الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة الواحد والسبعون : الجمعة‏: 18/8/1995

فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة الواحد والسبعون : الجمعة‏: 18/8/1995

نشرة “الإنسان والتطور

14-4-2011

السنة الرابعة

 العدد: 1322

Photo_Mafouz

 الحلقة الواحد والسبعون

الجمعة‏: 18/8/1995

‏ ‏يوم‏ ‏آخر فى بيتى، حافل‏ ‏جديد، حضرت‏ ‏بثينة‏ ‏كامل‏ (المذيعة‏ ‏والتليفزيونية‏)(1)، ‏ومعها إبراهيم‏ ‏عيسى، ‏ومحمد‏ ‏أحمد ابن أخى زوج أخت بثينة، ‏ثم‏ ‏د‏. ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏الله، وكذلك ‏د‏. ‏هشام‏ ‏السلامونى، ‏ثم‏ ‏حضرت‏ ‏د. أنجيل‏ ‏بطرس (أستاذ الادب الإنجليزى فى كلية الآداب جامعة القاهرة وأم تلميذتى د. أمانى الرشيدى (فى فرنسا)، ‏ود‏. ‏خالد‏ ‏الرخاوى، ‏كان‏ ‏معنا ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏د‏. ‏إيهاب‏ ‏الخراط، ‏كذلك‏ ‏د‏. ‏رفيق‏ ‏حاتم‏ (‏زوج د. أمانى الرشيدى) ‏وياسمينه‏ ‏إبنته، ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏جدد، ‏أضف‏ ‏عليهم‏ ‏قدرى وزكى ‏ويوسف‏ ‏وعلى المحامى ‏زميل‏ ‏يوسف، ‏والأستاذ‏ ‏هارفى ‏صديق‏ ‏الأستاذ‏ ‏القديم، ‏ثم‏ ‏ابنى محمد‏ ‏يحيى (‏فى ‏الصالة‏) ‏وهالة نمّر (زوجته) ‏ ‏تحضر وتمضى بعض الوقت. ياه!! كيف يسع بيتى كل هؤلاء المحبين صحيح أن “حجر ديبً يساعى ميت حبيب”؟ (رفضت المثل خشية أن أكون ذئبا، ليس هناك أى احتمال!!! فلماذا تقتحمنى أحيانا مثل هذه الأفكار؟)

لماذ‏ا ‏عددت‏ كل الحضور تقريبا هذه المرة؟ ‏هل‏ ‏لأن‏ ‏المكان‏ ‏كان‏ ‏ضيقا‏ ‏أم‏ ‏لأن‏ ‏اللقاء‏ ‏كان‏ ‏ثريا‏ ‏وحارا‏ ‏وجديدا‏  و‏متجددا‏ ‏؟‏ ‏أم لكل‏ ‏ذلك‏ ‏وغيره (2)

الدكتورة‏ ‏أنجيل‏ ‏بدأت‏ ‏بتقديم‏ ذكريات عن ‏أعمالها‏ ‏حول‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ، ‏وحكت‏ ‏حكاية تكليفها بترجمة‏ ‏السكرية‏‏ ‏من‏ ‏الدكتور‏ ‏أحمد‏ ‏الصاوى (على ما أذكر)، ‏وكيف‏ ‏أن‏ ‏الإنجليز‏ ‏لا‏ ‏يفهمون‏ ‏ما‏ ‏نعنى ‏تماما‏ ببعض الألفاظ ‏فمثلا‏ ‏كانوا‏ ‏يريدون‏ ‏ترجمة‏ ‏السكرية‏ ‏إلى “sugar” ‏بالتالى‏ ‏يكون اسم الرواية‏ sugar street، ‏وهكذا، ‏وحكت‏ ‏كيف‏ ‏كلفوها‏ ‏أن‏ ‏تختار‏ ‏ما‏ ‏تترجم من أعمال الأستاذ، ‏فاختارت‏ ‏اللص‏ ‏والكلاب‏ ‏أولا، ‏وهى ‏تقول‏ ‏إنها‏ ‏أحسن‏ ‏ما‏ ‏كتب‏ ‏محفوظ (‏بعكس‏ ‏موقفى منها‏)، ‏وإنها‏ ‏أحسن‏ ‏ما‏ ‏كُـتب‏ ‏من‏ ‏الرواية‏ ‏العربية‏ ‏قاطبة، ‏ما‏ ‏علينا، تحكى د. أنجيل أنها ما أن ‏بدأتْ‏ ‏فى ‏الترجمة‏ حتى اتصلوا‏ ‏بها‏ ‏ليخبروها‏ ‏باعتذار‏ ‏سخيف، ‏لأن‏ ‏آخرا‏ ‏سوف‏ ‏يقوم‏ ‏بترجمة اللص والكلاب ‏وأن‏ ‏عليها‏ ‏أن‏ ‏تختار عملا بديلا، ‏واقترحوا‏ ‏الثلاثية، ‏فقالت‏ ‏إنها‏ ‏تحتاج‏ ‏عمرا‏ ‏بأكمله‏ ‏حتى ‏تترجمها، ‏اكتفت بأن تختار‏ ‏السكرية‏ ‏باعتبارها‏ ‏أقصر‏ ‏الأعمال، ‏ثم‏ ‏أعطتهم‏ ‏النص بعد أن أتمت ترجمته، ‏فإذا‏ ‏بهم‏ ‏ينشرون‏ ‏الثلاثية‏ ‏وقد‏ ‏وضعوا‏ ‏إسم‏ ‏واحد‏ ‏أمريكى (‏لعله‏Hutchinson لست متأكدا) ‏قبل‏ ‏إسمها، ‏ويحكى ‏الأستاذ‏ ‏حكاية‏ ‏الإسم‏ ‏الثالث‏ و‏أنها ‏سيدة‏ ‏إنجليزية‏ (على ‏ما‏ ‏أذكر‏) ‏عاشت‏ ‏فى ‏القاهرة، ‏وتعلم‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “‏بين‏ ‏القصرين”، ‏وقد‏ ‏عثرت‏ ‏على ‏كتاب‏ ‏بهذا‏ ‏الإسم، ‏ومن‏ ‏فرط‏ ‏حبها‏ ‏لما‏ ‏كان‏ ‏لها‏ من ذكريات ‏فى ‏هذا‏ ‏المكان‏ ‏وهذا‏ ‏الوطن، ‏أخذت هذه السيدة‏ ‏تترجم‏ ‏فقرات‏ ‏تلو‏ ‏فقرات‏ ‏لنفسها، ‏وتقرأها‏ ‏على ‏زوجها، ‏وتمادى ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏باضطراد، ‏وحين‏ ‏نظر‏ ‏فيه‏ ‏زوجها‏ ‏مجتمعا‏ ‏اكتشف‏ ‏أنها‏ ‏ترجمت‏ ‏أغلبه، ‏فاقترح‏ ‏عليها‏ ‏أن‏ ‏تتصل‏ ‏بالمؤلف‏ ‏وبالناشر‏ ‏المعنى ‏وأن‏ ‏تطلب‏ ‏حق‏ ‏ترجمته، ‏فاتصلت‏ ‏بالأستاذ، ‏وكان‏ ‏قد‏ ‏تعاقد‏ ‏على ‏ترجمة‏ ‏أعماله‏ ‏الكاملة‏ ‏مع‏ ‏الجامعة‏ ‏الأمريكية، ‏فأحالها‏ ‏إلى ‏المسئول عن ذلك فى الجامعة، ‏وقامت‏ ‏بترجمة‏ ‏الجزء‏ ‏الأول‏ (‏وربما‏ ‏الثانى ‏لست‏ ‏أذكر‏) ‏ثم‏ ‏نشرت‏ ‏الثلاثية‏ ‏كلها‏ ‏بأسماء‏ ‏الثلاثة‏ ‏وعلى ‏رأسهم‏ ‏هذا‏ ‏الأمريكى ‏المراجع، أو الأمريكى المحشور ليراجع.

هكذا‏ ‏أثيرت‏ ‏قضية‏ ‏الترجمة‏ ‏من‏ ‏جديد، ‏وذكّرت‏ ‏الأستاذ‏ ‏بما‏ ‏انتهيت‏ ‏إليه‏ ‏حين‏ ‏قرأت‏ ‏ترجمة‏ “العطر” لزوسكند ‏‏بالعربية‏ ‏والإنجليزية، ‏وأن‏ ‏النص‏ ‏المترجم‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يؤخذ‏ ‏بلغته‏ ‏الجديدة‏ ‏باعتباره‏ ‏نصا‏ ‏جديدا، ‏وأن‏ ‏الترجمة‏ ‏هى ‏أخطر، ‏وأقسى ‏من‏ ‏التأليف، ‏فالمؤلف‏ ‏حر‏ ‏حين‏ ‏تضيق‏ ‏به‏ ‏الصياغة‏ ‏قد‏ ‏يهرب‏ ‏منها‏ ‏بتغيير‏ ‏جذرى ‏أو‏ ‏ثانوى ‏فى ‏السياق‏ ‏والمتن‏ ‏نفسه، ‏لكن‏ ‏المترجم‏ ‏ملتزم‏ ‏بالنص‏ ‏الأصلى ‏من‏ ‏جهة، ‏وبإعادة‏ ‏الصياغة‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى، ‏وأسأل‏ ‏الدكتورة‏ ‏أنجيل‏ ‏عن‏ ‏خبرتها‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏: ‏وهل‏ ‏يجوز‏ ‏أن‏ ‏يتعدد‏ ‏المترجمون‏ ‏لنفس‏ ‏العمل، ‏وهل‏ ‏يُــفقد‏ مثل هذا الاحتمال‏ ‏العمل‏ ‏وحدته‏ ‏ونكهته، ‏وترد‏ ‏ردا‏ ‏يتعلق‏ ‏بخبرتها‏ ‏بهذه‏ ‏الترجمة‏ ‏بوجه‏ ‏خاص، ‏وأن‏ ‏الإنسان‏ – ‏كما‏ ‏يقول‏ ‏المثل‏ ‏الفرنسى‏- ‏هو‏ (‏هو‏) ‏أسلوبه، ‏وأنها‏ ‏مثلا‏ ‏تبدأ‏ ‏الجمل‏ ‏العربية‏ ‏بالفعل‏ (‏وهذه‏ ‏خاصية‏ ‏للعربية‏ ‏بالذات) ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الجمل‏ ‏فى ‏اللغة‏ ‏الإنجليزية‏ ‏هى ‏إسمية‏ ‏فى ‏العادة، ‏وأنبه‏ ‏أننى ‏أسأل‏ ‏عن‏ ‏المبدأ‏ ‏عامة‏ ‏وليس‏ ‏عن خبرتها تحديدا، ‏فتقر‏ ‏أن‏ ‏عندى ‏حق‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏التحفظ، ‏ويقول‏ ‏أحد‏ ‏الحاضرين‏ (‏لعله‏ ‏الدكتور‏ ‏السلامونى) ‏إن‏ ‏الأمر‏ ‏تمادى ‏فى ‏دور‏ ‏النشر‏ ‏فى ‏بيروت‏ ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏العمل‏ ‏الواحد‏ ‏يقسم‏ ‏إلى ‏فصول‏ ‏متعددة، ‏ويكلف‏ ‏مترجمون‏ ‏متخصصين‏ ‏ترجمته‏، ‏كل‏ ‏يأخذ‏ ‏فصلا‏ مثلا، ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏لصق‏ ‏لأغراض‏ ‏تشهيلية‏ ‏وتسهيلية‏ ‏لتحقيق‏ ‏أهداف‏ ‏التجارة‏ ‏أساسا، ‏وأعود‏ ‏للقضية‏ ‏الأصلية‏ ‏وهو‏ ‏أن‏ ‏المترجم‏ ‏إن‏ ‏أخلص،‏ فهو‏ ‏مؤلف‏ ‏ثان، ‏ويقترح‏ ‏أحدهم‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لكل‏ ‏عمل‏ ‏محرر‏ editor ‏وتتحفظ‏ ‏د‏. ‏أنجيل‏ ‏على ‏كلمة‏ ‏”محرر”، ‏وأوافقها‏ ‏على ‏تحفظها، ‏ولا‏ ‏أجد‏ ‏كلمة‏ ‏بديلة‏ ‏سوى ‏المؤلف‏ الثانى (‏أو المؤلف فقط لكن استعماله مستقلا هكذا قد‏ ‏يستلزم‏ ‏أن‏ ‏يغير‏ ‏إسم‏ ‏المؤلف الأصلى ‏ ‏إلى ‏”الخالق”، ‏(وأنتبه ولا أنبِّه إلى أننا لو‏ ‏فعلنا‏ ‏ذلك‏ ‏فربما نقع‏ ‏تحت‏ ‏طائلة‏ ‏الشجب‏ ‏الدينى، ‏فلا‏ ‏خالق‏ ‏إلا‏ ‏الله‏..‏إلخ‏) ‏ويقول‏ ‏أحدهم‏ ‏فليوصف المترجم‏ ‏بالمؤلف، على أن تضاف صفة اللغة بعد ذلك فنقول: “المؤلف بالعربية”، المؤلف بالفرنسية أما المؤلف الأصلى وليكن روسيا مثلا، فيظل هو “المؤلف” فقط، ويبدو أن الحضور اخذوها نكتة، وشعرت معهم بالافتعال، ولا أعلن إلا رأيى الأول وتمسكى بفكرة ‏أن‏ ‏المترجم‏ ‏مؤلف‏ ‏ثان”، ‏ويوافقنى ‏الأستاذ‏ ‏على ‏ذلك، وإن كان ينبه إلى ترك الصفات كما هى حتى لا تحدث بلبلة، فالمؤلف مؤلف، والمترجم مترجم، ‏ويقول‏ ‏الدكتور‏ ‏السلامونى، ‏أن‏ ‏والده‏ ‏المرحوم‏ ‏الدكتور‏ ‏محمد‏ ‏محمود‏ ‏السلامونى ‏أستاذ‏ ‏الآداب‏ ‏القديمة‏ ‏فى ‏جامعة‏ ‏القاهرة، ‏كان يؤكد دائما أن‏ ‏إعادة‏ ‏الصياغة‏ ‏هى ضرورة‏ ‏حتمية‏ ‏فى ‏الترجمة، ‏وهو‏ ‏يفضل‏ ‏لذلك‏ ‏ترجمة‏ ‏درينى ‏خشبة‏ ‏للإلياذة، ‏عن‏ ‏ترجمة‏ ‏طه‏ ‏حسين‏ ‏لـ‏ “‏أنتيجونى” على ما أذكر، وأشير إلى ترجمة‏ ‏أحمد‏ ‏باكثير‏ ‏لشكسبير‏ ‏شعرا، ‏وأعلم‏ ‏أن‏ ‏الدكتور‏ ‏محمد‏ ‏عنانى ‏يقوم‏ ‏الآن‏ ‏بترجمة‏ ‏شكسبير‏ ‏شعرا، ‏وأفرح‏ ‏وأخاف‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت، ‏

ويضيف‏ ‏الدكتور‏ ‏السلامونى ‏نقلا‏ ‏عن‏ ‏والده‏ ‏أنه‏ ‏قال‏: ‏إن‏ ‏أى ‏مترجم‏ ‏أمين‏ ‏يعيش‏ ‏سبعين‏ ‏سنة، ‏لا‏ ‏يستطيع، ‏ولا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يترجم‏ ‏إلا‏ ‏لمؤلف‏ ‏واحد‏ ‏أو‏ ‏اثنين‏ ‏على ‏الأكثر، ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏يتقمص‏ ‏هذا‏ ‏المؤلف‏ ‏بشكل‏ ‏لا‏ ‏يكاد‏ ‏يسمح‏ ‏له‏ ‏بالعودة‏ ‏إلى ‏نفسه‏ ‏إلا‏ ‏قليلا، ‏فمن‏ ‏الصعب، ربما حتى الاستحالة‏، ‏ ‏أن‏ ‏يخرج‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التقمص‏ ‏إلى ‏ذاك‏ ‏بشكل متكرر، وأضيف‏ ‏أنا أن‏ ‏هذا‏ ‏صحيح‏ ‏بشكل‏ ‏ما، ‏وأحذر‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏التخوفات‏ ‏والشروط‏ ‏قائمة‏ ‏فى ‏جيل‏ ‏قديم‏ ‏كان‏ ‏يقدس‏ ‏قيمتىْ‏ ‏الأمانة‏ ‏والإتقان، ‏فكيف‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏جيل‏ ‏حالى ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏شيئآ‏ ‏عن‏ ‏أيهما، ‏أو‏ ‏هو‏ ‏يتعلم‏ ‏كيف‏ ‏يطرح‏ ‏هذا‏ ‏وذاك (الأمانة والاتقان)‏ ‏جانبا‏ ‏لأنها‏ ‏قيم‏ ‏تقلل‏ ‏الدخل‏ ‏حتما‏ ‏بقياسات السوق‏؟‏ ‏ويوافقنى أغلب ‏الحاضرين.

ويعود‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏دور‏ ‏المترجم‏ ‏للكتب‏ ‏العلمية، ‏وأنه دور أسهل، وربما يتيح له حق إعادة الصياغة والترتيب بما يتفق مع اللغة التى يترجم إليها، ‏وتسير‏ ‏الحوارات‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏

‏ثم‏ ‏فجأة‏ ‏تغلب‏ ‏الحاسة‏ ‏الإذاعية‏ ‏والصحفية‏ ‏على ‏كل‏ ‏من‏ ‏إبراهيم‏ ‏عيسى ‏وبثينة‏ ‏كامل، ‏ولكن‏ ‏د‏.‏رفيق‏ ‏حاتم يخبر‏ ‏الأستاذ‏ ‏أنه‏ (وهو الذى ‏يعمل‏ ‏فى ‏فرنسا‏ ‏منذ‏ ‏أربع‏ ‏سنوات‏) ‏حين‏ ‏يقول‏ ‏لأحد‏ ‏أنه‏ ‏مصرى ‏يرد‏ ‏عليه‏: ‏بلد‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ؟ ‏مثلما‏ ‏كان‏ ‏الحال‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏حين‏ ‏يقول أحد المصريين لأجنبى‏ ‏إنه‏ ‏مصرى ‏فيقول‏: على الفور “‏بلد‏ ‏الأهرام؟”‏ (فنجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏هو‏ ‏الهرم‏ ‏المصرى ‏الحى ‏المعاصر‏)،‏

وتبدأ‏ ‏الأسلئلة‏ ‏الصحفية‏ ‏والإذاعية‏ ‏أذكر‏ ‏بعضها‏ ‏على ‏سبيل‏ ‏المثال‏:‏

وتسأل ‏بثينة الأستاذ‏: ‏ماهو‏ ‏رأيه فى العمل الذى كتبه وظلم ولم يأخذ حقه؟ فيرد الأستاذ إنه “‏حديث‏ ‏الصباح‏ ‏والمساء‏” (3)

فتسأل: وما‏ ‏هو‏ ‏العمل‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يترجم‏ ‏والذى ‏يتمنى ‏أن‏ ‏يترجم

فيرد‏ ‏الأستاذ‏: ‏إنه‏ ‏ربما‏ ‏أيضا‏ ‏حديث‏ ‏الصباح‏ ‏والمساء، ‏ثم‏ ‏يكمل‏ ‏ولكن‏ ‏ترجمة‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏صعبة‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏مستحيلة، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الأسماء‏ ‏كثيرة‏ ‏جدا‏ ‏ومرتبة‏ ‏ترتيبا‏ ‏أبجديا حسب الأبجدية العربية، ‏وأن‏ ‏المترجم‏ ‏أو‏ ‏القارئ‏ ‏الغربى مثلا ‏قد‏ ‏يصعب‏ ‏عليه‏، قد لا يصله هذا المنهج الذى لا يجد الأستاذ نفسه له تعليلا مباشرا، لكنه هكذا كان، وقد سألته ذات مرة عن كيفية كتابة هذا العمل “هكذا”، وربما أكون قد ذكرت ذلك سالفا، فأكتفى أن أذكر تأكيده أنه كتب هكذا منذ البداية، ولم يكتبه بالمنهج العادى ثم أعاد ترتيب فصوله حسب الأبجدية.

وأسأله‏ ‏أنا‏: ‏هل‏ ‏قرأت‏ ‏عملا‏ ‏مترجما‏ ‏لك‏ ‏من‏ ‏الغلاف‏ ‏للغلاف‏ ‏؟‏ ‏فيجيب‏ ‏الأستاذ‏: بالنفى، ‏فأقول:‏ ‏الحمد‏ ‏لله‏، ولا أضيف، ولا أعرف تحديدا لماذا سألت، ولا لماذا حمدت الله!

ويُطرح‏ ‏سؤال‏ ‏قديم‏ ‏متكرر‏: ‏كيف‏ ‏يوافق‏ الأستاذ ‏على ‏تشويه‏ ‏رواياته‏ ‏وهى ‏تنتقل‏ ‏إلى ‏السينما، ‏ويرد‏ ‏الرد‏ ‏المعاد ‏الذى ‏أوجزه‏ ‏فى: ‏وأنا‏ ‏مالى، ‏إن‏ ‏الفيلم‏ ‏يخاطب‏ ‏الملايين، ‏ولا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏ينجح‏ ‏وهو‏ ‏يخاطب‏ ‏الملايين، ‏أما‏ ‏الرواية‏ ‏فإنها‏ ‏تخاطب‏ ‏المثقفين‏ (أو‏ ‏الصفوة‏) ‏ولا‏ ‏يصح‏ ‏أن‏ ‏نقيس‏ ‏هذا‏ ‏بمقياس‏ ‏ذاك

وسؤال‏ آخر: ‏عن‏ ‏فترة‏ ‏كتابته‏ ‏للسيناريو، ‏وقد‏ ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏سمعت‏ ‏رده‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏وجاءت‏ ‏إجابته‏ ‏هى ‏هى، ‏لكن‏ ‏ثمة‏ ‏إضافة، ‏فقد‏ ‏شرح‏ ‏أنه‏ ‏حين‏ ‏كان‏ ‏يكتب‏ ‏السيناريو‏ (وكان‏ ‏ذلك على الأرجح‏ ‏فى ‏فترة‏ ‏إجازة من الإبداع القصصى ربما‏‏ ‏من‏ 1952-1958) ‏كان‏ ‏يكتب‏ ‏للملايين، ‏وقد‏ ‏تعلم‏ ‏من‏ ‏المخرجين‏ ‏والمنتجين‏ ‏مَنْ‏ ‏يخاطب‏، ‏وكيف‏ ‏يخاطبهم‏ ‏بهذه‏ ‏اللغة‏ السينمائية ‏الجديدة، ‏وهذا‏ ‏غير‏ ‏الرواية‏ ‏التى ‏تكتب‏ ‏لفئة‏ ‏أخرى، ‏ويسأله‏ ‏أحدنا‏” “‏ألم‏ ‏يفكر‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏سيناريو‏ ‏يخاطب‏ ‏به‏ ‏المثقفين‏؟” ‏فيجيب‏ ‏أن‏ ‏المثقفين‏ ‏يحتاجون‏ “‏قعدة” ‏وليس‏ ‏سيناريو، ‏ثم‏ ‏يضحك‏ ‏ويضيف، ‏قعدة‏ ‏مثل‏ ‏هذه (وهو يشير إلينا حوله)، وهذه لا تحتاج إلى كاتب سيناريو من خارجها فالكل مشارك فى كتابته‏. ‏

وسؤال‏ ‏عن‏ ‏وقت‏ ‏وحال‏ ‏وكيفية‏ ‏مزاجه حين يكتب‏: ‏وقد‏ ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏سمعت‏ ‏رده‏ ‏على مثل ‏ذلك‏ ‏ولكنه‏ ‏أضاف‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏: أنه‏ ‏أثناء‏ ‏زخم‏ ‏كتابة‏ ‏المسودة‏ ‏يكتب‏ ‏بسرعة‏ ‏واندفاع‏ ‏وبأية ‏لغة: ‏عربى ‏عامى ‏إنجليزى (‏زى ‏ما‏ ‏تيجى) ‏ثم‏ ‏يأخذ‏ ‏فى ‏التبييض‏ ‏الذى ‏قد‏ ‏يستغرق‏ ‏سنة‏ ‏أو‏ ‏أكثر”

وسؤال‏ ‏عن‏ ‏رواية‏ ‏خان‏ ‏الخليلى ‏وكيف‏ ‏أنها‏ ‏بدأت‏ ‏بفكرة‏ ‏كتابة‏ ‏كوميدية‏ ‏وانتهت‏ ‏بما‏ ‏انتهت‏ ‏إليه‏: ‏بكائية‏ مأساوية ‏من‏ ‏أقسى ‏الروايات، ‏ويؤكدالأستاذ‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏صرح‏ ‏به‏ ‏ويفصل‏ ‏الحكاية‏ ‏كالآتي‏:

 ‏”إن‏ ‏شخصيات‏ ‏الرواية‏ ‏كنا‏ ‏نعرفها‏ ‏جميعها‏ ‏تقريبا، ‏وكانوا‏ ‏مرحين‏ ‏لا‏ ‏يحضرون‏ ‏إلا‏ ‏ويدخلون‏ ‏الضحك‏ ‏علينا، ‏بالحديث‏ ‏والمداعبة‏ ‏والقفشات‏ ‏والفضول‏ ‏وأى ‏شىء، ‏فخطر‏ ‏ببالى ‏أن‏ ‏أستلهم‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏كله‏ ‏رواية، ‏وأنها‏ ‏سوف‏ ‏تكون‏ ‏رواية‏ ‏هزلية‏ ‏طريفة، ‏فلأجرب، ‏وبدأت، ‏وإذا‏ ‏بى ‏أتعرف‏ ‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏حيواتهم، ‏وإذا‏ ‏بها‏ ‏جوانب‏ ‏مأساوية‏ ‏شديدة‏ ‏الإيلام‏ ‏والأسى، ‏فسارت‏ ‏الرواية‏ ‏فى ‏مسارها‏ ‏حتى ‏ظهرت‏ ‏بالصورة‏ ‏التى ‏ظهرت‏ ‏عليها‏”.‏

ويطرح‏ ‏سؤال‏ ‏عن‏ ‏المسودات‏ ‏التى ‏بدأ‏ ‏بها، ‏وأين‏ ‏هى، ‏وكيف أن‏ ‏الدراسات‏ ‏النقدية‏ ‏تهتم‏ ‏بهذا‏ ‏المصدر‏ ‏اهتماما‏ ‏فائقا، ‏فيكرر‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏قاله‏ ‏لى ‏منذ‏ ‏أسابيع ‏ عن ما يكتب عنه أيضا: ‏من‏ ‏أنه‏ “مقطّعاتى”، ‏ويعزو‏ ‏ذلك‏ ‏إلى ‏سبب‏ ‏لم يقنعنى‏ (‏ليس‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏الحقيقى غالبا، لكنه التواضع‏) ‏من‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏عنده‏ ‏مكان‏ ‏للاحتفاظ‏ ‏بمثل‏ ‏هذه‏ ‏الأوراق‏ ‏التى ‏كان‏ ‏يرى ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏لها‏ ‏أى ‏معنى، ‏ولا‏ ‏تلزم‏ ‏أحدا، ‏وأنه‏ ‏كان‏ ‏يسكن‏ ‏فى ‏المسكن‏ ‏الذى ‏يجده، ‏وليس‏ ‏فى ‏المسكن‏ ‏الذى ‏يريده، ‏ويدور‏ ‏حديث‏ ‏حول‏ ‏أهمية‏ ‏المسودات‏ ‏فى ‏النقد، ‏وأضيف‏ ‏بل‏ ‏إن‏ ‏المسودات‏ ‏تعتبر‏ ‏وثائق‏ ‏تاريخية‏ ‏هى ‏والأعمال‏ ‏التى ‏لم‏ ‏تنشر، ‏ربما‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الأعمال‏ ‏التى ‏نشرت‏ ‏بالفعل‏ ‏فى ‏حقبة‏ ‏معينة‏.‏

ويضيف‏ ‏الأستاذ‏ ‏أنه‏ “‏إيش‏ ‏عرفه‏ ‏أنه‏ ‏سيصبح‏ ‏مُهِمًّا، ‏لقد‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏أيام‏ ‏كان‏ ‏يستجدى ‏النشر، ‏ويلف‏ ‏هنا‏ ‏وهناك‏ ‏على ‏أى ‏احتمال‏ ‏ناشر‏ ‏أو‏ ‏واعد‏ ‏بالنشر‏ ‏لعل‏ ‏وعسى، ‏يلف‏ ‏بالعمل‏ ‏المنتهى، ‏ولا‏ ‏فائدة، ‏فلماذا يحتفظ‏ ‏إذن‏ ‏بمسودات‏ ‏مبيضاتها‏ ‏لا‏ ‏تجد‏ ‏الفرصة‏ ‏لتقع تحت‏ ‏نظر‏ ‏أى ‏قارئ؟

وسؤال‏ ‏آخر‏ ‏حول‏ ‏هل أن الإبداع‏ ‏له أثره‏ ‏على ‏المبدع، ‏ويجيب‏ ‏الأستاذ‏ ‏بالإيجاب‏ ‏دون‏ ‏تفصيل، ‏وينتهى ‏بأن‏ ‏المبدع‏ ‏يخرُج‏ ‏من‏ ‏عمله‏ ‏برؤى ‏جديدة‏ ‏وخبرات‏ ‏جديدة، ‏وأضيف‏ ‏أنا تصورى أن ‏ ‏العمل‏ ‏الإبداعى ‏الفعلى ‏هو‏ ‏العمل‏ ‏الذى ‏يغيِّر‏ ‏المبدع‏ ‏نوعيا‏ ‏ولو‏ ‏بأى ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الدرجات، ‏وأن‏ ‏العمل‏ ‏الذى ‏يخرج‏ ‏منه‏ ‏المبدع‏ ‏كما‏ ‏دخله‏ ‏تماما‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أقل‏ ‏درجة‏ ‏وإبداعا‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏الذى ‏غيره ‏وهو‏ ‏يعايشه‏.‏

وسؤال‏ (أظن‏ ‏من‏ ‏إبراهيم‏ ‏عيسى) ‏عن‏ ‏كيف‏ ‏يواجه‏ ‏الإنسان‏ ‏الحزن، ثم كيف يواجه الأستاذ حزنه شخصيا، ‏أو‏ ‏يتعامل‏ ‏معه، ‏أو‏ ‏ينتصر‏ ‏عليه، ‏ويتعجب‏ ‏الأستاذ، ‏وأشفق‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏كثرة‏ ‏الأسئلة‏ ‏التى ‏كادت‏ ‏تقلب‏ ‏الجلسة‏ ‏إلى ‏تسجيل‏ ‏إذاعى ‏أو‏ ‏حديث‏ ‏صحفى، ‏ولكن الأستاذ‏ ‏لا‏ ‏يضجر،‏ ‏فيُطرق‏ ‏قليلا‏ ‏ثم‏ ‏يجيب‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تصورت‏ ‏أنه‏ ‏سيعتذر‏ ‏قائلا‏: أتعامل مع الحزن “بأن ‏أحزن“، ‏ويسكت، فتصلنى الإجابة شديدة الدلالة بالنسبة لفكرى هذه الأيام، وأشير من بعيد إلى شعر ذى الرمّة الذى يبين كيف أنه كان يرحب بالحزن ضيفا ويكرمه كما يقرى المضيف ضيفه حتى ينصرف، ويطلب الأستاذ أن أعيد عليه بيت شعر ذى الرمة، فأكرره:

وكنت‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏الهم‏ ‏ضاف‏ ‏قريتُه‏         ‏مواكبة‏ً ‏ينضو‏ ‏الرعان‏ ‏ذميلها

ويسأل‏ ‏الدكتور‏ ‏السلامونى ‏الأستاذ‏ ‏عمآ‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏يذكر‏ ‏مقابلته ‏مع‏ ‏الطلبة‏ ‏قبل‏ ‏حرب‏ 73، ‏ثم‏ ‏أعقبها‏ ‏البيان‏ ‏الذى ‏أصدره‏ ‏الكتاب‏ (‏ومنهم‏ ‏توفيق‏ ‏الحكيم‏ ‏وثروت‏ ‏أباظة‏)، ‏ثم‏ ‏لقائهم‏ ‏بالسادات‏ ‏بعد‏ ‏ذلك، ‏ولا‏ ‏يذكر‏ ‏الأستاذ‏ ‏هذا اللقاء، ‏فيؤكد‏ ‏السلامونى ‏‏أنه‏ ‏كان شخصيا‏ ‏بين‏ ‏هؤلاء‏ ‏الطلبة، ‏ويحكى ‏الأستاذ‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالسؤال‏ ‏بما‏ ‏تذكر، ‏فيقول:‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الرأى ‏الذى ‏قدمه‏ ‏هؤلاء‏ ‏الثلاثة (هو وثروت أباظة وتوفيق الحكيم)‏ ‏كان‏ ‏بمثابة‏ ‏سر‏ ‏بينهم‏ ‏وبين‏ ‏الرئيس‏ ‏السادات، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏تسرب‏ ‏إلى ‏الصحف، ‏وأظن‏ ‏إلى ‏صحف‏ ‏بيروت، ‏فاستشاط‏ ‏السادات‏ ‏غضبا‏ ‏لأن‏ ‏ذلك‏ ‏بدا‏ ‏بمثابة‏ ‏إفشاء‏ ‏سر‏ ‏أو‏ ‏خيانة‏ ‏أمانة، ‏وقد‏ ‏شرحوا‏ ‏الأمر‏ ‏للسادات‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر، ‏ويعقب‏ ‏الأستاذ أنه بذلك‏ ‏لم‏ ‏يخالف‏ ‏رأيه‏ ‏ولم‏ ‏يخن‏ ‏موقفه، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏قديم، من أوائل الستينات ‏وأنه‏ ‏نشره‏ ‏فى رواية “‏السمان‏ ‏والخريف”‏ ‏حيث‏ ‏قال‏ ‏إنه‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏العودة‏ ‏إلى ‏الناس، ‏فإذا‏ ‏أتت‏ ‏حكومة‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الديمقراطية، ‏ورأت‏ ‏أن‏ ‏تنهى ‏هذا‏ ‏الصراع‏ ‏فلتفعل، ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏سنة‏ 1962، ‏وكرره‏ ‏برأى ‏مباشر‏ ‏فى 1972، ‏وأنبه‏ ‏إلى ‏تسلسل‏ ‏فكر‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏التأكيد‏ ‏على ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏يحدث‏ ‏بعد‏ ‏انتخابات‏ ‏ديمقراطية‏ ‏تأتى ‏بحكومة‏ ‏تعبر‏ ‏عن‏ ‏رأى ‏الناس‏ ‏الذين‏ م‏ن‏ ‏حقهم‏ ‏أن‏ ‏يقرروا‏ ‏مصيرهم

وينتقل‏ د. ‏السلامونى (‏بدا‏ ‏صحفيا‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏إبراهيم‏ ‏عيسى) ‏إلى ‏سؤال‏ ‏عن‏ ‏مقابلته‏ ‏مع‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏أثناء‏ ‏زيارته‏ ‏الأهرام‏ ‏مع‏ ‏هيكل، ‏فيقول الأستاذ:‏ ‏إن‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏كان‏ ‏يمر‏ ‏على ‏المكاتب‏ ‏ويحيى ‏الناس‏ ‏ويداعبهم، ‏وكان‏ ‏يصحبه‏ ‏هيكل‏ ‏وأحمد‏ ‏بهجت، ‏وأنه‏ ‏حين‏ ‏سلم‏ ‏عليه‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏لماذا‏ ‏لم‏ ‏نقرأ‏ ‏لك‏ ‏من‏ ‏زمان، ‏فأجاب‏ ‏هيكل‏ – ‏وكان‏ ‏ذلك‏ ‏يوم‏ ‏خميس‏- ‏أنه‏ ‏سينشر‏ ‏قصة‏ ‏غدا‏ (‏فى ‏عدد‏ ‏الجمعة‏) ‏وأضاف‏ ‏هيكل‏ ‏”إنها‏ ‏قصة‏ ‏من‏ ‏التى ‏تودى ‏فى ‏داهية”، ‏فعلق‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏ضاحكا‏: ‏توديك‏ ‏إنت‏.‏

ويطرح‏ ‏الدكتورالسلامونى ‏سؤالا‏ ‏موجها‏ ‏لى ‏مباشرة‏ ‏عن‏ ‏بحثى بعنوان‏ “‏جدلية‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع”، ‏ويقول‏ ‏إنه عمل‏ ‏صعب‏ ‏وإنه‏ ‏لم‏ ‏يكمله، ‏إلى ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏تعليقات‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏سمعتها‏ ‏وتألمت‏ ‏لها‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تعجبت‏ ‏منها، ‏وأشعر‏ ‏أننى ‏لا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أرد، ‏ولكننى ‏أحدس‏ ‏أن‏ ‏الأستاذ‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يسمع‏ ‏فأنتقل‏ ‏إلى ‏جواره‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏بثينة‏ ‏التى ‏قامت‏ ‏بدور‏ ‏المترجم‏ ‏الجيد‏ (‏وإن‏ ‏أخذت‏ ‏لهجة‏ ‏إذاعية‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏): ‏قلت للأستاذ أننى سبق أن عرضت عليه أجزاء من هذه الأطروحة، وأننى أخشى التكرار، فيقول: أنه يحب أن يسمعها ثانيا ولو موجزة، وأن معنا آخرين لم يسمعوها من قبل، فأقول:‏ ‏إن‏ ‏موجزالمسألة‏ ‏أننى ‏بدأت‏ ‏بفرض‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏هو‏ ‏صفة‏ ‏أساسية‏ ‏فى ‏الوجود‏ ‏البشرى، ‏وأن‏ ‏ما يُحكى – أو لا يحكى – على أنه حلم إنما يتشكل ‏فى ‏الثوانى ‏أو‏ ‏جزء‏ ‏الثانية‏ ‏قبيل‏ ‏اليقظة، ‏وأن‏ ‏الحلم‏ – ‏إذن‏- ‏هو‏ ‏إبداع‏ ‏الشخص‏ ‏العادى، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏دبجته‏ ‏فى ‏دراسة لاحقة بعنوان‏ “‏الإيقاع‏ ‏الحيوى ‏ونبض‏ ‏الإبداع“، ‏وقد سبق أن شرحت هذه الفروض بتفصيل أكبر فى أطروحة تالية بعنوان “جديلية الجنون والإبداع” وهو ما يسأل عنه د. السلامونى، ثم اضفت وأنا أعتذر فى سرّى لرغبة تدعونى للتوقف: أن هذا الفرض التالى، الذى شغل عشرات الصفحات فظهر بالصعوبة التى تحدث عنها د.السلامونى، لا يصلح أن أوجزه الآن شرحا لهذه المجموعة حول الأستاذ بكل تنوعها هكذا، ومع ذلك فالفكرة الأساسية كانت تقول: ‏إنه‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏تقسيم‏ ‏الناس‏ ‏إلى ‏مبدع‏ ‏وعادى ‏ومجنون، ‏وهو‏ ‏تقسيم‏ ‏خاطئ‏ ‏أصلا‏ (من‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏) ‏وضعتُ‏ ‏هذا الفرض الذى يصور الوجود البشرى فى ‏حالات‏ ‏متعاقبة‏ ‏متبادلة‏ ‏دورية متكاملة‏ ‏جدلية باستمرار، ‏يمر‏ ‏بها‏ ‏كل‏ ‏إنسان‏ ‏بلا‏ ‏استثناء‏ ‏طول‏ ‏حياته، ‏وهى ‏حالات‏ ‏أسميتها‏ “حالة‏ ‏العادية”، ‏و”حالة‏ ‏الجنون”‏ ‏و”حالة‏ ‏الإبداع”، ‏وعلينا‏ ‏أن‏ ‏نتقبل‏ ‏هذا‏ ‏التناوب‏ ‏ابتداء (4)، ‏وبالتالى ‏يكون‏ ‏ناتج‏ ‏حياتنا‏ ‏فى ‏فترة‏ ‏بذاتها، ‏أو‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏هو‏: ‏كيفية‏ ‏تعاملنا‏ ‏مع‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏المتبادلة‏ ‏والمتجادلة، ‏وبقدر‏ ‏ما‏ ‏يسمح‏ ‏المجتمع‏ ‏والتربية‏ ‏بهذه‏ ‏الحركة‏ ‏المرنة‏ ‏يكون‏ ‏النتاج‏ ‏إيجابيا‏ (‏إبداعا‏) ‏أو‏ ‏تسكينا‏ ‏تأجيليا‏ (‏عادية‏) ‏أو‏ ‏سلبيا‏ (‏جنون‏)، ‏على ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏النظرة‏ ‏الحركية‏ ‏لا‏ ‏تجعل‏ ‏أية ‏حالة‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏نهائية ‏لأنه‏ ‏توجد‏ ‏دائما ‏فرص‏ ‏لاحقة‏ ‏للتبادل‏ ‏والجدل، ‏ويقول‏ ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الجنون‏ ‏لا‏‏إرادى، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏إرادى، ‏و‏أتحفظ‏ ‏على ‏ذلك بحدّة، ‏منبها الدكتور‏ ‏السلامونى ‏أساسا – متجنبا مواجهة الأستاذ–‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الجنون‏ ‏إرادى ‏لكنها‏ “‏إرادة‏ ‏لاحقة‏” ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير، ‏أو‏ ‏بشكل‏ ‏أدق‏ ‏إنها‏ “‏إرادة‏ ‏تـُكتشف‏ ‏بعد‏ ‏الحدث”، ‏وليست‏ ‏اختيارا‏ ‏واعيا‏ ‏قبل‏ ‏الحدث، ‏وأن‏ ‏ناتج‏ ‏ أية ‏نبضة‏ ‏أو‏ ‏حركة‏ ‏بشرية‏ ‏تتراوح‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏البدائل‏ ‏يتقرر‏ ‏مصيره‏ ‏بصراعات‏ ‏الإرادات‏ ‏المختلفة‏ ‏والمتعددة داخلنا وخارجنا، ‏وأن هذه‏ ‏الصراعات‏ ‏يظهر‏ ‏بعضها فى ‏الوعى ‏ولا‏ ‏يظهر‏ ‏البعض‏ ‏الآخر، وأتوقف وأنظر فى وجوه الحضور، وأقرأ ما خشيته: “لم يصل ما أردت!!!” ‏لكن‏ ‏تعليقا‏ ‏من‏ ‏د‏. ‏خالد‏ ‏الرخاوى ‏يقول‏: ‏إذا‏ ‏كنت‏ ‏تستطيع‏ ‏أن‏ ‏تقول‏ ‏ما‏ ‏تريد‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة‏ ‏والوضوح، ‏فلماذا‏ ‏تكتبها‏ ‏بكل‏ ‏تلك‏ ‏الصعوبة‏ ‏التى ‏يشكو‏ ‏منها‏ ‏د‏. ‏السلامونى ‏وغيره؟ ‏فأقول‏ ‏إنه‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏أن‏ ‏تكتب‏ ‏لمجلة‏ ‏”فصول”‏ ‏وقد‏ ‏طلبت‏ ‏تحديدا‏ ‏أطروحة‏ ‏عن‏ ‏”جدلية‏ ‏الجنون‏ ‏والإبداع”، ‏وبين‏ ‏أن‏ ‏أجيب‏ ‏على ‏سؤال‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الموضوع‏ ‏للمجتمعين‏ ‏هنا، ‏وأحكى ‏للأستاذ‏ ‏نكتة‏ ‏الرجل‏ ‏السورى ‏الذى ‏كان‏ ‏يحكى‏ ‏فزورة‏ ‏لصديقه، ‏وهو يسأله‏ ‏عن‏ ‏شىء‏‏ ‏له‏ ‏ست‏ ‏أرجل‏ ‏وثلاثة‏ ‏رؤوس‏ ‏وعين‏ ‏واحدة‏..‏إلخ، ‏وحين‏ ‏يعجز‏ ‏صديقه‏ ‏عن‏ ‏الإجابة‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏إن‏ ‏الإجابة‏ ‏هى “‏الحلاوة‏ ‏الطحينية”، ‏ويثور‏ ‏زميله‏ ‏احتجاجا‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الإجابة‏ ‏الغريبة المستحيلة، ‏فيرد‏ ‏صاحب‏ ‏الفزورة‏ ‏أنه‏ “‏باصَعِّبْهَـا”‏

ويطرح‏ ‏سؤال‏ ‏آخر على الأستاذ‏: ‏وما‏ ‏أكثر‏ ‏أسئلة‏ ‏هذا‏ ‏اللقاء، “يسأل‏ ‏الدكتور‏ ‏رفيق‏ حاتم الأستاذ” “‏هل‏ ‏يتمثل‏ ‏الكاتب‏ ‏متلقيه‏ ‏أثناء‏ ‏الكتابة، ‏ويجيب‏ ‏الأستاذ‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏ليس‏ ‏كذلك‏ ‏بالضرورة، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هو يحاول أن يعرف‏ ‏إلى من يوجه خطابه‏‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ”

وسؤال‏ ‏جديد‏ ‏عن‏ ‏”مدى ‏تأثر‏ ‏المبدع‏ (‏الكاتب‏) ‏بتقمص‏ ‏شخوص‏ ‏إبداعه”، ‏فيجيب‏ ‏الأستاذ‏ ‏”إن ‏هذا‏ ‏وارد، ‏وأن‏ ‏درجاته‏ ‏مختلفة، ‏ويحكى ‏عن‏ ‏جى ‏دى ‏موباسان‏ ‏وهو‏ ‏يصف‏ ‏انتحار‏ ‏مدام‏ ‏بوفارى ‏وأنه‏ ‏كان‏ ‏يتقيأ وهو يعايش النص، ‏كما‏ ‏يحكى ‏أنه‏ ‏شخصيا ‏ ‏بكى ‏ أحيانا مع‏ ‏أبطاله، ‏ويذكره‏ ‏الأستاذ‏ ‏هارفى ‏بحسن‏ ‏رمزى ‏فيضحكان‏ ‏ولا‏ ‏ندرى ‏فيم‏ ‏الضحك، ونسألهما ‏فيقول‏ ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏حسن‏ ‏رمزى ‏كان‏ ‏مخرجا‏ ‏خفيف‏ ‏الظل، ‏وأنه‏ ‏كان‏ ‏يتدخل‏ ‏فى ‏كتابة‏ ‏السيناريو‏ ‏أو‏ ‏الحوار، ‏فيمثل‏ ‏الدور‏ ‏منفعلا‏ ‏وهو‏ ‏يقترح‏ ‏تعديلا‏ ‏معينا، ‏ويصل‏ ‏انفعاله‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏قصوى ‏تجعل‏ ‏الأستا‏ذ‏ ‏وهارفى ‏وأى ‏مشارك حاضر ‏ ‏يغرقون ‏ ‏فى ‏الضحك

وسؤال‏ ‏جديد: عن‏ ‏تأثر‏ ‏الممثل‏ ‏بأدواره، ‏وأذكر‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏تصوير‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏مسرحية‏ ‏سارتر‏ “الممثل‏ ‏كين”، ‏ويقول‏ ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏الأمر‏ ‏يختلف‏ ‏مع‏ ‏المبدع‏ ‏الروائى ‏الذى ‏يتقمص‏ ‏شخوصه‏ ‏مرة‏ ‏واحدة، ‏ثم‏ ‏هو‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتحرك‏ ‏بهم‏ ‏ويحورهم‏ ‏أثناء‏ ‏إبداعهم‏ ‏فهو‏ ‏فى ‏موقع‏ ‏الخالق بلا وصاية، ‏أما‏ ‏الممثل‏ ‏فهو‏ ‏محكوم‏ ‏بغيره، ‏ويكرر‏ ‏نفس‏ ‏التقمص‏ ‏‏على ‏المسرح مثلا كل ليلة، ‏ويحكى أحدهم‏ ‏عن‏ ‏حوار‏ ‏بين‏ ‏توفيق‏ ‏الدقن‏ ‏وأحمد‏ ‏زكى، ‏إذ‏ ‏ينصح‏ ‏الأول‏ ‏الأخير‏ ‏ألا‏ ‏يتقمص‏ ‏أدواره‏ ‏هكذا‏ ‏جدا‏ ‏جدا، ‏لأنه‏ ‏فى ‏الآخر‏ ‏سوف‏ ‏يبحث‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏فلا‏ ‏يجدها، ‏وأنبه‏ ‏إلى ‏حكاية‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏النفس‏ ‏هذه، ‏وأنه لا‏ ‏يوجد‏ ‏شيء‏ ‏إسمه‏ ‏النفس، ‏وإنما‏ ‏هى ‏عملية‏ ‏متصلة‏ ‏من‏ ‏التقمص‏ ‏والمرونة‏ ‏والهضم‏ ‏والتمثل‏ ‏والاستبقاء، ‏تتكون‏ ‏فيها‏ ‏الذات‏ ‏باستمرارا، ‏فالذات‏ ‏هى ‏لحظة‏ ‏جُمّاع‏ ‏بذاتها‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏بذاته، ‏والزعم‏ ‏بأن‏ ‏ثمة‏ ‏نفس‏ ‏يمكن أن توصف بما هى كذلك هو‏ ‏زعم‏ ‏يحتاج‏ ‏لمراجعة، ‏ولا‏ ‏أظن‏ ‏أننى ‏استطعت‏ ‏أن‏ ‏أوصل‏ ‏ما‏ ‏أردت‏ ‏لأحد‏ ‏توصيلا‏ ‏جيدا‏.‏

وسؤال‏ ‏للأستاذ‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏عن‏ ‏تقمصه‏ ‏لعدد‏ ‏كبير‏ ‏من‏ ‏الشخوص‏ ‏فى ‏رواية‏ ‏بذاتها‏ (‏أظنها‏ ‏خان‏ ‏الخليلى) ‏فى ‏قهوة‏ ‏بذاتها، ‏فيرد‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏آخر، ‏وأن‏ ‏المبدع‏ ‏يتحرر‏ ‏بإبداعه، ‏وأن‏ ‏قمة‏ ‏التحرر‏ ‏هو‏ ‏الموت، ‏وأطلب‏ ‏المزيد‏ ‏من‏ ‏الشرح، ‏فيقول‏ ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏المبدع‏ ‏يعيش‏ ‏ممتلئا‏ ‏بقضايا‏ ‏وإشكالات‏ ‏بذاتها‏: ‏مثل‏ ‏العدالة، ‏والطغيان، ‏والصراع‏ ‏وما‏ ‏شابه ذلك، ‏وهو ‏إذ‏ ‏يكتب، ‏يصب‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏يملؤه‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏أو‏ ‏ذاك، ‏فيحل‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏استشكل‏ ‏عليه، ‏وينقص‏ ‏من‏ ‏وزن‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏أثقله، ‏فإذا‏ ‏حل‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الإشكالات‏ (‏نظريا‏) ‏وتخلص‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الثقل، ‏فإنه‏ ‏يموت‏ ‏لأنه‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏ثمة‏ ‏ما‏ ‏يبرر‏ ‏استمراره، ‏ولا‏ ‏أعرف‏ ‏كيف‏ ‏ربط‏ أحدهم ‏هذا‏ ‏بالقصص‏ ‏التى ‏ينشرها‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏مجلة‏ ‏نصف‏ ‏الدنيا، ‏فيقول‏ ‏الأستاذ إنه‏ ‏لم‏ ‏يكتبها‏ ‏قريبا‏ ‏ولا‏ ‏بعد‏ ‏الحادث، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏كتبها‏ ‏كمجموعة‏ ‏كاملة‏ ‏وأعطاها‏ ‏للمجلة، ‏وهو‏ ‏يحرص‏ ‏على ‏أن‏ ‏تنشر‏ ‏واحدة‏ ‏كل‏ ‏شهرين، ‏ليشعر‏ ‏أنه‏ ‏ما‏ ‏زال‏ ‏يعطى ‏شيئآ‏ ‏ما‏ ‏يربطه‏ ‏بالقارئ، ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏يدرى ‏إذا‏ ‏انتهت‏ ‏ماذا هو فاعل خاصة وهو يخشى، أو يشعر، لا أذكر، أن انتهاءها قد يعنى انتهاءه، فيا ترى كيف سيكون موقفه؟، ‏وأفزع‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏، وهذا الخاطر، ‏وارتباطه‏ ‏بالموت، ‏فأسارع‏ ‏بالقول‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الناتج‏ ‏الإبداعى، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏الحياة، ‏وأن أية ‏إضافة‏‏ ‏نوعية‏ حقيقية فى ‏مساحة‏ ‏الوعى، ‏أو‏ ‏عمق‏ ‏الرؤية‏ ‏أوتغيير‏ ‏الموقف‏ ‏هى ‏إبداع‏ ‏للذات، ‏وأن‏ ‏إبداع‏ ‏الذات‏ ‏لا‏ ‏يحتاج‏ ‏أن‏ ‏يصاغ‏ ‏بأداة‏ ‏خارجة‏ ‏عن‏ ‏الوجود‏ ‏الذاتى، ‏وأن‏ ‏إفراز‏ ‏الإبداع‏ ‏فى ‏ناتج‏ ‏إبداعى ‏خارجى ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏عجز‏ ‏مرحلى ‏عن‏ ‏إبداع‏ ‏الذات، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏جلسة‏ ‏الأستاذ‏ ‏معنا‏ ‏هكذا‏ ‏هى ‏إبداع‏ ‏متجدد‏ ‏وهى‏ ‏مبرر، ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏التى ‏طرحها‏ ‏الأستاذ‏- ‏لاستمرار الحياة-، وهذا حقنا، وسأبلغ ربنا عنه، (أنظر الاهرام: 11/12/1999 “فى ‏عيد‏ ‏ميلاده‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏: ‏جوائز‏ ‏وجوائز”)،

ويضحك الأستاذ راضيا

ويبدى ‏إبراهيم‏ ‏عيسى ‏إعجابه‏ ‏بهذا‏ ‏التخريج‏ ‏والاستدراك‏ ‏وتنفرج‏ ‏أسارير‏ ‏الأستاذ أكثر، ثم يضحك عاليا.

ولا‏ ‏أدرى ‏كيف‏ ‏انتقل‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏معاناة‏ ‏الأستاذ‏ ‏أثناء‏ ‏الكتابة‏ ‏فأشار‏ ‏إلى ‏احتمال‏ ‏أن‏ ‏يقع‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏اختصاصى ‏فأعدت‏ ‏التأكيد‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏هو‏ ‏بالعكس، ‏وأننى ‏كنت‏ ‏أتساءل‏ ‏دائما‏ ‏عن‏ ‏من‏ ‏ذا‏ ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ألجأ‏ ‏له‏ ‏لو‏ ‏فلت‏ ‏منى ‏العيار‏ ‏نفسيا، حتى ‏صاحبت‏ ‏الأستاذ‏ ‏فقررت‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏طبيبى النفسى ‏متى احتجت طبيبا.

وأعود‏ ‏إلى‏ ‏تعقيب‏ ‏الأستاذ‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏يحرر‏ ‏المبدع، ‏وأن‏ ‏تخفيف‏ ‏الثقل‏ ‏الذى ‏يشغل‏ ‏المبدع‏ ‏فى ‏إفراغه‏ ‏فى ‏أعماله‏ ‏الإبداعية‏ ‏هو‏ ‏اكتساب‏ ‏للحرية، ‏فأنبه‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يؤخذ‏ ‏بالمفهوم‏ ‏المسطح‏ ‏الذى ‏فهمت‏ ‏به‏ ‏مقولة‏ ‏أرسطو‏ ‏عن‏ ‏التفريغ‏ (‏أو التطهير‏) ‏التى ‏يقوم‏ ‏بها‏ ‏المسرح، ‏لأن‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏يؤخذ‏ ‏عند‏ ‏الكثيرين‏ ‏بشكل‏ ‏ميكانيكى (‏يسمى ‏أحيانا‏ ‏ديناميكى) ‏وكأن‏ ‏ثمة‏ ‏إناء‏ ‏ممتلئ‏ ‏ومطلوب‏ ‏تفريغه، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الحرية‏ (‏وهى ‏الأطروحة‏ ‏الثالثة‏ ‏التى ‏تناولتها‏ ‏فى ‏ثلاثية‏ ‏التنظير‏ ‏للإبداع‏ ‏فى ‏مجلة‏ ‏فصول‏) أطروحة “عن‏ ‏الحرية‏ ‏و‏‏الجنون‏ ‏والإبداع”  مجلة فصول مجلة فصول– المجلد السادس – العدد الرابع 1986 ص (30 – 58)،(5)

 وأضيف: أن الحرية يكتسبها‏ ‏الإنسان‏ ‏المبدع‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏إبداعه، ‏ليس‏ ‏بمعنى ‏التفريغ، ‏والتحرر‏ ‏من‏ ‏عبء‏ ‏ما، ‏وإنما‏ ‏بمعنى ‏اتساع‏ ‏الوعى، ‏وتعميقه‏ ‏بما‏ ‏يضيفه‏ ‏الإبداع‏ (إنشاءً‏ أ‏و تلقياً‏)، ‏وبالتالى ‏اتساع‏ ‏مجالات‏ ‏الاختيار‏ ‏وفرص‏ ‏الحركة‏ ‏بما‏ ‏يعطى ‏لكلمة‏ ‏حرية‏ ‏معنى ‏مناسبا‏.‏

ملحوظة‏: ‏قال‏ ‏الدكتور‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏تفسيرا‏ ‏لصعوبة‏ ‏ما‏ ‏أكتب‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏ناتج‏ ‏من‏ ‏أننى ‏ألتزم‏ ‏بما‏ ‏أعرف‏ ‏علما، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏أقدم‏ ‏ما‏ ‏أصل‏ ‏إليه‏ ‏إبداعا‏ ‏وتنظيرا‏ ‏فلسفيا، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏بأسلوب‏ ‏أدبى، ‏فيخرج‏ ‏العمل‏ ‏بهذه‏ ‏الصعوبة،

 ‏ولا‏ ‏أستبعد‏ ‏هذا‏ ‏التفسير،

 ولا أقبله.

[1] – ثم زوجة الصديق أ.د. عماد أبو غازى أمين المجلس الأعلى للثقافة، ثم وزير الثقافة الآن، والمرشحة!! لرئاسة الجمهورية، حسب ما ظهر فى صحف اليوم 8-4-2011.

[2] – مثل أن هذا هو آخر يوم سوف أكتب فيه هذه الذكريات، مع أننى لم اكن أعلم ذلك إلا الآن 2011.

[3] – (ولم أكن قد قرأته ونقدته إلا لاحقا)

[4] – تطور هذا الفرض مؤخرا فى كتاب “الأساس فى الطب النفسى” الذى نشرت أجزاءً منه تباعاً هنا فى نشرات الإنسان والتطور وتطورت حالة “الجنون العادى إلى ما اسمته الجنون اللاجنون … إلخ مثلا:

– نشرة 7-12-2010 (حالة “اللاجنون الحركى 1

– نشرة 8-12-2010 (مزيد من التطوير والنقد: “حركية الجنون اللاجنون 2”)،

– نشرة 14-12-2010 (فروق ثقافية، وإشكالات لغوية (1) “إلى أين هذا التشكيل، وبأى أبجدية يحكِى؟”)

– نشرة 15-12-2010 (فروق ثقافية، وإشكالات لغوية(2) لماذا “الجنون” وليس “الذهان”؟)

[5] – فى نشرة 25-1-2011 وذكرت فيها أن: “الجنون هو فعل الحرية لتستحيل وأن: “الجنون مقصلة حريته”، وعدت إلى ذلك فى نشرة 26-1-2011 “التنازل عن الحرية لإحيائها: (الحزن النابض: ضد الجنون!)”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *