اليوم السابع
السبت: 9-11-2013
ضرورة الصمم الانتقائى بين الثقافات
لماذا يريد المعوْلِمُون فرض ثقافتهم على كل العالم، مع أن الله سبحانه خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، يثرى بعضنا بعضا؟ من المبدعين الغربيين من هو شديد الأمانة نبيل الموضوعية، ومن هؤلاء كلود ليفى شتراوس الذى رحل سنة 2009.
فى مناسبة ثقافية محدودة رحت أراجع اختلافى مع شتراوس وحبى له فى آن، (ثلاثة عمالقة أختلف معهم بكل عناد، وأحبهم بكل عمق، وهو أحدهم : الاثنان الآخران هما : كارل بوبر، ونجيب محفوظ)
أنا أحب هذا العالم الرائد الذى جاوز المائة قبل ان يرحل، كان ثم اختلاف بين فكر شتراوس وبين مزاعم اليونسكو منذ عام 1971، يتعلق بإصرار ليفى شتراوس على حق الثقافات المختلفة، حتى الثقافات البدائية فى ما أسماه “صمم بين الثقافات“، بدأ شتراوس الانتباه إلى هذه القضية منذ سفره الباكر للبرازيل، ببن عامي 1935 و1938 حيث أتيح له الاطلاع على أحوال الهنود الحمر، وانتهى إلى أن ثقافة أى مجتمع هى ظاهرة وباطنة، وهى إنما تدرس كما تدرس اللغة، واللغة ثقافة، وعادات المجتمع وتقاليده لغة، والأزياء لغة، والمطبخ لغة،….الخ، راح شتراوس يؤكد على حق كل ثقافة في أن تظل «صمّاء» إزاء قِيَم ومنظومات “ثقافة الآخَر”. وهو ما يبدو لأول وهلة ضد زعم اليونسكو بالترويج لنمط واحد (بتوصية النظام العالمى الأمريكى الجديد) من خلال ما يسميه الانفتاح على الآخر، ينبه شتراوس إلى أن من حق أى صاحب ثقافة أن يختلف حتى ليصل الأمر إلى أن يكون متحفظاً وحـَذِراً مما يصله من ثقافة الآخر، (وخاصة لو كان هذا الآخر هو الذى يملك السلطة والسلاح والمال)، ظل شتراوس وفياً لهذه الأفكار وعاد يدافع عنها مرة أخرى أمام اليونسكو سنة 2005، وهو يكرر أنه: “من أجل الحفاظ على التنوع الثقافى، يتوجب على الشعوب أن تَحُدَّ من التبادلات وتحافظ على مسافة فيما بينها”.
ربما نحن نحتاج فى هذه الأيام بالذات إلى الدفاع عن حق مثل هذا الصمم ونحن نسعى لاستقلال ثقافى واقتصادى وإبداع يتيح لنا مساحة للحركة حتى نبدع ونضيف.
إذا كان ثَمَّ نظام سيئ أو ملتبس أو متحيز هو المطروح حاليا وهو يقتحمنا بالإعلام والإقراض والمناورات والحروب، وليس عندنا – أغلب الناس- بديل جاهز، لظروف تاريخية واقتصادية واستعمارية فإن العالم كله، بثقافاته المختلفة، مكلف – تطوريا وبقائيا– بالبحث عن بديل لائق مناسب، ولابد أن يجرى البحث انطلاقا من كل ثقافة دون استثناء، أملا فى إبداع واعد من كل اتجاه وتاريخ.
لكن لابد من التحذير من أن استعمال ثقافتنا لحقها فى الصمم بطريقة غبية قد يؤدى إلى التمادى فى فخرنا بالتخلف والاختلاف، كما أن رفضنا التشنجى للصمم عن ثقافة الآخر تحت زعم الاقتداء بالألمع والأسرع قد يؤدى إلى التبعية وضرب تعظيم سلام على العمال على البطال، لمن يشكلنا لصالحه، تحت عناوين رشيقة وبراقة.
دعونا ندعو إلى ما اسميه “الصمم الانتقائى” بين الثقافات، وأعنى به أن نتخذ طول الوقت موقفا نقديا مما نأخذ، وكذلك موقف مراجعة لما نرفض،
فهو تكليف لكل الناس بتحرك نحو الإبداع المجتمعى والحضارى للإضافة، وليست دعوة خفية للتمسك بسلبيات التحوصل حول الذات فى ناحية مقابل استسهال التقليد المنبهر الأعمى على الناحية الأخرى.