“نشرة” الإنسان والتطور
21-1-2009
السنة الثانية
العدد: 509
عودة إلى عينة من ألعاب العلاج الجمعى
كيف يشفى السليم؟
وكيف يخاف المريض الشفاء؟ (2 من 4)
تعليق مبدئى فى المجموعة أساسا، وفروض محتملة
مقدمة:
مجرد أن يتطوع شخص سليم، بما فى ذلك أن يكون معالجا، بتمثيل أو تصوّر أو مجرد ترديد تعبير “أنا لو خفيت….إلخ ” نشرة (أمس) (كيف يشفى السليم وكيف يخاف المريض الشفاء “1-4”)، فإنه يبدو وكأنه يقر ضمنالنفسه، أو للمخاطَب، باحتمال أنه – من بعيد لبعيد – يحمل مظنة المرض بشكل أوبآخر:
- سواء كان مرضا كامنا
- أو احتمالا واردا
- أو ظاهرة ليس لها اسم، لكنها تتداخل مع ما هو “مرض” بشكل ما
تساؤلات
المناقشة التى دارت بعد اللعبة مباشرة كانت استثناء، من وجهة نظر علاجية، ذلك أنه ليس من المألوف ولا من المستحسن أن نناقش نتائج لعبة ما، وكل ما يُطرح – عادة – بعد أية لعبة، هو سؤال عما إذا كان قد وصل لأحد المشاركين – مرضى ومعالجين– أى جديد يختلف عما كان يعتقده سابقا حول موضوع اللعبة، سواء كان ما وصله هو من خلال أدائه شخصيا، أم من خلال ما شاهده فى أى من المشاركين، مرضى ومعالجين أيضا، ونحن لا نطلب من أحد – مريضا أو معالجا – أن يذكر ما وصله، يكفى أن يقول، أو يشير إلى أنه قد وصله أى جديد يختلف عما بدأ به اللعبة أو عمّا قبلها، ولكن من يريد أن يذكر ما وصله لا نمنعه.
فى هذه الجلسة، ولسبب سأذكره لاحقا، ناقشنا نتيجة اللعبة بشكل غير مألوف.
وفيما يلى بعض التساؤلات التى خطرت لنا من خلال هذه الخبرة، كأمثلة:
- لماذا لعب الأطباء “أنا لو خفـّيت” وهم أسوياء ومعالجون؟
- لماذا لم يستعمل أى من الطبيبات المتدربات النور الأحمر (حق الاعتذار عن المشاركة) (1)، وهن من حقهن أن يعتذرن تلقائيا
- لماذ بدا أغلب المرضى أقل تلقائية مما توقعنا، فيما عدا “أحمد”، وهو الذى أدى التفاعل الباكر معه إلى ابتداع اللعبة، وإلى درجة أقل أمانى؟
- هل أظهرت اللعبة جديدا فعلا خاصة فيما يتعلق بـ”مفهوم المرض”، خاصة عند صغار المتدربين، وأيضا عند واحد من المعالجين القدامى (المدرب)؟
المناقشة التى دارت أثناء – جلسة العلاج الجمعى – بعد اللعبة مباشرة
د.يحيى: كتر خيركم، طيب أنا عاوز أسأل اللى مش دكاترة بالذات، دى حاجة كده مش للعلاج بشكل مباشر، بس هى يمكن تفيد، عايز أسأل: إزاى الدكاتره لعبوا اللعبة دى وهمّا باسم الله ما شاء الله دكاترة مية مية، إحنا أربعة رايحين جايين بنعالج العيانين، مش دى شغلتنا!؟! إزاى يرضى الدكتور المعالج يقول كده ببساطة يقول: أنا لو خفيت؟ هو عيان عشان يخف؟ يبقى تيجى ازاى؟ أنا باسأل السؤال ده الأول لزملاتنا اللى مش دكاترة، العيانين يعنى، يا ترى فيه حد استغرب وسأل نفسه إزاى احنا يا دكاترة جت لنا الشجاعة إن احنا نغامر نقول “لو خفيت”، صحيح هى لعبة وكل حاجة، لكن برضه، اللعبة مش لعبة زى ما انتو عارفين، إحنا بقينا (قدامى)، والحركات دى اتفقست شوية..
سمير: ما هو التعبان حايحس بنفسه إنه هو تعبان علشان كده حايصارح باللى جواه
د.يحيى: ده التعبان، لكن أنا باسأل عن الدكتور، وكنت متوقع بصراحة إن الدكتورات، ولو حتى أى واحدة منهم، تقول: لأَّه، حاقولها بأمارة إيه؟ …، هو انا عيانة؟ وانتوا عارفين إن ولا واحدة فيهم ولّعت النور الاخضر لسّه (أنظر الهامش 1)، يعنى كل واحدة لسه من حقها تعتذر وتولع النور الاحمر
أحمد: (وهو الذى كان السبب فى ابتداع اللعبة، برجاء مراجعة نشرة أمس) (كيف يشفى السليم وكيف يخاف المريض الشفاء “1-4”) أنا كنت مستغرب
د.يحيى: كتر خيرك، أنا كنت باسأل عن الاستغراب ده بالذات، يمكن يساعادنا ويساعدك تشوف البنى آدمين زى ما ربنا خلقهم، إنت مستغرب؟ مش كده؟ أهوه ده اللى انا كنت متوقعه، وكان نفسى حد يقوله من غير ما اطلبه، بصراحة الفضل يمكن للدكتورة دينا طاهر، هى اللى كانت شجاعة وتلقائية، ويمكن هى اللى شجعت زميلاتها، وما فيش ولا واحده استعملت حقها فى النور الاحمر. إيه رأيك يا صفية، الدكاتره عملوا كده ليه؟
صفية: علشان يشجعونا
د.يحيى: يا شيخة!! دا يبقى لعب عيال، دا لو دكتور عمل كده، يعنى بيتصنّع علشان يشجع العيان يبقى كذاب، ولو هوا كذاب مش حا يعالج، لو فيه دكتور بيكذب وبيعمل حركات علشان قال إيه يساعد عيان يبقى لا بيساعد ولا نيلة، بصراحة مايبقاش دكتور بحق وحقيقى، ولاّ أقول لك: ما يبقاش صنايعى زى ما بنتعلم هنا، إنتِ شوفتى حد فى الدكاترة هنا كان باين عليه إنه قصده يساعد حد وهو بيلعب، ولا زىّ ما كلنا شفنا كانت زنقة بحق وحقيق لكل دكتورة وهى بتلعب، وكان باين الصعوبة والحرج، مش خدتى بالك يا صفية من الصعوبة وازاى كل واحدة، وانا برضه زيهم، أتزنقت ولقيت صعوبة وبعدين قايست واعتمدت على ربنا ولعبت، بالذمة لعبوا عشان يساعدوكوا ازاى بقى؟ بالتصنع؟ الصنعة صنعة، مش إنى ألبس كرافته علشان تقولى البيه الدكتور حايخففنى، الدكتور شخص عادى، لحم ودم، ربنا خلقه وماعندهوش يافطه إنه دكتور، وفى نفس الوقت ولا حد فى كل الدكاترة هنا متعطل، ولا فيه ريحة أيها حاجة عندهم إسمها عيا، كلهم باسم الله ما شاء الله شغالين وملتزمين وبيضحكوا ويزعلوا وفل الفل، ومع ذلك لعبوها، يا ترى ليه، أنا نفسى أسمع رأيكوا فينا بصراحة، ما انتوا شايفين طول الوقت نشيل الحاجز اللى بينا، إن ده عيان وده سليم وده دكتور، لحد دلوقتى أحمد هو الوحيد اللى وصلنى استغرابه، وأنت يا سمير؟ تفتكر ليه الدكاترة قايسوا ولعبوها، قال إيه: أنا لو خفيت، ما اعرفشى إيه؟
سمير: لو قلت زى صفية عشان يساعدونا، إنت قلت دلوقتى المساعده مابتنفعش
د.يحيى: آه، أنا لو اتصنعت عشان أعمل نفسى عيان وحاخف، عشان اساعدك، حاحس إن أنا باحتقر العيان، يعنى أعمل حاجات مش عندى علشان أساعد عيان؟؟ لأ يفتح الله، العيان حايحس إن انا باستهين بيه
سمير: إنت بتعّرف اللى قدامك إيه اللى جواه وبتعمل حاجة عشانه.
د.يحيى: أيوه، مش معنى كدا إنى ابقى أنا مش أنا، أو أعمل حاجة عشان ترضيه وخلاص، ده مش علاج ده، أنا أعمل اللى موجود بمسؤلية وخلاص، يعنى الصنعة تاخد حقها، والنتيجة الصح صح، هى اللى بتوجهنا، وبعدين ربنا يسهل، ما تقول يا ممدوح ليه يا ممدوح فى رأيك الدكاترة قالوا لو خفيت، لو خفيت؟ هما عيانين يعنى عشان يخفوا؟
ممدوح: ما اعرفش هما قالوا كده ليه .
د.يحيى: طب فيه حد يقول لو خفيت إلا لما يكون عيان!! ودى الحاجة اللى استغرب لها أحمد، مش كده؟
سمير: مافيش حد مش تعبان يا دكتور
د.يحيى: لأه، المسألة مش تعبان نص نص وكلام من ده، دا إقرار بالعيا، وسعى ناحية الخففان، “هنا ودلوقتى”، لو خفيت يعنى اعتراف بالعيا، عايزين نفهم الحكاية دى، خفيت يعنى عندك مرض حاتخف منه، مش تعبان ولاّ زهقان شوية وما عندكشى مانع تسميه باسم الدلع “تعب” وكلام من ده،
سمير: ما هو لو مش تعبان عيا، ممكن يكون تعبان نفسياً
د.يحيى: يعنى ” نفسيا” دى مش عيا؟ مش مرض يعنى؟ امال احنا بنيل إيه عمال على بطال!!! إنت مش شايف اللى حواليك والحمد لله، مش شايف نفسك، مش فاكر؟ اللى بيخرف، واللى بتسمع أصوات، واللى بنلمه بالعافية، واللى بتيجى متأخر بتتكلم بالقطارة، كل ده بتعتبره مش عيا عشان إنه نفسى، يا أخى حرام عليك، إنما الدكاتره الحمد لله ماعندهمش الحاجات دى ورايحين جايين وبيعالجوا وبيشتغلوا، يقوموا يقولوا لو خفيت، بأمارة إيه؟
سمير: طب ماتحل لنا أنت المشكله دى
د.يحيى: مش لما أخف انا الأول!!، طب لما نسأل الدكاتره الطيبين دول، قصدى الطيبات هما عملوها ازاى؟ (متوجها إلى الطبيبات الثلاثة) إيه الشجاعه اللى جاتلكوا من غير ماتفكروا أو تترددوا، بأماره إيه تزنقوا نفسكم الزنقة المهببة دى، أنا ماليش دعوه، أنا قلت مرة واتنين اللى عايزة تنور النور الاحمر تنوره، ولا واحده فيكوا استعملت حقها فى الاعتذار، يبقى عملتوها بكل شجاعة واختيار، ولا خفتوا على صورتكوا قدام العيان، ولا واحدة خطرفى بالها إن عيان من اصحابنا هنا يمكن يقول فى نفسه “ودى حاتعالجنى ازاى، مش لما تخف الأول”، أنا مش عايز ألح، لكن كمان مش عايز نفتكر إن اللى حصل ده ما لوش معنى كبير بصراحة، هوه إيه اللى حصل بالظبط؟ ايه اللى وصل لنا من اللعبة دى؟ إيه
أحمد: عملتْ تقارب أكتر
د.يحيى: الله ينور، تقارب أكتر!! شكرا يا أحمد، طب نشوف واحد غيرك، إنت يا سمير لما شفت الدكاترة عملوها كده بطيبه وتلقائيه واختيار حصل لك إيه؟ أحمد سماها تقارب، إنت عملتْ معاك إيه يا سمير؟ كلمايه كده زى أحمد، كفاية..
سمير: عملية تحسين ومشاركه؟
د.يحيى: وانت عملت معاك إيه يا مصطفى؟، أديك شفت مغامرة أربع دكاترة لعبوا لعبه مش منطقية، واحد مش عيان، لأ ودكتور جدا، بيقول أنا لو خفيت، كذا كذا..، إيه رأيك؟
مصطفى: يبقى هو تعبان زيى
د.يحيى: يعنى إيه
مصطفى: يبقى هو تعبان زيى
د.يحيى: طب وحايعالجك ازاى، مش يتشطر على نفسه!! يا شيخ قول حاجه عن اللى انت شفته، مش اللى انت حافظُهْ، أو اللى انت كنت عارفه قبل اللعبة.
مصطفى: زى إيه؟
د.يحيى: قصدى يعنى اللعبة قربتك منهم؟ من الدكاترة، بعدتك؟ خلتك تشوف نفسك؟ خلتك تراجع كلمة مرض وخففان؟ إنك تفهم يعنى إيه”دكتور”، ما هم زى الفل اهم، بس ما أترددوش يقولوها ويشوفوا لو خفوا حايعملوا إيه؟ إيه رأيـِك يا إنصاف؟
إنصاف: مشاركة
د.يحيى: مشاركة بحق وحقيق ولا زى صفية كده، تشجيع؟
إنصاف: بحق وحقيقى
د.يحيى: والله باينك مش واخدة بالك، وانت يا أمانى؟
أمانى: المشاركة حقيقى، حسيت أنهم حايحسوا بيا أكتر
سمير: المشاركة، ويعرفوا يميزوا اللى قدامهم يستاهل ولا لأه
صفية: فيها مشاركة بصحيح
ممدوح: مساعده للعيان
د.يحيى: مش عايز اطول، لحسن تتقلب فصل ومدرسة، أنا عادة ما باعملشى كده بعد أى لعبة، لأن تأثير اللعبة بيقل، بس الظاهر أنا بتبقى فيه حاجة علمية شاغلانى، وابص ألاقيها قدام عينى، أروح محوّد غصبن عنى على العلم والاستكشاف، بس انشاء الله مش على حساب العلاج
…………
وبعد
من نشرة أمس، واليوم، يمكن أن نعرض بعض الأفكار التى خطرت لى، دعما لفروض قديمة، أو طرحا لفروض جديدة، على الوجه التالى:
- إن من يتصور أنه سوىّ (سليم، عادى، صحيح)، إنما يستشعر بداخله – بدرجة ما– :ما يمكن أن يكون مرضا، حتى لو لم يحدده أو يشكو منه؟
- إن الحد الفاصل بين الصحة والمرض هو بهذه الشفافية إذا تشجعنا وغامرنا باختباره شحذا لبصيرتنا الأعمق؟
- إن الصحة درجات ومستويات متصاعدة، وأن المستوى الأدنى يمكن أن نستقبله على هامش الشعور باعتباره – نسبيا– مرضا (نسبة إلى المستوى الأعلى منه)
- إننا كما نخاف من المرض، يمكن أن نخاف من الشفاء، بمعنى اضطراد مسيرة النمو، بما يحمل ذلك من مخاطر النقلة التى كان المرض (أو الميكانزمات العادية) يعفينا منها .
- إن مستويات الإرادة متعددة، ومتداخلة
وبعد
نأمل أن نناقش هذه الأفكار والفروض الأسبوع القادم، (الثلاثاء والأربعاء) أولا بالتعقيب على بعض الاستجابات أولا بأول، ثم بالتعقيب الختامى بعد ذلك.
****
(ملحوظة: كل المرضى المشاركين يعانون (أو كانوا يعانون) من أمراض جسيمة (التى يطلقون عليها عقلية) فيما عدا مصطفى، ونعتذر عن تسميته باسم محدد، لأن هذا لا يتفق مع المنهج الذى اخترناه تجنبا للاختزال والنمطية.
****
تنوية: جميع الأسماء فيما عدا الأطباء مستعارة كالعادة.
[1] – سبق أن أشرنا أن التدريب يسمح للمتدرب ولمدة غير محدودة أن يعتذر عن المشاركة فى أى تفاعل أو لعبة لا يريد أن يشارك فيها، وهذا الاعتذار نسميه، إضاءة النور الأحمر، وحين يطمئن بعد أسابيع أو شهور، يعلن مرة واحدة أنه تنازل عن هذا الحق (حق الاعتذار عن المشاركة) وأنه من الآن ولع النور الأخضر، فيصبح مثله مثل سائر المرضى، ومثل المدرب، ليس من حقه الاعتذار، فالنور الاخضر يضاء مرة واحدة ولا تراجع، ولم تكن أى واحدة من الزميلات قد سمحت بذلك بعد،