الافتتاحية (2)
(أ) أبعاد البعد الإيمانى: “عودة على بدء“
(ب) المحظور والسياسة
أ.د. يحيى الرخاوى
نعتذر ابتداء عن تأخر صدور هذا العدد، حتى أصبح عددين (إبريل65، أغسطس66)، وذلك لصعوبات تتعلق بصدور نشرة الإدمان ملحقة به، وهى النشرة التى نأمل أن تواصل الصدور مع كل عدد لمواجهة هذه الكارثة الوطنية، والعالمية، ونشرة هذا العدد تمثل حكاية مدمن تقمصناه من البداية حتى الإفاقة، باللغتين الفصحى والعامية، ونأمل أن تعاود المجلة الصدور بانتظام اعتبارا من عدد أكتوبر- ديسمبر1999 مع نشرة الإدمان
[1] حوار مطلوب ومخاطر لا يمكن تجنبها
منذ عادت هذه المجلة للظهور ونحن نحاول – فاشلين- أن نتجاوز مسألة أنها مجلة الصوت الواحد، بل إن هذا الصوت بدا وكأنه قلبها مجلة “قطاع خاص جدا”، ولولا أن سكرتير التحرير، صاحب الفضل فى عودتنا للظهور، قد انتظم – بإلحاح منا- على مواصلة كتابة الافتتاحية الثانية، لظلت المجلة أشبه بكتاب مسلسل يكتبه رئيس التحرير على حلقات، المهم هذا أمر إلى نهاية حتما مهما طال الزمن، ولو بقضاء الله، إن شاء الله، أليس لكل أجل كتاب؟ بلي!!
ثم إن فريد زهران فى افتتاحية هذا العدد-التى أصبحت “أولي” للأهمية بدا وكأنه يشير إلى التعجيل باحتمال تجاوز هذا الإشكال (الانفرادى) بشكل أو بآخر، ولولا وصول افتتاحيته قبل صدور المجلة بخمس دقائق لأفردنا لمناقشتها عددا بأكمله، وسوف نحاول أن نرد عليه فى الجزء الأول من هذه الافتتاحية، ونحن ندرك تماما، ودائما – أن للحديث (هذا الحديث بوجه خاص)، بقية ممتدة، وأيضا نحن نأمل فى مشاركة من القراء نتوقع منها إضافة من يحسن الاستماع، ويواصل المحاولة، وفيما يلى ما يلى:
(1) جاءت افتتاحية زهران ردا على مقال لرئيس التحرير نشر فى الأهرام، عن العولمة ونوعية الحياة، وعلى حوار دار بندوة الجمعية بتاريخ 4 يونيو 1999 (نشرت المقال بالصدفة فى نفس يوم انعقاد الندوة لمناقشة كتاب فخ العولمة) وبالتالى، بدت بعض القضايا التى طرحت على قارئ المجلة غامضة قليلا أو كثيرا، حيث أن قاريء المجلة لم يقرأ المقال – بالضرورة- ولم يلم بما دار فى نقاش الندوة حتما، حتى بدا الأمر وكأنك تدخل إلى مسرحية فى منتصف الفصل الثانى على أحسن تقدير.
(2) كتب رئيس التحرير بعد هذا المقال الأول الذى يناقشه زهران فى افتتاحيته- هذه – مقالين لاحقين لشرح الفكرة التى أراد طرحها عن “العولمة ونوعية الحياة (2)” صدر بتاريخ: 1/6/1999، كان الآخر بعنوان ” البعد الإيمانى ومستقبل البشرية (مستقبلنا)“صدر بتاريخ2/7/1999، وفيهما ردود كثيرة على ما جاء بافتتاحية فريد زهران، نعتقد أنه لا مجال لتكرارها من ناحية، ونأمل أن يعود إليها من شاء من القراء لاحقا، أو قد نضطر إلى إعادة نشرها إذا وصلنا من القراء ما يفيد الحاجة إلى ذلك.
(3) تبـيـنا من خلال العودة إلى إثارة هذه القضية أنه كان من شغل هذه المجلة الشاغل منذ العدد الأول (من عشرين عاما)، أن تسهم فى المسألة الإيمانية إسهاما متواضعا بشكل أو بآخر، فقد جاء فى افتتاحية العدد الأول ما يؤكد ذلك. (1)
كماصدر مقال بأكمله فى نفس العدد الأول بعنوان “الله.. الإنسان… التطور .. الله”، يحاول التمييز بين جمود التدين البشرى وحتمية التطور الإيمانى (2)
وتضمن هذا المقال خطابا(3) ناقدا يعتذر فيه رئيس التحرير عن المشاركة فى مؤتمر يحاول الترويج لما يسمى علم النفس الإسلامى حذر فيه من هذه المحاولات المسطحة التى تشوه كلا من العلم والدين معا (4)
كما انتهى نفس المقال إلى عرض رؤوس مواضيع هى الأولى بالبحث إذا كان لهذه العلوم الأحدث أن تسهم فى مسيرة الإيمان، وقد حددت موضوعات لم تتمكن المجلة (طبعا) طوال عشرين عاما من تغطية ولو جزء يسير فيها(5) (حتى جاءت افتتاحية زهران تذكرنا بها بعد عشرين عاما).
وأخيرا انتهى المقال إلى خلاصة تحاول التوفيق الجدلى المتصاعد بين التطور والدين(6)
ثم إنه حين عاودت المجلة ظهورها، نشرنا على مدى عدة أعداد إسهام د. عصام اللباد فى هذه القضية بحوار مبدع مع إريك فروم، (الإنسان والتطور أعداد: 59، لسنة 1997، وعدد 60 لسنة 1998)
كذلك يجد القارىء فى ما يقدمه حاليا د. عادل مصطفى عن علم النفس الوجودى فى هذا العدد والعدد السابق، ما يؤكد هذا التوجه بشكل أو بآخر.
ولا أجد مبررا للاعتذار عن هذا الاستطراد المطول، بل إننى فرحت بافتتاحية فريد زهران التى أيقظت هذا الجانب الأساسى فى ماهية ورسالة هذه المجلة، بل والجمعية التى تصدرها أساسا.
إذن، فإن افتتاحية فريد زهران جاءت لتذكرنا بضرورة تحديد موقعنا من هذه القضية، هى هى بعد عشرين عاما، ولعلها تظل هى هى أيضا بعد عشرين قرنا، فهذه هى طبيعتها الحية أبدا، والمتحدية، والمثيرة معا.
وسوف نقصر تناول افتتاحية زهران بطرح أسئلة قديمة جديدة لا نجد مفرا من مواجهتها، بل والاكتفاء بإلقائها دون إجابة، باعتبار ما ألفناه فى هذه المجلة من احترام التساؤلات قبل وأهم من تعجل الرد، فهيا نتساءل معا كما يلى:
مجموعة التساؤلات:
1- هل هناك فرق بين الدين والتدين والإيمان؟
(أنظر مقال أ. د. صبحى منصور،هذا العدد، وكل عدد)
2- هل الإيمان اختراع بشرى (رائع ومفيد) لسد حاجة الإنسان وتعويضه عن قصور ليس له ذنب فيه، أو لتصبيره على مآس ليس لها مبرر(عقلاني)؟ أم أنه “حقيقة أخرى ”لها “طبيعة أخرى”، حقيقة موضوعية، لا بد أن لها منهج آخرللتعرف عليها وتنميتها؟
3- هل استدعاء حضورالله هو “مرادف” “لاستدعاء القيم الخيرة والأخلاق النبيلة” (وبتعبير آخر: هل هو مجرد استدعاء لهذه القيم ) -كما فهمنا من زهران أن ذلك “هو ما وصل لمعظم الحضور”، (وصحة ذلك – من وجهة نظرنا- أن هذا هو ما وصل لأهم الحضور وأطيبهم، وربما أذكاهم وأكثرهم خوفا من الدين الخرافة، أو خوفا على الإيمان الحقيقى غامض المعالم)؟
4- إذا اتفقنا على استحالة تناول مسألة الإيمان، وإثبات وجود الله بمنهج ولغة لا تصلح لمثل ذلك (إلا تعسفا واختزالا مثل مناقشات المناطقة واللاهوتيين، وعلماء علم الكلام، ثم مؤخرا: ما يسمى التفسير العلمى، وأيضا الإعجاز العلمى للدين 0(وبالذات للقرآن) ، إذا اتفقنا على استحالة محاولاتهم، بل ومخاطرها، فهل نترك المسألة “للحدس والوجدانية وظروف النشأة” أم نبحث عن منهج قد لا يكشف الحقيقة الإيمانية فحسب، بل قد يضيف حتى إلى جوانب معرفية أخرى لا تستبعد بعض العلوم ؟
5- يوافق فريد -من حيث المبدأ – على فكرة بعض الماركسيين الماديين وكذا بعض الملحدين حول “أن الدين يستمد كل -لاحظ كل- مقومات وجوده واستمراره من كونه أداة فى أيدى الطبقات المالكة تستخدمها فى قهر الشعوب ..إلخ” لكنه يتحفظ على ذلك باعتبارها “فكرة جزئية لا تفسر على الإطلاق كل مقومات الدين واستمراره..إلخ،
فيا تـرى: ما هى بقية مقومات الدين وأسباب استمراره؟ بما فى ذلك ما جاء فى افتتاحية زهران أنه “حل (عقلانى أو حدسي) فى مواجهة العجز والموت ، أنه -أيضا- اختراع بشرى فى النهاية ؟ هل هو كذلك؟ وهل هذا يكفي؟
6- وهل هى هى نفس المبررات (سؤال: 5) التى تفسر عودة المسيحية إلى روسيا، أو ما يجرى فى الصين “الآن” من مواجهة مع جماعة “فالون جونج”، أم أن واجبنا يقتضى أن نبحث عن المنهج الخفى الذى أهملناه، والذى يمكن أن يضيء لنا أسباب استمرار الدين هكذا فاعلا نافعا، وعودته، وتجدده إن حـقا وإن باطلا!!.
7- هل تكون مقومات الدين وتفسير استمراره هو أنه “إجابة طقوسية لاتخلو من غموض وغرابة فى مواجهة الحياة التى تحفل بكثير من الغموض والغرابة، أى أنه -أيضا مرة أخرى – اختراع بشرى فى النهاية ؟
8- هل سوء استعمال الدين، وزيف الفتاوى وتفصيلها على مقاس الحكام وأهوائهم، يبرر التخلى عن البحث عن حقيقته بمنهج يناسبه، دون الاكتفاء بمحاولات إثباته -أو نفيه- بمناهج لا تصلح له أصلا ؟
9- هل حقيقة ( أو حتى فرض) أن “الله موجود” هى مجرد “..استدعاء حضور الله ووجوده فى عقل الإنسان ووجدانه” ، بهدف حماية صرح الأخلاق بقداسة الدين، وأيضا لتقدم الأديان للإنسان “سلوته الروحية” … “فى مواجهة ما يحيق بالانسان من ترد وأخطار” ..إلخ، أم أنها (حقيقة أن الله موجود) حقيقة أولية فى الكون المنطبع أوليا فى العقل، الأمر الذى يحتاج إلى منهج آخر يساعد فى اكتشاف ذلك -وليس مجرد إثباته أو تفسيره؟- اكتشاف الإنسان علاقته بالكون، امتدادا وتكاملا، بيولوجيا وموضوعيا.
10- إذا كان شرط “حسن استعمال الدين والإيمان “..فى مواجهة ما يحيق بالإنسان من ترد وأخطار …..فى معركة التقدم ” هو “..بشرط أن يكون هذا الإيمان نفسه منطلقا من احترام العقل ..”أفلا يحتاج الأمر-بعد الإنجازات العلمية الحديثة، العملاقة والمضطردة – أن نتساءل عن حاجتنا إلى إعادة تعريف ما هو “عقل”، وأيضا إلى اكتشاف ما أهملناه من عقول أخرى لحساب هذا العقل الذى لم يف بكل ما يعد به ما هو إنسان ؟
11- هل الأخلاق طبيعة بشرية (بل حيوية) تحافظ عليها وتنميها تنمية إيمانية فطرية تتجلى فى ديانات وممارسات تلقائية، وأيضا يمكن أن تنظمها وتساعد فى ضبطها قوانين وضعية مفيدة، أم أنها ضرورة اجتماعية اكتشفها الإنسان- أو اخترعها كما اخترع الدين- من منطلق نفعى جيد يقوى بها ويعزز نبل المقاصد، ولابأس (لاحظ : لا بأس) بعد ذلك أن تكتسب قداسة دينية ؟
12- إذا كان الشرط الآخر لما هو “حسن استعمال الدين والإيمان”. هو الاستجابة لما هو “الضرورة الاحتماعية”، فهل تتفق “الضرورة الاجتماعية” دائما مع الطبيعة البشرية التى تتجلى فى الإبداع والإيمان والدين والإنجاز بشكل يمكن الاطمئنان إليه.
***
وبعد:
فنحن طوال عشرين عاما ندور ونلف حول هذه القضية المتحدية، ونأمل أن نظل كذلك، وأن يكون ما أسميناه “النقد الديني”والذى يقود إحدى مراكبه د. أحمد صبحى منصور، هو من أهم همومنا وألزم واجباتنا أبدا.
[2] المحظور والسياسة
صدر قانون تنظيم الجمعيات الأهلية لأسباب قومية تنظيمية سلطوية أمنية علنية وسرية معا، ماشي.
من حق الدولة أن تنظم ما تشاء كيف تشاء، وعلى المتضرر أن يلجأ للشعب ليغير ممثليه الذين هم المشرعون، وبالتالى هم الذين يمكن أن يغيروا القانون، ولا سبيل بغير ذلك فى الدول الديمقراطية نصف نصف (حيث ضغط الرأى العام والمظاهرات والاضطرابات هى نوع من العيب فى ذات هذه الدول طبعا، عيب يحاسب عليه القانون بطرقه الخاصة).
وعلى أى حال فإن أى متتبع أمين لنشاط بعض الجمعيات (مثلا: تنويعات منظمات حقوق الإنسان)، لابد أنه قد انتبه إلى أن أى ثغرة فى القانون أو فى التطبيق يمكن أن ينفد منها الأربعون جميعا (دون “على بابا”) لذلك، لا اعتراض على محاولة سد مثل هذه الثغرات نصا وتطبيقا بتشريع محـكم.
لكن الداعى للحيرة حقيقة وفعلا من موقف جمعية مثل جمعيتنا: هو وضع تعريف إجرائى لبعض ما جاء فى القانون، ولنضرب لذلك مثلا واحدا وهو تحريم العمل السياسى كتابة وممارسة من خلال هدف الجمعيات.
وقد أوردنا فى العدد الماضى موقف والد يشاهد التليفزيون مع إبنه، فيسأله إبنه أسئلة عما يراه معروضا أمامه عن أطفال الصومال والعراق وهم يموتون جوعا، وعن كهول ونساء وعائلات كوسوفو وهم يطردون من ديارهم، وعن وعن، وذكرنا كيف أن إجابات الوالد وأسئلة الطفل يمكن أن تعتبر فى صميم السياسة، مع أنها فى صميم التربية والتفكير الإنسانى السليم، بدءا من الطفولة حتى القبر.
ونورد هنا أسئلة أخرى لعلها تؤخذ بقدر حسن نيتنا بالنظام، وأيضا بقدر جهلنا بتعريف جامع مانع لما هو سياسة، وهى مجرد أمثلة لا أكثر نحاول أن نتعرف من خلال طرحها إن كانت ضمن ما هو سياسة، أم أنها نفسية ولامؤاخذة.
1- تناول موضوع حيرة المواطن المصرى العادى (لدرجة ظهور أعراض مرض القلق، يعني!!) بين ما يـكتب فى الصحف وبين ما يراه على أرض الواقع.
2- وصف ذهول (“ذهول” عرض نفسي) سائح أجنبى وهو يتابع الفرق بين ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا.
3- عرض الأسباب النفسية التى تدعو فريقا من الشباب المتحمس أن يختبيء فى التدين الإرهابى الانعزالى بديلا عن ممارسة السياسة صراحة، أو لانتفاء الفرصة لممارسة السياسة تحت عنوانها الأصلي.
4- التعرض للآثار النفسية والمضاعفات التربوية التى تترسب عند الناس عامة والشباب خاصة نتيجة لما يبلغهم – صدقا أو ادعاء – من ممارسات سياسية خاطئة أوكاذبة، أو متناقضة أو سطحية.
5- تدخل سياسة العولمة واتفاقات الجات فى ثمن الأدوية التى لم تعد فى متناول المرضى النفسيين.
كل هذا وغيره، كيف نتعرض له دون أن نتهم بالحديث فى السياسة.
وهل علينا أن نضيف قبل كل كلمة سياسية، أو شبه سياسية، تمهيدا يقول الآثار النفسية..لظاهرة كذا وكذا، أو نلحق بأى نقد سياسى إضافة تقول “وهذا مما يؤثر على الحالة النفسية للمواطنين”..؟.
وأين تقع العلوم من أمثال: علم النفس السياسى أو الطب النفسى السياسى أو سيكوباثولوجية السادة القائمين على العمل السياسى (ذلك على الرغم من أن لنا تحفظاتنا الخاصة ضد كل هذه العلوم دون استثناء).
منذ بدأ محمد حسنين هيكل فى أوائل الستينيات يكتب “العقد النفسية” التى تحكم الشرق الأوسط” وحتى برر المحللون السياسيون ضرب كلينتون للعراق مؤخرا بحالته النفسية (أو النفسجنسية) مارين بمقولة زعيمنا الراحل أنور السادات – الله يرحمه- أن ما بيننا وبين إسرائبل هو حواجز نفسية (أكثر من أى شيء آخر) منذ كل هذا ومسألة علاقة السياسة بما هو علوم نفسية مسألة قابلة للجدل والمراجعة من كل من الهواة والمختصين.
إذن فهى علاقة يصعب تنقيتها وتصنيفها فى جانب دون الآخر.
لكل ذلك – وثقة منا فى الحكومة – نرى أن لجمعيتنا وضع خاص ربما تستحق معه أن يوضع فى الاعتبار منذ البداية، ومن واقع تاريخها الأبيض.
فإذا أضفنا إلـى ذلك أن الذين يقرؤوننا لا يتعدون بضع مئات والحمد لله، فلا خوف على الحكومة ولا على السياسة، ولا على النظام العالمى الجديد من أمثالنا، مع أننا ندعو مع كل المستضعفين فى الأرض أنه “يا بركة العجز” (تقع الجملة الأخيرة فى باب: قوة الضعف أساس التطور النفسى، فهى ليست دعوة سياسية من فضلك كما أنها ليس لها أدنى علاقة مع حكاية “يا عـمال العالم اتحدوا”).
ولمزيد من إيضاح الوضع الخاص لجمعيتنا ومجلتنا دعونا نتساءل حول المسائل التالية إن كانت سياسية أو نفسية،
وقد فضلنا أن تكون فى صورة الأسئلة ذات الإجابات المتعددة على الوجه التالى:
1- ما تأثير انتصار الناتو المزعوم على ” صدام/ ميلوسفيتش”؟
هل الشخص العادى فى مصر:
- سيزداد تقديسا لأمريكا
- سيزداد احتراما للقانون الدولي
- سيزداد ديمقراطية
- سيزداد خضوعا وتبعية للأقوي
- سيطمئن إلى تطبيق نفس القاعدة على اللاجئيين (المطرودين) الفلسطينيين
- سيصاب بمرض القلق النفسى عقب كرب بعد صدمى (7)
2- ما تأثير ما حدث فى يوغسلافيا / كوسوفا على إسلام المسلمين؟
- هل سيزدادون إسلاما حضاريا مختلفا عن قيم الغرب الاستهلاكية المعولمة؟
- هل سيصبح الإسلام أقل تعصبا، مطمئنا إلى رعاية الغرب غير المسلم للمسلمين، هكذا؟
- هل سيطمئن شباب المسلمين إلى حماية الناتو (وليس القانون الدولى أو القانون الإلهي)، وبالتالى يصبحون أقل إرهابا؟
- هل سيزداد المسلمون اقترابا من الأديان الأخرى بما فى ذلك البوذية والهندوكية والتاوية؟
- هل سيزداد “القلق الوجودي” existential anxiety حدة عدمية nihilistic intensity؟
3- ماذا يعنى انتصار الناتو دون فقد جندى واحد أو طيار واحد فى الحرب؟
- إن الحرب “من أعلي” أصبحت أكثر أمانا
- إن جندى “ناتوي” واحد أغلى من مئات المحاربين ومن عشرات المدنيين ومن آلاف المهجرين.
- إن الحرب يمكن حسمها بسلاح الطيران وحده.
- إنه لا يقدر على القدرة إلا الناتو.
- إنه للوقاية من المرض النفسى لابد من إرضاء الناتو؟
4- ماذا يعنى ضرورة اتفاق الدول الأغنى قبل التقدم لطلب قرار مجلس الأمن بكذا وكيت؟
- إن البقاء للأغني
- إن البقاء للأعلى (طيرانا)
- إن البقاء للأكثر (شركات)
- إن البقاء للأسرع (صواريخ)
- إن البقاء للأكثر تبلدا فى الشعور (عرض نفسىapathy )
وسوف نترك الإجابات للقاريء، من حيث أن الأسئلة لا يمكن اعتبارها كلاما فى السياسة، أما الإجابات فقد تكون سياسية وقد لا تكون، فلماذا المغامرة؟
[3] هذا العدد
تمتد افتاحيات هذا العدد لتغطى مساحة أكثر من كل مرة
فبالإضافة إلى ما ورد فى الافتتاحيةالأولى، والجزء الأول من هذه الافتتاحية عن البعد الإيمانى ووجود الله يحتوى هذا العدد ما نعتبره- والحمد لله – تأكيدا لهويتنا فعلا فيواصل د. أحمد صبحى منصور تلك الملاحقة المضيئة المسئولة يطمئننا بها على إسلامنا من ناحية، ويفسر لنا كثيرا من الخلط الذى قد يصيب قاريء التاريخ المسلم المسالم من ناحية أخرى، فهو يصححه حين يدرك أنه لا يصح أن يـجمع محمد عبده مثلا مع رشيد رضا، بل وينبهنا د.منصور أكثر وأكثر إلى أن جمود المؤسسة الدينية السلطوية قد يكون هو السبب فى إفراز ما هو: إنكار الدين من ناحية، أو الغلو فيه (حتى الإرهاب) من ناحية أخري.
ويواصل د. عادل مصطفى تعريفنا بماهية العلاج النفسى الوجودى وعلاقته بالمدارس الأخري.
أما أ.د. جمال ابراهيم أستاذ الهندسة الكيميائية ورئيس قسم العلوم الأساسية الهندسية بهندسة جامعة المنوفية فيحل أهلا فعلا، فقد كنا أحوج ما نكون إلى أن نأتنس بمرجع فى هذه العلوم الأحدث علوم الشواش والتركيبية التى يبدو أنها ستكون المدخل الأصح لفهم الظاهرة البشرية، وبالذات جدلية الوعى والنمو، بعد أن كاد المنهج الحتمى، والمقارن، أن يختزل الإنسان إلى ما ليس هو.
وتتواصل القراءة على القراءة فى مواقف النفرى، أملا فى التقارب المحتمل على أرضية مشتركة، أو على الأقل: أملا فى الاطمئنان إلى إمكانية الترجمة بين المتوجهين إلى وجه الله، ما داموا صادقى التوجه من كل حدب عميق.
ويعود الرخاوى فى باب النقد الأدبى ليكمل بعد طول غيبة ما وعدنا به فى دراسته فى “أصداء السيرة الذاتية” لنجيب محفوظ دون أن يؤكد لنا إن كان سينتظم حتى ينتهى من سائر الفصول أم أننا سنفاجأ بانقطاع آخر دون تفسير، ثم عودة دون توقع، ويكتفى نقد الأصداء فى هذا العدد بعرض تجليات الطفولة ودوام نبضها على مسار النمو البشرى كما ظهرت فى الأصداء، قبل وبعد ظهور الشيخ عبد ربه التائه.
وتظهر الأبواب الثابتة بإصرار مثابر، فنخشى التكرار، بقدر ما أصبحنا نخشى الاقتراب من السياسة، ففى باب، “مقتطف وموقف” مثلا: اقتطفنا من مقال للأستاذ (المدرسة) محمد حسنين هيكل مايشير إلى ملامح الجالسين على قمة المجتمع (السلطة ) الأمريكية، لنتساءل – ونحن نصطنع البعد عن السياسة- عن المثل الأعلى لشباب العالم اليوم بعد أن أزيلت حواجز المعلومات، ثم نقتطف من مقال “أ.د. ميلاد حنا عن جوائز الدولة ما نتحفظ به على لهجة الخطاب فى هذه المسائل الحساسة، وفى نفس الوقت نضع مسألة الجوائز فى إطارها التاريخى ودورها الهام المحدود
وفى باب مثل وموال نتناول مسألة تقمص الوجود للفعل القهرى، حسنا كان أو غيرذلك.
ويتواصل الإبداع الأدبى (دون تصنيف فى الأغلب) ونأمل أن يكون دائما أفضل، ويحضر الشاعر أحمد زرزور بعد طول غيبة، كما نستضيف شابا (طبيب امتياز) – أحمد الفار- أصابته حرفة الأدب مبكرا، وفى نفس الوقت يريد أن يغامر بحرفة التطبيب النفسى، فالله معه، وليعلم ضيفنا الشاب أن كاتب القصة الآخر فى هذا العدد د. عبد المنعم الباز كاد يهرب بجلده من الطب النفسى إلى الطب الشرعى ولما يفعل تماما.
وفى باب مقتطفات علمية نقدم مقتطفا يعلق عليه ويضيف إليه د. أحمد ضبيع عن العلاقة البيولوجية العميقة بين الإنسان والمحيط من حوله، تلك العلاقة التى تبدأ بالاستعداد البيولوجى (والجيني) لكنها تستمر متبادلة بين المحيط والبيلوجى بشكل عميق لا يؤثر فى تسهيل وعودة المرض فحسب، بل قد يكون المتغير الأبقى فى العلاقة العلاجية العميقة الفاعلة المسماة بـ “العلاج النفسي”.
وفى باب حالات وأحوال نقدم قراءة لورقتين مكتوبتين بواسطة مريض يحدد فيهما شكواه ويصف أحواله النفسية (والتصورية) والجسدية بطريقة مباشرة عفوية لم نتدخل فيها زيادة أو نقصا بحرف واحد.
[1] – ..أخيرا كادت تتحطم الحواجز بين الأديان بفضل سعة صدر المتدينين على كل جانب نتيجة لفهمهم الأعمق لرحابة الدين ووظيفته’ (الإنسان والتطور، العدد الأول، سنة 1980).
[2]- (أ) ضرورة الإيمان ‘الإنسان المعاصر فى حاجة الى الإيمان ليكتمل وجوده، هذه حقيقة ما انتهت إليه المدارس الحديثة الثائرة فى العلوم النفسية، وهى حقيقة قديمة، ولكن إعادة اكتشافها فى مجال الطب النفسى والمرض النفسى خليق بأن يذكرنا بما نسينا، ويوجهنا لما ينبغي’.
(ب) وقد تعمدت أن أذكر الإيمان بشكل خاص، وأن أميزه عن مجرد ‘الاعتقاد’ وأن أربطه بقول الأعراب آمنا، فى حين أنهم لما يدخل الإيمان فى قلوبهم رغم جهرهم بإسلامهم، وكنت فى ذلك أسعى إلى التنبيه إلى ضرورة التمييز بين الإيمان إذ هو خبرة معاشة وسعى متصل، وبين بعض صور التلقين إذ هو ترديد أجوف والعياذ بالله.
(جـ)’نحن – فى اعتقادى على أبواب نهضة حضارية حقيقية، والحضارة تنشأ بعد أن يحصل الناس ذوو الأصالة على حاجاتهم الأساسية التى يلهيهم السعى إليها ليل نهار عن البحث فى عمق وجودهم، فإذا تم ذلك فإن الانسان الحضارى سوف يفكر فيما بعد ذاته مكانا (الناس) وزمانا (الخلود) وهنا يخرج إنتاجه أصيلا متعديا حدود كيانه الفردى الضيق، وحياته المحدودة .. فيصبح حضاريا بكل ما تعنيه الكلمة’.
(د) ولكنى أقول فى النهاية: لا حضارة بلا إيمان ولا إنسان بلا تكامل، وليس أمامنا إلا التوليف لا التلفيق بين المتناقضات .. ونحن قادرون على ذلك.
(هـ) كيف يعود الدين ليثرى وجودنا من مدخل الخبرة المعاشة و الالتزام الداخلى، لا من مدخل الترهيب والترغيب والاغتراب التنويمي؟’
[3] – القاهرة فى 18 مايو 1978 الموافق 11 جمادى الآخرة 1398، الاستاذ الدكتور محمد أحمد الرشيد، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
[كل هذه المقتطفات من المقال: ‘الله…الإنسان.. التطور..الله’، الإنسان والتطور، العدد الأول، سنة 80، ص71-80].
[4] – (أ) إن الأديان بما تدعو إليه من جوهر الإيمان والتواصل مع الكون الأعظم فيها من العمق والتآلف والاتساق ما يغرى بفحص إمكانيات التوازن بمعناه الشامل، والتوازن النفسى بمعناه المحدود، كمنطلق نحو مفهوم إيجابى وموضوعى للصحة النفسية…….
إن ديننا الحنيف باعتباره جماع مسيرة الأديان … لم (يعـد) يأخذ حقه فى الإسهام فى تعميق القيم الإنسانية وإرساء التوازن الموضوعى، رغم ثرائه غير المحدود فى جوهره وتفاصيله،…..
(ب) إذ لابد أن يسير احترامنا الواجب لأساتذتنا وعلمائنا فى التفسير والفقه والشريعة جنبا إلى جنب مع إطلاق العنان للتفكير العلمى للمخلصين من العلماء لا يحدهم إلا إيمانهم وضمائرهم (فقهمهم الأعمق)*، فيكون القياس والتقويم أساسا من واقع القيم العلمية ومدى الموضوعية ودرجة التناسق مع جوهر الدين وأهداف المسيرة البشرية لخلق الله، أما أن تكون هناك مسلمات تفصيلية مسبقة يتحرك العلماء المؤمنون فى حدودها فإنى أرى أن هذا سيحد من حرية التفكير الإبداعى الذى هو ألزم ما يكون للعالم والمؤمن والإنسان الحضارى معا.
[5] – أتقدم لسيادتكم (د. محمد أحمد الرشيدي) برؤوس المواضيع التالية:
1ـ بحث معنى ‘الفطرة’ فى علاقتها بالبيولوجى بصفة عامة وفى تطورها كمادة حية لها غايات متصاعدة، وذلك من منطلق علمى موضوعى جديد، وبالتالى بحث معنى الإلحاد فى مفهومة النشازى المخالف للتآلف البيولوجي. (وليس مجرد الإنكار لظاهر معتقد قد يكون مغتربا فعلا).
2ـ بحث التوحيد (لا إله إلا الله) من منطلق تحرير الإنسان، ومعنى الحرية الداخلية وأهميتها ودلالتها فى التوافق النفسى والعطاء الإبداعى البشري.
3 ـ بحث بعض المعانى الصوفية مثل ‘السعى إلى وجه الله’ من منطلق علم النفس النمو وتصاعداته ‘الهيراركية’ فى محاولة التوافق والتكامل مع التزايد المستمر فى درجات الوعى البشرى ومداه.
4- بحث معنى الولاف الذى يتميز به الإسلام بوجه خاص سواء فى موقفه تطوريا بين الأديان، أم فى تخطى الفصل الانشقاقى بين الخير والشر داخل النفس، (وأيضا بين الجسد والروح بشكل غير مباشر) أم فى مسيرته التوحيدية نحو التكامل،…..
[6] – 1ـ إن التطور الحتمى لا يتعارض مع أى دين، وينبغى أن يعاد النظر فى التفسيرات السطحية المؤيدة والتفسيرات الخائفة المعارضة.(للتطور)
2ـ إن خط العلم الحقيقى ـبعد التأنى فى تعريفه والتعميق فى فلسفته – هو خط مواز متآلف مع التطور الإيمانى الواعى العميق.
كل هذه المقتطفات من المقال : ‘الله، الإنسان، التطور، الله’، الإنسان والتطور، العدد الأول، سنة 1980، ص 71-80).
3-إن التمسك بالدين الفوقى (حتى لو سـمى بالدين) الاغترابى لا جدال فى أنه خطوة لازمة ومفيدة للوصول الى المعايشة الإيمانية حتى اليقين الواعى بكيان الإنسان وتناسقه مع الكون الأعظم بالتزام واقعى يومى نحو الناس والحياة سعيا إلى وجه الله، وهذا التقبل المرحلى يساير تماما ضرورة الإنشقاق فالالتحام اللولبى فالانشقاق الأقل فالتوليف الأعلى فى مسيرة النمو.
4- إن الاعتراف بضرورة الإيمان بالمعنى التكاملى، واستحالة الإلحاد لاستحالة النشاز البيولوجى مع استمرار الحياة، كل هذا يتطلب فتح أبواب الفكر واحترام الخبرة الإنسانية المباشرة بكل محتوياتها وغموضها فى بعض مراحل ترجمتها إلى أفكار أو ألفاظ.
5- إن ذلك يتضمن إعادة النظر فى غرور العقل العلمى المتضخم على حساب العقل الفنى المتوارى،……
6- إن موقفنا الخاص، تاريخا وتكوينا وأملا، يلزمنا بأن تكون الخبرة الإيمانية المعاشة، والالتزام الدينى الشخصى الواعى، من أهم وقود مسيرتنا الحضارية، ومن أهم علامات فكرنا الأصيل.
ثم مرة ثانية أتساءل كيف ؟
ومرة أخرى لا أجد الجواب إلا فى هذه المحاولات المستمرة لتقبل كل محاولة، ورفض كل استسلام سهل، والسير حثيثا فى خط علمى، مواز يجعلنا أهلا لما ألقى علينا من قول ثقيل، وما حملنا من أمانة الوعي
[7] – Post Traumatic Stress Disorder.