قشدة الصباح
مى التلمسانى
بوجه:
طائر أسطورى لم يولد بعد، يميزه الأنف الرومانى المتناقص مع ضيق الأكتاف، وقفزة ملحوظة تميز طريقة السير على مهل جسد نحيل يعجبنى وبشرة بيضاء تميل إلى الصفرة، ونظرة لا تستقر على الوجه إلا لتخترقه وتنفى وجوده فى مجالها أشغف عزيز! الراء فرنسية والصوت أقرب فى تقطعه إلى صوت طفل يتعلم الكلام ولا يجيده بعد، الشفاه رقيقة مبتسمة فى استهزاء العارف بكل شىء والعينان تميلان عند الطرفين إلى أسفل كالدهشة الأولى.
***
فى مركب كبير يسير على مهل نحو الشرق كان غروب الشممس يضيء ظهورنا. احتضنتك حين تمنيت أن تحلق بأجنحة غير أجنحة ماضيك
التعس وبلغتنى مع هبوب الريح الصيفى رائحة شعرك القصير الناعم، كانت رائحة عطر ثمين تفوح من ثنايا قميصك النظيف، وكانت بشرتك الوردية تخفى سرا لا تعرفه جنيات النهر، وكنت تواقا لأن تصبح
***
يمضى زمن…
***
وسط أجساد تتكاثر وتتوالد مع ساعات النها ر مقعد وحيد لا يحتله أحد بعد، نجلس متلاصقين ، قلت لى إنك تحب فتاة بيضاء بلون قشدة الصباح وأنك تدمن الخمر والعقاقير والسموم البيضاء مثل بشرة صاحبتك، وسط أجساد تتوالد مع ساعات النهار، فى التحامها المتواصل طلبا لمتعة لا ترى ونما تحس، أتسعت بقعة ضوء خافت وابتلعت الوجوه والأجساد والايدى وانبلج الضوء عن فتاة سمراء تشبهنى، تتقدم منى وتصفعنى، تنحدر دموعى دون أن أدرى وتسقط فوق الكتب المتراصة فوق ساقى، فأشقى بنفسى وبك، فى اختزال العالم كله عند نبرة صوت تتردد فى الفضاء الفاصل بين فمك وبين أذنى.
***
أخذتك إلى النهر فى حلمى وأحتضنت كتفيك بذراع واحدة ، كنت صغيرا وابتسمت لأنك كنت ذلك ‘الأشغف’ الذى ينطق اسمه فى حرج أمام الآخرين، لا يشعر بشيء منه معى تكرر على مسامعى إسمك فابتسم، وتتعلم أنك إسم جميل.
فى نفس الصف ، فى نفس الجامعة
نسيت أسرارك الصغيرة الموجعة ومضيت فى شرح الدرس حلقة صغيرة حول المقعد المصنوع من الرخام الأبيض تلتف حولى وأدنو منك بعينى دون أن ألمس أطراف شعرك المصقول تفهم؟ الدرس أعني؟ أم كنت أعنى غير ذلك ؟ لكن ذراعى السمراء بقف حائلا دونى ودون رغبتك البيضاء تريدها بيضاء من غير سوء وأريدك هكذا طفل يتعلم كل يوم كلمة ولايجيد الكلام حتى يفنى، ماذا أنت فاعل بدونى يامسكين؟ لحظة احتياج لا يستشعرها غيرى تعرف أنت أنها هنا لكنها تفلت دون رجعة نعود للدرس الكتب المتراصة عناوينها فوق رأسى المتعب، والخواء فوق رأسى المتعب، والخواء فوق قلبك يرفرف دونما صوت
***
أنزلتك النهر بلا ملابس فصرت بلا خطيئة واهنا كعصفور أوشك على الموع تحليقا مستكينا كالمسيح الصغير بين ذراعى العذراء تكشفت بشرتك لشمس المغيب فأكتسى جسدك بلون الغسق كانت جنيات النهر الآن تعرفن
يمضى زمن آخر
فى وصف آخر فى الجامعة نفسها
***
اكتسى وجهك إشراقا حين أبصرتنى، واقتربت مثل طائر أسطورى يقفز فوق ساقين طويلتين نحيلتين، كيف حالا الناس وحالك ؟ فى سخريتى المعهودة تكتسب كلمات الترحيب طابعا جنانزيا، ساد صمت قصير أخذت تنظر إلى وجهى لوهلة خلتك تنظر حقا ولا تتجاوز الوجه فى تحليقك المعتاد، تزوجت قشدة الصباح وصارت رائحة أخرى تنفذ من جسدك المتعب فى المساء إلى جسد صاحبتك البيضاء؟ يدى المضطربة الآن بين يديك فى سكون الأصوات المتشابكة هالنى لون بشرتك الوردى وضعف عظام يدك المعروقة والتناقض القاتل بين لونينا، هوت يدى إلى جانبى وابتسمت. حين رأيتك تبتعد بجسدك النحيل الذى يعجبني. والقفزة الصغيرة التى تميز طريقة سيرك وارتفاع كتفيك الطفيف كأنك فى سبيلك إلى التحليق بأجنحة غير أجنحة ماضيك التعس.
***
ينتهى هذا الزمن.