الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة 33 الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب – نجيب محفوظ : الصفحة 33 الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

18-8-2011

السنة الرابعة

العدد: 1448

Mafouz & Yehia (1)

مقدمة:

مفاجأة هذه الصفحة لم تكن فى حسبانى، اكتشفتها فى نهاية قراءتى لها حين لاحظت التاريخ الختامى مصادفة وقد كتبه شيخنا كالعادة بخط يده  طبعا (حتى تصدقوا!).

وإليكم النص أولا:

ص 33 من الكراسة الأولى

18-8-2011بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ

الله‏ ‏واحد‏ ‏لا‏ ‏شريك‏ ‏له

محمد‏ ‏رسول‏ ‏الله

الهدي‏ ‏من‏ ‏الله

سبحان ‏ربي‏ ‏العظيم

نجيب‏ ‏محفوظ

 29  ‏رمضان

الفكرة الأولى:

كالعادة: يبدأ نجيب محفوظ مثل كل (أو أغلب) تدريباته تقريبا بالبسملة، وهو يعيدها فى كثير من الأحيان كما أنه ينهى كل صفحة باسمه توقيعا أو كتابة، ثم يكتب تحته تاريخ الكتابة اليوم والشهر والسنة – الميلادية – بالأرقام.

تدريب هذا اليوم بالصدفة كان فى رمضان، وبدلا من أن يكتب التاريخ بالتقويم الميلادى كتبه بالتقويم الهجرى 29 رمضان، ولم يكتب السنة (الهجرية) كما اعتاد أن يفعل حين يكتب التاريخ عادة بالتقويم الميلادى.

يا ترى هل هى نفحات رمضان التى جعلت هذه اليومية كلها تسبيح ودعوات وذكر وابتهالات؟

هل كان نجيب محفوظ يعلم أن ما يكتبه فى رمضان سوف نقرأه معه فى رمضان فخرجت منه ابتهالات خالصة تماما دون أن تختلط بأغنية، أو تشترك فى فكرة شاردة، أو حكمة أو ذكرى؟

 ربما.

أعيش هذه الأيام القرآن الكريم، وأنا أتلقاه “وعيا خالصا”، خطر لى هذا التعبير أثناء ردى على أحد الأصدقاء أو الصديقات فى بريد الجمعة، لا أعرف من أين جاءنى هذا التعبير، شعرت أن القرآن: إيقاعا وتركيبيا وحضورا: هو جزء من وعى كونى يخاطب وعيا بشريا من لدن حق مطلق ليس كمثله شىء، وبالتالى هو لا يحتاج إلى معجم بجواره، ناهيك عن اجتهادات التفسير التى تصيب حينا ويجانبها التوفيق فى أحيان أخرى كثيرة، هو وعىٌ خالص، ثم تأتى المعانى فيه بعد تلقيه هكذا وعيا خالصا، فترتشق بعض الجمل والألفاظ فى محيط الوعى المحيط، فتصل إلى وعيك الشخصى أولا، تصل كل حسب اجتهاده وسماح ونفاذية مسام وعيه وخشوعه وتجليه.

يفسر لى هذا الفرض ظواهر شغلتنى طويلا فى صورة أسئلة محيرة، بعضها جسور خطير، منها مايلى:

1-    لماذا يصل القرآن الكريم للأطفال – عادة – كما يصل إلى الكبار وأحيانا أرق وأنقى فى الكتّاب فى القرى خاصة؟.

2-    كيف يصل القرآن الكريم إلى الأميين عامة، والكهول منهم خاصة بكل هذا التأثير؟

3-   كيف يصل القرآن الكريم باللغة العربية للمسلمين الذين يسمعونه (أو يتلونه وهم لا يعرفون العربية).

4-    كيف كان الطفل (جيل والدى) يختم القرآن كله حفظا وتسميعا وهو فى سن الثامنة أو التاسعة أو حتى العاشرة قبل أن يدخل ما يقابل سنة أولى ابتدائى فى معاهد الأزهر الشريف هذه الأيام.

 خطر لى فى هذا الشأن (رقم 4) يوما تفكير محتج يقول: أن هذا نوع من حشر الألفاظ  بالجملة فى مخ الصغير، فى هذه السن بما يترتب عليه نوع من التكدس معا، فلا يعود الطفل – طفلا فناضجا – قادرا على استيعاب الجديد بأية درجة مفيدة، كذلك يمكن أن يعرضه هذا لفقد المرونة ومن ثم يعطل الإبداع، وظل هذا الهاجس يراودنى عشرات السنين مع أننى كنت اكتشف باضطراد أن كل من أعرف من الذين حفظوا القرآن صغارا فى هذه السن شبُّوا أكثر إبداعا ليس فقط نتيجة تمكنهم من لغتهم الفصحى، وإنما بمقياسىْ الأصالة والطلاقة، حتى لو اهتزت علاقتهم بالعبادات أو العقيدة قليلا أو كثيرا.

 أقلقتنى وأسعدتنى هذه الملاحظات المتعارضة مع هاجسى الأساسى، وأخيرا، بعد عشرات السنين بدأت أفكر بطريقة أخرى حتى بزغ لى فرض مختلف يقول:

يبدو أن وعى الطفل الأقرب للفطرة يكون قادراً على التواصل مع القرآن الكريم وعيا نقيا خالصا بشكل سلسل يسهل تسجيل حروفه وألفاظه كلها بهذه السهولة المتناغمة وهذا العمق المتوازن، وأن هذا يظل كذلك بقية حياته مهما ابتعد عن هذه الخبرة الأولى زمانا أو ممارسة.

الفكرة الثانية:

حين وصلت إلى نهاية الصفحة لاحظت أن هذا هو اليوم الوحيد (حتى الآن ولسبعة أيام لاحقة) الذى كتب فيه شيخنا التاريخ الهجرى فى النهاية  (كما ذكرت فى المقدمة)، فرحت أراجع صفحات التدريب والتاريخ فى نهاية سبع نشرات سابقة، وسبعة لاحقة، فكانوا على الوجه التالى:

الصفحة رقم 26   …………………………………………  التاريخ 22-2-1995

الصفحة رقم 27  ……………………………………….   التاريخ 23-2-1995

الصفحة رقم 28   ………………………………………..  التاريخ 24-2-1995

الصفحة رقم 29   …………………………………………  التاريخ 25-2-1995

الصفحة رقم 30   ……………………………………….  التاريخ 26-2-1995

الصفحة رقم 31   ………………………………………..  التاريخ 27-2-1995

الصفحة رقم 32   ………………………………………..  التاريخ 28-2-1995

الصفحة رقم 33 التاريخ 29 رمضان  (صفحة اليوم)

الصفحة رقم 34  ………………………………………….  التاريخ 2-3-1995

الصفحة رقم 35   …………………………………………  التاريخ 3-3-1995

الصفحة رقم 36   …………………………………………  التاريخ 4-3-1995

الصفحة رقم 37   ………………………………………..  التاريخ 5-3-1995

الصفحة رقم 38   ………………………………………..  التاريخ 6-3-1995

الصفحة رقم 39   ………………………………………..  التاريخ 7-3-1995

الصفحة رقم 40   ………………………………………..  التاريخ مارس 1995

اقتربت بذلك من الفرض الذى ذكرته سابقا والذى يقول:

 إن ما يسطره الأستاذ فى كراس التدريبات هو مجرد “قمة جبل” من وعى بذاته، يحضر أثناء التدريب، ولا يسجل منه إلا ما يظهر على سطح عموم الوعى، وهذا هو ما يبرر قراءتى استطرادا وتداعيا حتى الآن (نشرة 28-7-2011 قراءة فى الصفحة 30) ، ويبدو أن وعى رمضان حضره هذا اليوم (29 منه) فجاءت التدريبات كلها ابتهالات ودعاءً وتسبيحا كما لاحظنا.

الفكرة الثالثة:

لاحظت أيضا أن هذا التاريخ (29 رمضان) هو فى العشر الأواخر من رمضان التى فيها ليلة القدر “التمسوها فى العشر الأواخر”، وهو أقرب ما يكون إلى الشائع عنها (27 رمضان) واسترجعت علاقتى بهذه السورة الجميلة وكيف أننى تحفظت على كثير من تفسيرات تقليدية لهذه السورة بالذات وخاصة ما ذكر فيها من أن القرآن الكريم نزل فى ليلة القدر مع أن التاريخ العادى يقول إنه نزل على دفعات طول سنوات الرسالة كلها (23 سنة).

وصلنى احتمال فرضى ينبهنى أن الوحى الإلهى يمكن أن ينزل جرعة واحدة فى وحدة زمنية  متناهية الصغر بحيث لا يرصدها الزمن العادى ثم إنها قد تستغرق للخروج إلى الوعى الخاص فالعام سنوات طوال بحساب الزمن العادى.

قياساً مع الفارق حضرتنى بحوثى فى الإبداع بالذات، وخاصة فى قراءتى فى شهادات المبدعين (مجلة فصول: المجلد التاسع العدد الثالث والرابع 1990)، وهو قياس مع الفارق طبعا وكيف أن الرواية (أو القصيدة) التى تكتب فى عشرات أو مئات الصفحات قد تتكثف ابتداءً فى لحظة شديدة القصر ثم يضطرد الإبداع بعد ذلك وكأنك تشد خيطا  متصلا من كتلة هلامية حضرت مرة واحدة ثم إذا بها تنساب كالخيط نسيجا على مساحة أكبر فأكبر فى زمن قد يصل إلى سنوات وليس معنى ذلك طبعا أن القرآن الكريم هو إبداع النبى صلوات الله عليه بأية حال من الأحوال.

هذا مجرد فرض محدود لا أتمسك به بل ولا أنصح بالتمادى فى القياس عليه، المهم أن كل ذلك  كاد يدفعنى إلى أن أعرج إلى فحص علاقة شيخى بالدعاء والتسبيح وبالهدى وبالتوحيد، وبالله عز وجل.

 بدأ شيخنا  تدريب اليوم بأن الله واحد لا شريك له (التوحيد) ثم تلى ذلك أن محمداً رسول الله (فكتب الشهادتين ليس بنصهما المعتاد)، رحت أراجع فى ذاكرتى مما تناقشنا فيه أحيانا حول أن الشرك غير الكفر، فالشرك هو أن نشرك مع الله فى عبادتنا أى موضوع آخر: شخص آخر زوج أو ولد أو مال أو سلطة أو ذات، أما الكفر فهو إنكار الحق تعالى أصلا، قصورا، أو جهلا أو عمى.

وأجلت الاستطراد فى ذلك واثقا أننا سنعود إليه فى صفحة تدريب قادمة

ثم يختم شيخنا التدريب هكذا:

“الهدى من الله”

ثم سبحان ربى العظيم

وقد ناقشنا من قبل كيف أن الهدى من الله، وكيف أن الله يهدى من يشاء، ومع ذلك يظل الاهتداء إلى الحق هو مسئولية العبد تماما ودائما. “نشرة 27-1-2010 “قراءة فى صفحة التدريب (8)”

وأخيراً فأنا لا أذكر هل كتبت فى قراءتى حتى الآن فى كراسات التدريب ما يكفى عن قراءتى لظاهرة التسبيح لأننى أذكر أن شيخى كان يكرر هذا التسبيح صامتا كثيرا كثيرا وأعتقد أننى لابد سأعود إلى ذلك مع العروج إلى تسبيح الجماد (الجبال مثلا) لرب العالمين، وتسبيح ما بين السماء والأرض…الخ وعلاقة ذلك بالإيقاع الحيوى.

خاتمة:

بينى وبينكم لا أريد أن أعرج إلى تفصيل أكثر من ذلك عن علاقة شيخنا بربنا تعالى، الأمر الذى أنكره الجناة، وهمشه غلاة المحدثين ولقد رجعت إلى ما تيسر لى حالا من المتاح فى هذا الصدد بدءًا بكتاب جورج طرابيشى “الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية” (الطبعة الأولى 1976 حتى الثالثة وهى التى عندى 1980)، وانتهاء بكتاب البحث عن زعبلاوى تأليف: خالد عاشور الهيئة العامة للكتاب 2006)، مرورا بكتاب الإسلامية والروحية فى أدب نجيب محفوظ تأليف محمد حسن عبد الله (مكتبة مصر 1978)، فوجدت ان هذا كله يحتاج إلى كتاب مستقل خصوصا إذا أضفت إليه دراستى السابقة “قراءة فى نجيب محفوظ” وخاصة (“دورات الحياة وضلال الخلود” ملحمة الموت والتخلق فى الحَرافيش، والشحاذ، ثم ليالى ألف ليلة” الهيئة العامة للكتاب 1996)، وقد وجدت أن المسألة تحتاج إلى كتب لا كتاب، فإذ أضفت إلى كل ذلك ما خططت له لاستكمال دراستى التكاملية لكل من “أصداء السيرة الذاتية” و”آحلام فترة النقاهة” ، مما وعدت به بعد انتهائى من دراستى التشريحية لهما فقرة فقرة، (“كتاب طبيعة الحلم والإبداع دراسة نقدية لأحلام محفوظ” مكتبة الشروق 2011) وأسوة بالفصل الذى ألحقته بآخر كتابى (“أصداء الأصداء” المجلس الأعلى للثقافة 2006) عن الطفولة. إذا جمعنا كل ذلك إلى بعضه إذن لأمكن أن نشير إلى بعض ابعاد هذه العلاقة الرائعة الهادية الأصل.

هل يمكن؟

الواجبات تتسع والأمل يزدهر وأدعو الله أن يتيح لى الفرصة لأكمل ما وعدت به!!

إن كان فى العمر بقية.

من يدرى؟

سيدى، دعنى أحذو حذوك وأنا اختم هذه النفحة الرمضانية بالدعاء لك ولنا ولمصر

رمضان كريم

وكل عام وأنت معنا أرحب وأعمق

17 رمضان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *