الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الفصل الأول الصحة النفسية (3) الحركة، والوعى، والعقل، والمعلومات

الفصل الأول الصحة النفسية (3) الحركة، والوعى، والعقل، والمعلومات

نشرة “الإنسان والتطور”

3-11-2010

السنة الرابعةPhoto-Basic-Book-I

العدد: 1160

 

الفصل الأول

الصحة النفسية (3)

الحركة، والوعى، والعقل، والمعلومات

(هوامش على متنٍ أوسط) الجزء الأول

مقدمة:

كتبت هذا المتن سنة 1997 ، أى بعد حوالى عشرين سنة من كتابة المتن الأول عن “الصحة العقلية لإنسان العصر”، وقد نشر فى مجلة شموع فى عدد يونيو 1944، وحين اقتطفته لاحقا، لا أذكر أين، شعرت أنه أقرب إلى المثالية المستحيلة، فأضفت إلى عنوانه “يوتيوبيا معاصرة“، وظللت حذرا من الانتماء إليه أو الدفاع عنه، برغم إعجار الكثيرين به، حتى كتابة هذا الفصل الآن، وكدت أتمادى فى رفضه وأنا أتصور انه غير متسق مع ما أريد توصيله إلى ناسنا فى حدود خصوصيتنا الثقافية، وإمكانياتنا المعاصرة، لكننى أزحت كل هذا ورحت أعيد قراءته، فاكتشف خطئى، وأن به من اللمحات الباكرة، ما لم أكن أدرى أنها نبعت من خبرتى آنذاك، ولكن دعونا نحذر أولا من التنظير على حساب الواقع الماثل:

 الحديث عن الصحة النفسية على مستوى التظير يبدو نوعا من الاغتراب بشكل أو بآخر، وربما يكون من الأفضل ألا نتداول هذا المصطلح (الصحة النفسية) أصلا، إذ يبدو أن الصحة النفسية تقاس بناتجها وليس بما هى، وأن اجتهادنا للتعرف عليها لذاتها هو ضرب من الاجتهادات الفرضية، أكثر منه توصيف لبرنامجها الحيوى الغائر فى طبيعة حياة كل منا، حتى خطر فى بالى أن تسمى “صحة” فقط وليست بالضرورة “نفسية”، أو حتى “الحياة”.

حين راجعت ما جاء فى هذا المقال وقد نشر بعنوان “الصحة العقلية وعصر المعلومات” ، وأنا أمارس العلاج النفسى الجمعى –تدريبا وعلاجا –  فى كلية طب قصر العينى، سألت نفسى أين هؤلاء المرضى، أصدقائى وأساتذتى، من هذا المكتوب عن ماهية الصحة النفسية فى عصر المعلومات، بما يغمرنا به من اضطراد من أدوات وإمكانيات ومعارف؟ وقد انتبهت إلى أن هؤلاء المرضى وهم ينتقلون من أزمة المرض إلى كفاءة الصحة، يمرون بأعمق مآزق الوعى، ويمارسون أوثق جدل العلاقات البشرية، دون حاجة إلى أى تنظير، ودون أن يضعوا فى الاعتبار أية محكات من التى وردت فى هذا المقال.

رجعت إلى ما ذكرت فى بداية هذا الفصل، فوجدت أننى بدأته وأنا أؤكد هذه المعايير الشديدة الوضوح والبساطة : العمل والرضا والتكيف، على مستويات مختلفة حسب كل مرحلة نمو، أو مستوى صحة من التى افترضتها دون إشارة إلى ما ورد فى هذا المقال الحالى عن  المستحدث فى عصرنا الحديث من تكنولوجيا واتصالات، ما الحكاية بالضبط؟

هل توجد صحة نفسية لهؤلاء الناس البسطاء المبدعين لذواتهم معنا فى الصحة والمرض، وأخرى لمن يجلسون أمام الحاسوب من الذين يتواصلون مع النوع البشرى عبر الأقمار الصناعية والتواصلات الأحدث؟

رجعت إلى قضيتى الأساسية وتساءلت : هل يمكن أن توصف نملة أو مجموعة من النمل أو النحل أو حتى الصراصير، أو الكلاب الجبلية بأنها تعيش مستوى ما من الصحة النفسية أم لا؟ إن مجرد بسط  وتنشيط البرامج البيولوجية البقائية التى حافظت على الأنواع المتبقية من جميع الأحياء (واحد فى العشرة آلاف، من بينها الإنسان) هى دليل على أن أى نوع نجح أن يستمر ليبقى هو يتميز أفرادا وجماعات بصحة نفسية مناسبة حافظت على بقاء نوعه أفرادا وجماعا،

أظن أن الأمر لا يختلف عند الإنسان، أو ينبغى ألا يختلف فى نهاية النهاية.

وهكذا خرجت بالانطباعات  التالية:

  1. إن الحديث عن الصحة النفسية لا لزوم له اصلا
  2. إن استمرار الحياة لأفراد نوع بذاته ومن ثم النوع كله هو دليل ضمنى على سلامة المسيرة، ومن ثم على توفر ما هو صحة نفسية (وغير نفسية) لهذا النوع عموما.
  3. إن كل ما على الإنسان أن يفعله “ليبقى” (صحيحا) هو أن يحول دون أن تتشوه أو تنحرف أو تجهض مسيرة تطوره، وهذا فى ذاته هو أنجح الدعائم لما يصلح أن نسميه صحة، نفسية أو غير نفسية.
  4. إن الوعى بالجارى، ومحاولة استيعاب التأثير السلبى أو الإيجابى للمعرفة المعاصرة الجديدة، والأدوات الأحدث، والتقنية المتطورة، يزيد من مسئوليتنا للعمل على الحيلولة دون الانحراف أو التشويه أو الإجهاض لمسيرة التطور، باستعمال نفس هذه الأدوات والمعلومات المعاصرة.
  5. إن أى إنجاز، أو تنظير، إنما تقاس إيجابيته على المدى الطويل بمدى إسهامه فى إنجاح بقاء النوع وتطوره بشكل أو بآخر.
  6. إنه يمكن قراءة هذا المقال من جديد فى ضوء كل ذلك، جنبا إلى جنب مع التذكرة.
  7. قررت من خلال كل ذلك أن أعيد نشر المقال كما هو، مع الهوامش اللازمة، حيث اكتشفت فيه ، ومنه ما يحتاج إلى إضافة أو إعادة، أو توضيح:

وفيما يلى بعض ذلك، مع مراعات أن ما سود  بالبنط الأسود الثقيل هو ما سوف يأخذ نصيبا أكبر فى مناقشته فى الهوامش:

نص المتن (مجلة شموع عدد يونيو 1997)

ماذا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يقال‏ ‏عن‏ ‏الصحة‏ ‏العقلية‏ ‏فى ‏ظروف‏ ‏العصر‏ ‏الجديدة‏، ‏لقد‏ ‏شبعنا‏ ‏حديثا‏ ‏عن‏ ‏مسائل‏ ‏التوتر‏، ‏والقلق‏، ‏والسرعة‏، ‏والضغوط‏، ‏كلام‏ ‏كثير‏ ‏معاد‏، ‏وصحيح‏ (‏للأسف‏) ‏لكنه‏ ‏أبدا‏ ‏لا‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏مسئولية‏ ‏المواجهة‏ ‏التى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نتحملها‏ ‏أمام‏ ‏ضمائرنا‏ ‏باعتبارنا‏ ‏بشرا‏ ‏نعيش‏ ‏معا‏ ‏سنة‏ 1997، ‏ومطلوب‏ ‏منا‏ ‏الآن‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏أى‏ ‏وقت‏ ‏مضى‏ ‏أن‏ ‏نساهم‏ ‏فى‏ ‏صناعة‏ ‏التاريخ‏ ‏بوعى ‏قادر‏ ‏وإلا‏ ….‏

والسؤال‏ ‏الصدمة‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يغيب‏ ‏عنا‏ ‏أبدا‏ ‏يقول‏:‏  هل‏ ‏الإنسان‏ ‏معرض‏ ‏للانقراض؟

والإجابة‏ ‏المسئولة‏ ‏هى:‏نعم‏ !!‏

هذه‏ ‏هى ‏الصيحة‏ ‏الحقيقية‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏موضوع‏ ‏هذا‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏الصحة‏ ‏العقلية‏، ‏وهى ‏الصيحة‏ ‏المختصرة‏ ‏والخطيرة‏ ‏فى ‏آن‏، ‏وهى ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تساهم‏ ‏فى ‏المسيرة‏ ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏ – ‏وقد‏ ‏تعمدت‏ ‏أن‏ ‏أستعمل‏ ‏لفظ‏ ‏الصحة‏ ‏العقلية‏ ‏وليس‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏، ‏لأن‏ ‏مسألة‏ ‏صحة‏ ‏العقل‏ ‏هى ‏محور‏ ‏الوجود‏ ‏البشري‏، ‏والعقل‏ ‏ليس‏ ‏عضوا‏ ‏جسديا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏وعى ‏كلى‏، صحيح‏ ‏أن‏ ‏محور‏ ‏نشاطه‏ ‏هو‏ ‏الدماغ‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏كلية‏ ‏حضوره‏ ‏تشمل‏ ‏كل‏ ‏الجسد‏ ‏وتمتد‏ ‏إلى ‏دوائر‏ ‏التواصل‏ ‏حوله‏، ‏أقول‏ ‏إن‏ ‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏ ‏وقد‏ ‏غمره‏ ‏فيضان‏ ‏المعلومات‏ ‏قد‏ ‏أصبح‏ ‏فى ‏حاجة‏ ‏إلى ‏إعادة‏ ‏صياغة‏ ‏وجوده‏ ‏من‏ ‏الأساس‏.‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏المسألة‏ ‏مسألة‏ ‏توازن‏ ‏داخلي‏، ‏وتكيف‏ ‏خارجى. ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏المسألة‏ ‏إنجاز‏ ‏عمل‏ ‏أو‏ ‏تحقيق‏ ‏منفعه‏.‏ لم‏ ‏تعد‏ ‏المسألة‏ ‏شكوى ‏من‏ ‏ألم‏ ‏نفسى‏ ‏أو‏ ‏قلة‏ ‏فى ‏راحة‏ ‏البال‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏الرخاوة‏ ‏المسماة‏ ‏الرفاهية‏.‏

الهامش (1) الإشارة هنا إلى أن العقل ليس عضوا جسديا، بقدر ما هو وعى كلى تذكرنا بأطروحة “دانييل دينت” العظيمة عن “أنواع العقول”، والتى سبق أن ناقشتها وأنا أرجح أنه يعنى بكلمة “العقل”، مستوى “البرنامج البقائى الذى أبقى الأنواع تلو الأخرى، وهو البرنامج الكامن فينا حتى الآن، وهو الذى أطلق عليه “منظومة مستوى الوعى” على أى مستوى هيراركى حتى نصل إلى الوعى/العقل الظاهر.

الهامش (2) الإشارة إلى أن هذا العقل بهذا المعنى برغم أن محور نشاطه الدماغ “.. ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏كلية‏ ‏حضوره‏ ‏تشمل‏ ‏كل‏ ‏الجسد‏ ‏وتمتد‏ ‏إلى ‏دوائر‏ ‏التواصل‏ ‏حوله‏” ، هذا التعبير الذى لا أعرف كيف كتبته هكذا، يجعل استعمال العقل، وبالتالى “الصحة العقلية” صالح للأمى الذى لا يفك الخط، فى عصر المعلومات، مثلما هو صالح لمن يستعمل كلمة العقل بالمعنى الغالب الشائع، بل إن نفس الكلمة “العقل” يستعملها “دانييل دينت” للنمل والنحل والصراير، وهذا التعبير لا يدخل الجسد فقط فى تكوين هذا العقل/الوعى، بل يضيف إليه “امتداد دوائر التواصل حوله” وهذا هو ما تعلمته من العلاج الجمعى فى قصر العينى بوجه خاص حين اكتشفت أن ثم وعى جماعى Collective Consciousness  يتشكل هو الذى يجمع المجموعة من الأطباء والمرضى، ويصّاعد بنا إلى وعى أعلى فأعلى، وأسميته الوعى الجمعى، وأعتقد أن نفس الوعى الجمعى هو البرنامج الذى حافظ على من بقى من الأحياء ممن نجح أن ينمى هذا الوعى الجمعى عنده بكفاءة حفظت بقاءه، وما تميز الإنسان إلا بأنه سمّاه أو أدركه، مع أنه لم يثبت أنه قد أحسن استعماله حتى الآن بكفاءة أكثر من أسلافه.

النص

……الإشكالة‏ ‏الحديثة‏ ‏التى ‏تواجه‏ ‏إنسان‏ ‏العصر‏ ‏لتحقيق‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏هى ‏إشكالة‏ ‏جوهرية‏ ‏تبدأ‏ ‏بحاجته‏ ‏لتعريف‏ ‏معنى ‏لوجود‏ ‏الفرد‏ ‏البشرى ‏فى ‏الظروف‏ ‏الجديدة‏، ‏وكذلك‏ ‏هدف‏ ‏لاستمراره‏، ‏وسبل‏ ‏بقائه‏، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏أصبح‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏شكل‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏الوعى‏، ‏وشكل‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏العلاقات‏، ‏وشكل‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏الانتاج‏، ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏بمقياس‏ ‏الذى ‏يجرى ‏الآن‏ ‏إنما‏ ‏تتحقق‏:‏  ‏ليس‏ ‏بدرجة‏ ‏التوازن‏‏، ‏وإنما‏ ‏بدرجة‏ ‏التناسق‏ ‏الحركى ‏المناسب‏،‏  وهى ‏لا‏ ‏تتحقق‏ ‏بالخلو‏ ‏من‏ ‏الأعراض‏، ‏وإنما‏ ‏بالقدرة‏ ‏على ‏استيعاب‏ ‏معنى ‏الأعراض‏ ‏لإعادة‏ ‏تشكيلها‏ ‏فى ‏قوة‏ ‏دفع‏ ‏جديدة‏.‏  وهو‏ ‏لا‏ ‏تتحقق‏ ‏بالسكون‏ ‏الآمن‏، ‏وإنما‏ ‏بالحركة‏ ‏المتعددة‏ ‏التوجه‏. ‏

الهامش (3) أعتقد أن المقصود هنا هو “التعرف على”، وليس “تعريف” بوجود الفرد البشرى، كما أنها لا تقتصر على وجود الفرد البشرى، بل لعلها تغوص فى عمق وجود “النوع البشرى”.

الهامش (4) التفرقة بين التوازن، وبين التناسق الحركى المناسب، بدت لى أثناء هذه القراءة ليست تفرقة ثانوية أو هامشية، ذلك أن التوازن يحمل معنى الثبات والتعادل، وهو ما يقابل الكلمةHomeostasis  بالإنجليزية، وقد كنا قديما نعلى من قيمة هذه الظاهرة كأنها هى المطلوب المحافظة عليها لتأمين حيوية الوجود البيولوجى واستمراره، لكن بعد انتمائى إلى التطور والإيقاع الحيوى، تبينت، مدعما بنظريات أحدث، أن هذا “الهميوستازس” لا ينبغى أن يكون غاية المراد إلا فى طور الملء Filling من أطوار نبض الإيقاع الحيوى، وبالتالى علينا ألا نفرح كثيرا بهذا الثبات إلا تحضيرا لما يعد به مما جاء هنا وأسميناه “التناسب الحركى المناسب”، إن إضافة لفظ الحركى، ينبهنا إلى حركية النقلة المحتملة، لما جاء بالجملة التالية “إعادة التشكيل” وهو ما لا يتنافى مع التناسب الحركى، بل يتداخل معه، وقد لاحظت فى كثير من المحكات التى وردت فى هذه الأطروحة الباكرة تركيزا بدرجات مختلفة على حتم الحركية كأساس للتوازن النشط .

النص:

هذه‏ ‏مقدمة‏ ‏لابد‏ ‏بعدها‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏التفصيل‏ ‏أو‏ ‏التحديد‏، ‏وإن‏ ‏كنت‏ ‏أشعر‏ ‏أن‏ ‏المقال‏ ‏كله‏ ‏لا‏ ‏يعدو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مقدمة‏.‏ وفيما‏ ‏يلى ‏رؤوس‏ ‏مواضيع‏ ‏تمثل‏ ‏المواقف‏، ‏والقيم‏ ‏والقياسات‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نعيد‏ ‏من‏ ‏خلالها‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏الصحة‏ ‏العقلية‏ ‏لإنسان‏ ‏عصر‏ ‏المعلومات‏.‏

النص: أولا‏:

‏يكون‏ ‏الانسان‏  ‏المعاصر‏ ‏صحيحا‏ ‏نفسيا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يوفق‏ ‏بين‏ ‏تلقى ‏المعلومات‏ ‏على ‏وفرتها‏ ‏الآن‏ ‏وبين‏ ‏تأجيل‏ ‏القفز‏ ‏إلى ‏تسطيح‏ ‏العلاقات‏ ‏بينها‏، ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏مناسبا‏ ‏أن‏ ‏نفكر‏ ‏بالطريقة‏ ‏الخطية‏ ‏السببية‏: ‏السبب‏ (‏واحد‏) ‏يؤدى ‏إلى ‏النتيجة‏ (‏واحد‏) – ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يحقق‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏إلا‏ ‏لأطفال‏ ‏مدارس‏ ‏ضعاف‏ ‏العقول‏، ‏وإنما‏ ‏تتحقق‏ ‏الصحة‏ ‏الآن‏ ‏بالقدرة‏ ‏على ‏تلقى ‏عشرات‏ ‏المتغيرات‏ ‏المرتبطة‏ ‏بعشرات‏ ‏النتائج‏، ‏ثم‏ ‏يتحمل‏ ‏الإنسان‏ ‏العادى – ‏بقدراته‏ ‏الجديدة‏ – ‏استيعاب‏ ‏حركية‏ ‏هذه‏ ‏العلاقات‏ ‏معا‏، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏مع‏ ‏استمرار‏ ‏الفعل‏ ‏المنتج‏ ‏اليومى ‏البسيط‏!‏

الهامش (5) الغالب أنه ليس المقصود هنا بتعبير “استيعاب حركية هذه العلاقات” أية درجة من الوعى الظاهر، أو العمل العقلى، وإنما المقصود هو التمثل والتفعيل الذى يظهر ناتجه إمبريقيا فى “الفعل المنتج اليومى البسيط”، وهو قريب مما أشرنا إليه فى بداية هذا الفصل: أن نعمل، ونحب ونرضى.

النص: ثانيا:

…… ‏يكون‏ ‏الانسان‏ ‏المعاصر‏ ‏صحيحا‏ ‏نفسيا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يتعلم‏ ‏أن‏ ‏يحب‏ ‏نفسه‏ ‏بالمعنى ‏الجديد‏ ‏للحب‏، ‏الذى ‏يشمل‏ ‏الوعى ‏والمسئولية‏، ‏وأن‏ ‏يصب‏ ‏هذا‏ ‏الحب‏ ‏لنفسه‏ ‏فى ‏خير‏ ‏الناس‏ ‏دون‏ ‏إدعاء‏ ‏فروسية‏ ‏العطاء‏ ‏أو‏ ‏زعم‏ ‏التضحية‏، ‏إنه‏ ‏الذكاء‏ ‏الجديد‏ ‏الذى ‏يجعل‏ ‏المصلحة‏ ‏البادئة‏ ‏بالذات‏ ‏هى ‏هى ‏المصلحة‏ ‏التى ‏تعود‏ ‏على ‏المجموع بما يصلح لهم وبهم‏.‏

الهامش (6) التفرقة بين حب النفس Self Love  وبين ما يسمى الأنانية Selfishness هى تفرقة هامة، وأيضا تحديد المعنى الأنضج لما هو “حب” يعطى لمقولة فرويد الأساسية التى بدأنا بها هذا الفرض (أن تعمل وتحب) قيمة عملية وموضوعية أكبر، الحب بمعنى الوعى والمسئولية، هو الذى يتجاوز صفقات الاحتياج دون إنكار الحق فيها، ووصف هذا التعرف على هذا المعنى للحب بأنه “المعنى الجديد للحب” ، قد يعطى إيضاحا مناسبا لوصف الذكاء بأنه أيضا “الذكاء الجديد“، “، مرة أخرى أنبه إلى أن هذا ليست تحديثا أخلاقيا لكل من الحب والذكاء، بقدر ما هو أقرب إلى الاشارة إلى احتمال تشكيل برامج بقائية أحدث أكثر كفاءة وتناسبا مع مرحلة الإنسان المعاصر إن كان لها أن تواصل إيجابياتها أكثر.

النص: ثالثا:

…… يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏ ‏صحيحا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يحافظ‏ ‏على ‏مرونة‏ ‏الحركة‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏الناس‏، ‏وبينه‏ ‏وبين‏ ‏الموضوع‏، ‏وليس‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏الآخرين‏ ‏بزعم‏ ‏التفانى ‏فيهم‏ ‏أو‏ ‏حبهم‏ ‏أو‏ ‏الحاجة‏ ‏إليهم‏، ‏ومرونة‏ ‏الحركة‏ ‏تفرضها‏ ‏وفرة‏ ‏المعلومات‏ ‏الحديثة‏، ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏الإنسان‏ ‏أن‏ ‏يحيط‏ ‏بهذه‏ ‏المعلومات‏  – ‏باعتبارها‏ ‏مثيرات‏ ‏موضوعية‏ – ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‘‏المرونة‏’ ‏…. ‏هى ‏القيمة‏ ‏التى ‏تحدد‏ ‏نوع‏ ‏الادراك‏ ‏وحيوية‏ ‏المسافة‏.‏

الهامش (7) أعتقد أن من المناسب هنا أن نضيف إلى أن المسألة ليست مسألة مرونة وتصلب، بقدر ما هى إشارة إلى حركية فى مقابل سكون، (أو حركة مغلقة فى المحل)، إن الحديث عن “تناغم المسافة” أيضا (وهو تعبير لا أعرف كيف صيغ منى) ربما هو تأكيدا لتداخل أنواع مختلفة من الحركة، سبقت الإشارة إليه فى نشرة 8-9-2009 حركية استحالة العلاقة الممكنة بين البشر (1 من 2)، نكتفى بأن نذكر أسماءه الآن وهى: حركة الدخول والخروج، والحركة الاستقطابية المحيطة، والحركة الجدلية التكاملية، كل هذه الحركات تجرى أيضا ببرامج تلقائية عند سائر الأحياء، وأعتقد أنها هى التى حفظت البقاء لها جميعا، والوعى بها من جانب الإنسان ليس له فضل إنشائها بل عليه مسئولية الحفاظ عليها إن أمكنه فك شفرتها، فإن لم يتمكن من ذلك فلا أقل من ألا يحول دون تفعيلها إلى ما تعد به.

النص:  رابعا

…… ‏يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏صحيحا‏ ‏نفسيا‏ ‏بقدر‏ ‏المساحة‏ ‏التى ‏يتحرك‏ ‏فيها‏، ‏وليس‏ ‏بقدر‏ ‏الإنجاز‏ ‏الذى ‏يحققه‏ ‏منفصلا‏ ‏عنه‏، ‏وهذه‏ ‏المساحة‏ ‏متصلة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏بمرونة‏ ‏الحركة‏، ‏ومتصلة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏بتحمل‏ ‏وفرة‏ ‏المعلومات‏ ‏لدرجة‏ ‏تسمح‏ ‏بالحركة‏ ‏منها‏ ‏وبها‏، ‏لا‏ ‏بالغرق‏ ‏تحتها‏ ‏أو‏ ‏بإنكارها‏.‏ وهذا‏ ‏كله‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تغيير‏ ‏جذرى ‏فى ‏طرق‏ ‏التعليم‏، ‏وتنمية‏ ‏الخيال‏ ‏فى ‏الواقع‏ ‏اليومي‏، ‏وتنظيم‏ ‏العلاقات‏ ‏بشكل‏ ‏حيوى ‏متجدد‏.‏

الهامش (8) مرونة الحركة، وحركية المسافة، وما شابه يحتاج إلى مساحة، والمساحة ليست فقط مكانا بل هى زمن مكانى متسع، ومتنفس قادر على النتح والتلقى، وأعتقد أن التأكيد المتكرر على هذه الأبعاد يجعل ما ذهبت إليه لأول وهلة من تصور هذه المواصفات باعتبارها “يوتويبيا” غير صحيح، إذ تظل الحركة، والمسافة، والمساحة وما إليها تربطنا باستمرار بالإيقاع الحيوى كأساس لأى صحة نفسية (لا تحتاج أن تسمى كذلك).

النص: خامسا

…… يكون‏ ‏الإنسان ‏يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏ ‏صحيحا‏ ‏نفسيا‏ ‏بحسب‏ ‏قدرته‏ ‏على ‏مواجهة‏ ‏قضايا‏ ‏التلوث‏، ‏والحديث‏ ‏الجارى ‏الآن‏ ‏يغلب‏ ‏عليه‏ ‏مفهوم‏ ‏تلوث‏ ‏البيئة‏، ‏بالمخلفات‏، ‏والعادم‏ ‏وما‏ ‏شابه‏، ‏ولا‏ ‏يجرى ‏الحديث‏ ‏بقدر‏ ‏مناسب‏ ‏أو‏ ‏كاف‏ ‏عن‏ ‏تلوث‏ ‏الوعي‏، ‏مع‏ ‏أن‏ ‏ملوثات‏ ‏الوعى ‏الحديث‏ ‏كثيرة‏، ‏ومرعبة‏، ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏أى ‏معلومة‏ ‏تقتصر‏ ‏على ‏مخاطبة‏ ‏مستوى ‏من‏ ‏الوعى ‏دون‏ ‏الآخر‏، ‏هى ‏معلومة‏ ‏كالجسم‏ ‏الغريب‏، ‏وهى ‏ملوثة‏ ‏لأنها‏ ‏معوقة‏ ‏للتناغم‏، ‏أو‏ ‏مخدرة‏ ‏وليست‏ ‏مفجِّرة، (لإعادة التشكيل)‏.‏

الهامش (9) هذا الاستعمال الخاص لمعنى التلوث يقربنا من الانتباه إلى أن إطلاق حريكة التناغم فى نبضات الإيقاع الحيوى، يتعارض جذريا مع حشر هذه النغمات النشاز منفصلة عن كلية اللحن، والتركيز هنا على عمل مستويات الوعى معا، دون التسليم لغلبة مستوى على الآخر، مهما كان هذا المستوى هو الأحدث، أو مهما سمى باسم محترم له سمعة طيبة مثل لفظ “العقل”، أقول إن هذا المعنى للتلوث يؤكد أن غلبة مستوى ما حتى لو سمى “عقلا” إنما يحمل مخاطر الاغتراب فى آليات الدفاع المعقلنة، أما غلبة العقول الأقدم فهو يعرضنا للنكوص، أو حتى لعشوائة الجنون ونشاز البدائية.

وبعد

أتوقف هنا نظرا لشعورى بدسامة الجرعة، آملا أن نواصل الثلاثاء القادم ونحن نعرض لبقية هذه الأطروحة وتحديثها ببقية الهوامش،

 وربما لختم هذه المقدمات التى طالت بآخر تحديث لنوابية أنغام برامج الإيقاع الحيوى، وهو التناوب بين حالات الوجود (وليس فقط مستويات الصحة، ولا طورى النبض الحيوى، ولا مسويات الوعى الهيراركية) ألى وهى حالات “حالة العادية” وحالة “الجنون” (كحالة وليس كمرض) وحالة الإبداع، كما وردت فى فرض “جدلية الجنون والإبداع”

وإلى الأسبوع القادم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *