الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فصامى يعلمنا (3): مستويات وتشكيلات “الحقيقة”، والعين الداخلية

فصامى يعلمنا (3): مستويات وتشكيلات “الحقيقة”، والعين الداخلية

“نشرة” الإنسان والتطور

28-4-2009

السنة الثانية

العدد: 606

فصامى يعلمنا (3):

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى)

مستويات وتشكيلات “الحقيقة”، والعين الداخلية

مقدمة:

ابتداء من هذه النشرة، سوف ألتزم بوضع هوامش بجوار المتن، مع أن هذا قد يقطع انسياب التلقى، لكننى رأيت أن ذلك قد يتيح فرصة أكبر لتقديم ملاحظات مكملة تمنع أكبر قدرا الألتباس فى استقبال المتن لتوصيل الهدف العلمى (المعرفى) لمن يهمه الأمر.

وبالرغم من ذلك فإننى مازلت أوصى بقراءة المتن كله مرة واحدة، حتى لو اضطر القارىء إلى إخفاء جانب الهوامش بورقة أو مسطرة لحين الإنتهاء من المرور بالمتن، ثم بعد ذلك يعيد قراءته مع الهوامش.

ولكن من ذا الذى يقدر على ذلك.

لا يهم. فقط هذا رأيى.

الموجز

رشاد مَرِضَ، وتوقف سنة ونصف عن العمل، وقبل بضعة شهور عانى من نوبة سابقة دخل بسببها نفس المستشفى (قصر العينى)، وشفَى منها بسرعة لكنه لم يعاود العمل، قبل ذلك جاء بنفسه وحده يشكو من أحاسيس غريبة حول ما جرى ويجرى “فى مخه” بالإضافة إلى ضلالات الاضطهاد والهلاوس السمعية، وشفافية أو فقد أبعاد الذات، وأن ما يدور بخلده أصبح مشاعا، ومذاعا، وقد انسحب من مخالطة الناس مع توقفه عن العمل، وأفرط فى النوم، وكان يتهيج أحيانا لمدة قصيره حين يستثار.

وقد شخصت حالته على أنها “فصام بارانوى، بكل دلائل التشخيص العالمى والأمريكى والمصرى (العربى).

لم يعد يصلح مع تقديم الحالات هكذا أن نقدم أى موجز مفيد، فكل سطر، وأحيانا كل كلمة، لا يمكن الاستغناء عنها، ونكرر النصح بالرجوع إلى الحلقات السابقة 21-4-2009، 22-4-2009،  ما أمكن ذلك.

الفرض:

إن ثمة عين داخلية (آلة حس لها علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم، عبر التطور، تستطيع أن نرصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة REM“ريم”)، كما تنشط فى بداية الذهان خاصة، وهى ترصد الداخل “بما هو” فى البداية، كما قد تتعامل معه بآليات الذهن الأحدث من خيال، ولغة، وتفكير، وذاكرة،

 فى هذه الحالة التى نقدمها، تَمَّ رصد عملية الانشقاق (القصم)، وأيضا عملية الصعوبة التى لحقت آلية “فعلنة المعلومات” حتى أصبحت كأنها ترى بالعرض البطىء

 الفروض الفرعية:

(أ) إن داخل البشر حقيقة موضوعية (واقع موضوعى) وليس مجرد ذكريات أو نفى “لا” شعور.

(ب)إن رصد التفكك بواسطة المريض لا يترتب عليه تلقائيا حدوث التفكك سلوكيا وأعراضاً.

(جـ) إن تصديق المريض فى مثل هذه الحالات قبل ترجمة خبرته إلى أعراض تسمى باسم مرض بذاته هو مفيد علميا وعلاجيا.

(د) إن هذا المنهج قد يحل إشكالة التفسيرات العشوائية التى تمارسها العلاجات الشعبية، وأيضا قد يساعد فى الإستفادة من الفهم الإمراضى لصالح إعادة التشكيل الصحى للمريض.

(هـ) إنه يمكن التحاور مع المريض الذهانى (بما فى ذلك الفصامى) على مستوى عال من التماسك والتفاهم.

فى هذه الحلقة: أول مقابلة، بعد مناقشة مقدمة الحالة مباشرة:

يدخل رشاد مترددا ، يلتف إليه د. يحيى منتبها:د.يحيى: رشاد؟ لا مؤاخذه يابنى، صباح الخير يا رشادرشاد: صباح الخير يادكتورد.يحيى: صباح النور، إنت عارفنى؟رشاد: دكتور يحيىد.يحيى: عارف إسمى يعنى؟

رشاد: عارف إسمك آه

د.يحيى: إسمى يحيى إيه؟

رشاد: لأه، انا ماعرفشى، انا عارف أسمك الدكتور يحيى وبس (1)

د.يحيى: أحسن، عموما: أنا باشتغل هنا، ودكتور كبير شوية، وزملائى وبناتى هنا بنتقابل كل يوم خميس علشان نناقش حالات مهمة مع بعض

رشاد: الحالات الصعبة؟

د.يحيى: مش الصعبه، الحالات اللى بيختاروها زملاتى الصغيرين إللى شايفين إنها تحتاج مناقشة مع بعض، يتعلموا من شوية العلم اللى عندى، وأنا برضه أتعلم، وده إسمه تعليم، وبرضه علم، وحاجات كده، واللى بنطلع بيه انشاء الله نتمنى إنه يصب فى مصلحتك، مش بس فى مصلحتك، لأ وفى مصلحة اللى زيك، عشان كده إحنا بنصور بالكاميرات دى، مش عشان البيوت ولا تلفزيونات الحكومة، لأ عشان العلم بس(2)، يمكن نطلع بحاجة تصب فى مصلحتك ومصلحة اللى زيك، فابستأذنك فى حاجتين: الحاجة الأولانية إن إحنا نتكلم قدام الناس اللى معانا دول، والحاجة اللى انت مش عايز نغوّط فيها من حقك ما نفتحهاش، ما نتكلمشى فيها، الحاجة التانية اللى بنستأذنك فيها إن إحنا نصور عشان نحتفظ باللى قلناه يمكن نفيد مستقبلا العلم والتعليم ، وبالتالى علاج اللى زى حالتك، موافق ؟

رشاد: موافق إنشاء الله

د.يحيى: كتر خيرك، أنا اسمى يحيى الرخاوى إذا حبيت تعرف أسمى التانى ولا كفاية يحيى

رشاد: كفاية يحيى (3)

د.يحيى: إنت جدع، كده المِعْرفة على مَيّة بيضا، وأنا برضه كفاية رشاد، هما بيندهو عليك بإيه، بيقولولك: فى البيت ولا فى الشغل إيه، يا بو الرشد، ولا يابو فلان، ولا يا رشدى.

رشاد: هو إسم رشاد أفضل يعنى

د.يحيى: ما انا عارف، ده حقك، بس القريب بقى، بيقول لك إيه؟ (4)

 المهم، الدكتورة ملك كتر خيرها، قالت لنا اللى أنت قلتهولها كله، قعدت معاك مرة واتنين، وكتبت كلام كتير، واحنا خدناها جد شويتين، فإذا حبيت تقول لنا منه حاجات تأكد عليها ماشى، حبيت تقول حاجة تانية ماشى، حبيت إنى أنا أنكشك أهلاً، زى ما انت عايز .

 

 

 

رشاد: هو بس أنا عايز أقول إن أنا شايف الحقيقة فى نفس الوقت لما باجى أطلبها بلاقى إن هى مش حقيقة (5)

د.يحيى: واحده واحده، أصل الدكتورة ملك كتبت لنا كلام زى ده، واحنا عايزين نوضحه مع بعض شوية شوية

رشاد: تمام

د.يحيى: انت كل جملة قلتها أو حانقولها حانحاول أنا وانت نعيشها، بما إن أنا كبير شوية، إنت بتقول أنا شايف الحقيقة بس لما آجى أطلبها بلاقيها مش حقيقة، مش كده؟

 

 

 

رشاد: لأ يعنى، أنا باقول أنا شايف اللى أنا فيه ده حقيقة

د.يحيى: الحقيقة يعنى اللى أنت فيه دلوقتى، أيوه كده، ما توسعهاش قوى (6)

رشاد: ولما باجى أطلبها من أى دكتور يقول لى إنت حاسس كده، ولكن هى مش حقيقة

د.يحيى: الدكتور اللى بيقول لك هى مش حقيقة، ولا أنت اللى بتكتشف إنها مش حقيقة

رشاد: لأ، قعدتى مع الدكتور هى اللى بتبلغنى إنها مش حقيقة

د.يحيى: وهوّا الدكتور إيش عرفه ؟ حاجة غريبة خالص !!

رشاد: مش دكتور بقى !؟

د.يحيى: إيش عرفه الحقيقة من اللى مش حقيقة، هوّا ولى أمر الحقيقة؟ إنت شايف الحقيقة زى ما أنا شايف الكوباية دى، مش كده ؟

رشاد: آه

د.يحيى: بأمارة إيه بقى الدكتور يقول لك إنها مش حقيقة؟ (7) هو ربنا سلم الحقيقة لشوية ناس وأخذها من ناس تانيين

رشاد: بس معروف إنه دكتور متخصص فى حاجة زى كده

د.يحيى: يعنى هوّا متخصص فى الحقيقة؟ هوه متخصص فى أكل عيشه، وتصليح المايل، والترييح، والدواء والحاجات دى

 رشاد: يعنى هى حقيقة؟

د.يحيى: ليه لأه؟

رشاد: يعنى هى حقيقة

د.يحيى: مش إنت شايفها؟

رشاد: آه

د.يحيى: تبقى حقيقة 100%، سواء اللى قلته للدكتورة ملك، سواء اللى انت حاتقوله دلوقتى، سواء اللى أنت مش حاتقوله، تبقى حقيقة 100%،  بالذات بالنسبة لك، مش لكل العيانين ولا لكل الناس، ده على حد ما وصلنى من كلامك مع د.ملك، وحتى لو ما وصلنيش أنا باعتبر إن الحقيقة هى اللى انت شايفها (7)، نعمل إيه بقى فى البداية بتاعتى الغريبة الغلط دى؟ غلط قصدى بداية مش معتاد عليها العيان مع الدكاترة، مش كده؟

 رشاد: تمام.

د.يحيى: نعمل إيه فى الدكاترة بقى ؟

رشاد: لأ الدكاترة بصراحه ممتازين، حرام

د.يحيى: ماشى، بس الظاهر هما مضطرين إنهم ينكروا عليك الحقيقة لمصلحتك؟ همّا ممتازين، صحيح كتر خيرهم، ثم همَّ بيعملوا اللى هما عارفينه وخلاص، هوه حد يقدر يعمل أكتر من اللى هوه عارفه!! (8)

رشاد: تمام

د.يحيى: عارف د. ملك قاعدة عاملة كده ليه؟ (تبدو عليها الدهشة)، عشان مش شايفة الحقيقة

رشاد: ليه ؟

د.يحيى: أصل الجماعة بتوع الدوا والفلوس يا رشاد حاطين حاجز بين الدكاترة والحقيقة، ييجى عيان غلبان زيك يقول لهم الحقيقة يقولوا له لأه ، إنت مش شايف، بس عشان ملك يمكن صغنتوطة قامت صدقتك شوية، وراحت مخضوضة، وقالت مش فاهمة ، مش فاهمة، وعرضت علينا حالتك يمكن نفهم سوا.

رشاد: وبعدين؟

د.يحيى: بداية صعبة، معلش

رشاد: لأ لأ، مافيش حاجة، بس نخليها حقيقة؟ يعنى نتكلم على إنها الحقيقة؟

د.يحيى: أنا رأيى اللى ربنا حايحاسبنى عليه إن: “أيوه” ولو كبداية.

رشاد: هى دى الحقيقة ؟

د.يحيى: ليه لأه؟ تعرف يا رشاد: أنا كل أمنيتى قبل ما أموت، أنا كبير فى السن شوية كتار، إنى يعنى أوصَّل للناس اللى انت قلته ده، الناس يعنى اللى لسه ماتشوهوش، ما تْلاعَبشى فى مخهم.

رشاد: تمام

د.يحيى: إحنا نبدأ نشوف اللى احنا شايفينه حقيقة، إحنا والناس اللى زينا كده، وبعدين نشوف إيه الحكاية، يعنى بقى يمكن تُفرج، تطلع إنها حقيقة لوحدها وخلاص، أو تطلع إنها جزء من الحقيقة، أو يطلع إن فيه كذا حقيقة، المهم تكون البداية كده (9)

رشاد: ياه !!

د.يحيى: لما ساعات عيانين يجولى من كتر الدكاترة ما قالوا لهم زى ما قالولك كده، إنهم غلطانين وكلام من ده، يصدقوا الدكاترة ويكدبوا نفسهم، يقول لك أصل الدكتور قال إن اللى أنا شايفه غلط، قال إنه غلط يبقى غلط، من غير ما يفسروا يعنى إيه غلط ويعنى إيه صح     

رشاد: ما هو ده عشان دكتور متخصص

د.يحيى: متخصص فى إيه؟ هوا متخصص فى التخصص بتاعه، مش متخصص فى الحقيقة، مش أحنا قلنا إن مفيش دكتور إسمه أخصائى الحقيقة ؟

رشاد: لأ لأ ، لأ طبعا

د.يحيى: طيب يا أخى كفاية كده النهاردة ؟ أنا لخبطتك

رشاد: لأ لأ إزاى إتفضل

د.يحيى: نعم ؟

رشاد: اتفضل إتكلم (10)

د.يحيى: لأ بقى ده إنت تقعد تهضم فى اللى احنا قلناه دلوقتى ييجى 6 شهور على ما نبتدى نتكلم تانى، لو انت مصدقنى، عشان يبقى تصديق بحق وحقيق، مش دهشة وتفويت، أصل صعب يا ابنى إنك تصدقنى، أنا ساعات ما باصدقشى نفسى.(10)

رشاد: لأ، لأ، مصدق مصدق إنشاء الله

د.يحيى: نعم؟

رشاد: مصدقك بس كل اللى أنا عايز أعرفه يادكتور يعنى أنا اتحطيت ليه فى المكان ده

د.يحيى: هه؟؟

رشاد: يعنى الحقيقة دى جاية منين؟ حد قاصدها ولا هى جاية لوحديها؟

 

د.يحيى: طبعا حد قاصدها، بس الحد ده جواك (11)

رشاد: يعنى حد قصدها.

د.يحيى: بس من جواك، من كتر ما أنت مش عارف إنه جواك، والدكاترة برضه مش مصدقين الاحتمال ده، بتروح الحاجات طالعه بره، وترجع لك كإنها جاية من بره، مع إنها مقصودة من جواك

رشاد: مين يعنى

د. يحيى: أظن اسمه رشاد برضه، فى الغالب يعنى.

رشاد:  طب إزاى يادكتور ؟

د.يحيى: مش حاقول لك، قصدى مش عارف، مش متأكد،(12) ما هو لازم نقبل إن فيه حاجات كتير حا نشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها، بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه، ونركن الباقى على جنب، مثلا لما نقول إن حد قاصدها، يبقى حد قصدها، ما هو يا رشاد ما فيش حاجة بتحصل بالصدفه كده قوى.

 

رشاد: لأ طبعاً، يعنى هو القاصد “نفسى”، تقصد تقول كده(13)؟

د.يحيى: يعنى إيه نفسى، سبب نفسى يعنى، أنا مش فاهم، يا عم سيبك دلوقتى من كلام الدكاترة، “نفسى” و”مش نفسى”، هو النفسى يعنى مش حقيقة؟ نفسى يعنى بيتهيأ لك قصدك؟ طبعا لأ، حا يتهيأ لك ليه يعنى؟

رشاد: طيب، إمال مين طيب اللى عمل كده

د.يحيى: اللى جواك

رشاد: اللى جوايا؟

د.يحيى: آه، واحد زيك بالظبط، ما هو فيه كتير زيك جواك، إيه المانع

رشاد: ما تبتدى معايا بقى يادكتور

د.يحيى: هه ؟!!

رشاد: باقول ما تبتدى بقى

د.يحيى: ما احنا أبتدينا وخلـّصنا (14)

رشاد: خلـّـصنا ازاى؟!!!

د.يحيى: آه،.. إمال ايه؟ مش كل حاجة بانت اهه؟

رشاد: بالسرعة دى ؟

د.يحيى: مش انت اللى قلت فيه خْرام، وشقوق، ومش عارف إيه، إنت قلت للدكتورة ملك كل حاجة

رشاد: مظبوط

د.يحيى: تبقى الحاجات اللى انت قلتها موجودة، ليه مش موجودة؟ هوا عشان أنا دكتور ومش شايف الخرم، يبقى ما فيش خرم.

رشاد: هو بصراحة الموضوع ده شاغلنى جامد

د.يحيى: ياجدع انت ما هو لازم يشغلك، إذا كنت إنت شايف حاجة كل الناس بينكروها عليك، يبقى لازم تنشغل ياابنى، ولاّ وإيه ! كل الناس بما فيهم الدكاترة،: كلهم عمالين يأكدوا لك: ده بيتهيأ لك، ده بيتهيأ لك!! ليه يعنى، ما دام حصل، يبقى حصل.

رشاد: حصل، بس مع نفسى انا برضه باعتبر برضه إنه بيتهيأ لى، مع إنه حصل مع نفسى (15)

د.يحيى: ما هو انت بتسمع كلامهم، تقوم بتبقى وصى على نفسك، وانا باقول لك دلوقتى ماينفعش كده على طول الخط، خلينا نبتدى بداية تانية ياشيخ

رشاد: ماشى

د.يحيى: بتقول للدكتورة ملك “مخى اتخرم كذا خرم”، طبعاً اتخرم، سواء من نظرات الناس، أو هوه لما اتخرم حسيت بنظرات الناس

رشاد: تمام

د.يحيى: وبتقول برضه “مخى انفتح وانشق نصّين

رشاد: مظبوط

د.يحيى: والبنت الدكتورة دى، إنت عارف الأول هى نصرانية ولا مسلمة؟

رشاد: (يتوجه إلى الدكتورة ملك) إنت نصرانية؟

د.يحيى: أنا اللى باسألك أنا، باسألك انت

رشاد: أنا شفت الصليب فى إيديها

د.يحيى: إمال بتسألها ليه (15 َ)

رشاد: تبقى نصرانية

 

د.يحيى: هى حاتروح الجنة ولا النار (16)

رشاد: لأ معرفش

د.يحيى: يا أخى ..؟!!

رشاد: رحمة الله سبحانه وتعالى واسعة

د.يحيى: طيب والمشايخ قالوا لك إيه

رشاد: آه

د.يحيى:آه إيه؟ لما واحدة طيبة وشطورة زى د. ملك واللى عملته معاك وصلك، ما تعرفشى تشهد لها قدام المشايخ مش قدام ربنا، يبقى نتكلم عن الحقيقة ازاى بالشكل اللى هما بيفرضوه علينا

رشاد: هى إنسانة كويسة بصراحه

د.يحيى: هه؟

رشاد: هى إنسانة كويسة

د.يحيى: إنسانة كويسة طول ما هى فى الدنيا، إنما فى الآخرة حايودوها النار

رشاد: إحنا مش حانوديها

د.يحيى: إحنا..، يمكن، بس ما نضمشى المشايخ

رشاد: لأ لأ إزاى؟

د.يحيى: أهى دى من ضمن الحقايق اللى الناس كلها ما بترضاش تتكلم فيها، وإذا اتكلموا بيكذبوا

رشاد: بس إحنا مابنوديش حد الجنة ولا النار

د.يحيى: ما انا عارف، بس المشايخ (16 َ)

رشاد: لأ المشايخ مش بإديهم حاجة فى الآخرة، باقول لك رحمة الله سبحانه وتعالى فوق الكل

د.يحيى: آه كده، عندك حق عندك حق، إحنا نسلمها لربنا عشان مش عارفين الحقيقة النهائية قبل وبعد رحمته، إنما المشايخ متصورين إنهم عارفين الحقيقة 100%، أهم المشايخ زى أغلب الدكاترة، دى إسمها السلطة الدينية، ودى إسمها السلطة الطبية، والله أنا بيتهألى إن أيها سلطة تعمل نفسها وصية على الحقيقة هى اللى حاتخش النار، بَلاَ وجع دماغ ( 16 َ)

……………

د.يحيى: طيب نمسك بقى واحده واحده، …….. عايز أقف على الحتة بتاعت مش عارف أوصف، أصل انا ساعات أهتم باللى مش عارفه أكتر من اللى أنا عارفة؟

رشاد: تهتم باللى عارفه؟

د.يحيى: لأ باهتم بقلة المعرفة، هى الدكتورة عملت حاجة جيدة جداً، عشان هى صغنطوطة ومابتفهمش الحمد لله، فهى عملت حاجة كويسة جداً، اللى مافهمتهوش مافهمتهوش، مااستعجلتشى وترجمته للى قالوا لها عليه، .. إنت برضه عملت كده، اللى قدرت تعبّر عنه عبرت عنه بكلام سواء بكلامك، أو بالكلام إللى سمعته من الدكاترة، وبعد ده كله قلت إنك برضه مش فاهم، زى ما يكون إنت مش فاهم شوية حاجات كتير، برغم إنها موجودة

رشاد: فعلا برغم إنها موجودة

د.يحيى: الدكتورة مافهمتش شوية حاجات برضه، برغم إنها سمعتها منك بوضوح، (17)  أنا راخر ما فهمتش شوية حاجات برغم خبرتى، إيه رأيك نخلى اللى احنا مش فاهمينه على جنب، ونشتغل فى اللى بيتهيأ لنا إن احنا فاهمينه ولو نص نص …..

رشاد: تمام

د.يحيى: فيه حاجة أبسط من كده ؟؟

رشاد: لأ

د.يحيى: الحمد لله رب العالمين بس خلاص (يلتفت إلى د. ملك) عايزة حاجة تانية يا ملك ، أظن تعرفى قد إيه بنتعطل لما نستعجل ونحط اليافطة إياها ، التشخيص مثلا، ولا إسم العرَض، يقوم يتهيأ لنا إن بالشكل ده فهمنا كل حاجة، مش كده يا رشاد؟

رشاد: مش فاهم

د.يحيى: ما انت عارف، بيسمو حالتك “فصام”، مش هما قالو لك كده برضه

رشاد: آه

د.يحيى: … يجى واحد فى السرير اللى جنبك تلاقيهم معلقين عليه نفس اليافطة، وهوه فين وانت فين، مش يبقى فيه غلط فى الموضوع ده برضه؟

رشاد: مش عارف

د.يحيى: ياجدع خليك شجاع وقول

رشاد: ماقدرش أنا أتهم دكتور (18)

د.يحيى: ما هوش اتهام، ما هو غلبان زيى وزيك، بس الفرق إنه هو مكسل يدوّر من أول وجديد

رشاد: آه

د.يحيى: إنت أول كلمة قلتها النهاردة عايز أعرف الحقيقة، أنا تصورت فى اليداية إنك عايز الحقيقة الكلية ، زى ما يكون حانخش فى ماتش فلسفة، يعنى حقيقة الحياة، حقيقة الوجود، وكلام من ده، لكن بصيت لقيتك بتتكلم عن الحقيقة بتاعة مخك، الحقيقة إللى انت حاسس بيها إنها حصلت فى مخك

رشاد: تمام

د.يحيى: حد من الدكاترة يقدر ينكر إنك اتغيرت، وإنك حاسس إنك اتغيرت

رشاد: لأ طبعاً

د.يحيى: بصراحة ، ساعات بينكروها، أى والله

رشاد: بينكروها؟

د.يحيى: اى والله العظيم بس بينهم وبين نفسهم، يقول لك ما هو قدامى أهوه زى ما هو، إتغير فين بقى؟ دا “نفسى”، دا بيتهيأ له.

رشاد: ما هما ماشافوش من البداية أصلاً

د.يحيى: انا مش فاهم قوى إحنا وصلنا لحد فين، أنا خايف تكون بتفهم كلامى غلط، أو بتوافلقنى وخلاص

رشاد: لأ بس الواحد بيبقى عارف

د.يحيى: أهو انا كبير قوى أهه، وخبره وسن وبتاع، يعنى عمال باجتهد معاك بجد وباحترم كل كلمة قلتها وبتقولها، أقول لك شوية علم وتشاركنا: كان عندنا واحد خواجة ضيف علينا هنا فى القصر العينى قريب، هو أكبر منى فى السن،  فسر الحالات اللى زيك كده على إن فيه مخ بيعرف كله على بعضه، والناحية التانية فيه مخ تانى بيوصف الحاجات دى بالألفاظ والمنطق، قام الخواجة، هو اسمه “كْروه”،(19) افترض وإن المرض بتاعك ده عبارة عن إن المخ اللى بيوصف مش عارف يوصف اللى عرفه المخ التانى بالظبط، يقوم تحصل الربكة دى، أهو ده اللى وصلنى وانت بتوصف حالتك تمام التمام، وبعدين انت لمّا تلقط ده تلحق تقول أنا مش عارف اللى جارى، مش قادر أوصفه، شفت العلم الصعب ده أنا لخصته لك فى سطر واحد، بدل ما اقول إيه اللخبطة دى، وإنك بتقول كلام متناقض وكده، يعنى قصدى إن فيه حاجات غريبه فعلا حاصلة، ومادام جديده عليك تبقى غريبه عليك زى ما هى غريبه عليا، زى ما هى غريبه على د. ملك، نقوم نخليها على جنب وما نستعجلشى، إنت لما قلت عايز اعرف الحقيقة، انا افتكرتك حا تتفلسف، وبعدين رجعت قلت ما يمكن راجع من الأول زى العيال الصغيرين ما بيدوروا على ربنا او على الحقيقه، لكن لما كملنا وصلنا إن الحقيقة اللى انت كنت تقصدها هى اللى انت حاسس بيها وهمّ بينكروها عليك، وفى نفس الوقت ما اقدرناش نلم الموضوع أو نوصفه فى وصفة كويسة، خلينى أسألك من أول جديد هوا انت كنت تقصد إيه بالحقيقة اللى عايز تعرفها؟

رشاد: اللى هو اذا كان فيه حد أذانى ولا لأ

د.يحيي: يا خبر ابيض، دا احنا كنا رحنا بعيد قوى ، معلشى نرجع، ما يجراش حاجة. (20)

رشاد: ما هو انا شكيت لما كذا واحد قال ما فيش أذية ولا حاجة

 

د.يحيي: كذا إيه؟؟ (20 َ)

رشاد: كذا واحد قالى “اللى انت شايفها حقيقه هى فى نفس الوقت مش حقيقه”

د.يحيي: طب هما قالولك لأ مافيش حد بيأذي، انا قلت لك آه فيه حد بيأذيك، حا نعمل إيه؟

رشاد: بس رجعت بعد كده فكرت وقلت دا “نفسي”

د.يحيي: “نفسى” من بتاع الدكاترة يعنى “بيتهيأ لك”؟ يعنى انت اللى قلت فى الآخر زى ما هما بيقولوا مش انا

رشاد: آه، بس انت قلت لى فيه حد بداخلك

د.يحيي: آه يبقى مش “نفسي”، دى حقيقه بقى بداخلك

رشاد: دى حقيقه .. انا كنت اقصد حد تانى مش انا؟ (*)

د.يحيي: ما هو انت بتبقى مش انت، ما هو عشان تأذى نفسك وكلام من ده، لازم تبقى حد تانى، ما انا يمكن أقول لك بعد شوية ازاى ده بيحصل

رشاد: مش انا؟ إمال مين؟ واحد تانى يعني؟ وجوايا ؟!!

د.يحيي: يبقى “انت” اللى هو “مش انت”، إستحملنى حبه، إشمعنى يعنى انت بتقول كلام ملخبط، أنا من حقى انا كمان ان انا اقول كلام ملخبط، (رشاد يضحك)، جميل انت، جميل والله العظيم يا رشاد

رشاد: الله يكرمك

د.يحيي: اسمى ايه

رشاد: اسم حضرتك ؟

د.يحيي: آه

رشاد: الدكتور يحيى

د.يحيي: يحيى ايه

رشاد: لأ صعب شويه

د.يحيي: أحسن، نبقى لسه حبايب، هوه ابويا ماله انا ولا عيلتى عشان نحشر أساميهم فى علاقتنا (20 َ َ)

رشاد: هو الواحد بيهمه نـَـفسه الاول بيهمه نفسه طبعا الاول

 

د.يحيي: اضحكَك على ابويا بقى .. ابويا كان مدرس عربى ودين وحاجات كده فكان فيه واحد سكرتير الامم المتحده وقعت بيه الطياره فى الكونغو، سنه حاجة وخمسين كده، فأبويا نَدَهْلِى وانا كنت فى تانية طب، (21) وقال لى تعالى قلتله نعم، قام سألنى السؤال اللى انا سألتهولك عن الدكتورة ملك، قال لى بقى “داج همرشولد” ده (دا اسم الراجل اللى وقعت بيه الطيارة) حايروح النار؟ قلت له انا إيش عرفني؟ قال لى وعم سعيد البواب ده هوه اللى حايروح الجنة؟ مارديتشى، ولعلمك أبويا كان بيقوم يصلى بالليل صلاة القيام تمان ركعات فى ساعتين، ومن يوميها بقى فتحت مخي، وماباقاش حد يستجرى يبقى “وصى على الحقيقة” بالنسبة لىّ، عرفت بقى يا رشاد ليه حودت وكلمتك فى حكاية اختلاف دينك عن دين الدكتورة ملك

رشاد: … ياه!!!

د. يحيى: نكمل بقى، إنت بتقول للدكتورة ملك إن فيه مِجرى، بتتفتح فى مخك، هى نطقتها صح كده بكسر الميم، بس ما هو نفس المعنى ، ولاّ حتى بفتحها حاجة كده زى مجرى العيون، بس اما تتقال بالعامى توصّل المعنى اللى بتقصده فى الغالب

رشاد: مظبوط

د.يحيي: بتقول بالحرف الواحد إنك (يقرأ):

 “كل ما تتعلم حاجه، فيه مجرى بتتفتح ، العلم بيصب فى المجرى وبتتملي”

رشاد: مظبوط

د.يحيي: طب ياريت تقول لنا كده ايه العيب اللى يخليها تعمل كده ؟ (22)

رشاد: العيب ان هو بيجى عند نقطه معينه وخلاص

د.يحيي: خلاص إيه وهوه مين، وهى بقى بتتملى ولا بتتسرب

رشاد: لأ بتتملي، وبتتحول بعد كده لمجرى تانيه، الزياده بتخش فى مجرى تانيه

د.يحيي: مجرى تانية؟

رشاد: بتتفتح مجرى جديده

د.يحيي: وبعد ما تتفتح مجرى جديده بتروح فين؟

رشاد: تصب برضه فيها

د.يحيي: وبعدين ؟

رشاد: لحد ما المجرى اللى عندى كلها اتقفلت

د.يحيي: اتقفلت ؟

رشاد: آه

د.يحيي: خلاص كده يبقى إزاى دى تمشى مع الجملة اللى هى قبلها كنت بتقول “انا حسيت ان مخى انفتح وانشق نصّينَ، حاجة غريبه عقلى مقفول، رجعت دلوقتى تقول” فدلوقتى بييجى على المجرى وتتملى بتتملى لحد ما تتقفل وتتحول مرجى تانيه

رشاد: بتتفتح مجرى تانيه

د.يحيي:يعنى إيه بتتفتح مجرى تانيه، ويعنى إيه وتتملى لحد ما تتقفل؟ قصدك إيه؟

رشاد: مظبوط بس الكلام ده فى البدايه يا دكتور

د.يحيي: ماهى البدايات دى هى المهمه، المصيبه اللى وصلنا لها إنهم بيخلونا ننسى نفحّر فى البداية، نقوم نهمل الكلام اللى بنسمعه من العيان، ونستسهل ونختم أى عيان بالختم اللى ينفع له، وخلاص، بس لو احنا بنعالج يبقى لازم نسمع ونصدق عشان نشوف، يمكن نقدر نبتدى من القفله الأولانية، ونسلّكها زى ما بيسلكوا أى حاجة ملانة أو مقفولة، ونشوفها اتملت ليه، وبتحود فين، ونرجع ناخد المعلومات اللى كانت بتتحشر زى ما بتقول، ونشوف إزاى يبقى لها معنى تانى، بدل ما تزحم تزحم وتحود فى أيها حتة والسلام

رشاد: كده وصّلت لِى إن ازاى هى حقيقة (23)

د.يحيي: ايوه

رشاد: بس فى نفس الوقت:هوا انا اللى عامل كده ؟

د.يحيي: ايوه

رشاد: صح كده

د.يحيي: بس مش انت عاملها بمعنى إنك انت عايز كده وخلاص، صحيح إنت مسئول دلوقتى معانا إنك تساعدنا، بس لا انت غلطان ولا قاصدها، إنت لا بتتصنع ولا حتقدر تصححها لوحدك، اللى حصل حصل، كنت لوحدك وحصل، يا للا بقى نشوف لها حل سوا سوا (23 َ)

رشاد: إزاى ؟

د.يحيي: حا نشوف سوا، وحانحلها سوا، بس مش بالكلام والشرح، لا ، الحكاية أكبر من كده، حانشوف ايه اللى يخلى المجرى ما تتقفلش، ايه يخليها ماتتملاش بالشكل ده، إيه اللى يخلى المخ يستوعب اللى بيوصل له يحطه فى مكانه عشان ماتزحمشى، حانعمل ده كله سوا مع شوية شغل مع ربنا، مع شوية دواء طبعا وحاجات كده، ولاَ عايزين اسامى أمراض، ولا عايزين نحقق ونختم بختم الحكومة المتستتة، ولا حاجة

رشاد: يعنى نعمل إيه

د. يحيى: إستنى بس واحدة واحدة ، نكمل الأول نشوف إنت قلت إيه للدكتورة ملك     (1) أشعر أحيانا، مع مرضى قصر العينى  بوجه خاص، أن من لا يعرف اسمى كاملا من خلال حضورى الإعلامى، أو حتى كطبيب مشهور، هو أقدر على عمل علاقة حقيقية، معى بصفتى المهنية والإنسانية، غير متأثر بهالة مسبقة.

 

 

 (2) أفضل تكرار تسجيل مثل هذا الإذن فى كل حالة، تذكرة للقارىء بذلك، علما بأنه اسم مستعار، لكن أسماء الأطباء بحسب رغبتهم وموافقتهم هى الأسماء الأصلية.

 

 

 

(3) لاحظ كيف استعمل رشاد بسرعة اسم “يحيى” دون أن يسبقه دكتور.

 

 

 (4) اختيار التخاطب بالاسم الشائع وليس الاسم الرسمى عادة ما يكسر المسافة مبكرا مع الطبيب وقد دار هنا حديث حول الاستعمالات الشعبية، والودّية للاسم الأصلى للمريض، وقد كان هذا الاسم يسمح بتنويعات كثيرة لايمكن اثباتها بالنص نظرا لتغير الاسم، فتم التحوير (وهو أقل دلالة).

 

(5) لا يصح أن نتعجل فنترجم هذا الاستعمال الدقيق للألفاظ بواسطة المريض إلى ما اعتدنا عليه فى حياتنا اليومية  فمثلا: “شايف الحقيقة” غير “عارف الحقيقة” وقد يكون لذلك علاقة بفرض “العين الداخلية” كما قدمنا.

وأيضا طلب الحقيقة (لما باجى “أطلبها”) غير “أتحقق” منها أو “أتاكد منها”، ثم إن انتباهه أنها “مش حقيقة” غير اكتشافه أنها “مش الحقيقة” وهكذا.

 

(6) انتبهت أن استقبالى الأول كان تقريبيا وبسرعة، لكن بعد استيضاحه هكذا تبين أنه إنما يعنى بالحقيقة “ما هو فيه” وليس الحقيقة التى خطرت لى، وأيضا تعبير “أطلبها” كان يعنى “أطلبها” من الطبيب، أى يسأل الطبيب عما إذا كان كانت خبرته التى يعايشها واقعية (هى الحقيقة) أم لا.

 

 

 (7) هذا الأسلوب الذى ظهر فى هذا الحوار هكذا عن “حقيقة” رشاد بفرض انها “حقيقة” فعلا تطور معى تطورا خطير عبر عشرات السنين حتى أصبحتُ لا أعتبر أنها مجرد “حقيقته” (حقيقة المريض) أى ما يعتقد، أى وجهة نظره، بل رحت أتبنى أنها “الحقيقة الأخرى”، من حيث أنه يدركها بأدوات حسه الداخلية، فى حين أننى – الطبيب – لا أملك هذه الأدوات نشطة هكذا من ناحية، وحتى إن ملكتها فلا أملك إلا أن أرى داخلى أنا وليس داخله هو، طبعا هذه ليست قاعدة ولا تنطبق إلا على الهلوسات والضلالات النشطة الحقيقية التى ترصد، أى تُدْرك، بالعين الداخلية، وأقول “تدرك الإدراك” منperception، ولا تنسج فكرا أو خيالا نسبة إلى التفكير أو التخيل Thinkingأو Imagination

 

(8) طبعا لا أنصح بأن يمارس هذا الأسلوب إلا من يدرك يقينا احتمال صحته جدا، وإلا أصبح تطبيقا لأخطر وأغلط مبدأ يقول “ناخد المجنون على قد عقله”هذا المثل هو عكس ما يجرى فى مثل هذا الحوار المنطلق من الاحترام المطلق لاحتمال أن خبرة رشاد هى “حقيقة” وأحيانا هى “الحقيقة”، ليس معنى ذلك أننا نقر الجنون أو ندافع عنه، وإنما هو ينبهنا أن علينا أن نبدا من احترام الخبرة. مع اختلاف أدوات الإدراك بيننا وبين المريض، وأيضا بين إدراك الواقع الخارجى وإدراك الواقع الداخلى.

 

 

 

(9) برغم ما يبدو فى هذا المنطق من صعوبة، وكأنه درس فى الفلسفة، إلا أنى لاحظت أن المرضى يلتقطونه أسهل بكثير من الأسوياء العاديين.

 

 

 

 

 

(10) هذا التوقف، وعرض إنهاء المقابلة له أهمية خاصة، لاختبار استقبال المريض جرعة الكشف، مع اختلاف نوع الحوار، ومن ثمَّ  اختبار رغبته فى مواصلة الحوار، فى مقابل الخوف من التمادى، ثم إن إعلان الطبيب لحيرته هكذا مبكرا، قد يشجع المريض أن يأخذ دورا إيجابيا غير دور انتظار التفسير الجاهز الدامغ من سلطة علوية.

 

 

 

(11) ابتداء من هنا يبدأ تفسير مباشر لما اعتبره الطبيب حقيقة “داخلية” وليس حقيقة “خاصة”، وهذا ما أسميه “الواقع الداخلى” باعتباره واقعا فعلا يمكن أن يُرى (بالعين الداخلية) أو يسمع (بالأذن الداخلية) …. إلخ.

 

 

(12) طرح التفسير باعتباره احتمالا يساعد رشاد أن يقبله، علماً بأنه احتمال فعلا (فرض) لا يثبت إلا جزئيا بفاعليته العلاجية، وليس ببرهنته منطقا مسببا.

 

(13) يستعمل الأطباء تعبير “نفسى”مرادفا لتعبير متوهَّم، وخاصة حين يستبعدون الأعراض والأمراض الجسدية، لانتفاء سبب عضوى لها، وقد استعمل رشاد كلمة نفسى هنا نفس استعمال الأطباء (غير النفسيين خاصة) الذين يكررون القول: “..إنت ما عندكش حاجة، ده نفسى“.

 

 (14) فى مثل هذا الحوار لا يقاس الوقت بالدقائق أو الساعات وإنما بوصول الرسالة، رسالةٍ ما، هى التى تصبح البداية أحيانا، وحين تكون بداية نوعية حاسمة تصبح، هى النهاية، بمعنى أنها دليل بدء توجيه المعرفة إلى وجهتها بشكل غير مباشر، لكن بيقين علاجى، يتبعه احتمال أكبر فأكبر أن تتحقق الرسالة العلاجية، بالاستمرار فى هذا الاتجاه، وهذا ما نعنيه بأن البداية هى النهاية.

 

 

(15) عادة، حين تتدخل البصيرة المعقلنة هكذا، ولو بإرشاد الطبيب ينقلب اسم الفرض إلى “وسواس” إن اعتراف أو اقتناع رشاد بعدم موضوعية خبرته، قد يتمادى بعد ذلك بمزيد من العقلنة ليصبح وسواسا قهريا فعلا، وقد يقبل ذلك كنوع “نقلة الزملة” Syndrome Shift

وقد يكون ذلك هو غاية الممكن، ولكنه ليس بالضرورة غاية المراد.

 

 

(15 َ) هذا الإنكار المؤقت، أو النسيان له دلالته التى لا تحتاج لشرح.

 

 (16) عند الاجانب، وعند معظم الأطباء عندنا، يعتبر فتح هذا الموضوع بهذه المباشرة خطأ مهنى جسيم، مع أنه جزء لا يتجزأ من موضوعية العلاقة، والحوار على هذا المستوى من الشجاعة يوثق العلاقة بعد تجاوز الحرج المبدئى، وهذا الأسلوب يستعمل فى تأكيد موضوعية وإبداعية استمرار التحاور وموضوعية حركية العلاقة.

 

 

 

 

 

 

 

 (16 َ) استعمال الحوار حول معنى ودلالة ، ووظيفة اختلاف الدين بين المريض والطبيب –لمن يجرؤ عليه- يساهم فى توثيق العلاقة، بينهما

وينبغى ألا يؤخذ على أنه فتوى دينية وإنما هو توظيف علاجى ، لواقع داخلى بمسئولية موضوعية، لا أكثر.

لاحظ أيضا شجاعة المريض وأمانته ومنطقه السليم مقارنة بالنفاق الدائر من معظم الناس حول هذه المسألة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(17) هذا المنطلق هو أقرب ما يكون إلى فكرة “تعليق الحكم” فى المنهج الفيتومينولوجى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(18) لا حظ دقة ردود المريض، وتحرجه، وواقعيته و…و …… أدبه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(19)*Crow TJ. A Darwinian approach to the origins of psychosis. Br J Psychiatry

1995;167:12–25.

*Crow TJ. Aetiology of schizophrenia: an evolutionary theory. Int Clin Psychopharmacol

 

 

 

 (20) إعلان قبول التصحيح والتراجع من جانب الطبيب مهم، ومفيد لتوثيق العلاقة، وتخفيف جرعة التسليم والتلقِّى من جانب المريض.

 

 

 

(20 َ) تكررت أثناء المقابلة استعادة الطبيب لما قاله المريض وهذا يرجع إلى “ضعف سمع الطبيب”، بسبب السن أكثر، مما يرجع إلى غموض ما يُستعاد.

 

 

 

 

 

(*) أنظر هامش (13)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 (20 َ َ) قطع الحوار بمثل هذه الدعابة يفيد فى مواصلة تناول المسائل الأعمق من خلال توثيق العلاقة.

 

 

 (21) أن يحكى الطبيب عن نفسه ليس جيدا دائما، لكن الأرجح أن الطبيب حكى هذه الحكاية ليكمل تبريره ذكر دين الدكتورة ملك، والنقاش حوله، لصالح العلاج.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(22) ابتداء من هنا، (وقبل هنا) أرجو أن يتابع القارئ كلام رشاد بقدر من التصديق والتصوّر معا، دون الإلحاح فى مزيد من الشرح، لأن الحوار تمادى بهذا الشكل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(23) موافقة رشاد هنا بدت لى مهمة ودالة، وأرجو ألا يعتبرها القارئ موافقة سطحية.

 

 

 

(23 َ) لا أريد أن أفتح الآن من جديد قضية: أن المرض النفسى (بما فى ذلك الجنون) هو اختيار فى مستوى معين من مستويات الوعى، انظر نشرة “زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون”.

 

 

وغداً نكمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *