مع سمير عبد الباقى: من قبيل الاعتذار
نقدم كلام مبدئى عن ديوانه “الشكشكة”
مقدمة:
وصلنا احتجاج أحمد زرزور القوى كتابة شجاعة صريحة، أما احتجاج سمير عبد الباقى فقد وصلنا همسا طيبا مسامحا، وما كنا نود أن يسامحنا، إذ يبدو أننا فى غمرة حماسنا بعودة المجلة للصدور، أخطأنا فى حق كثير من الضيوف وخاصة الشعراء، فقصيدة الشاعر سمير المنشورة فى العدد 59 بعنوان “نقوش على ضلة شجرة حاتحور”(1) ظهرت بترتيب خاطئ فى بعض أجزائها، وكذا ظهر اسم الشاعر أعلى الصفحة على أنه “سمير آخر” ، والفرق بين السميرين واضح وله دلالته، فما العمل؟
قلنا نعيد نشرالقصيدة مثلما عملناها مع الصديق زرزور، لكن بدا لنا أن هذا لا يكفى، ثم حدث أن ناقشنا ديوان سمير الجديد ” شكشكة على سبيل الفزلكة” فانتهزناها فرصة لنقول هذه الكلمات فى الشعر والشاعر، كنوع من الاعتذار المضاعف، ثم نعيد نشرالقصيدة مصححة، حتى نتوب عن مثل هذه الأخطاء
الملاحظات المبدئية (مما دار فى الندوة)
أولا: عن الشاعر
هو شاعر فحل، متدفق، متمكن، متألم، مظلوم، صارخ، حكيم، جائع أن يرى، ممتلئ بهموم الناس، محرض، جميل، يبدوأنه لا يملك إلا أن يكون شاعرا، مهدد بالموت -الحقيقي- إن توقف عن الشعر
وهو فيلسوف عامى، وثائر متفجر
وهو تشكيلى جميل
وإن كان يبدو أحيانا نعابا (كالمعددة فى بلدنا) يقلب المواجع بقسوة، لكنـك إن تأملتها وجدتها قسوة محبة
وقد استنتجنا- من وفرة أعماله مع قلة حظه- كيف أنه ظلم نفسه (لا ندرى كيف تماما). فسهل -بذلك- على الناس ظلمه، حتى دون قصد منهم
وأكبرظلم لحقه هو أنه فشل أن يسوق نفسه، فظل تائها بقصد خفى، وراح ينفخ فى نايــه تحت ظل شجرة جميز، وارفة الظل لكنها هشة الساق، ويبدو أن ظلها لم يكن ظليلا بالضرورة، فعلى الرغم من أن الجميع يعرفون أنه ”قابع هناك” ينساب شعره بلا انقطاع، مثل جدول لا يكف عن الخرير حتى لو لم يصب ماؤه فى الأرض المناسبة، ليثمرالثمر المناسب.
ويبدو أنه من إلحاح تدفقه، لم يسلم شعره من تكرار، ولم تسلم أوزانه من تكسرات، ولم يسلم تحريضه من صياح
ثانيا: عن الديوان
(ديوان الشكشكة)
قيل- فى الندوة- أن (أو أنه):
1- يا ليت الديوان كان اسمه “شكشكة” دون إضافة أخرى (يعنى:تحذف “على سبيل الفزلكة”)
2- يبدو أن الشاعر يتدفق -حتى فى العنوان -بسرعة لا يستطيع إيقافها، ثم إنه يصعب عليه العودة للحذف، حتى فى العنوان (هل هذا صحيح؟)
3- الديوان مجموعة قصائد صغيرة فى حجمها (لا تزيد أى منها عن صفحة واحدة) لكن يبلغ بعضها -فيما يبلغ- طول وعمق الملاحم.
4- اختفاء العناوين الفرعية للقصائد، سمح للقارئ أن يضع لكل قصيدة عنوانها بنفسه، إن أراد ذلك، أو أن يتلقى الرسالة دون حاجة إلى عنوان، فأحيانا تكون القصيدة كلها عنوان لقصيدة أخرى يؤلفها القارئ لنفسه بنفسه
5- العمل- ربما مثل معظم أعمال الشاعر- يغلب عليه تركيبة ونغم الموال (الموال الأحدث والأعمق، وفى نفس الوقت الأرق والأعرق)، كما أكد د. السلاموني.
إقرأ معنا هذا الجزء الموالى:
فيه خلق مزمار وطبلة
وخلق خرج النجف
بيبيعوا فى خلق هبلة
لخلق عادمة الشرف
(لو سمحت لاحظ هنا فى الفقرة الأخيرة أنهم خلق “عادمة” الشرف” وليست معدومة الشرف).
6- ويمتلئ العمل بما يمكن أن نسميه بحق: الفلسفة الشعبية (وليس مجرد حكمة الأمثال )
إقرأ معنا قوله هذا فى وصف غير مسبوق للرضا
الرضا الخواف ندالة !!!
ثم اقرأمعنا كيف يميز بين الأساطير والأكاذيب:
…زى ما الأكاذيب حويطة
الأساطير ..مش محالة !!!
7-أما عن الشعر التحريضى ، والشعر التعليمى، والشعر الغنائى، فحدث ولا حرج.
8-كانت “الصورة” تتجلى فى أغلب القصائد تشكيلا جميلا حتى يكاد يجذب الانتباه إليه فى ذاته، قبل النظر فى رسالة المعنى المشكشكة، وتتركز الصورة أحيانا حتى تكتمل رغم تناهى صغر أبجديتها، أى صورة تصل إليك وأنت تقرأ وصف الأمل هكذا:
الأمل دساس
ثم شاهد معنا صورة أرحب قليلا، وأعمق كثيرا، عن الأمل أيضا:
حسيت فى ضعفى بالأمل مالح
ما أجمل أن تراجع كيف يكون الأمل دساسا، وكيف يجعل العجز طعم الأمل مالحا، ياه !!
9- حضرت موسيقى غنائية كثيرا، راقصة أحيانا فى أكثر من موقع، حتى أن كسر الوزن لم يخل بالموسيقى الداخلية
7-جاءت أغلب نهايات القصائد رائعة الإنارة.
ولكن بدت بعض النهايات كنوع من الحكمة الخاتمة، وكأن الشاعر خشى ألا تصل الرسالة من خلال القصيدة فعاد فى آخرلحظة يحدد ما أراد قوله، فبدت الخواتيم أحيانا كثيرة تكرارا لالزوم له، أى بمثابة تحصيل الحاصل.
8- جرعة النقد السياسى، والوله الوطنى (بمصر) كانت حاضرة طول الوقت تقريبا، ولابأس، إلا أنها بدت أحيانا وكأنها تعلن احتمال استعمال الشعر كوسيلة للتفريغ أكثر منه للتحريض، وعلى كل حال فهذا يتوقف على المتلقي.
ثم نعرض إلى مسألتين -كعينة- لما أثاره هذا الشاعر وهذا الديوان فى الندوة:
الأولى: هى عن طبيعة علاقة الشعر -بعد الشكل والمضمون والموسيقي- ببعد الزمن الشديد القصر (حدس اللحظة).
والثانية: تتعلق بالبعد النفسى الذى يظهر كيف أن الشعر الحقيقى هو المرجع الأصيل لمعرفة ماهية النفس بشكل يحتم على دارس النفس أن يرجع إليه ليعرف أكثر، لا أن يقيسه بما يعرف قبلا من خلال تخصصه
المسألة الأولى: حدس اللحظة
نحن لا نعرف من الزمن العادى إلا ما يمكن إدراكه بوعينا العادى ، ثانية، دقيقة، ساعة ..إلخ،، ولا بد أن نعترف أنه كلما كان موضوع الدراسة أبعد عن مداركنا،بل عن تصورنا وعن خيالنا كانت المسألة أحوج إلى حسابات بالغة الحذق والمهارة، فى مجال العلم البحت*، أما فى مجال الوعى البشرى المعايش، فنحن لا نكاد نعرف الثروة غير المحدودة التى يمكن أن نثرى بها فجأة، فيترتب عليها تغير جذرى فى الوعى ، ومن ثم فى الوجود، وفى مسيرة النمو، ولكى نتصورمثل ذلك فإن الأمر يحتاج إلى خيال أوسع، ويقين بالتواصل البشرى أعمق، ورصد لنتائج السلوك البعيدة المدى أشمل وأكمل، وكل هذا غير متاح بالمنهج التقليدى المتاح حاليا.
أما أدوات التوصيل خلال وحدات الزمن هذه المتناهية الصغر، فلا بد أن تتجاوز الألفاظ الظاهرة إلى فاعلية حركية الشعر فى الوعى، وهذا أمر قد يتم فى أى من طبقات الوعى ، سواء أدركناه أم لا
وأحيانا – مثلما الحال فى هذا الديوان- يمارس الشاعر تركيزه اللحظى بشكل أكثر وعيا، فتقز منه الجرعات مكثفة، بارقة، خاطفة، لكنها ليست عابرة، ولا زائلة،
وقد وصلنا من هذاالديوان بعض ذلك: تأمل قول الشاعر:
شك الإبر، رفة بصر
لاحظ تعبير رفة بصر (وليست رفة عين، فننتبه إلى أنه لا يشير إلى رفة الجفن المعروفة)
أو لنقرأ معا:
الفن ضربة ريشة جرة قلم
تدخل قلوب الخلق شهقة نغم
(لاحظ التأكيد على ” اللحظة” هنا فى كل من الإرسال والاستقبال !!!)
المسألة الثانية: (من الندوة أيضا) عن البعد النفسى فى الديوان:
وسوف نختار عدة أمثلة لقضايا نفسية قليلة لأننا لا نقدم إلا إشارات تمهيدية ربما لدراسة لاحقة:
1) بــعد التفريغ((2):
الشائع فى الطب النفسى أن التفريغ (والفضفضة) هما أساس العلاج النفسى، وأن الكبت أساس فى المرض النفسى، يعبر عن ذلك صلاح جاهين قائلا:
يا عندليب ما تخافشى من غنوتك
كتم الغنى هوا الل حيموتك
لكن سمير عبد الباقى يدرك بحدسه الشعرى أنه بقدر ما يفيد البوح، بقدر ما ينبغى الحفاظ على ثروة الداخل وعدم التفريط فى إعلانها أمام من لا يقدرها حق قدرها، فهو يبدأ بالتحذير:
فاياك: لا تخجل من الآهات تداريها
ثم، بعد أن ينبه إلى أن “الأمل دساس”، ربما الأمل فى أن يجد من يراه بقدره، بموضوعية كافية، باحترام لمشاعره لا غنى عنه، إذا لم تتوفر هذه الشروط، فإن البوح لا يقوم بوظيفته الصحيحة، فالمسألة ليست وعاء يراد أن يفرغ مما به والسلام، ولكنها خطوة مبدئية بغية الائتناس والحوار، فإذا لم يتحقق ذلك حدث الإحباط، وثبت أن “الأمل دساس” فعلا. والبديل لذلك هو أن يحتفظ “الحر” لنفسه بنفسه، فلا يبوح لكل من هب ودب، وهذا ما سارع الشاعر فنبه إليه قائلا:
والحر مهما تعله الناس يداريها
فانظر إلى دقته فى الدعوة إلى البوح دون خجل م الآهات، ثم دقته فى تنبيه “الحر” لضرورة التحفظ فى التعرى إذا لم تتوفر شروطه
2) رفض التشكل، وليس التكيف:
والفرق بين التشكل conformity والتكيف adaptation هو فرق شديد الأهمية فى الصحة النفسية.
فالتشكل conformity يضطرك أن تصوغ نفسك لتلائم من حولك، وهذا ماعبر عنه الشاعر وهو يصنف مثل هذا الرضا على أنه “خواف” ثم يصفه بالنذالة قائلا:
الرضا الخواف ندالة
أما التكيف adaptation فهو حوار متصل مع المحيط، أقرب ما يكون إلى فكرة شعرة معاوية، وإن كان يبدو أن الشاعر لا يعرف كثيرا عن شعرة معاوية،أو أنه ليس من المعجبين بها، وإلا لما حضر فينا بكل هذه الحدة الرائـعة.
وعلى عكس التشكل، فإن التكيف ليس فيه هذا النوع من “الرضا الخواف” ،أو العمى عن ماهية الذات وعيوبها، وكثيرا ما يتدعم مثل هذا العمى نتيجة لاحتياجات الآخرين له، ربما ليعاملوا بالمثل، ولا من شاف، ولا من درى، نسمع:
ح يجامل خوفك أغواته
فهو العمى
ما تشوفشى الكدبه
ولو أعلى من الأهرام
فماذا عن التكيف إذن؟
التكيف هو أن توثق علاقتك بالواقع دون تنازل مطلق أو عمى حيسى، وشاعرنا يقول ذلك بطريقة مباشرة، أحيانا على حساب شاعريته
نسمع:
لو تقدر على نفسك خبى لون أيامك بالنغم البمبي
خفـف شطحة أوهامك، اختار من بحر الشارع مية ألوانك:
لا الأبيض عكس الأسود
ولا ممكن أحبك أكتر من نفسى
وتقرير هذه النصيحة ضمنا ” أن تحب نفسك،” هى من أنضج المواقف وأكثرها قربا من الواقع، وحب النفس أمر غير الأنانية، مما لا مجال لتفصيله هنا الآن.
3) ضرورة الألم:
وفى الطب النفسى الأحدث يكاد الأطباء النفسيون ينسون ضرورة الاحتفاظ بقدر مناسب من الألم النفسى حتى نكون أسوياء، فيسارعون بالترويج لحبوب الطمأنينة، وعلاجات التسكين والاسترخاء، لكن شاعرنا يذكرنا بهذه الطبيعة البشرية الأصيلة حين يقول:
لكن ضرورى خفيف: نحـس الألم
4) التسليم للمعتدى (حتى التقمص):
حيلة “التقمص بالمعتدي” هى الحيلة الدفاعية التى تتم لا شعوريا فتجعل المعتدى عليه، حين يعجز عن دفع القهر تماما، يتشبه لا شعوريا بالمعتدى ، وهذه الحيلة (الميكانزم) هى من أشهر ما وصفت أنا فرويد، وقد تواتر تفسير تصرفات اليهود مع الفلسطينيين بتقمصهم للنازى فى تعاملهم مع الفلسطينيين.
نسمع سمير وهو يجسد ذلك مباشرة حين يتدرج من الكبت (قطع اللسان) إلى التقمص بالمعتدى ، حين يفشل الكبت، أو جنبا لجنب مع الكبت، يقول:
يا اقطع من لغاليغه لساني
يا أبيع قلبى للى كسرنى
(5) الحاجة للشوفان:
الحاجة للشوفان حاجة أساسية فى الوجود البشرى، مرة تسمى الجوع للاعتراف recognition hunger ومرة تسمى الحاجة لتقرير الذات، وقد أسماها الرخاوى مباشرة “الحاجة للشوفان”، واشترط لفاعليتها الصحية النموية أن تكون موضوعية، أى أن يرانى “الآخر” بصفته آخر فعلا وليس بصفته أحد صنائع جوعى إليه، وأن يرانى بما هو أنا، بضعفى وقوتى ، بخيرى وشرى، يقول سمير فى ذلك
حقك على يا خال..غلطان سامحني
وسط الزحام والضجيج أتاريك لامحني
أنا كنت فاكرك نسيت يا صاحبى زى الغير
ونلاحظ هنا أن مجرد اللمحة كانت كافية، ومجرد شخص واحد يرى ما هو “أنا” كما “أنا” قد يكون كافيا لما أرجوه من شوفان، حتى لو نسى الباقون وجودى أصلا، وكل هذا من دقائق النفس الإنسانية، مجرد لمحة صادقة من “آخر”صادق يمكن أن تكون مبررا جيدا لاستمرار الحياة حتى أنها تمنع الانتحار.
ولكن ما كل رؤية (شوفان) مطمئنة، فالرؤية المقتمة، والرؤية التى تعرى فـتفجر آلاما فوق الطاقة، هى نوع آخر من الرؤية يحمل مخاطر حقيقية، يقول عنه سمير
رجعت ليه يابدر من طى السحاب
إحنا خدنا عالــغـياب
………
عدت فجأة ليه فمررت العتاب
حين كشفت ف قسوة خرابيش الصحاب
6- تعيين الوعى بـ”الذات”:
ثم أختم هذه المقدمة للتعريف بهذا الديوان، وبالشاعر، فأعرض كيف هداه حدسه الشعرى إلى رسم صورة فائقة الدقة تعرض لما يمكن أن يسمى “تعيين الوعى بالذات”، concretization of self awareness مصاحبا بدرجة ما من الانشقاق split ، وهذا تفسير أيضا لاضطراب محدد يسمى زملة كابجرا Capgras syndrome
والقارئ العادى يمكن أن يقرأ هذا المقطع/ القصيدة، على أن الخطاب موجه للآخر، وليس للذات، لكن من عمق نفسى خاص، أدعو قارئنا الناقد أن يتصور أن “الطفل” فى الشاعر يخاطب ذاته الوالدية الوصية على حركته وإبداعه، الملاحقة له بالمحاسبة، ويتمنى هذاالطفل، من فرط معاناته من هذه الإعاقة أن تعلن الذات الوالدية نفسها، وتقود، وتسبق حتى على حساب الإبداع، ما دامت لا تكف عن الملاحقة. هكذا.
تقرأ معا القصيدة كلها:
عايش تلاحقنى، لا بتفوتنى، ولا بتلحقنى، همك مغرقنى، كدبك ببيحرقنى، وغناك ما فرحنيش دا خنقنى، ياللى لذليل العيش هان شانك، فضاع شأني
طول عمرى باكى عليك صدقنى ، حطيت صوابعى العشرة جوه الشق، مكسورة عينك عشان بالكدب سارقنى، وخايف تقول للحق حقى عليك
ما تسبقنى
وهذه الدعوة إلى أن تسبقه هذه الذات الوصية المراقبة، ليست تسليما نهائيا وتنازلا عن الإبداع والحرية، بل هى بمثابة خطوة فى النمو (والعلاج ) تسمى فض التلوث decontaminationإذ لا حل لهذه الوصاية إلا بالمواجهة بين الذوات بعد ابتعادهما عن بعضهما البعض، ثم السعى إلى تصالح بالتبادل، أو تكامل بالنمو.
نقوش على ضلة
شجرة حاتحور.!
سمير عبد الباقى
زى اللى خارج من معارج شبرا
رايح يشوف الرقص فى البالون
بين نص عاقل
واحتمال مسجون
دماغى جيش من نمل وعناكب
حياتى نازلة غصب فى مناقصه
نفسى أكمل خطوتى الناقصه
ولو على كارو بره القاهرة الكبرى
…
النيل فطمنى على جمارك الشايخ
أيام ما كانت ميته عـكره
فى بلاد بلاها الهم بالعسكر
وأكل نافوخها المشايخ
فعودوها الذل تحمد ربها ع الفول
حرموها تتعطر بماء الفل
وتخاف . .
فتسلم وتعبد كل هام مسئول
تشوف فى كل جميل حرام منكر
فى بطنها يترعرع البطيخ
يجف نبع الفرح
تلوى رقاب القول. .
من يأسها فى نفسها
تنسى ان فيه بكره
تصلى للآلهة – تكفر تحلفنى بكل عزيز – أشيل عنها
وأتحمل بدالها – وابوح .!
****
لذا عشت قبل المكن مفعم بعطر السواقى
فهمت سر اشتياق أرض السباخ الشراقى
حتى لصوت الغراب
حسيت بخوفها شباب
لما خذلها الزمن
حرمها م الميه حمرا بكر لون الدم
من خيل طليقة لم ركبها الهم
ولا دفنها لفوق ركبها العطن
قريت كتاب الوطن
فى عيون بنات فيهم حليب الدرة
وطهارة البرسيم فى شق الفجر
خشونة النخل عز الضهر والقياييل
ورقة العصر وبكارة فصوص التوم.
دفا المنادر فى ليالى الشتا
سطوح حصير الصيف
مزيكة نايات الغاب
براح وسيع المدى مالوش صدى مخنوق
قلبى ما هوش صندوق ولا سرفيس
تعلموه المشى ع القضبان
وكتابة الشعر بالقافيه وبالأوزان
أنا. . مش قصايدى الميته ف أوراقى
ولا جسم مهدود وطالع من مواجع شبرا. .
وان البشر كالشجر. . أحوال غضب وقبول.!
****
وانا قلبى مقطع من شجر جميز
خرطه من القلب جوه خاليه م البزابيز
النجارين اخوالى خرطوها وانا تلميذ
ميات سنين
رقدوها ف مية الترعة
حتى اكتفيت م النيل
مواويل
وبلهارسا
فهمت على قد ما اوعي
ليه شرخوها عمد بالأزاميل
وهبوها للفلاحين اعمامي
مع أمى على البركة. .
يقشروها للندى والطل
من أجل تتعلم لغات الليل
ولحنها المستحيل الصمت… والحركة
حين ينتفض بالشهوة بطن الأرض
فتصحى فى الجدر اللى مات – الروح
وتبك دم الشوق فى خد الملايكه
ترافق المبتلى
تترفق مع المجروح …
تعشق وتشهق معايا لوغلبنى النوح
وبين نهود الصبايا
من أجل يسمع موسيقى الغرب فى الأوبرا
ويدور يوزع يمــك وجرايه ع المحابيس وأهل الفن
فى صالة الأتيليه
والمجلس الأعلي. .
أمى (علـيه) وابويا (عبد الباقي.)
استاذ مدرس وهيه – بقد ما عندها
ما كانتش أمية
لكن ما تفهمش بينهم إيه وبين (إيزوريس)
ومن ابتلاهم بحزن (إيزيس)
صبح دينهم
جاهلين بجبل (الأوليمب) لكنهم طلعوه. .
حكوا حكايات (ابن رشد) وعمرهم ما قروه
سقونى فى السر من خمرة إله الشعر
إمتي؟. . وفين؟
ما اعرفش
غير لما شافوا وراه باب الجحيم – لعنوه
واستهدوا بالله وكافة ما فرض عملوه
لحد يوم الطوفان فى (يونيه)
عبدوا العجل. .
مع إنهم مسلمين سلسلال حفيد عن جد
استقبلوا (العدرا) بجريد النخيل والورد
قروا آيات الرحمة بالعامية
ودربوا المعزة تشيل القرد
حين نطقوا (التونسى) فصحى أوربة مصرية
وعلموا (أسمهان) ترتيل كتاب النيل
وحطوا كل الصوابع عشرة
جوه الشق
حين عجزوا قدام رسول الجيش يقولم – لأ
لذا حلفونى – إذا غنيت
أقول
ولا اخاف. .
الروح لها رب واحد
للضعيف آلاف. .
أنا قلت دستور ياأهل الله يقدرنى
على حبك
ولو بقوة شوقك الخواف
- لكلمة حق.!
جزيرة بدران
القاهرة- أغسطس 1997
[1] – نوقش هذا الديوان فى الندوة الثقافية التى تعقدها جمعية الطب النفسى التطورى ، الجمعة الأول من كل شهر، الساعة السادسة مساء بمستشفى دارالمقطم للصحة النفسية ، وقام بمناقشته كل من د. هشام السلامونى، ود. يحيى الرخاوى، والملاحظات المبدئية هنا ليست تلخيصا لما جاء بالندوة، ولكنهاتحيات واعتذارات وإشارات ، آملين فى عودة مفصلة
[2] – (يسألها عنها فيما يتعلق بالزمن د. زويل الذى نال الجائزة العالمية مؤخراً فى المجال المادى للتعامل مع الزمن).
أنظر أيضا: باب للتذكرة والتصحيح، هذا العدد