عدد أكتوبر 1980
الافتتاحية
بدأت الصعوبات تتضح، والتوقعات تهدد ونحن لم نكمل السنة الأولى بعد، وقد جاءت أهم هذه الصعوبات كما بينا فى الأعداد السابقة من خلال التزامنا بما بدأنا به، ورفضنا الدوران حول النفس، والرشوة بالنشر لمجرد النشر وتجنبنا للحديث المعاد، كما أنه لم يحدث ما توقعناه (أو قل ما أملنا فيه) من إسهام الشباب بالقدر الكافى الذى يعوض عزوف أصحاب الرأى الثابت والموقف الجامد عن المحاولة، ولعل ذلك يرجع إلى حاجة الشباب هو أيضاً إلى الاحتماء بفكر ثابت خاصة لو أخذ شكل
“ الثورية” ( التى تتعارض فى جوهرها حتما مع الثبات) .
****
وبعد تفكير ومواجهة، قررنا أن نستمر بشكل محور مرحليا وهو أن يكون عبء تحرير المجلة فى أغلب الأحيان ملقى على هيئة تحريرها أساساً، وأن نركز على الموضوع دون الإسم وأن نتجه إلى المشاكل المتكاملة والقضايا المتحدية دون الالتزام بأن نفردها إلى هذا الكاتب أو ذاك دون غيره فما الأسم وما الكاتب إلا لافته تحدد الشكل فى مرحلة تاريخية بذاتها، أما القضايا فهى لا تحتاج أن ترتبط باسم، وأحياناً لا ترتبط بتاريخ أصلا، فقضية “وعى الإنسان بوعيه” مثلا هى قضية متحدية وهى قائمة منذ وعى الإنسان وجوده بدرجة أو همته بقدرته على الاختيار، وسواء كان هيجل هو الذى علمنا تطور الوعى أو كان سارتر هو الذى أغرانا بأمل الحرية إلا أن القضية قائمة ومتحدية، وتناولها – كمثال – هو من صلب قضية هذه المجلة فى عالمنا المحلى وبلغتنا الخاصة ثم، لينتشر الفكر حيث شاء واستطاع.
وسيجد القارئ ابتداء من هذا العدد والأعداد القادمة كل ماوعدنا به بين يديه، فإن افتقر إلى إسم مسئول فليعتبره – أمانة – من مسئولية رئيس التحرير على وجه التحديد ، أى أن المواد التى ليس عليها إسم أو توقيع هى مسئوليته المباشرة بغض النظر عن المادة علما أو أدبا أو رأيا شخصيا أو غير ذلك، ولن تتكرر هذه الاشارة إلا إذا لزم الأمر لأسباب محددة تبين فى حينها، وسنكتفى فى نهاية سنتنا الأولى أن نلعن هذه المعلومة لأسباب الأمانة التاريخية لا أكثر ولا أقل .
وابتداء ممن هذا العدد – كما وعدنا – سنبدأ بتقديم باب عرض حالة مصرية مع مناقشة أبعادها، وكذلك سنعرض فيما بعد سلسلتين ثقافيتين ترتبطان بموضوع الساعة والمجلة ، الأولى هى الطب النفسى وأزماته المعاصرة نعرض من خلالها المحنة التى يمر بها الطب النفسى حاليا حتى تشوه بالكيمياء تلقى فى مفاهيمه كماء النار على الحسن، أو بالإنكار مع الإعلاء من شأن الجنون يخرج لسانه كبديل فنى مزعج رائع – ( حق الإزعاج هو فن لو تناسق وتحدى) عن طريق مناهضى الطب النفسى، وقد ألمحنا إلى هذا الموضوع فى العدد الأول حين قمنا بترجمة مقال جون ليو عن الطب النفسى فى محنه، ثم عرجنا إلى نفس الحديث فى مقال عن سوء استعمال العلوم النفسية، وسوف تتضمن هذه السلسلة الأزمات المعاصرة والتى يمر بها الطب النفسى وهو يبحث عن حل لمحنته بما يشمل أزمة الاختزال العضوى والكيميائى، والانتشار الاجتماعى، وسوء الاستعمال ( كما ذكرنا) والوهم الانسانى، والنموذج الطبى، والأزمة التحليلية، وعلمانيته ، وفلسفته.
كذلك سيبدأ من العدد القادم تعريف بالفكر التطورى فى مجال العلوم النفسية والحياة بتقديم بعض الرواد من جوانب شخصيتهم وفكرهم معاً حتى يلم القارئ العربى بالأبعاد الأخرى التى تهتم بماهية الإنسان ومصيره غير مرتبط ارتباطا ضيقا بالشائع والقديم سواء من جانب الفكر الفرويدى أو من جانب الحل العضوى السهل المغرى، وقد يكون ذلك فى شكل عرض كتاب أصلى لصاحب الفكر إن كان ثمة عمل جوهرى يلم فكر هذا المفكر بشكل شامل ومفيد ونحن كل المهتمين بموضوع التطور إن رفضا أو قبولا أن يسهم فى الحوار.
وقد تطول هذه المرحلة التى تقوم فيها هيئة تحرير المجلة بالعبء الأكبر إلى فترة لا نعلم مداها، وسوف تنفرج عن بابين نركز عليهما الأنظار والأسماع، وهما باب المشاركة وباب الحوار، والأمر – إذا كنا نريد أن نضع الجديد – يحتاج ألا يضطرنا الافتقار إلى مشاركين ومحاورين جاهزين حاليا أن نقبل البضاعة السائدة لمجرد الحرص على الاستمرار .
ولعل الحوار الذى ورد إلينا فى آخر لحظة حول مقال العدوان أساساً وحول المجلة عامة أو موضوعات أخرى، ( وقد ورد بعد كتابة هذه الافتتاحية) يطمئننا بعض الشئ إلا أن الحقيقة تقول إنه مازال يدور أساساً بين أفراد التحرير و” ثلة” أعضاء الجمعية، ولن ننجح إلا إذا انفتحنا على الوعى الأوسع والقارئ الأبعد والمحرر المشارك الغريب عن النفع والثللية تماما.
وقد يتأخر ظهور الشقيقة باللغة الانجليزية عن أول العام القادم لأسباب قهرية ولكنا عند وعدنا إذ نحاول أن نرسى هذا الأساس الثانى اللازم لاستكمال صرح البناء، على أن يكون فى هذا التعاون بين هذين العملين الثقافيين ما نأمل معه أن تتحدد شخصية كل منهما دون تداخل شديد.
ولا أستطيع رغم كل هذه الصعوبات إلا أن أعلن أن أرقام التوزيع حتى الآن هى أرقام مطمئنة ومعلنة أصالة هذا الانسان المصرى والعربى الذى يتلهف للمشاركة فى كل ما هو جديد وكل ما هو أصيل مهما بدت مغريات الاستسهال.