يحيى الرخاوى طبيب نفسى
“نشرة” الإنسان والتطور
22-4-2009
السنة الثانية
العدد: 600
فصامى يعلمنا (2):
الوضوح الغامض
(الحلقة الثانية)
لم أستقر بعد، هل أكتفى بالإشارة إلى الرجوع إلى النشرة الأولى (نشرة أمس) حيث عرض موجز للحالة، أم أوجز الموجز فى كل حلقة، إلى أن أرى رأيا آخر، دعونا نتبع ما اتبعناه فى الحالة السابقة، فنورد بضعة أسطر قبل أن نواصل،
الموجز
رشاد مَرِضَ، وتوقف سنة ونصف عن العمل، وقبل بضعة شهور عانى من نوبة سابقة دخل بسببها نفس المستشفى (قصر العينى)، وشفَى منها بسرعة لكنه لم يعاود العمل، قبل ذلك جاء بنفسه وحده يشكو من أحاسيس غريبة حول ما جرى ويجرى “فى مخه” بالإضافة إلى ضلالات الاضطهاد والهلاوس السمعية، وشفافية أو فقد أبعاد الذات، وأن ما يدور بخلده أصبح مشاعا، ومذاعا، قد انسحب من مخالطة الناس مع توقفه عن العمل، وأفرط فى النوم، وكان يتهيج أحيانا لمدة قصيره حين يستثار.
وقد شخصت حالته على أنها “فصام بارانوى، بكل دلائل التشخيص العالمى والأمريكى والمصرى (العربى).
(ونعود لنوصى من يريد أن يتابعنا أن يقرأ النشرة السابقة قبل أن يستطرد ثم لعله يفضل أن يقرأ ما سبق كل مرّة)
المقدمة: الدكتورة ملك
د.يحيى: طيب يابنتى أنا مش فاهم، هو العيان ده نمرة كام بالنسبة للحالات اللى قدمتيها لى
د.ملك: التانى
د.يحيى: إسم الله عليكى، بقالك هنا أد إيه ؟
د.ملك: بقالى هنا سنة ونصف
د.يحيى: يعنى 18 شهر، مش كده ؟ قدمتى فيهم حالة ودى التانية، وحضرتى مستمعة بقى كام مرة؟ يمكن على الأقل 12
د.ملك: آه
د.يحيى: “آه” إيه؟ أنا إيش عرفنى؟ طيب ماشى الـ 12 دول من 78 أسبوع، إنت قلتى سنة ونص؟ والسنة 52 أسبوع مش كده؟
د.ملك: آه
د.يحيى: قدمتى فيهم حالتين، وحضرتى 12، بالذمة ده ينفع؟ ده تدريس ولا تدريب؟
د.ملك: لأه
د.يحيى: …. أنا مش قصدى أحاسبك على الغياب أو التقصير، أنا ماليش دعوة بالكلام ده، أصل اللى انا باقوله وباحاول أوصلُّه يا بنتى مِتْربّط فى بعضه، أنا حكيت ميت مرة إن الصياغة الختامية هى اللى بتورينا إحنا ممكن نعمل إيه للعيان، مش التشخيص، ولا الملخص، الملخص بتلمى كل المعلومات بنفس ترتيب الشيت (المشاهدة) وخلاص، التشخيص يافطة للإحْصَا والأرشيف، أما الصياغة، فهى ترتيب المعلومات الأهم فالمهم بحسب الهدف من الفحص، من المقابلة كلها، مش ده تقريبا اللى باقوله بقالى أربعين سنة كل مرة، كل مرة تقريبا، إذا كان الهدف هو العلاج فيأتى الأهم اللى يخدم العلاج، إذا كان الهدف تقرير للقاضى يبقى ترتيب المعلومات فى الصياغة حسب طلب القاضى، وهكذا
د.ملك:…………….
د.يحيى: المهم : إنتِ مقدمة الحالة دى النهارده ليه؟ إيه اللى شاغلك فى الحالة دى؟ عايزانا نتناقش فيه؟
د.ملك: بصراحة أنا اتخضيت من الطريقة بتاعته اللى قعد يوصف لى بيها الحاجات، وهوّا بيحكى عن اللى حصل
د.يحيى: طريقة إيه؟ اللى هى إيه ياحبيبتى؟ كتر خيرك
د.ملك: اللى هى قعد كذا مرة يشرح لى فى جمل مؤكدة إيه اللى هو بيحس بيه فى مخه ، وفى نفس الوقت ، بيقول إنه مش قادر يشرح لى، وإن الأمور غامضة بالنسبة له.
د.يحيى: يعنى هوه بيقول لك أنا ماعرفش أوصف، ويحكى عن نوع من الغموض، وفى نفس الوقت يقول كلام ميّة مية؟ طب ما هو كده عندك حق تستغربى.
د.ملك: آه ، طول الوقت عمال يوصف اللى جاله، واللى عنده بشكل كويس جدا، وهوا متأكد من اللى بيوصفه، وانا مصدقاه، ومش فاهمة إيه اللى جواه ده، وهوه عمال بيوصفه، ومش عارفه عرف اللى جوه كده إزاى.
د.يحيى: جواه إيه بقى؟ الظاهر انت شاطرة ومصحصحة عشان ما حضرتيش كتير، لو كنت حضرتى كان مخك اتلخبط، ويمكن كنت فهمتى وبوظتى كل حاجة، دي حاجه جميله جداً اللى انت بتعمليه ده.
د.ملك: فأنا كنت قاعده باحاول أسمعه، عماله أحاول أفهم هو يعنى هو عاوز يوصف إيه، يعنى ده اللى شدنى ليه بصراحة
د.يحيى: الله يفتح عليكى ، عندك حق
د.ملك: وبرضه اللى شدنى له إنى لقيته جدع، عمّال يشتغل طول الوقت، أى حاجة، وكل حاجة، ما بطلشى إلا الآخر
د.يحيى: إستغربتى إن واحد عنده مرض شديد إللى انت سميتيه من غير تردد، ولا تشخيص فارقى (بديل) يعنى ما فيش احتمال تشخيص تانى، وفى نفس الوقت بتوصفية بالشطارة دى، والجدعنة فى شغله، وبيحكى بالوضوح ده ، مش كده؟
د.ملك: آه
د.يحيى: ثم هو فى نفس الوقت برضه باين عليه إنه حاضر، وجاهز، وعامل معاكى علاقة جامدة، علاقة من اللى بنغلَبْ نحاول نعملها مع العيانين وما فيش فايدة
د.ملك: آه بالظبط
د.يحيى: أهى دى نقطة كويسة جداً، شوفتى فايدة قلة الحضور، بيخلى مخك يفضل طازج (فريش)، ما اتلَعبْشِى فيه
د.ملك: آه
د.يحيى: آه إيه، إنت بتصدقى، بس بينى وبينك أنا قاصد اللى باقوله شوية، ما انت عارفة، ما انا باخلط الجد على الهزار عّمال على بطال عشان أوصل أى حاجة، عموما ، أنا متشكر جداً
حالة كويسة ومفيدة إن شاء الله
(يلتفت إلى بقية الحضور)
د. يحيى: حد شاف الحاله ديه غير ملك، يكون عاوز يضيف حاجة
د.مى: … أنا شفته أول مرة لما اتحجز من 6 شهور وكان برضه أول لما شفته بيشرح حالته بالوضوح ده، وبيرجعها للتاريخ ده، أنا مش فاكره أوى كانت إيه الحكاية بالضبط، واحترت برضه هوا المرض ابتدا إمتى ما دام هو قعد يشتغل ولا بيشتكيش كل المدة دى، يعنى حوالى تلاتاشر سنة بعد البداية اللى حكاها، وإيه اللى خلاه يفتكر وييجى دلوقتى ويقول أصلى عيان من المدة دى.
د.يحيى: إنت يا مى بتحضرى ليّا أكتر من ملك، ولازم سمعتينى كتير وانا باحكى عن حاجتين لهم علاقة بالحالة دى، أول حاجة ظاهرة “سبق التوقيت” ante- dating ، وتانى حاجة ظاهرة تعدد البدايات Multiple onsetsاللى هى مرتبطة برضه بالحاجة اللى سميتها أنا بداية البداية The onset of the onset ، والكلام ده مكتوب فى كتابى السيكوباثولوجى من سنة 1979
د.مى: أيوه انا فاكره حضرتك قلتها كتير، بس برضه لسه ……
د.يحيى: طيب، المهم دلوقتى أوضح النقطة الأولانية، لما عيان يقول المرض ابتدا من كذا، ويكون ده مش ماشى مع اللى قدامنا، احنا نعمل إيه؟ أولا: نصدقه، وبعدين نشوف هوا قصده إيه، أو احنا فهمناها ازاى، مرة جالى واحد هوسى باسأله إنت عيان من إمتى، قال ” من يوم ما اتولدت”، فهمت وضحكت وقلت له : أُمال خفيت من أمتى؟ قال لى من شهر ونص، وكان ده هو تاريخ بداية مرضه من شهر ونص، يعنى حدد البداية باللى بيسميه “أوتو رانك” صدمة الولادة Birth Trauma وحدد خففانه، لما اتخلص من اللى عملوه فيه من ساعة ما اتولد، يعنى لما اتجنن اعتبر نفسه خفّ، مش ده اللى انا قصدى عليه هنا بالظبط، لأه ، على فكرة العيان الهوسى القديم ده كان صادق فى اللى بيقوله تمام، ما كانشى بيهزر يعنى، وانا خدتها جد، زى عادتى، الحكاية هنا مختلفة طبعا، لكن قصدى أقول لكم إن العيانيين دول ساعات بيحددوا بداية المرض، مش من ساعة ما ظهر فى السلوك، لأه، ده من ساعة بداية العملية الإمراضية (السيكو باثولوجى)، عادة بعد ما يتكسروا يكتشفوا إنهم اتكسروا من جوه قبل كده بمدة، يعنى هوّا بيقدر يحدد بعد ما يعيا: هى الحكاية “حوّدت امتى“، حودت جوه جوه، حودت عن السكة الطبيعية بتاعة النمو، وبعدين فين وفين لما تظهر آثار التحويدة دى، فى شكل مرض، أو أى حاجة تانية، يقول أنا عيان من مدة كذا، مدة بعيد تمام عن البداية القريّبة، أو يقول أنا عيان من ساعة ما كذا حصل مش أنا قلت الكلام ده قبل كده؟ دا انا حتى بيتهيأ لى كتبته فى حالة من حالات النشرة؟
د. مى: أظن كده، أنا فاكره حاجة زى كده،
د. يحيى : حالة العيان بتاع النهارده ده برضه فكرتنى بحاجات تانية أنا اتعلمت منها حاجة لها علاقة بطريقة الحكى دى، زى ما يكون هوّه بيشوف العمليات العقلية المعرفية، كأنها بتحصل قدام عينيه، وبتتعرض بالسرعة البطيئة، كان أول مرة ألاحظ الحكاية دى ، أظن كانت سنة 1971، كنت بادرس للدكتورة زينب سرحان، ويمكن دكتورة سناء أحمد، كانوا لسه نواب، أظن كله أساتذة على المعاش دلوقتى، ياخبر الظاهر أنا كبرت خالص!! المهم ، كان دكهه عيان فصامى برضه، كان بيحكى عن صعوبة التفكير، كان بيقول إن السطر لما بيقراه بيخش بحاله ماسك فى بعضه زى سطور اللينوتيب الرصاص اللى كانوا ايامها بيطبعوا بيها الكتب بدال ما يجمعوا الكلمات حرف حرف، المهم العيان ده كان بيحكى ازاى بيبذل جهد، عشان الكلام يمتزج بمخه، يقوم يفهمه، بصراحة أنا أيامها أعجبت بالوصف جدا، وماكنتش مهتم قوى بتفسير إزاى السطر لما يخش حته واحدة يقوم هو يضطر يبذل جهد عشان يدخّله جوا مخّه، كنت لسه ما فتحتش ملف عملية شاغلانى اليومين دول ، قصدى عملية فعلنة المعلومات Information processing، إنما لما ابتديت اشتغل فى الحكاية دى، فهمت ازاى العيان ده كان بيوصف الجزء الأول من العملية دى، وازاى إنه كان عنده حاجز أو عملية تبطىء من أول الخطوة الأولى فى العملية دى، يعنى خطوة الإدخال Input ، قبل كده بمدة طويلة، وانا نايب سنة 58 زيّكوا كده، كنت باقرأ فى كتب الطب النفسى الوصفية الجميلة ، أعتقد كتاب هندرسون وجليبسى، قريت إن من أعراض الفصام صداعات بالرأس غريبة أو شاذة،encephalopathy Bizarre cephalic ، اللى خلانى أنتبه للحكاية دى، إن كان فيه عيان عندى ساعتها فى القسم مش عايز يخف، مابيتحسنشى، وكان بيشتكى من إن دماغه ناشفة، وإن فيها حاجة بتلقّ، وساعتها ماكنتش فاهم، إنما بعدين ربطت ده بده، أظن ده اللى خلانى وانا باقدم تطوير للنموذج الطبى الأشمل للطب النفسى[1]، أأكد على إنى أشرح وابيّن بنوع من القياس إن عملية “فعلنة المعلومات” هى زيها زى وظيفة الجهاز الهضمى والتمثيل الغذائى، وعشان كده استعملت تعبير “التغذية البيولويجية بالمعنى” فى كتاب السيكوباثولوجى بتاعى، وبرضه كان النموذج الهضمى التمثيلى موجود فى ذهنى وانا باحط نظريتى عن الأحلام، بس مديت فكرتى للقياس بعملية الهضم عند الحيوانات المجترة، يعنى زى الحيوان ما بيخزن الأكل اللى دخل معدته بسرعة فى مخزن يرجع له ويرجّعه لما يلاقى فرصة للمضغ الأكثر فاعلية بحيث الغداء يبقى جاهز أسهل للامتصاص والتمثيل الغذائى الظاهر إن الأحلام – بالقياس – بتقوم بنفس الوظيفة، يعنى أثناء نشاط الحلم الدورى (غير اللى بنحكيه) إننا بنرجع المعلومات الزحمة، عشان نمضغها تانى ونرتبها عشان، تسهل تمثليها وترتيبها فى المخ.
أنا حاسس إنى طولت شوية، بس المدخل ده ضرورى عشان نعرف نفهم العيان ده بيقول إيه، وبيوصف إيه، المفروض إننا كل ما نسمع حاجة ما نفهمهاش من عيان، نركنها على جنب، يمكن ييجى لها يوم تلاقى مطرحها الصحيح فى اللى جارى، يعنى دلوقتى إحنا سنة 2009، وانا باحكي لكم على عيان سنة 1958، وواحد تانى سنة 1971، وأديكو شايفين المسائل بتتربط فى بعضها لوحدها، ما دام نتعلم ازاى ما نستعجلشى لازم نأخد بالنا ونتعلم الصبر والتأجيل، بدال ما بنحشر إللى احنا مش فاهمينه، فى اللى احنا عارفينه وخلاص، كده إحنا بنظلم المعرفة، عارفين أنا بافهم فكرة الإيمان بالغيب ازاى، حاجة زى كده، الإيمان بالغيب مش تسليم للخرافة، ده احترام لفاعلية وأهمية وضورة اليقين باللى احنا مش عارفينه، مع فتح الباب بصبر معرفى ما لوش حدود، يمكن نعرفه فى يوم من الأيام.
نرجع يا ملك للعيان بتاعك بقى، إنتِ شايفة فيه أى علاقة بين اللى انا باقوله، وبين استغرابك لوصف العيان حالته، واللى كان دافع إنك تقدميهولنا النهاردة
د.ملك: حاسة إن فيه علاقة، بس مش قادرة أحددها قوى.
د.يحيى: أعيد الفكرة اللى انا قلتها فى الأول، إن العيان بتاعك بيرصد العمليات العقلية، والمعرفية بالذات، خصوصا بعد ما عيِى، وكأنها بتجرى قدام عينيه بالسرعة البطيئة، ولما حانقابله، يمكن تبقى فيه فرصة نناقش معاه جملة جملة من كل اللى قاله ونعرف أكتر، العيان ده شايف مخه، شايفه بيشتغل إزاى، بعد ما عيى، يعنى هو شايف الباثولوجى اللى جارى، وببيشرحه زى ما بيحصل بالضبط.
د.ملك: ده شَرَح لى كمان حاجات بس ماعرفتش أقولها إزاى
د.يحيى: طبعاً، دا عايز مترجم فورى ناصح، ما كتبتيش اللى قاله كله ليه؟
د.ملك: أصله قال لى كلام يعنى ما كنتش حاسة بأهميته، بس دلوقتى شايفه إنه يمكن كان مهم، يعنى مثلاً قال لى: “إن مخه ده أكن كوافير بيعمل لواحده شعرها ، فبيشد، فلما بيشد الشعر هى بتتوجع”،
يعنى بيقولى كلام أنا مش عارفه حتى أعيده
د.يحيى: الله يسامحك يا شيخه، طب ليه ما كتبتيهوش، مش ده أهم من الهبل اللى عمالين يدوشونا بيه عن فتافيت الكيميا عشان يكسبوا فلوس والسلام ، ويقولوا علم، والله العظيم ربنا حايحاسبنا على الجريمة اللى جارية إذا احنا استسملنا للى بيعلوه فينا وهما بيمنعوا الدكاترة الصغيّرين بالذات من أنهم يشوفوا العيانين ويسمعوهم بحق وحقيق، أنا شايف إن شوية شوية حاتلاقى الدكاترة اتقلبوا أدوات تسويق عاجزة عن التفكير من أصله، كل ما يبصوا لعيان يقلبوه شوية كيميا زيادة، وكيميا ناقصة، يا شيخة!!! الدكتور منا حايبقى بعد كده “مندوب مبيعات” هما بيبرمجونا بالبوفيه المفتوح واللوكاندات والسفريات عشان ما نسمعشى العيانين بيقولوا إيه، ولا بيعيشوا خبراتهم ازاى، أول ما العيان ينطق نروح مترجمينه للى إحنا عارفينه، أو حافظينه، ونروح مدَيينه اللى هو مكتوب وجاهز، ده مش علم، العيان بتاعنا ده مثلا بيقول لك اللى حصل له، يبقى هوا اللى حصل له، لا أكثر ولا أقل، والعيان بتاعنا ده نفسه بيعترف بإنه مش قادر يوصف اللى جارى، نروح احنا ناطين ومادين إيدنا على أقرب كلمة على الرف، ونلزقها على قفاه، اللغة يا بنتى أعجز من إنها تستوعب الخبرة، فما بالك إنها توصَّلْها،
نيجى نقف عند اللى أنا بعلمهولكم بقى، إحنا لازم ناخد كلام العيان زى ما هو الأول، قبل ما نعمل الترجمة الفورية اياها دى، مش معنى كده إن كل مريض تنفع معاه الحكاية دى هى هى بالظبط، لأ طبعا فيه وفيه، دا فيهم ناس بيقولو أى كلام، زينا بالظبط، قصدى زى الناس العاديين، مش قصدى، إنتو فاهمين بقى، يعنى بيقولوا كلام أى كلام، لو تحسبوها تلاقو الناس العاديين هما اللى بيقولوا أى كلام وخلاص، إحنا بنبدأ مع العيان بأخد الموضوع جد ، ولازم كل عيان ناخده بشكل يختلف عن التانى، أنا بقالى 38 سنة ما بين ما شفت العيان بتاع صف الرصاص اللينوتيب، وهو بيحزق عشان يزق سطر الرصاص عشان يمتزج بمخه، وما بين عيانك ده، أديكى شايفه، يا دوب بعد 38 سنة باحاول أرّبط، ده لأنى الظاهر اتعلمت أحط المعلومة الغريبة بين قوسين واستنى عليها لحد ما تلاقيلها حتة أحطها فيها، وأعتقد إن اللى خلاكى تنبهرى بالعيان ده هو الجهل المندهش بتاع الصغيرين، يعنى الجهل ده ميزة جميلة جداً، بسبب جهلك الحلو ده روحتى منبهرة ومصدقه وسامعه وكاتبه، ولو انك ماكتبتيش كل حاجة، عموما، اللى كتبتيه كفاية، بس احنا نشتغل فيه، ثم انتِ ما لاحظتيش إنك لما قلبتى الكلام انجليزى فى المشاهده (الشيت) باظ ، اتبهدل، بقى قبيح جداً ، وحتى لو قلبناه لغة عربية فصحى مش حايأدى نفس الوظيفة،
أنا شايف إن اللى انا سمعته من العيان ده، قصدى اللى انت كتبتيه يعنى ، كل كلمة حا يثبت إن لها دلالاتها غالبا، أنا مش عايز أبالغ، إنما أنا حاسس كل جملة قولتيها فى الصفحتين الأولانيين من كلام العيان لها دلالتها، (يمكن الرجوع إلى نشرة أمس) دا بيوصف الشق اللى حصل فى مخّه من تلاتاشر سنة كإنه بيوصف عملية قطع الجسم المندمل Corpus colostomy ، إنتو عارفين إن فيه نظرية لتفسير الفصام إنها نوع من الفصل الوظيفى بين النصفين الكرويين، زى العملية الجراحية دى بالظبط بس من غير عملية، إنتو خدتوا بالكم من الخواجة كرو Crow اللى جابه الدكتور عماد فى مؤتمرنا الأخير هنا، الراجل ده راجل عظيم، ولو انه مخنوق يا عينى بالمنهج الخوجاتى، إنما قال كلام مهم جدا، مش عارف إنتو فهمتوه ولا لأه، وفهمتوا تعليقى على اللى قاله ولا لأه، المهم الراجل ده ربط الفصام بتطور المخ البشرى، وخصوصا تمييز عمل النصفين الكرويين عن بعضهم، وقال إن النقلة دى، لما المخ الشمال (أو الطاغى والسلام) ابتدأ يختص باللغة والرموز، واليمين يختص بالأشكال والخبرات الكلية والكلام ده، حصل تباين وتباعد، لأن اللغة فى شكلها الرمزى السائد أعجز من إنها تستوعب الخبرة الكلية، فأصبح البنى آدم العاقل Homo-sapiens معرض للانشقاق ما بين اللغة، وما بين الخبرة، فلو زاد الانشقاق حبتين، تبقى المسألة بتقرب من الفصام، ده اللى انا فهمته على قد ما قدرت، وأنا رأيى إن الأحلام بتعوض الحكاية دى شوية، زى ما يكون النصف المتنحى بتاع الصور والألحان والكلام ده بياخد حقه شوية أثناء نشاط الحلم اللى هو أغلبه تصويرى ، يقوم يحصل تقارب ولو بالتناوب، يعنى كل نصف كروى ياخد فرصته، عشان يبقى فيه إمكانية للتكامل بأى درجة، أو على الأقل السكة تمشى فى اتجاه القرب مش الفصم.
أنا متأسف الحالة بتاعتك دى كويسة جداً فاعشان كده المقدمة اللى انا بامهد بيها لمقابلته كانت طويلة شوية، يمكن من خلالها نقدر نفهمه أكتر حبتين.
د.ملك : هو فعلاً يادكتور هوا كان بيحاول يشرح لى، وأنا اللى ماكنتش فاهمه وماكنتش عارفه أكتب اللى بيقوله حتى
د.يحيى: إنتى عندك حق، بس برضه عملتى شغل كويس أوى أوى، أنتى عندك حق ، من كتر ما الحالة دى بتخلينا نشوف قد إيه شركات الأدوية بتبعدنا عن العيانين بتوعنا، وعن العلم الحقيقى وعن المعرفة، أنا مش عايز أرجع أهاجم الناس اللى سبقونا دول وبقوا أوصيا علينا بالشكل ده ، أنا باحترمهم لكن الظاهر إنهم بقوا ضحايا زينا لغول اسمه الفلوس، الفلوس بقت عاملة زى ما تكون استقلت عن البنى آدم وركبته، دى ركبت حتى اللى بيجمعها نفسه، أنا شفت فيلم قريب عن نوادى القتل، أو القتال Fight Clubs بصراحة بيعرى ازاى الإنسان فى أحدث الدول اللى بتقول إنها متحضرة بقى سلعة بشعة، أظن اسمه “فى الممنوع” هى ترجمة غلط، الاسم الصح “خارج القوانين”، لو شفت المتصارعين أو الملاكمين، اللى فى الفيلم تلاقيهم ياعينى مش بنى آدمين، زى الديوك اللى بيتقاتلوا لحد الموت، دول لا بيتصارعوا ولا بيتنيلوا نازلين ضرب فى بعض من غير قواعد ولا قوانين ولا حكم ، بطل الفيلم وزميله، اللى بقى صاحبه، كانوا بيتقاتلوا فى حمام سباحة فاضى على البلاط بعد ما شالوا السلالم، فزع إيه ده!! دى مقتلة مش مباراة، لحد ما الواد موت صديقه عشان شوية فلوس، والناس اللى بتتفرج عماله تضحك وتشرب بيرة وما ترضاش حتى تشيل المحتضر، والجدع صاحبه اللى موّته غصبن عنه عمال بيصرخ، تصوروا ساعتها افتكرت شركات الدواء، ده كله مع إنكم عارفين قد إيه أنا باستعمل وحاستعمل الادوية خصوصا الرخيصة العظيمة، قبل ما الشركات تنسعر وتسحبها لحساب الدوا الفِشَار الجديد اللى بمئات الجنيهات، المصيبة إن النوادى دى فى البلاد المتحضرة دى غير مشروعة، ومع ذلك المسألة ماشية وعمالة تزيد، زى ما تكون المافيا اللى بتديرها بقت فعلا أقوى من الحكومات، لازم فيه تواطؤ مع رجال الأمن والسياسة والحرب أظن هى نفس المافيا، اعوذ بالله………….
إحنا دلوقتى لما بنشوف عيان زى ده ونطنش كل خبرته، ونركز على جزئيات الكيميا والبلابيع، يبقى بنشارك فى ترويج العما والدمار اللى حايودّينا فى داهية، وبالإضافة: احنا كده بنحرم نفسنا من المعرفة، وبنحرم العيان من العلاج، أنا أكتر واحد فى مصر باستخدم كهرباء ودواء رخيص وبسيط، وحاقعد كده لحد ما لا قيش الدوا الرخيص، لأنهم لازم حايدفعوا كام مليون عشان يسحبوا الدوا الرخيص من السوق، أنا الدوا فضله علىّ خلانى ما اخافشى من العيانين، أقوم أقرب أكتر، وأفهم أكتر، إنما لما يكون الدوا بيخليك تبعد عن العيان أو ما تشوفوش من أصله، يبقى لأه بقى، إحنا يا بنتى حوّنا على السياسة كده ليه بقى؟
الحقى إندهى لنا العيان بقى الله يخليكى
* * *
الحلقة الثالثة :
المقابلة الأولى مع المريض الثلاثاء القادم.
[1] – Expansion of the Concept of Medical Model in Psychiatry Editorial