اليوم السابع
الخميس 2-1-2014
“شىء ما” فى المصريين يجعل مصر هى مصر!!
منذ سنوات خطر لى هذا السؤال : ما هذا الشىء الذى يميز فعلا من هو مصرى، فيجعله قادرا على كل هذا الصبر، قابلا لكل هذا التحدى؟ يبدأ دائما بعد أن يظن الجميع أنه انتهى؟
وجاءتنى إجابة مجسدة هكذا : “…ضد كل الجارى حولنا، وبنا، وعلينا، ضد هذا الواقع المؤلم المزعج المنذر المخيف، أطلـّت علىّ عيون مصرية: طفلة، وشاب، وفلاح، وعامل نظافة، ومجنون. كل تلك العيون قالت : هذا هو سر مصر والمصريين: فينا “شىء ما”، ليس له اسم، شىء ما بطعم الحضارة وريح الإيمان، فاسمع وأصفق، رحت أنظر حولى وسط الحطام والإرهاب الدمار والخوف، فإذا بى أجد الزهور تتفتح مع العام الجديد، والنخل يتطاول، والطيور تغنى، يا خبر !! فهو ما زال موجودا يتحدى، ويقول: ، فسمعت، وقررت أن أصدّق اليوم أكثر، غصبا عن عين أى متقاعس، أو كسول، أو غبى:
“….نعم ما زال هناك شئٌ ما” لا ترونَه أيها العميان الكسالى. نفس الكلمات قيلت فى نفس اللحظة. هذا الشئ ليس جديداً علىّ، سمعته من “خواجاية” اختارت أن تعيش فى مصر جداً، فهمته منها دون أن تقوله ردا على تعجبى من أنها تترك بلادها الحرة جداً، لتعيش معنا، ونحن “هكذا”، ورأيته فى شعر الأبنودى، وتشكيلات وتاريخ أحمد نوار، وتقشف وصوفية رمضان بسطاويسى، وابتسامة وقبلة هالة عزب، وابتسامة وحضن ملك محمود، وطيبة وغباء إبراهيم السهران فى الاستقبال، ونبض شعر عبد الصبور، وآلام ابنته، وفى كل نجيب محفوظ،، وفى صوت “نور” وهى تنادينى لأول مرة “جدى”، ومن صوت دقّات حذاء كلاكيت “هنَاَ” محمد يحيى الرخاوى، ومن بائعة “الخضار” على الناصية، وفى حِجر ثوب زوجة البواب وهى ترضع ابنتها أمام الباب، وفى لؤم منادى السيارات، وخبث الولد الشقى يبحث عن كرته فى شرفة جارتنا. كما سمعت حفيف احتكاك هذا الشىء على طول كل الطوابير، وفى جوف أنين الأطفال يتقلبون جوعا قبل أن يغلبهم النوم، سألت نفسى سرًّا حتى أدارى خيبتى: هل حقيقة مازال “هذا الشىء” موجودا؟ هل يا ترى هو ما زال هناك : هنا ؟
رحت أتلفت حولي وأنا أراجع ما يسمى ثورتين، وأدعو الله أن تكتمل المسيرة ليكون الأمر كذلك، إذ تكون دولة، فإسهام فى حضارة تليق بتاريخنا، إذ ينمو ويترعرع هذا “الشىء” وهو يصمد أمام كل الجارى ، نعم كل الجارى !!
ها نحن نجد أنفسنا أمام فرصة جديدة، برغم غموض واهتزاز المحيط، وبرغم زعم قصر عمرها الافتراضى، لكن يبدو أنها مدعومة من جمّاع انتمائها لهذا “الشىء الـْمَا” فهى تواصل الاجتهاد ونواصل دعمها، كما أمرنا ربنا أن يحمل كل منا أمانتها إلى كل الناس.
يأتينى صوت محمد رشدى يؤنسنى بكلمات عبد الرحيم منصور، وهو يلعلع:
لو عديت على ناس يقولو لك مرحب مرحب يا انسان
لو عديت على ناس فى قلوبهم طيبه وحب كبير وحنان
لو عديت على ناس تفتحلك دارها وتاخدك بالاحضان
اعرفهم تعرف بلادى، تعرف انك فى بلادى
فأعترف أن سنى وخبرتى ومرضاى قد سمحوا لى أن أراجع مساحة عطاء هذا الشىء، فإذا به كما قال بريستد “فجر الضمير الإنسانى”، وهو هو الذى علينا أن نتعهده: “نبض الوعى العالمى الجديد”، فى مواجهة غول العولمة المفترس القاتل ، قلت فى ذلك:
دانا لما بابصَ جوا عيون الناس،
الناس من أيها جنس،
بالاقيها فْ كل بلاد الله لخلق الله.
و فْ كل كلام ،.. و فْ كل سكات.
وذَا شُفت الألم، الحب، الرفض، الحزن، الفرحه فى عيونهم..
يبقى باشوف “مصر”.
وباشوفها أكتر لما بابص جوايا.
والناس الحلوين اللى عملوا حاجات للناس،
كانوا مصريين !!
”كل واحد همُّه ناسُهْْ،
كل واحد ربُّه واحـِدْ،
كل واحد حُـرّ بينا،
يبقى مصري”
……
……
وبعد
هيا معا نحافظ عليه وننميه، هذا الـ “شىء الـ ما”، فهو ما زال موجودا
نعم،
والله العظيم ثلاثا !!!