نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 30-4-2015
السنة الثامنة
العدد: 2799
نفس صفحة 198 من الكراسة الأولى (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
الأصدقاء الأعداء المسيح يصلب من جديد
الشيخ والبحر، الصخب والعنف، فرانسوا
ساجان، عن الحرب والسلام، الأخوة كرامازوف
اللصوص، يوسف واخوته، البحث عن
الزمن المفقود، القلعة، الحكمة،
(ك.غ)(1)، الجريمة والعقاب،لمن تدق الأجراس، أحلام شهر زاد،
سليمان الحكيم، أهل الكهف، سارة، إبراهيم
الكاتب، زينب، ماجدولين
نجيب محفوظ
27/8/1995
القراءة:
أولاً: أكرر الإشارة إلى ما ورد سابقا(2)
ثانياً: كما وعدت الأسبوع الماضى سوف أتقبل هدية شيخنا بما جاء فى هذه الصفحة وانتهزها فرصة لكى نلم بسرعة ببعض ما أراد وعيه لنا أن نلم به، وإن كنت لظروف خاصة وعامة قد أقسِّم تداعياتى على هذه الخواطر على أكثر من نشرة.
بدأت بالبحث عن عمل باسم “الأصدقاء الأعداء” فلم أعثر عليه حتى الآن، ولكننى حين لمحتُ اسم العمل التالى مباشرة وهو “المسيح يصلب من جديد”، رجحت أنه ربما يقصد “الاخوة الأعداء” لأنها من تأليف نفس الكاتب “نيكوس كازانتزاكيس”، وبرغم أننى لم أقرأ “الأخوة الأعداء” بوجه خاص فقد أحببت هذا الكاتب حبا جما، واحترمته احتراما فائقا، وقرأت له عملين من أجمل وأروع ما قرأت، هما “المسيح يصلب من جديد”، و”زوربا اليونانى”، وقد فرحت للنقد المقارن الذى قام به صديق سعودى شاب(3) فى كتابه بعنوان: “هكذا سكت نيتشه، هكذا تكلم زوربا”، كما أشرت إليه فى حوار سابق فى نشرة 20-11-2009
طبعا لن أتطرق إلى زروبا الآن، كما أننى سوف أكتفى بإشارات لم أقتطفها شخصيا من “الأخوة الأعداء” لـ كازانتزاكيس، اعتبرتها من صلب موقفه وعلامات تاريخه.
وفيما يلى بعض ذلك (من الأخوة الأعداء):
- “نحن نصارع من أجل شىء لا يمكن بلوغه ولهذا السبب لم يعد الإنسان حيواناً”
- “إن الله يزن كل نفس على حدة، ويعطيها كل واحدة منها الجواب الذى ينقذها”
- “إن الله ليس ماء بارداً نشربه للننتعش، الله نار يجب أن نمشى فوقها لا نمشى فقط، بل نرقص، ومن المؤكد أنه عندما يصل الإنسان إلى هذه الدرجة لا تلبث أن تتحول النار إلى ماء منعش، لكن يا إلهى ما أقسى ما يحتمل الإنسان من الصراع والألم قبل أن يبلغ ذلك”.
- “…. هذه إرادة الله. الله يقول لنا : لتصبحوا بشراً، كفى تعلقاً بأطراف ثوبى كالأطفال الصغار، انهضوا وتعلموا كيف تمشون وحدكم تماماً”.
وعلى ذكر “هكذا تكلم زرادشت” وددت لو أعرض رأى كازانتزاكيس فى نيشته، إذْ يبدو أنه تأثر به تأثرا بالغاً، وقد ظهر هذا بشكل روائى رائع فهل يا ترى كان يعيد النظر فى علاقة الإنسان بالله طولا وعرضا كما فعل نجيب محفوظ ليس فقط فى أولاد حارتنا.
سوف نرى.
يقول كازانتزاكيس عن نيتشه:
- “ما الذى قام به هذا النبي؟ وما الذى طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق، وأن نظلَّ منعزلين دون أصحاب ورفاق، وأن لا نستعمل إلا قوتنا، وأن نبدأ فى صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا.”
أكتفى بهذا القدر من الإشارات وانتقل إلى مقدمة فيما أعتزم طرحه تباعاً:
انتقلت إلى العمل التالى وهو “المسيح يصلب من جديد”، وإذا بى أتذكر أننى قمت بنقد لهذه الرواية منذ حوالى ثلاثين سنة، وقدمته فى ندوة من ندوات “جمعية الطب النفسى التطورى” فرحت أبحث فى أوراقى، ولم أعثر عليه، ولم أكن قد بدأت أحفظ ما أكتب فى وثائق أو شرائح حاسوبية، بحثت عن الرواية فى مكتبتى وعثرت عليها وإذا بى قد خططت ما تيسر مما شدنى (وناقشته غالبا فى الندوة) كما كتبت عددا ليس قليلا من الهوامش.
قلت هذا طيب وربما أغنانى عن الأصل، عدت إلى الرواية أحاول أن أتذكر بعض تفاصيلها فلم أنجح برغم الخطوط والهوامش.
وجدت أنه لزاما على أن أقرأ الرواية كلها “من جديد” وإذا بها (575) صفحة، لكننى أصررت على معاودة القراءة قبل التداعى حولها، ولعل لذلك علاقة بما كتبته مؤخرا فى دورية نقد نجيب محفوظ بعنوان: “الله: التطور: الإنسان: الموت: الله عبر نجيب محفوظ”.4)
بدأت قراءة “المسيح يصلب من جديد” حتى وصلت إلى صفحة 226، شدتنى الرواية وحضرتنى مقارنات ليست قليلة مع بعض أعمال شيخى إلا أننى سوف اكتفى اليوم بعينة واحدة واحد:
(ص: 109)
“واستقر بصره (مانولى) على جبل ساراكينا. وطاف بخاطره وجه القسيس فوتيس الزاهد العاتى الذى يتأجج نارا وضياء كالشمس ذاتها. حملق مانولى فى الطيف الذى يتراءى له، وهو لا يفكر فى شىء، ولا يسأل نفسه شيئا، وقد ذاب هو الآخر مع تأملاته الورعة، كما ذابت كنيسة القديس ايليا، وسط الضوء الحارق.
ظل على حاله هذا وقتا طويلا غائبا عن الوجدان. وفجأة أحس بوخز آلام مفزعة فى يديه وقدميه وقلبه وكأنه صلب فوق الضوء…. وبعد شهور مضت، طافت بخلده، على غير انتظار، لحظة الوجد هذه التى واتته أمام حافة البئر، وأحس فجأة أن هذه اللحظة كانت أعظم لحظات حياته بهجة. لا، أنها ليست بهجة، بل شيئا آخر أعمق وأقسى، يتجاوز كل حدود البهجة والألم عند الإنسان.”
تعالوا نقرأ اللحظة المقابلة فى “الشحاذ”، نجيب محفوظ.
“….. ثم أوقف (عمر الحمزاوى) السيارة فى جانب من الطريق المقفر وغادرها إلى ظلمة شاملة. ظلمة غريبة كثيفة بلا ضوء إنسانى واحد. لا يذكر أنه رأى منظراً مثل هذا من قبل، فقد اختفت الأرض والفراغ ووقف هو مفقودا تماما فى السواد، ورفع رأسه قبل أن تألف عيناه الظلام فرأى فى القبة الهائلة آلاف النجوم عناقيد وأشكالا ووحدانا. وهب الهواء جافا لطيفا منعشا موحدا بين أجزاء الكون. وبعدد رمال الصحراء التى أخفاها الظلام انكتمت همسات أجيال وأجيال من الآلام والآمال والأسئلة الضائعة. وقال شئ إنه لا ألم بلا سبب وأن اللحظه الفاتنة الخاطفة يمكن أن تمتد فى مكان ما إلى الأبد. وقد يتغير كل شئ إذا نطق الصمت وها أنا أضرع إلى الصمت أن ينطق. وإلى حبة الرمل إلى أن تطلق قواها الكامنة وأن تحررنى من قضبان عجزى المرهق.
……
……
وشملته سعادة غامرة جنونية آسرة وطرب رقصت له الكائنات فى أربعة أركان المعمورة. وكل جارحة رنمت وكل حاسة سكرت واندفنت الشكوك والمخاوف والمتاعب. وأظله يقين عجيب ذو ثقل يقطر منه السلام والطمأنينة. وملأته ثقة لا عهد له بها وعدته بتحقيق أى شئ يريد”.
وبعد
نواصل النقد ببطء، لعله يصبح فى النهاية نقدا مقارنا بين أكثر من عمل لهذين العملاقين.
[1] – كلمة غير مقروءة من الجائز أن تكون “ريبيكا”
[2] – الشيخ والبحر: جاءت فى ص 110(الحلقة التاسعة) نشرة 30-5-2013 – عن الحرب والسلام، جاءت فى ص 110(الحلقة الرابعة) نشرة 25-4-2013 – الأخوة كرامازوف : جاءت فى ص 110(الحلقة الثانية) نشرة 11-4-2013 – اللصوص: جاءت فى ص 110(الحلقة السابعة) نشرة 16-5-2013 – يوسف واخوته: جاءت فى ص 110(الحلقة الرابعة) نشرة 25-4-2013 – البحث عن الزمن المفقود: جاءت فى ص 110(الحلقة التاسعة) نشرة 30-5-2013 – الجريمة والعقاب، جاءت فى ص 110(الحلقة الرابعة) نشرة 25-4-2013 – ماجدولين: جاءت فى ص 106 نشرة: 13-12-2012- الحكمة:يؤتي الحكمة من يشاء : فى صفحة التدريب (36) نشرة: 8-9-2011، وأيضا فى صفحة التدريب 56، نشرة 26-1-2012،
[3] – أنس زاهد.
[4] – المجلس الأعلى للثقافة، العدد السابع: ديسمبر 201، لسبب لا أعرفه حتى الآن.