الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “فقه العلاقات البشرية”(3) عبر ديوان “أغوار النفس” الكتاب الثالث: “قراءة فى عيون الناس” اللوحة الثانية عشرة “البيت المسحور” (1 من 2)

“فقه العلاقات البشرية”(3) عبر ديوان “أغوار النفس” الكتاب الثالث: “قراءة فى عيون الناس” اللوحة الثانية عشرة “البيت المسحور” (1 من 2)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 9-9-2023

السنة السابعة عشر

العدد: 5852

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(3)[1]

عبر ديوان “أغوار النفس”

الكتاب الثالث:

“قراءة فى عيون الناس” (خمس عشرة لوحة)

اللوحة الثانية عشرة:

“البيت المسحور” (1 من 2)

 

مقدمة:

هذه اللوحة تمثل واحدة من أصعب الخبرات التى مررت بها فى هذا الاستكشاف، كنت كلما وصلت فيها إلى تصور لمستوى من مستويات الوعى (أو حالة ذات أو سمّها كما شئت) أطمئن كأنى حللت اللغز، لكننى أجد وراء هذا المستوى من الأسرار والمفاجآت ما لم أكن أتصور، وقد تتالت السراديب والأبواب المسحورة، حتى إذا ما انتهيت إلى آخر سرداب، أو ما تصورته كذلك، فوجئت بأننى ربما كنت أسير إلى عمق صعب لايزال مغلقا علىّ، أكثر منى مستكشفا لما حيرنى باباً من وراء باب، وسردابا بعد سرداب.

قراءة اللوحة

 دعونى أعترف أننى ‏أخرت‏ ‏تشكيل هذه اللوحة أثناء المحاولة الشعرية الأولى‏ ‏شهورا‏ ‏طويلة‏، إذ يبدو أننى كنت أتوقع تلك الصعوبة فعلا، أما‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏الشكل‏ ‏فقد‏ ‏وجدت‏ ‏أنها‏ ‏أقرب‏ ‏اللوحات‏ ‏إلى ‏القصص‏ ‏الشعبى ‏وهو كما ‏أشرت‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏أقرب إلى هذا‏ ‏العمل‏ ‏الذى ‏أقدمه‏ ‏ربما كجزء من هذا ‏ ‏الفن‏ ‏الذى كاد ينقرض‏ ‏تحت‏ ‏وطأ‏ة ‏ضربات‏ ‏التقنية‏ ‏والسرعة‏، ‏إلا أننى بعد أن انتهيت من صياغتها شعرا، على مراحل، تماما كما كان استكشافى لها على مراحل، رحت أقرأها مجتمعة، وإذا بى أكتشف أنها ليست لهذا الشخص الذى استلهمت منه اللوحة، ولا لغيره، ربما هى تكاد تكون صورة طبقات الوجود البشرى وتراكماته عموما بشكل أو بآخر.

ما زلنا فى مجال استكشاف “فقه العلاقات البشرية”، هذه اللوحة بالذات، لا تتناول هذه القضية بشكل مباشر مثل ما سبقها أو ما سوف يلحقها، إنها تشكيلات “واعدة طاردة” طول الوقت، وكأنها بقدر ما تغرينا أن العلاقات البشرية ممكنة، وأن التعرية لا تمنع تحمل رؤية بعضنا لبعض ومن ثم مغامرة الاقتراب، هى تكشف لنا أن وراء كل باب سرداب، ولكنه سرداب لا ينتهى إلى الحجرة المسحورة التى تكشف السر كما يبدو لأول وهلة، وإنما ينتهى إلى باب آخر لا نعرف ما وراءه إلا بما يشبه الوعد، فأى باب مغلق، يغرينا أن نتصور أن وراءه شيئا يحتاج أن يغلق عليه باب ما.

أكاد أشفق على قارئ المتن أن يرفض هذه الصورة برمتها من كثرة تتالى الإحباط، ‏أحب‏ ‏أن‏ ‏أشير ابتداءً‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏الصبر‏ ‏فى ‏إصدار‏ ‏الأحكام‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏خاصة‏ (‏والحياة‏ ‏عامة‏) ‏وإلا‏ ‏عوَّقـَت‏ ‏الأحكام‏ ‏مسيرة‏ ‏التقارب‏ ‏والنمو‏، ‏وعلى ‏المعالج‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏متفتحا‏‏ ‏للمفاجآت، وأن يتذكر أن أى تفسير إمراضى (سيكوباثولوجى) هو مجرد فرض، وأن الفرض الجيد هو القادر على توليد فروض أجود، وليس بالضرورة أن ترتبط جودته بمدى صحة إثباته.

وبرغم‏ ‏ضرورة‏ ‏التمسك‏ “بنظريةٍ‏ ‏ما‏” ‏كبداية‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏المعالج‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏سيد‏ ‏النظرية‏ ‏لا‏ ‏عبدا‏ ‏لها‏، ‏وفى ‏رأيى ‏أن‏ ‏فرويد‏ ‏رغم‏ ‏تطويره‏ ‏نفسه‏ ‏ورؤيته‏ ‏ونظرياته‏ ‏باستمرار‏، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏سجين‏ ‏فكره‏ ‏خاصة بالنسبة لما اعتبره هو أهم فتح فتحه التحليل النفسى عليه، وهو كتابه فى ‏”تفسير‏ ‏الأحلام‏”، أردد كثيرا رأيى آسفا: إنه سجن نفسه فيما فرحَ به إلى هذه الدرجة، ‏ثم إنه، لظروف تطوره واكتفائه بعمله العيادى الخاص، لم تُتَح له ‏فرصة‏ ‏ممارسة‏ ‏علاج‏ ‏الجنون‏ ‏بالعلاج‏ ‏النفسى، ولا معايشة المجانين كما كان الحال مع جاك لاكان مثلا أو مع سيلفانو أريتى، ‏تلك‏ ‏الخبرة‏ ‏التى ‏أتاحتها‏ ‏لنا‏ ‏العقاقير‏ ‏الحديثة‏، ‏أكثر فأكثر حتى سمحت لنا‏ ‏أن نتخطى ‏حدود‏ ‏فرويد‏، ‏مع‏ ‏احترامنا‏ ‏لكل محاولاته‏.

كانت واجهة عيون صاحب هذه اللوحة رائقة هادئة، قوية النداء، وكأنها سوف تبوح بكل ما فيها إلى ما بعدها لمن يتقدم نحوها، إذا ما اقترب منها، كانت واعدة بأسرار جاهزة، لكننى كنت كلما اقتربت منها، أكتشف – كما قلت – أن وراء الأسرار أسرارا، ووراء كشف اللغز، ما هو ألغـز.‏

نبدأ بالفقرة الأولى من المتن: ‏

(1)

وعيون‏ ‏عمّالة‏ ‏بتوعدْ‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏وعْـد‏.‏

بِتْشاوِرْ: ‏على ‏باب‏ ‏مكتوب‏ ‏فوق‏ ‏منه‏:

 “‏سرداب‏ ‏السعد”‏، ‏

بوابة‏ ‏تصب‏ ‏فْ‏ ‏بوابةْ‏، ‏

والجـِـنـِّى ‏بينفُخْ‏ ‏فى ‏الغابةْ‏،‏

والبَنُّورةْ‏ ‏قْـدَّام‏ ‏الساحرْ،‏

والآخِـرْ‏: ‏ما‏ ‏بايِـنْـلُوشْ‏ ‏آخِـرْ‏.‏

يا‏ ‏ترى ‏حانـْلاقى ‏قلب‏ ‏نضيفْ‏ ‏وصْـغّيـر‏ ‏وبرئ،‏

كما‏ ‏قلب‏ ‏العصفور‏ ‏فى ‏الجنّة‏،‏

ولاّ‏ ‏حانـْلاقىِ ‏نَقَايـَةْ‏ ‏مـِشْمـِشْ‏: ‏جامدة وناشفة، وخايفة؟

واذا‏ ‏حـَتّـى ‏اتكسرتْ، ‏مرارِتْهـَا‏ ‏صـَعْـبْ‏‏؟‏ ‏

هذا التساؤل البادئ هو إكمال لما جاء حالا فى المقدمة، وهو يشير بوضوح إلى مدى حاجتنا إلى فتح هذا الملف الصعب، إن عمق الوجود البشرى هو نتيجة لتراكم وتداخل مستويات تطوره، وأنه فى جدل دائم لن يتم أبدا حالة كونه يتشكل باستمرار فى رحلة تطور كتب عليه أن يعى بعضها، وأن يشارك بقدر ما يستطيع فى توجيه مسارها.

يبدو أن الاستقطاب فى نهاية المقطع هو ضد ما عشته بعد كتابة هذا المتن منذ نحو أربعين سنة، فلقد تبينت بوضوح أن عمق الوجود البشرى لا يمكن اختزاله إلى “إما… وإما…”، ربما كان ما تركـَـتـْـنـِـى ‏فيه‏ ‏هذه‏ ‏العين‏ ‏من‏ ‏حيرة‏ ‏بعد‏ ‏هذه‏ ‏الرحلة‏ ‏الطويلة‏ هو الذى جعلنى أتصور أن استقطابا ما يمكن أن يريحنى من طول ومشقة هذه الرحلة المحيرة، ‏هذا الاستقطاب يرجعنا إلى بؤرة إشكالة الوجود البشرى: هل أصل الفطرة هو تلك الطفولة‏ ‏الطاهرة‏ ‏البريئة‏ ‏المنطلقة‏؟ ‏أم‏ ‏هو ‏قلق‏ ‏المادة‏ ‏غير الحية‏ ‏الجافة‏ ‏التى ‏تولدت‏ ‏منها‏ ‏الحياة بفضل الله؟ مهما كان هذا التصور حقيقة مرة تهز أحلامنا عن أنفسنا بشكل أو بآخر. (قضية ماهية الفطرة وطبيعتها) ‏ولن أُستًدرج الآن للعودة إليها، فأكتفى بأن أعلن رفضى لهذا الاستقطاب الذى جاء بالمتن هكذا، وإن كان لا بد أن أختار فأنا أميل إلى ترجيح هذا القلق المخفى وفى نفس الوقت المفجر للحياة: مهما كان مـُـرًّا، أو مهما بدا مرا، أفضل من السذاجة التى قد يثبت عجزها برغم أنها “قلب نضيف وصغير وبريء كما قلب العصفور فى الجنة” فأنا أميل أن نفهم الفطرة كقانون وبرنامج حركى قادر أن يخلق الحياة مهما بدا ظاهره أنه:نقاية مشمش جامدة وناشفة وخايفة

ما وراء “الباب الأول”  البومة!

بمجرد أن فتحتُ هذا الباب الأول، اختفى هذا النداء الواعد الذى لاح لى وأنا لم أطرقه بعد، فأطلّ علىّ نذيرَ الشؤم، والخراب، ينعق بسخرية لاذعة.

(2)

ولقيت‏ ‏فى ‏الأول‏ ‏صورة‏ ‏البومة

بتبصْ‏، ‏تبحـْلق‏:‏

وتقول‏ ‏جرَى ‏إٍيهْ‏؟

بتبصـُّولـِى ‏ليهْ‏‏؟

أنا‏ ‏مالِى‏؟

حوَالىّ ‏خرابْ‏؟

دا‏ ‏خرابـْكُمْ ‏إٍنتمْ‏.‏

دانا‏ ‏كترَّ‏ ‏خيرى‏.‏

عمالهْ ‏بازَعّق‏ ‏وأقولْ:‏

‏”‏فيه‏ ‏لسَّهْ ‏حياة، ‏حتى ‏فى ‏خرابهْ‏”. ‏

الطبقة السطحية‏ ‏فى ‏الوجود‏ ‏الإنسانى ‏المغترب‏ ‏هى ‏طبقة‏ تبدو خاوية‏ (‏خراب‏) ‏يمكن أن تتصف‏ ‏باللامبالاة‏، ولكن بالتأمل فيها قد يثبت أنها دفاع ضد الانجرار إلى النفاق من خلال التعبير السطحى بالامتلاء، أو تردد أصوات أوهام حب عابر أو انجذاب ظاهر.

 هذا هو ما نحاول التأكيد عليه باستمرار ونحن نشرح للمبتدى فى مهنتنا كيف أن وصف الفصامى مثلا (ناهيك عن الشخص العادى) باللامبالاة، أو التبلد، أو فقد المشاعر، هو وصف سريع جائر، فكما‏ ‏ألمحتُ‏ ‏سابقا‏ ‏فإن مثل هذه‏ ‏الأعراض‏ ‏ما هى ‏إلا‏ ‏إعلان‏ ‏خراب‏ “وجود‏” ‏ما‏، ‏وعدم‏ ‏جدواه‏، ‏وميزتها‏ ‏الأساسية‏ – ‏رغم‏ ‏طبيعتها‏ ‏المرضية‏ – ‏أنها‏ ‏تعلن‏ ‏فشل‏ ‏هذا‏ ‏الوجود‏ ‏وعجزه‏، ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏أصبحتْ‏، برغم وصفها عادة بالسلبية، ‏ذات‏ ‏قيمة‏ ‏دالة إذا أحسنّـا ترجمتها إلى ما تقوله، ‏ ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏فى ‏ذاتها‏ ‏تمثل مصيبة‏ ‏لصاحبها‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يستفد‏ ‏منها‏ ‏ويستوعب‏ ‏ماوراءها‏.

المجتمع‏ (‏نحن‏) عادة ما يرفض‏ ‏المريض‏ النفسى (‏المجنون‏ ‏خاصة‏) ‏لأنه ‏‏يعلن‏ ‏فشل‏‏ ‏وجودنا ‏ ‏المغترب هذا‏، فنقابل ذلك بأن ‏نهاجم المريض، أو ننفيه، أو ننظر إليه من أعلى بنفس منطقنا الذى انفصل عنه ليحكم عليه، إن دفاعاتنا‏ ‏لتغطية ما فى داخلنا مما يشبه هذا الذى يعلنه ‏المجنون‏ ‏هى ‏دفاعات هامة ومطلوبة فى كثير من الأحيان، لأنها ‏ ‏تحمينا‏ ‏من‏ ‏مواجهة‏ ‏هذه‏ ‏الحقيقة‏: فينا من يخاف المجنون ويفر منه فراره من الأسد، وفينا من يشفق عليه شفقة تنفيه تماما وتبعده عنا ونحن ننظر إليه من أعلى نمصمص شفاهنا.

قابلت فى خبرتى أشخاصا عاديين أصيبوا برهابات مختلفة، من بينها رهاب فقد السيطرة، لمجرد أنهم قابلوا مجنونا من الذين يهيمون فى الشوارع.

 وثمة مجموعة أخرى من الأسوياء الدارسين للطب العام، أو لعلم النفس، أصابهم مثل ذلك وغيره، بعد زيارة عابرة، هى جزء من مقرر دراسى، لمستشفى أمراض عقلية.

صحيح أن نعيق البومة ليس رمزا كاملا يصلح للمقابلة بصيحة المجنون، لكننى اخترت جزئية تشاؤمنا من نعيقها، وتطيرنا من رؤيتها.

المجنون – على لسان البومة هنا – ينبهنا إلى أن البومة المتهمة بأنها لا تهوى إلا العيش فى الخرابات (الخراب)، إلا أن هذا الخراب الظاهر هو أقل خطرا وأجهز للتعمير من خراب خفى قد يعشش داخلنا.

ونحن لا نفعل إلا أن ننكر هذا الخراب، ونغطيه برفضنا أى تلميح له إو إعلان عنه كما يرمز إليه نعيق البومة هنا.

 ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الجنون‏ ‏عارا‏ ‏سلبيا‏ ‏فى ‏طريق‏ ‏مسيرة‏ ‏الحياة‏، ‏فهو‏ ‏الوجه‏ ‏الآخر‏ ‏للوجود‏ المـُفـْرغ ‏ ‏الذى ‏نعيشه‏، ‏وميزة الجنون أنه يعلن ذلك صريحا.

المرض‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏هو‏ ‏رفض‏ ‏للموت‏ ‏النفسى ‏الخبيث‏ ‏الذى يلبس‏ ‏ثوب‏ ‏الحياة‏ ‏العادية‏ ‏المتجمدة المغتربة‏، ‏لكنه رفض فاشل، لأنه ‏هو‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏موت‏ ‏آخر‏ ‏متحلل‏، ‏لكنه عموما ‏صيحة‏ ‏منذرة قد تبعث حياة فيمن يحسن تلقيها، حتى لو لم يتحمل مسئوليتها مـَـنْ أطلقها: (المريض).

وتواصل البومة تعريتـها لنا:

تكونوش‏ ‏عايزينْهَا‏: تِخْرَب‏ ‏فى ‏السرْ؟

“خليها تعدّى”، “خلّيها تمرّ”!

ولا حد ينبّه، ولا حد يزنّ

والإسم حياة، والفعل ” كإن”

وبدال ما نغيّر، نحكى ونْـفِـنّ؟

كما سبق أن أشرت، ‏كنت‏ ‏أميل باكرا‏ ‏‏إلى ‏رفض‏ ‏الفن‏ ‏كمهرب‏ ‏بديل‏ ‏عن‏ ‏الحياة‏، ‏كما رفضته‏ ‏كتفريغ‏ ‏إسقاطى ‏لما‏ ‏يعتمل‏ ‏بنفوسنا‏، ولم أفهم رفض أفلاطون للفن واعتباره “تقليد التقليد” إلا خلال هذه الفترة تحديدا، رفضتُ الفن التنفيثى، أو التفريغى أو الإبدالى، أو حتى بلغة أرسطو: “التطهيرى”، رفضته‏ – فى تلك الفترة – واعتبرته خدعة‏ ‏مخدِّرة‏ ‏تؤجل‏ ‏مواجهتنا‏ ‏بالتزام‏ ‏اللحظة‏ ‏الراهنة‏، ‏ ‏وكنت‏ ‏آنذاك‏ ‏فى ‏أشد‏ ‏حالات‏ ‏إصرارى ‏على ‏أننا‏ “إما ‏أن  ‏نعيش‏ ‏الآن، ‏وإما أ‏لا‏ ‏نعيش‏”، ‏ثم‏ ‏مرّت‏ ‏الأيام‏ ‏وصدمنى ‏الواقع‏ ‏والفشل‏، ‏وأدركت‏ ‏أن‏ ‏بـُعد‏ ‏الزمن‏ ‏ضرورى ‏للتطور‏ ‏ورأيت‏ ‏قصور‏ ‏مرحلة‏ ‏وجودنا‏ ‏البشرى ‏الحالى، ‏وعدت‏ ‏أتصالح‏ ‏مع‏ ‏الفن‏ ‏كرؤية‏ ‏للمستقبل‏، ‏وإيقاظ‏ ‏للوعى، ‏وبديل‏ ‏عن‏ ‏الجنون‏ ‏وتعلمت‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يضير‏ ‏الفنان‏ ‏ألا‏ ‏يعيش‏ ‏– شخصيا – رؤيته‏ ‏العميقة‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏اليومية‏، ‏فهو‏ ‏يبلغ‏ ‏الرسالة‏ ‏إلى ‏أهلها‏، ‏ويقوم‏ ‏بدوره‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏نوعية‏ ‏وجوده‏ ‏الشخصى، ‏كما‏ ‏تعلمت‏ ‏أن‏ ‏إيقاظ‏ ‏الوعى ‏التنويمى ‏السائد‏ ‏إنما‏ ‏يتم‏ ‏بنجاح‏ ‏أكبر‏ ‏بصدمة‏ ‏الفن‏ ‏الحى، ‏وأيضا هو قد‏ ‏يتم‏ ‏بثورة‏ ‏الجنون‏ ‏برغم سلبياته‏، ‏ومخاطر‏ ‏التناثر‏ ‏من‏ ‏جرائه‏.‏

