل من الحكمة التى ربما تكون الأمانة التى تلزمهم وهم لا يلتزمون وهم بكل هذا الجبن، وأيضا يتلاشى الخائفون من الجنون حتى لا يكشف التناثر حقيقتهم، والحصيلة برغم ظاهر الاختلاف هى العدم، والتلاشى، ومقتل الأصل القضية

هل يا ترى يمكن أن نتعلم من ناضورجى المستقبل نجيب محفوظ، أن استمرار المعارك هكذا بين الفريقين سوف يكون ضحيته مصر وصالح مصر وإبداع مصر ومستقبل مصر.

لا ألزم شيخنا به، لكنه خطر ببالى.

[1] – لست متأكدا من صحة قراءة هذه الكلمة فقد يكون رسمها أقرب إلى “لا ينطق” لكن من السياق لا يسمح بأن تكون هكذا فقربتها إلى أقرب ما يمكن أن يخرج من مجنون يهدر كيفما اتفق المتناثر فى مقابل الحكيم الذى لا ينطق عن الهوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *