الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ بعض قراءات محفوظ فى الأدب الروائى خاصه (3) بقية صفحة (110) من الكراسة الأولى (5)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ بعض قراءات محفوظ فى الأدب الروائى خاصه (3) بقية صفحة (110) من الكراسة الأولى (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 2 – 5 – 2013

السنة السادسة

 العدد: 2071    

 25-4-2013_1

بعض قراءات محفوظ فى الأدب الروائى خاصه (3)

 بقية ص 110 من الكراسة الأولى (5)

2-5-2013. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

 . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‏ . . .

 . . . . . . . . . .  . . . . . ،‏ الحرب‏ ‏والسلام‏،

 أنا كارنينا، الفرسان دوما، الجبل

 ‏السحرى‏، الكراسى ‏الموسيقية‏، ‏يوسف

 وأخوته،  ‏فاوست‏، ‏اللصوص‏، الزنبقة

 السوداء البحث‏ ‏عن‏ ‏الزمن‏ ‏المفقود‏، الشيخ والبحر‏

موبى ديك (ك.غ ؟؟ ربما:) جرثيا

          نجيب‏ ‏محفوظ

       أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

       فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

مقدمة:

نعم، فجأة طفت على سطح وعى شيخنا كل هذه الأعمال الإبداعية معا، ولدراسة العلاقة بينها يحتاج الأمر لقراءة هذه الصفحة وما تثيره من تداعيات إلى كتاب بأكمله.

ما علينا، حاولت أن اجمع بين أى منها وأى منها فلم أستطع إلا أن أصفها بالأعمال الخالدة. أتممت نشرة الاسبوع الماضى بفهرست محتويات لهذه الصفحة سوف أحاول أن أتبعه رحمة بى. سوف أترك البند “أولا” الآن لأن رواية “الزنبقة السوداء” التى فككت شفرتها الأسبوع الماضى فى آخر لحظة تأتى متأخرة فى الترتيب، وسوف أبدا بـ “ثانيا” فأجمع تولستوى مؤلف “الحرب والسلام” و”أنّا كارنينا” إلى جيته وعمله فى “فاوست“، وما يربط بين المؤلفين من بعد إيمانى وحسب نص الخاتمة:” مع هامش عن زعم إسلام الواحد تلو الآخر وعلاقة ذلك – من وجهة نظرى – بنوعية إسلام شيخى محفوظ.

القراءة:

أولاً: “الحرب والسلام”:

أتذكر أننى قرأتها وربما قدمناها فى إحدى ندواتنا الثقافية بالمقطم، لكننى لم أكن شخصيا مقدم الندوة، ولم أكتب عنها نقدا ممنهجا برغم أننى أذكر أننى أعجبت بها إعجابا شديدا، طلبت من سكرتاريتى أن يبحثوا لى عنها فى مكتبتى لأرى ماذا خططت فيها (ماذا همست فى هوامشها أثناء قراءتى لها) (1) لم أجد نسختى المخططة للأسف، وأنا فى عجلة من أمرى ولا أريد أن أطيل أكثر فى قراءتى لهذه الصفحة الدسمة، فطلبت من سكرتاريتى أن ينزلها لى من على “النت”، ففعل وإذا به يتحفنى بنسخة PDF مجانا ثم إنها بترجمة عربية مقابل الترجمة الانجليزية فى نفس الصفحة، ففرحت، ودعوت لصاحب الفضل (سيدنا جوجل)، وإن كنت لم أتعرف بعد على المترجم إلى العربية فى هذه النسخة، كما دعوت لشيخى وهو يذكرنى بما نسيت ويدعونى إلى مائدته الثقافية هذه مجانا كل اسبوع، بل ويتيح لى الفرصة أن أقارن الترجمتين كما ألمحت الاسبوع قبل الماضى فى قراءتى عينة من ترجمات كارامازوف للفرنسية والانجليزية والعربية، ربنا يخليك يا شيخى الغالى، ثم اسمح لى مؤقتا أن أكتفى بأن أقدم للأصدقاء المحيطين بنا الخطوط العريضة  لهذه الرواية “الحرب والسلام“.

ابتداء: العنوان غير معرّف فهو بالانجليزية Peace and War كما أن الشائع عنه بالعربية كما كتبته أنت أنه “الحرب والسلام” ، لكنه فى النسخة التى حصلت عليها الآن هو “حربٌ وسلم” وهناك فرق، لكننى وجدت التعديل مطلوبا ومقبولا، وفرحت بالتصرف (ولن أذكر الاسباب) وقد نشرت الرواية أول مره من سنة 1865 إلى سنة 1869 فى مجلة المراسل الروسى (بالروسية) وهى تروى قصة المجتمع الروسى فى عهد نابليون. بين أحداث الحرب والسلم، وتدور أحداث الروايةالتى دمج تولستوى فيها شخصيات عديدة، رئيسية وثانوية، تاريخية وأخرى خيالية، ابتدعها تولستوى نفسه. كما تعطى صورة واسعة وموضحة لحياة الترف التى عاشتها طبقة النبلاء فى روسيا فى عهد الحكم القيصرى. وهناك من يعتقد بان الشخصيات الرئيسية مثل كبيير بزوكوب، والامير أندرى تمثل أوجه مختلفه فى شخصية تولستوى نفسه.

ثانياً: انا كارنينا:  

هى رواية فريدة توصف بأنها  أثر أدبي عالمي وإنساني خالد، ترجم إلى معظم لغات العالم، وأعيد طبعه مئات المرات. وقد تباينت أراء النقاد فى هذه الرواية، فوضعت فيها دراسات كثيرة، كما أعجب بها البعض إعجابا شديدا ورأى فيها عصارة فن تولستوى وخاتمة أعماله الكبرى.

تولستوى يقدم لنا من خلالها طبيعة النفس البشرية وخاصة من حيث أنه لا توجد أية شخصية خيّرة تماما، وأخرى شديدة قلباً وقالباً، حيث كل من فى الرواية مثير للشفقة وكلهم أنانيون، وكل منهم كان له المبرر المقنع والمنطقى لما قام به. كما أن تولستوى لا يخفى موقفه الإيمانى والأخلاقى من حيث أنه يرى أن التمسك بالتعاليم الدينية هو المخرج الأفضل، لكل ما يواجهه الفرد من أحداث،

هنا توقفت لأرجع إلى موقف تولستوى من الدين والإيمان وهو يحرك فىّ ما وصلنى من موقف شيخى محفوظ، وهو موقف جوهرى إنسانى إبداعى إيمانى بامتياز، وأتوقف أكثر عند مناقشة احتمال إسلام جوته، ولكن قبل أن أتطرق إلى مناقشة هذا أو ذاك أود أن أعلن موقفى وتحفظى على هذه الفرحة الغامرة (المُخجلة) التى تغمر بعضنا – نحن المسلمين- حين يُسْلم واحد “خواجه”، فما بالك لو كان مبدعا مشهورا، أو فيلسوفا أو مفكرا (وما علينا ألا يزّكى) ذلك أننا بدلا من أن نتأمل ما جذب هذا المبدع الفذ للإسلام الأصل الجوهر الحقيقى، نبادر بالتهليل أنه ظهر الحق!!، ليثبت أن الاسلام هو الدين الحق!! وكأن كل ما هو غير ذلك باطل (2).

إن من يعرف جوهر الإيمان وكيف تجلى بفضل الله فى أديان متلاحقة يمكنه أن يفهم هذه النقلات الجادة فى المعتقد، خبرة الإيمان إلى وجه الله التى عاشها بعض الذين استطاعوا أن ينظروا بموضوعية كافية، ومسؤولية قادرة، وشجاعة مبادرة إلى موقفهم مما يصل إليهم، هى خبرة عامة لكل من ألقى السمع وهو شهيد، والشرفاء منهم يعلنون ببساطه أنهم وجدو ما وصل إليهم من هذا الدين أو ذاك أقرب إلى ما تحرك به وعيهم إلى تحقيقه فى تناغمه على طريق السعى إلى الحق تعالى، وعلى ذلك فإن إسلامهم ليس دليلا فريدا يثبت صحة ديننا وأنه من لدن عزيز حكيم، ولكنه دعوة لأن نرجع إلى أصول ديننا لنرى فيه ما رأوه وطمسناه نحن غالبا.

أما أن يقفز إلى ظاهر وعى شيخنا كل من تولستوى (الحرب والسلام، أنا كارنينا)، وجيتيه (فاوست) فقد يرتبط ذلك (أولا يرتبط) (3) بموقفه الشخصى المسلم الصادق من دينه الحنيف كمُنطلق، وحق، ومصدر هداية، وتنوير، وإبداع، الأمر الذى تطرقت إليه فى حوارى معه فى كتابى الأول “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” كما ورد فى نشرة 11-2-2010، وأجدها فرصة أن أقتطف بعض ذلك توضيحا لهذه النقطة:

 المقتطف: الأحد‏ اللقاء يوم 8/1/1995‏، نشرة:11-2-2010

 …… استفسرت‏ ‏منه‏ ‏عن‏ ‏رأى ‏قرأته‏ ‏له‏، ‏وهو‏ ‏الرأى ‏الذى ‏أرسله‏ ‏لندوة‏ – “نحو‏ ‏مشروع‏ ‏قومى ‏حضارى” ‏والذى ‏عقد‏ ‏بالأهرام‏ هذا الرأى ‏يقول‏ ‏فيه‏ ‏إن‏ ‏السبيل‏ ‏إلى ‏نهضتا‏ ‏هو‏ ‏الإسلام‏، ‏فقال‏ ‏لى ‏إنه‏ ‏قال‏ ‏ذلك‏ ‏رابطا‏ ‏إياه‏ ‏بأن‏ ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏حوار‏ ‏مع‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏والآراء‏ ‏الأخرى، ‏فذكرته‏ ‏أن‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏الاسلام‏ ‏تعنى ‏عند‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏معنى ‏مختلفا عن ما تعنيه عند الآخر‏، ‏وأننى ‏أجادل‏ ‏إبنى ‏وزملاءه‏ ‏منذ‏ ‏عامين‏ ‏على ‏التزامى ‏الإسلامى ‏وأننى ‏مدين‏ ‏للغتى ‏ودينى ‏بكثير من أفكارى بل وإبداعاتى فى كثير من المجالات، ثم سألته مرة أخرى عن كلمته التى أرسلها لهذه الندوة فى الأهرام فحكاها لى واضحة مؤكدة، وسألنى بدوره ‏وهل‏ ‏كنتَ‏ ‏مشاركا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الندوة؟ ‏فأجبت‏ ‏بالنفى، ‏لكننى ‏أردفت‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏المشاركين‏ ‏قد‏ ‏التقيتهم‏ ‏مساء‏ ‏نفس‏ ‏اليوم‏ فى اجتماعنا فى لجنة الثقافة العلمية فى المجلس الأعلى للثقافة ‏وسألتهم‏ ‏عن‏ ‏كلمته‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تنشر‏ ‏فقال‏ ‏لى ‏د‏. ‏ميلاد‏ ‏حنا‏ (‏وكان‏ ‏أحد‏ ‏حضور‏ ‏الندوة‏) ‏ماطا‏ ‏شفتيه‏ ‏أن‏ ‏الكلمة‏ ‏كانت‏ ‏ماسخة‏، ‏وأنك‏ ‏لم‏ ‏تقل‏ ‏فيها‏ ‏إلا‏ “أنك‏ ‏مسلم”، وكأنك تتحفظ متراجعا، وذكرتُ‏ ‏له‏ ‏شعورى ‏الرافض‏ ‏هذا‏ ‏الاختزال‏، ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏قرأت‏ ‏تفاصيل‏ ‏الكلمات‏ ‏فى ‏أهرام‏ ‏الجمعة‏ ‏التالى، ومن بينها كلمته الشاملة، وهى غير هذا الاختزال المخل‏ الذى أبلغنى إياه د. ميلاد،‏ تعجب‏ ‏الأستاذ‏، ‏وصمت‏ ‏كما‏ ‏يفعل‏ ‏حين‏ ‏يفاجأ‏ ‏بما‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تفكير‏، ‏وقال “ماذا‏ ‏يريدون؟‏ ‏وكأن‏ ‏الأقلية‏ ‏تريد‏ – ‏لكى ‏تشعر‏ ‏بالأمان‏- ‏أن‏ ‏تكفر‏ ‏أربع‏ ‏وخمسين‏ ‏مليون‏ ‏بنى ‏آدم‏، ‏إنهم‏ ‏رغم‏ ‏ذكائهم‏ ‏أغبياء‏، هل ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يتصورونه‏ ‏سبيلا‏ ‏لأمانهم‏؟ ‏إن‏ ‏الأمان‏ ‏لا‏ ‏يأتى ‏إلا‏ ‏حين‏ ‏يمارس‏ ‏الناس‏ ‏ما‏ “هم”، ‏وأغلب‏ ‏الناس‏ ‏فى مصر مسلمون‏، ‏فليمارسوا‏ ‏إسلامهم‏، ‏وحين‏ ‏يمارسونه‏ ‏بطريقة‏ ‏صحيحة‏، ‏فإن‏ ‏الأمان‏ ‏سيعم‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الأغلبية‏ ‏والأقلية‏، ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏سبيل‏ ‏آخر”.‏

هذا هو إسلام محفوظ فماذا عن إشكال إسلام تولستوى (ثم جيته) (وجارودى بالمرّة)، أعتقد أنه قد يـَثـْبـُت أن المسألة أساسا هى: نقاء وعى، وموضوعيه موقف، وأمانة حمل الرسالة، وحدّة إدراك، ودوام سعى، وثراء إبداع. ولم أجد فيمن كتب عن إسلام تولستوى رحابة صدر تولستوى نفسه، وإنما كل واحد اقتطف من كلماته ما يؤكد أنه أشهر إسلامه سرًّا (كأن هذا جائز)، لم ينتبه كثير منهم إلى أنه بدأ تحرير فكره بمعارضته الكنيسة الأرثوذكسية فى روسيا، (وليس الديانة المسيحية نفسها، التى لابد وأنها لا تختلف فى جذورها النقية عن الإسلام!) وأن تولستوى كان أعمق وأشجع من هذا الاختزال والتمحك، وأنه حين قارن لم يقارن الإسلام بالمسيحية وإنما قارن ما وصله نقيا من الإسلام بـ “الدين المسيحى الذى تقدمه الكنيسة” واعترَفَ بتفوق هذا على ذاك “بدرجة لا يمكن قياسها”. حين قال: “لو وضع أمام أى شخص حرية الاختيار بين الدين الإسلامى وبين مسيحية الكنيسة لكان على كل شخص عاقل أن يختار الدين الإسلامى..إلخ” (لاحظ قوله: مسيحية الكنيسة لا مسيحية ربنا، أو سيدنا عيسى عليه السلام) إلى أن قال: “إن كل فرد من الافراد، بل إن الانسانية جمعاء وكذلك الشعور الدينى الذى يشكل قاعدة حياة الناس يتجه نحو التكامل ونحو النضوج وكل شئ فى الحياة يتطور ويتكامل، أما تطور الدين وتكامله فيتم باتجاهه نحو النقاء والبساطة، إلى أن قال أيضا: “… لقد سعى جميع مبلغى الأديان وواضعو أسسها منذ القدم إلى تطهير الحقائق الدينية…”

لن أتطرق إلى نظريتى عن “الأسس البيولوجية للأديان والغريزة الهارمونية للتواصل بين مستويات الوعى” وقد ناقشتها كثيرا مع شيخى، وكان يتقبل رأيى بحذر وسماح ولا يتردد فى أن يحذرنى من استعمال كلمة غريزة فى هذا المقام.

فإذا انتقلنا إلى إسلام “جوته” (بمناسبة ذكر”فاوست” التى سنعود إليها) فسوف نجد نفس الموضوعية والأمانة والشجاعة جميعا، ولكن للأسف حين أثيرت القضية رحنا نثبت إسلامه هو الآخر أكثر من تتبع مسار كدحه نحو ربه حتى آمن، بعضنا أخذ من أقواله ما يشبه “التناصّ” مثلما فعل عبد الرحمن صدقى وهو يقتطف منه فى كتابه “الشرق والغرب فى أدب جوته”، يقتطف قول جوته فى الديوان الشرقى “لله المشرق ولله المغرب”، وفى راحتيه الشمال والجنوب جميعا. هو الحق، وما يشاء بعباده فهو الحق، سبحانه له الأسماء الحسنى، وتبارك اسمه الحق، وتعالى علوا كبيرا”. وقوله أيضا: “لِمَ لا اصطنع من التشابيه ما أشاء، والله لا يستحى أن يضرب مثلا للحياة بعوضة”…الخ. وأعقب أنا الآن قائلا: إن هذا “التناص” لا يدل إلا على ما يدل عليه “التناص” لو سمحتم.

أما عن “فاوست“، وقد جاء ذكرها متأخرا نسبيا فى هذه الصفحة ، فقد هدتنى المناقشة حول ذلك إلى معرفة مقدار إعجاب جوته بالتصوف وهو الأمر الذى يذكرنا بإسلام جارودى، وإعجابه بابن عربى، بعد ما وصله من الجندى الجزائرى المتعلم البسيط  ما وصله حين امتنع عن إعدامه رميا بالرصاص فمارس إسلاميا عملا أخلاقيا مسؤولا عن الحياة للحياة وخالقها، وقد أُعجب جوته أيضا بمجاز “سعدى” الذى يشبِّه الصوفى بـ “البعوضة العاشقة “التى تطير نحو الضوء القاتل لتهلك فيه. راجع بهذا الشأن خاصة قصيدته التى نشرها فى ديوان “الحنين المبارك”، حول الفراشة التى تطير نحو الضوء. وقد أطلق على تلك القصيدة اسمان وهما “التضحية بالذات” و”الكمال”.

 لكن هذا فى ذاته ليس دليلا على إسلام جوته، فإن هذا التشبيه وارد فى أى شعر وفى أى تشكيل، فقد ورد مثلا فى شعرى العامية:

نورْكم جامد يعمى عنيَّه، زىّ فراشه تحب النورْ، تجرى عليهْ، وتحومْ حواليهْ وتموت فيهْ،

ترقص قبل ما تطلع روحْها، “آه يا حلاوه النور موتنى”.. هوا النور بيموت برضه إلا الضلمه؟ بعدها نور الفجر بيشرق من جواى…الخ

وفى الفصل الذى ورد فى الديوان حول جلال الدين الرومى وصف جوته دعاء الله وبركته فقال: “إن ما يُسمَّى بالإكليل الوردى المحمدى، والذى يتم تعظيم اسم الله فيه بتسع وتسعين صفة، لهو ابتهال جدير بالثناء. إن كلا من الصفات المؤكِّدة والنافية تدل على كائن يستحيل إدراكه؛ فيصاب العابد بالدهشة، ثم يستسلم ويستريح”.

فى هذه الجملة الأخيرة موجز لعشرات (الصفحات التى كتبتُها عن الطريق إلى معرفة الله، مع التحفظ على جملة “يستحيل إدراكه” فلعله يقصد بذلك “يستحيل اثبات وجوده بالتفكير”، لأن هذا العجز فى اللغة الانجليزية هو الذى جعلنى أرفض ترجمه إدراك بالعربية إلى Perception وفضلت أن أقحم لفظ Idrak إلى الإنجليزية باعتبار أننى لم أجد ما يقابله فى الإنجليزية، فاستحالة اثبات الله بالمنطق والتفكير تؤدى إلى الدهشة المعرفية ثم هى تنشط الإدراك فالكدح المعرفى إلى وجهه تعالى، ونحن إذ ذاك لا نسلم ونستريح، بمعنى الطمأنينة الاسترخائية ، وإنما بمعنى اليقين الذى يطمئن كل من انفصل عن أصله أنه يطلب أيام وصله.

كل هذا يرجعنا إلى إسلام محفوظ الذى أرجع إبداعه إلى فضل حضارته (مع الحضارة المصرية)، وأيضا إلى تصوف محفوظ الذى لم يعترف به مباشرة أبدا برغم أن مريده الصديق د.زكى سالم دارس الفلسفة (الغزالى/ ابن العربى) عدّه متصوفا فذا، ربما باعتبار أن أعلى مراتب التصوف هو ألا تكون متصوفا.

وإلى الاسبوع القادم فى نفس الصفحة مع الكسندر دوماس وقد ورد له عملان فى قراءات محفوظ فى هذه الصفحة أيضا وهما “الفرسان الثلاثة” و”الزنبقة السوداء“.

 

[1] – كعادتى سواء قمت بالنقد أم لا مما يضيق منه من يقرأها بعدى وخاصة زوجتى دئت تنجح بأننى بذلك أكون وصيا على من يقرأ بعدى، فأرد بأن على من يريد أن يتخلص من حضورى أن يبتاع له نسخته يشترى له نسخة خاصة.

[2] – أثناء كتابه هذه النشرة 22-4-2013 قرأت فى الصفحة الأولى لصحيفه المصرى اليوم أن “أرنولد فاندور” عضو حزب الحرية اليمينى الهولندى، منتج فيلم إهانة الرسول عليه الصلاة والسلام، قد دخل الاسلام وزار الحرمين الشريفين وبكى واعتذر، والله أعلم بما وراء كل ذلك!!؟

[3] – بدليل حضور الآخرين بنفس الحجم والعبقرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *