جريدة التحرير
24-3-2012
تعتعة التحرير
فلتكن ثورة أخرى ونحن نترحم عليه
رحل البابا شنوده، وقبله بأسابيع، رحل الدكتور ثروت عكاشة ، وكتبت كيف أننا كنا، وما زلنا فى وقت نحن أحوج ما نكون إليهما، رحلا ومصر كلها ترجوهما ألا يموتا الآن، لكن الله سبحانه يفعل ما يشاء ويختار، رحمهما الله رحمة واسعة.
فينبهنى اليوم 19 رئيس تحرير نهضة مصر الأستاذ محمد الشبه أنه صدرت فتوى من بعض التيار الإسلامى أن عزاء المسلمين فى البابا شنودة جائز، لكن من غير الجائز شرعا طلب الرحمة له ، فأفزع، وأرفض، وأترحم أكثر, وأتذكر..
أتذكر حكيمنا الراحل هذا الشيخ المصرى الشاعر العبقرى أبانا شنودة وهو ينبهنا أنه لا يوجد شىء اسمه الحوار بين الأديان، وإنما الحوار هو بين المتدينين، وأنتبه من ذلك إلى عمق صدقه، من حيث أن الحوار الجاد بين الأديان يحمل احتمال تخليق دين جديد، وهو ما لم نعد نحتاجه، أما الحوار بين المتدينين فهو يرشدهم لطريقة التعايش معا، فيرحمهم الله معا.
أتذكر أننى نبهت إلى فساد القبلات الحوارية، وكذب الأحضان (حتى فى التهانى والتعازى) ما لم نعتقد ولو فى أنفسنا أننا نأبى- بكل احترام لعدل ربنا، وبكل ثقة فى رحمته – أن ندخل من نحتضنه النار، فيخطر لى أن أنتهز فرصة موت هذا الحكيم المصرى المؤمن الشجاع، لأعيد اقتراحى، ولو على الدكتور عبد المنعم أبوا الفتوح الذى لم يتردد فى تبنيه إعلان نفى ما يسمى حد الردة، الاقتراح هو: أن تعلن دار الإفتاء والكنيسة معا، مهما كانت النصوص، التى يمكن أن يعاد تفسيرها، أنه ليس من حق أحد أن يحكم على آخر بدخوله النار، فتكون ثورة كبرى تصل للأطفال من سن ثلاثة سنوات إلى الشيوخ بعد المائة (واللى عاجبه!!).
وفيما يلى مقتطفات من بعض ما سبق أن كتبته فى هذا الشأن لعل الاقتراح يكون أوضح
أولا : الوفد :20-1-2010
“….لو أنك تصورت أقصى درجات الرحمة، فالله سبحانه أرحم من تصورك، لأنه أرحم من امرأة ترفض أن تلقى بولدها إلى النار وهى تقدر على ذلك!! “أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟” قُلْنَا: لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ألا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا”. هل لاحظت أن الحديث الشريف لم يقل إن الله أرحم بالمسلمين، وإنما أرحم بعباده،، كيف بعد ذلك لا أخجل – من ربنا- وأنا أقول لابنى أو ابنتى فى البيت أو المدرسة، أن الله سوف يلقى بزميله الذى يجالسه على نفس المقعد فى الفصل فى النار، ..”
(ثم كيف لا أخجل الآن وأنا أتصور أن ربنا الغفور الرحيم سوف لا يشمل هذا الشيخ الجميل برحمته، وكيف أتردد أن أدعوه تعالى بكل إخلاص أن يرحمه، وأنا على يقين بأنه سوف يقبل دعوتى )
تكملة المقتطف : نفس المقال
“….. لى إبنة معالجة نفسية، ذكرت لى أن خادم الكنيسة رائدها شاب مدرس طب نفسى فى الجامعة معى وهو من أطيب وأنبل تلاميذى، يستشهد فى عظاته فى الكنيسة بما أقوله فى دروسى الإكلينيكية عن الوعى الكونى، والهارمونى، وكيف لا يمكن أن تقوم علاقة بين اثنين من البشر إلا تحت مظلة الله سبحانه، يجتمعان عليه ويفترقان عليه، وكلام من هذا، قلت لها مداعبا: هل يرضيك يا فلانة بعد ذلك أن تتركينى أذهب إلى النار؟ قالت: مستحيل، ثم يبدو أن سؤالى شغلها، فراحت تسأل أبونا فى كنيستها عن مصيرى، وكان أبونا طيبا، وتعاطف معها، وذكر رحمة ربنا بى وبأمثالى، وأن الرب هو الحكم النهائى، وكلام من هذا، ففرحت ابنتى واطمأنت على مصيرى، لكن أبونا ألحق فتواه، بأمانة رجل الدين الملتزم قائلا : “لكن لو يعنى….”، ولم تقل لى ابنتى المسيحية نص استدراكه،… وفهمت.
(ثم أنهيت المقال قائلا):
“…..طالما نحن لم نعلنها صريحة فى المساجد قبل الكنائس، فى البيوت قبل المدارس أن ربنا لن يدخل أحدا النار لمجرد أنه على دين غير ديننا، نعلنها بيقين يستلهمه كل منا من نصوص دينه، وسوف يجد ما يؤيده إن لم يكن دينه قد شوهته الكنيسة القبطية أو الكنيسة الإسلامية، ما لم نعلن ذلك، بيقين مطلق ثقة فى عدل ربنا ورحمته، ثم نوصل كل هذه الحقيقة (الفتوى) مجردة إلى الجميع منذ الطفولة، فلن نحل الاشكال بهذه السياسات النعامية، والقبلات الناعمة، والأحضان الكاذبة غالبا ….
المقتطف الثانى أسبق : الدستور 20-6-2007
“… قالت الأخت لأخيها: ما هذا الكتاب الضخم فى يدك؟ ألن تكف عن تضييع وقتك هكذا؟ قال: أنتِ مالك؟ قالت: أنا أخاف عليك، قال: ولا تخافين على نفسك؟؟ قالت: أخاف، لذلك توقفت عن قراءة ما لا أعرف. قال: يا نهارك اسود، تقرأين فقط ما تعرفين، فلماذا تقرئينه؟ قالت: ولا حتى هذا. قال: ألف مبروك، قالت: قل لى بجد، ما هذا الكتاب؟ قال: هو مؤلف لباحثة ألمانية كتبْته عن التصوف والإسلام، قالت: تتكلم جدا؟ قال: هاكِ عنوانه، الا تفكين الخط؟ قالت: لا يا عم خلّنى بعيدة، لابد أن هذا الكتاب هو السبب فيما أصاَبك، ربنا يشفيك، ولكن مالها هذه الألمانية بالإسلام والتصوف؟ قال: ربما أشفقتْ علينا وعلى ما فعلناه بالإسلام، فأرادت أن تعرفنا ديننا، قالت: وهل أسلمتْ؟ قال:لا، قالت: لماذا؟ قال: ربما خافت أن تصبح مثلنا، قالت: وهل هى تعرف ديننا أكثر منا، قال: وهل أنت تعرفينه؟ قالت: نعم. قال: هل تصدّقين نفسك؟ قالت: قَبْلاَ، قل لى ما اسمها؟ قال: اسمها “مارى” شميث، قالت: مارى ماذا؟ “مارى” ؟!! على اسم صاحبتى!؟! قال أخوها :نعم على اسم صاحبتك مارى التى ستدخلينها النار! قالت: أنا؟؟ قال: طبعا، ستدخلين كل “مارى” النار؟ قالت:أنا شخصيا لن أُدخل أحدا النار! قال: لا يا شيخة؟ قالت: هذه أمور نتركها لربنا وهو أرحم الراحمين؟ قال: لكنهم لا يتركونها لربنا، قالت: من هم؟ قال: أولياء أمور عقولنا، الأوصياء على إيماننا، قالت: لست فاهمة، قال: أحسن.”
وبعد
يا أبانا، فليكن رحيلك إيذانا بأن نحب ربنا أكثر، ونثق فى عدله ، ورحمته، رغم أنف أبى ذر المعاصر، وأن نكف عن الأحضان وحتى التعازى، ما لم يكن ربنا فيها وفينا بحق.
فنصنع من رحيلك ثورة حقيقة كبرى يرضى عنها ربنا ، فعنــّا، ربنا القدوس السلام الرحمن الرحيم.