نشرة “الإنسان والتطور”
26-5-2011
السنة الرابعة
العدد: 1364
عودة إلى:
إعادة تجميع الحلقات من (21 – 23)
المقدمة:
كما اتقفنا
سوف أنشر ما سبق نشره فى خمس نشرات متتابعة آملا فى تواصل المتابعة خمس صفحات معا، هذه هى الحلقة الخامسة والأخيرة.
****
من كراسات التدريب (1)
ص 21
بسم الله الرحمن الرحيم
_________
نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
إنا أعطيناك الكوثر
فصل لربك وانحر
العمر بيد الله ولكل أجل كتاب
ولا إلا الله وأن محمد رسول الله
17 فبراير 1995
القراءة:
سرعان ما عاد إلى البدء باسمه واسمى كريمتيه مما لا يحتاج إلى تعليق جديد
أما حضور الآية الكريمة “إنا أعطيناك الكوثر”، فقد استجلبت عندى تداعيات عديدة ، فقد شعرت أنها تتعلق بوعيه بما تلقى من نعمة الله سبحانه وتعالى عليه بهذا العطاء الكثير من فيض الإبداع الذى فاض به علينا بدوره، وقد تصورت أن الله سبحانه حين أعطى نبينا الكريم صلوات الله عليه الكوثر، لم يختص به النبى دون غيره، بقدر ما كان عطاء مفتوحا لكل من يتواصل مع ربه ويحمل أمانته فيفيض بها كوثرا على غيره من عباده.
أركز هنا على معنى واحد من معانى الكوثر الذى وردت له حوالى عشرون معنى على الأقل فى التفاسير المختلفة، المعنى الذى انتقيته هو معنى “الوفرة، والكثرة” بما هو فيض دافق،
“فالعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر “كوثراً”.
قال سفيان: قيل لعجوز رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: بكوثر، أي بمال كثير.
والكوثر من الرجال: السيد الكثير الخير.
وأيضا هو صفة لشخص كريم ، قال الكميت: وأنت كثير يا بن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل “كوثرا”
والكوثر: العدد الكثير من الأصحاب والأشياع.
وقد اقتصرت فى قراءتى لما حضر فى وعى الأستاذ هنا على التركيز على هذه المعانى دون غيرها كما قلت، واستبعدت المعانى العيانية المحددة مثل أنه “نهر فى الجنة” أو حوض اختص به النبى أو غير ذلك من أمور عينية أتت بها التفاسير، مستشهدة بأحاديث شريفة مختلفة مستويات قوتها وسندها، فلا أرفضها، ولا أتوقف عندها، لكننى رحبت فى نفس الوقت بدرجة نسبية بتفاسير أخرى تقول أن الكوثر “هو الإسلام”، أو “القرآن”، أو “تخفيف الشرائع” أو “الإيثار” أو “الشفاعة” أو “الفقه فى الدين”، هذه كلها معان محتملة أقرب إلىّ من تلك المعانى العيانية، فأقبلها أكثر لكننى لا أتوقف عندها أيضا، فأرجع إلى المعنى الأول الأكثر مباشرة، والأرجح عندى أنه خليق أن يحضر فى وعى الأستاذ هكذا،
الذى وصلنى من كل ذلك أن ما حضر فى وعى الأستاذ – دون قصد طبعا أو حتى إدراك لاحق- مما جعل هذه الآية تقفز إلى قلمه هو امتلائه بما أعطاه الله من وفرة وفيض فى الإبداع ، وفيضان بحب الناس، وكرم فى العطاء، وأن هذه الآية قد تنزلت عليه من جديد أثناء التدريب، فأنا ممن يرون أن القرآن الكريم يتنزل علينا باستمرار، – استلهاما من سورة القدر وغيرها –، وقد تتنزل الآية الواحدة فى كل مرة علىّ مثلاً، برسالة مختلفة، وقد شعرت أن هذه الآية الكريمة قد تنزلت على وعى الأستاذ “هكذا” من جديد فى ظروفه الجديدة تلك،
أما الآية التالية “فصلّ لربك وانحرْ” فأنا، أستطيع أن أقر أننى لم أر نجيب محفوظ إلا مصليا لربه، أما النحر فأفضل تأجيل الكلام عليه، نظرا لأنه يحتاج استعراض تاريخ طويل قبل ان أقول فيه ما وصلنى مما قد يكون قد وصل لنجيب محفوظ وأُنْزِل عليه مع إعادة حضور الآية الكريمة.
ثم يختم الأستاذ تدريب اليوم بإقرار أن: “العمر بيد الله ولكل أجل كتاب” وأنه ” لا إلا الله، وأن محمدا رسول الله”
وهل يحتاج هذا ، بعد ذلك إلى قراءة
وهل يمكن أن تكون هذه الخاتمة هكذا، بعد أن تنزل عليه كل هذا “الكوثر”، إلا تسلّما للأمانة، وحملا للرسالة التى أعطاها له الله، الذى بيده العمر، لتوصيل ما فاض به ربنا علينا من كوثر لتوصيله إلى اصحابه، حتى يحل الأجل المكتوب فى كتابنا، فيتعمق التوحيد، ونقتدى برسلونا الكريم صلى الله عليه وسلم وكيف فعل بما أعطى من “كوثر”، وكما فعل شيخنا وهو يصلى طول الوقت، حتى يحين أجله ، وينتهى عمره الذى لا ينتهى، وهو خاشعُ، مبدعُ، قريبُ، راضُ، كما حدث.
****
(صفحة 22)
بسم الله الرحمن الرحيم
نحيب محفوظ نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
صعدت إلى مدينة المقطم لقضاء
سهرة ممتعة فى بيت الدكتور يحيى
الرخاوى العامر
ودار الحوار حول الأرواح وتحضير
الأرواح وانتقل إلى الباراسيكولوجى
وقيلت آراء فى غاية الطرافة.
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
18 فبراير 1995
القراءة والتداعيات:
شيخنا يعود كما عودنا فى البداية للبدء بالبسملة ثم باسمه ثم كريمتيه، لا جديد إلا التأكيد على التراجع عن التفسير الأول من حيث أنه كان يبدأ بما تعود أكثر، هذه الأسرة الجميلة التى هى رعيته تشغل وجدانه بكل هذا الحضور طول الوقت.
لا تعليق.
ثم يتفضل بذكر بيتى شخصيا فى كراسة تدريبه، ولهذا قصة وموقف:
فقد كنت ضيفا عليه فى بيتى طوال ما يقرب من عشر سنوات، حوالى خمسمائة أسبوع، حوالى ألف وخمسمائة ساعة!! ياه !!! كيف ذلك؟ كيف تفضل علىّ هو وأصدقاؤه بكل هذا الكرم؟ برغم هذا لم أذكر هذه الحقيقة أبدا فى أى من وسائل الإعلام، أو الصحف اللهم إلا ما جاء فى سطر واحد فى قصيدة رثائه التى نشرت بالأهرام على ما أذكر، كان المقطع الذى يصف جلسته فى بيتى بوجه خاص هو من أصعب ما حضرنى حتى أننى كلما قرأته الآن يحدث لى “ما يحدث جداً”، المقطع كله يقول:
كنا نريدك مثل أطفالٍ أبوْا أن يُفطموا من حلو ما نهلوا عطاءك، مثلنا
كنا نريدك نحتمى فى دفء بُرْدِكَ من برودةِ عصرنا.
لكنَّ خاتمة الكتاب تقررت، فسمعتّهَا،
وكتمتََهَا حرصا علينا،
ثم انسحبتَ برقةٍ وعذوبةٍ،
وتركتَنَـا.
لمَ هكذا؟
علـّمتنا شيخى بأنا قد خُـلقنا للحلاوةِ والمرارةِ نحملُ الوعىَ الثقيلَ نكونُـه سعيا إليه.
فاجـَـأْتَنَا،
ورحلتَ دون سَؤاِلنَا
وبكى “الخميسُ” لقاءَنا،
وتركتَ بيتىَ خاويا فى “كل جُمعةْ”.
الخميس هو يوم الحرافيش، وهو الذى بكى لقاءنا، عنده حق.
أما “الجمعة” فما زلت لا أعرف لماذا لم أسجل عن هذا اليوم فى كتاباتى بما يستحق، أو عُشر معشار ما يستحق؟ ولماذا تجنبت، وحتى الآن، أن أذكره فى أحاديثى عنه لعامة الناس، بشكل بدا فيه سبق إصرار وترصد، حتى أنه كان مثار لوم شديد من زوجتى ، وهى المضيفة الأصلية، صاحبة البيت بعده، كانت تنبهنى إلى أن إنكارى ذكر هذا اليوم بهذه الصورة فيه شىء ما ضد الأمانة التاريخية، حين رجعت إلى نفسى أحاول أن أفسر تصرفى هذا أرجعت عزوفى ذلك إلى كثرة ما سمعته من محبيه، ومخالطيه، من مبالغة فى تصوير علاقتهم به على أنها علاقة خاصة جدا، دون كل الآخرين، سمعت ممن كان يدعى أنه يجلس معه منفردا فى قهوة “على بابا كلاما كثيرا ” مثل ذلك، وذكرت قبل ذلك زعم أحدهم أنه بطل رواية الكرنك، وذكرت فيما سبق الحوار الذى دار حول ذلك، ولكننى أبدا لم أسمع من توفيق صالح مثل ذلك، مع أن بيته كان هو مكان لقاء الحرافيش منذ انتظمت فى ذلك، وقبل أن أنتظم فى ذلك لمدة سنوات، ربما بعد العملية الجراحية التى أجراها فى لندن واشرت إليها حين ذكرت كيف ظهر “العدس” فى مأدبة الحرافيش بديلا عن الكباب، أيضا سمعت من بعض الحرافيش جلستهم فى بيت المرحوم محمد عفيفى، الذى شعرت أن له مكانة خاصة جدا فى قلب الأستاذ، وأعتقد – دون يقين – أن الأستاذ حكى مرة أو مرات عن جلسته فى حديقة بيت محمد عفيفى تحت شجرة ما، كانت له، أو للمرحوم عفيفى، بها علاقة خاصة. كنت قد فسرت حرجى من ذكر يوم الجمعة طوال هذه المدة بأنه خوف من ادعاء “التمحك” لقد كان هذا الموقف موجودا معى، ليس فقط بعد رحيله (إن كان قد رحل)، وإنما أثناء تشريفه بيتى، حتى أننى لم ألتقط ولا صورة واحدة لأحفادى معه، برغم أنهم ألمحوا إلى ذلك أكثر من مرة، لكن يبدو أن موقفى قد وصل لهم فلم يصروا.
ثم إن علاقتى شخصيا بهذه الجلسة فى بيتى لم تكن ثابتة ثبات علاقتى بلقاء الحرافيش يوم الخميس، حيث اعتدت من عشرات السنين ألا أتواجد فى القاهرة أيام الجمع أصلا، وقد سمح لى الأستاذ فعلا بعد السنوات الأولى من انتظامه أيام الجمعة فى بيتى ألا أحضر، حين أفهمته أننى لا اسافر لمجرد قضاء عطلة نهاية الأسبوع فى أقصى الشمال (الإسكندرية أو الشاطئ الشمالى حتى رأس الحكمة) أو أقصى الجنوب (دهب)، وإنما أسافر لأن هذا هو الوقت الوحيد الذى أختلى فيه بنفسى، وبعض عائلتى أحيانا، وأوراقى، وحاسوبى، وأقرأ وأكتب ما هو مقرر علىّ، وفى نفس الوقت هذا هو جوهر وجودى هربا من زحمة انشغالى، وقد التقط الأستاذ ذلك بسرعة فائقة وسماح رائع، حتى أنه كان يسألنى بعد عودتى كل أسبوع “هه؟ هل انتهيت مما كنت تنوى إنهاءه؟”، فأجيبه إجابة هو أدرى الناس بصدق دلالتها ” وهل ثم شىء ينتهى؟”، فيهز رأسه فى رضا عميق، وتصلنى مباركته غيابى، ما دمت “أقوم بالواجب، نحو ما أعتقد أنه أولى بالوقت”،
حين بدأت الاستئذان منه، ومن الأصدقاء، ألا أحضر يوم الجمعة فى بيتى، لأنه بيته، ولأنه المضيف، ولأن الأصدقاء الكرام الذين يحضرون إنما يحضرون له، وليس لى طبعا، تصورت أن بعضهم سوف يتعجب من هذا الموقف، لكن يبدو أنه قد وصلهم جميعا سماحه، وأن الوضع الطبيعى هو أن هذا هو بيته هو، وليس بيتى، حتى حين حدث فى السنوات الأخيرة بعض سوء الفهم من بعض الطيبين، ليس بينى وبينه، ولكنه سوء فهم طيب والسلام، راح بعض الطيبين الآخرين يتصورون أن هذا “السوء فهم”: سوف يجعله يتردد فى أن يحضر إلى بيتى بكل هذا الانتظام كل يوم جمعة، كل يوم جمعة، كل يوم جمعة، لكنه ظل يحضر كل يوم جمعة، كل يوم جمعة، حتى حال دون ذلك المرض، فإرادة الله بالفراق الذى اختار توقيته غالبا (“لم قلتها شيخى: “كفى”؟)
لكن ظل يوم الجمعة هو يوم الجمعة بعد رحيله، فقد انتظم كل الأصدقاء فى اللقاء فى نادى الأطباء البيطرين قرب بيته على شاطئ النيل فى العجوزة، دونى أيضا، لأننى شعرت أننى انفصلت عن هذا اللقاء وهو بيننا، فكيف أنتظم وقد رحل، و نفس الأسباب ما زالت قائمة
أذكر أن أصدقاء ومحبى الأستاذ فى هذا اليوم بالذات، كانوا ينقسمون عدة أقسام: قسم دائم الحضور رائع الالتزام، وقسم غالب الحضور حتى يبدو أنه حاضر حتى لو غاب، أما القسم الثالث فهم الزوار والمريدون لمرة أو بضعة مرات، فكانت الجلسة تضم أحيانا أكثر من عشرة افراد، ونادرا تقتصر على أربعة أو خسمة، وحين كانت الجلسة تتسع، كانت تجرى أحاديث جانبية كثيرة، كان يصعب علىّ ملاحقتها حين كنت أحضر، وربما هذا هو ما جعلنى لا أستطيع أن أتابع كل الحوارات التى كانت تدور أحيانا فى وقت واحد ربما. المهم امتدت هذه العلاقة بين هؤلاء الأصدقاء الكرام بشكل ملتزم طيب حتى الآن (2010) دون كل اللقاءات الأخرى حتى لقاء أصدقاء الثلاثاء (عوامة “فرح بوت”)، الذين أسموا أنفسهم بعض الوقت “الحرافيش” أو “حرافيش الثلاثاء” دون أخذ إذن من السجل العاطفى (المدنى والتاريخى)، فلم تستمر التسمية طويلا، حتى جماعة “فرح بوت” هذه لم تستسمر لقاءاتهم بعد رحيله طويلا – على حد علمى – مقارنة بجماعة الجمعة.
عرفت أن مجموعة “الجمعة” استمروا يجتمعون تحت هذا الاسم (جماعة الجمعة) فى آخر لقاء معهم فى ساقية الصاوى احتفالا بذكرى مولده، ثم إنى علمت من د. زكى سالم، ود. أحمد شوقى العقباوى، أنهم يناقشون عملا له كل شهر فى ساقية الصاوى، وأعتقد أنهم يناقشون أيضا عملا آخر فى اجتماعاتهم ، أو ربما هو نفس العمل أثناء لقائهم، لست أدرى.
وصلنى فى لقاء الساقية الأخير ما يشير إلى أنهم يعتبرون أنفسهم المسئولين المتطوعين للحفاظ على ما تيسر من تراثه بشكل أو بآخر، ياه !!!! إلى هذه الدرجة كان يوم الجمعة بهذا الأهمية، وكان هؤلاء الأصدقاء الكرام ، ومازالوا، بهذا الوفاء وهذا الحفاظ على العهد؟
ويظل السؤال دون إجابة: فلماذا كانت علاقتى شخصيا بهذا اليوم فى بيتى كأنها علاقة سرية، أو على أحسن تقدير علاقة تأتى فى المقام الثانى؟
كنت – وما زلت- أتصور أن جماعة الجمعة هذه بالذات سوف يرحبون ترحيبا مسئولا مشاركا، حين يعرفون أننى أكتب هذا العمل الآن (2010)، منذ بدأت أكتب يوميا فى موقعى منذ ثلاث سنوات عن الأستاذ، خاصة وقد خصصت يوم الخميس (يوم الحرافيش) له، منذ العدد الثالث تقريبا (وصلنا الآن إلى العدد (943)، لا بد أن الخطأ خطئى شخصيا، إذ لا يوجد تفسير آخر لعزوفهم عن المتابعة أو النقد أو التصحيح أو أى شىء.
حين ذكر الأستاذ فى تدريبه هذا اليوم (8 / 2 / 95) حضوره إلى بيتى بهذا الكرم، لم يكن بد من أن أعرج إلى كل هذه الاستطرادة، وقد حضرتنى ذكريات كثيرة كثيرة لم أسجلها، بل وشعرت بأننى مدين لهؤلاء الأصدقاء بالذات أن أحكى عنهم ما وصلنى على الأقل، وليس ما هم، أخشى أن أذكر بعض الأسماء فيتصور البعض أننى نسيت أو أغفلت الآخرين، هذا غير وارد فالمسألة أكبر من ذاكرتى، وهى أكرم من مثل هذا اللوم، المسألة فعلا تحتاج معلومات منهم بشكل مباشر أو غير مباشر جديرة بتسجيل، هذا تاريخ يا ناس، قد يكون أهم مما نشر هنا وهناك بدرجات متفاوتة من المصداقية: د. زكى سالم وحده يحتاج موسوعة كاملة إذا أردنا الحكى عن علاقته بالأستاذ، د. محمد عبد الوهاب، د. فتحى هاشم، أ.د. محمد راضى،أ د. أحمد شوقى العقباوى، أ.د.عمر عواد، الأستاذ: أسامة عرابى، المرحوم الأستاذ هارفى (المحامى)، الصديق القديم جدا اليسارى الثائر، الجميل، وقد كان فى مثل عمر الأستاذ تقريبا ، كنت أرسل للأستاذ هارفى السائق إلى بيته ليحضره خصيصا كل جمعة حين كانت صحته تسمح بذلك، كنت أشعر أن “التاريخ” يحضر بحضوره، وأقرأ ذلك على أسارير الأستاذ، تاريخه مع الأستاذ، وتاريخهما مع مصر والناس، حتى لو لم ينطق الأستاذ هارفى (المحامى) حرفا واحدا طوال الليلة، كان التاريخ يحضرنا بمجرد حضوره.
وبعد
أتوقف مرغما معتذرا وأتقدم بطلب موثق على يد محضر، أن يرسل لى “كل من يهمه الأمر” من جماعة الجمعة، ما يتذكره من هذه الجلسات، بأى درجة من الدقة، حسب ما تسمح به الذاكرة والحب والنقد، لعلها تعيننى أن أحكى عن هذه الجماعة ما تستحق ولو بعد انتهائى مما سجلت مصادفة هكذا، ربما أجد فيما يرسلون ما نعايش به هذا التاريخ كما ينبغى لما ينبغى، كما علمنا صاحبه، و أعتقد أن ذلك سوف يرضيه جدا، ذلك أن ما وصلنى حتى الآن هو أن روح الأستاذ وظله يحضران فى هذا النوع من التأريخ أو الحكى، أكثر من أى شىء آخر، ياليت.
أسأل نفسى الآن: لو لم يسطر الأستاذ حضوره فى اليوم السابق إلى بيتى هكذا بكل هذه المباشرة والوضوح، هل كنت سأعرج إلى ذكر تاريخه فى بيتى: كل جمعة؟ كل جمعة؟ كل جمعة؟ وإلى جماعة الجمعة؟ وإلى أصدقاء الجمعة ؟ أم كان موقفى سوف يتمادى فيما أسميه حرجا غير مبرر كما كان دائما؟
بمنتهى الصراحة: ليست عندى إجابة
أقر – بشكل ما– أننى مخطئ ،
لكن: مخطئ فى ماذا بالضبط؟ لا أعرف تحديدا، لكننى مخطئ
نرجع مرجوعنا لما سطره الأستاذ:
قلت فى البداية : شيخنا يعود هذا اليوم (كما عودنا فى البداية) إلى البدء بالبسملة ثم باسمه ثم اسمى كريمتيه، مما لا يحتاج إلى إعادة التأكيد على كل هذا الحضور لكريمتيه مقترنا باسمه بكل الدلالات الظاهرة وغير الظاهرة.
كل ما كتبه الأستاذ هذا اليوم هو:
“صعدت إلى مدينة المقطم لقضاء سهرة ممتعة فى بيت الدكتور يحيى الرخاوى العامر، ودار الحوار حول الأرواح وتحضير الأرواح وانتقل إلى الباراسيكولوجى وقيلت آراء فى غاية الطرافة.”
ماذا عندى أضيفه تعقيبا على كل هذا الفضل والكرم؟
بيتى عامر به، ظل كذلك عشر سنوات، لم أحرص بعد رحيله على أن يظل كرسيه هو كرسيه، ومسنده هو مسنده، ومكانه هو مكانه، ولا أنا فكرت فى استمرار اجتماع جماعة الجمعة فى بيتى، وهو لم يعد بيتى، فقد رحل صاحبه ولم يكن ذلك القرار بوعى كامل، لكننى حين فكرت فى الأمر بعد ذلك تبينت أن علاقتى بالآثار المادية شديدة الضعف، فانا لا ازور متحفا معينا حين أسافر إلا مضطرا، بل إننى لم أزر المتحف المصرى حتى الآن (تصور؟!!)، مع أن الأستاذ حكى لى كيف كانت المرحومة والدته تصحبه إلى المتحف وهو حول السابعة مرارا، وكانت معجبة بمومياء معينة، إلا أنه حتى ذلك لم يثر فىّ رغبة زيارة المتحف العظيم.
أنا لا أخجل من أى هذا، يبدو أن ذلك مرتبط بعلاقتى بالتاريخ، التاريخ عندى هو ما تبقى فى وعى الأجيال جيلا بعد جيل، وليس ما يوضع فى المتاحف، ودائما يحضرنى بيت الحسن بن هانئ: (أبى نواس) : “قل لمن يبكى على طلٍّ درس واقفا ما ضر لو كان جلس”
آثار الأستاذ ما تبقى منه فى وعينا وليس ما بقى كرسيه فى موقعه،
لم أشعر أبدا انه له مكان أفضل من قلوب كل محبيه،
ولا أنا شعرت أنه يفضِّل مكانا آخر غير هذا المكان.
وكما كان له الفضل فى تشريفى بيتى أسبوعيا حوالى عشر سنوات، فله الفضل الآن فى أنه اضطرنى بما كتب فى كراسات تدريبه أن أكسر هذا الحرج من مظنة التمحك به وادعاء صداقة خاصة ، فيسمح لى بما كتب أن أعلنها صريحة هكذا:
هذه دعوة لحوح، إلى “كل من يهمه الأمر” من جماعة الجمعة بوجه خاص، أن يمدونى بما يعيننى على تسجيل بعض ما يستحق من ذكريات هذا اليوم معه، بأى قدرمهما ضؤل.
أما : قوله إنها كانت سهرة ممتعة، فالسهر معه هو متعة ليس كمثلها متعة فى أى مكان، وحول أى موضوع، أى والله
أما الموضوع الذى دار حوله النقاش وظل معه إلى اليوم التالى حتى أثبته فى تدريبه، فهو موضوع هام جدا، برغم أنه مطروق جدا، وبالتالى فهو فى ذاته ليست به طرافة، لكن الأستاذ يقر هنا أن الحوار حوله كان طريفا، وأذكر أن هذا الموضوع نفسه دار حوله بينى وبينه نقاش متكرر عدة مرات، وفى دائرة أضيق سمحت بأن أشرح له فروضى فى هذه المسألة، ورأيى فيما يتعلق بهذا العلم المشكوك فى علميته، المسمى “الباراسيكولوجى”، وقد وصلنى وصفه للحوار فى هذه الليلة حول هذا الموضوع بأنه فى غاية الطرافة، تأكيدا لما سبق التنبيه إليه من قدرته الدائمة على الدهشة، وأظن استعماله كلمة الطرافة هنا تشير إلى ذلك
أفضل أن أؤجل طرح حوارى معه حول هذا الموضوع بالذات، ثقة منى أننى أثبته فى بعض ما سجلته لاحقا، فإن لم أعثر عليه واكتشفت أن ذاكرتى قد خانتنى، فسوف أطالب ذاكرتى أن تستحضر ما تيسر من حوار معه حوله حيث انه يرتبط بفكرة “تعدد الذوات” ، وأيضا “ظاهرة” الطبع Imprinting البيولوجية، وكلاهما كانا من الأفكار التى استعادنى بشأنها الأستاذ مرات كثيرة كثيرة على ما أذكر.
****
(صفحة 23)
بسم الله الرحمن الرحيم
نحيب محفوظ
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
……..
النصر من عند الله
لا ضرر ولا ضرار
الهدى من عند الله
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
19 فبراير 1995
القراءة والتداعيات:
هذه صفحة جميلة يزينها اسمه وحده مستقلا ثلاث مرات فى البداية ، ومرتين فى النهاية إحداهما التوقيع غالبا، وبين هؤلاء النجباء المحفوظيين الخمسة نقرأ :
أن الهدى من عند الله
(وقد سبق أن ناقشنا ما تصورنا أنه يحضر فى وعيه فينطلق منه هذا القول الفصل هكذا) نشرة18-2-2010 الحلقة: الحادية عشر.
أما أن النصر من عند الله، فأنا أتصور أن النصر عنده له معنى خاص شديد الأهمية، خاصة لو كان هو النصر الذى من عند الله،
معنى النصر عنده بشكل عام هو أعمق بكثير من مجرد الانتصار على خصم ما، وإلحاق الهزيمة بعدو ما، النصر الذى بلغنى من محفوظ ليس هو الموافقة على معاهدة السلام كما تصوروا، وجرّحوا، واستهبلوا، ولا هو أن يبيد العدو وينتقم منه أو ويلقى به فى البحر، ولا حتى هو أن ينتصر جيشه على الجيش الآخر حتى لو كان هذا الآخر هو المعتدى.، ما بلغنى عن النصر الذى هو من عند الله، هو انتصار الحياة بكل معنى الكلمة، الحياة لنا، وحتى لأعدائنا إذا اختاروا الحياة الحقيقية،
حتى الهزيمة هو يمكن أن يعتبرها نصرا إذا نحن قبلناها، وأسميناها باسمها، ودفعنا ثمنها، لتكون بداية حقيقية لمرحلة حقيقة هى فى نهاية النهاية نصرٌ أيضا من عند الله،
حتى النصر الذى يمكن أن يُفرح الأستاذ (ويفرحنى) هو النصر الذى يصل للعدو منه أنه كان مخطئا حين تمادى فى خطئه وطمعه حتى انتصرنا عليه، فالنصر الذى من عند الله هو نصر لنا وحتى لأعدائنا، حين يعودون للصواب ونتحلى نحن بالعفو، لنبدأ معا رحلة نصر الحياة على العدم، ليكون نصرا من عند الله.
يبقى الجديد فى تدريب اليوم أنه “لا ضرر ولا ضرار”
هذه قاعدة فقهية شديدة الوضوح، شديدة البساطة، نقولها ونعيدها ونزيد فيها، ولا نعمل بها إلى قليلا، هذه قاعدة يمكن أن تبنى حضارة بأكملها، وتفسر دينا برمته، وتقود أمة إلى تفوقها وإبداعها وريادتها، بل وتقود الناس جميعا إلى ذلك، شريطةأن نحسن توصيف ما هو الضرر وما هو الضرار، لا كما يصنف المستكبرون الطغاة الشر والأشرار، فى مقابل ما يمثلونه هم من خير، وإنما باعتبار أن الضرر والضرار هو كل ما يعوق التطور، ويوقف مسيرة الحياة، ويشوه الجمال، ويخثر الوعى، من أول الوعى الفردى حتى الوعى القومى حتى الوعى الإنسانى، حتى الوعى الكونى إلى وجه الله.
وبمجرد أن نتفق على أن كل فريق مختص هو المنوط بتقييم الضرر والضرار فى مجال تخصصه، لن تعود هناك وصاية على حياتنا ونظامها إلا الحرص على تعمير هذه الأرض، ودفع الوعى البشرى كدحا إلى وجه الحق تعالى، ليبقى ما يمكث فى الأرض وينفع الناس،
رفعت الأقلام وطويت الصحف
وإلى الاسبوع القادم.