الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة السابعة والخمسون: الخميس‏ ‏ثانى ‏أيام‏ ‏العيد‏

فى شرف صحبة نجيب محفوظ : الحلقة السابعة والخمسون: الخميس‏ ‏ثانى ‏أيام‏ ‏العيد‏

نشرة”الإنسان والتطور”

6-1-2011

السنة الرابعة

العدد: 1224

  Photo_Mafouz

الحلقة السابعة والخمسون

الخميس‏ ‏ثانى ‏أيام‏ ‏العيد‏

11/5/1995

 ‏كان‏ ‏موعد‏ ‏الحرافيش‏ (بالإضافة‏ ‏إلى ‏أشياء‏ ‏أخرى) ‏سببا‏ ‏فى ‏عودتى ‏من‏ ‏الإسكندرية‏ ‏قاطعا‏ ‏إجازة‏ ‏العيد، ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏مضرب‏ ‏عن‏ ‏النزول‏ ‏من‏ ‏السرير، (وليس فقط من البيت)، ‏اعتذر‏ ‏فى ‏آخر‏ ‏لحظة، ‏كلّمته‏ ‏فى ‏الهاتف‏ ‏فأصر‏ ‏على ‏الاعتذار، ‏قلت‏ ‏له‏ ‏أمرّ‏ ‏عليك‏ ‏بالمنزل‏ ‏فقال‏ ‏إنه‏ ‏يستطيع‏ ‏قيادة‏ ‏السيارة‏ ‏ولا‏ ‏توجد‏ ‏مشكلة‏ ‏فى ‏ذلك،‏ ‏وإنما‏ ‏المشكلة‏ ‏فى ‏النزول‏ ‏من‏ ‏السرير، هؤلاء‏ ‏الفنانون‏ ‏بحق!!، ‏هؤلا‏ ‏ء‏ ‏الفنانون‏.!!!!!‏

‏ ‏ممتلئ‏ ‏أنا‏ ‏غيظا‏ ‏هذا‏ ‏اليوم‏ ‏من‏ ‏أخبار‏ ‏المعاهدة‏ ‏النووية‏ ‏التى ‏وافقوا‏ ‏عليها‏ ‏بالإجماع‏ ‏دون‏ ‏تصويت، ومن‏ ‏الاستيلاء‏ ‏على ‏أراضى ‏القدس، ‏أفهم‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏ ‏ما‏ ا‏لذى ‏يدفع‏ ‏بالشباب‏ ‏إلى ‏القتل، ‏لو‏ ‏عندى ‏مدفع صاروخى‏ ‏أ‏و‏ ‏قنبلة‏ ‏ذرية‏ ‏الآن‏ ‏لقتلتهم‏ ‏جميعا، من‏ ‏هؤلاء‏ ‏الـ‏ “-‏هم”؟، ‏هم كل‏ ‏من‏ ‏يبصق‏ ‏فى ‏وجى ‏استهانة‏ ‏واحتقارا: رابين‏ ‏وكلينتون‏ ‏ويلتسون‏ (رغم‏ ‏تصريحاته‏ ‏العاجزة‏ ‏من‏ ‏موقع‏ ‏المتسول‏ ‏الذى ‏يهدد‏ ‏بالصياح‏ ‏وسب‏ ‏الدين‏) ‏ ‏وبيريز‏ ‏وناتانياهو‏ ‏وحسين، عبرت‏ ‏عن‏ ‏غيظى ‏هذا‏ ‏للأستاذ‏ ‏وشاركنى ‏بطريقته الهادئة، ‏وذكّرت‏ ‏توفيق‏ ‏ونحن‏ ‏فى ‏فورت‏ ‏جراند‏ ‏بتعبير‏ ‏العجوز‏ ‏فى ‏فيلمه‏ ‏المخدوعون‏ ‏وهو‏ ‏يكرر‏ “الموت‏ ‏أهون” “الموت‏ ‏أهون” وهم‏ ‏يجرون‏ ‏عليه‏ ‏عملية‏ ‏خصاء‏ ‏فى ‏الأغلب‏ ‏لإنقاذ‏ ‏حياته‏ ‏بعد‏ ‏شظية‏ ‏أصابت‏ ‏أعضاء‏ ‏رجولته، ‏نعم‏ ‏الموت‏ ‏أهون، واقترحت‏ ‏على ‏الأستاذ‏ ‏أن‏ ‏نستسلم حتى يتضاعف الألم بشجاعة، ‏فقال‏: “‏أكثر‏ ‏من‏ ‏هذا‏؟!!”‏ ‏”نستسلم أكثر رمن هذا؟” قلت‏: ‏نعم، إما‏ ‏أن‏ ‏نقتل‏ ‏أو‏ ‏نستسلم‏، ‏لم‏ ‏أعد‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أمسح‏ ‏من‏ ‏على ‏وجهى ‏بصاقهم‏ ‏صباح‏ ‏مساء، مع‏ ‏كل‏ ‏إذاعة‏ ‏أخبار، ومع‏ ‏كل‏ ‏صدور‏ ‏صحف، “الاستسلام‏ ‏موت، ‏والموت‏ ‏أهون”، ‏قال‏ ‏الأستاذ‏: ألا ترى معى  ‏إننا‏ ‏لا‏ ‏نستأهل‏ ‏إلا‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏نحن؟ لم‏ يكن ‏يلومنى ‏أو‏ ‏يلومنا، ‏كان‏ ‏ينبه‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏تحمل‏ ‏مسئوليتنا‏، ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏الضغوظ‏ ‏والمؤامرات‏ ‏والقهر‏ ‏والأكاذيب، ‏قلت‏ ‏نعم، و سوف أذود عن كرامتى كرامتنا ولو‏ ‏بقيت‏ ‏وحدى ‏تماما، لابد أن يفعلها ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏وحده‏ ‏طول‏ ‏الوقت، ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فللغيظ‏ ‏مبرر، ‏وله‏ ‏لغته‏ ‏وحيثياته، ‏بل‏ ‏إننى ( ‏مازلت‏ ‏أخاطب‏ ‏الأستاذ‏ ‏وتوفيق‏) ‏حين‏ ‏شعرت‏ ‏بالإهانة‏ ‏فالعجز، ‏تذكرت‏ ‏ما‏ ‏يغضب‏ ‏توفيق، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏السلسلة‏ ‏من‏ ‏المصائب‏ ‏ترجع‏ ‏أصلا‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏العسكرى ‏‏الذى ‏بدأ بتحقيق أسطورة القومية من على الكراسى ومنابر الخطابة وليس من أرض الواقع والاقتصاد والتكافل، ثم استمر يسمى كل هزيمة نصرا من أول 1956 حتى ‏هزيمة (1967)، ثم راح  يهدر ‏فرصة إعلان الهزيمة مما كان يمكن أن يدفعنا إلى الألم، فالصبر، فالبدء فى بناء حقيقى نستحقه، وغالبا نقدر عليه، إن هزيمة شعب حى هى نفير صحيانه بشكل أو بآخر، نحن‏ ‏ندفع‏ ‏الثمن‏ ‏على ‏أقساط‏ ‏سرية، أنا ‏ ‏لا‏ ‏أستطيع‏ – مع ذلك –  ‏أن‏ ‏أقول، أو‏ ‏أدعى ‏أنه‏ “‏وأنا‏ ‏مالي”، ‏واقعنا الأمرّ يقول إن ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏هو هو‏، وأن أسوأ ما افرزه هو أن بديله ألعن منه، ويوافقنى  ‏توفيق‏ ‏على ‏الخطوط‏ ‏العريضة‏ ‏للجزء ألأخير من ناتج غضبى، لكنه‏ ‏ينبهنى ‏إلى ‏أنه‏ ‏حتى ‏بدون‏ ‏هذه الانحرافة العسكرية التى أعزو إليها ما صرنا إليه، فإن هؤلاء الذين توالوْا على رأس هذا النظام العسكرى الممتد من‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏إلى مبارك مرورا بالسادات‏ ‏ليسوا‏ ‏إلا‏ ‏تمثيلا‏ ‏حقيقيا‏ ‏لما‏ ‏نستأهله‏ ‏ونرضى ‏به فى هذه المرحلة، ويضيف توفيق ‏إن‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏جاهز‏ ‏ومعد‏ ‏لتنظيم‏ ‏المنطقة‏ ‏بأسرها‏ ‏وفق‏ ‏مصالح‏ ‏إسرائيل، ‏يتابعنا الأستاذ دون تعليق، لكننى أطمئن إلى هزة رأسه ونحن (توفيق وأنا) نتناوب الجلوس بجوار أذنه اليسرى أراقب هزات رأسه المختلفة الزاوية، فأوجه له الحديث مباشرة قائلا: ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يشغلنى ‏الآن‏ ‏ليس‏ ‏الاستعمار‏ ‏العسكرى ‏أو‏ حتى ‏الاستطيانى و‏لا‏ ‏حتى ‏الإغارة‏ ‏الاقتصادية‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يشغلنى ‏هو‏ ‏”السجن‏ ‏فى ‏المنهج”، ‏ذلك‏ ‏لأنهم‏ ‏يصدرون‏ ‏لنا‏ ‏بكل‏ ‏إلحاح‏ ‏منهجا‏ ‏قاصرا‏ ‏لا‏ ‏يسمح‏ ‏لنا‏ ‏بالتفكير المستقل، مجرد‏ ‏التفكير، نحن سجناء طريقة معينة فى فهم الأمور لا نستطيع أن نتحرك إلا باستعمال أبجديتها، ‏فتكون‏ ‏النتيجة‏ ‏أن‏ ‏تضمر‏ ‏قدرتنا‏ ‏على ‏المعرفة‏ ‏الأصيلة‏ ‏منتظرين‏ ‏السماح‏ ‏بالتحرك‏ ‏فى ‏السنتيمتر‏ ‏من‏ ‏المنهج المتاح، فنمارس حتى نقدس الحروف والطريقة ونتجمد عندها طويلا حتى بعد أن  ‏يكونوا‏ ‏هم قد‏ ‏تخلوا‏ ‏عنها ‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏ثبت‏ ‏فسادها، أو بعد انتهاء عمرها الافتراضى بمرور الزمن، وأضيف، وكأنى أخطب ناسيا نفسى: إننى  ‏على ‏يقين‏ ‏أن‏ ‏الجريمة‏ ‏الحقيقية‏ ‏ليست‏ ‏فى ‏استيلائهم‏ ‏على ‏كذا‏ ‏مائة‏ ‏هكتار، ‏وإنما‏ ‏على ‏استيلائهم‏ ‏على ‏كذا‏ ‏”مساحة‏ ‏وعى”و‏‏كذا‏ ‏حق‏ ‏معرفة، وطالما‏ ‏نحن‏ ‏نعتبر‏ ‏أن‏ ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يقبلون‏ ‏نشره، ‏وأن‏ ‏الزهو‏ ‏العلمى ‏هو‏ ‏فى ‏إثبات‏ ‏حضورنا‏ ‏تلك‏ ‏المؤتمرات‏ ‏السياحية‏ ‏التى ‏يخدعوننا‏ ‏بها‏ ‏ويكذبون‏ ‏علينا‏ ‏ببريقها، ويعيّنون‏ ‏أكثرنا‏ ‏لمعانا‏ ‏على ‏صدرها‏ كنوع من المجاملة أو الديكور، ،‏فالمصيبة‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏تصور”، وتصلنى شفقة الاستاذ على مدى انفعالى، وربما هى التى حالت دون أن يعلق، مع أننى لمحت مثل ذلك داخله، من واقع ما سبق أن ناقشته فيه عن العلم والحضارة والمدنية والتاريخ، فلا أنكشه أكثر، ولا أسأله، ولا هو يتبرع بالتعليق. ‏ويستغرب‏ ‏توفيق‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يعانى ‏منه‏ ‏فى ‏ ‏مؤتمرات‏ ‏السينما‏ ‏من حيث أغراضها وجوائزها وطبيعتها يسرى ‏أيضا‏ ‏على ‏المؤتمرات‏ ‏العلمية، فأؤكد‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏المصيبة‏  فى المؤتمرات العلمية الطبية ‏أخطر‏ ‏وأعمق، لأن المريض هو الضحية نتيجة لغسيل مخ الأطباء لخدمة النقود لا الصحة، وهنا يعقب الأستاذ أخيرا فيحكى ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏الدكتور‏ ‏حسين  ‏فوزى ‏أراد‏ ‏أن‏ ‏يحجب‏ ‏جائزة‏ ‏عن‏ ‏كاتب‏ ‏جيد ‏هو‏ ‏محمود‏ ‏البدوى، ‏وأن‏ ‏الأستاذ‏ ‏نبهه‏ ‏أنه ‏ “‏لماذا‏ ‏يا حسين‏ ‏بك، إنه‏ ‏يستأهلها ‏جدا فعلا‏، ‏فيرد‏ ‏الدكتور حسين‏ ‏فوزى ‏قائلا‏: ‏قل‏ ‏لى كم‏ ‏مؤتمرا‏ ‏حضر‏؟‏ ‏فرددت عليه قائلا (يكمل الأستاذ): ‏هل‏ ‏حضور‏ ‏المؤتمرات‏ ‏سيزيد‏ ‏من‏ ‏قيمة‏ ‏عمله‏ ‏المحدد‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏ارتقى ‏إلى ‏ما‏ ‏يستأهل‏ ‏التقييم‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏حتى ‏عن‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏صاحبه‏ وأين ذهب؟ ومن قابل؟

ويعود الحديث ‏إلى ‏الحوارات‏ ‏التى ‏ينشرها‏ ‏سلماوى ‏على ‏لسان‏ ‏الأستاذ، وأسأله‏ مرة أخرى: ‏ألم‏ ‏يفكر‏ ‏فى ‏أن‏ ‏يطلعه‏ ‏عليها‏ ‏قبل‏ ‏نشرها، ‏فيقول‏ – ‏للمرة‏ ‏الكذا‏ – ‏لا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أعقد‏ ‏المسائل، فأشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏انتقاءات‏ ‏سلماوى ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏مشاركة‏ ‏ولو‏ ‏من‏ ‏صديق‏ ‏أو‏ ‏مريد‏ ‏أو‏ ‏تلميذ‏ ‏آخر‏ غير سلماوى وغيره هو إن كان مصرا أن يعزف عن ذلك، فيسألنى عن سبب فتح هذا الموضوع ثانية، فأقول إنه يتعلق بما نشر اليوم الخميس 11 مايو 1995، وكنت قد أحضرت الصحيفة معى، فيسأل: وماذا نشر، فأخرج الصحيفة وأنا أضيف أننى أخشى سطحية التلقى، وخطورة التعميم، وأننا فى هذه الظروف بالذات، ومع الاعتراف بما وصلنا إليه من كسل عقلى، وعجز عن النقد الموضوعى والانتقاء، اخشى أن يساء الفهم أكثر فأكثر، وأستأذنه أن اعيد عليه قراءة ما نشر اليوم، وأقرأ:

الأهرام‏ 11 ‏مايو‏ 1995‏: حوارات‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏: المرأة‏ ‏فى ‏حياتي

سألت‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏عن‏ ‏المرأة‏ ‏فى ‏حياته‏ ‏وأدبه‏ ‏وما‏ ‏موقعها،  فقال‏: ‏فى ‏الأدب‏ ‏هذا‏ ‏ملك‏ ‏الناس،‏ ‏أما‏ ‏فى ‏حياتي، فالأمر‏ ‏يبدو‏ ‏على ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الخصوصية، لذلك‏ ‏لن‏ ‏أحدثك‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏العموميات‏، أما‏ ‏تقلبى ‏فى ‏القاهرة‏ ‏من‏ ‏قمتها‏ ‏إلى ‏أسفلها‏،‏ ومن‏ ‏أسفلها‏ ‏إلى ‏قمتها، فقد‏ ‏جعلنى ‏أعرف‏ ‏وأخابر‏ ‏النساء‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏الأشكال‏ ‏والألوان‏: ‏وأنا‏ ‏صغير‏ ‏عرفت‏ ‏العوالم، وكانت‏ ‏هناك‏ ‏صالات‏ ‏الملاهى ‏مثل‏ ‏صالة‏ ‏بديعة‏ ‏وغيره حيث‏ ‏عرفنا‏ ‏الراقصات‏ ‏والمغنيات‏ ‏ومشينا‏ ‏فى ‏شارع‏ ‏النساء‏ ‏من‏ ‏أوله‏ ‏إلى ‏آخره‏ ‏بخيره‏ ‏وشره‏ ‏…….”

 وتوقفت بعد إنهاء القراءة حيث كان الوقت قد حان للانتقال إلى منزل توفيق…..

حين‏ ‏وصلنا‏ ‏إلى ‏بيت‏ ‏توفيق، استعاد‏ ‏اعتراضى، فذكرته ‏ ‏له‏ ‏من جديد، ‏فقال‏ “‏لقد‏ ‏كنت‏ ‏أصغر‏ ‏إخوتى، ‏وكانت‏ ‏أمى ‏تصحبنى ‏صبيا‏ ‏فى ‏الأفراح‏ ‏دون‏ ‏حرج، فكنت‏ ‏أطلع‏ ‏على ‏أحوال‏ ‏االنساء‏ ‏والراقصات، وأجد‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏من‏ ‏النساء‏ ‏أما‏م‏ ‏الرجال، ‏أو‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏الأوسع‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏يبدين‏ ‏إذا‏ ‏اختلين‏ ‏بأنفسهن‏ ‏فى ‏عرس‏ ‏أو‏ ‏مع‏ ‏عالمة‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏فى ‏جلسة‏ ‏أنس‏ ‏دون‏ ‏هذا‏ ‏أو‏ ‏ذاك، ‏وقد‏ ‏خبرت‏ ‏أحوالهن‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏الفرص‏ ‏وأنا‏ ‏صغير”، ‏قلت‏ ‏له‏ ‏إن‏ ‏الحديث‏ فى الأهرام ‏لم‏ ‏يظهر‏ ‏هذا‏ ‏أصلا، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏الإشارة‏ ‏إلى ‏كازينو‏ ‏بديعة، وتعبيرات مثل ” من ‏أسفل‏ ‏إلى ‏أعلى”، ‏و”كل‏ ‏النساء”، ‏و”طريق‏ ‏النساء‏ ‏بخيره‏ ‏وشره”، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏لا‏ ‏يشير من قريب أو بعيد إلى ‏ ‏هذه‏ ‏الشقاوة‏ ‏الصبيانية‏ ‏التى ‏يحدثنا‏ ‏عنها‏ ‏الآن، ‏وأنا‏ ‏ليس‏ ‏لى ‏اعتراض‏ ‏على ‏تاريخ‏ ‏أو‏ ‏خبرات، ‏لكننى‏ ‏أنبه إلى ضرورة انتقاء ما ينشر على العامة وما لا ينشر، ليس هذا فقط، ولكننى أشير إلى التوقيت والطريقة: متى؟ وكيف؟ ‏هذه‏ ‏هى ‏القضية، هز‏ ‏رأسه‏ ‏وصمت بنفس الطيبة والسماح‏.‏

‏ ‏حضر‏ ‏جميل‏ ‏شفيق الليلة، وفرحنا فهو مُقِلَّ وظريف معا، قال فور دخوله إنه تعمد الحضور قبل التهامنا كل الطعمية البيتى، وأيضا وهى بعدُ ساخنة، الصيف هل، وهذا هو ‏أول‏ ‏اجتماع‏ للحرافيش‏ ‏فى شرفة بيت توفيق التى تطل على النيل، ‏بجوارنا‏ ‏منزل‏ ‏أنيس‏ ‏منصور، ‏ومنزل‏ ‏بطرس‏ ‏غالى، والمنظر‏ ‏على ‏كوبرى ‏عباس‏ ‏من‏ ‏أجمل‏ ‏ما‏ ‏يمكن، ‏والليلة‏ ‏ليلة‏ 12 ‏عربى، والقمر‏ ‏قارب‏ ‏الاكتمال، ‏والجو برغم أنه ‏مايو، عكس‏ ‏ما‏ ‏ألفنا، ‏شديد‏ ‏الإنعاش‏.‏

تحدث‏ ‏جميل‏ ‏شفيق‏ ‏عن‏ ‏معرضه‏ ‏الأخير‏ ‏الذى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏أحد‏ ‏أسباب‏ ‏غيابه‏ ‏عنا، ‏وكيف‏ ‏أنه‏ ‏نقلة‏ ‏من‏ ‏الأبيض‏ ‏والأسود‏ ‏إلى ‏الألوان، ‏وكيف‏ ‏باع‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المعرض‏ ‏لوحات‏ ‏بأثمان‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يتصور‏ ‏أن‏ ‏الذوق‏ ‏المصرى ‏سوف‏ ‏يتناسب‏ ‏مع هذه‏ ‏القدرة‏ ‏الشرائية‏ ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏تباع اللوحات‏ ‏بهذه‏ ‏الأسعار، ‏وقلت‏ ‏له‏ ‏إنه‏ ‏لو‏ حتى ‏كان‏ ‏من‏ ‏يقتنيها‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏بنية‏ ‏التجارة، ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏أيضا‏ ‏علامة‏ ‏جيدة‏ ‏على ‏نهضة‏ ‏محتملة‏.‏ حضر‏ ‏بهجت‏ ‏عثمان، عاد‏ ‏من‏ ‏بيروت‏ ‏مؤخرا‏ ‏ويبدو‏ ‏أنه‏ ‏لن‏ ‏يسافر‏ ‏ثانية‏ ‏قريبا، ‏قلت‏ ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏حرفوشين‏ ‏زيادة، ولو‏ ‏نصف‏ ‏الليلة‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏ذى ‏قبل، ‏وتنوع‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏شتورة، وتمثال‏ ‏باسل‏ ‏الأسد ‏الذى ‏سيقيمونه‏ ‏فيه، ‏وخضوع‏ ‏حتى ‏الرجل‏ ‏العادى ‏لجرعة‏ ‏القهر‏ ‏السورى، ‏ونصاحة‏ ‏السوريين‏ (‏عملاء‏ ‏تيمور‏ ‏لنك‏ ‏من‏ ‏قديم‏) ‏وأن‏ ‏الصفقة‏ ‏مع‏ ‏إسرائيل‏ ‏تحاك‏ ‏فى ‏الظلام‏ ‏إلى ‏اخر‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏الذى ‏تتبعه‏ ‏الأستاذ‏ ‏بشغف‏ ‏مستطلع‏.‏

ذكر‏ ‏بهجت‏ ‏عثمان‏ ‏تعليقا‏ ‏على‏ ‏كتاب‏ ‏أصدره‏ ‏رؤوف‏ ‏مسعد‏ (أو سعد، لا أذكر) ‏إسمه‏ ‏”بيض‏ ‏النعام”، ‏وتحدثوا‏ ‏عن‏ ‏علاقته‏ بزوجة أحدهم، ‏وكيف‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏ ‏يحوى ‏قصصا‏ ‏متفرقة‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏السيرة‏ ‏الذاتية‏ ‏كلها‏ ‏عن‏ ‏أجساد‏ ‏وعلاقات‏ ‏بلغ‏ ‏من‏ ‏تنوعها‏ ‏أن حكى‏ ‏عن‏ ‏علاقات‏ ‏بالمحرمات‏، ‏وقلت‏ ‏للأستاذ‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏العلاقات‏ ‏أكثر‏ ‏تواترا‏ ‏بكثير‏ ‏فى ‏الطبقة‏ ‏الدينا‏ عندنا ‏ينشر، أو يتصوره‏ ‏أبناء‏ ‏الطبقة‏ ‏المتوسطة‏ ‏أصلا، وعقب‏ ‏الأستاذ‏ ‏على ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏تعقيباً‏ ‏علميا مهما.

‏ ‏أثناء‏ ‏عودتنا‏ ‏إلى ‏المنزل‏ ‏سألته‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏بهجت‏ ‏عثمان‏ ‏فى ‏سن‏ ‏توفيق؟ فأجاب‏ ‏”تقريبا”، ‏ثم‏ ‏أضاف: نعم‏ ‏حوالى ‏اثنين‏ ‏وستين‏ ‏أو‏ ‏ثلاثة‏ ‏وستين، ثم أضاف أنه‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏تحديد‏اً ‏لأن‏ ‏هؤلاء‏ ‏الفنانين‏ ‏ليسو‏ ‏موظفين‏ ‏يحالون‏ ‏إلى ‏المعاش‏ ‏فيعرف‏ ‏سنهم، ‏فأنبهه‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏توفيق‏ ‏سنه‏ ‏تسع‏ ‏وستين‏ ‏و‏‏أنه‏ ‏من‏ ‏مواليد‏ 1926، ‏فيتعجب‏ ‏ولا‏ ‏يصدق، ‏فأؤكد‏ ‏له‏ ‏أنه‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏أخبرنى ‏بذلك، فيتمتم‏ ‏ياخبر!! ‏نظل‏ ‏أصدقاء‏ ‏طول‏ ‏هذا‏ ‏العمر، ولا‏ ‏أعرف‏ ‏حقيقة‏ ‏عمره، ‏رأيت‏ ‏كيف‏؟

وأتساءل‏ ‏وما‏ ‏الحاجة‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏أصلا‏؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *