نشرت فى الوفد
3-11-2010
شروط جديدة للمرشح: أن يثبت أنه “سليل العنصرين”..!!
قلت مرارا، وأنا أدعى الخجل، أننى لم أنضم إلى أى حزب سياسى (أو غير سياسى)، ولم أفخر بذلك أبدا، فهى صفة سلبية مهما كانت مبرراتها، وقد كانت لى بطاقة انتخابية، وشاركت فى الانتخابات منذ كنت طالبا فى كلية الطب، ولم أنتخب المرحوم جمال عبد الناصر رئيسا، لا لأنه كان سيئا، أو دكتاتورا لا سمح الله، ولا لأننى كنت رجعيا ابن رجعى، ولكن لأختبر – مع بعض الأصدقاء الأشقياء- جدية الانتخابات آنذاك، كان ذلك على ما أذكر فى أوائل صيف 1956 ، كنا طلبة جامعة من سكان مصر الجديدة، وقررنا –على سبيل التجربة – ألا نعطى أصواتنا لجمال عبد الناصر، لمجرد اختبار جدية الانتخابات، وطلعت النتيجة المعروفة، ( التسعات إياها !) ، لكن من بين مئات الاصوات التى سجلت أنها قالت “لا” جاءت دائرة مصر الجديدة الأولى، فقد سجلت صناديقها أكثر من ستمائة صوتا (على ما أذكر) قالوا “لا”، وكان منظرها مميزا مقارنة بالأصفار الكثيرة التى وردت من سائر محافظات القطر أمام لفظ “لا (ولا مؤاخذة)، وهكذا – وبأية درجة من التجاوز- نجح القائمون على صناديق الانتخاب فى مصر الجديدة فى الامتحان الذى وضعناهم فيه، وسجلوا أصواتنا كما سودناها، إلخ…
روح يا زمان تعالى يا زمان، (حتى ولو فى ذلك إعادة:) حاولت أن أستعمل بطاقتى الانتخابية مرة أخرى فى انتخابات رئاسية أخرى، بعد أن صرت طبيبا جدا: كنت أزور المرحومة خالتى فى السعديين مركز منيا القمح، وقلت لابن خالى أننى قرأت أننى أستطيع أن أدلى بصوتى فى أى مكان فى الجمهورية ما دامت لدى بطاقة انتخابية صالحة، ولم يكن ذلك خشية الجنيه الغرامة، ولكن ربما كان من باب أن أدّعى أمام نفسى أننى مواطن صالح أساهم فى اختيار رئيسى، (أو عدم اختياره)، ولم يكن هناك أكثر من مرشح، ولم نكن نعرف ماذا سوف يكون الحال لو طلعت النتيجة أن 55% (مثلا) من الشعب لا يوافقون عليه، وكان بديهيا أن الدستور قد وضع ترتيبات لهذا الاحتمال المستحيل، وبما أنه مستحيل، فلم ينتبه إلى التفكير فيه أصلا واحد من أمثالى (وربما ولا واحد من أمثالهم!!)، المهم كانت الساعة الحادية عشرة صباحا، قلت لابن خالى المكلف من قبل العمدة –شقيقه- بإدارة الانتخابات: أريد أن أدلى بصوتى فى الدوّار، فتساءل باستغراب “لماذا”؟ قلت له لأن اليوم هو يوم التصويت الوحيد، وقد قرأت أن هذا جائز فى أى مكان فى جمهورية مصر، فاعتذر أنهم قفّلوا الصناديق، قلت له لكن موعد التصويت ممتد حتى الخامسة مساء، فرد أن الكشوف كلها امتلأت، وأقفلت، سألته كيف امتلأت هكذا مبكرا، قال بطيبة جازمة، وشهامة مصرية ريفية كريمة، ولهجة شرقاوية جميلة: عملنا اللازم، سدَّدْنَا لجميع من بالكشوف: الحى والميت، ومن فى الكويت وليبيا، وكله تمام والحمد لله”، قلت له دون شرح أسبابى، أن هذا أربك حساباتى، فقد كنت على وشك شد الرحال إلى بلدنا فى الغربية قبل عودتى للقاهرة حيث لجنتى فى مصر الجديدة، وأننى بذلك سوف اصل بعد الخامسة مساء وتكون صناديق الانتخابات قد أغلقت، فابتسم وهو يشفق على تواضع ذكائى السياسى ورد قائلا: “لا تشغل بالك يا دكتور، سوف تلقاهم قد انتخبوا لك منهم لحالهم، كما فعلنا نحن هنا تماما، فكل القائمين على الصناديق حريصون ألا يغرّموا الناس، حرام!! ويبدو أن دلالة كل ذلك قد وصلت إلى بطاقتى الانتخابية من ورائى، كما يبدو أنها طلعت أذكى منى سياسيا، فضاعت، اختفت، ولم أفكر أن أجددها حتى تاريخه.
لا …لا .. عندك، لللأمانة فكّرت فى أن أستخرج “بدل فاقد” لبطاقتى الهاربة، وذلك بفضل بعض ما تعلمته من شيخى نجيب محفوظ لا حقا هكذا: حين شرفت بصحبته مؤخرا عددا من السنين، ذلك الإنسان المصرى الوفدى الديمقراطى جدا، كانت تأتى بين الحين والحين سيرة عدم جدوى الانتخابات مثلما تثار هذه الأيام، فكان يصلنى منه فى كل مرة أنه ملتزم بأن يساهم مع مواطنيه كأى مواطن عادى بهذه المشاركة الضرورية، مهما بلغت ظروفه الشخصية، ومهما قال كل من حوله أن صوته لن يفرق، وهكذا وصلتنى منه رسالة شديدة الدلالة جعلتنى أخجل أكثر من موقفى السالف الذكر، وهكذا فكرت فى استخراج بدل فاقد، لكن يبدو أن الذى منعنى وأعادنى إلى سلبيتى، كان أقوى من رسالة شيخى لى، واستسلمت لعصيان بطاقتى المستقلة، ورجحت أن حالتى كانت – وما زالت – مستعصية.
لا يوجد معنى لأن أكرر من جديد أننى لا أعتبر أن “الديمقراطية هى الحل” بكل هذه البساطة الذى يتكرر بها هذا الشعار، ذلك أن من يتمعن فى عدد القتلى الذين نحروهم باسم الديمقراطية الأمريكية المالية الكانيبالية، وأيضا الذى يتتبع دور المال المجرم والإعلام الخبيث فى تحديد مصائر الناس عبر العالم، لا بد وأن يدرك – وهو يردد هذا الشعار البراق – أن الديمقراطية الحالية ليست إلا مرحلة اضطرارية حتى نبدع الحل الحقيقى، غالبا: العثور على وسائل تقنية أخرى، وإبداعات سياسية عملية أخرى، تضمن مساهمة عامة الناس فى اتخاذ قراراتهم، وتحمل مسئوليتها، فى تقرير مصيرهم، (جاء بعض ذلك فى مقال لى هنا بعنوان “دَمَقْرَطْ بالديمقراطية، حتى يأتيك العدل بالحرية”، (الوفد بتاريخ 5/8/2009)
ليكن: ولنمارس -مرحليا بحذر- ما يسمى ديمقراطية حتى بعيوبها وقصورها وخيبتها القوية. لكن بالله عليكم: هل ما يجرى “هنا/ الآن” له أية علاقة بما يسمى ديمقراطية ، حتى تلك المعروضة على الساحة بكل نقائصها هكذا ؟
ما هذا الذى يجرى تحديدا؟
لماذا كل هذه المصاريف واللافتات والتنظيمات والتصريحات والوعود إلخ؟؟.
يا خبر!! انتهى المقال مع أننى كنت أنوى أن أتقمص المرشحين بعد فحص حال الناخبين (الذى اعتبرت نفسى –بغير وجه حق- ممثلا لهم)، لعلى أتفهم دوافع أفضلهم للترشيح لمجلس الشعب هذه الأيام بالشروط المطروحة. دع انتخابات الشورى جانبا فما فات قد فات، ثم دع انتخابات الرئاسة جانبا جدا فهذا كلام سابق لأوانه ومن العيب أن نسبق الأحداث (لعله خيرا). كنت أنوى أن أتقمص ذلك المواطن المصرى المتحمس، الذى استخار الله، فدفعه حسه السياسى، وشعوره بحاجة شعبه قبل أهل دائرته، إلى الاستفادة من قدراته السياسية والاقتصادية، والتربوية والقيادية الفائقة الجودة، فراح يتقدم للترشيح للانتخابات القادمة، وإذا به يواجه بكل هذه التصعيبات المتاصاعدة، لكنه ما زال يواصل محاولة التغلب عليها،
لكن انتهى المقال إلى عودة، وإلى أن يحين ذلك أقترح مؤقتا اقتراحا ساخرا، وأخر جادا:
الاقتراح الأول (السلبى الساخر): أقترح أن يضاف إلى شرط حصول المرشح على شهادة بأنه مصرى، أن يرفق معها شهادة أخرى من قسم الشرطة التابع له، مدعمة بتوقيع أربعة شهود عدول من أهل الحى، ممن يعرفون أهله، ودين أهله، بأنه يتمتع بصفات إضافية، ليس فقط بأنه مصرى، ولكن أيضا بأنه:
1- ” كريم العنصرين
2- سليل المخلصين المؤمنين
3- وحامي الأمة في وقت الشدايد
4- وشقـَّاق السكك للواردين “
الاقتراح الثانى: (الإيجابى المتواضع) : أن يصدر تشريع سريع، حتى لو احتاج الامر إلى تعديل دستورى للتغلب على صعوبة شرط السن (أسوة بتعديل الكوتة: بالتاء لا بالسين)، بأن يكون حق الانتخاب لمن يحمل رقما قوميا، وخلاص. فى رأيى أن هذا هو بداية الحل (وليس الحل).
(ولتذهب بطاقتى الانتخابية المختفية إلى الجحيم).