الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ الصفحة 106 الحلقة رقم (9)

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ الصفحة 106 الحلقة رقم (9)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 31 – 1 – 2013

السنة السادسة

العدد: 1980

17-1-2013_1

نواصل زيارة مكتبة الأستاذ (قراءة فى نفس الصفحة) الحلقة رقم (9)

ما تبقى من (ص 106) من الكراسة الأولى

31-1-2013……

مختارات‏ ‏الشعر‏ ‏العربى

ما‏ ‏ترجم‏ ‏من‏ ‏الاغريق‏ ‏والانجليزي

والفرنسى وغيرهما‏ ‏من‏ ‏الادب‏ ‏الغربى

ثم‏ ‏تجىء‏ ‏القراءة‏ ‏في‏ ‏اللغات‏ ‏الاجنبية

وقد‏ ‏قرأت‏ ‏ما قرأت‏ ‏بوجد‏اني ‏ولم‏ ‏ادرسه

نجيب‏ ‏محفوظ

 

 مقدمة

وهكذا تنتهى قراءة صفحة واحدة 9 نشرات (شهرين من 6-12-2012 إلى 31-1-2013)، ولم أعطها حقها، لكننى اعتبرتها مجرد عينة ناقصة للقراءة الشاملة ربما أهتدى بها حين يأتى أوان الدراسة الشاملة، (1043 صفحة، ألف مائة وثلاثة وأربعين صفحة)

مجرد عينة ليست جامعة ولا مانعة

كتب شخينا وهو ينهى التقليب فى مكتبة وعيه الحاضر فى تدريباته (ولا أقول ذاكرته) حين ذكره أنه “أما عند الترتيب…”: ووضع “القرآن الكريم” على رأس القائمة، ثم ها هو ينهى هذه الصفحة “المكتبة” بما لا نمل من تكراره أنه: “وقد قرأت ما قرأت، بوجدانى ولم فى أدرسه”

أوحشتنا يا شيخنا!!

ونواصل معك:

“مختارات‏ ‏الشعر‏ ‏العربي”

أما عن قراءاته فى مختارات الشعر العربى، فلعل الذى يتابعنا قد اندهش معى من غريب وقديم ما حضره من اول الشعر الجاهلى وحتى يومنا هذا، جنبا إلى جنب مع الشعر الحديث الجميل منه، ثم إنى حين انتبهت إلى كلمة “مختارات” تعجبت لأننى لا أتصور أنه كان يختار من الشعر ما يستحسنه، بل لعله كان حين يقرأ بوجدانه كان وجدانه يستحسن ما يستحسنه فيبقى معه، ويأتى ترتيبه حيث أورد، لكننى لاحظت فى كراسات التدريب حتى الآن أنه لا توجد قاعدة ثابتة لما يرده من الشعر العربى”:

*  فقد يأتى ببيت لأن أم كلثوم غنته مثل “أراك عصى الدمع  شيمتك الصبر، أما للهوى نهى عليك ولا أمر”، لأبى فراس الحمدانًى.

* ثم يأتى بيت آخر ربما لأنه يعبر عنده عن ذكرى ابن عزيز رحل مثل بيت أبى العتاهية: “وكانت فى حياتك لى عظات وأنت اليوم أوعظ منك حيا”…

*أو ليعبر حكمة سائرة مثل بيت المتبنى: لكل داء دواء يستطُّب به … إلا الحماقة أعيت من يداويها. أو لعمر بن أبى ربيعه:

وقد أسمعتُ إذ ناديت حيا  ولكن لا حياة لمن تنادى (1)

ولو نارا نفختَ بها أضاءت ولكن أنت تنفخ فى رماد

وقد عقبت آنذاك أن نجيب محفوظ كان نادرا ما يستشهد بالشعر أثناء جلساتنا اللهم إلا إذا كان قفشة مثلما حكيت عن استشهاده ضاحكا ببيت جميل بثينه:

ألا إيها النوّام ويحكمو هبوا    أسائلكم هل يقتل الرجلَ الحبَ

ذكرت فى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ”  نشرة 6-5-2010 (الخميس‏: 26/1/1995‏) ما يلى:

“…. ‏قال‏ ‏الأستاذ‏، ‏إنه تذكر طرفة لا يعتقد أنها حدثت، ذلك أن ‏ ‏شاعرا‏ ‏كان‏ ‏ينشد بين صُحبة غلبها نعاس حين أفرطت فيما يمكن أن يُنِعس، فأنشد الشاعر:‏

“ألا أيها‏ ‏النوام‏ ‏ويحكموا‏ ‏هُبُّو ‏   ‏أسائلكم هل يقتل الرجُلَ الحبُّ ‏‏”

‏فقام‏ ‏أحد الذين قد غلبه الشراب حتى كاد ينام، وصفعه محتجا أنه:

 “‏أتوقظنا‏ ‏ياغبى ‏لهذا‏ ‏السبب‏ ‏التافة؟‏”

 ‏وضحك‏ ‏الاستاذ‏ ‏ومال‏ ‏إلى ‏الخلف‏.

‏ فضحكنا جدا.

ربنا‏ ‏يخليه‏”

وفى قراءاتى لبعض ما يرد من مختارات الشعر العربى “كنت أستشف حالته الوجدانية ليس فقط من البيت الذى ظهر وإنما مما قبله أو بعده”، مثلا:

*وحين قرأت له هذا الشطر للبحترى (نشرة 7-1-2010 صفحة (3) من الكراسة الأولى.

“صنت نفسى عما يدنس نفسى”

رجحت أن البيت الثانى هو الذى استدعى هذا البيت دون أن يظهر، وهو البيت الذى يقول فيه البحترى :

وَتَماسَكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْــرُ التماساً منهُ لتَعسِي، وَنُكسي

هذا الرجل –  شيخنا محفوظ- تماسك حين زعزعه الدهر، تماسك تماسكا لا أعتقد ان له مثيل بالدرجة التى وصلتنى.

*ثم إنى لا أعرف هل اعتبر شيخنا ما ترجم من الشعر غير العربى إلى الشعر العربى هو ضمن ما أسماه مختارات من الشعر العربى أم لا، فحين قرأت اقتطافه لترجمة أحمد رامى “لرباعيات الخيام” حضرتنى كل من أم كلثوم واحمد رامى معا وقد عددت ذلك من الشعر العربى باعتبار أن هذه الرباعيات أصبحت عالمية تتجلى فى أية لغة وياحبذا شعرا، كتب شيخنا.

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر

نادى من الغيب غفاة البشر

هبوا املأوا كأس المنى

قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُ الَقَدر

 لكننى وجدته أيضا معنيًّا بترجمة محمد السباعى لنفس الرباعيات كذلك، وهو نص بعد أن قلب السباعى الرباعيات إلى خماسيات، لم أكن أعرف أن شيخنا أحب ترجمة محمد السباعى لرباعيات الخيام إلى هذه الدرجة، درجة أن تقفز إلى وعيه فى تدريباته هكذا، وكنت أتصور أن أم كلثوم بشدوها للرباعيات هى التى أحضرت عمر الخيام إلى وعى الأستاذ كما ذكرت سابقا (نشرة 2-6-2011 “قراءة فى صفحة التدريب 24من الكراسة الأولى) … المهم الرباعية ترجمة السباعى التى أورد بعضها تقول:

غرّد الطير فنبّه من نَعَسْ

وأدِرْ كأسك فالعيش خُلَس                          

سلَّ سيفُ الفجر من غِمد الغلس     

وانبرى فى الشرقٍ رامٍ أرسلاَ

أسهم الأنوار فى هام القلاع

(الخُلَسْ: = الفرصٌ الهرّابة)

(والغلَسْ: = ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح)

* ثم إن الذى كان يفاجئنى فعلا هو أن يرد بيت غريب علىّ وعلى غيرى مثلما فوجئت بهذا البيت: “ودار ندامى عطلوها وأدلجوا    بها أثر منهم جديد ودارس”، وإذا به لأبى نواس، وإذا رجعنا إلى ما كتب شيخى فى هذه الصفحة، وما عقبت عليه لقرأنا: كيف يطفو هذا البيت الجميل هكذا من بين “مختارات من الشعر العربى” إلا أن يكون صاحب هذه الذاكرة فريد فريد فى كل شئ، وأرجع إلى حكاية هذا البيت أنه يروى أن أبا نواس ونفر من أصحابه -كما يروى عن الصولي في زهر ‏الآداب وثمر الألباب- أنهم رأوا في قصر كسرى آثاراً في مكان حسن تدل على ‏اجتماع كان لقوم زاروه قبلهم، فأقاموا خمسة أيام يشربون ثم سألوا أبا نواس ‏ليصف لهم هذه الحادثة فقال أبياتا منها هذا البيت.

* أو خذ شطر البيت الذى يقول: “ولكن لا حياة لمن تنادى” بعد أن ظهر فى صفحة “6” من الكراسة الأولى للتدريب (نشرة 14-1-2010) وقد ناقشنا حينذاك كل البيت بشطريه ثم البيت الذى يليه وهما:

وقد أسمعتُ إذ ناديت حيا      ولكن لا حياة لمن تنادى

ولو نارا نفختَ بها أضاءت     ولكن أنت تنفخ فى رماد

لو أن محفوظ تصور ثانية واحدة أنه ينفخ فى رماد، أو أنه ينادى موتى، لما استمر يخط كل ما خط حتى آخر لحظة فى حياته، لقد ظل ينحت فى صخر وعينا طول الوقت، طول العمر، وهو يتناول قضايا الوجود بعد أن تغطت بالخوف والتأويل السطحى والتفسير الوصى، كما يتناول قضايا الواقع من ناحية أخرى، كل ذلك من جوف جوف وعيه الخلاق، فثم حياة لمن ينادى، وثم نورا يضيء من نفخه فى نار إبداعه، وفى رأيى أنه ما جاء ذكر هذا الشطر من هذين البيتين فى تدريبه، إلا ليقول لنا: إياكم أن تكونوا مثل ذلك، فأنتم لستم كذلك، لأننى أواصل النداء، وأواصل النفخ فى النار لتضىء لكم، لى، لنا ، الطريق ، إليه، إلينا!!

* ومن غريب ما صادفنى أيضا ما ورد هكذا:

“رب قوم قد أناخوا حولنا” ….

فأجد تكملة النص فى “شعر عدى بن زيد” فى رواية تقول:

رب قوم قد أناخوا عندنا      يشربون الخمر بالماء الزلال

ثم أضحوا لعب الدهر بهم     وكذاك الدهر حالا بعد حال

****

* أما أندر النادر – بالنسبة لى على الأقل- فأورد ثلاثة أمثلة:

(1) فكان فى  نشرة  13-10-2011  العدد: 1504 صفحة 39 من الكراسة الأولى) فكان:

أيها‏ ‏القوم‏ ‏المخبون على الأرض ‏

فكما‏ ‏أنتم‏ ‏كنا‏    ‏وكما‏ ‏نحن‏ ‏نكون

(2) وفى نشرة: 8 – 11 – 2012 العدد:  1896 ص 103 من الكراسة الأولى “شطر البيت”

دعوني‏ ‏فهذا‏ ‏كله‏ ‏قبر مالك

وهو شطر بيت يقول: “دعونى‏ ‏فهذا‏ ‏كله‏ ‏قبر مالك”، وهو من شعر الجاهلي متمم بن نويره فى تلك القصيدة التي بكى بها أخاه مالك قائلا:

لقد لامني عند القبور على البكا
                           رفيقي لتذراف الدموع السوافك
يقول: أتبكي كل قبرٍ رأيتهُ
                           لقبرٍ ثوى بين اللوى فالدكادكِ
فقلتُ له: ان الأسى يبعثُ الأسى
                            دعوني فهذا كلهُ قبرُ مالكِ

(3) وفى نشرة 12-1-2012  العدد: 1595 صفحة (53)  من الكراسة الأولى

…. قال سمعت الربيع بن سليمان يقول كنت عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة فقرأها ووقع فيها فمضى الرجل وتبعته إلى باب المسجد فقلت والله لا تفوتني فتيا الشافعي فأخذت الرقعة من يده فوجدت فيها:

سل المفتى المكى هل فى تزاور ** وضمة مشتاق الفؤاد جناح

فإذا قد وقع الشافعى:

فقلت معاذ الله أن يذهب التقى ** تلاصق أكباد بهن جراح

وفى موقع آخر في كتاب معجم الادباء لياقوت الحموى وجدت ما يلى:

ان رجلاً فتياً جاء للشافعي وهو جالس في الحرم المكي ودس اليه ورقة فيها هذا السؤال:

سلِ المفتي المكي من آل هاشمٍ

إذا اشتد وجد بامرئ كيف يصنعُ؟

*****

* ثم إنه أورد أراجيز قد لا ترتقى إلى مرتبة الشعر العربى الأصيل لكنها نبهتنى إلى رقة حساسيته وهو يكتب فى (نشرة  4-8-2011   العدد: 1434 صفحة 31 من الكراسة الأولى):

بشرى لنا نلنا المنى

وبرغم أننى لم أعرف من هو قائل ذلك الرجز، إلا أننى فرحت به فرحا شديدا، ورجحت أنه طقطوقة فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، فتصبح كل التداعيات اليوم فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونبدأ بالطقطوقة:

بشرى لنا نلنا المنى = زال العنا وافى الهنا

يا نفس طيبى باللقا = يا نفس قرّى أعينا

هذا جمال المصطفى = أنواره لاحت لنا

يا طيبة ماذا نقول = وفيك قد حلّ الرسول

وكلنا يرجو الوصول = لمحمد نبينا

…………

أنا أتعجب من شيخنا هذا، وددت لو ملكت نورا على نور: أضىء به خلايا مخه حتى أرى كيف تتواتر المعانى والأنغام هكذا بهذه الطريقة، تدريب اليوم كله يدور حول حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 *****

* ثم أختم بما أورده من قصيدة الحصرى الضرير القيروانى (1029 – 1095) ذكرتها فى “نشرة  4-10-2012 صفحة 97 من الكراسة الأولى” والتى جعلتنى أرجع إلى كل من عارضها وأنتقى منها ما تيسر:

تبدأ قصيدة أبو الحسن الحصري القيروانى:

يا ليل، الصب متى غــده
أ قـيـام الساعـة مـوعـده
رقــد الســــمَّـــار وأرقـه
أســفُُ لـلـبــيــن يــرددهُ

وقد عارض القصيدة أيضا ما بين القيروانى وأحمد شوقى كثيرون منهم أديب نجم الدين القمراوى وآخرون مثل: ابن الأنبار، واسماعيل الزبيري اليماني، شمس الدين الحسيني، اسماعيل صبري. وذكرت بعض كل ذلك – تقريبا – فى قراءتى لها فأثرتنى وأطربنى.

*****

وبعد

فإن آخر ما جاء فى الترتيب الذى مازلت لا أفهم ماذا كان يعنى حين وصفه أنه مضى وانقضى، أما الترتيب فقد مضى وانقضى”، أقول آخر ما جاء فى الترتيب هو:

“ما‏ ‏ترجم‏ ‏من‏ ‏الاغريق‏ ‏والانجليزي”، “والفرنسى ‏وغيرهما‏ ‏من‏ ‏الادب‏ ‏الغربي”

فهو يختم جولتنا فى مكتبه، التى هى جولته فى ذاكرته ووعيه، بتعميمات بقوله قراءات ما ترجم من الاغريقى والانجليزى والفرنسى وغيرهما من الأدب الغربى، ولنا هنا وقفه أمام هذا التعبير لنكتشف كيف أن كلمة “قراءات” لا تقتصر على الأدب وإنما تمتد إلى عموم “ماترجم”، وما نمى إلى علمى هو أنه قرأ أمهات كتب الأدب بالانجليزية، بل وبالفرنسية وهذا بصراحة من أغرب ما تعجبت له، وفرحت به، وإن لم أتعلم منه الكثير، فبرغم حبى الشديد للغة الفرنسية إلا أننى عجزت عن القراءة بها حتى الكتب العلمية، كما أننى لا أحب القراءة بالانجليزية ولا حتى فى الطب النفسى، مع أننى درست كل الطب وحتى الآن بالانجليزية، فما بالك بالأدب الانجليزى أو الشعر الانجليزى.

*****

وعندما نقرأ عبارة:

“ثم تجئ‏  ‏القراءة‏ ‏في‏ ‏اللغات‏ ‏الاجنبية”، نلاحظ حرف العطف “ثم” وليس “الواو” يقول ثم تجئ القرأة فى اللغات الأجنبية وقد فرحت أيضا لاستعمال حرف “فى” وليس الباء فى اللغة الاجنبية وليس باللغات الأجنبية”، ولا أعرف سببا لفرحتى وإعجابى.

*****

وبعد:

اسمحوا لى أن أختم هذه الزيارة التى طالت بأن أكرر تعبيره الذى استشهدت به هنا، وأيضا فى أطروحتى التى تنشر تباعا عن “الادراك” كما ذكرت سابقا، أكرر قوله “وقد قرأت ما قرأت بوجدانى ولم أدرسه”

تُعِّلمُنَا شيخنا الجليل حتى فى ما خطر لى فى علمى الخاص جدا عن الإدراك بعد زعم رحيلك، تعلمنا علاقة الوجدان بالادراك بالمعرفة بالابداع (ابداع التلقى هنا الذى يغفل عنه الكثيرون)

ياه

لهثت حتى انتهت الجولة فى هذه المكتبة الزاخرة، تحضر فى وعى شيخى فى صفحة واحدة، أقرأها فى تسع نشرات خلال شهرين.


 [1] – كل ما هو مظلل فى هذه النشرة هو ما جاء فى صفحات التدريب بخط الأستاذ ويمكن الرجوع إليها حسب الروابط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *