الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (174) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (174) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  30-10 – 2014

السنة الثامنة

العدد: 2616

mahfouz 2

ص 174 من الكراسة الأولى

30-10-2014_1بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

الحديقة الغناء تضئ الروح

علينا أن نتعلم لغة العصافير

الأغانى للأصفهانى

الاحتلال البريطانى

الالهام فتح بلا نهاية

على كنز السعادة والشفاء

جاء رجل من أقصى المدينة يسعى

خدها ولا تخف

العلم نور

الوحى أنوار

نجيب محفوظ  7 /8/1995

 

  القراءة:

ما جاء فى نشرات سابقة فهو بالهامش  (1)

نبدأ اليوم بما يشغلنى وأنا أراجع منهج تشارلز داروين فى اكتشاف نظريته، فقد وضعتُ فرضاً يقترح أنه عرف لغة الحيوانات والطيور وكل الأحياء فى داخله أولا، عرفها دون أن يدرى غالبا، فهداه ذلك إلى البحث عنها خارجه، فوجد بعض ما يطمئنه أنه – مثل أى واحد منا- يمثل تاريخ الحياة، فراح يجمع ما تيسر من قرائن وحلقات، وكان عندى من الجسارة وأنا أضع هذا الفرض أن أتصور أن الحلقات المفقودة هى أكثر بكثير مما أشيع عنها، وأنها إن كانت مفقودة فى الخارج فهى ليست كذلك تماما فى الداخل على مستوى معين من الوعى.

حين كتب شيخنا هنا “علينا أن نتعلم لغة العصافير” تصورت أنه يشير إلى أن هذه خطوة نحو قراءة تاريخ الحياة والأحياء داخلنا، وهو أمر متصل عندى بتسبيح الطير وكل ما فى السماوات والأرض لخالقها، وأنا لا أستبعد أن شيخنا تعلم لغة العصافير (وغيرها) بالمعنى الذى قرأ به داروين عواطف الحيوان، فالمسألة تتناسب غالبا مع غور الإبداع وأصالته التى تؤدى فى مسارها الطبيعى إلى الإيمان.

أما “الاحتلال البريطانى” فلا أظن أنه يحتاج إلى تعليق، فشيخى بعلاقته بالوفد وسعد زغلول وما حكاه لى عن تفسير لحادث 4 فبراير ، ثم رواية “بين القصرين” بالذات واستشهاد فهمى، وأيضا رواية “زقاق المدق”،

 حين قرأت اليوم فى هذه الصفحة كلمتى الاحتلال البريطانى تصوت هؤلاء المجرمين وهم يقتلون أبناءنا فى شمال سيناء (السبت الماضى) أنهم يعاملون جيشنا على أنه جيش احتلال، فيقاومونه بكل هذه النذالة والوغدنه، وكنت قد تساءلت بينى وبين نفسى قبل يومين، متى قامت المقاومة فى الأرض المحتلة فى فلسطين بحصد هذا العدد من الجنود الإسرائيلين، لا أريد أن أنكد عليك يا شيخنا لكن الكلاب المسعورة تهمش فى أبناء جيشنا الباسل وهم الآن معك فى جنات الخلد، فأدع لنا أنت وهم .

كان شيخى دائما حين يذكر الاحتلال الانجليزى يحدثنا بجدية مرة، وبخفة ظل مرات، وقد أشرت إلى ذلك فى عملى:  “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”، و خاصة حين راح يصحح لى التاريخ مثلما حدث فى إجابته لى عن تفسير حادث 4 فبراير 1942 ، وهاكم المقتطف من هذا الكتاب.

المقتطف: (نشرة 14-10-2010، فى شرف صحبة نجيب محفوظ، الحلقة الخامسة والأربعون)

“…. ولا يضجر الأستاذ من تكرار استنكار الحادث من أحد السائلين غيرى، لا أذكر من، ويعيد الأستاذ أن النحاس باشا حين قبل الوزارة، نجح‏ ‏أن‏ ‏يسد‏ ‏الباب‏ ‏أمام‏ ‏ذلك‏ ‏النداء‏ ‏الذى ‏صار‏ ‏يسرى ‏بين‏ ‏الناس‏ ‏يقول‏ “‏إلى ‏الأمام‏ ‏ياروميل‏”، وكأن ‏ ‏النازى ‏هو القادر أن ينقذنا من الاحتلال، وهذا ضد الموقف الوطنى للوفد والنحاس، وربما كان الملك يؤازر هذا الحل الإحلالى، احتلال مكان احتلال، وأنه كان يميل إلى أن ينتصر الألمان”.

ثم:

… إنى قد وجدت صعوبة شديدة فى قراءة السطر التالى ولم أستطع حتى أن أخترع كلمات أقرب إلى ما وصلنى إلا حين ضممته إلى السطر الذى يليه، ومع ذلك ظل الشك فيما فعلت يراودنى، لكن ما باليد حيلة فقرأت السطرين هكذا “الالهام فتح بلا نهاية على كنز السعادة والشفاء”، أما أنه فتح على كنز السعادة فهذا بديهى، لكن لماذا يكون فتحا على كنز الشقاء؟ تساءلت: هل يعتبر الشقاء كنزاً، طبعا لا ، إلا إذا كان المقصود هو الآلام المصاحبة لمخاطر الموت لإعادة الولادة فى مسيرة الإبداع، فيصبح الشقاء كنزا إذا دفع المبدع الثمن ليكمل “الوضع” بعد آلام المخاض.

أما الجديد التالى فهو “خذها ولا تخف” وحين رجعت إلى القرآن الكريم وأنا أعرف علاقته الجميلة بكتاب الله وجدت إشراقات لابد أنها حضرت فى وعيه الواحدة تلو الأخرى، وربنا يخاطب سيدنا موسى عليه السلام.

الإشراقة المباشرة كانت بالنسبة لمعجزة الحية التى تسعى سواء أخذت بعيانيتها أو مجازها، لأنى انتبهت أن ربنا بعد أن أمَـرَ موسى عليه السلام أن يأخذ الحية التى أصبحت تسعى، انتبهت إلى بقية الآية “سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى” الآية 21: سورة طه، والتى تعنى أنه بمجرد أن يأخذها سوف تعود عصا من جديد، لكن فى رسالة الأعراف جاء أمر الأخذ بقوة (لا تخف) فى شأن رسالة ربنا إليه حين كتب فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا، ثم أمره أن يأخذ الموعظة أو يأخذ الألواح كلها بقوة، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بأحسنها، شعرت أن هذا النوع من الأخذ فيه تحميل مناسب لثقل الأمانة وما أشق تبليغها، وأن مثل هذا الأخد يحتاج إلى قوة، وفى العلاج الجمعى الذى أمارسه لعبنا لعبة “العجز عن الأخذ” وأيضا “الخوف من الأخذ”، وتبينت من هذا وذاك أكثر فأكثر كيف يحتاج الأخذ إلى قوة من نوع خاص، وأكرر أننى أول مرة سمعت أبى يقرأ ” يا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ”، وكان عمرى أربع سنوات فحسبت أنه ينادينى لأخذ المصحف، وقلت له: “طب هات” – والدى رحمه الله هو الذى ذكرنى بهذه الواقعة ولم أتذكرها تلقائيا.

وأخيراً: فإن شيخنا يختم اليوم بقوله: “الوحى أنوار” مما لا يحتاج أيضا إلى تعليق، فأتذكر الجزء الثانى من نقدى المقارن بين رواية “قنديل أم هاشم” ليحيى حقى و”لحس العتب” لخيرى شلبى حيث جاء فيه ما يلى:

المقتطف:

“القنديل لم يكن أبدا “فانوسا” يضىء، مساحة محدودة بجدران فحسب، هكذا أوضح الأمر الشيخ درديرى منذ البداية (ص66) قال:”هيهات للجدران أن تحجب نوره”. ثم يمضى الوصف بحيث لا يدع مجالا للشك أنه ليس قنديلا: “…وانتبه (إسماعيل) لوصف الشيخ “.. هذا القنديل الصغير .. يكاد لا يشع له ضوء، ينبعث منه عندئذ لألاء يخطف الأبصار، إننى ساعتها لا أطيق أرفع عينى إليه” ثم يردف الشيخ درديرى وهو يشير بإصبعه إلى القنديل: وسنان كالعين المطمئنة رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ، يضفو ضوؤه الخافت على المقام  كإشعاع وجه وسيم من أم تلقم رضيعها ثديها فينام فى أحضانها، ومضات الذبالة خفقات قلبها حنانا او وقفات تسبيحها همسا. يطفو (القنديل) فوق المقام كالحارس مبتعدا تبجيلا، أما السلسلة فوهم وتعلة. كل نور يفيد اصطداما بين ظلام يجثم، وضوء يدافع، إلا هذا القنديل، فإنه يضيئ بغير صراع! لا شرق هنا ولاغرب، ما النهار هنا ولا الليل، لا أمس ولا غد”، “وانتفض إسماعيل، لا يدرى ما هذا الذى مس قلبه”! ( ص 74)

نور القنديل يحضر كائنا يـَرى، يُدرك، ويُرضع ويحنـُو من البداية (ص 66) حتى قرب النهاية (17) ” .. ورفع إسماعيل بصره، فإذا القنديل فى مكانه يضئ كالعين المطمئنة رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ، خيـّل إليه أن القنديل وهو يضئ إليه ويبتسم (لاحظ تكرار نفس الألفاظ رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ!! (ص74).

هذه القصيدة تفرق بين النور الحانى، وبين الضوء المقتحم، وتجعل الواقع السلسلة التى تحمل القنديل (ص 74) هو الوهم (أما السلسلة فوهمُ وتعّله). حين يصل الأمر إلى الإشارة، ولو دون قصد، إلى القنديل وكأنه يستمد نوره من زيت شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية، حيث لا نهار ولا ليل، حيث السرمدية الحانية، فنحن أمام قبس يرمز إلى، إن لم يعرض، النور الذى هو على نور، وبالتالى لا يكون الزيت زيتا عاديا يقطر فى العين لمرضى البصر، وإنما هو الزيت الذى هو النور الذى يكاد يضىء ولم تمسسه نار، هو النور الذى ينير البصائر إيقاعا حيويا متسقا”.

[1] –  الحديقة الغناء تضئ الروح : وردت فى صفحة التدريب (ص 125) نشرة 19-9-2013، وصفحة التدريب (ص171) نشرة 2-10-2014

الاغانى الاصفهانى: ورد فى صفحة التدريب (105) نشرة 15-11-2012، وصفحة التدريب (134) نشرة 21-11-2013

جاء رجل من أقصى المدينة يسعى : ورد فى صفحة التدريب (172) نشرة 16-10-2014

* العلم نور: ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (82) بتاريخ: 23-4-1995، نشرة 28 – 6 – 2012، وأيضا صفحة التدريب (99) بتاريخ 5-5-1995،  نشرة 18-10-2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *