الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 39)، (حلم 40)

قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 39)، (حلم 40)

“يوميا” الإنسان والتطور

2008-3-6

  العدد: 188

              قراءة فى أحلام فترة النقاهة

                (حلم 39)، (حلم 40)

حلم‏ 39

دخلت‏ ‏حجرة‏ ‏الوزير‏ ‏ومعى ‏بيان‏ ‏مكتوب‏ ‏على ‏الألة‏ ‏الكاتبة‏ ‏بأسماء‏ ‏الموظفين‏ ‏المرشحين‏ ‏للترقية‏. ‏اسمى ‏بينهم‏ ‏وواضح أن الوزير‏ ‏يخصنى ‏بالرعاية‏.‏

وقع‏ ‏الوزير‏ ‏البيان‏ ‏فى ‏أعلاه‏ ‏وذهبت‏ ‏به‏ ‏إلى ‏إدارة‏ ‏المستخدمين‏ ‏لتنفيذه‏. ‏اتجهت‏ ‏إلى ‏الموظف‏ ‏المختص‏ ‏وكانت‏ ‏فتاة‏ ‏شابة‏ ‏وجميلة‏. ‏نظرت‏ ‏فى ‏البيان‏ ‏ولاحظت‏ ‏أن‏ ‏الوزير‏ ‏وضع‏ ‏إمضاءه‏ ‏فى ‏أعلاه‏ ‏وأنه‏ كان ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يضعه‏ ‏فى ‏أسفله‏. ‏وإلا‏ ‏فإنها‏ ‏لن‏ ‏تستطيع‏ ‏تنفيذ‏ ‏أمر‏ ‏الترقية‏‏ ‏على ‏الموظفين‏ ‏المسجلين‏ ‏فى ‏أعلاه‏، ‏اغتظت‏ ‏وشكوت‏ ‏ما‏ ‏نلاقى ‏من‏ ‏الروتين‏ ‏ولكنها‏ ‏أصرت‏ ‏على ‏موقفها‏ ‏فحملت‏ ‏البيان‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏إلى ‏الوزير‏ ‏فوقع‏ ‏اسمه‏ ‏فى ‏الموضع‏ ‏الصحيح‏ ‏وهو‏ ‏يضحك‏. ‏ورجعت‏ ‏إلى ‏الفتاة‏ ‏وسلمتها‏ ‏البيان‏. ‏وكانت‏ ‏تجلس‏ ‏على ‏يمين‏ ‏مكتبها‏ ‏موظفة‏ ‏صديقة‏ ‏معروفة‏ ‏بالمرح‏ ‏فدافعت‏ ‏عن‏ ‏تصرف‏ ‏زميلتها‏ ‏قائلة‏ ‏إنها‏ ‏تضن‏ ‏بالترقية‏ ‏على ‏الموظفين‏ ‏العزاب‏ ‏وترى ‏أن‏ ‏المتزوجين‏ ‏أولى ‏بها‏. ‏وتظاهرت‏ ‏الموظفة‏ ‏بأنها‏ ‏تضايقت‏ ‏من‏ ‏إذاعة‏ ‏هذا‏ ا‏لسر‏ ‏ولماقابلتنى ‏الموظفة‏ ‏المرحة‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏سألتنى ‏عن‏ ‏رأيى ‏فى ‏موظفة‏ ‏المستخدمين‏ ‏فصارحتها‏ ‏بأنها‏ ‏أعجبتنى ‏فاقترحت‏ ‏أن‏ ‏تبلغها‏ ‏بإعجابى ‏كمقدمة‏ ‏لجمع‏ ‏رأسين‏ ‏فى ‏الحلال‏. ‏فطلبت‏ ‏مهلة‏ ‏للتفكير‏ ‏فقالت‏ ‏إننى ‏لم‏ ‏أعد‏ ‏شابا‏ ‏وأن‏ ‏عمرى ‏يضيع‏ ‏فى ‏التفكير‏ ‏وأصرت‏ ‏على ‏إبلاغها‏ ‏واستسلمت‏ ‏فلم‏ ‏أرفض‏.‏

***

القراءة

لم يصلنى من هذا الحلم إلا دافعا – بلا مبرر- لمقارنة المفارقة بين الرفض الذى لقيه الراوى فى (حلم15) من زمليتيه الواحدة تلو الأخرى. الأولى التى اعتذرت بسبب أنه “لا نملك ما يهيئ لنا حياة سعيدة” والثانية: دون إبداء أسباب برغم تواضع وظيفتها، وأيضا ما شاب سمعتها، وكيف طُعنَ المتقدم من خلال الرفض تلو الرفض، قفزت إلىّ هذه الصورة لتقابل بين التحايل هنا لتزويج هذا “الآخر”، ثم تراجعتُ ورجّحت أنه لاعلاقة بين هذا وذاك، أو ربما تتاح الفرصة لذلك فى الدراسة الجامعة.

ثم إن الأحداث قد بدت لى هنا أسطح وأكثر مباشرة فى نفس الوقت، حتى تكاد تخلو من أى جديد “أحداثى” أو “تشكيلى”.

إمضاء الوزير أعلى الصفحة ثم تراجعه وصلتنى كعبثية لم أستسغها، ولم أجد ما يبررها، استبعدتُ اشتراكه الخفى التمهيدى فى محاولة جمع الرأسين فى الحلال، فهو وزير وليس وكيل إدارة، أو رئيسة مكتب!!.

كذلك لم أجد أن موظفة المستخدمين الشابة كانت متعنته أصلا حتى نبحث عن سبب لهذا التعنت، فنجده فى محاولة إغاظة أو تعطيل ترقية العزاب، أو جر شكلهم ربما “يتقدم” أحدهم!! التوقيع فعلا كان فى غير محله، ولو أجازته موظفة المستخدمين ببساطة، لأوخذت.

ينتهى الحلم بنفس الفتور حين يكرر كلمتين مترادفتين – تقريبا –  بلا مبرر “واستسلمت فلم أرفض”، فعدم الرفض هو خلفية للاستسلام على أية حال.

ألا يحق لى أن أرفض هذا الحلم انتظاراً للدراسة الجامعة؟

قلت من البداية أن من حق الناقد أن يرفض ما لا يصل إليه، أو يتحفظ عليه، أو أن يمتنع عن نقده ويتركه لغيره، وقبل ذلك من حق المبدع أن تهبط منه أحيانا حركية الإبداع بين الحين والحين، وهو قد لا ينتبه إلى ذلك.

لكن أظل أؤجل الحكم النهائى حتى الدراسة الجامعة

لعل وعسى.

***

حلم‏ 40

قبيل‏ ‏المساء وأنا‏ ‏عائد‏ ‏إلى ‏بيتى ‏متدثرا‏ ‏بالمعطف‏ ‏والكوفية‏ ‏اعترض‏ ‏سبيلى ‏صبى ‏وصبية‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏الجمال‏ ‏والتعاسة‏ ‏وطلبا‏ ‏منى ‏ما‏ ‏أجود‏ ‏به‏ ‏لوجه‏ ‏الله‏ ‏وبحثت‏ ‏فى ‏جيبى ‏عن‏ ‏فكة‏ ‏فلم‏ ‏أجد‏ ‏فأخرجت‏ ‏ورقة‏ ‏من‏ ‏ذات‏ ‏الجنيهات‏ ‏الخمسة‏ ‏وطلبت‏ ‏من‏ ‏الصبى ‏أن‏ ‏يذهب‏ ‏الى ‏أقرب‏ ‏كشك‏ ‏ويشترى ‏لى ‏قطعة‏ ‏شيكولاتة‏ ‏ويجيئنى ‏بالباقى. ‏وما‏ ‏غاب‏ ‏الصبى ‏عن‏ ‏عينى ‏حتى ‏بكت‏ ‏الصبية‏ ‏واعترفت‏ ‏لى ‏بأن‏ ‏أخاها‏ ‏يعاملها‏ ‏بغضب‏ ‏شديد‏ ‏ويدفعها‏ ‏لارتكاب‏ ‏الأخطاء‏ ‏فهى ‏تزداد‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏انحرافات‏ ‏وشرا‏ ‏وتدعو‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏ينقذها‏ ‏مما‏ ‏تعانى. ‏تأثرت‏ ‏وتحيرت‏. ‏ثم‏ ‏عرفت‏ ‏أن‏ ‏الصبى ‏لن‏ ‏يعود‏ ‏وأدركت‏ ‏مدى ‏حماقتى ‏لما‏ ‏أوليته‏ ‏من‏ ‏ثقة‏ ‏وتذكرت‏ ‏كيف‏ ‏يتهمنى ‏أهلى بالطيبة والغفلة ولكنى لم أترك له أخته وأخذتها إلى بيتى لتبدأ حياة جديدة مع أهلى. ‏وتحسنت‏ ‏أحوالها‏ ‏وبدت‏ ‏وكأنها‏ ‏من‏ ‏الأسرة‏ ‏لا شغالة ‏لها‏.‏

وذات‏ ‏يوم‏ ‏جاء‏ ‏لى ‏شرطى ‏ومعه‏ ‏الصبى ‏الأخ‏ ‏ولما‏ ‏رأى ‏أخته‏ ‏أمسك‏ ‏بها‏. ‏وعلمت‏ ‏أنى ‏مطلوب‏ ‏فى ‏القسم‏ ‏وهناك‏ ‏وجُهت‏ ‏إلىّ ‏تهمة‏ ‏اغتصاب‏ ‏البنت‏ ‏والاحتفاظ‏ ‏بها‏ ‏فى ‏بيتى ‏بالقوة‏ ‏وذهلت‏ ‏أمام‏ ‏ما‏ ‏يوجه‏ ‏إلى ‏وطلبت‏ ‏من‏ ‏البنت‏ ‏أن‏ ‏تتكلم‏ ‏فبكت‏ ‏ووجهت‏ ‏إلى ‏من‏ ‏الكبائر‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يخطر‏ ‏لى ‏على ‏بال‏. ‏وكان‏ ‏المحضر‏ ‏يسجل‏ ‏كل‏ ‏كلمة‏ ‏والدنيا‏ ‏تسود‏ ‏فى ‏عينى ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏إيمانى ‏الراسخ‏ ‏فلم‏ ‏تغب‏ ‏عنى ‏خطورة‏ ‏الموقف‏.‏

***

القراءة

كم مرة – حتى الآن – اتهم الراوى (الحالم/المبدع) أو استهدُف للأذى أو للانتقام وهو برئ؟ خذ عندك مثلا: حلم “16” “جاء وقت الانتقام” ولم تكن ثمة جريمة تستحق الانتقام، أو حلم “28” وهو يذعن لتسليم نقود لم يسرقها، توقيا لم هو أسوأ، أو حلم “37” وهو يسجن لحسم خلاف لم يشترك فيه أصلا بعد أن حقق معجزة الطيران، كل هذا إنما يَعِدُ بمادة طيبة قد تثرى القراءة الجامعة لاحقا.

تنكّر الصبية هنا لهذه الرعاية الأبوية هو الأكثر إيلاما من اتهامات أخيها.

الصبية فى أول الحلم وُصِفت بأنها “فى غاية الجمال والتعاسة“. (كذلك وُصف أخوها!!) هل الجمع بين الجمال والتعاسة يفسر من قريب أو بعيد موقفها فى النهاية؟ هل هى تعيسة لأن جمالها الأخّاذ لم يشفع لها عند القدر أن تعيش حياة كريمة مستورة فى بيت أسرة تضمها وترعاها؟ هل هذا هو سبب تراكم الحقد بالانتقام الذى ظهر مؤخرا، حين وجدت نفسها فى أسرة ليست أسرتها، مهما تصور راعيها وحاضنها ومنقذها أنها “..كأنها من الأسرة لا شغالة لها“.

إن تصوره هذا لا يلزمها بقبوله، ولا بالتعهد برد جميله، وهو أيضا لا يلزم مشاعرها الداخلية أن يعاد تشكيلها إيجابيا فى اتجاه الأخلاق الحميدة!! ثم إنه ربما وصلتها هذه الفرصة الكريمة بشكل لا يخطر على بال راعيها، فقد أتاحت لها مقارنة صعبة بين ظروفها التى اضطرتها لهذا التسول، وبين بنات الاسرة التى تخدمها، واللاتى ربما كنَّ أقل منها جمالا، وكلما زِدْن عطفا عليها تكاثر الحقد أكثر فأكثر!. (فبقدر شعورى بحنانك سوف يكون هجومى لأشوّه كل الصدق وكل الحب)(1)

فى مثل هذه الأحوال يكون الانتقام من صاحب الفضل هو رد الفعْل الغريب، بالإضافة إلى احتمال آخر هو أنه ربما يحمل لوماً خفيا له أنْ عرّضها لمثل هذه المقارنة المؤلمة.

عموما، هذا تأويل لا ينقذ الحلم إلا قليلا،

لكن الجمع بين الجمال والتعاسة فى هذه اللمحة وصلنى بشكل جيد.

وربما يتضح الأمر أكثر فى الدراسة الجامعة.

 

[1] – جلد بالمقلوب ديوان سر اللعبة ص 64 للناقد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *