الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عودة إلى نشرات الإشراف على العلاج النفسى: (التدريب عن بعد): الإشراف على المعالج أيضا

عودة إلى نشرات الإشراف على العلاج النفسى: (التدريب عن بعد): الإشراف على المعالج أيضا

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء13-10-2015

السنة التاسعة

العدد: 2965

عودة إلى نشرات الإشراف على العلاج النفسى:

 (التدريب عن بعد):

مقدمة:

احتج كثير من أصدقائى الأصغر(1) على أن يحتل ملف “الأحلام” أربع أيام فى الأسبوع، وهو موضوع لا نلقاه كثيراً فى الممارسة الإكلينيكية اليومية، وحتى إذا طرحه المرضى فإن الأطباء والنفسيون والمفسرون يتناولونه بكل ما تحفظنا تجاهه، أعنى بالبحث عن رموز ومحاولات التفسير على أى مستوى…الخ. وحين سألتهم (الأصدقاء!!) عن البديل كانت إجاباتهم واقعية ونفعية، وذكرونى بسلسلة من النشرات كنت أحبها وأهمها نشرتان: كنت أفرح بالنشر فيهما لما تحملان من رؤى وكشف وتوجهات عملية، تعرفنا على النفس البشرية من واقع الحال، وأيضا تفيد الجميع (وخاصة الأصغر فى الممارسة اليومية والتقدم فى المهنة).

هذان البابان هما: “التدريب عن بعد”، وهو الذى نعرض فيه عينات من الحوار الذى يجرى فعلا أثناء جلسات الإشراف على العلاج النفسى.

أما الباب الثانى فهو: “حالات وأحوال”، الذى نعرض فيها حالة واقعية بأبعادها وأعراضهما المرتبطة بثقافتنا خاصة، وكان أهم ما يميز هذه الحالات هو تناولها من المنظور السيكومْراضى،(2) مثل: (عصام يعلمنا الفصام)(3)، نشرة:4-11-2007،  5-11-2007، وهذا أيضا من صلب وعمق اهتماماتى.

 ولمّـا كانت هذه الحالات لا يمكن أن يقدمها غيرى مهما كانت مسجلة صوتا وصورة لما تحتاج إليه من شرح وتحديث لابد أن أكمله أنا شخصيا عند النشر، فقد وجدت أن هذا الباب أولى فعلا بأن يعود إلى موقعه.

 لكل ذلك، وبدءًا من اليوم سوف أخصص هذين اليومين: الثلاثاء والأربعاء، لهذين البابين، لكن لتسمحوا لى ألا يكونا بإلزام محكم، بمعنى أننى سوف أنشر ما يجهز عندى فور حضور موعد النشرة حتى لو نشرت الإشراف يومين متتاليين (مثل اليوم وباكر) وكذا حالات وأحوال.

الإشراف على العلاج النفسى (93)

الإشراف على المعالج أيضا

12-5-2009(4)

د.نجوى(5): هى عيانه يا دكتور يحيي عندها 23 سنة، باشوفها بقالى 5 أشهر هى الأولى من 3 أخوات، مهندسة، هوا أنا ماعنديش سؤال معين للحاله، هىّ المشكله مع البنت دلوقتى فى الموقف الشخصى بتاعى معاها، هى البنت زى ما قلت لحضرتك عندها 23 سنه أنا مش عارفه هو حضرتك كنت حولتها لى، وأنا ماكنتش موجوده حتى أنا سألتها هوّا الدكتور يحيى حولك ليه قالت لى عشان الزهق

د.يحيي: زهق؟!

د. نجوى: هى ما رضيتش تقول غير كده

د.يحيي: وبعدين؟

د. نجوى: المهم قعدت أتكلم مع البنت وأعرف عنها حياتها وكده، هى بنت كانت ملتزمه جداً، أمها توفت وهى فى إبتدائى فحملت مسؤلية الأسرة كلها، وكبرت على كده، ما تعرفش تعمل حاجة غير إنها تذاكر وبس، وأنها تدير البيت

د.يحيي: هو دلوقتى وضعها أيه دلوقتى وهى عندها 23 سنة؟ إتخرجت؟

د. نجوى: أيوه، إتخرجت وبتشتغل

د.يحيي: بتشتغل إيه؟

د. نجوى: بتشتغل مهندسة، حصل فى الفتره اللى قبل ما تيجى أنها كانت ملتزمه جداً مالهاش أى علاقات عاطفيه خالص، أول ما سابت الكليه وأبتدت تشتغل عرفت واحد أكبر منها بحوالى 15 سنة، وهى اللى راحت قالت له إنها بتحبه، وعايزه تتجوزه ومرتبطه بيه جداً، قعدت معاه حوالى 7 أشهر، هو راجل يعنى قعد يلعب بيها جامد جداً، ماحصلش بينهم أى حاجه غير مصافحات وطبطبة وكلام من ده.

د.يحيي: وهو متجوز؟

د. نجوى: أه، وهى كانت عارفه أنه متجوز

د.يحيي: ومخّلف ؟

د. نجوى: مخلف أه، عنده بنتين

د.يحيي: قولتى هو عنده كام سنة

د. نجوى: هو أكبر منها بـ 17 سنة

د.يحيي: يعنى بتاع 40 سنه

د. نجوى: أه، وهوّا كان زميلها فى الشغل، كان مهندس معاها وكده، هى البنت سابت الشغل ده، وراحت شغل تانى وكده، وتقريباً بعد النقلة ديه جات لحضرتك، وبعدين حضرتك حولتها لى، قعدنا نتكلم فى العلاقة دى وكده، وهى مصممه من جواها إنها بتحبه ومش قادره تنساه، وأن هو كل حاجه فى حياتها وفى نفس الوقت هو مش عايزها، يعنى هى قاعده تجرى وراه رغم إنها ملتزمه جداً وبتقول إن هو اللى غيرلها أسلوب لبسها، وغيّرلها حاجات كتير فى حياتها، بس فى الحاجات اللى هوّا شايفها وهيه مشتركة معاه فيها وخلاص، أنا حاولت أشتغل معاها فى الجزء ده أنها تكون لها أنشطه ويكون لها علاقات بره وكده، ماحستش إن الشغل جاب معاها نتيجة، ومع الوقت رغم أنها مستمره فى الجلسات بشكل منتظم جداً وبتيجى.

د. يحيى: مش ده معناه إنها بتتحسن

د. نجوى: غالبا، بس مش باين، خصوصا فى عواطفها دى

د. يحيى: وبعدين؟

د. نجوى: وبعدين مع الوقت كان بيتقدم لها ناس كانت شويه بترفض، وشويه بتشوف وكده، أخر واحد اتقدم لها كان زميلها فى الكليه من أيام الكلية إتقدم لها وكده، وحسيت أكنها بتطلب منى إنى أنا أوافق إنها تخرج معاه، حاجة غريبة بصراحة أنا استغربت، بتاخذ الإذن منى أنا بالذات ليه؟

د.يحيى: مش هى خرجت مع الراجل الأولانى؟!

د. نجوى: أيوه، هو ده الراجل الوحيد اللى خرجت معاه

د.يحيي: وكانوا بيعملوا الحاجات خفيف خفيف كده  زى ما قلتى؟

د. نجوى: أه

د.يحيي: فين

د. نجوى: فى العربيه

د.يحيي: بس

د. نجوى: أه

د.يحيي: مش فى بيت يعنى؟

د. نجوى: لأه لأ خالص وحاجات بسيطه جداً يعنى

د.يحيي: وهى كانت عاوزه تعمل كده مع زميلها اللى حايتقدم لها ده؟ ولا خايفة من ده؟

د. نجوى: هى كانت عاوزه تخرج معاه وخلاص

د.يحيي: طيب هو مش جاى يتقدم لها

د. نجوى: بس هو عايز يخرج معاها يعزمها على الغداء يروحوا النادى كده

د.يحيي: يعنى تمهيداً للخطبه

د. نجوى: أه، وهى مش موافقه بتقولى ما هو حرام

د.يحيي: أمال التانى هوه اللى حلال؟!

د. نجوى: أنا حاولت أتكلم معاها فى النقطه ديه قالتلى ما هى غلطه وخلاص

د.يحيي: خلاص أيه هى مستمره ولا بطلت؟

د. نجوى: لأ، هى وقـّفت خلاص

د.يحيي: هى معاكى بقالها 5 أشهر، مش كده، مـِوَقـّفـَهْ العلاقة دى بقالها قد إيه؟

د. نجوى: هو اللى سابها من حوالى 5 أشهر برضه

د.يحيي: إزاى؟

د. نجوى: يعنى هى جت لحضرتك بعد انتهاء العلاقه، المهم حصل أن كان عيد ميلادها قريب، فالجدع اللى عايز يتقدم لها ده كان عازمها على عيد ميلادها عشان يقول لها إنه عاوز يخطبها، فهى قعدت تتصل بيّا فى اليوم ده تقريباَ أكتر من 5 مرات عشان أنا أوافق أنها تروح تنزل تقابله، وكانت بتقول ماهو أنزل أقابله طب ما هو حايخطبى، وأنا بقولها إعملى اللى أنتى عايزاه، فكرى ونقرر فى الجلسه الجاية، قالت لى، لأه لازم إنتى اللى تقولى لى، فحسيت إنى أنا من جوايا مش موافقة انها تنزل تقابله

د.يحيي: ليه؟

د. نجوى: ما هو غلط

د.يحيي: هوّ ايه اللى غلط بالظبط، غلط دينيا، ولا علميا، ولا أخلاقيا، ولا مهنيا، ولا ثقافيا.

د. نجوى: لأ، لأه، لو سمحت حضرتك واحده واحده، ده إحساسى وخلاص

د.يحيى: أنا آسف، وبعدين؟

د. نجوى: وبعدين حسيت إن أنا كده باتدخل، يعنى فيه جزء منى مشارك إنى ماشيه معاها فى إطار مش صح أوى، فبقيت مش عارفه أعمل معاها إيه، وهى مصممه تاخد الموافقه منى بوضوح

د.يحيى: بصراحة أنا باشكرك إنك رصدت نفسك وبتحكى عن مشاعرك وموقفك، وتعبير “جزء منى” ده كويس وبسيط وعلمى كمان، ما هو الإشراف الصحّ هوّا إشراف عليكى وعليها، زى ما انتى بتشرفى على نفسك كده حتى قبل ما تعرضى الحالة، شكراً

د. نجوى: طيب، وأنا أعمل إيه؟

د.يحيي: ما هو يا بنتى لازم نحسبها من كذا زاوية، يعنى بالنسبة لمجتمعها وأسرتها وقيمهم، وبالنسبة لشخصيتها، بالنسبة للخبره المنيّلة اللى فاتت، وبالنسبة لاحتياجها، وبالنسبه لشخصية الجدع الجديد ده ومدى جديته، المجتمع بتاعنا ده مجتمع غريب جداً، مارسيش على منظومه عامه من القيم فلازم كل حالة تتقاس بمقايسها الخاصة، مادام مافيش مقاييس عامة، ولازم تخلى بالك، وانتى شاطره لاحظى أن أنا قلت “بمقايستها“، مش “بمقايسك انتى“. وماتنسيش من حيث المبدأ الكلام اللى بنقعد نقول ونعيد فيه طول الوقت واحنا بنتكلم عن صعوبة العلاقات البشرية، وصعوبة عمل علاقة حقيقية، وازاى البشر يقدروا يعملوها برغم الاختلاف، يعنى الكلام الكثير اللى بنقوله وبنكرره، إنما نيجى نقيسه ونطبقه: نلاقى إن الحكاية شديدة الصعوبة، وماتنسيش اختلاف الثقافات الفرعية بالعرض وبالطول: يعنى المجتمع بتاع الزمالك غير بتاع جاردن سيتى، غير بتاع عزبه القصيّرين، غير بتاع الدرب الأحمر، غير بتاع حارة السكر واللمون، غير بتاع بنى سويف، وبتاع بنى سويف غير بتاع الفيوم، مع إنهم على خط عرض واحد!! غير بتاع قنا، ده بالعرض، وبالطول، برضه الاختلاقات زى ما انتى عايزه: احنا ما نعرفش الدنيا ماشيه ازاى دلوقتى مقارنة بعشرين أو خمسين سنة فاتوا، هو أيه اللى بقى مسموح بيه وأيه اللى ما بقاش؟ إيه حدود الجواز العرفى وايه حدود الخطوبة الأيام دى؟ وبصراحه كمية عدم المعرفة وعدم الإحاطة فى مجتمعنا عمالة بتزيد، ومانقدرش غير أن إحنا نجرب بحذر، يعنى إزاى أقول لأه على طول الخط للبنت دى أقوم ألاقى نفسى بأقلل من فرصتها، وهى عندها كل الاحتياج ده اللى بهدلها مع الجدع الأولانى، وعماله تذل نفسها مع راجل هو اللى بيزقها ويقول لها لأّه، واحنا إيه اللى عرفنا: ما يمكن الواد الجديد ده طيب ويديها احتياج من نوع معين أرقى شوية تحت إشرافك وانت قايمة بدور الأم والأب كمان وحاجات كده، يعنى أظن علينا إننا نغامر فى حدود المسؤلية والحسابات واحدة واحدة مع التأكيد على استمرار الثقة مع اللى بيثق فينا من غير ما نفرض رأينا مرة واحدة: إنتى إيش عرفك ما يمكن يطلع الواد كويس، وإن ماطلعش يبقى اتعلمت حاجة جديدة وهى معاك تتعلم برضه، الواحدة ممكن تشوف عشرة ويطلع منهم واحد كويس، بس ما نستعجلشى، والبنت لسه صغيرة، ولسه فرصها بتتحسن، إنما لابد إن إحنا نبدأ من موقف عملى واقعى موضوعى، يعنى مادام مابنعرفش يبقى نعرف أكتر ونسأل ونراجع ونتعلم

د. نجوى: إزاى؟

د.يحيى: لو كنا عايشين فى زمن أو مجتمع من اللى بيقولوا عليه حر، مثلاً فى باريس فى السويد أو أى حاجة من الكلام ده، كنا نعرف نحسبها أحسن، هناك كل حاجة محسوبة، يعنى تبقى وزيره وتخلف وماتعلنش عن أبو أبنها ولا يحصل حاجة، ولا تترفد ولا يشهروا بيها فى الجرايد ولا أى حاجة، فدى مجتمعات بقى ليها شكل محدد، إحنا مالناش دعوة إذا كان الشكل ده صح ولا غلط، مالناش دعوة إن كان ينفعنا ولا ماينفعناش دلوقتى، احنا نحسب حسبتنا إذا كان ده يليق بنا، وبالذات بفلانة دى بالذات فى الوقت ده، بالذات فى الموقف ده بالذات.

 وارجع فى الآخر أفكرك بأنها حِـسْـبـِِتـْها هى، وانت بتسنديها وواقفة جنبها، مش حِـسْـبِـتك إنتى، وانتى خايفة، وحاجات تانية.

[1] – هم أصدقاء بداخلى أساسا !!

[2] – Psychopathological

[3] –  شجعنى الرائد القوى أ.د. على زيعور، على عدم التردد فى ادخال الكلمات الجديدة المضغمة – مهما كانت غريبة – إلى اللغة العلمية النفسية، شكراً له وصبراً علىّ

[4] – يلاحظ قدم التاريخ، وهذا مقصود، وواقع.

[5] – كما أن اسم المعالج المتدرب ليس هو الاسم الحقيقى، وبعض التفاصيل بالنسبة للعنوان أو محل الإقامة مثلا متغيره أيضا،  بما لا يؤثر فى هدف النشر والاشراف والتوجيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *