نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 11-2-2016
السنة التاسعة
العدد: 3086
ص 224 من الكراسة الأولى
القراءة:
مازال مزاج عمنا الكبير رائعا لليوم التالى على التوالى، فأمس (صفحة التدريب رقم 223 نشرة الأسبوع الماضى) كتب ينصحنا أن نكبر على الأحزان وأن نستنشق الحياة والفرح معاً، وها هو يواصل اليوم إهداءنا هذه الباقة من التوجيهات والحب (ولا أقول النصائح) بعد أن وجهنا أمس إلى الرضا بكل شئ (حتى بما يُحزن إذ نتجاوزه دون إلغاء) فكأنى به يعلمنا نوعا آخر من الحزن غير حزن النعابة.
فى صفحة اليوم يرشدنا شيخنا كيف نزيل الهموم كما نزيل العرق عن الجسد. حين استعمل كلمة “الهموم” (جمع “همّ”) بدلا من “الأحزان” داخلنى شعور مختلف لعلاقتى الخاصة بهذه الكلمة الرائعه التى ابتدعتها لغتنا الحضارة مشكورة لتحتوى كل تنويعات استعمالها المختلفة حسب السياق “من أول الهِمَّةْ حتى بداية الفعل (همّ بها) إلى أن نصل إلى امتحاناتها وتنويعهاتها فى معلقة امرؤ القيس “علىّ بأنواع الهموم ليبتلى” (نشرة 18-2-2010)
توقفت عند هذه البساطة التى يوصينا بها شيخنا: كيف نزيل الهموم كما نزيل العرق من على الجسد، لا أظن أنه بذلك يختزل الأمور كما تبدو لأول وهلة، فالعرق شرف الفعل الجاد، ونحن نمسحه لنواصل العمل لا لنتوقف عن الفعل، وربما هو يعنى ذلك بالنسبة لإزالة الهموم.
أما تسليط نور العقل على ظلمات الكَدَر، فقد سارعتُ باختيار “عقلى الوجدانى” فهو الأقدر على تلقى محو ظلمات الكدر بنوره، شيخنا لم يقل سلِّط العقل على كَدَرِكَ لتنسى همومك، وإنما حدد “نور العقل” وليس مجرد العقل، كما حدد ظلمات الكدر، فللكدر شموع للإفاقة كما له ظلمات لليأس، ونور العقل الذى وصلنى من شيخى يتعلق بما سبق أن بينته وكيف أن العقل الوجدانى الاعتمالى هو الأقدر على إزاحة ظلمات الكدر، ليبقى حفزا لوعى وعقل الوجدان الإيمانى
وهو إذْ يبادر بنَفْى الحزن بقوله “لا يوجد حزن حقيقى” إنما يؤكد ما وصلنى ابتداء وهو أن ذلك لا يعنى الإلغاء الذى تتبعه البلادة، وإنما هو يبلغنا كيف أن الحزن الحقيقى فى عمقه ليس حزنا بل هو وعىٌ شائكٌ مُخْتَبِِر (ليبتَلىِ).
ثم نرجع إلى الهم بالمعنى السلبى هذه المرة فيشير علينا أن نضع تحت كل هم نصادفه من هذا النوع كلمة: “طز” فيذكرنا بصديقنا محجوب عبد الدايم، وأنا أقر وأعترف أننى تعرفت على نجيب محفوظ فى أوائل الأربعينيات من خلال “فهلوة” محجوب عبد الدايم فى (القاهرة 30) ودموع أحمد عاكف فى (خان الخليلى) معا، ولا أظن أن شيخنا يريدنا أن نقتدى بطظ محجوب إلا بما تعنيه الحكمة الساخرة جنبا إلى جنب مع الواقع المر.
وبعد
شكرا يا شيخنا، فأنا أحوج ما أكون هذه الأيام إلى هذه “الطظ”، أحكم بها على من يشجب محاولاتى العلمية والمعرفية وهو يقيسها بمنهجه الضيق الكمىّ الاستثمارى، طز وستين طز وسوف أواصل بفضلك وبفضل مولانا النفرى وفضل مرضاى وبعض تلاميذى، وقبل ذلك وبعد ذلك: بفضل الله، وسوف أواصل حتى ألقاه، وطز فى كل من يهملنى أو يعوقنى.
ملحوظة: لم أتطرق إلى “طظ” فى محاولات القوى المغيرة والمستعمرة الجديدة والمتغطرسة القامعة التى تستأهل مليارا من “الطزَّات” لا نتوقف عندها وإنما نبدأ منها لنستحق الانتماء إلى ما ينتمى إليه شيخنا.