يبدو أننى حين‏ ‏كتبت‏ ‏هذه‏ ‏اللمحة‏ ‏كنت‏ ‏أعلن‏ ‏احتجاجى ‏على ‏لسان‏ ‏المريض‏ ‏الذى ‏يعلن‏ ‏خراب‏ ‏حياتنا‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏لو‏ ‏أننا‏ ‏اكتفينا‏ ‏بطرح‏ ‏وجودنا‏ ‏الآخر‏ ‏ومشاكلنا‏ ‏فى صورة فن “بديل عن الحياة” (مرة أخرى كما قال أفلاطون: تقليد التقليد)، لكننى تراجعت كثيرا كما ذكرت.

تجمدت الصورة، تصنمت اللامبالاة، وصارت العين التى كانت نذير الشر من الزجاج تعمل كزر للباب الثانى.

وِأقَرَّبْ‏ ‏أكتر‏ ‏مالصَّورهْ،‏

وأبص‏ ‏فْ ‏عين‏ ‏البومه‏.‏

واستغرَبْ!

دى ‏عيونها‏ ‏إزاز‏.‏

عاملين‏ ‏كده‏ ‏ليه؟

حسِّس‏، ‏جرَّب‏، ‏يمكنْ،‏

وألاقى ‏العين‏ ‏مش‏ ‏عين‏،‏

‏ ‏دِى ‏زْرَارْ،‏

‏ ‏وأجرّب‏ ‏أزُقّ: ‏تتحرك‏ ‏كُـلِّ‏ ‏الصوره‏،‏

والباب‏ ‏التانى ‏يْبان.‏

سيدنا سليمان! وراء الباب الثانى:

‏برغم ما يـَـعـِـدُ به أى باب مغلق بفك الطلسم إذا ما فتحناه لنعرف ما وراءه، فإننى لم أجد فى هذه اللوحة وراء بابها المغلق إلا سرداب يغرينا بالسير إلى نهايته لعلنا نجد ما يشفى الغليل، غليل المعرفة ابتداءً.

الذى حدث أننى اكتشفت أن وراء هذا النذير الصادر من البومة المحذرة، والتى قلنا حالا أنها كانت تنبهنا إلى احتمال أن الخراب هو فى داخلنا وليس فى خارجنا كما نزعم، أقول إننى حين انتبهت إلى هذا التحذير، اكتشفت أن وراءه حكمة بالغة، تمثلت لى فى حكمة سيدنا سليمان بكل الحقائق والأساطير المنسوجة حوله، بما ذلك عمره، وكيف أن الجان ظل يحسبه حيا وهو ميت متكئ على عصاه، إلى أن نخرها السوس فانكسرت، فانكفأ على وجهه، فعرف الجان، لست أدرى بعد كم من السنين، أنه مات، فانطلق فى نشاطه العبثى والتعددى من جديد.

ما يقابل الجان عندى هو حقيقة واقعية كما الأحلام وكما الواقع سواء بسواء، كل ما فى الحكاية أننى آراه وجودا ماثلا فى داخلنا، كما أرى الأحلام بما هى، لا بما نحكيه عنها كأنها هى، وجودا ماثلا أيضا يُـكـَـمـِّـلنا، وهذه الرؤى (الفروض) تسهل الأمر علىّ وأنا أتعامل مع مرضاى حين يسألونى عن إيمانى بوجود الجان، فأقر بصدق أننى أفعل، وأحترم، وأتفاهم مع هذه الذوات الأخرى بما يفيد الكل النامى، كل الفرق أننى أراها فى الداخل وأسميها أسماء أخرى أحيانا نيوروبيولوجية!، وأتعامل معها باحترام يسمح بالجدل فالتكامل فى كل نبضة نمو.

الحكمة التى يمثلها هنا سيدنا سليمان هى التى تكمن وراء البومة النذير المحذِّر وفى نفس الوقت هى تمثل غلبة العقل والتعقل (وليس العقلنة)، العقل “القادر الحاسب المحاسب”، ولها أسماء أخرى فى مدارس أخرى،

نحن – فى ثقافتنا – نبالغ فى تقييم دور هذا الحكيم القابع داخلنا، وهو ليس بالضرورة مرادفا للضمير، أو للأنا الأعلى (فرويد)، أو حتى للذات الوالدية (إريك بيرن)، هو تنظيم يحترم الواقع بقدر ما يحتوى بقية مستويات الوعى ويحيط بها.

الأرجح أن هذا المستوى الحكيم من الوعى قد يمثل تكثيقا ‏لمفهومين‏ ‏من‏ ‏مدرستين‏ ‏متباعدتين‏: ‏المفهوم‏ ‏الأول‏ ‏هو‏ ‏مفهوم‏ ‏يونج‏ (‏كارل‏ ‏جوستاف‏) ‏عن‏ ‏اللاشعور‏ ‏الجمعى ‏وأن‏ ‏الإنسان‏ ‏عمره‏ ‏لا‏ ‏يبدأ‏ ‏يوم‏ ‏يولد‏ ‏ولكنه‏ ‏يحمل‏ ‏دهورا‏ ‏من‏ ‏الحكمة‏ ‏والغرائز‏ البناءة ‏فى ‏أعماق‏ ‏أعماقه‏، ‏والمفهوم‏ ‏الثانى ‏مستمد‏ ‏من‏ ‏لغة‏ ‏إريك‏ ‏بيرن‏ (‏مدرسة‏ ‏التحليل‏ ‏التفاعلاتي‏) ‏فى ‏حديثه‏ ‏عن‏ ‏حالة‏ ‏الأنا‏ ‏الوالدية‏ ‏التى ‏تشمل‏ ‏الجد‏ ‏وجد‏ ‏الجد‏ (‏فى ‏التحليل‏ ‏الأعمق)، ‏هذه الحكمة العميقة والجاهزة هى ‏إشارة‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏التركيب‏ ‏البشرى ‏ممتد‏ ‏عبر‏ ‏الأجيال‏: ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏بوراثة استعداد بذاته بالمعنى‏ ‏السطحى، ‏ولكن‏ ‏بمعنى ‏البصم‏ ‏ببرامج بيولوجية‏ ‏معقدة‏ ‏تتكون منها ‏ ‏الذاكرة‏ ‏الجينية‏ بكل طبقاتها.

ربما ما أردته هنا، أو ما وجدته، أو قرأته فى هذه اللوحة، هو ‏ ‏أن‏ ‏القديم‏ المتجدد، ‏والحكمة‏ المحيطة، ‏لهما‏ ‏تمثيل‏ ‏كامل‏ ‏فى ‏وجودنا‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏فإن‏ ‏استيعابهما‏ ‏وتمثلهما‏ ‏فى ‏الحاضر‏ فى تكامل ‏مع‏ ‏طاقة‏ ‏الغريزة‏ ودفعها ‏هو‏ ‏السبيل‏ ‏الحقيقى ‏لمسيرة‏ ‏التطور‏، ‏وإلا‏ ‏فإهمال‏ ‏أى ‏جزء‏ ‏جهلا‏ ‏أو‏ ‏خوفا‏ ‏لا‏ ‏ينتج‏ ‏إلا‏ ‏إنسانا‏ ‏ناقصا‏ أو مشوها.‏

(3)

ودى صورة مين؟

عمره كام دهر؟

الشيخ‏ ‏قاعدْ‏ ‏وِشُّهْ‏ ‏منوّرْ‏،‏

‏ ‏مركون‏ ‏على ‏عصا‏ ‏بيفكر‏.‏

وعنيه‏ ‏بتشع‏ ‏الحكمةْ.‏

‏أسطورة‏ ‏المرأتين‏ ‏فى ‏قصة‏ ‏سيدنا‏ ‏سليمان‏، حين احتكمتا إليه وكل منهما تدعى أنها أم الطفل، ثم حـُـكم سيدنا سليمان المبدئى بأن الحل هو أن ‏ ‏يشق الطفل‏ ‏مناصفة‏ ‏بينهما، قاصداً أن يتبين من هى الأم الحقيقية، ربما يكون فيها تلميح رمزى ‏إلى ‏الإنقسام‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏أثناء‏ ‏النمو‏ ‏للنفس‏ ‏البشرية‏، ‏عندى أن الترجمة النفسية لهذه الأسطورة هى أن الأم التى تمارس أمومتها بنجاح هى التى تستطيع أن تتعهد هذا الانشقاق، لكنها ترفضه إذا كان انشقاقا يعنى الاغتراب المتباعد فى اضطراد، حتى أنها تفضل أن تحافظ على “كلية” حياة طفلها ولو لمرحلة ما، حتى لو تعهدته أمٌّ سيئة فى تلك المرحلة، وحين يكتشف سيدنا سليمان من هى الأم الحقيقية، لا يتحقق الانشقاق بمعنى الاغتراب أو الهلاك، ولكن يظهر الأمل فى خلخلة تؤدى إلى تحريك مرحلى فى رحاب أمٍّ مرنة، ومن ثَمَّ إلى تلاحم جدلى نامٍ، وهكذا، فضلا عن الانشقاق الدورى الطولى من خلال نبضات الإيقاع الحيوى (دورات “النوم/الحلم/اليقظة” أساسا).

“فاكرين القصة ؟؟[2]

مين أنقذ طفل الأم

من جشع الست التانية !!؟

سيدنا سليْمان.

” مين كلـــِّـمْ نملهْ، وهزّ الملكهْ” ؟

– سيدنا سُليْمَانْ

هذا النوع من تقديس الحكمة الغائرة فى وجودنا يعطى لهذه الحكمة قـُـدُرات وينسج حولها معجزات مبالغا فيها تسمح بـ، أو تدعو إلى، اعتمادية معطلة للنمو، وإذا كانت حكمة سيدنا سليمان قد تجلت فى حكمه بقسمة الطفل، فظهرت الأم الحقيقية، فإن قدراته على التحكم فى الجان (مستويات الوعى التحتية)، والتخاطب مع الحيوانات والحشرات والطيور، هى من قبيل هذا التقديس، وهكذا، يمكن أن يتجاوز هذا المستوى دوره الإيجابى بشكل أو بآخر، خصوصا فى التربية.

هكذا تـَعرّت أمامى طبيعة وحقيقة القوة الظاهرة التى تكمن وراء باب الحكمة الراسخة، وحينذاك قفزت إلى ذهنى إشكالة علاقة هذا المستوى بالنمو عامة، وبتربية الأطفال بوجه خاص، وأنه حين تثبت هشاشة هذه القوة، وأنها قوة من فوق السطح، يفتقد الأطفال إلى من يلمـّهم إلى نفسهم، بديلا عن التسيب بلا معالم، تحت رحمة القوى البدائية (الجان) أو الانشطار بلا عودة، وتنطلق التساؤلات، وتتوجب المراجعة:

يبقى البومة كان عندها حق

طب فين الكدب وفين الصدق؟

وفين الضرب وفين الحب

وفين العفو وفين الذنب

إزاى نسمح لعيالنا:

بالشق، الضم، النبض، الود،

اللعب، الجرى، العَـــدّ:

على عزف الناى

حانربى عيالنا ازاى؟ ‏

وعيالْ‏ ‏لـِــيّامْ‏ ‏دِى ‏غـَلاَبـَهْ‏، ‏

لا فى ‏عَـصـَا‏ ‏تـرِحَـمْـهُمْ ‏ولا‏ ‏حـِكْمَة‏،‏

‏ ‏مـِن‏ ‏مـَسَّ‏ ‏الجـَانْ ‏

والجانْ ‏أيَّامْنَا‏، ‏لابسين‏ ‏جلد‏ ‏الإنسانْ‏. ‏

ولا‏ ‏عادْ ‏بـِيْهم‏ ‏الواحدْ ‏منهم‏ ‏سورة‏ “‏الكرسى‏”، ‏

‏ ‏ولا‏ ‏سورة‏ “‏الناسْ‏”.‏

والحكمةْ ‏مـَا‏ ‏مَـاتـِتْ‏ ‏مـِنْ‏ ‏مُدَّهْ.‏

ما‏ ‏فاضلشى ‏إلا‏ ‏الحكمة‏ ‏الموضهْ،‏

تِلقَاهَا‏ ‏مَلْفُوفهْ‏، ‏

حوالين‏ ‏حِتَّةْ ‏شكولاتهْ‏، ‏جوّا‏ ‏الصالونات‏.‏

‏المخاطر‏ ‏البشرية‏ ‏التى تحيط بالبشر، وبالأطفال بالذات، من خلال القهر‏ ‏والسحق‏ ‏والظلم‏ ‏والبلبلة والتخبط، وأحادية التوجه، واستقطاب القيم، هى مخاطر واقعة ومتزايدة‏، ‏وإذا‏ ‏لم‏ ‏نضع‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏فى ‏تربية‏ ‏الأطفال‏ ‏بتهيئة‏ ‏التناسب‏ ‏بين‏ ‏جرعات‏ ‏الحنان‏ ‏والقسوة‏ ‏وحسن‏ ‏توقيتهما‏، ‏فالنتيجة‏ ‏هى ‏السحق‏ ‏تحت‏ ‏أقدام‏ ‏الشر‏ ‏المعاصر‏ ‏الذى استحوذ على طاقة ‏العدوان‏، ‏واستعملها فى العنف القاتل المغير‏ ‏على ‏بعضنا‏،‏ هذا العدوان الصريح الذى جعل من الإنسان المعاصر قاتلا لأفراد من نفس نوعه دون عائد بقائى.

 ‏لم يعد مطروحا حاليا ما يمكن أن يسمى “‏العصى ‏الرحيمة‏” ‏فى ‏تربية‏ ‏الأطفال:‏

“لا فى ‏عَـصـَا‏ ‏تـرِحَـمْـهُمْ،

 ‏ولا‏ ‏حـِكْمَة‏،‏‏ ‏مـِن‏ ‏مـَسَّ‏ ‏الجـَانْ” ‏

 ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏العنف‏ ‏البشرى ‏العدوانى ‏يرتدع‏ ‏بردع‏ ‏داخلى ‏أو‏ ‏خارجى، ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏للكبير‏ ‏أو‏ ‏الإله‏ ‏أو‏ ‏الحكيم ‏قيمة فاعلة‏، ‏مات‏ ‏كونفوشيوس‏ ‏فى ‏العصر‏ ‏الحديث‏، ‏وأرى ‏أن‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يحرمنا‏ ‏أصلا‏ ‏من‏ ‏التفاعل‏ ‏الجدلى ‏الضرورى ‏للنمو‏ ‏والتكامل، وقد بلغت تفاهة الحكمة المطروحة فى السوق، واغتراب النصائح مبلغا جعل الاستشهاد بأى من ذلك مدعاة للسخرية أكثر منه سبيلا للنمو.

ثم يتجلى لى العجز الغائر وراء صورة هذا الشيخ المقدسة التى تعرت عن هشاشة داخلية، لكننى أكتشف أنه برغم إعلان موته، وأنه لم يتبق منه إلى ما يشبه الحكمة، مازال يستطيع أن يتألم، ليس لنفسه فحسب، بل لنا أيضا، وهو ينبهنا أن يتولى كل منا أمر نفسه دون انتظار معجزة من مقدس، بل إنه نفسه يطلب أن نلحقه هو أيضا، نخفف عنه ما ألمّ به، لا أن نكتفى باستنقاذه ليلحقنا لينقذنا مما آل إليه حالنا.

– ‏إٍلحقنا‏ ‏يا‏ ‏عمّى ‏الشيخ‏ ‏شُفْـنَا‏. ‏

‏ – “‏أَلحقكو‏ ‏ازاىْ؟‏ ‏

إنت‏ ‏اهبلْ؟‏ ‏ولاّ ‏بْـتـِسـتهِبلْ؟‏

‏دَانـَا‏ ‏صورهْ‏”

دا انا ميت.

وأَبُص‏ ‏كويسْ‏ جوا عنين الصورة

وألاقى النملة بتزحف فى بياضها

والنمل اصحابه من مدة

إنما كات عينه يا خوانّا مليانة أَلـَمْ،

مش قادر يستحمل ألمه، وبيبكى بدال الدمع الدم

‏– ‏إعمل‏ ‏معروف‏ ‏شيل‏ ‏النملة‏ ‏دى ‏بتقرصنى،‏

وعَصاتى ‏السوسْ‏ ‏بهدلها‏،‏

حانْكِفىِ ‏عـَلـَى ‏وِشِّى ‏تَوْ ‏مَا‏ ‏تبقى ‏دِقـِيقْ‏،‏

‏حين يتكشف هذا المستوى من الحكمة الطيبة، والقدرة الواعية، عن كل هذا الضعف الذى يحتاج إلى أن يعان لا أن يعين، دون إعداد كاف لضمان استمرار النمو فى اتجاه التكامل، أى النضج الحقيقى، تنقض القوى البدائية بعنفوان فجاجتها (الجان) لتخرب الدنيا، وهى تبرر النكوص وما يشبه الحرية، وكذا تبرر وتدعم اللذة قصيرة العمر. ‏

والجانْ الإنسان الجِنّ،

حايقيم أفراحه مش حايِوْنّ

فى الخمارة: وفْ الحارة السّدْ

فى الدايرة المقفولة الضّلْمهْ، ما فيهاش حدْ

‏ “‏دقِّـى ‏يا‏ ‏مزيكا‏، ‏

‏ ‏شمِّمنا‏ ‏يا‏ ‏ويكا‏”.‏

‏ إن‏ ‏ما‏ ‏يمثله‏ ‏القديم‏ ‏الحكيم‏، ‏سواء‏ ‏بجذوره‏ ‏فى ‏اللاشعور‏ ‏الجمعى، ‏أو‏ ‏فاعليته‏ ‏كحالة‏ ‏من‏ ‏حالات‏ ‏الأنا‏ ‏الوالدية،‏ أو علاقاته الزائفة المغلقة على نفسه، ‏هو هذا الذى ينطلق حين ينكشف عجز هذه الحكمة عن قيادة واحتواء سائر المستويات‏.‏

وفى استغاثة أخيرة يصيح المتألم:

إعمل معروف شيل النملة

فأستجيب رحمة به واحتراما لألمه، وإذا بى أكتشف وراء كل هذه الحكمة، مستوى وعى آخر لم يكن فى حسبانى.

وِأَحاول‏ ‏اشيِلها‏،‏

أًتاريها‏ ‏التانية‏ ‏زرار‏،‏

والباب‏ ‏المسحوْر‏ ‏بـِيْــزَيـَّقْ‏. ‏

نعم باب آخر لم يكن فى الحسبان.

……………….

……………….

ونواصل غداً استكمال الجزء الثانى من قراءة اللوحة الثانية عشرة: “البيت المسحور”

ـــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية” (3) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “قراءة فى عيون الناس” (خمس عشرة لوحة)، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى – القاهرة.

[2] – هذه الفقرة والفقرتين التاليين أضيفتا إلى المتن السابق نشره فى الديوان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *